شعراء الجاهلية وشعراء الإسلام كن أول من يقيّم
شعراء الجاهلية ليسوا أولى بالاستبعاد من بعض شعراء المسلمين لم يكن أهل الجاهلية قبل الإسلام كفارا حتى يكونوا أولى بالاستبعاد؛ وإنما كانوا أهل جاهلية لم يرسل الله إليهم بعد، ولا يمكن أن يحاسبوا على ثقافتهم كما يُحاسب عليها الذين ذاقوا نعمة الإسلام من الذين دخلوا في دين الله أفواجا ثم نبذوه وراء ظهورهم . ولي تعليق على الحكم على الجاهليين بعد قليل. أما أن تعجبنا أشعار الجاهليين أو لا تعجبنا فأمر لا يعتمد على إجادة صنعة الشعر وحدها في شكلها الآلي؛ وإنما الأهم من الصنعة بكثير هو ما يصادف من معاني الشعر أو لا يصادف استحسانا في نفوسنا مما يطابق او لا يطابق الفطرة الإنسانية السليمة. فالجاهلي الذي تغنى بالعصبية الجاهلية المقيتة ونادى بنصرة أخيه الظالم لن يجد شعره في نفوسنا محلا للترحاب والانفعال الإيجابي، ولو كان خبيرا باللفظ والوزن والقافية وصياغة الصور الشعرية خبرة ما بعدها خبرة، ذلك أن صوره الشعرية وإن برع في ميكانيكيتها فإنه لن يبرع في إدخال معانيها إلى قلوبنا، إلا أن نكون من الذين استحبوا العصبية الجاهلية على المساواة والأخوة الإنسانية بين الناس. والجاهلي الذي هجا أخاه في العروبة، بل أخاه في الإنسانية، وقام بهتك عرضه بذلك الهجو مثلا، وجعل عيشه بين الناس عيشا مرا، لا يجد هجوه صدى في قلوبنا إلا صدى المقت والكراهية . فبعد هذا، هل تكون القيمة الشعرية وأثرها على ثقافة المتلقين للشعر تنبعث من مبنى الشعر وتشكيله الظاهري؟! ومثل الشعر في ذلك النثر المتفنن فيه باللفظ وبألوان البديع، ومضمونه الحث على معاداة الفطرة وارتكاب الآثام. وفي شأن أهل الجاهلية خلاف بين فقهاء الأصول في حالهم يوم الدين . وأسلم ما طالعته في شأنهم ، عندي، هو ان الله تعالى يحاسبهم على ما فطروا عليه من صفات جميلة إن خالفوها إلى القبيحة؛ كحسن الصدق وقبح الكذب، ونبذ الخيانة أو استحبابها، ووجوب إغاثة الملهوف أو التخلي عنه، ورعاية الجوار أو الاعتداء عليه...الخ. أما أن يحاسبوا على ما أمرت به الشريعة الإسلامية من اجتناب الخمر، ونبذ المعاملات التجارية الضارة*، وإقام الصلاة المكتوبة، وصوم رمضان مثلا... فهذا مستبعد أيما استبعاد. ومن الجدير بالذكر أن تسمية أهل الجاهلية بالكفار تسمية ليست في محلها. فالكافر من عرف الحق واستيقنته نفسه ثم جحدته ، بينما الجاهليون قبل البعثة النبوية كانوا أميين ليس لديهم كتاب سماوي يطلعهم على أمر الشريعة الحقة حتى يمكننا وصفهم بالكفار في حالة لم يمتثلوا لأمر الله برغبة بالامتثال صادقة. من الأولى بالاستبعاد إن جاز الاستبعاد في كل حال إذن؟ عنترة بن شداد أو زهير بن أبي سلمى الجاهليين ، أم أبو نواس، وابن حجاج، ومسلم ابن الوليد، والحسين بن الضحاك ، وغيرهم وغيرهم ممن كانوا يعدون في المسلمين؟! إن مسألة الشعر ليست مسألة الدين بالمعنى المتعارف عليه بين الناس من تعدد الأديان . فأي شاعر من أي دين إذا تغنى بالمحامد والمكارم ، وتغنى بجمال ما أبدع الله في خلقه من جميل الصفات، وما في الطبيعة من الإبداعات، وما غرز في فطرتهم من عواطف التأثر بالأحزان، والشفقة على الفقراء والمساكين، وكراهية الظلم وحب العدل، والإعجاب بالشجاعة والكرم...إلى ما لا يحصى من الصفات الحميدة، فهو شاعر صادق في كل حال، ولا يهمنا دينه كيف يكون. بل إن من شعراء الإنسانية من كانوا على غير دين سماوي معروف، لكنهم فاقوا في شاعريتهم كثيرا من شعراء المسلمين. فالشعر إنساني المنشأ ولا يخص قوما دون قوم آخرين. ولا بد لنا من الأخذ بعين الاعتبار أن ابن الزبعري وكعب بن زهير قد بلغتهما دعوة الرسول(ص) فلا نحكم عليهما بما حكمنا على عنترة أو زهير لو لم يتوبا ويصلحا. أما أشعارهم في هجو النبي الأكرم صلوات الله عليه فلا أدري كيف عدها بعضهم شعرا، اللهم إلا من جهة الوزن والقافية!! وهل الشعر وزن وقافية فقط؟ كلا وسبعون كلا. إن قول الجرجاني بأن الدين بمعزل عن الشعر قول صحيح إذا عنى به ما ذكرناه آنفا، ولن نقول له إن النصارى واليهود والهنادكة...الخ، ممن لم يختلفوا مع فطرهم... ليسوا شعراء أبدا. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ * بعض التجار عندنا ، بالرغم من كوننا مسلمين، يوقعون الزبائن بغبنهم بطريقة جهنمية. فنجد من هؤلاء قسما كبيرا من الباعة المتجولين ممن يبيعون السجاد مثلا.. يحمل الواحد منهم سجادة على كتفه ويدق عليك باب دارك ثم يقوم بنشر السجادة امامك ، وياخذ ببيان محاسنها( أعني مساوئها) ، فتساله عن الثمن، فيجيب : ألف شاقل( مئتا دينار اردني تقريبا) . وبما ان الناس اعتادوا على أن السجاد غالي الثمن في الأصل، ويجهلون ان منه في أيامنا ما خيوطه من البلاستيك، فإنهم يصدقون البائع؛ ولكنهم يحاولون تخفيض الثمن .فإذا تنازل البائع لهم عن عشرين دينارا او ثلاثين، فإنهم يشترون السجادة مسرورين وكانهم حصلوا على كنز ثمين، ولم يعلموا ان ذلك البائع ربما باع نفس السجادة لجيرانهم بعشرين دينارا او اقل قليلا. على ان ما ذكرته من امر بيع السجاد قد افتضح امره، وصار لدى الكثير من الناس عندنا علم بما فيه من غبن؛ فكسدت بضاعة أولئك الباعة، إلا أن يبيعوها بثمن بخس. ومن الجدير بالذكر أن البائع من اولئك الذين ذكرتهم يلح على المشتري إلحاحا لا مزيد عليه، بل يمكن ان يستحلفه بالله ليشتري إذا رأى منه إعراضا عن الشراء، مما يوهم المشتري بانه إن لم يستجب للبائع يكون قد فرط في جنب الله تعالى. والشيء بالشيء يذكر..فأخي الأكبر رجل ، على معرفتي به، صادق الدين، وذو نخوة ومروءة، ولا يرفض طلبا إلا أن يكون غير مرض لله تعالى . فلو قلت له: " جاه الله عليك أن تفعل كذا" ، لفعل، ولو تكلف مشقة كبيرة ؛ احتراما لجاه الله جل وعلا. ومن الجدير بالذكر اكثر أنني ناقشت امر بيع السجاد مع بعض الأصدقاء ، ومنهم تجار، فحكموا بان بائع السجاد الذي يطلب الثمن العالي ثم يرضى بالثمن القليل لا يرتكب مخالفة شرعية. فالتجارة في عرفهم تجوز فيها المناورة . ولما سألتهم : أليس في ذلك إيهام بخلاف الواقع وفيه غبن للمشتري؟ أجاب احدهم: " التجارة شطارة"... وبعد، كيف لنا ان نلوم المرابين من اهل الجاهلية ، من الذين فعلوا في اموالهم كيف شاؤوا، ونحن المسلمين اليوم لدينا كتاب الله وسنة نبيه وفينا من يخالفهما إلى شهوته واطماعه؟! |