البحث في المجالس موضوعات تعليقات في
البحث المتقدم البحث في لسان العرب إرشادات البحث

مجلس : التاريخ

 موضوع النقاش : هولاكو وبنوه    قيّم
التقييم :
( من قبل 4 أعضاء )
 زهير 
24 - ديسمبر - 2010
 
كان هولاكو عامل القان الأعظم على خراسان وفارس وأذربيجان وعراق العجم وعراق العرب والشام والجزيرة والروم وديار بكر وفيما يلي ترجمته وترجمة من حكم العراق من بعده من بنيه:
 قال الصفدي في (الوافي):
هولاكو بن تُولى قان بن جنكزخان ملك التتار ومقدمهم، كان طاغيةً من أعظم ملوك التتار وكان شجاعاً مِقداماً حازماً مدبراً ذا همةٍ عاليةٍ وسطوة ومهابةٍ وخبرة بالحروب ومحبَّة في العلوم العقلية من غيرِ أن يتعقل منها شيئاً، اجتمع له جماعة من فضلاءِ العالم وجمع
حكماء مملكته وأمرهم أن يرصدوا الكواكب، وكان يطلِق الكثير من الأموال والبلاد وهو على قاعدة المغل في عَدَم التقييد بدينٍ، لكنّ زوجته تنصرت، وكان سعيداً في حروبه، طوى البلاد واستولى على الممالك في أيسرِ مدةٍ، فتح بلاد خراسان وفارس وأذربيجان وعراق العجم وعراق العرب والشام والجزيرة والروم وديار بكر كذا قال قطب الدين، وقال الشيخ شمس الدين: الذي فتح خراسان وعراق العجم جنكزخان، وهولاكو أباد الملوك وقتل الخليفة المستعصم وأمراء العراق وصاحب الشام ميّافارقين، وقال الظهير الكازروني: حكى النجم أحمد بن البّواب النقّاش نزيل مراغة قال: عزم هولاكو على زواج بنت ملك الكرج فأبت حتى يُسِلمَ، فقال: عرِّفوني ما أقول، فعرضوا عليه الشهادتين، فأقَرَّ بهما، وشهد عليه بذلك خواجا نصير الدين الطوسي وفخر الدين المنجم، فلما بلغها ذلك أجابت، فحضر القاضي فخر الدين الخلاطي وتوكَّل لها النصير، ولهولاكو الفخر المنجم، وعقدوا العقد باسم تامار خاتون بنت الملك داود إيواني على ثلاثين ألف دينارٍ، قال ابن البواب:
وأنا كتبتُ الكتاب في ثوب أطلس أبيض، وتوفي هولاكو بعلّة الصَّرع وأخفَوا موتَه وصبّروه وجعلوه في تابوتٍ، وكان ابنه أبغا غائباً فطلبه المغل وملّكوه، وهلك هولاكو وله ستون سنة
او نحوها في سنة أربع وستين وستمائة، وخلّف من الأولاد سبعةَ عشرَ ولداً سِوى البنات وهو أبغا و واشموط و تمشين و تكشى، وكان جباراً، واجاي ويَستِز ومنكوتمر، الذي التقى هو والمنصور قلاوون على حمص وانهزم جريحاً، وباكُودَر وارغون ونغاي دَمُر والملك أحمد، وقد جمع صاحب الديوان كتاباً في أخبارهم في مجلدين، وكان القان الأعظم في أيّام هولاكو مونكوقا بن تولى بن جنكزخان، فلما هلك جلس بعده على التخت أخوهما قبلاي
وامتدّت أيّامه وطالت دولته، ومات قبلاي في خان بالِق سنة خمس وتسعين وستمائة، وكانت مملكته نحواً من أربعين سنة وقد تقدم ذكر قبلاي في مكانه من حرف القاف.
 
 2  3  4  5  6 
تعليقاتالكاتبتاريخ النشر
السفرة الشمالية    كن أول من يقيّم
 
السفرة الشمالية: رحلة الحافظ ابن حجر التي وصف فيها تجريدة آمد أيام الملك الأشرف وكان في الثالثة والستين من عمره ، ولما بلغ قلعة البيرة خيره السلطان بين المقام في البيرة أو الرجوع إلى حلب فاختار الرجوع إلى حلب قبل بدء الحرب قال:
 
ذكر السفرة الشمالية
في يوم الجمعة تاسع عشر شهر رجب وهو أول يوم نزلت فيه الشمس الحمل =وهو يوم 22/ 3/ 1433م= رحل السلطان من الريدانية قبل صلاة الجمعة بقدر
نصف ساعة، فصلينا الجمعة بالقاهرة وسرنا فبتنا مع العسكر بالعكرشة، ورحل سحراً فوصل بلبيس قبل الظهر، ورحل طلوع الفجر فنزل الحطارة بعد الظهر، ورحل نصف الليل فوصل الصالحية بعد طلوع الشمس يوم الاثنين، ثم رحل منها في ثالثة الثلاثاء إلى الغرابي فنزلها بعد العشاء بكثير فقطع أربعة برد: (بتر الوالي ثم العقولة ثم بتر حبوة ثم الغرابي)
ورحل يوم الأربعاء وقت الزوال فوصل قطيا بعد العصر والأثقال بعد المغرب، وأقام إلى أن رحل منها بكرة الجمعة فوصل السوادة بعد العشاء، وهي ثلاث برد (معن ثم المطيلب ثم السوادة)
ثم رحل قبل طلوع الشمس فوصل إلى العريش بعد العشاء وهي ثلاثة برد (الورادة ثم برد ويل) فبات بالعريش ليلة الأحد ورحل في الثالثة إلى الحروبة ثم الزعقة قبل المغرب، ثم رحل بعد نصف الليل أول يوم من شعبان فاجتاز على رفح ثم خان يونس ثم نزل خارج غزة، ثم دخلها وقت العصر سلخ رجب فدخلها - في موكب عظيم فبات خارجها إلى جهة الشام، وسلمنا على السلطان يوم الثلاثاء وهنأناه بالسلامة وبالشهر، وكان ثبت عندهم يوم الاثنين، وحصل من الجند في زرع الناس فساد كبير، وأقام بها ليلة الخميس فرحل فوصل إلى المجدل بعد طلوع الشمس، ونزل بموضع يقال له السكرية، ووقع في تلك الليلة برد شديد عند السحر أشد من الشتاء المعتاد بعد أن كان في النهار شديداً إلى الغاية، ورحل بعد المغرب على طريق العوجاء ولم يدخل الرملة واجتاز بسازور، ورحل قبل طلوع الشمس يوم السبت إلى قاقون وهي منزلة نزهة لكثرة الخضرة والنضارة فنزل بعد العصر، ورحل إلى اللجون ونزل - قبل الفجر، وهي منزلة وعرة إلى الغاية فنزل بعد الظهر، ورحل يوم الاثنين أول النهار فنزل ببيسان وهي طريق وعرة بعد المغرب، ورحل قبل الفجر إلى جسر أم جامع - وحصل لهم فيه وحلة عظيمة عند القنطرتين وهناك النهر من بحيرة طبرية، فوصل إلى الكرك آخر النهار ليلة العاشر، وطلع العقبة وهي كثيرة الوعر مع الخضرة في أرضها فنزل بالخربة الظهر، وبات ليلة الحادي عشر فوصل نائب الشام والقضاة أول النهار وسلموا، وسار ليلة الجمعة سحراً إلى العدوانية فنزل الظهر، وفي الطريق قنطرة حصل عندها ازدحام شديد، ورحل ليلة السبت إلى شقحب بعد الظهر والطريق إليها شديد الوعر جداً، وفيه مخاضات وهي أرض فيحاء خضرة، ووصل ليلة الرابع عشر قبل الفجر إلى قبة يلبغا ورم على خان ذي النون والكسوة فبات ليلة النصف واصبح فعمل الموكب ودخل دمشق من أول النهار إلى أن وصل الخيام ببرزة، وهبت في آخر النهار ريح شديدة، وفي صبيحة يوم الثلاثاء سادس عشرة هنينا السلطان بالسلامة، وعقدت مجلس الإملاء بدمشق فاستملي القاضي نور الدين بن سالم، وحضر الحافظ شمس الدين ابن ناصر الدين والقاضي شهاب الدين ابن الكشك وجمع وافر.
وفي السابع عشر عقد مجلس بسبب وقف حكم فيه نائب الحنفي، فاعترضه الشيخ علاء الدين البخاري وأفتى بنقض حكمه، فاتفق الجماعة على استمرار الحكم ونفذوه بحضرة الدويدار الكبير، وامتنع ابن حجي من التنفيذ حتى يأذن له الشيخ علاء الدين، فلم يلتفتوا إليه، وصلينا الجمعة بالقابون، ورحل طلوع الفجر العشرين منه فنزل بمرج عذراء، ورحل بعد صلاة الفجر وفي الطريق مخاضات ووعر ونزل القطيفة ووصل النبك في صبيحة الثاني
والعشرين، ورحل وقت الظهر إلى مكان عيون القصب، واجتاز في هذه الرحلة بقارا وحسيا وكانت شديدة المشقة، ووصل هناك نائب طرابلس ونائب حماة، ورحل قبل الفجر رابع عشري شعبان إلى حمص فنزل بظاهرها يوم الخميس، ورحل منها صبح الجمعة وزار خالد بن الوليد وأمر لمن فيه بمائة دينار وكان الزحام على جسر الرستن شديداً ونزل الرستن في أرض وعرة ورحل سحرا ودخل حماة بعد طلوع الشمس يوم السبت، ورحل بعد صلاة الفجر يوم الاثنين فنزل العيون نصف الليل ورحل قبل الزوال فنزل تل السلطان وأمطرت السماء على الناس مطراً شديداً ولاقوا شدة حتى نزلوا نصف الليل تل السلطان فبات ليلة الخميس، وهنئ السلطان بالشهر ووصل قضاة حلب فسلموا وذكروا أنهم لم يروا هلال رمضان ليلة الثلاثاء ثم تبين أنه ثبت عندهم ورحل يوم الخميس
ثم نزل قنسرين ليلة الجمعة، ثم رحل فنزل عين مباركة بعد الظهر يوم الجمعة، ثم دخل صبيحة السبت خامس شهر رمضان في موكب هائل إلى حلب، فنزل الشافعي عند القاضي الشافعي، والحنفي في منزل وحده، والمالكي والحنبلي جميعاً في مدرسة، وكانت الإقامة بحلب خمسة عشر يوماً وفي أثنائها استقر محي الدين ابن الشحنة في قضاء الحنفية بحلب، وكانت الوظيفة شاغرة منذ تحوّل =باكير= إلى القاهرة، وحضر إلى السلطان أكابر أمراء التركمان مثل ابن رمضان وابن قراجا وابن دلغار ومن أمراء العرب،وفي الثامن من
شهر رمضان أغار (.. بياض في الأصل) وفي السادس عشر من شهر رمضان تقدم إلى جهة الفرات نائب طرابلس ونائب صفد ونائب حماة ونائب غزة، وجاء الخبر بان الجسر عمر وأتقن وأن
قرقماس البدوي العاصي أرسل جماعة ليحرقوه فأمسك منهم أكثر من عشرين نفساً
وسافر بعدهم نائب حلب في تاسع عشر شهر رمضان، ورحل السلطان وجميع العسكر في ليلة الحادي والعشرين من رمضان، وأذن للقاضيين المالكي والحنبلي في الإقامة بحلب، وسافر صحبته الشافعي، =المقصود بالقاضي الشافعي هنا ابن حجر نفسه= وكان الحنفي استأذنه أن يزور أهله بعينتاب فأذن له، فلما رحل السلطان من حلب أرسل إليه مرسوماً أن يلاقيه بالبيرة، وفي رابع عشري (24) رمضان أغار قرقماس البدوي على ابن الأقرع البدوي فقتله واستاق من ماله نحو مائتي بعير، وخرج نائب
الغيبة بحلب في طلبه فلم يظفر به، وفي يوم الجمعة اجتاز السلطان الجسر المعد على الفرات واجتاز العسكر بعده أولاً فأولاً فلم  يتكاملوا إلى بقية يوم الأحد لكثرتهم، فلما كان يوم الأحد وقت الظهر أذن السلطان للقاضيين الشافعي والحنفي في الرجوع، فلما سلم عليه
الشافعي خيره بين الإقامة  بالبيرة أو بحلب، فاختار التوجه صحبة الحنفي إلى عينتاب ليأكل ضيافته ببلده، ثم يتوجه إلى حلب، فأذن في ذلك واصحبه أميرا صحبته خمسة من الرماة، وتوجها صحبة الأمير فدخلا عينتاب قبل العيد بثلاثة ايام ثم صلينا العيد، وتوجهت إلى جهة حلب، وتخلف العيني ببلده أياماً ثم وصل إلى حلب في حادي عشر شوال.
وفي الثامن والعشرين من شوال كسفت الشمس بعد العصر واستمرت إلى وقت الغروب فانجلت بعد أن صليت بالجماعة بالجامع الكبير صلاة الكسوف على الصورة المشروعة في السنة النبوية فما سلمت إلا وقد انجلت، وغربت الشمس فصلينا المغرب بالجامع وانصرفنا بغير خطبة، وكنت بعد السلام من الصلاة  أرسلت بعض الشهود ليصعد المنارة ليشاهد الشمس هل تم  انجلاءها! فصعد وعاد بأنها انجلت انجلاء تاماً،وذكر أنه صادف في طلوعه رجلاً يفجر بشاب في سلم المنارة، وتعجبت من جرأته في مثل تلك الحالة؛
أما العسكر فاستمر السلطان حتى وصل الرها فعبروها فوجدها خالية، واستمر إلى آمد فنازلها أول يوم وقتل من الفريقين جماعة وتبين أن بها ولد قرايلك وجماعة من العسكر وهي في غاية الحصانة، فلم يقدر عليها فنصب عليها منجنيقاً أقام في عمله مدة،
وتبين أن قرا يلك مقيم بجبل بالقرب من آمد، فتوجه إليه بعض العسكر وأوقع به ساقة العسكر فانهزم مكيدة، ثم عطف عليهم لما عرف بعدهم من الجريدة فأوقع بهم فانهزموا وراموا من أمير الجريدة أن يتبعه فخشوا من كيده فتركوه، وبلغ السلطان ذلك فغضب منه.
ويقال إن نائب الشام كان غضب من تقدم اينال الجكمي عليه فقصر في طلب قرا يلك مع قدرته عليه لشهامته وفروسيته، وكل شيء له أجل محدود لا يتعداه، وصاروا في شدة في زمن حصار آمد من كثرة الحر والذباب ووخم الأرض من الجيف المقتولة.
وعزت الأقوات فوضعوا أيديهم في الزروع التي في ضواحي البلد فأفسدوها، ونقلوا ما بها من الشؤن فتوسعوا به، واتخذوا أرحية ليطحن لهم غلمانهم فيقتاتوا بذلك، ودام الأمر خمسة وثلاثين يوماً إلى أن ملوا ولم يظفروا بشيء فتراسلوا في الصلح، فاستقر الأمر على أن يخطب للسلطان ببلاده، وأن لا يتعرض لأحد من جهة السلطان ولا من معاملات بلاده، ولا يمكن أحداً من جهته يقطع طريق التجار ولا القوافل وأن يسلم أكثرها فأجاب إلى ذلك وانتظم الأمر، وتوجه القاضي شرف الدين سبط ابن العجمي كبير موقعي الدست لتحليفه فحلفه ورجع، وتوجه السلطان بالعساكر إلى الرها فدخلها في تاسع عشر ذي القعدة، وقرر بها نائباً اينال الأجرود الذي كان نائباً بغزة، وجعل عنده مائتي مملوك ليحفظها، وأعطاه تقدمة قانباي البهلوان بحلب، وأعطى قانباي تقدمة تغري بردي المحمودي بدمشق وقدم إلى حلب، فتلقيناه بالباب وبزاعة في اليوم الأحد رابع عشري ذي القعدة، ودخل حلب في ليلة الاثنين بغير موكب، وأقام بالمخيم أيضاً، واستهل به شهر ذي الحجة، ثم خرج منها يوم السبت السابع منه، فدخل دمشق يوم الخميس التاسع عشر منه ونزل بقلعتها، ونزل الجند ينهبون الناس وحصل الضرر بهم ولكن لم يفحش، ثم رحل منها يوم السبت الثاني والعشرين منه، وفي مستهل ذي الحجة أرسل قرقماس بن نعير =أمير العرب من آل مهنا= ولده إلى السلطان بهدية سنية، ومن جملتها فرس كان اشتراه بألف دينار، ورد على السلطان فرساً سرقه منه تركمانيان فظفر به معهما فجهزهما مع الفرس، فأعجب السلطان ذلك وخلع على ولده وأمر بشنق التركمانيين.
 وذكر الشيخ شهاب الدين أبو بكر بن محمد بن شادي الحصني أن يعقوب ابن قرايلك أمير خرت برت على معتقد النسيمي المقتول بحلب، وأنه يرى تحريم معاملة خادم الحرمين وأرسل ينكر على أبيه، وكذا أنكر عليه أخوه علي بك أمير كماخي، وأن قرا يلك راسل اينال الأجرود يتهدده، فأراد قتل رسوله ثم شفع فيه وضربه ورده رداً عنيفاً؛ فبلغ ذلك قرا يلك فندب عسكره إلى القتال فامتنعوا، وأنه بلغه أن السلطان أراد العود إلى آمد فأمر بإحراق جميع المراعي التي حولها وكان قرايلك خرج من آمد إلى أرمس وترك بآمد ولده، فلما زحف العسكر على آمد قتل مراد بك بن قرا يلك بسهم، ونزل محمود بن قرا يلك في عسكر على جبل مشرف على العسكر فصار يتحدى من خرج، فندب السلطان سرية فأحضروا عشرين رجلاً منهم فوسطوا تجاه القلعة.
*زهير
24 - ديسمبر - 2010
ترجمة برسباي في الضوء اللامع    كن أول من يقيّم
 
برسباي الدقماقي الظاهري برقوق الاشرف أبو النصر.
ودقماق المنسوب إليه هو نائب حماة من عتقاء الظاهر برقوق ابتاعه وأرسل به في جملة تقدمة لأستاذه فأنزله في جملة مماليك
الطباق ثم أخرج له قبل موته خيلاً وأنزله من الطباق وقد أعتقه واستمر في خدمته ثم خدمة ابنه الناصر ثم صار من أتباع نوروز ومن قبله كان مع جكم ثم صار مع شيخ بعد قتل الناصر وحضر معه إلى مصر فولاه نيابة طرابلس ثم غضب منه فاعتقله نائب
دمشق فلما دخل ططر الشام بعد المؤيد استصحبه إلى القاهرة وقرره دواداراً كبيراً فلما استقر ابنه الصالح محمد كان نائباً عنه في التكلم مدة أشهر إلى أن اجتمع الرأي على خلعه وسلطنة صاحب الترجمة وذلك في ثامن ربيع الآخر سنة خمس وعشرين وثمانمائة وأذعن الأمراء والنواب لذلك وساس الملك ونالته السعادة ودانت له البلاد وأهلها وخدمته السعود حتى مات وفتحت في أيامه بلاد كثيرة من أيدي الباغين من غير قتال، وكذا فتحت في أيامه قبرس وأسر ملكها ثم فودي بمال جزيل حمله إليه وقرر عليه شيئاً يحمله كل سنة وأطلقه وكان الفتح المشار إليه في رمضان سنة تسع وعشرين وثمانمائة ونظم الزين بن الخراط فيه
قصيدة هائلة أنشدها للسلطان وخلع عليه حينئذ أولها:
بـشراك يا ملك المليك iiالأشرف بـفتوح قبرس بالحسام iiالمشرفي
فـتـح بـشهر الصوم تم فيا iiله من أشرفٍ في أشرفٍ في أشرف
فـتـح  تفتحت السموات iiالعلى من أجله بالنصر واللطف iiالخفي
 
وخرج في رجب سنة ست وثلاثين بعساكره المصرية ثم الشامية وسائر نواب الممالك لطرد عثمان بن قرا بلوك عن البلاد حتى وصل إلى آمد فنازلها وحاصرها ثم رجع فدخل القاهرة في المحرم من التي تليها (837هـ) بعد أن حلف على بذل الطاعة له كما شرح مع غيره في محاله، واستمر إلى أن مرض فعهد لابنه يوسف بالسلطنة في رابع ذي القعدة سنة (841)  ولقب بالعزيز وأن يكون الأتابكي جقمق نظام المملكة وأقام في توعكه أكثر من عشرين شهراً إلى أن مات في عصر يوم السبت ثالث عشر ذي الحجة منها فجهز بعد أن انبرم أمر البيعة للعزيز، وصلى عليه عند باب القلعة، تقدم الشافعي الناس ثم دفن بتربته التي أنشأها بالصحراء قبل غروب الشمس وكثر ترحم العامة عليه،
 
قال المقريزي وقد أناف على الستين وكانت أيام هدوء وسكون إلا أنه كان له في الشح والبخل والطمع مع الجبن والخور وسوء الظن ومقت الرعية وكثرة التلون وسرعة التقلب في الأمور وقلة الثبات أخبار لم نسمع بمثلها وشمل بلاد مصر والشام في أيامه الخراب وقلت الأموال بها وافتقر الناس وساءت سير الحكام والولاة مع بلوغ آماله ونيل أغراضه وقهر أعاديه وقتلهم بيد غيره انتهى.
 
وله مآثر منها المدرسة الهائلة الشهيرة وكذا التربة التي بها الخطبة والتصوف أيضاً وغير ذلك كالجامع الهائل بخانقاه سرياقوس، واتفق أن العيني أخذ في إطرائه ومدحه بأنه أحسن للطلبة والقراء والفقهاء بما فاق فيه على من تقدمه حيث لم يرتبوا للفقهاء كبير أمر فقال له السبب في ذلك أنهم كانوا يوافقونهم على أغراضهم فلم يسمحوا لهم بكبير أمر وأما فقهاء زماننا فهم لأجل كونهم في قبضتنا وطوع أمرنا نسمح لهم بهذا النزر اليسير. قلت وهذا كان إذ ذاك وإلا فالآن مع موافقتهم لهم في إشاراتهم فضلاً عن عباراتهم لا يعطونهم شيئاً بل يتلفتون لما بأيديهم ويحسدونهم على اليسير ويقدمون آحاد الغرباء ممن لا نسبة لكثير منهم عليهم ويتكلفون لاعطائهم ما لا يوجد من هو يقارب شرط الواقفين إليهم فانا لله وإنا إليه راجعون؛ ولما بنى المدرسة المشار إليها واشترط فيها أن من غاب أكثر من مدة أشهر الحج تخرج وظيفته عنه سعى عنده في وظيفة بعض المقررين بها لكونه جاور عملاً بما شرطه فقال أستحيي من الله أن أعزل شخصاً هو في حرم الله ومجاور لبيته، ثم ألحق بشرطه ما يخرج ذلك ونحوه، ومدرسته الآن في سنة خمس وتسعين أحسن الأماكن صرفاً فهي مصروفة شهراً بشهر، وسيرته تحتمل مجلداً أو نحوه وهو في عقود المقريزي في دون كراسة.
*زهير
24 - ديسمبر - 2010
بركة ملك القبجاق    كن أول من يقيّم
 
القبجاق أو (القفجاق): من أسماء المغول، وقيل بل من أسماء الأوزبك والخلاف في ذلك طويل ذكرته في التعريف بكتاب "التحفة الملوكية" انظر التعليق اللاحق:
قال الصفدي في الوافي :
بركة ملك القبجاق
بركة بن توشي بن جنكزخان المغلي ملك القبجاق وصحراء سوراق، وهي مملكة متسعة مسيرة أربعة أشهر وأكثرها براري ومروج وبينها وبين أذربيجان باب الحديد في الدربند المعروف، وهو باب عظيم مغلق بين المملكتين مسلم إلى أمير كبير.
وبركة هذا هو ابن عم هولاكو؛ كان قد أسلم وكاتب الظاهر بيبرس، وبعث رسوله في البحر، وطلع من إسكندرية. وملك بعده منكوتمر بن طغان بن سرطق بن جنكزخان، وجمع عساكره، وبعثها مع مقدم لقصد أبغا، فجمع أبغا أيضاً، وسار إلى أن نزل على نهر كور، وأحضر المراكب والسلاسل، وعمل جسرين، وعدّى إلى منكوتمر، وعدى منكوتمر، وتلاقيا على النهر الأبيض، وتراسلا بعد ثلاث ساعات: حرك أبغا كوساته وقطع النهر وحمل عليه فكسره وساق وراءه بالسيف. ثم تناخى عسكر منكوتمر، ورجعوا فثبت أبغا ودامت الحرب إلى العشاء الآخرة. ثم إن أبغا استظهر، وغنم من عسكر منكوتمر شيئاً كثيراً، وعمل سوراً من خشب على النهر وقاسه من حد تفليس. وكان جزء كل مقدم مائة وعشرين ذراعاً، وفرغ في سبعة أيام. وكان بركة رحمه الله تعالى يميل إلى المسلمين، ومملكته تفوق مملكة هولاكو من بعض الوجوه، وكان يعظم العلماء والصالحين. ومن أعظم الواقعِ بينه وبين هولاكو كونه قتل الخليفة. وكان معه مساجد خيماً تحمل معه، ولها مؤذن، ويقام فيها الصلوات الخمس. وكانت وفاة بركة رحمه الله تعالى سنة خمس وستين وست مائة.
*زهير
24 - ديسمبر - 2010
التحفة الملوكية في الدولة التركية    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم
 
كتاب ثمين، تناول فيه مؤلفه (بيبرس الدوادار) أخبار سلاطين الدولة المملوكية التركية في حروبهم مع المغول والفرنجة والبيزنطيين وقدم لنا أدق وصف عن قصص اقتلاع الفرنجة من قلاعهم وتخريب حصونهم في بلاد الشام، وأهمها حصن طرابلس الذي أزاله المنصور قلاوون من الوجود وبنى قبالته طرابلس الحالية، و(حصن عكا) الذي خربه ابنه الملك الأشرف خليل، وقلعة الروم التي خربها الناصر ابن قلاوون وفتوحات الظاهر بيبرس في صفد وأرسوف وعثليث وحيفا ويافا وعسقلان وقيسارية الشام وأنطاكية والبيرة وسيس ...إلخ . وكان حديث المؤلف عن ذلك ممزوجا بكلامه المطول عن الصراع المرير على ممالك الإسلام بين قبائل التتار والترك (أحفاد إخشيد مصر). فكانت عودة الترك إلى رأس السلطة في مصر عن طريق المعز أيبك التركماني أول سلاطين المماليك البحرية (648 – 655هـ) تعني سقوط امبراطورية المغول (التتار) في الشرق . فكان ذلك السبب الأكبر في زحف التتار إلى بغداد وسقوطها في قبضتهم بعيد وفاة المعز أيبك عام 656هـ وهكذا يصف المؤلف في هذا الكتاب وهو واحد من الترك (الأوزبك القفجاق) ستين عاما من الحروب بين الترك والتتار، جرت وقائعها في بلاد الشام ، وانتقلت أثناءها الخلافة من بغداد إلى مصر. وأهم هذه الحروب انتصارهم في (عين جالوت) سنة 658هـ وهزيمتهم الشنعاء سنة 699هـ في (وادي الخزندار) ثم انتصارهم الحاسم في مرج راهط الواقعة في سفوح جبال غباغب جنوب دمشق في رمضان 702 ويطوّل في وصف معالم الفرحة بهذا اليوم في دمشق والقاهرة فيقول أن السماء امتلأت : (أطيارا مخلقة ليست من نوع الحمام وسفنا مرفوعة نحو السماء ومن عادة السفائن كونها في الماء "ربما يريد المناطيد " وأشكالا موضوعة كهيئة العدو المخذول تظن مزاجها حقيقة يلعب بالعقول، وفرسانا ملبسة الجياد إلا انها من الجماد، وانواعا من الطرائف ينفد الوصف وما لها من نفاد) ولا ينسى أن يسجل وقائع حروب التتار فيما بينهم وأخبار من يعتنق الإسلام من أمرائهم ويراسلون السلطان بذلك. فنراه عام 662 يقول وفيها أسلم الملك بركة ابن باطوخان ومن معه من التتار، ووصل من جهته رسولان إلى الأبواب السلطانية مخبرين بإسلامه وأحضر كتابا منه يذكر فيه من أسلم من بيوت التتار ويعلم السلطان بمحاربته لهولاكو تعصبا لدين الإسلام (ص52) وفي حوادث 681 يقول: (وفيها أسلم ملك التتار تكدار وتلقب ب(احمد سلطان) وكتب إلى السلطان بذلك كتابا (انظره في القلقشندي 8/65) ويقول في حوادث 697 (وفيها كانت حرب التتار بين تقطاء ونوغيه وكانت الكسرة على طقطاء وسبي من عساكره ورعيته واهل طائفته خلق لا يحصى عددا واشترى أكثرهم التجار وجلبوهم إلى الأقطار) ثم يقول في حوادث سنة 699 (وفي هذه السنة التقى طقطقا ونوغيه ببلاد الشمال فكانت الكسرة على نوغيه وقتل في موقفه وأسر من عسكره خلق كثير ونهب منهم الجم الغفير وجلب التجار منهم إلى هذه الديار مماليك لا تحصى كثرة وجواري ودخلوا في دين الاسلام بمحبة واجتهاد) ألف الأمير (نائب السلطنة) بيبرس الدوادار كتابه هذا للملك الناصر ابن قلاوون، فأكثر فيه من أخبار والده الملك المنصور قلاوون، وكان قد رأى بعض حاشيته مناما وكأن هاتفا يقوله له (قلاوون يكسر هلاوون) و(هلاوون) هو نفسه هولاكو (انظر تفصيل الخلاف في اسمه في (عقود الجمان) ويستوقفنا قصيدة في وصف انتصار ابن قلاوون على التتار في معركة حمص (ص102) يقول فيها الشاعر : وغزوت تركهمُ بترك مثلهم = فتقطعت ما بينها الأرحام فهل كانت التتار أيضا يطلق عليهم اسم الترك ؟ والحقيقة لا يمكن لأي باحث أن يصل إلى نتيجة حاسمة في هذه الأحجية التاريخية المغلقة. فحتى الآن لم يستطع الأوزبك انفسهم حل هذا اللغز،؟ وهم يقولون إن يدا أثيمة امتدت إلى ضريح الأمير تيمور فوضعت عليه البلاطة التي انتزعها الأوزبك بعد تأسيس أوزبكستان وهي بلاطة كما يقال مكتوبة بأمر حفيد تيمور الأمير أولوغ بيك وفيها نسب تيمور إلى جنكيز خان، حيث يرفض الأوزبك رفضا قاطعا أن يكون أميرهم تيمور من أحفاد جنكيزخان، انظر في ذلك كتاب (المجتمع الأوزبكي الحديث) تأليف إدوارد آلوورث (ص325) قال (ص 51) : (ومن المرجح أن الأوزبك كتسمية جماعية للدلالة على القبائل التوركية المغولية التي كانت تعيش في آسيا الوسطى وصولا إلى عاصمة (القبيلة الذهبية) لم تظهر قبل الستينات من القرن الرابع عشر الميلادي) وكان ظهير الدين محمد بابر بن عمر شيخ ميرزا بن أبي سعيد ميرزا (1528 -1529) أحد أحفاد تيمورلنك قد أقام دولة عظيمة امتدت من دلهي حتى دمشق ومن بحيرة الأورال إلى الخليج العربي (ص24) وانظر (بابر نامه: لندن لوزاك وشركاؤه 1905 أعيدت طباعته في 1971م) وكان الملك الناصر (ابن قلاوون) قد خطب ابنة ملك الأوزبك في ذلك الزمان وفي (أعيان العصر) للصفدي (ت 764هـ 1363م) ترجمة هذا الملك الذي كان أول من اعتنق الإسلام من الأوزبك قال الصفدي: (أزبك بن طقطاي (أو توقتقاي) القان بن القان، صاحب بلاد أزبك، مملكته شمالينا بشرق، وهي من بحر قسطنطينية إلى نهر أربس مسافة ثمانمائة فرسخ، وعرضها من باب الأبواب إلى مدينة بلغار وذلك نحو ست مئة فرسخ، ولكن أكثر ذلك مراعي وقرى. ولها في أيديهم ما ينيف على المئة سنة.كان ذا بأس وإقدام، وعبادة في الليل في المحراب، وصف أقدام. لما أسلم أسلم بعض رعيته، وعاملهم بحُسن ألمعيته .... وكان السلطان الملك الناصر (ابن قلاوون) قد خطب ابنته، وقيل: أخته، وأجاب إلى ذلك، وجهزها في البحر إلى إسكندرية، وتوجه القاضي كريم الدين لملتقاها إلى الإسكندرية، وعمل لها ضيافة في الميدان تحت القلعة، وبعد ذلك طلعت إلى القلعة، وجرى في أمرها ما جرى، وتوهم السلطان أنها ليست من بنات أزبك فهجرها وزوجها بالأمير سيف الدين منكلي بغا السلاح دار، فتوفي عنها، فزوجها بالأمير سيف الدين صوصون أخي قوصون، فتوفي عنها، فزوجها ابن الأمير سيف الدين أرغون النائب... وكانت وفاته سنة 742هـ إلخ) استخرج الأمير بيبرس الدوادرار كتابه هذا من الجزء الأخير من كتابه الضخم (زبدة الفكرة من تاريخ الهجرة) وزاد عليه ما استجد من الأحداث من سنة 709 حتى 711 ويضم (أخبار الدولة التركية) منذ نشوئها عام 647هـ وحتى سنة 711هـ . وهو تاريخ تقلده أعلى المناصب في الدولة (نائب السلطنة) وفي مقدمته للكتاب قوله: (أما بعد فإني صرفت الهمة إلى تدوين التواريخ والسير .. وجمعت التاريخ المسمى ب"زبدة الفكرة في تاريخ الهجرة" انتهى به الاختصار وسياقة الأخبار إلى أول الدولة التركية وبدئها بالديار المصرية بعد انقراض المملكة الأيوبية. فجعلتها جزءا واحدا مستقلا بحجمه مستبدا بنثره ونظمه وبدأته بذكر الدولة المعزية "نسبة إلى المعز أيبك التركماني أول سلاطين المماليك البحرية 648 – 655" وما تقدمها من أسباب التمكين للبحرية الذين كانوا كواكب الدولة الصالحية وسقتها مملكة بعد مملكة انتهيت بها إلى دولة مولانا السلطان الشهيد المخدوم المنصور سيف الدنيا والدين قلاوون الصالحي "قدس الله روحه" ... وختمتها بالدولة الغراء والمملكة الزهراء دولة مولانا ...الناصر محمد ابن السلطان الشهيد المنصور ثم اختصرت من الجزء المذكور جزءا قربت فيه ألفاظه ومعانيه ... ليجتلي أنوار سلفه الشهيد وبجتني ثمار تصرفه السعيد ... وأنا أؤمل من الله تعالى أن يمد هذه الدولة الشريفة بالدوام والتخليد) وانظر في حوادث سنة 709 كلام المؤلف عن قصة القبض على بيبرس الجاشنكير الذي خلع الملك الناصر وتلقب بالملك المظفر، ولما سار الناصر إلى مصر وهرب الجاشنكير كلف الناصر المؤلف بالقبض عليه قال: (فسرت إليه أنا وسيف الدين بهادر آص حتى انتهينا إلى إخميم وألفيناه بها في عيش ذميم ... وأحضرنا الخزائن برمتها والأموال بجملتها ..... وكانت المدة التي تسمى فيها بالاسم المستعار (11) شهرا. وفي سنة 710 كلف السلطان المؤلف أيضا بإحضار سلار قال (ص214) : (فحضر في سلخ ربيع الآخر .. وبدل بعد العز ذلا جزيلا وخابت مطامعه (فلما آسفونا انتقمنا منهم) وفي سنة 711 تغير خاطر السلطان على نائب سلطنته سيف الدين بكتمر وجعل مكانه مؤلف هذا الكتاب فوضع القلم وحمل السيف وكان خبر إسناد النيابة إليه آخر ما حكاه في هذا الكتاب. قال محقق الكتاب: (وكان في نيته أن يواصل تاريخه لولا أن قبض عليه وحبس سنة712 واستمر في الحبس خمس سنوات، وفي وقت لاحق حاول معاودة نشاطه في تتميم التاريخ فكانت محاولة على استحياء لحوادث عام 721هـ ....وكانت وفاته ليلة الخميس 25/رمضان/ 725) طبع الكتاب لأول مرة في مصر (الدار المصرية اللبنانية 1407هـ 1987م) بتحقيق د. عبد الحميد صالح حمدان معتمدا مخطوطته الوحيدة في العالم وهي التي تحتفظ بها المكتبة الأهلية بفيينا، وكان قنصل النمسا في حلب ريترفون بيكيوتو قد أحضرها معه من هناك وأهداها إلى المكتبة الملكية في فيينا وتقع في 252 صفحة بخط أحمد بن محمد راشد الكندي المعروف بابن لاقي فرغ من نسخها لخمس بقين من رجب سنة 728هـ بقاعة ابن النشابي بدمشق المحروسة
*زهير
24 - ديسمبر - 2010
ليالي تيمور (حلب) 803هـ    كن أول من يقيّم
 
فيما يلي أنشر مقتطفات من أيام تيمور لنك في هذه الحقبة معتمدا ما حكاه المقريزي بدءا من حوادث عام 803هـ
سنة ثلاث وثمانمائة أهل المحرم، بيوم الأحد،
وفي سادسه: قدم البريد من دمشق بأن تمرلنك نزل على سيواس، وانهزم سليمان ابن أبي يزيد بن عثمان، وقرا يوسف بن قرا محمد إلى جهة برصا، بلد الروم، وأنه أخذ سيواس، وقتل من أهلها جماعة كبيرة.
وفي تاسعه: وردت رسل ابن عثمان، فكتبت أجوبة كتبهم، وسفروا.
 
وفي يوم الخميس ثاني عشره: استقر القاضي نور الدين على بن الجلال يوسف بن مكي الدميري المالكي في قضاء القضاة المالكية، عوضاً عن قاضي القضاة ولى الدين عبد الرحمن بن خلدون على مال وعد به.
 
وفي خامس عشرينه: ورد البريد من حلب بأخذ تمرلنك سيواس وملطية.
 
وفي سادس عشرينه: قدم البريد من حلب بوصول أوائل عسكر تمرلنك إلى عين تاب، فأدركوا المسلمين.
 
وفي ثامن عشرينه:
استدعى الخليفة، وقضاة القضاء، والأمراء، وأعيان الدولة، وأعلموا أن تمرلنك وصل إلى سيواس وأخذها، ووصلت مقدمته إلى مرعش وعين تاب والقصد أخذ مال من التجار إعانة على النفقة في العساكر.
فقال القضاة: أنتم أصحاب اليد، وليس لكم معارض، وإن كان القصد الفتوى فلا يجوز أخذ مال أحد، ويخاف من الدعاء على العساكر إن أخذ مال التجار،
فقيل لهم نأخذ نصف الأوقاف نقطعها للأجناد البطالين،
فقيل وما قدر ذلك ومتى اعتمد في الحرب على البطالين من  الأجناد؟ خيف أن يأخذوا المال؟ ويميلون عند اللقاء
مع من غلب وطال الكلام حتى استقر الرأي على إرسال الأمير أسنبغا الحاجب لكشف الأخبار، وتجهيز عساكر الشام إلى جهة تمرلنك.
 
شهر صفر، أوله الثلاثاء:
وفي خامسه: سار الأمير أسنبغا لكشف أخبار تمرلنك
 
وفي رابع عشره: قدم البريد من حلب بكتاب النائب وكتاب أسنبغا، أن تمرلنك نزل على قلعة بهسنا، بعدما ملك المدينة، وأنه يحاصرها، وقد وصلت عساكره إلى عينتاب، فوقع الشروع في حركة السفر.
 
وفي رابع عشرينه: خرج الأمير يلبغا السالمي إلى شبرا الخيام -من ضواحي القاهرة- وكسر بها من جرار الخمر أربعة وأربعين ألف جرة، وأراق ما فيها، وخرب بها كنيسة للنصارى. وعاد في أخره ومعه عدة من أحمال من جرار الخمر، فكسرها عند باب زويلة
وتحت القلعة. ومن حينئذ تلاشى حال أهل شبرا ومنية الشيرج، فإن معظم أموالهم كان من عصير الخمر وبيعه.
 
شهر ربيع الأول، أوله الأربعاء:
وفي ثانيه: عمل السلطان المولد النبوي على العادة.
وفي ثالثه: علق جاليش السفر، وأخذ العسكر في أهبة السفر. وذلك أنه قدم البريد من أسنبغا أن تمرلنك نزل على بزاعة ظاهر حلب، فبرز نائب طرابلس بسبعمائة فارس إلى حاليش تمرلنك، وهم نحو ثلاثة آلاف. وترامي الجمعان بالنشاب، ثم اقتتلوا، وأخذ من
التتار أربعة، وعاد كل من الفريقين إلى موضعه فوسط الأربعة على أبواب مدينة حلب.
 
وأما دمشق فإن أهل محلاتها اجتمعوا في ثانية، ومعهم أهل النواحي، بالميدان وحملوا الصناديق الخليفتية، وشهروا السيوف، ولعبوا بين يدي النائب، ثم انفضوا. وخرج في ثالثه
القضاة في جمع كبير، ونادوا بقتال تمرلنك، وتحريض الناس عليه، وعرض النائب العشران بالميدان، وفرض على البساتين والدور مالاً، وقدم الأمير أسنبغا من القاهرة في سابعه بتجهيز العساكر وغيرهم لحرب تمرلنك. فقرئ كتاب السلطان بذلك في الجامع، ونودي في تاسعه بألا يؤخذ من أحد شيء مما فرض على الدور وغيرها.
 
وفيه قدم رسول تمر بكتابه للمشايخ والأمراء والقضاة بأنه قدم في عام أول إلى العراق، يريد أخذ القصاص ممن قتل رسله بالرحبة ثم عاد إلى الهند لما بلغه ما ارتكبوه من الفساد، فأظفره الله بهم. فبلغه موت الظاهر، فعاد وأوقع بالكرج. ثم قصد، لما بلغه قلة أدب هذا
الصبي -أبي يزيد بن عثمان- أن يعرك أذنه، ففعل بسيواس وغيرها من بلاده ما بلغكم.
ثم قصد بلاد مصر ليضرب بها السكة، ويذكر اسمه في الخطة، ثم يرجع بعد أن يقرر سلطان مصر بها. وطلب أن يرسل إليه أطلمش ليدركه، إما بملطية أو حلب أو دمشق، وإلا فتصير دماء أهل الشام وغيرهم في ذمتكم،. 
 مخرج نائب صفد في رابع عشره، وخرجت الأطلاب في نصفه.
وقدم الخبر من حلب بنزول تمر على بهسنا فأخذ الناس في الرحيل من دمشق، فمنعهم النائب من ذلك،
ورحل النائب من برزه في ثاني عشرينه يريد حلب، فلقيه نائب طرابلس في طريقه.
وكان من خبر أخذ تمرلنك مدينة حلب، أنه لما نزل على عين تاب، بعث إلى دمرداش نائب حلب يعده باستمراره في نيابة حلب، ويأمره بمسك الأمير سودن نائب الشام. فلما قدم عليه الرسول بذلك أحضره إلى نواب ممالك الشام، وقد حضروا إلى حلب وهم: سودن نائب دمشق، وشيخ المحمودي نائب طرابلس ودقماق نائب حماة، وألطنبغا العثماني نائب صفد، وعمر بن الطحان نائب غزة بعساكرها، فاجتمع منهم بحلب نحو ثلاثة آلاف فارس منهم عسكر دمشق ثمانمائة فارس، إلا أن الأهواء مختلفة، والآراء مفلولة، والعزائم محلولة والأمر مدبر. فبلغ رسول تمرلنك الرسالة دمرداش، فأنكر مسك سودن نائب دمشق. فقال له الرسول إن الأمير -يعني تمرلنك- لم يأت إلا بمكاتبتك إليه، وأنت تستدعيه أن ينزل على حلب، وأعلمته أن البلاد ليس بها أحد يدفع عنها. فحنق منه دمرداش، وقام إليه وضربه، ثم أمر به فضربت رقبته. ويقال أن كلام هذا الرسول كان من تنميق تمرلنك ومكره، ليفرق بذلك بين العساكر.
ونزل تمر على جبلان خارج حلب، يوم الخميس تاسع ربيع الأول.
وزحف يوم الجمعة، وأحاط بسور حلب، وكانت بين الحلبيين وبينه في هذين اليومين حروب.
فلما أشرقت الشمس يوم السبت حادي عشره، خرجت نواب الشام بالعساكر وعامة أهل حلب إلى ظاهر المدينة وعبوا للقتال. ووقف سودن نائب دمشق في الميمنة، ودمرداش في الميسرة، وبقية النواب في القلب، وقدموا أمامهم عامة أهل حلب.
فزحف تمرلنك بجيوش قد سدت الفضاء، فثبت الأمير شيخ نائب طرابلس، وقاتل -هو وسودن نائب دمشق- قتالاً عظيماً، وبرز الأمير عز الدين أزدمر أخو أينال اليوسفي، وولده يشبك
ابن أزدمر في عدة من الفرسان، وأبلوا بلاء عظيماً. وظهر عن أزدمر وولده من الإقدام ما تعجب منه كل أحد، وقاتلا قتالاً عظيماً، فقتل أزدمر وفقد خبره، وثخنت جراحات يشبك، وصار في رأسه فقط زيادة على ثلاثين ضربة بالسيف، سوى ما في بدنه، فسقط بين القتلى، ثم أخذ وحمل إلى تمرلنك.
 
ولم يمض غير ساعة حتى ولت العساكر تريد المدينة، وركب أصحاب تمر أقفيتهم، فهلك تحت حوافر الخيل من الناس عدد لا يدخل تحت حصر، فإن أهل حلب خرجوا حتى النساء والصبيان، وازدحم الناس مع ذلك في دخولهم من أبواب المدينة، وداس بعضهم بعضاً، حتى صارت الرمم طول قامة، والناس تمشي من فوقها.
وتعلق نواب المماليك بقلعة حلب، ودخل معهم كثير من الناس، وكانوا قبل ذلك قد نقلوا إلى القلعة سائر أموال الناس بحلب.
 واقتحمت عساكر تمرلنك المدينة وأشعلوا بها النيران، وجالوا بها ينهبون ويأسرون ويقتلون. واجتمع بالجامع وبقية المساجد نساء البلد، فمال أصحاب تمر عليهن، وربطوهن بالحبال، ووضعوا السيف في الأطفال فقتلوهم بأجمعهم، وأتت النار على عامة المدينة فأحرقتها.
وصارت الأبكار تفتض من غير تستر ولا احتشام، بل يأخذ الواحد الواحدة ويعلوها في المسجد والجامع، بحضرة الجم الغفير من
أصحابه، ومن أهل حلب، فيراها أبوها وأخوها ولا يقدر أن يدفع عنها، لشغله بنفسه.
 
وفحش القتل، وامتلأ الجامع والطرقات برمم القتلى، واستمر هذا الخطب من صحوة نهار السبت إلى أثناء يوم الثلاثاء، والقلعة قد نقب عليها من عدة أماكن، وردم خندقها، و لم يبق إلا أن تؤخذ.
 
فطلب النواب الأمان، ونزل دمرداش إلى تمرلنك، فخلع عليه ودفع إليه أماناً، وخلعاً للنواب، وبعث معه عدة وافرة إلى النواب، فأخرجوهم. ممن معهم، وجعلوا كل اثنين في قيد وأحضروا إليه، فقرعهم ووبخهم، ودفع كل واحد منهم إلى من يحتفظ به.
وسيقت إليه نساء حلب سبايا. وأحضرت إليه الأموال، ففرقها على أمرائه. واستمر بحلب شهراً. والنهب في القرى لا يبطل، مع قطع الأشجار، وهدم البيوت وجافت حلب وظواهرها من القتلى، بحيث صارت الأرض منهم فراشاً، لا يجد أحد مكاناً يمشي عليه إلا وتحت رجليه رمة قتيل.
 
وعمل من الروس منابر عدة، مرتفعة في السماء نحو عشرة
أذرع، في دور عشرين ذراعاً، حرز ما فيها من رءوس بني آدم، فكان زيادة على عشرين ألف رأس. وجعلت الوجوه بارزة يراها من يمر بها.
ثم رحل تمر عنها، وهي خاوية على عروشها، خالية من ساكنها وأنيسها، قد تعطلت من الأذان، وإقامة الصلوات. وأصبحت مظلمة بالحريق، موحشة، قفراء مغبرة، لا يأويها إلا الرخم.
 
*زهير
24 - ديسمبر - 2010
ليالي تيمور (الطريق إلى دمشق) 803هـ    كن أول من يقيّم
 
وأما دمشق، فأنه لما قدم عليهم الخبر بأخذ حلب، نودي في الناس بالتحول إلى المدينة والاستعداد للعدو، فاختبط الناس، وعظم ضجيجهم وبكاؤهم، وأخذوا ينتقلون في يوم الأربعاء نصفه من حوالي المدينة إلى داخلها. واجتمع الأعيان للنظر في حفظ المدينة.
فقدم في سابع عشره المنهزمون من حماه، فعظم الخوف، وهم الناس بالجلاء، فمنعوا منه، ونودي من سافر نهب.
 
فورد في ثامن عشره الخبر بنزول طائفة من العدو على حماه،
فحصنت مدينة دمشق، ووقف الناس على الأسوار، وقد استعدوا، ونصبت المناجنيق على القلعة، وشحنت بالزاد.
 
فقدم الخبر في ثاني عشرينه بأخذ قلعة حلب، وبوصول رسل تمر بتسليم دمشق، فهم نائب الغيبة بالفرار، فرده العامة رداً قبيحاً، وماج الناس وأجمعوا على الجلاء. واستغاث الصبيان والنساء فكان وقتاً شنعاً، ونودي من الغد لا يشهر أحد سلاحاً، وتسلم البلاد
لتمر، فنادى نائب القلعة بالاستعداد للحرب، فاختلف الناس. فقدم الخبر بمجيء السلطان، ففتر عزم الناس عن السفر، ثم تبين أن السلطان لم يخرج من القاهرة.
 
وفي ثامن عشره: فرقت الجمال بقلعة الجبل على المماليك السلطانية.
وفي عشرينه: نودي بالقاهرة وظواهرها على أجناد الحلقة أن يكونوا يوم الأربعاء ثاني عشرينه في بيت الأمير يشبك الدوادار للعرض عليه، فانزعج الناس، ووقع عرض الأجناد من يوم الأربعاء.
وفي خامس عشرينه: ورد الخبر بهزيمة نواب الشام، وأخذ تمرلنك حلب ومحاصرته القلعة، فقبض على المخبر، وحبس. ووقع الشروع في النفقة للسفر، فأخذ كل مملوك ثلاثة آلاف
وأربعمائة درهم. وخرج الأمير سودن من زاده، والأمير أينال حطب على الهجن في ليلة الأربعاء تاسع عشرينه، لكشف هذا الخبر.
وفي هذا الشهر: أيضاً أخذت مدينة حماه وكان من خبرها أن مرزه شاه ابن تمرلنك، نزل عليها بكرة يوم الثلاثاء رابع عشره، وأحاط بسورها، ونهب المدينة، وسبي النساء والأطفال، وأسر الرجال، ووقع أصحابه على النساء يطؤوهن ويفتضوا الأبكار جهاراً، من غير استتار، وخربوا جميع ما خرج عن السور. وقد ركب أهل البلد السور، وامتنعوا بالمدينة، وباتوا على ذلك. فلما أصبحوا يوم الأربعاء فتحوا باباً واحداً من أبواب المدينة،
ودخل ابن تمر في قليل من أصحابه ونادي بالأمان. فقدم الناس إليه أنواع المطاعم فقبلها، وعزم أن يقيم رجلاً من أصحابه على حماه، فقيل له أن الأعيان قد خرجوا منها، فخرج إلى مخيمه، وبات به. ودخل يوم الخميس ووعد الناس بخير، وخرج. ومع ذلك، فإن القلعة ممتنعة عليه.
فلما كان ليلة الجمعة نزل أهل القلعة إلى المدينة وقتلوا من أصحاب مرزه شاه رجلين كانا أقرهما بالمدينة، فغضب من ذلك وأشعل النار في أرجاء البلد، واقتحمها أصحابه يقتلون ويأسرون وينهبون، حتى صارت كمدينة حلب، سوداء، مغبرة، خالية من الأنيس.
 
وفيه تكاثر جمع الناس بدمشق، بمن فر إليها من مملكة حلب وحماه وغيرها، واضطربت أحوال الناس بها، وعزموا على مفارقتها، وخرجوا منها شيئاً بعد شيء، يريدون القاهرة.
 
وفيه ركب شيخ الإسلام سراج الدين عمر البلقيني وقضاة القضاة، والأمير أقباي حاجب الحجاب، والأمير مبارك شاه الحاجب. ونودي بين أيديهم بالقاهرة من ورقة تتضمن أمر الناس بالجهاد في سبيل الله لعدوكم الأكبر تمرلنك، فإنه أخذ البلاد، ووصل إلى حلب، وقتل الأطفال على صدور الأمهات، وأخرب الدور والمساجد والجوامع، وجعلها إسطبلات للدواب، وهو قاصدكم، يخرب بلادكم، ويقتل رجالكم وأطفالكم، ويسبي حريمكم. فاشتد جزع الناس وكثر صراخهم، وعظم عويلهم، وكان يوماً شديداً.
 
شهر ربيع الآخر، أوله الجمعة:
في ثالثه: قدم الأمير أسنبغا السيفي الحاجب، وأخبر بأخذ تمرلنك مدينة حلب وقلعتها، باتفاق دمرداش معه، وأنه بعد أن قبض عليه أفرج عنه. وحكي ما نزل من البلاء بأهل حلب، وأنه قال لنائب الغيبة بدمشق أن يخلي بين الناس وبين الخروج منها، فإن الأمر
صعب وأن النائب لم يمكن أحداً من المسير.
فخرج السلطان في يومه، ونزل بالريدانية ظاهر القاهرة، وتبعه الأمراء والخليفة والقضاة إلا قاضي القضاة جمال الدين يوسف الملطي الحنفي، فإنه أقام لمرضه. وألزم الأمير يشبك قاضي القضاة ولى الدين عبد الرحمن بالسفر إلى دمشق، فخرج مع العسكر
 
وتعين الأمير تمراز أمير مجلس لنيابة الغيبة. وأقام من الأمراء الأمير جكم من عوض في عدة من الأمراء. وأمر تمراز بعرض أجناد الحلقة، وتحصيل ألف فرس وألف جمل، وإرسال ذلك مع من يقع عليه الاختيار من أجناد الحلقة.
 
وفي خامسه: نودي على أجناد الحلقة بالحضور للعرض في بيت الأمير تمراز، وهدد من تأخر عن الحضور. وخرج البريد إلى أعمال ديار مصر بالوجهين القبلي والبحري بجمع أقوياء أجناد الحلقة من الريف، وبتجهيز العربان للخروج إلى حرب تمرلنك.
 
وفي بكرة يوم الجمعة ثامنه: سار الجاليش، وفيه من الأمراء والأكابر نوروز رأس نوبة، وبكتمر الركني أمير سلاح، ويلبغا الناصري، وأقباي حاجب الحجاب، وأينال باي بن قجماس، وبيبرس الأتابك ابن أخت السلطان الظاهر.
 وفي عاشره: رحل السلطان ببقية العساكر.
 وفي ثاني عشره: قدم الخبر إلى دمشق بوصول جماعة تمرلنك قريباً من حمص، فأنزعج الناس، وأخذوا في الاستعداد وحمل الناس أموالهم إلى القلعة، وجفل جماعة من الناس بقدوم الأمير دمرداش نائب حلب إلى دمشق، في يوم السبت رابع عشرينه، فاراً من
تمرلنك. وخرج لملاقاة السلطان فقدم من الغد الناس -وقد جفلوا- من بعلبك وأعمالها، بنسائهم ومواشيهم، لنزول تمر عليهم، فخرج كثير من أهل دمشق في ليلة الأربعاء ثامن عشرينه.
 وفي عشرينه: دخل السلطان مدينة غزة واستقر بالأمير تغري بردى من أسنبغا في نيابة دمشق، وبأقبغا الجمالي في نيابة طرابلس، وبتمربغا المنجكي في نيابة صفد، وبطولو من علي شاه في نيابة غزة، وبصدقة بن الطويل في نيابة القدس، وبعثهم إلى ممالكهم. وسار الجاليش من غزة في رابع عشرينه.
وسار السلطان في سادس عشرينه، وقد انضم إليه كثيرة ممن فر من البلاد الشامية.
شهر جمادى الأول، أوله السبت:
 
في ثانيه: قدم البريد من السلطان، بأنه قد ورد خمسة من أمراء طرابلس بكتاب أسندمر نائب الغيبة، يتضمن أن أحمد بن رمضان التركماني، وابن صاحب الباز، وأولاد شهري، ساروا وأخذوا حلب، وقتلوا من بها من أصحاب تمرلنك، وهم زيادة على ثلاثة آلاف فارس. وأن تمرلنك بالقرب من سليمة، وأنه بعث عسكراً إلى طرابلس، فثار بهم أهل القرى وقتلوهم عن أخرهم بالحجارة، لدخولهم بين جبلين، وأنه قد حضر إلى الطاعة خمسة من أمراء المغل، وأخبروا بأن نصف عسكر تمرلنك على نية المصير إلى الطاعة السلطانية. وأن صاحب قبرس، ووزيره إبراهيم كرى، وصاحب الماغوصة، وردت كتبهم بانتظار الإذن في تجهيز المراكب في البحر لقتال تمرلنك.
 
وفيه قبض الأمير يلبغا السالمي على متا بترك النصارى اليعاقبه، وألزمه بمال ليأخذ عنه بضائع، فحلف أنه ليس عنده مال، وأن سائر ما يرد إليه من المال يصرفه في فقراء المسلمين وفقراء النصارى، فوكل به.
وفي ثالثه: قدم الأمير تغري بردى -نائب الشام- دمشق.
وفيه جفل أهل قرى دمشق إليها لوصول طائفة من أصحاب تمرلنك نحو الصنمين.
 
وفي سادسه: قدم السلطان دمشق بعساكره، وقد وصلت أصحاب تمرلنك إلى البقاع.  
وفي عاشره: اقتتل بعض العسكر مع التمرية.
*زهير
24 - ديسمبر - 2010
ليالي تييمور (سقوط دمشق) 803هـ    كن أول من يقيّم
 
وفي يوم السبت خامس عشره: نودي في القاهرة ومصر أن الأمير يلبغا السالمي أمر أن نساء النصارى يلبسن أزراراً زرقاً. ونساء اليهود يلبسن أزراراً صفراً.
وأن النصارى واليهود لا يدخلون الحمامات إلا وفي أعناقهم أجراس وكتب على بترك النصارى بذلك إشهاداً، بعد أن جرت بينه وبينه عدة محاورات، حتى أشهد عليه بالتزام ذلك، إلزامه سائر النصارى بديار مصر، وألزم سائر مدولبي الحمامات ألا يمكنوا يهودياً ولا نصرانياً من الدخول بغير جرس في عنقه، فقام الأمير تمراز في معارضته.
 
وفي يوم السبت: هذا نزل تمرلنك إلى قطا =قطنا= فملأت جيوشه الأرض، وركب طائفة منهم إلى العسكر وقاتلوهم، فخرج السلطان من دمشق يوم الثلاثاء ثامن عشره إلى =قبة= يلبغا، فكانت وقعة انكسرت ميسرة العسكر، وانهزم أولاد الغزاوي وغيرهم إلى ناحية حوران، وجرح
جماعة، وحمل تمر حملة منكرة، ليأخذ بها دمشق، فدفعته عساكر السلطان.
 
وفي عشرينه: نادي الأمير تمراز بالقاهرة من كانت له ظلامة فعلية ببيت الأمير وأن اليهود والنصارى على حالهم، كما كانوا في أيام الملك الظاهر. فبطل ما أمر به السالمي.
وفيه أمر السالمي أن يضرب دنانير الذهب محررة الوزن، على أن كل دينار مثقال، سواء عزم على إبطال المعاملة بالدنانير الأفرنتية المشخصة، فضرب الدينار السالمي، وتعامل الناس به عدداً، ونقش عليه السكة الإسلامية.
 
وفي ثاني عشرينه: قدم البريد من السلطان أنه دخل دمشق يوم الخميس سادسه، وأقام بقلعتها إلى يوم السبت ثامنه، ثم خرج إلى مخيمه ظاهر المدينة عند قبة يلبغا. فحضر جاليش تمرلنك وقت الظهر من جهة جبل الثلج، وهو نحو ألف فارس، فسار إليهم مائة
فارس من عساكر السلطان، وكسروهم وقتلوا منهم جماعة، وأنه حضر في تلك الليلة عدة من التمرية للطاعة، وأخبروا بنزول تمر على البقاع العزيزي فلتكونوا على حذر، فإن تمر كثير الحيل والمكر فدقت البشائر بقلعة الجبل ثلاثة أيام.
 
وفي خامس عشرينه: قدم البريد من السلطان، فاستدعي الأمير تمراز شيخ الإسلام البلقيني وولده جلال الدين عبد الرحمن قاضي العسكر، ومن تأخر بالقاهرة من الأعيان، وقرئ عليهم كتاب السلطان بأنه قدم إلى دمشق في سادسه، وواقع طائفة من العسكر في ثامنه، أصحاب تمرلنك، وأن مرزه شاه بن تمر، وصهره نور الدين قتلا. وقتل قرايلك بن طرالي التركماني، وأن السلطان حسين بهادر -رأس ميسرة تمرلنك وابن بنته- حضر إلى الطاعة في ثالث عشره، ومعه جماعة كبيرة، فخلع عليه، وأركب فرساً بسرج وكنبوش من ذهب، وأنزل دار الضيافة بدمشق، وأن تمر نازل تحت جبل الثلج، وقد أرسل في طلب الصلح مراراً، فلم نجبه لأنه بقي في قبضتنا، ونحن نطاول معه الأمر حتى يرسل إلينا الأمراء المقبوض عليهم، وما أخذه من حلب وغيرها. وأن الأمير نعير دخل في الطاعة، وقدم إلى عذراء وضمير. وأن الأمير شهاب الدين أحمد بن الشيخ توجه إلى الأغوار، وجمع خلقاً كثيراً، منهم عيسى بن فضل أمير آل علي، وبني مهدي، وعرب حارثة، وابن القان، والغزاوي، فصدفوا من التمرية زيادة على ألفي فارس، فقاتلوهم وقتلوا أكثرهم، وأخذوا منهم ذهباً ولؤلؤاً كبيراً. وأنه قد مات من أصحاب تمر بالبرد أكثر من ثلاثة آلاف نفس.
 
وقرئ أيضاً كتاب آخر بأن الأمير يلبغا السالمي لا يحكم إلا فيما يتعلق بالاستادارية خاصة، ولا يحكم في شيء مما كان يحكم فيه بين الأخصام مما يتعلق بالأمور الشرعية، وما يتعلق بالأمراء والحجاب، وأن الحاكم في هذه الأشياء الأمير تمراز نائب الغيبة. وسبب هذا أن السالمي -لما مات قاضي القضاة جمال الدين يوسف الملطي في تاسع عشر ربيع الآخر- كتب إلى السلطان يسأل في الإذن له بالتحدث في الأحكام الشرعية، فأجيب إلى ذلك، وكتب إليه به، فأقام له نقيباً كنقباء القضاة، وحكم بين الناس، في الأمور الشرعية، فشق هذا على تمراز، وكاتب السلطان في إبطال هذا، فكتب إليه بذلك. ولما قرئ على من حضر، نودي بالقاهرة ومصر أن من وقف ليلبغا السالمي في شكوى عوقب، ومن كانت له ظلامة أو شكوى أو أخذ منه السالمي شيء، فعليه بالأمير الكبير تمراز. ودقت البشائر أيضاً بالقلعة.
 
وفي سابع عشرينه: استدعي الأمير تمراز شمس الدين محمد البرقي الحنفي -أحد موقعي قضاة الحنفية- وتحدث معه في أمر السالمي، فكتب محضراً بقوادح في السالمي، وكتب فيه جماعة. وبلغ ذلك السالمي، وكان قد خرج من القاهرة، فحضر يوم الأحد سلخه إلى عند الأمير تمراز، وتفاوضا مفاوضة كبيرة، آلت إلى أن أصلح بينهما الأمير مبارك شاه الحاجب، والأمير بيسق أمير أخور. وعاد السالمي إلى منزله، وطلب البرقي وضربه عريا ضرباً مبرحاً، وأمر به أن يشهر كذلك، فقام الناس وشفعوا فيه حتى رده من الباب،
وطلب جماعة من اليهود والنصارى وضربهم، وشهرهم، ونادي عليهم هذا جزاء من يخالف الشرع الشريف. وطلب دوادار وإلى القاهرة، وضربه لكونه نادى بما تقدم ذكره في حقه، فهرب الوالي إلى بيت تمراز واحتمي به، خوفا على نفسه.
 
شهر جمادى الآخرة، أوله الاثنين:
في أوله خلع الأمير تمراز على ناصر الدين محمد بن ليلى بولاية مصر. فلما حضر إلى السالمي نزع عنه الخلعة وضربه عرياناً، وشهره وهو ينادي عليه هذا جزاء من يلي من عند غير الأستادار، ومن يلي بالبراطيل، فأدركه أحد مماليك تمراز وسار به إليه. فلما رآه مضروباً اشتد حنقه، وعزم على الركوب للحرب، فما زال به من حضر حتى أمسك عن إقامة الحرب. واشتدت العداوة بينهما.
 
وفيه قدم من أخبر باختلاف الأمراء على السلطان، وعوده إلى مصر، فكثر خوض الناس في الحديث، وكان من خبر السلطان أن تمرلنك بعث إليه وإلى الأمراء في طلب الصلح، وإرسال أطلمش من أصحابه، وأنه يبعث من عنده من الأمراء والمماليك، فلم يجب إلى ذلك. وكانت الحرب بين أصحاب تمر وطائفة من عساكر السلطان في يوم السبت ثامن جمادى الأولى كما تقدم. ثم كانت الحرب ثانياً في يوم الثلاثاء حادي عاشره. وفي كل ذلك
يبعث تمرلنك في طلب الصلح فلا يجاب.
 
وفي يوم الأربعاء ثاني عشره: اختفي من الأمراء والمماليك السلطانية جماعة منهم الأمير سودن الطيار، والأمير قاني باي العلاي، وجمق أحد الأمراء.
ومن الخاصكية يشبك العثماني، وقمج الحافظي، وبرسبغا الدوادار، وطرباي في آخرين.
فوقع الاختلاف عند ذلك بين الأمراء. وأتاهم الخبر بأن الجماعة قد توجهوا إلى القاهرة، ليسلطوا الشيخ لاجين الجركسي، فركب الأمراء في أخر ليلة الجمعة حادي عشرينه، وأخذوا السلطان، وخرجوا بغتة من غير أن يعي والد على ولده. وساروا على عقبة
دمر، يريدون مصر من جهة الساحل، ومروا بصفد، فاستدعوا نائبها الأمير تمربغا المنجكي وأخذوه معهم إلى غزة. وتلاحق بهم كثير من أرباب الدولة. فأدرك السلطان الأمراء الذين اختفوا بدمشق: سودن الطار، وقاني باي ومن معهما بغزة. فما أمكن إلا مجاملتهم، وأقام بغزة ثلاثة أيام، وتوجه إلى القاهرة، بعدما قدم بين يديه آقبغا الفقيه أحد الدوادارية.
فقدم إلى القاهرة يوم الاثنين ثاني جمادى الآخرة، وأعلم بوصول السلطان إلى غزة، فارتجت البلد، وكادت عقول الناس أن تختل. وشرع كل أحد يبيع ما عنده، ويستعد للهروب من مصر. فلما كان يوم الخميس خامسه، قدم السلطان إلى قلعة الجبل، ومعه الخليفة وأمراء الدولة ونحو الألف من المماليك السلطانية، ونائب دمشق الأمير تغري بردى، وحاجب الحجاب بها الأمير باشا باي، وغالب أمرائها، ونائب صفد، ونائب غزة، وهم في أسوأ حال، ليس مع الأمير سوى مملوك أو مملوكين فقط، وفيهم من هو بمفرده، ليس معه من يخدمه.
وذهبت أموالهم وخيولهم وجمالهم وسلاحهم، وسائر ما كان معه، مما لو قوم لبلغت قيمته عشرات آلاف ألف دينار. وشوهد كثير من المماليك لما قدم وهو عريان. وكان الأمير يلبغا السالمي قد تلقي السلطان بالكسوة له، وللخليفة، وسائر الأمراء.
 
وأما دمشق فإن الناس بها أصبحوا يوم الجمعة بعد هزيمة السلطان، ورأيهم محاربة تمرلنك، فركبوا أسوار المدينة ونادوا بالجهاد، وزحف عليهم أصحاب تمر، فقاتلوهم من فوق السور، وردوهم عنه، وأخذوا منهم عدة من خيولهم. وقتلوا منهم نحو الألف،
وأدخلوا رءوسهم إلى المدينة، فقدم رجلان من قبل تمر، وصاحا بمن على السور: أن الأمير يريد الصلح، فابعثوا رجلاً عاقلاً حتى نحدثه في ذلك. فوقع اختيار الناس على إرسال قاضي القضاة تقي الدين إبراهيم بن محمد بن مفلح الحنبلي، فأرخى من السور،
واجتمع بتمرلنك وعاد إلى دمشق، وقد خدعه تمرلنك، وتلطف معه في القول، وقال: هذه بلدة الأنبياء، وقد أعتقتها لرسول الله صلى الله عليه وسلم صدقة عن أولادي. فقام ابن مفلح في الثناء على تمر قياماً عظيماً، وشرع يخذل الناس عن القتال، ويكفهم عنه، فمال
معه طائفة من الناس، وخالفته طائفة، وقالت: لا نرجع عن القتال. وباتوا ليلة السبت على ذلك، وأصبحوا وقد غلب رأي ابن مفلح، فعزم على إتمام الصلح، وأن من خالف ذلك قتل.
 
وفي الوقت، قدم رسول تمر إلى سور المدينة في طلب الطقزات، وهي عادة تمر إذا أخذ مدينة صلحاً أن يخرج إليه أهلها من كل نوع من أنواع المآكل والمشارب والدواب والملابس تسعة، يسمون ذلك طقزات، فإن التسعة بلغتهم يقال لها طقز.
 
فبادر ابن مفلح واستدعي من القضاة والفقهاء والتجار حمل ذلك، فشرعوا فيه حتى كمل وساروا به إلى باب النصر
ليخرجوه إلى تمرلنك، فمنعهم نائب القلعة من ذلك، وهددهم بحريق المدينة عليهم. فلم يلتفتوا إلى قوله، وتركوا باب النصر، ومضوا إلى جهة أخرى من جهات البلد. وأرخوا الطقزات من السور، وتدلي ابن مفلح ومعه كثير من الأعيان وغيرهم، وساروا إلى مخيم تمرلنك، وباتوا به ليلة الأحد. ثم عادوا بكرة الأحد وقد استقر تمر منهم بجماعة في عدة وظائف، ما بين قضاة قضاة، ووزير، ومستخرج الأموال، ونحو ذلك، ومعهم فرمان، وهو ورقة فيها تسعة أسطر، تتضمن أمان أهل دمشق على أنفسهم، وأهليهم خاصة. فقري
على منبر جامع بني أمية، وفتح من أبواب المدينة باب الصغير فقط، وقدم أمير من أمراء تمرلنك، فجلس به ليحفظ البلد
ممن يعبر إليها وأكثر ابن مفلح ومن كان معه من ذكر محاسن تمرلنك وبث فضائله، ودعا العامة إلى طاعته، وموالاته، وحثهم بأسرهم على جمع المال الذي تقرر جمعه وهو ألف ألف دينار، ففرض ذلك على الناس كلهم، وقاموا به من غير مشقة لكثرة أموالهم. فلما كمل المال، حمله ابن مفلح وأصحابه إلى تمر، ووضعوه بين يديه. فلما عاينه غضب غضباً شديداً، و لم يرض به، وأمر بابن مفلح ومن معه أن يخرجوا عنه، فاخرجوا، ووكل بهم. ثم ألزموا بحمل ألف تومان، والتومان عبارة عن عشرة آلاف دينار من الذهب، إلا أن سعر الدينار عندهم يختلف، فتكون جملة ذلك عشرة آلاف ألف دينار، فالتزموا بها، وعادوا إلى البلد، وفرضوه على الناس، فجبوا أجرة مساكن دمشق كلها عن ثلاثة أشهر، وألزموا كل إنسان من ذكر وأنثى، وحر وعبد، وصغير وكبير بعشرة دراهم. وألزم مباشر كل وقف من سائر الأوقاف بمال، فأخذ من أوقاف جامع بني أمية ألف درهم، ومن بقية أوقاف الجوامع والمساجد والمدارس والمشاهد والربط والزوايا شيء معلوم، بحسب ما اتفق، فنزل بالناس في استخراج هذا بلاء عظيم. وعوقب كثير منهم بالضرب، وشغل كل أحد بما هو فيه، فغلت الأسعار، وعز وجود الأقوات، وبلغ المسد من القمح -وهو أربعة
أقداح- إلى أربعين درهماً فضة. وتعطلت الجمعة والجماعة من دمشق كلها، فلم تقم بها جمعة إلا مرتين، الأولى في يوم الجمعة تاسع عشر جمادى الآخرة، ودعا الخطب فيها بجامع بني أمية للسلطان محمود، ولولي عهده ابن الأمير تيمور كركان،
 
ثم شغل الناس بعدها عن الدين والدنيا بما هم فيه. وذلك أنه نزل شاه الملك -أحد أمراء تمر- بجامع بني أمية، ومعه أتباعه، وادعى أنه نائب دمشق، وجمع كل ما كان في الجامع من البسط والحصر، وستر بها شرفات الجامع، وصلى الناس الجمعة في شمالي الجامع، وهم قليل. وشاهدوا أصحاب شاه ملك يلعبون في الجامع بالكعاب، ويضربون بالطنابير. ثم بعد الجمعتين منعوا من إقامة في الجمعة بالجامع، فصلى طائفة الجمعة بعد ذلك بالخانقاه السميساطية، فتعطلت سائر الجوامع والمساجد من إعلان الأذان، وإقامة الصلاة. وبطلت الأسواق كلها، فلم بيع شيء إلا ما كان مما يورد ثمنه في الجباية المقررة.
وزاد بالناس البلاء أن أصحاب تمر لا يأخذون إلا الدراهم والدنانير لا غير، وردوا الفلوس، فانحطت وصار ما كان بخمسة دراهم لا يحسب الناس فيه فيما بينهم غير درهم واحد.
 
هذا ونائب القلعة ممتنع بها، وقد حاصره تمر، فخرب ما بين القلعة والجامع بالحريق وغيره.
 
ثم إن النائب سلم بعد تسعة وعشرين يوماً. فلما تكامل حصول المال الذي هو بحسابهم ألف تومان، حمل إلى تمر، فقال لابن مفلح وأصحابه: هذا المال بحسابنا، إنما هو ثلاثة آلاف دينار. وقد بقي عليكم سبعة آلاف ألف دينار، وظهر أنكم قد عجزتم. وكان تمر لما خرجت إليه الطقزات، وفرض للجباية الأولى التي هي ألف ألف دينار، قرر مع ابن مفلح وأصحابه أن ذلك على أهل البلد، وأن الذي تركه العسكر المصري من المال والسلاح والدواب وغير ذلك لا يعتد به لهم، وإنما هو لتمر. فخرج الناس إليه بأموال أهل مصر.
وبدا منهم في حق بعضهم بعضاً من المرافعات أنواع قبيحة، حتى صارت كلها إليه. فلما علم أنه قد استولى على أموال المصريين ألزمهم بإخراج أموال الذين فروا من التجار وغيرهم إلى دمشق خوفاً منه. وكان قد خرج من دمشق عالم عظيم، فتسارعوا إلى حمل ذلك إليه، وجروا على عادتهم في النميمة بمن عنده من ذلك شيء، حتى أتوا على الجميع. فلما صار إليه ذلك كله ألزمهم أن يخرجوا إليه سائر ما في المدينة من الخيل والبغال والحمير والجمال، فاخرج إليه جميع ما كان في المدينة من الدواب، حتى لم يبق بها شيء من ذلك.
ثم ألزمهم أن يخرجوا إليه جميع آلات السلاح، جليلها وحقيرها، فتتبعوا ذلك، ودل بعضهم على بعض، حتى لم يبق بها من آلات القتال وأنواع السلاح شيء.
ثم بعد حمل الفريضتين ورميه ابن مفلح ومن معه بالعجز عن الاستخراج، قبض على أصحاب ابن مفلح، وألزمهم أن يكتبوا له جميع خطط دمشق وحاراتها وسككها، فكتبوا ذلك ودفعوه إليه، ففرقه على أمرائه. وقسم البلد بينهم، فساروا إليها، ونزل كل أمير في قسمه، وطلب من فيه، وطالبهم بالأموال، فكان الرجل يوقف على باب داره في أزرى هيئة، ويلزم بما لا يقدر عليه من المال، فإذا توقف في إحضاره عذب بأنواع العذاب من الضرب وعصر الأعضاء، والمشي على النار، وتعليقه منكوشاً، وربطه بيديه ورجليه، وغم أنفه بخرقة فيها تراب ناعم، حتى تكاد نفسه تخرج، فيخلى عنه حتى يستريح، ثم تعاد عليه العقوبة.
ومع هذا كله تؤخذ نساوه وبناته وأولاده الذكور، وتقسم جميعهم على أصحاب ذلك الأمير، فيشاهد الرجل المعذب امرأته وهي توطأ، وابنته وهي تفض بكارتها، وولده وهو يلاط به، فيصير هو يصرخ مما به من ألم العذاب، وابنته وولده يصرخون من ألم إزالة البكارة، وإتيان الصبي، وكل هذا نهاراً وليلاً، من غير احتشام ولا تستر.
ثم إذا قضوا وطرهم من المرأة، والبنت والصبي، طالبوهم بالمال، وأفاضوا عليهم أنواع العقوبات، وأفخاذهم مضرجة بالدماء.
وفيهم من يعذب بأن يشد رأس من يعاقبه بحبل ويلويه حتى يغوص في الرأس،
وفيهم من يضع الحبل على كتفي المعذب ويديره من تحت إبطه، ويلويه بعصا حتى ينخلع الكتفين.
وفيهم من يربط إبهام اليدين من وراء الظهر ويلقي المعذب على ظهره، ويذر في منخريه رماداً سحيقاً، ثم يعلقه بإبهام يديه في سقف الدار، ويشعل النار تحته. وربما سقط في النار فسحبوه منها، وألقوه حتى يفيق، فيعذب أو يموت، فيترك.
 
واستمر هذا البلاء مدة تسعة عشر يوماً، آخرها يوم الثلاثاء ثامن عشرين رجب، فهلك فيها بالعقوبة ومن الجوع خلق لا يدخل عددهم تحت حصر.
 
فلما علموا أنه لم يبق في المدينة شيء له قدر، خرجوا إلى تمرلنك، فأنعم بالبلد على أتباع الأمراء، فدخلوها يوم الأربعاء آخر رحب، ومعهم سيوف مشهورة، وهم مشاة، فنهبوا ما بقي من الأثاث وسبوا نساء دمشق بأجمعهن، وساقوا الأولاد والرجال، وتركوا من عمره
خمس سنين فما دونها، وساقوا الجميع مربطين في الحبال.
 
 ثم طرحوا النار في المنازل، وكان يوماً عاصف الريح، فعم الحريق البلد كلها، وصار لهب النار يكاد أن يرتفع إلى السحاب،
وعملت النار ثلاثة أيام، آخرها يوم الجمعة.
 
وأصبح تمر يوم السبت ثالث رجب راحلاً بالأموال والسبايا والأسري، بعدما أقام على دمشق ثمانين يوماً، وقد احترقت كلها، وسقطت سقوف جامع بني أمية من الحريق، وزالت أبوابه، وتفطر رخامه، ولم يبق غير جدره قائمة. وذهبت مساجد دمشق، ومدارسها، ومشاهدها، وسائر دورها، وقياسرها، وأسواقها، وحماماتها، وصارت أطلالاً بالية، ورسوماً خالية، قد أقفرت من الساكن، وامتلأت أرضها بجثث القتلى، ولم يبق بها دابة تدب، إلا أطفال يتجاوز عددهم آلاف، فيهم من مات، وفيهم من يجود بنفسه.
*زهير
24 - ديسمبر - 2010
ليالي تيمور (هروب الأمراء إلى القاهرة)    كن أول من يقيّم
 
 
وأما بقية أمراء مصر وغيرهم، فإنهم لما علموا بتوجه السلطان من دمشق خرجوا منها طوائف طوائف، يريدون اللحاق بالسلطان، فأخذهم العشير، وسلبوهم ما معهم، وقتلوا خلقاً كثيراً. وظفر أصحاب تمرلنك بقاضي القضاة صدر الدين محمد بن إبراهيم المناوي الشافعي، فسلبوه ما عليه من الثياب، وأحضروه إلى تمرلنك، فمرت به محن شديدة، آلت إلى أن غرق بنهر الزاب، وهو في الأسر.
وكان قاضي القضاة ولى الدين عبد الرحمن بن خلدون المالكي بداخل مدينة دمشق. فلما علم بتوجه السلطان تدلى من سور المدينة، وسار إلى تمرلنك فأكرمه وأجله، وأنزله عنده، ثم أذن له في المسير إلى مصر، فسار إليها
 
وتتابع دخول المنقطعين بدمشق إلى القاهرة في أسوأ حال، من المشي والعري والجوع، فرسم لكل من المماليك السلطانية بألف
درهم، وجامكية شهرين.
وأما السلطان فإنه لما استقر بقلعة الجبل أعاد شمس الدين محمد البخانسي إلى حسبة القاهرة، وصرف العينتابي في يوم السبت سابع جمادى الآخرة.
وفيه أذن للأمير يلبغا السالمي أن يتحدث في كل ما يتعلق بالمملكة، وأن يجهز عسكراً إلى دمشق لقتال تمرلنك، فشرع في تحصيل الأموال، وفرض على سائر أراضي مصر فرائض، فجبي من إقطاعات الأمراء، وبلاد السلطان وأخبار الأجناد، وبلاد الأوقاف عن عبرة كل ألف دينار خمسمائة درهم ثمن فرس، وجبي من سائر أملاك القاهرة ومصر وظواهرها أجرته عن شهر، حتى أنه كان يقوم على الإنسان في داره التي هو يسكنها، ويؤخذ منه أجرتها.
وجبي من الرزق -وهي الأراضي التي يأخذ مغلها قوم من الناس على سبيل البر- عن كل فدان من زراعة القمح، أو الفول، أو الشعير عشرة دراهم، وعن الفدان من القصب، أو القلقاس، أو النيلة -ونحو ذلك من القطاني- مائة درهم. وجبي من البساتين عن كل فدان مائة درهم. واستدعي أمناء الحكم والتجار، وطلب منهم المال على سبيل القرض.
وصار يكبس الفنادق وحواصل الأموال في الليل، فمن وجد صاحبه حاضراً فتح مخزنه، وأخذ نصف ما يجد من نقود القاهرة، وهي الذهب والفضة والفلوس. وإذا لم يجد صاحب المال أخذ جميع ما يجده من النقود. وأخذ ما وجد من حواصل الأوقاف، ومع ذلك فإن الصيرفي يأخذ عن كل مائة درهم -تستخرج مما تقدم ذكره- ثلاثة دراهم. ويأخذ الرسول الذي يحضر المطلوب ستة دراهم، وإن كان نقيباً أخذ عشرة دراهم. فاشتد الضرر بذلك، وكثر دعاء الناس على السالمي، وانطلقت الألسنة بذمه، وشنعت القالة فيه، وتمالأت القلوب على بغضه.
 
شهر شعبان، أوله الخميس: فيه قدم قاضي القضاة ولي الدين عبد الرحمن بن خلدون من دمشق، وقد أذن له تمرلنك في التوجه إلى مصر، وكتب له بذلك كتاباً عليه خطه، وصورته تيمور كركان، وأطلق معه جماعة بشفاعته فيهم، منهم القاضي صدر الدين أحمد بن قاضي القضاة جمال الدين محمود القيصري، ناضر الجيش، وكان قد خرج مع السلطان من جملة موقعي الدست.
 
وفي ثانيه: جاء دمشق جراد كثير جداً، ودام أياماً.
وفي ثالثه: توجه تمرلنك من دمشق بعساكره، فعز القمح بدمشق، واقتات من تأخر بها من
منابت الأرض.
وفي خامسه: برز الأمراء الذين كانوا بالقاهرة في غيبة السلطان بدمشق، للمسير لحرب تمرلنك، وهم: الأمير تمراز أمير مجلس، والأمير أقباي حاجب الحجاب، والأمير جرباش الشيخي، والأمير تمان تمر، والأمير صوماي الحسني. وامتنع الأمير جكم من السمر، فبطل سمر الأمراء أيضاً.
وفي سابعه: قدم الأمير سيف الدين شيخ المحمودي نائب طرابلس هارباً من  تمرلنك، فتلقاه الأمراء، وقدموا إليه الخيول، بالسروج الذهب، والكنابيش الذهب، والقماش، والجمال، وغير ذلك،
 
وفي ثامن عشره: أفرج عن ابن قطينة، ولزم داره.
وفي تاسع عشره: قدم الأمير دقماق المحمدي نائب حماه فاراً من تمرلنك، فأنعم عليه أيضاً. مما يليق به. وفيه برز الأمير تغري بردى من بشبغا نائب الشام للمسير إلى دمشق.
 
وخرج بعده نواب البلاد الشامية وأمراؤها وأجنادها، وسائر أعيانها. وخلع على الأمير القاضي سعد الدين إبراهيم بن غراب جبة حرير بوجهين مطرزة، باستقراره فيما بيده
عند استعفائه من الأستادارية. وعلى جمال الدين يوسف بن القطب بقضاء الحنفية بدمشق، عوضاً عن محيي الدين محمود بن الكشك.
وفي ثامن عشرينه: استقر تمربغا المنجكل في نيابة صفد، وخرج إليها واستقر تنكز بغا الحططي في نيابة بعلبك وناصر الدين محمد بن الطويل في كشف الوجه البحري، وعزل طيبغا الزيني.
وفي رابع عشرينه: قبض على مملوكين، فأقرا أنهما اتفقا مع جماعة من المماليك -سموهم- على إثارة فتنة وقتل الأمراء، فعفي عنهما، ولم يتحرك في ذلك ساكن.
وفيه نودي ألا يقيم بديار مصر عجمي، وأجلوا ثلاثة أيام، وهدد من تأخر بعدها، فلم يتم من ذلك شيء. ولهج الناس بالكتابة على الحيطان من نصرة الإسلام قتل الأعجام.
*زهير
24 - ديسمبر - 2010
ليالي تيمور (بغداد) 803    كن أول من يقيّم
 
شهر ذي القعدة:
وفي خامس عشره: أفرج عن يلبغا السالمي، فسار من بيت شاد الدواوين إلى داره على حمار.
وفيه ورد الخبر بأن دقماق المحمدي نائب صفد لما قدمها وجد متيريك بن قاسم بن متيريك -أمير حارثة- قد نزل على بلاد صفد، وقسمها.
وكان قد أخذ من أموال الفارين من دمشق إلى مصر في نوبة تمرلنك ما يجل وصفه.
فركب عليه وحاربه، فانكسر منه دقماق، وقتل من مماليكه اثنا عشر فارساً، وأسرت أمه، بعدما قتل عدة من عرب حارثة. وأنه استنجد بالأمير شيخ نائب طرابلس، وكان نازلاً على مرج العيون، فرجع إليه، وركبا معاً بمن معهما على متيريك فكسراه، وقتلا جماعة من عربه، وأسرا له ولدين وسطاهما، وأخذا له ستة آلاف بعير، فكتب إلى متيريك بتطييب خاطره.
وكتب إلى شيخ ودقماق برد أباعره عليه، فلم يقبلا ذلك.
 
وقدم الخبر أن نائب حلب أحواله تقتضي أنه قد خرج عن الطاعة.
 
وفي هذا الشهر: خربت بغداد. وفيه طمع العربان في بلاد الشام ونهبوا ما فيها.
 
شهر ذي الحجة، أوله الأربعاء:
في ليلة السبت رابعه: اختفى سعد الدين إبراهيم بن غراب، وأخوه فخر الدين ماجد وصهره -أخو زوجته- يوسف بن قطلوبك العلاي، وعدة من ممالكه، فلم يوقف لهم على خبر
 
وفي تاسعه: ورد رسول مشايخ تروجة بقدوم سعد الدين بن غراب إليهم، ومعه مثال سلطاني باستخراج الأموال ومسيرهم معه إلى الإسكندرية، وإخراج يشبك والأمراء من السجن، ليحضروا إلى القاهرة بهم فخلع على الرسول، وكتب معه بأخذ ابن غراب ومن معه وإرسالهم إلى القاهرة. وقدم كتاب أرسطاي نائب الإسكندرية بأن سعد الدين بن غراب طلب زعران الإسكندرية، فخرج إليه أبو بكر المعروف بغلام الخدام بالزعر إلى تروجه، فأعطي كل واحد منهم مبلغ خمسمائة درهم، وقرر معهم قتل النائب. فلما بلغ
النائب ذلك، وقدموا إلى الإسكندرية، قبض على جماعة منهم، وقتل بعضهم، وقطع أيدي بعضهم، وضرب غلام الخدام بالمقارع، وأنه ظفر بكتاب ابن غراب إلى بعض تجار الإسكندرية وجهزه، وفيه أنه يجتمع بالنائب ويؤكد عليه أن لا يقبل ما يرد عليه من أمراء
مصر في أمر يشبك ومن معه، وأنه يجعل باله لا يجري له ما جرى على ابن عرام في قتله الأمير بركة. وورد كتاب مشايخ تروجة بسؤال الأمان لابن غراب، فكتب له السلطان أماناً، وكتب له الأمراء أيضاً -ما خلا الأمير جكم- فإنه كتب إليه كتاباً ولم يكتب أماناً.
وخلع على علي بن غريب الهواري، وعثمان بن الأحدب، وعملا في الإمرة على هوارة ببلاد الصعيد، عوضاً عن محمد بن عمر بن عبد العزيز الهواري، وسارا. واستقر بهاء الدين أرسلان نقيب الجيش، حاجباً.
وفي سادس عشره: رحل تمرلنك عن بغداد، بعدما هدمها.
 
وفيه قدم رسل أبي يزيد بن عثمان -ملك الروم- بهدية، فيها عشرة مماليك، وعشرة أرؤس من الخيل، وعشر قطع من الجوخ، وشاربان من الفضة، وعشر قطع فضة، ما بين أطباق وغيرها، وعدة هدايا إلى الأمراء، فقرئ كتابه في العشرين منه.
 

وهلك بحلب وحماة ودمشق وأعمال الشام في محنة تمرلنك، بالجوع والقتل والحريق، وفي الأسر، عشرات آلاف آلاف........  ومات قاضي الحنابلة بدمشق تقي الدين إبراهيم بن العلامة شمس الدين محمد بن مفلح في شعبان، عن اثنتين وخمسين سنة. وكان فقيهاً واعظاً، إلا أنه قام في مصالحة الطاغية تيمور، فلم ينجح، ولم يحمد.

*زهير
24 - ديسمبر - 2010
قطعة من ترجمة السخاوي لتيمور     كن أول من يقيّم
 
قال السخاوي في آخر ترجمة تمرنك
وكان شيخاً طوالاً مهولاً طويل اللحية حسن الوجه أعرج شديد العرج سلب رجله في أوائل أمره ومع ذلك يصلي عن قيام، مهاباً بطلاً شجاعاً جباراً ظلوماً غشوماً فتاكاً سفاكاً للدماء مقداماً على ذلك أفنى في مدة ولايته من الأمم ما لا يحصيهم الا الله ووصل إلى أطراف الهند وخرب بلداناً كثيرة يفوتها الحصر؛ جهير الصوت يسلك الجد مع القريب والبعيد ولا يحب المزاح ويحب الشطرنج وله فيها يد طولى ومهارة زائدة وزاد فيها جملاً وبغلاً وجعل رقعته عشرة في أحد عشر بحيث لم يكن يلاعبه فيه إلا أفراد.
 
كان من أطاعه من أول وهلة أمن ومن خالفه أدنى مخالفة وهي، ذا فكر صائب ومكائد في الحرب عجيبة وفراسة قل أن تخطئ عارفاً بالتواريخ لادمانه على سماعه لا يخلو مجلسه عن قراءة شيء منها سفراً أو حضراً مغري بمن له معرفة بصناعة ما إذا كان حاذقاً فيها، أمياً لا يحسن الكتابة حاذقاً باللغة الفارسية والتركية والمغلية خاصة ويعتمد قواعد جنكزخان ويجعلها أصلاً ولذلك أفتى جمع جم بكفره مع أن شعائر الاسلام في بلاده ظاهرة؛
 
 وله جواسيس في جميع البلاد التي ملكها والتي لم يملكها؛ وكانوا ينهون إليه الحوادث الكائنة على جليتها ويكاتبونه بجميع ما يروم فلا يتوجه إلى جهة الا وهو على بصيرة من أمرها، وبلغ من دهائه أنه كان إذا أراد قصد جهة جمع أكابر الدولة وتشاوروا إلى أن يقع الرأي على التوجه في الوقت الفلاني إلى الجهة الفلانية فيكاتب جواسيس تلك الجهات فتأخذ الجهة المعينة حذرها ويأمن غيرها، فإذا ضرب النفير وأصبحوا سائرين ذات الشمال عرج بهم ذات اليمين فإلى أن يصل الخبر الثاني دهم هو الجهة التي يريد وأهلها غافلون.
مات وهو متوجه لأخذ بلاد الخطا على مدينة اترار في ليلة الاربعاء سابع عشر شعبان سنة سبع؛ وأرخه المقريزي في التي تليها وأظنه غلطاً. ولم يكن معه من بنيه وأحفاده سوى حفيده خليل بن ميران شاه وحسين ابن أخته فاتفق رأيهم على استقرار الحفيد المذكور عوضه بسمرقند مع وجود أبيه وعمه شاه رخ بهراة ووجود بير عمر في فارس؛ وكان تيمور قد جعل أولاً ولي عهده حفيده محمد سلطان فمات على أقشهر من بلاد الروم في سنة خمس وثمانمائة؛ فعهد إلى أخيه بير محمد وأبعده فصار ولي العهد وهو بفارس، فلما مات تيمور واستولى حفيده خليل على الخزائن وتمكن من الأمراء والعساكر بذل لهم الاموال العظيمة حتى دخلوا تحت طاعته وسار فلما قارب سمرقند تلقاه من بها وعليهم ثياب الحداد وهم يبكون ومعهم التقادم فقبلها منهم ودخلها وجثة جده تيمور في تابوت أبنوس وجميع الملوك والامراء مشاة مكشوفة رءوسهم وعليهم ثياب الحداد حتى دفنوه وأقاموا عليه العزاء أياماً ولعله قارب الثمانين فإنه قال للقاضي شرف الدين الانصاري وغيره كم سنكم فقال له الشرف سني الآن سبعة وخمسون سنة وأجابه غيره بنحو ذلك فقال أنا أصلح أن أكون والدكم. وبالجملة فكانت له همة عالية وتطلع إلى الملك؛ وكان مغري بغزو المسلمين وترك الكفار؛ وصنع ذلك في بلاد الروم ثم في بلاد الهند، وأنشأ بظاهر سمرقند عدة بساتين وقصور عجيبة فكانت من أعظم النزه، وبنى عدة قصبات سماها بأسماء البلاد الكبار كحمص ودمشق وبغداد وشيراز؛ وكان يجمع العلماء ويأمرهم بالمناظرة ويسألهم ويعنتهم بالمسائل، ولما مات كان له من الاولاد ميران شاه وشاه رخ وبنت اسمها سلطان تخت ومن الزوجات ثلاث ومن السراري شيء كثير، وأخباره مطولة وقد أفردها بعض من أخذت عنه بالتأليف؛ والقدر الذي اقتصرت عليه هنا اعتمدت فيه ابن خطيب الناصرية وشيخنا، وترجمته في عقود المقريزي نحو كراستين.
*زهير
24 - ديسمبر - 2010
 2  3  4  5  6