أحمد بن أويس كن أول من يقيّم
قال الحافظ ابن حجر في إنباء الغمر: أحمد بن أويس بن الشيخ حسن النوين بن حسين بن أقبغا بن أيلكان بن القان غياث الدين سلطان العراق كان مولده سنة..... وأول ما ولي إمرة البصرة من أخيه حسين، فلما اختلف الأمراء على حسين خرج من بغداد إلى تبريز فقدم أحمد بالجنود واغتال أخاه وقام بالسلطنة وذلك في صفر سنة أربع وثمانين، وقبض على أعيان الأمراء فقتلهم وأقام أولادهم، فثار عليه من بقي ببغداد مع أخيه شيخ على شاه زاده. فآل الأمر إلى أن قتل واستبد أحمد فسار السيرة الجائرة وقتل في يوم واحد ثمانمائة نفس من الأعيان وانهمك في اللذات واتفق أن اللنك نازل شاه منصور صاحب شيراز وقتله وبعث برأسه إلى بغداد والتمس منهم ضرب السكة باسمه فلم يطعه أحد، فأخذ تبريز ولم يزل إلى أن نازل بغداد في شوال سنة خمس وتسعين، ففر منه بأهله وما يعز عليه من ماله، فلحقه عسكر اللنك بالحلة فهزموه ونهبوا ما معه وخربوا الحلة وقصد الشام، وأما اللنك فإنه أفقر أهل بغداد بالمصادرة ومات تحت عقوبته فوق الثلاثة آلاف. وأما أحمد فوصل إلى الرحبة واستأذن الظاهر في القدوم عليه، فأجابه بما يطيب خاطره وأمر النواب بإكرامه، وجهز له الأمير أزدمر وصحبته ثلاثمائة ألف، وتلقاه المطبخ السلطاني فنصبت له الموائد، وركب الظاهر إلى لقائه، وذلك في صفر سنة ست وتسعين، ونزل له عن المسطبة، وأسرع أحمد لتقبيل يده فلم يوافق وعانقه وبكى وطيب خاطره وأجلسه معه على البساط بغير كرسي، ثم خلع عليه وأركبه فرساً، وسايره إلى أن وصل القلعة، فأرسله إلى بيت أعده له مطل على بركة الفيل، ثم أرسل له الظاهر بنحو عشرة آلاف دينار ومائتي قطعة قماش وعدة خيول وعشرين مملوكاً وعشرين جارية، ثم قدم ثقل أحمد ثم أحضره الظاهر دار العدل، ثم تجهز السلطان وسافر بالعساكر إلى حلب بعد أن تزوج أخت أحمد واسمها تندى ودخل بها في ربيع الآخر، ثم سار فدخل دمشق في العشرين من جمادى الأولى فأقام بها، وجهز أحمد بن أويس في أول شعبان ورسم له بجميع ما يحتاج إليه، فدخل بغداد في رمضان فوجد بها مسعود الخراساني من جهة اللنك ففر وأقام أحمد ببغداد، واستخدم جنوداً من العرب والتركمان، ووقع الوباء ببغداد، ففر أحمد إلى الحلة، وجرى على سيرته السيئة من سفك الدماء والجد في أخذ أموال الرعية، ولم يزل على ذلك إلى أن عاد اللنك طالباً الشام، ففر أحمد إلى قرا يوسف بن قرا محمّد بن بيرم خجا صاحب الموصل واستنجد به فسار معه، وكان أهل بغداد قد كرهوه فحاربوه وهزموهما معاً، فدخلا بلاد الشام واستأذنا أمير حلب وكان يومئذٍ دقماق من جهة الناصر فرج، ذلك في شوال سنة اثنتين وثمانمائة، فلم يأذن لهم فخرج لمحاربتهم فاقتتلوا قتالاً شديداً، فانهزم أهل حلب وأسر دقماق ففدى نفسه بمائة ألف، فبلغ الناصر ذلك فغضب وأمر بتجهيز عساكر الشام فتوجهوا ففر قرا يوسف فأوقعوا بأحمد فكسروه ونهبوا ما معه وبعثوا بسيفه إلى الناصر، ثم قدم اللنك بلاد الشام وخربها في سنة ثلاث وخرج منها وكان أحمد حينئذ قد فر إلى بلاد الروم، وأرسل اللنك إلى بغداد عسكراً ثم تبعهم وحاصرها ثم أخذها عنوة ووضع السيف فيها، وذلك في شوال سنة ثلاث بعد رحيله من الشام ويقال إنه قتل من أهلها نحو مائتين وخمسين ألف نفس وبنى برؤوسهم مساطب وفارقها وهي خراب، ولما بعد اللنك رجع أحمد إلى بغداد فأقام بها قليلاً فثار عليه ولده طاهر بن أحمد ففر منه وأتى إلى قرا يوسف فسار معه وقاتلا طاهر بالحلة فانهزم وغرق، ودخل أحمد بغداد ثم غدر أحمد بجماعة كانوا عنده من جهة قرا يوسف عدتهم خمسون نفساً من أعيان دولته، فغضب قرا يوسف وسار لمحاربة أحمد،فهرب ثم اختفى في بئر ببغداد، فأمر قرا يوسف بطم البئر، فطمت فما شكوا في هلاكه، فاتفق أنه كان بها فرجة فخرج منها ومضى إلى تكريت ثم إلى حلب، وملك قرا يوسف بغداد فأرسل إليه اللنك ابن ابنه مرزا أبي بكر بن مرزا شاه بن اللنك ففر قرا يوسف، فنهبه الأعراب بالرحبة فقدم دمشق فأنزله نائبها شيخ، ثم قدم قرا يوسف في رجب سنة سبع ووافقه على سيره إلى مصر صحبة يشبك حتى كانت وقعة السعيدية ورجع الجميع منهزمين، فأفرج شيخ عن أحمد في شوال فتوجه إلى بغداد في سادس عشر ذي الحجة فملكها، وتوجه قرا يوسف إلى الموصل وكتب إلى أحمد فاجتمعا ونازلوا مرزا أبي بكر بالسلطانية، فقتل في آخر سنة ثمان وملك قرا يوسف تبريز ورجع أحمد إلى بغداد، فاستأذنه قرا يوسف فيمن يقيمه في السلطنة، فأذن له بإقامة ولده بزق ففعل، وذلك في سنة إحدى عشرة، فقدم مرزا شاه في طلب ثأر ولده فواقعه قرا يوسف فقتل، وغنم قرا يوسف جميع ما كان معه وهو شيء كثير فتقوى به واتفق في غضون ذلك أن أحمد لما تغلب على طباعه من الغدر مضى إلى تبريز فملكها، ونهب جميع ما وجده لقرا يوسف وولده، فرجع إليه وقاتله فانهزم منه، وذلك في ربيع الآخر سنة ثلاث عشرة، فلم يزل أحمد يتطلبه إلى أن ظفر به (أي: إلى أن ظفر قرا يوسف بأحمد) فأكرمه، ثم سجنه ثم دس عليه من خنقه فمات في آخر يوم من ربيع الآخر، واستقرت قدم قرا يوسف في بغداد وتبريز وكان منه ما ذكر في ترجمته، وكان أحمد سفاكاً للدماء، متجاهراً بالقبائح وله مشاركة في عدة علوم كالنجوم والموسيقى، وله شعر كثير بالعربية وغيرها؛ وكتب الخط المنسوب، وكانت له شجاعة ودهاء وحيل ومحبة في أهل العلم. |