شكرا لأساتذتنا الأفاضل على التكرم بالتعقيب على هذا الموضوع ،
فيما يتعلق بملاحظة الأستاذ منصور مهران ، فلا شك في وجاهتها ، مع الإشارة أننا قصدنا ألف ليلة وليلة من حيث التمثيل لا غير ، ويمكن على هذا المنوال سَوْق نماذج أخرى ،
هذا وقد أفدت ، كالعادة ، من تعليقات أستاذينا الفاضلين ياسين الشيخ سليمان ، الذي نحمد الله على عافيته ، وأحمد عزو ، الأخ العزيز الذي لم يغب عن خاطرنا ....
كما يجب التنويه ، بتعقيب شيخنا ومعلمنا يحيى ، ولكن في موضع آخر ، إذ يبدو أنّه أدرج سهوا في ملف بابا شنودة ... ولعل عنوان التعليق (لا تذبحوا الأدب بسكين مثلّم) يغني عن المقال ....
في كتاب الوساطة بين المتنبي و خصومه ، يقول الجرجاني : " فلو كانت الديانة عاراً على الشعر ، وكان سوء الاعتقاد سبباً لتأخر الشاعر ، لوجب أن يُمحى اسمُ أبي نواس من الدواوين ، ويحذف ذكره إذا عُدّت الطبقات، ولَكان أولاهم بذلك أهل الجاهلية، ومن تشهد الأمة عليه بالكفر، ولوجب أن يكون كعب بن زهير وابن الزِّبَعري وأضرابُهما من تناول رسولَ الله صلى الله عليه وسلم وعاب من أصحابه بُكْماً خرساً، وبِكاء مفحمين؛ ولكنّ الأمرين متباينان، والدين بمعزل عن الشعر. "
هل كان هذا الرأي فاتحة لدعوى فصل الدين عن الشعر ، ثم عن الأدب عامة ، إذ نجد قدامة بن جعفر يقول: "إذا أجاد الشاعر لم يُطالَب بالاعتقاد" والآمدي يحكم أن : "ليس الشعر عند أهل العلم به إلاَّ حُسْنَ التأتي وقرب المأخذ واختيار الكلام. وهي صفات ألصقت بهيئة المبنى والتشكيل".
يبدو لي ، كما أشار إلى ذلك الأستاذين ياسين وأحمد ، أن الإشكال يكمن ، حين الحديث عن الأدب ، في تعلّقه بمعلمين مختلفين ، الأول إبداعي والثاني أخلاقي ...
ولا شك أن هذا الارتباط لم يأت من مصادفة أو فراغ ، فالأدب هو في بدايته ومنتهاه ، نظم بديع يرقى بالذائقة ويهذبها ...
غير أن التطور التاريخي والحضاري ، لا سيما في احتكاك الأمة العربية مع الغرب ، ساق لهذا المعني مضامين أخرى ، غيّرت من فحوى المصطلح ومضمونه ... وقد فصل الأستاذ مالك بن نبي رحمه الله ، هذه المسألة بشكل بديع في كتابه " مشكلة الثقافة " ... ليؤكد ، أن إدراك كنه الكلمات في عصرنا ، لا يجب أن يقتصر على الرجوع إلى لسان العرب ، على أهميته ، بل بالارتكاز أيضا على " العكاز الأجنبي " (كما يسميه ايضا محمد عابد الجابري رحمه الله) ....
إن الانفصال بين الأدب كقيمة والأدب كصنعة ، لم يبرز بحدة سوى في العصور المتأخرة ... لذا لا نجد أثرا كبيرا وصدى مترددا لرأي الجرجاني في كتابات القدامى ... بينما تقفز هذه الثنائية بحدّة في قراءتنا للتراث القديم ، وفي إبداعات هذا العصر .... وانظر مثلا ، كيف يمكن قراءة رواية من قبيل " موسم الهجرة إلى الشمال " اعتمادا على المقياس الإبداعي وحده ، وهو أمر قد لا يستقيم ، حين يكون المتلقي في بداية سني فطامه الأدبي الأولى ....
وللحديث بقية