البحث في المجالس موضوعات تعليقات في
البحث المتقدم البحث في لسان العرب إرشادات البحث

مجلس : التاريخ

 موضوع النقاش : هولاكو وبنوه    قيّم
التقييم :
( من قبل 4 أعضاء )
 زهير 
24 - ديسمبر - 2010
 
كان هولاكو عامل القان الأعظم على خراسان وفارس وأذربيجان وعراق العجم وعراق العرب والشام والجزيرة والروم وديار بكر وفيما يلي ترجمته وترجمة من حكم العراق من بعده من بنيه:
 قال الصفدي في (الوافي):
هولاكو بن تُولى قان بن جنكزخان ملك التتار ومقدمهم، كان طاغيةً من أعظم ملوك التتار وكان شجاعاً مِقداماً حازماً مدبراً ذا همةٍ عاليةٍ وسطوة ومهابةٍ وخبرة بالحروب ومحبَّة في العلوم العقلية من غيرِ أن يتعقل منها شيئاً، اجتمع له جماعة من فضلاءِ العالم وجمع
حكماء مملكته وأمرهم أن يرصدوا الكواكب، وكان يطلِق الكثير من الأموال والبلاد وهو على قاعدة المغل في عَدَم التقييد بدينٍ، لكنّ زوجته تنصرت، وكان سعيداً في حروبه، طوى البلاد واستولى على الممالك في أيسرِ مدةٍ، فتح بلاد خراسان وفارس وأذربيجان وعراق العجم وعراق العرب والشام والجزيرة والروم وديار بكر كذا قال قطب الدين، وقال الشيخ شمس الدين: الذي فتح خراسان وعراق العجم جنكزخان، وهولاكو أباد الملوك وقتل الخليفة المستعصم وأمراء العراق وصاحب الشام ميّافارقين، وقال الظهير الكازروني: حكى النجم أحمد بن البّواب النقّاش نزيل مراغة قال: عزم هولاكو على زواج بنت ملك الكرج فأبت حتى يُسِلمَ، فقال: عرِّفوني ما أقول، فعرضوا عليه الشهادتين، فأقَرَّ بهما، وشهد عليه بذلك خواجا نصير الدين الطوسي وفخر الدين المنجم، فلما بلغها ذلك أجابت، فحضر القاضي فخر الدين الخلاطي وتوكَّل لها النصير، ولهولاكو الفخر المنجم، وعقدوا العقد باسم تامار خاتون بنت الملك داود إيواني على ثلاثين ألف دينارٍ، قال ابن البواب:
وأنا كتبتُ الكتاب في ثوب أطلس أبيض، وتوفي هولاكو بعلّة الصَّرع وأخفَوا موتَه وصبّروه وجعلوه في تابوتٍ، وكان ابنه أبغا غائباً فطلبه المغل وملّكوه، وهلك هولاكو وله ستون سنة
او نحوها في سنة أربع وستين وستمائة، وخلّف من الأولاد سبعةَ عشرَ ولداً سِوى البنات وهو أبغا و واشموط و تمشين و تكشى، وكان جباراً، واجاي ويَستِز ومنكوتمر، الذي التقى هو والمنصور قلاوون على حمص وانهزم جريحاً، وباكُودَر وارغون ونغاي دَمُر والملك أحمد، وقد جمع صاحب الديوان كتاباً في أخبارهم في مجلدين، وكان القان الأعظم في أيّام هولاكو مونكوقا بن تولى بن جنكزخان، فلما هلك جلس بعده على التخت أخوهما قبلاي
وامتدّت أيّامه وطالت دولته، ومات قبلاي في خان بالِق سنة خمس وتسعين وستمائة، وكانت مملكته نحواً من أربعين سنة وقد تقدم ذكر قبلاي في مكانه من حرف القاف.
 
 1  2  3 
تعليقاتالكاتبتاريخ النشر
أبغا ابن هولاكو    كن أول من يقيّم
 
 أبغا ملك التتار ابن هولاكو: (ترجم له الصفدي في الوافي قال):
ابن هولاكو: أبغا ويقال أباقا بن هولاكو ملك التتار وصاحب العراق والجزيرة وخراسان وأذربيجان، مات بنواحي همذان بين العيدين سنة ثمانين وست مائة وله نحو خمسين سنة، كان مقداماً شجاعاً عالي الهمة لم يكن في إخوته مثله وهو على دين التتار لم يسلم وكان ذا رأي وخبرة بالحروب، لما توجه أخوه منكوتمر إلى الشام بالعساكر لم يكن ذلك بتحريضه بل أشير عليه فوافق، وكان سفاكاً قتل في الروم خلقاً كثيراً لكونهم دخلوا في طاعة الملك الظاهر بيبرس الصالح وقد نفذ الظاهر إليه رسله وهدية وحضروا بين يديه وعليه قباء نفظي وسراقوج بنفسجي وزوجة أبيه الجى خاتون وقد تزوج بها كهلةً إلى جانبه، قال ابن الكازروني: توفي في العشرين من ذي الحجة وكانت أيامه سبع عشرة سنة وثمانية أشهر،
ولما جهز أخاه منكوتمر نزل في جماعة من خواصه بالقرب من الرحبة لينتظر ما يكون فلما تحقق الكسرة رجع على عقبه إلى همذان فمات هماً وكمداً ومات بعده بيومين أخوه آجاي.
*زهير
24 - ديسمبر - 2010
أحمد ابن هولاكو    كن أول من يقيّم
 
ترجم له الصفدي في الوافي فقال:
ملك التتار: أحمد بن هولاكو بن تولي قان بن جنكزخان ملك التتار. كان ملكاً شهماً خبيراً بأمور الرّعايا سالكاً أحسن المسالك لا يصدر عنه إلا ما يوافق الشريعة النبوية يعتمد عليها وينقاد إليها في جميع حركاته بطريق الشيخ عبد الرحمن؛ فإنّه كان قد أقبل عليه وامتثل ما يأمره به وكان يأمره بمصالحة المسلمين والدخول في طاعتهم والعمل على مراضيهم وأن يكونوا كلهم شيئاً واحداً. ولم يزل عليه إلى أن أجاب إلى مصالحة الملك المنصور سيف الدين قلاوون وكتب على يد الشيخ عبد الرحمن كتباً بديعة دالّة على دخوله في الإسلام واتباعه أوامر الله تعالى في الحلال والحرام. وتوجه بها الشيخ فلما وصل الشام بلغة وفاة أحمد بن هولاكو فبطل ما كان جاء به ووقع أجرهما على الله تعالى وبقي الشيخ بعده مدة يسيرة وتوفي، وسيأتي ذكره في مكانه من حرف العين.
ولما مات أبغا تعصب جماعة لأحمد وكان اسمه بكرار واسم أمه قبوخاتون نصرانية، وما هان على بعض المغل لأنّه ادّعى أنّه مسلم وحضر أخوه قنغرطاي وقال لأرغون: إن أبغا شرط في الياسة أنه إذا مات ما يقعد عوضه الأكبر ومن خالف يموت. وكتبوا إلى  ليحضروا ويكتبوا خطوطهم بالرضى بملك أحمد فقالوا: إن قدرتهم قد ضغفت ورجالهم قتلوا وإن المسلمين كلما لهم في قوة وأنه لا حيلة في هذا الوقت أتمّ من إظهار الإسلام والتقرب إلى السلطان الملك المنصور سيف الدين قلاوون؛ وكان بين أرغون ابن أبغا وبين السلطان عداوة شديدة فسيّر أحمد عسكراً نحو أرغون مقدار أحد عشر ألف فارس وقدم عليهم علي ناق أحد خواصّه، فقصدوا أرغون ونزلوا قريباً منه، فركب أرغون وكبسهم فقتل منهم ألفي فارس وبلغ ذلك أحمد فركب في أربعين ألفاً وقصد جهة خراسان فالتقى هو وأرغون وقتل من عسكر أرغون أكثر من النصف وضربت البشائر في بلاد العجم، وأمسك خمسةً من الأمراء في المصافّ وقررهم فاعترفوا أنّ أرغون طلب العبور إلى
إيلجان فمنعه جماعة من أصحاب الملك أحمد فأمسك اثني عشر أميراً من كبار المغل الملوك وقيدهم، فعند ذلك قام المغل عليه وجاهروه، فهرب ثم أخذ وأحضر إلى أرغون فقتله، واستبد أرغون بالملك. وقيل في كيفية قتله غير ذلك، وكان قتله سنة ثلاث وثمانين وستمائة.
*زهير
24 - ديسمبر - 2010
سفير أحمد ابن هولاكو    كن أول من يقيّم
 
قال الصفدي في الوافي في ترجمة رسول أحمد إلى الملك المنصور قلاوون:
عبد الرحمن الشيخ رسول أحمد بن هولاكو عبد الرحمن الشيخ، رسول الملك أحمد بن هولاكو. كن من مماليك الخليفة المستعصم وكان اسمه قراجا، فلما أخذت بغداذ تزهد واتصل بالملك أحمد وعظم عنده إلى أن كان ينزل إلى زيارته، وإذا شاهده ترجل وقبل يده وامتثل جميع ما يأمره به، فأشار عليه أن يتفق مع الملك المنصور فندبه لذلك، وسير في خدمته جماعة كثيرة من المغل، فحضر إلى دمشق في ذي الحجة سنة اثنتين وثمانين وست مائة، وأقام بمن معه في دار رضوان ورتب لهم من الإقامات ما لا مزيد عليه ، وقدم السلطان الشام فعند وصوله بلغه قتل أحمد وتملك أرغون، فاستحضر الشيخ عبد الرحمن ليلاً بالقلعة وسمع رسالته ثم أخبره بقتل مرسله، وعاد السلطان إلى مصر وبقي عبد الرحمن ومن معه معتقلين بالقلعة، واختصر أكثر تلك الرواتب، فلما كان في آخر شهر رمضان سنة ثلاث وثمانين وست مائة توفي الشيخ عبد الرحمن ودفن بسفح قاسيون وقد نيف على الستين، وبقي من معه على حالهم وتطاول بهم الاعتقال وضاق بهم الحال في المطعم والملبس، فنظم النجم يحيى شعراً وبعث به إلى ملك الأمراء حسام الدين لاجين منه:
أولـى  بسجنك أن يحيط iiوتقتفي صـيـد  الملوك وأفخر iiالعظماء
مـا قـدر فـراش وحـداد iiونق اط وخـربـنـدا إلـى iiسـقـاء
خـدمـوا  رسولاً ما لهم علم iiبما يـخـفـى وما يبدي من iiالأشياء
لـم يـتبعوا الشيخ الرسول iiديانة وطـلاب  عـلـم واغتنام iiدعاء
بـل رغبة في نيل ما يتصدق iiال سـلـطان من كرم وفيض iiعطاء
ويـؤمـلـون  فواضلاً تأتيه iiمن لـحـم وفـاكـهـة ومن iiحلواء
تفروا  من الكفار والتجأوا إلى iiال إسـلام واتـبـعـوا سبيل iiنجاء
فـيـقـابـلون بطول سجن iiدائم وتـحـسـر ومـجـاعة iiوعناء
أخـبـارهـم  مـقطوعة iiفكأنهم مـوتـى وهم في صورة iiالأحياء
إن كان خيراً قد مضى أو كان ش راً قـد أمـنـت عواقب الأسواء
وإذا قـطعت الرأس من بشر iiفلا تـحـفل  بما يبقى من iiالأعضاء
فلما وقف عليها أطلق أكثرهم وبقي منهم ثلاثة، قيل إن صاحب ماردين أشار بإبقائهم في الاعتقال. وكانت مقاصد الشيخ عبد الرحمن جيدة وباطنه وظاهره منصرف إلى نصرة الإسلام واجتماع الكلمة، وله سفرات عديدة إلى مصر والشام والحجاز. ولما قدم في الرسلية كانوا يسيرون به في الليل وينزلون به في النهار.
قال الشيخ شمس الدين: وكان يعرف السحر والسيمياء. رأيت في تاريخ أنه كان رومياً من فراشي السدة، وأخذ من الدور وقت الكائنة جوهراً نفيساً، وأسر فسلم له الجوهر، ثم صار من فراشي القان، ثم تزهد وتنمش وطمر الجوهر، وصار إلى الموصل فاتصل بعز الدين أيبك، أحد نواب القان، وكان مهوساً بالكيمياء، فربطه وصار معه إلى أبغا ودخل إليه فقال: رأيت في النوم في مكان كذا وكذا جوهراً مدفوناً فبعث معه جماعة فقال لهم:
احفروا هنا، فوجدوا ذلك فخضع له أبغا ثم ربطه بأمر الجن. ثم إنه عمل خاتمين نفيسين على هيئة واحدة فأظهر الواحد وأعطاه لأبغا ففرح والشعبذة به، فقال له: إن رميته في البحر أنا أخرجه فرماه، فقال له: اصبر إلى غد ثم عمل هيئة سمكة خشب مجوفة وملأها ملحاً مع الخاتم الآخر، وقال: هذه تأتي بالخاتم، ورماها في البحر فغرقت، فما تحلل الملح طفت وفح أبغا فمها فإذا الخاتم فانبهر واعتقد فيه وخضع له الملك أحمد أيضاً.
*زهير
24 - ديسمبر - 2010
أرغون بن أبغا بن هولاكو    كن أول من يقيّم
 
ترجم له الصفدي فقال:
أرغون بن أبغا بن هولاكو بن تولي بن جنكزخان ملك التتار وصاحب العراق وخراسان وغير ذلك. جلس على تخت الملك بعد قتل عمّه الملك أحمد، وقد تقدم ذكره؛ وكان شهماً شجاعاً مقداماً كافر النفس سفّاك الدماء ذا هيبة وجبروت، وكان مليح الصورة وهو أبو غازان وخربندا الملكين. حكى عز الدين حسن الطبيب أنه سمع العماد بن الخوام الحاسب ببغداذ يقول: شاهدت أرغون بن أبغا وقد صفوا له ثلاثة أفراس فوقف راجلاً عند أولها وطفر في الهواء ركب الثالث منها ولم يتشبّث بشيء من الفرسين. وكان وزيره سعد الدولة =اليهودي= قد استولى على عقله يصرّفه كيف أراد ويحكم في دولته تحكماً زائداً.
وهلك أرغون في سنة تسعين وستمائة في سابع ربيع الأول. فيقال إنه سقي السم ولم يصحّ فاتهم المغل اليهود بقتله، ونصّوا على سعد الدولة ومالوا على اليهود قتلاً ونهباً وورد الخبر بموت أرغون والملك الأشرف صلاح الدين خليل ابن الملك المنصور قلاوون على عكّا، فكان عام الدّمار على اليهود والنصارى. واختلف المغل بعد موته فمالت طائفة إلى بيدرا ولم يوافقوا على كيختو فرحل كيختو إلى الروم وكان جلوسه على التخت ثلاثة أيام.
وقال في ترجمة (كيختو) 

 

كيختو ابن هولاكو - بكاف بعدها ياء آخر الحروف وخاء معجمة وتاء ثالثة الحروف وواو – ابن هولاكو ملك التتار: تسلطن بعد هلاك أرغون ابن أخيه ابغا سنة تسعين وستمائة، وأقام بالروم مدة، ومالت طائفة إلى أخيه بيدو فملكوه، وجرى بينهم خلف، ثم قوي بيدو وملك العراق وخراسان وقاد الجيوش وجبى الأموال. وسار كل منهما لقصد الآخر، فالتقيا وقتل كيختو سنة ثلاث وتسعين وستمائة، واحتوى بيده على الأمر. لكن خرج عليه قازان بن أرغون وكان متلسماً ثغر خراسان عاصياً على الرجلين. فلما بلغه قتل كيختو، جمع الجيوش وطلب الملك. وكان كيختو له ميل إلى الإسلام وإحسان إلى الفقراء بخلاف أخيه بيدو، فإنه كان يميل إلى النصارى، وقيل: إنه تنصر، والله أعلم

@

وقال المقريزي في حوادث سنة أربع وتسعين وستمائة

في المحرم: ورد الخبر بأن كيختو بن أبغا بن هولاكو، الذي تسلطن بعد أخيه أرغون في سنة تسعين، قتل في سنة ثلاث وتسعين. وملك بعده ابن عمه بيدو، وهو ابن طرغاي بن هولاكو، فخرج عليه غازان بن أرغون بن أبغا نائب خراسان، وكسره وأخذ الملك منه، ويقال إنه أسلم على يد الشيخ صدر الدين بن حمويه الجويني.

 

*زهير
24 - ديسمبر - 2010
محمد بن أرغون    كن أول من يقيّم
 
قال الصفدي:
محمد بن أرغون بن أبغا ابن هولاكو بن تولي بن جنكز خان المغلي، القان غياث الدين خدابندا، معناه بالعربي عبد الله وإنما الناس غيروه فقالوا خربندا، صاحب العراق وأذربيجان وخراسان.
ملك بعد أخيه غازان، وتقدم ذكره، وكانت دولته ثلاث عشرة سنة.
كان شاباً مليحاً، حسن الوجه صبيحاً، لكن شانه العور قليلاً، وما شان ذلك من حاز وجهاً جميلا.
وكان جواداً لا يلحقه في حلبة الكرم جواد، سمحاً تمحو أياديه البيض ما في الدياجي من السواد، محباً للعماره، معرضاً عما يتعلق بالمملكة والإمارة، قد استغرق في اللعب، وأعرض عما يجده الجاد التعب، لعب بعقله الروافض فرفضوه، وأجابهم إلى ذلك لما دعوه
إلى الضلالة وفاوضوه.
فيا له من عمل صالح         يرفعه الله إلى أسفل
ولم يزل في عيشه لا يرد فيضه، إلى أن فارق الحياة بهيضه.
وتوفي في شهر رمضان سنة ست عشرة وسبع مئة، ودفن بسلطانية. وسلطانية بلده أنشأها ورسم بعمارتها، وتوفي بقوص من أبناء الأربعين.
وكان قد حضر إلى الرحبة، وحاصرها في شهر رمضان سنة اثنتي عشرة وسبع مئة، وأخذها بالأمان، وعفا عن أهلها، ولم يسفك فيها دماً وبات بها، فما أصبح ليلة الأربعاء الخامس والعشرين من شهر رمضان المذكور، وترك لأهل الرحبة أشياء كثيرة من أثقال
مجانيق وغيرها. وكان معه يومئذ قراسنقر والأفرام وسليمان بن مهنا، وذكرت في ترجمة جوبان ما اعتمده في أهل الرحبة من الخير في هذه الوقعة، وكان أهل الرحبة، قد حلفوا لخربندا، فلما ارتحل عنها، واستقر الأمر، التمس قاضيها، ونائبها وطائفة حلفت له من السلطان عزلهم فعزلهم لمكان اليمين من خربندا.
وكان مسلماً فما زال به الإمامية حتى رفضوه وغير شعار الخطبة، وأسقط منها ذكر الخلفاء سوى علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وصمم أهل باب الأزج عليه وخالفوه، فما أعجبه ذلك، وتنمر، ورسم بإباحة دمائهم وأموالهم، فعوجل بعد يومين بهيضة مزعجة،
داواه فيها الرشيد بمسهل منظف فخارت قواه.
وكان قبل موته قد رجع عن التشيع، وقال بقول أهل السنة.
وفي رحيله عن الرحبة يقول علاء الدين الوداعي، ومن خطه نقلت:
ما فر خربندا عن الرحبة ال عـظـمى إلى أوطانه iiشوقا
بـل  خـاف من مالكها iiأنه يـلـبـسه  من سيفه iiطوقا
ولما تشيع السلطان خربندا قال جمال الدين إبراهيم بن الحسام المقدم ذكره يمدحه:
أهدي  إلى ملك الملوك iiدعائي وأخـصـه بـمدائحي iiوثنائي
وإذا  الورى والوا ملوكاً iiغيره جـهـلاً ففيه عقيدتي iiوولائي
هـذا  خـدابـندا محمد iiالذي سـاد  الـمـلوك بدولة iiغراء
مـلك البسيطة والذي دانت iiله أكـنـافـها طوعاً بغير iiغناء
أغـنتك  هيبتك التي iiأعطيتها عـن صارم أو صعدة iiسمراء
ولـقد لبست من الشجاعة iiحلةً تـغنيك عن جيش ورفع iiلواء
مـلأ الـبسيطة رحبةً iiومهابةً فـالـناس  بين مخافة iiورجاء
من حوله عصب كآساد الشرى لا  يـرهبون الموت يوم iiلقاء
وإذا ركبت سرى أمامك iiللعدى رعـب يـقلقل أنفس iiالأعداء
ولـقد  نشرت العدل حتى iiإنه قـد عم في الأموات iiوالأحياء
فـليهن  ديناً، أنت iiتنصرملكه وطـبـيبه الداري بحسم iiالداء
نـبهته  بعد الخمول فأصبحت تـعـلـو بهمته عن iiالجوزاء
وبـسطت  فيه بذكر آل iiمحمد فـوق الـمنابر ألسن iiالخطباء
وغدت دراهمك الشريفة iiنقشها بـاسـم الـنبي وسيد iiالخلفاء
ونـقـشت  أسماء الأئمة iiبعده أحـسن بذاك النقش iiوالأسماء
ولقد  حفظت عن النبي iiوصيةً ورفـعـت قرباه على iiالغرباء
فـابشر  بها يوم المعاد iiذخيرةً يـجزيكها الرحمن خير iiجزاء
يـابن الأكاسرة الملوك iiتقدموا وورثـت  مـلكهم وكل iiعلاء
ولما رجع عن الترفض وتسنن، وكتب على الدراهم والدنانير الشهادتين وأسماء الصحابة، قال بعض الشعراء في ذلك:
رأيـت  لـخربندا اللعين iiدراهماً يـشـابهها  في خفة الوزن iiعقله
عليها اسم خير المرسلين وصحبه لـقـد رابـنـي هذا التسنن iiكله
*زهير
24 - ديسمبر - 2010
غازان    كن أول من يقيّم
 
قال الصفدي
 
غازان بن أرغون بن أبغا ابن هولاكو بن تولى بن جنكزخان، السلطان الكبير والقان الجليل إيلخان، معز الدين.
كان من أجل ملوك هذا البيت وأعظم من ركب ظهر أدهم أو امتطى صهوة كميت.
حزء أعظم من كلهم، وواحد في موازنة جلهم، رابط الجأش، ضابط السياسة والانتعاش، خبيراً بالحروب وتدبيرها، وهلاك أعاديه وتدميرها.
وكان أشقر ربعة خفيف العارضين واللحيه، غليظ الرقبة، كبير الوجه، عليه من المهابة حلية وأي حليه:
يـمد يديه في المفاضة iiضيغم وعينيه من تحت التريكة أرقم
لما ملك أخذ نفسه في الملك مأخذ جنكزخان، ودوخ البلاد والأقطار وأخذ من أدى الأمانة ومن خان. وكان لا يعف عن الأموال ويعف عن الدماء، ويود لعلو همته أن يملك ما تحت السماء.
وكان يؤثر أن يظهر العدل عنه، ويود لو تمكن منه، ولذلك تسمى "محمود"، يريد به نورالدين الشهيد. وينتمي إلى تقليد أفعاله في القريب والبعيد، فما تمسك من ذلك إلا بأقصر سبب، وحكى ولكن فاته الشنب. هذا في بلاد أذربيجان والعراق، وما ضرب فيه له
خام أو امتد رواق، وأما الشام فإنه مني من مغوله بالداء العضال، ورمي من جباريهم بما يرمى به الغرض من النبال في النضال، وسلم الله منهم بعض السلامة، ولطف بأهله إلا من أسروه فما سروه أو جرعوه حمامه. ولكن لما عادوا في الواقعة الثانية أخذ الله بالثأر لنا "فهل ترى لهم من باقية":
وإن كـان أعجبكم iiعامكم فعودا إلى حمص في iiقابل
فإن الحسام الخضيب الذي قـتـلتم  به في يد iiالقاتل
والذي أعتقده أنه من حين ظهر جنكزخان ما جرى للمغول بعد واقعة عين جالوت ولا إلى يومنا مثل واقعة شقحب، كادت تأتي على نوعهم فناء، فإن الموت أهل بهم ورحب، وما نجا منهم إلا من حصنه الأجل، أو اختار الأسر لما وجد من الوجل.
ولم يزل غازان على حاله إلى أن =وقع و= وصلت إليه يد سواءٌ عندها البازي الأشهب والغراب الأبقع.
وتوفي في ثاني عشر شوال سنة ثلاث وسبع مئة، ببلاد قزوين، وحمل إلى تربة ب "شم" ظاهر توريز، والعوام يسمون هذا المكان: الشام، وهي تربة اشتملت على عمارة جليلة.
وظاهر توريز يشتمل على ثلاث مدارس: للشافعية وللحنفية  وللحكماء، وعلى مارستان وجامع وخانقاه، ورصد للكواكب، وخزائن للكتب، ودار مضيف، وأوقاف ذلك تغل في السنة نحو مئة ألف دينار رائج، والرائج ستة دراهم، والدرهم نصف وربع كاملي. وكان النظر في ذلك للخواجا رشيد وأولاده.
واختلفت أخباره على البلاد الإسلامية، وخبط القصاد فيها تخبيطاً كبيراً. واشتهر أخيراً أنه سم في منديل تمسح به بعد الجماع، فتعلل مدة ومات. 
وكان الشيخ علاء الدين الوادعي -المقدم ذكره- تلك المدة في البيرة، فكتب مطالعة عن نائبها إلى السلطان الملك الناصر محمد، وكتب فيها:
قـد  مـات قازان بلا iiمريةٍ ولم يمت في الحجج الماضيه
بـل شنعوا عن موته iiفانثنى حـيـا ولـكن هذه iiالقاضيه
فكتب الجواب إلى الأمير سيف الدين طوغان نائب البيرة شيخنا العلامة شهاب الدين أبو الثناء محمود -رحمه الله تعالى-: ووقفنا على البيتين اللذين نظما في وصف حال قازان، وتحقق موته بعد اختلاف الأخبار فيه، والجواب عنهما:
مات من الرعب وإن لم تكن بـمـوتـه  أسيافنا iiراضيه
وإن  يـفـتـهـا فأخوه iiإذا رأى ظـباها كانت iiالقاضيه
وللوادعي -رحمه الله تعالى- في موت قازان عدة مقاطيع منها ما نقلته من خطه:
لـقـد مات قازان فويل iiمنافق يـكـابر  فيه بالخديعة iiوالمكر
ولـم  يبق إلا أن يجيء iiبنفسه ويحلف أني قد شبعت من القبر
ونقلت منه أيضاً له:
وكـم  يـجـعل القصاد حياً iiوميتاً قـزانـاً  وأوحتهم شياطينهم iiوحيا
إلى أن قضى نحباً وصار إلى لظى وأصـبـح فيها لا يموت ولا iiيحيا
ونقلت منه أيضاً له مضمناً:
قـد  قال غازان يا للمسلمين لقد ثارت بقصادكم بين الورى الفتن
كـم قد نعيت وكم قد مت عندكم ثم  انتفضت فزال القطن والكفن
وكان جلوس غازان على تخت الملك في سنة ثلاث وتسعين وست مئة. وحسن له نائبه نوروز الإسلام، فأسلم في سنة أربع وتسعين، ونثر الفضة والذهب واللؤلؤ على رؤوس الناس، وفشا بذلك الإسلام في التتار. وكان صاحب العراقين وخراسان وفارس والجزيرة وأذربيجان والروم. (يتبع)
*زهير
24 - ديسمبر - 2010
تتمة أخبار غازان    كن أول من يقيّم
 
قال العز الإربلي الطبيب ما معناه: إن غازان لما ملك استضاف نساء أبيه إلى نسائه على ياسا المغول في ذلك، وكان مغرىً بحب بلغان خاتون دون نسائه، وهي أكبر نساء أبيه، فلما أسلم قيل له: إن الإسلام يفرق بينك وبينها، لأنه لا يجوز في دين الإسلام أن ينكح
الرجل ما نكح آباؤه من النساء، فهم بالردة إلى أن أفتاه بعض العلماء بأن أرغون أباه كان كافراً. وكانت بلغان خاتون معه سفاحاً والحرام غير محرم، فيجوز لك أن تنكحها، فسر بذلك، وعقد عقد نكاحه عليها، وثبت على الإسلام، ولولا ذلك لارتد. قال: ولاموا من
أفتاه، فقال: إنما قلت ظاهر الشرع، وإن تسهلت فالتسهل في ارتكاب غازان بمحرم واحد وأسهل من أن يرتد كافراً، وينتصب لمعاداة الإسلام وأهله. فاستحسن ذلك من قوله، وعرف فيه حسن قصده.
وكان غازان يتكلم بالتركية والمغلية والفارسية، ولكنه ما يتكلم بها إلا مع الخواجا رشيد وأمثاله من خواص حضرته، ويفهم أكثر ما يقال قدامه بالعربي، ولا يظهر أنه  يفهمه تعاظماً لأجل ياسا جنكزخان الخالصة. ولما ملك أخذ نفسه بطريق جنكزخان، وأقام الياسا المغولية، ورتب الأرغوجية لعمل الأرغو وأن يلزم كل أحد قدره، ولا يتعدى طوره، وأن يكون الآغا آغا والأيني أيني، وصرف همته وعزيمته إلى إقامة العساكر وسد الثغور، وقصد
الأعداء في الأطراف ونفذ البراليغ والأحكام بعمارة البلاد والكف عن سفك الدماء وتوفير أهل كل صنعة على عملها ليكثروا وتعمر البلاد كما كانت في أيام الخلفاء -رضوان الله عليهم- والملوك الخوارزمية وغيرهم.
إلا أنه كان مع شجاعته وحزمه ورأيه مبخلاً بالنسبة إلى ملوك بيته.
قال القاضي شهاب الدين بن فضل الله علي أن شيخنا شمس الدين الأصفهاني حدثني عنه أنه أجاز خواجا رشيد على كتاب صنفه باسمه ألف ألف دينار، أخذ بها عقاراً خراباً كان يساوي أضعاف ذلك، ثم عمره بجاهه، فتضاعفت قيمته.
قلت: مثل هذا لا يعد كرماً، لأن هؤلاء الملوك عطاؤهم لخواصهم ومن يقربوه ويحبونه ليس بقياس ولا على قاعدة مطردة، فإن السلطان الملك الناصر محمد كان يعطي خواصه مثل بكتمر الساقي وقوصون وبشتاك والحجازي ويلبغا أضعاف هذا العطاء، وهذا الخواجا رشيد لم يكن عند قازان أحد في محله ولا في رتبته لأنه كان لا يثق إلا به، وهو جليسه وأنيسه ونديمه وطبيبه وطباخه، فلا يأكل إلا من يده أو من أيدي أولاده، وكانوا يطبخون الطعام له في قدور الفضة، ويغرفونها في الطياسي الذهب والجفانات الذهب، ويحملونها بأنفسهم إليه، ويقطع له الخواجا رشيد ويلقمه بيده. وكان بيد خواجا رشيد على هذه الوظيفة مغل بلدين، إلى غير ذلك من الأرزاق الواسعة، وكان يطلعه من أسراره على ما لا يطلع غيره عليه.
ولما استقر غازان وثبتت قدمه قطع الراتب عن كاز خاناه السراي وجامعهم بتوزير وما كان لهم من قديم الزمان، فجاءته رسل ملك السراي وقالوا له: خرجت عن الياسا، فردهم أقبح رد، وقال: الياسا ما أقرره أنا، ويكفيكم سكوتي عنهم.
قال نظام الدين يحيى بن الحكيم: إن هلاكو لما فتح البلاد لمنكوقان نزل نفسه منزلة النائب له، لا يخرج له عن أمر، فبعث يقول له: إن بركة آغا يعني ملك السراي ليس في بلاده صناع ولا لها كبير دخل، ويحتاج هو وعسكره إلى قماش فتكون له مراغة وتوريز، فسلمها إلى نواب بركة، فعمروا بها كازخاناة لاستعمال القماش،  الكازخاناة عندهم بمنزلة دار الطراز عندنا، وبنو لهم جامعاً وظف له وظائف، وكتب عليهما اسمه. ثم كانوا فيما بعد يجرون
للكازخاناة والجامع بعض خراج مراغة وتوريز، فقطع غازان ذلك رأساً، والجامع والكازخاناة إلى الآن باقيان، وعليهما اسم بركة. 
ثم أن قازان بعد ذلك تسمى بالقان وأفرد نفسه بالذكر في الخطبة وضرب السكة باسمه دون القان الأكبر، وطرد نائبه من بلاده، ولم يسبق قازان إلى هذا أحد من آبائه. بل كان هولاكو وجميع من جاء بعده لا ينزلون أنفسهم إلا منزلة نواب القان الأكبر، ولا يسمى أحد منهم بالقان، وإنما يقال السلطان فلان، والسكة والخطبة للقان الأكبر دونهم، وإن ذكر لأحد منهم اسم، ذكر على سبيل التبع، وإن كانوا ملاك البلاد وحكامها، ولهم جباية الخراج، وإليهم العقد والحل والولاية والعزل.
 
وقال قازان لما طرد نائب القان: أنا أخذت البلاد بسيفي، ما أخذتها بجنكزخان ولا بأحد. ولا يجسر أحد على مراجعته. ولهذا لا يقال ذهب هولاكي ولا أبغاوي ولا أرغوني، وما يقال إلا ذهب قازاني وذهب خربندي وذهب بوسعيدي.
قال القاضي شهاب الدين بن فضل الله: قال لي الأمير سيف الدين ظهير بغا -رحمه الله تعالى-: المغل تقول: "من رأى غازان ما فاتته رؤية جنكزخان". ثم قال: مات ملك المغل من بعده. قال: فحكيت ما قاله للأمير سيف الدين أيتمش الناصري، وكان أعرف أهل زمانه بأحوال المغل، فقال: لا أخطأ إلا من رأى غازان ما فاتته رؤية هولاكو، ومن رأى أبغا ما فاتته رؤية جنكزخان، وما مات ملك المغل بعد غازان، وإنما ماتت ياسا المغل.
قال: وقال لي ظهير بغا: كان غازان إذا اشتد غضبه، وهو جائع أكل، أو هو بعيد العهد بالنساء جامع، وتشاغل عن غضبه بهذا وأمثاله. وكان يقول: آفة العقل الغضب، ولا يصلح للملك أن يكون في عقله آفة.
وقال: كان غازان إذا غضب خرج إلى وسيع الفضاء، ويقول: الغضب إذا خزنته ازداد، وإذا صرفته تصرف.
وقال: كان يقول: الملك بلا رجال، شجرة بلا أغصان، والملك بلا مال، شجرة بلا ثمر، والملك بلا سلاح، شجرة بلا ورق، والملك بلا إحسان، شجرة بلا فيء.
وقال: رمي بعض أولاد القانات بابنه، فقال الناس: ابن قان يكون بهذا، كيف يتفق هذا؟
فقال لهم غازان: ما العنب منه خمر وخل!
وقال: ركب قازان يوماً فرساً، فلعب به، فقال له: معذور أنت، محمود غازان فوقك. فوقع عنه، فقال: لولا وقوع المطر على الأرض ما طلع النبات. انتهى.
 
وضرب غازان في مدة ملكه سبع مصافات، منها ما حضره بنفسه، ومنها ما لم يحضره:
فأولها المصاف الذي بينه وبين نوروز بن أرغون آغا، وكان هذا نوروز قد سعى لغازان حتى ملك، ثم وقع في خاطره أنه آن خروج المهدي، وأنه هو يكون الممهد له، فاستحال
على غازان، وخرج غازان لقتاله، واستعان نوروز بالأكراد اللو، فانتصر غازان، وهرب نوروز إلى أقاصي خراسان، ثم لجأ إلى قلعة، فأمسكه صاحبها وقطع رأسه، وجهزه إلى غازان، فأنكر عليه غازان، وقال: كان قتل هذا إليّ ما هو إليك، ثم إنه قتله به.
والمصاف الثاني مع اللو الأكراد، لكونهم قاموا مع نوروز، فكسرهم كسرة عظيمة أبيعت فيها البقرة الفتية السمينة بخمسة دراهم، والرأس الغنم بدرهم، وأبيع الصبي البالغ الحسن الصورة باثني عشر درهماً.
قال الإربلي: وقتل في هذه الواقعة أولاً وآخراً خمسون ألفاً.
والمصاف الثالث كان مع عرب البطائح وواسط، وكانوا قد ملكوا عليهم شيخاً منهم يدعى عمران، وكان قد حاربه عز الدولة بن بويه عدة نوب، ولم ينتصف منه.
والمصاف الرابع والخامس والسادس بالشام، نوبة حمص ونوبة الأطراف ونوبة شقحب، فانتصر في الأولى، وملك الشام مدة أربعة أشهر، وفي الثانية طلع رأساً برأس، وفي الثالثة كانت الكسرة على جيشه.
والمصاف السابع كان من أهل كرمان بعد حصارها ونهب أموالها، وعف عن الدماء في الذراري والنساء.
ولم يصدع حصاة قلبه ولا فل عرش قواه مثل نوبة شقحب، فإنها أماتته بغبنه غبناً، وكانت بغير رأيه، لأنه جهز قطلوشا بالعساكر ليغير بهم على حلب والأطراف، وأمره ألا يعدي حمص، فلما جاء إلى البلاد وجد عساكرها قد تقهقرت قدامه، والبلاد خالية، وليس
للجيوش ولا للسلطان في الشام خبر، فظن أن كسرتهم نوبة حمص ما بقي لها خبر، فجاء إلى دمشق، ومر على ظاهرها وجره الطمع إلى مصر، لعله يملك لغازان مملكة الإسلام.
فأنجز الله وعده، ونصر حزبه. ولما رجع قطلوشا شتمه وضربه وأوقفه يوماً في الشمس وحملها غازان على نفسه، فلم تتطاول به الأيام حتى مات.
وقيل: إن بلغان خاتون سمته في منديل عقيب نكاحها.
قال القاضي شهاب الدين: ولم يصح هذا، وإنما هذا شيء ادعته يلقطو بنت أبغا، ومشت به إلى ملوك الإسلام، وكانت تكاتبهم، وادعت أنها حسنت ذلك لبلغان خاتون، لأن بلغان خاتون كان لها أرب فيه من هوى، وكانت تخافه، فقالت لها: أمرك ما بقي يخفى، فعاجليه وإلا فروحك رائحة.
قال الإربلي: وكان غازان له نظر في عواقب الأمور وخبرةً تامةً بتدبير الملك، وكان يلتحق في أفعاله بجده الأكبر هولاكو، ولم يكن فيه ما يشينه، غير أنه كان مبخلاً، لكن كانت هيبته قوية، وكان الرعايا في أيامه آمنين.
قلت: وخطب له على منبر دمشق في يوم الجمعة رابع عشر شهر ربيع الآخر سنة تسع وتسعين وست مئة بحضور المغل، ودعي له على السدة، وقرئ مرسوم بتولية قبجق نيابة دمشق.
وكان قد كتب غازان لأهل دمشق فرماناً بإشارة الأمير يوسف الدين قبجق ونسخته:
بقوة الله تعالى، ليعلم أمراء التومانات والألوف والمئات وعموم عساكرنا من المغول والتتار والأرمن والكرج وغيرهم ممن هو داخل تحت طاعتنا أن الله سبحانه وتعالى لما نور قلوبنا بنور الإسلام، وهدانا إلى ملة النبي عليه السلام "أفمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله أولئك في ضلال مبين" ولما سمعنا أن حكام مصر والشام خارجون عن طرائق الدين غير متمثلين بأحكام الإسلام ناقضون لعهودهم،
مخالفون لمعبودهم، حالفون بالأيمان الفاجرة، ظالمون في أحكامهم المتغايرة، ليس لديهم وفاء ولا ذمام، ولا لأمورهم التئام ولا انتظام، وكان أحدهم "إذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد، وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم،
فحسبه جهنم ولبئس المهاد"، وشاع الخبر أن شعارهم الحيف على الرعية، ومد الأيدي إلى حريمهم وأموالهم بالأذية، والتخطي عن جادة العدل والإنصاف. وارتكابهم الجور والاعتساف، حملتنا الحمية الدينية والحفيظة الإسلامية على أن توجهنا إلى هذه البلاد،
لإزالة العدوان والفساد، مستصحبين الجم الغفير من العساكر، ونذرنا على أنفسنا إن وفقنا الله تعالى بحوله وقوته لفتح البلاد، أن نزيل عن أهلها العدوان والفساد، ونبسط العدل في العباد، ممتثلين الأمر الإلهي المطالع "إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى  وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون"، وإجابة إلى ما ندب إليه الرسول عليه السلام: المقسطون على منابر من نور عن يمين الرحمن وكلتا يديه يمين الذين يعدلون في أحكامهم وأهليهم. وحيث كانت طويتنا مشتملة على هذه الطويلة الجميلة والنذور الأكيدة، من الله سبحانه وتعالى علينا بتبلج تباشير النصر المبين، وأتم علينا نعمته، وأنزل علينا سكينته، فهزمنا
العدة الطاغية، والجيوش الباغية، ففرقناهم أيدي سبا "ومزقناهم كل ممزق"، حتى "جاء الحق وزهق الباطل، إن الباطل كان زهوقا". فازدادت صدورنا انشراحاً للإسلام، وقويت نفوسنا بحقيقة الأحكام، منخرطين في زمرة من حبب إليه الإيمان، فوجب علينا رعاية تلك العهود الموثقة والنذور المؤكدة، فصدرت مراسمنا العالية أن لا يتعرض أحد من العساكر المذكورة على اختلاف طبقاتهم بدمشق وأعمالها وسائر البلاد الشامية، وأن يكفوا أظفار التعدي عن أنفسهم وأموالهم وحريمهم وأطفالهم، وأن لا يحوموا حول حماهم
بوجه من الوجوه حتى يشتغلوا بصدور منشرحة وآمال منفسحة لعمارة البلاد وما هم بصدده من تجارة وزراعة.
وكان في هذا الهرج العظيم وكثرة العساكر تعرض بعض نفر يسير إلى بعض الرعايا وأسرهم، فقتلنا منهم ليعتبر الباقون ويقطعوا أطماعهم عن النهب والأسر وليعلموا أنا لا نسامح بعد هذا الأمر البليغ البتة، وأن لا يتعرضوا لأحد من أهل الأديان من اليهود
والنصارى والصابئة، فإنما يبذلون الجزية لتكون أموالهم كأموالنا، ودماؤهم كدمائنا، لأنهم من جملة الرعايا، قال عليه السلام: الإمام الذي على الناس راع وهو مسؤول عنهم، فسبيل القضاة والخطباء والمشايخ والعلماء والشرفاء والأكابر وعامة الرعايا الاستبشار بهذا النصرالهني والفتح السني، وأخذ الحظ الوافر من الفرح والسرور، مقبلين على الدعاء لهذه الدولة القاهرة والمملكة الظاهرة.
وكتب بتاريخ خامس ربيع الآخر،
وقرئ هذا الفرمان في الجامع، ونثر الناس عليه بعض دنانير وبعض دراهم.
ولما نزل قازان على دمشق دخلها الأمير سيف الدين قبجق، وجلس بالعزيزية، وكتب للناس أمانات من جهته، وخطب يوم الجمعة رابع عشر شهر ربيع الآخر سنة تسع وتسعين وست مئة بجامع دمشق لغازان، وقرئ مرسوم بولاية قبجق لدمشق.
وفي رابع عشري جمادى الأولى خرج جماعة من القلعة وكسروا المجانيق التي للتتار بالجامع الأموي.
ودقت البشائر، ورحل غازان عن دمشق بعدما أخذ أموالاً كثيرة وترك قبجق نائباً عليها، وعنده قطليشاه، ومعه جماعة من المغول.
 
قال الشيخ وجيه الدين بن المنجا -رحمه الله تعالى-: الذي حمل من دمشق إلى خزانة غازان ثلاثة آلاف ألف أو ست مئة ألف درهم سوى ما تمحق من البراطيل والتراسيم
وإن شيخ المشايخ الذي نزل بالعادلية حصل له ما قيمته ست مئة ألف والذي حصل للأصيل بن نصير الدين الطوسي مئة ألف درهم والصفي السنجاري ثمانون ألفاً.
قلت: هذا خارج عما نهبه المغل والأرمن للناس من الصالحية ومن المدينة وضواحيها، ولعله يقارب هذا المقدار.
وفي سادس عشري جمادى الأولى، نودي في دمشق بخروج الناس إلى البلاد والقرى والحواضر، وألا يغرر أحد بنفسه. وفي سابع عشري رجب أعيدت الخطبة للملك الناصر محمد قلاوون على منابر الجوامع بدمشق.
*زهير
24 - ديسمبر - 2010
رسالة غازان إلى الناصر ابن قلاوون    كن أول من يقيّم
 
قال ابن تغري بردي في حوادث سنة 700هـ:
وفيها في تاسع ذي القعدة وصل إلى القاهرة من حلب الأمير أنس يخبر بحركة التتار، وأن التتار قد أرسلوا أمامهم رسلاً، وأن رسلهم قد قاربت الفرات؛ ثم وصلت الرسل المذكورة بعد ذلك بمدة إلى الديار المصرية في ليلة الاثنين خامس عشر ذي الحجة، وأعيان القصاد ثلاثة نفر:  قاضي الموصل وخطيبها كمال الدين بن بهاء الدين بن كمال الدين بن يونس الشافعي، وآخر عجمي وآخر تركي. ولما كان عصر يوم الثلاثاء جمعوا الأمراء والمقدمين إلى القلعة وعملت الخدمة ولبسوا المماليك أفخر الثياب والملابس؛ وبعد العشاء الأخيرة أوقدوا الشموع نحواً من ألف شمعة، ثم أظهروا زينة عظيمة بالقصر، ثم أحضروا الرسل، وحضر القاضي بجملتهم وعلى رأسه طرحة، فقام وخطب خطبة بليغة وجيزة وذكر آيات كثيرة في معنى الصلح وآتفاق الكلمة ورغب فيه؛ ثم إنه دعا للسلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون، ومن بعده للسلطان محمود غازان، ودعا للمسلمين والأمراء وأدى الرسالة. ومضمونها:  إنما قصدهم الصلح؛ ودفعوا إليهم كتاباً مختوماً من السلطان غازان، فأخذ منهم الكتاب ولم يقرؤوه تلك الليلة، وأعيد الرسل إلى مكانهم. فلما كان ليلة الخميس فتح الكتاب وقرىء على السلطان وهو مكتوب بالمغلي وكتم الأمر. فلما كان يوم الخميس ثامن عشر ذي الحجة حضر جميع الأمراء والمقدمين وأكثر العسكر وأخرج إليهم الكتاب وقريء عليهم، وهو مكتوب بخط غليظ في نصف قطع البغدادي، ومضمونه:
"بسم الله الرحمن الرحيم، وننهي بعد السلام إليه أن الله عز وجل جعلنا وإياكم أهل ملة واحدة، وشرفنا بدين الإسلام وأيدنا، وندبنا لإقامة مناره وسددنا؛ وكان بيننا وبينكم ما كان بقضاء الله وقدره، وما كان ذلك إلا بما كسبت أيديكم، وما الله بظلام للعبيد.
وسبب ذلك أن بعض عساكركم أغاروا على ماردين وبلادها في شهر رمضان المعظم قدره، الذي لم تزل الأمم يعظمونه في سائر الأقطار، وفيه تغل الشياطين وتغلق أبواب النيران، فطرقوا البلاد على حين غفلة من أهلها، وقتلوا وسبوا وفسقوا وهتكوا محارم الله بسرعة من غير مهلة؛ وأكلوا الحرام وارتكبوا الآثام، وفعلوا ما لم تفعله عباد الأصنام؛ فأتونا أهل ماردين صارخين مسارعين ملهوفين مستغيثين بالأطفال والحريم، وقد آستولى عليهم الشقاء بعد النعيم؛ فلاذوا بجنابنا وتعلقوا بأسبابنا، ووقفوا موقف المستجير الخائف ببابنا؛ فهزتنا نخوة الكرام، وحركتنا حمية الإسلام، فركبنا على الفور بمن كان معنا ولم يسعنا بعد هذا المقام؛ ودخلنا البلاد وقدمنا النية، وعاهدنا الله تعالى على ما يرضيه عند بلوغ الأمنية؛ وعلمنا أن الله تعالى لا يرضى لعباده الكفر بأن يسعوا في الأرض فساداً والله لا يحب الفساد، وأنه يغضب لهتك الحريم وسبي الأولاد، فما كان إلا أن لقيناكم بنية صادقة، وقلوب على الحمية للدين موافقة، فمزقناكم كل ممزق، والذي ساقنا إليكم، هو الذي نصرنا عليكم، وما كان مثلكم إلا كمثل قرية كانت آمنة مطمئنة- الآية- فوليتم الأدبار، واعتصمتم من سيوفنا بالفرار، فعفونا عنكم بعد آقتدار، ورفعنا عنكم حكم السيف البتار؛ وتقدمنا إلى جيوشنا ألا يسعوا في الأرض كما سعيتم، وأن ينشروا من العفو والعفاف ما طويتم ولو قدرتم ما عفوتم ولا عففتم؛ ولم نقلدكم منة بذلك، بل حكم الإسلام في قتال البغاة كذلك؛ وكان جميع ما جرى في سالف القدم، ومن قبل كونه جرى به في اللوح القلم؛ ثم لما رأينا الرعية تضرروا بمقامنا في الشام، لمشاركتنا لهم في الشراب والطعام؛ وما حصل في قلوب الرعية من الرعب، عند معاينة جيوشنا التي هي كمطبقات
السحب؛ فأردنا أن نسكن تخوفهم بعودتنا من أرضهم بالنصر والتأييد، والعلو والمزيد؛ فتركنا عندهم بعض جيوشنا بحيث تتونس بهم، وتعود في أمرها إليهم؛ ويحرسونهم من تعدي بعضهم على بعض، بحيث إنكم ضاقت بكم الأرض؛ إلى أن يستقر جأشكم، وتبصروا رشدكم؛ وتسيروا إلى الشام من يحفظه من أعدائكم المتقدمين، وأكرادكم المتمردين؛ وتقدمنا إلى مقدمي طوامين جيوشنا أنهم متى سمعوا بقدوم أحد منكم إلى الشام، أن يعودوا إلينا بسلام؛ فعادوا إلينا بالنصر المبين، والحمد لله رب العالمين.
والآن فإنا وإياكم لم نزل على كلمة الإسلام مجتمعين، وما بيننا ما يفرق كلمتنا إلا ما كان من فعلكم بأهل ماردين؛ وقد أخذنا منكم القصاص، وهو جزاء كل عاص؛ فنرجع الآن في إصلاح الرعايا، ونجتهد نحن وإياكم على العدل في سائر القضايا؛ فقد آنضرت بيننا وبينكم حال البلاد وسكانها، ومنعها الخوف من القرار في أوطانها؛ وتعذر سفر التجار، وتوقف حال المعايش لانقطاع البضائع والأسفار؛ ونحن نعلم أننا نسأل عن ذلك ونحاسب عليه، وأن الله عز وجل لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء، وأن جميع ما كان وما يكون في كتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها. وأنت تعلم أيها الملك الجليل، أنني وأنت مطالبون بالحقير والجليل؛ وأننا مسؤولون عما جناه، أقل من وليناه، وأن مصيرنا إلى الله؛ وإنا معتقدون الإسلام قولاً وعملاً ونية، عاملون بفروضه في كل وصية. وقد حملنا قاضي القضاة علامة الوقت حجة الإسلام بقية السلف كمال الدين موسى بن محمد أبا عبد الله، أعزه الله تعالى، مشافهة يعيدها على سمع الملك والعمدة عليها، فإذا عاد من الملك الجواب فليسير لنا هدية الديار المصرية، لنعلم بإرسالها أن قد حصل منكم في إجابتنا للصلح صدق النية؛ ونهدي إليكم من بلادنا ما يليق أن نهديه إليكم، والسلام الطيب منا عليكم. إن شاء الله تعالى.
*زهير
24 - ديسمبر - 2010
جواب الناصر ابن قلاوون    كن أول من يقيّم
 
 
@ فلما سمع الملك الناصر الكتاب استشار الأمراء في ذلك؛ وبعد أيام طلبوا قاضي الموصل أعني الرسول المقدم ذكره من عند قازان، وقالوا له:  أنت من أكابر العلماء وخيار المسلمين، وتعلم ما يجب عليك من حقوق الإسلام والنصيحة للدين؛ فنحن ما نتقاتل إلا
لقيام الدين؛ فإن كان هذا الأمر قد فعلوه حيلة ودهاء فنحن نحلف لك أن ما يطلع على هذا القول أحد من خلق الله تعالى، ورغبوه غاية الرغبة؛ فحلف لهم بما يعتقده أنه ما يعلم من قازان وخواصه غير الصلح وحقن الدماء ورواج التجار ومجيئهم وإصلاح الرعية. ثم
إنه قال لهم:  والمصلحة أنكم تتفقون وتبقون على ما أنتم عليه من الاهتمام بعدوكم، وأنتم فلكم عادة في كل سنة تخرجون إلى أطراف بلادكم لأجل حفظها فتخرجون على عادتكم؛ فإن كان هذا الأمر خديعة فيظهر لكم فتكونون مستيقظين، وإن كان الأمر صحيحاً
فتكونون قريبين منهم فينتظم الصلح وتحقن الدماء فيما بينكم. فلما سمعوا كلامه رأوه ما فيه غرض وهو مصلحة، فشرعوا ليعينوا من يروح في الرسالة، فعينوا جماعة، منهم الأمير شمس الدين محمد بن التيتي، والخطيب شمس الدين الجوزي خطيب جامع آبن طولون،
فتشفع آبن الجوزي حتى تركوه، وعينوا القاضي عماد الدين بن السكري خطيب جامع الحاكم، وهو ناظر دار العدل بالديار المصرية، وشخصاً أمير آخور من البرجية. ثم إن السلطان أخذ في تجهير أمرهم إلى ما يأتي ذكره.
ثم استقر السلطان في سنة إحدى وسبعمائة بالأمير عز الدين أيبك البغدادي المنصوري، أحد الأمراء البرجية في الوزارة عوضاً عن شمس الدين سنقر الأعسر، وجلس في قلعة الجبل بخلعة الوزارة، وطلع إليه جميع أرباب الدولة وأعيان الناس. وأيبك هذا هو الرابع
من الوزراء الأمراء الأتراك بالديار المصرية، الذين كان تضرب على أبوابهم الطبلخاناه على قاعدة الوزراء بالعراق زمن الخلفاء فأولهم الأمير علم الدين سنجر الشجاعي المنصوري؛ ثم ولي بعده الأمير بدر الدين بيدرا؛ ولما ولي بيدرا نيابة السلطنة أعيد لشجاعي،
 
وبعده آبن السلعوس وليس هما من العدد، ثم الخليلي، وليس هو من العدد، ثم بعد الخليلي ولي الأمير سنقر الأعسر الوزر، وهو الثالث. ثم بعده أيبك هذا وهو الرابع.
وكان الوزير يوم ذاك في رتبة النيابة بالديار المصرية، ونيابة السلطنة كانت يوم ذاك دون السلطنة. انتهى.
وفي يوم الأحد تاسع عشر المحرم من سنة إحدى وسبعمائة، رسم السلطان لجميع الأمراء والمقدمين بمصر والقاهرة أن يخرجوا صحبة السلطان إلى الصيد نحو العباسة، وأن يستصحبوا معهم عليق عشرة أيام؛ وسافر السلطان بأكثر العسكر والجميع بعدتهم في بكرة يوم الاثنين في العشرين من المحرم. ونزل إلى بركة الحجاج وتبعه جميع الأمراء والمقدمين والعساكر، وبعد سفره سيروا طلبوا القضاة الأربعة فتوجهوا إليه، وآجتمعوا بالسلطان في بركة الحجاج وعادوا إلى القاهرة، ثم شرعوا في تجهيز رسل قازان؛ وتقدم دهليز السلطان إلى الصالحية، ودخل السلطان والأمراء إلى البرية بسبب الصيد. فلما كان يوم الاثنين عشية النهار وصل السلطان والأمراء إلى الصالحية، فخلع على جميع الأمراء والمقدمين، وكان عدة ما خلع أربعمائة وعشرين خلعة، وكان الرسل قد سفروهم من القاهرة وأنزلوهم بالصالحية، حتى إنهم يجتمعون بالسلطان عند حضوره من الصيد. فلما حضر الأمراء قدام السلطان بالخلع السنية وتلك الهيئة الجميلة الحسنة أذهل عقول الرسل مما رأوا من حسن زي عسكر الديار المصرية بخلاف زي التتار، وأحضروا الرسل في الليل إلى الدهليز إلى بين يدي السلطان، وقد أوقدوا شموعاً كثيرة ومشاعل عديدة وفوانيس وأشياء كثيرة من ذلك تتجاوز عن الحد بحيث إن البرية بقيت حمراء تتلهب نوراً وناراً، فتحدثوا معهم ساعة، ثم أعطوهم جواب الكتاب، وخلعوا عليهم خلع السفر وأعطوا لكل واحد
من الرسل عشرة آلاف درهم وقماشاً وغير ذلك. ونسخة الكتاب المسير إليهم صورته:
"بسم الله الرحمن الرحيم: 
علمنا ما أشار الملك إليه، وعول في قوله وفعله عليه؛ فأما قول الملك:  قد جمعتنا وإياكم كلمة الإسلام! وإنه لم يطرق بلادنا ولا قصدها إلا لما سبق به القضاء المحتوم، فهذا الأمر غير مجهول بل هو عندنا معلوم؛ وأن السبب في ذلك غارة بعض جيوشنا على ماردين، وأنهم قتلوا وسبوا وهتكوا الحريم وفعلوا فعل من لا له دين؛ فالملك يعلم أن غارتنا ما برحت في بلادكم، مستمرة من عهد آبائكم وأجدادكم؛ وأن من فعل ما فعل من الفساد، لم يكن برأينا ولا من أمرائنا ولا الأجناد، بل من الأطراف الطامعة ممن لا يؤبه إليه، ولا يعول في فعل ولا قول عليه؛ وأن معظم جيشنا كان في تلك الغارة إذا لم يجدوا ما يشترونه للقوت صاموا لئلا يأكلوا ما فيه شبهة أو حرام، وأنهم أكثر ليلهم سجد ونهارهم صيام.
وأما قول الملك ابن الملك الذي هو من أعظم القان فيقول قولاً يقع عليه الرد من قريب، ويزعم أن جميع ما هو عليه من علمنا ساعة واحدة يغيب؛ ولو يعلم أنه لو تقلب في مضجعه من جانب إلى جانب، أو خرج من منزله راجلاً أو راكباً، كان عندنا علم من ذلك في الوقت القريب؛ أو يتحقق أن أقرب بطائنه إليه، هو العين لنا عليه، وإن كثر ذلك لديه. ونحن تحققنا أن الملك بقي عامين يجمع الجموع، وينتصر بالتابع والمتبوع؛ وحشد وجمع من كل بلد وآعتضد بالنصارى والكرج والأرمن، واستنجد بكل من ركب فرساً من فصيح وألكن؛ وطلب من المسومات خيولاً وركاب، وكثر سواداً وعدد أطلاب؛ ثم إنه لما رأى أنه ليس له بجيشنا قبل في المجال، عاد إلى قول الزور والمحال، والخديعة والاحتيال؛ وتظاهر بدين الإسلام، وآشتهر به في الخاص والعام؛ والباطن بخلاف ذلك، حتى ظن جيوشنا وأبطالنا أن الأمر كذلك؛ فلما التقينا معه، كان معظم جيشنا يمتنع من قتاله، ويبعد عن نزاله؛ ويقول:  لا يجوز لنا قتال المسلمين، ولا يحل قتل من يتظاهر بهذا الدين!؛
فلهذا حصل منهم الفشل، وبتأخرهم عن قتالكم حصل ما حصل؛ وأنت تعلم أن الدائرة كانت عليك. وليس يرى من أصحابك إلا من هو نادم أو باكي، أو فاقد عزيز عنده أو شاكي؛ والحرب سجال يوم لك، ويوم عليك؛ وليس ذلك مما تعاب به الجيوش ولا تقهر، وهذا بقضاء الله وقدره المقدر. وأما قول الملك إنه لما آلتقى بجيشنا مزقهم كل ممزق، فمثل هذا القول ما كان يليق بالملك أن يقوله أو يتكلم به، وهو يعلم وإن كان ما رأى بل يسأل كبراء دولته وأمراء عساكره عن وقائع جيوشنا ومراتع سيوفنا من رقاب آبائه وأجداده، وهي إلى الآن تقطر من دمائهم؛ وإن كنت نصرت مرة فقد كسرت آباؤك مراراً، وإن كان جيشك قد داس أرضنا مرة فبلادكم لغارتنا مقام ولجيوشنا قرار؛ وكما تدين تدان.
وأما قول الملك:  إنه ومن معه آعتقدوا الإسلام قولاً وفعلاً وعملاً ونية، فهذا الذي فعلته ما فعله من هو متوجه إلى هذه البنية، أعني الكعبة المضية، فإن الذي جرى بظاهر دمشق وجبل الصالحية ليس بخفي عنك ولا مكتوم، وليس هذا هو فعل المسلمين، ولا من هو متمسك بهذا الدين؛ فأين وكيف وما الحجة! وحرم البيت المقدس تشرب فيه الخمور، وتهتك الستور، وتفتض البكور؛ ويقتل فيه المجاورون، ويستأسر خطباؤه أو المؤذنون؛ ثم على رأس خليل الرحمن، تعلق الصلبان، وتهتك النسوان، ويدخل فيه الكافر سكران، فإن كان هذا عن علمك ورضاك، فواخيبتك في دنياك وأخراك؛ ويا ويلك في مبدئك ومعادك، وعن قليل يؤذن بخراب عمرك وبلادك، وهلاك جيشك وأجنادك؛ وإن كنت لم تعلم بذلك فقد أعلمناك، فاستدرك ما فات فليس مطلوباً به سواك؛ وإن كنت كما زعمت أنك على دين الإسلام، وأنت في قولك صادق في الكلام، وفي عقدك صحيح النظام؛ فآقتل الطوامين الذين فعلوا هذه الفعال، وأوقع بهم أعظم النكال؛ لنعلم أنك على بيضاء المحجة، وكان فعلك وقولك أبلغ حجة؛ ولما وصلت جيوشنا إلى القاهرة المحروسة وتحققوا أنكم تظاهرتم بكلمة الإخلاص وخدعتم باليمين والإيمان، وانتصرتم على قتالهم بعبدة الصلبان؛ آجتمعوا وتأهبوا وخرجوا بعزمات محمدية، وقلوب بدرية، وهمم علية، عند الله مرضية؛ وجدوا السير في البلاد، ليتشفوا منكم غليل الصدور والأكباد؛ فما وسع جيشكم إلا الفرار، وما كان لهم على اللقاء صبر ولا قرار؛ فآندفعت عساكرنا المنصورة مثل أمواج البحر الزخار إلى الشام، يقصدون دخول بلادكم ليظفروا بنيل المرام؛ فخشينا على رعيتكم تهلك، وأنتم تهربون ولا تجدون إلى النجاة مسلك؛ فأمرناهم بالمقام، ولزوم الأهبة والاهتمام؛ ليقضي الله أمراً كان مفعولاً.
وأما ما تحمله قاضي القضاة من المشافهة، فإنا سمعناه ووعيناه وتحققنا تضمنته مشافهة؛ ونحن نعلم علمه ونسكه ودينه وفضله المشهور، وزهده في دار الغرور؛ ولكن قاضي القضاة غريب عنكم بعيد منكم، لم يطلع على بواطن قضاياكم وأموركم، ولا يكاد يظهر له خفي مستوركم؛ فإن كنتم تريدون الصلح والإصلاح، وبواطنكم كظواهركم متتابعة في الصلاح؛ وأنت أيها الملك طالب الصلح على التحقيق، وليس في قولك مين ولا يشوبه تنميق؛ نقلدك سيف البغي، ومن سل سيف البغي قتل به، ولا يحيق المكر السيىء إلا بأهله؛ فيرسل إلينا من خواص دولتك رجل يكون منكم ممن إذا قطع بأمر وقفتم عنده، أو فصل حكماً انتهيتم إليه، أو جزم أمراً عولتم عليه؛ يكون له في أول دولتكم حكم وتمكين، وهو فيما يعول عليه ثقة أمين؛ لنتكلم معه فيما فيه الصلاح لذات البين، وإن لم يكن كذلك عاد بخفي حنين.
وأما ما طلبه الملك من الهدية من الديار المصرية فليس نبخل عليه، ومقداره عندنا أجل مقدار وجميع ما يهدى إليه دون قدره، وإنما الواجب أن يهدي أولاً من آستهدى؛ لتقابل هديته بأضعافها، ونتحقق صدق نيته، وإخلاص سريرته؛ ونفعل ما يكون فيه رضا الله عز وجل ورضا رسوله في الدنيا والآخرة، لعل صفقتنا رابحة في معادنا غير خاسرة. والله تعالى الموفق للصواب ". انتهى.
*زهير
24 - ديسمبر - 2010
بوسعيد    كن أول من يقيّم
 
ترجم له الصفدي في (أعيان العصر) فقال:
بوسعيد  ملك التتار، القان بن القان محمد بن خربندا بن أرغون بن أبغا بن هولاكو المغلي، صاحب العراق والجزيرة وأذربيجان وخراسان والروم، والناس يقولون فيه أبو سعيد، على أنه كنية، والصحيح أنه علم، هكذا رأيت كتبه التي كانت ترد على السلطان الملك الناصر محمد، يكتب على ألقابه الذهبية بوسعيد باللازورد الفائق، ويزمك بالذهب.
 لما وقعت المهادنة والصلح بينه وبين صاحب مصر أراد السلطان أن يبتدئه بالمكاتبة، فبقي السلطان يطلب كاتب السر القاضي علاء الدين بن الأثير بالمكاتبة، وهو يقول له:
يا خوند إن كتبنا له المملوك قد لا يكتب المملوك وإن كتبنا له والده أو أخوه فهو قبيح.
ثم قال له بعد شهر: ياخوند رأيت أنا نكتب موضع الاسم ألقاب مولانا الشيخ السلطان بالطومار ذهباً، ونكتب على الكل محمد بالذهب أيضاً نسبة طغرة المناشير، فقال: هذا جيد،
وجهز الكتاب على هذا الحكم، وعاد الجواب كذلك خلا بوسعيد، فإنها كانت باللازورد المليح المعدني، فقال السلطان: ونحن نكتب كذلك، فقال القاضي علاء الدين بن الأثير: ياخوند لأنا نكون قد قلدناهم، فاستمرت المكاتبة بينهما كذلك إلى أن توفي بوسعيد
رحمه الله تعالى.
وكان شاباً مليحاً، لا يرى في المكارم طليحا، مسلماً، إلى الخير مسلما، معلماً بالجود وللسكون معلما، كتب الخط المنسوب، ودخل في ذلك العدد المحسوب، ورأيت خطه على ديوان أبي الطيب كأنه باكورة زهر غب القطر الطيب، وأجاد الضرب بالعود ولعب به، فكانت يمينه سحابة تقهقه منها الرعود، وصنف مذاهب في النغم ونقلت عنه، ورواها أولو النغم وتداولوها، وأصلها منه.
وأبطل كثيراً من المكوس وأطلق جماعة من الحبوس،
وأراق الخمور، وصمم في من شربها على أمور، وهدم ما في بغداد من الكنائس، وتتبع من له في دين الإسلام دسائس، وخلع على من أسلم من الذمه، وجعل الترغيب في الدخول للإسلام من الأمور المهمه، وأسقط ما في ممالكه من مكوس الثمار، ولم يدع فيها أحداً يتعرض لهذا السبب إلى أخذ درهم ولا دينار، وورث ذوي الأرحام، ولم يأخذ منهم لبيت المال نصيبا، وأصبح في هذه المسألة لأبي حنيفة رضي الله عنه نسيبا، إلا أنه كانت به عنة، لا يجد له منها سوى بغداد جنة،
 وهو كان آخر بيت هولاكو وبانقراضه انقرضوا، ونكثوا حبل الملك ونقضوا.
 ولم يزل في سعة ملكه والفرح بما في فلكه إلى أن زعزع الموت أركانه، وحرك كل قلب لما رأت العين إسكانه.
وكانت وفاته رحمه الله تعالى في الأردو بأذربيجان في ربيع الآخر سنة ست وثلاثين وسبع مئة، وقد أناف على الثلاثين سنة.
وكانت دولته عشرين سنة، ولم تقم بعده لملوك المغل قائمة.
وكان جلوسه على التخت في مستهل جمادى الأولى سنة سبع عشرة وسبع مئة بمدينة السلطانية، وكان عمره يومئذ إحدى عشرة سنة والله أعلم.
وكان قبل موته بسنة قد حج الركب العراقي، وكان المقدم عليه، بطلاً شجاعاً، ولم يمكن أحداً من العربان يأخذون من الركب شيئاً، فلما كانت السنة الآتية خرجت العربان على الركب ونهبوه، وأخذوا منه شيئاً كثيراً، فلما عادوا شكوا إليه،
فقال: هؤلاء في مملكتنا أو في مملكة الناصر ؟
فقالوا: لا في مملكة الناصر ولا مملكتك إنما هؤلاء في البرية، لا يحكم عليهم أحد، يعيشون بقائم سيفهم ممن يمر عليهم.
فقال: هؤلاء فقراء، كم مقدار ما يأخذون من الركب نحن نكون نحمله إليهم من بيت المال من عندنا كل سنة، ولا ندعهم
يأخذون من الرعايا شيئاً،
فقالوا له: يأخذون منهم ثلاثين ألف دينار، ليراها كبيرة فيبطلها،
فقال: هذا القدر ما يكفهم ولا يكفيهم، اجعلوها كل سنة ستين ألف دينار، وتكون تحمل صحبة مسفر من بيت المال من عندنا مع الركب، فمات من سنته، رحمه الله تعالى.
 

وجرت بعده أمور يطول شرحها، ولما بلغت وفاته السلطان الملك الناصر قال: رحمه الله تعالى، والله ما بقي يجينا مثل بوسعيد.

@ وترجم الصفدي في (الوافي) لوزيره غياث الدين خواجا الهمذاني فقال:

وزير بوسعيد بالمماليك القانية غياث الدين محمد بن فضل الله بن أبي الخير ابن علي الوزير الكبير غياث الدين خواجا ابن الوزير رشيد الدولة الهمذاني.

ولد هذا في الإسلام ولما نكب والده وقتل سلم واشتغل مدة وصحب أهل الخير، فلما توفي علي شاه الوزير طلب السلطان بوسعيد غياث الدين المذكور وفوض إليه الوزارة ومكنه ورد إليه الأمر وألقى إليه مقاليد الممالك وحصل له من الارتقاء والملك ما لم يبلغه وزير غيره في هذه الأزمان وكانت رتبته من نوع رتبة نظام الملك.

وكان من أجمل الناس في الصورة، وأمه تركية، وله عقل ودهاء وغور مع ديانة وحسن إسلام وكرم وسؤدد وخبرة بالأمور، كان خيراً من والده بكثير.

له آثار جميلة: خرب كنائس بغداد ورد أمر المواريث إلى مذهب أبي حنيفة فورث ذوي الأرحام، وكان إليه تولية نواب الممالك وعزلهم لا يخالفه القان في شيء.

وخدم السلطان الملك الناصر صاحب مصر كثيراً وراعى مصالحه وحقن دماء الإسلام وقرر الصلح ومشى الأمور على أجمل ما يكون.

ولما توفي السلطان بو سعيد نهض الوزير إلى شاب من بقايا النسل يقال له ارباكوون فسلطنه وأخذ له البيعة على الأمراء واستوسق له الأمر فخرج عليهما علي باشا خال بو سعيد وابن بيدو فانفل الجمع وقتل ارباكوون والوزير في رمضان سنة ست وثلاثين وسبع مائة.

 

*زهير
24 - ديسمبر - 2010
 1  2  3