البحث في المجالس موضوعات تعليقات في
البحث المتقدم البحث في لسان العرب إرشادات البحث

مجلس : اللغة العربية

 موضوع النقاش : إشراقة    قيّم
التقييم :
( من قبل 2 أعضاء )

رأي الوراق :

 محمود العسكري 
25 - سبتمبر - 2010
( إشراقة )
هذه قطوفٌ شهيَّةٌ من ثمرات المطالعة الحرة ، أحببت أن أهديَها لكم إشراقةً مع مَبْرِق كُلِّ صبحٍ وليدٍ ، لتكون سفيرًا وبشيرًا بين القلوب التي تواثقت على محبة المعرفة وإجلال الحكمة ؛: أن لا تترجَّل عن جوادها ، وأن لا تبرح الرقعة بين أوراقها ومدادها . هي اختياراتٌ قيِّمةٌ عندي ، ولكنها بين أيديكم فاحكموا فيها بما شئتم ! .
ولديَّ طلبٌ عند الإخوة الأعزاء : وهو أن هذا الملف للقراءة فقط دون المشاركة مع الاكتفاء بالتقييم ، وإذا كان من تعقيبٍ = فمن خلال موضوعاتي الأخرى ؛ من أجل الحفاظ على الترتيب والتنسيق والانتظام .
- جاء في الأثر النبوي : (( أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل )) .
- يشيع استعمال قطاف بمعنى قطوف ، والأفصح : أن القطاف زمن القطف .
- إشراقة : اسم مرة ، مشتق من مصدره بزيادة التاء ؛ لأنه زائد على الثلاثي .
 4  5  6  7  8 
تعليقاتالكاتبتاريخ النشر
(7/3): الصغيران    كن أول من يقيّم
 
3- السحاب الأحمر / الصغيران :
- (( ... وفي تلك الساعة كانت الأرض قد عريت إلا من أواخر الناس وطوارق الليل ، وبقية من يقظة النهار تحبو في الطرق ذاهبة إلى مضاجعها ، فبينا أمد عيني ، وأديرهما في مفتتح الطريق ومنقطعه ؛ إذ انتفضت انتفاضة الذعر ، ووثبت رجة القلب بجسمي كله كما تثب اللسعة بملسوعها ؛= ذلك حين أبصرت الطفلين .
صغيران ضلا من أهلهما في هذا الليل ، يمشيان على حيد الطريق في ذلة وانكسار ، وتحسب أقدامهما من البطء والتخاذل لا تمشي بل تتزحزح قليلاً قليلاً ، فكأنهما واقفان ، أكبرهما طفلة تعد عمرها على خمس أصابعها ، والآخر طفل يبلغ ثلاث سنوات ، ينحدران في أمواج الليل وقد نزل بهما من الهم في البحث عن بيتهما = ما ينـزل مثله بمن تطوح به الأقدار إذا ركب البحر المظلم ليكشف عن أرض جديدة .
تتبين الخوف في عيونهما الصغيرة وتراه يفيض منهما على من حولهما ، حتى ليحسب كلاهما أن المنازل عن يمينه وشماله أطفال مذعورة .
ويتلفتان كما تتلفت الشاة الضالة من قطيعها ، لا يتحرك في دمها بالغريزة إلا خوف الذئب .
ويتسحبان معًا وراء الأشعة المنبثة في الطرق ، كأن أضواء المصابيح هي طريق قلبيهما الصغيرين .
منقطعان في ظلام الليل ، وليس على الأرض أهنأ من ليل الطفل النائم ، فهل يكون فيها أشقى من ليل طفل ضائع ؟! ، نامت أحلامهما ، واستيقظت أعينهما للحقائق المظلمة الفظيعة ، وضاعا من البيت ، ويحسبان أن البيت هو الضائع منهما ، طفلان في وزن مثقالين من الإنسانية ، ولكنهما يحملان وزن قناطير من الرعب .
يا من لا إله إلا هو!، من سواك لهاتين النملتين في جنح هذا الليل الذي يشبه نقطة من غضبك ؟!، لقد أخرجتهما في هذا الضياع مخرج أصغر موعظة للعين تنبه أكبر حقيقة في القلب ، وعرضت منها للإنسانية صورة = لو وفق مخلوق عبقري فرسمها = لجذب إليها كل أحزان النفس .
 صورة الحب يمشي متساندًا إلى صدر الرحمة في طريق المصادفة المجهولة من أوله إلى آخره ، وعليهما ذل اليتم من الأهل ، ومسكنة الضياع من الناس ، وظلام الطبيعة وكآبتها .
رأيت الطفلة وقد تنبهت فيها لأخيها الصغير غريزة أم كاملة ، فهي تشد على يده بيديها معًا ، كأنها مذ علمت أنها ضائعة تحاول أن يطمئن أخوها أنه معها ، ولن يضيع وإنه معها ! ، فيا لرحمة الله ! .
وقد أسندت منكبه إلى صدرها ، وهي تمشي فلا أدري إن كان ذلك لتحمل عنه بعض تعبه فلا يتساقط ، أو ليكون بها أكبر من جسمه الضئيل فلا يخاف ، أو لأنها حين لم تستطع أن تفهمه ما في قلبها بلغة اللسان أفاضته على جسمه بلغة اللمس ، أو لا هذا ولا ذاك ؛ إنما هي تستمد من رجولته الصغيرة حمايةً لأنوثتها بوحي الطبيعة التي رسخت فيها .
أما الطفل فمستذل خاشع ، لو ترجمت نظراته لكانت هذه عبارتها : اللهم إن هذا العمر يوم بعد يوم ، فأنقذنا من بلاء يومنا .
ولما وقفا بإزائنا كان هذا الصغير يقلب في وجوه الناس نظراتٍ يتيمةً ترتد على قلبه آلامًا لا رحمة فيها ، إذ يشهد وجوهًا كثيرة ليس لها ذلك الشكل الإنساني المحبوب الذي لا يعرفه الطفل من كل خلق الله إلا في اثنين : أمه وأبيه .
وما أسرع ما تناهض الناس وأطافوا بهما ، وما أسرع ما لاذ المسكين بأخته ، واستمسك بها ، كأن وسائل الرحمة تخيف كما تخيف أسلحة الجراح ، أو كأن الأصل في هذا الإنسان هو العدوان على أخيه وظلمه واجتياحه ، فكل حركة إنسانية مشكوك فيها حتى يقع أثرها ، لأن الإنسان نفسه ستار منسدل على نيته ، وهذه النية آلة الأطماع ، فلا تزال في يد الكذب دائمًا لا يدعها الصدق إلا فيما لا ينفع ! .
وكان الطفل المسكين في جملة النظر إليه خلقًا من الحب المؤلم الذي يلهب الدم ، يرسل من عينيه الدعجاوين سحر المذلة الفاتنة ، تلك المذلة التي أعرفها أقوى ما في الحب إذا تذللت الحبيبة في نظرة ضارعة ترسلها لمحبها المفتون ، فلا تبقي في رأسه رأيًا ، ولا في قلبه نيةً ، وتذل له ليذل هو لا غير ، كأن أحب العز في أحب الذل .
ونظر إلي أنا أول رمقة ، فذكرت أطفالي ، فتزلزل قلبي ، وأحسست أن دمي استحال إلى بارود وقع فيه الشرر .
وهؤلاء الأطفال الصغار هم إنسانية على حدة ، فكل أب هو أب هذه الإنسانية كلها ، ولن يطيق من كان له طفل أن يرى صغيرًا ضائعًا في الطريق يستهدي الناس إلى أهله ويبكي عليهم ، أو طفلاً جائعًا يعرض على الناس وجهه المنكسر ويستعطفهم بصوته المريض أن يطعموه ، أو طفلاً يتيمًا قد ثكل أهله ، وضاق بقسوة أوليائه ، فانطرح في ناحيةٍ يبكي ويتفجَّع ، ويسأل من يعرفون الموت : أين أبي ؟ ، أين أمي ؟ .
هؤلاء جميعًا ليس بينهم وبين قلوب الآباء والأمهات حجابٌ ، إذ ليس فيهم من الناس إلا اضطرارهم إلى الناس ، فهم الإنسانية الرضيعة التي خلق من أجلها القلب الإنسانـي في شكل ثدْيٍ )) .
*محمود العسكري
7 - نوفمبر - 2010
(7/4): الشعر    كن أول من يقيّم
 
4- رسائل الأحزان / الرسالة السابعة / الشعر :
قبل إيراد القطعة المنتخبة : قرأت في هذا الكتاب للرافعي بيتًا ؛ فقلت على البداهة : إنه على حَوْك شعر الأستاذ / زهير ، هذا البيت هو قوله : ( كُلُّ الْحَوَادِثِ حُمْرُهُنَّ وَسُودُهَا - فِي صَفْحَةِ الأَيَّامِ مِنْ أَلْوَانِـي ) .
(( ما هي العاطفة المهتاجة في نفس الإنسان اهتياجًا لا يريه الحياة أبدًا إلا أكبر أو أصغر مما هي ؟ .
ما هو المعنى الساحر الذي يأتي من القلب والفكر معًا ، ثم لا يأتي إلا ليحدث شيئًا من الخلق في هذه الطبيعة ؟ .
ما هو ذلك الأثر الإلهي الكامن في بعض النفوس مستكنًا يتوثب بها ويحاول دائمًا أن يعلو إلى السماء لأنه غريبٌ في الأرض ؟ .
وما هو الشعر ؟ .
هذه الأسئلة الأربعة يختلف بعضها عن بعض ، وينـزع كل منها إلى  منـزع ، ولا جواب عليها بالتعيين والتحديد في عالم الحس ؛ لأن مردها إلى النفس ، والنفس تعرف ولا تنطق ، وشعورها إدراكٌ مخبوءٌ فيها ، وهي نفسها مخبوءةٌ عنا ، ولكن العجيب : أن كُلَّ سؤالٍ من هذه الأربعة = هو جوابٌ للثلاثة الباقيات ، فالعاطفة هي ذلك المعنى ، وهي ذلك الأثر ، وهي الشعر ، والشعر هو العاطفة بعينها ، وهو الأثر ، وهو المعنى ، وهلم جرَّا .
سبحانك ؛ يا من لا يقال لغيره : سبحانك ! ، خلقت الإنسان سؤالاً عن نفسه ، وخلقت نفسه سؤالاً عنه ، وخلقت الاثنين سؤالاً عنك ، وما دام هذا الإنسان لا يحيط به إلا المجهول ، فلا يحيط به من كل جهةٍ إلا سؤالٌ من الأسئلة ، ولا عجب إذًا أن يكون له من بعض المسائل جوابٌ عن بعضها .
هذه هي الطريقة الإلهية في دقائق الأمور ؛ تجيب الإنسان الضعيف عن سؤالٍ بسؤالٍ آخر .
ولقد أكثروا في تعريف الشعر ، وجاؤوا فيه بكل ألوان القول ، ولكن كثرة الأجوبة جعلته كأنه لا جواب عليه ، بالغوا في تقريبه إلى الروح ؛ فأَجْروا في حده كل عناصر الجمال والفضيلة ، ودلوا بالخيال على حقيقته ؛ إذ رأوا أنه لا يدل على حقيقته إلا الروح وحدها ، وهي غامضة فهو غامض ، وتفسيره مئة تفسير .
الشعر وراء النفس ، والنفس وراء الطبيعة ، والطبيعة من ورائها الغيب ، فلو جمع ما قيل في الشعر = لرأيته يصلح في أكثر معانيه أن يقال في النفس ، ثم لرأيته مفهومًا من جهتنا وغير مفهوم من جهته ، وما الشعر إلا أول المعاني المبهمة ، والدرجة الأولى من سلم السماء الذاهبة إلى عرش الله ، وهو كذلك أول ما في الإنسان من الإنسانية .
في هذا الكون مادة عامة يسبح الكون فيها ، وتنبعث من قوة الله وإرادته ، وهي دائمة التركيب والتحليل إيجادًا وفناءً ، وما أرى الشعر إلا تأثير هذه المادة في بعض النفوس العالية الكبيرة التي تصلح أن يسبح خيال الكون فيها .
بهذه المادة تمتزج نفس الشاعر بكل ما تراه ، ومن هذا الامتزاج يتكون الشعر ، فإذا أردت أن تتحقق ذلك فانظر إلى نفس الشاعر العظيم تمتزج بالجمال الرائع في نفس الجميلة ، وبالحب في نفس الحبيبة ، وبالطبيعة في المعنى الطبيعي ، وانظر إليها حين تتصل بأسباب اللذات والآلام ، حين تثيرها اللحظة والابتسامة ، ويهيجها الصد والإعراض ، ويحزنها المحزن ، ويسرها السار ، حين تخترق بالفكر حجاب هذه الإنسانية ، وتثب بالعاطفة فوق الطباق العليا ، وتستمد من الشعلة الأزلية لونًا من ذلك الضرام الذي اشتعل به في أصل الخلقة كل كوكبٍ يتلهَّب .
ما أشقى نفس الشاعر ! ، فإنها لسموها تجهل ما هي من هذا العالم ، فلا تزال تمتزج في أرضنا بكل ما يحزنها ويسرها لتعرف ما هي ، ولن يكون من الشعر العالي أبدًا إلا التقاءٌ بين نفس سامية وحقيقة سامية ، ومن ثم كان الشاعر العظيم يحب ويبغض ، ويضحك ويبكي ، ويرضى ويغضب ، ولا يحس من كل ذلك وما إليه = إلا السماء تحكم من داخله على الأرض .
وعلة شقائه هي نفسها علة سروره بشعره ؛ وإن نثر هذا الشعر من عينيه بكاءً ودموعًا وإن انفجر به أحزانا وآلامًا قاتلة .
كل النوابغ لا يرضيهم إلا أن يرتفعوا ، فإن من كان له جناحان للطيران لا يُسَرُّ إلا إذا طار ، وما جناحا الطائر إلا كتابان من الله يُمَلِّكه في أحدهما على الشرق وفي الآخر على الغرب ، بَيْدَ أن الشاعر لا يرضيه أن يرتفع عن الأرض وحدها ؛ فإن خياله لا يقع إلا ساجدًا عند عرش الله ، وذلك سببٌ آخر من أسباب شقائه في الدنيا ، فأيما شَرٍّ مَسَّ كبرياء روحه ، وأمسك من جناحيها = رأيت أثره في نفسه الرقيقة ، وكأنما صدمه الصدمة ترمي به من فوق السماء إلى الأرض في سقطة واحدة .
يا للعجائب ! ، إن سرور الشاعر الملهم سرور نفسه وحدها ، ولكن حزنه حزن العالم كله .
قيل في أحد القديسين : إنه ما وجد السبيل إلى الكمال الإنساني الأعلى ، ولا استطاع أن يكمل = حتى كانت له نفس شاعر عظيم في جسم فقير بائس محزون ، فضرب الله بتلك النفس على هذا الجسم ، وبهذا الجسم على تلك النفس ، واستضاء منهما القمر الإنساني في ليلٍ حالكٍ من سواد أحزانه وهمومه .
فواهًا لك يا شعر الشعراء ! ، أنت النقص كله مع لذات الدنيا ، وأنت الكمال كله مع آلامها )) .
*محمود العسكري
9 - نوفمبر - 2010
(7/5) : حقيقة الفقر والغنى    كن أول من يقيّم
 
5- المساكين / الفقر والفقير :
(( يا بني ! ؛ إن أفقر الفقراء ليس هو الذي لا يجد غذاء بطنه ، ولكنه الذي لا يستطيع أن يجد غذاء شعوره ، فلا تحسبن أن مع جنون الضمير وجفوته ومرضه سعادةً وراحةً ؛ لأن لذة المال لا تتجاوز الحواس الظاهرة ، فهو يبتاع لها كل شيء مما يشتهي ، ولكنه لا يستطيع أن ينيل القلب شيئًا إلا إذا جاءه بالخير والفضيلة .
والغني الذي يمنع الفقراء ماله قد يزيد فيه ولو حُكْمًا بمقدار ما يمنع بضعة دراهم أو بضعة دنانير ، ولكنه يزيد ضميره جفاءً بالقسوة والغلظة ونسيان الفضيلة ، ولا يزال على ذلك حتى يمر به يومٌ يفقد فيه ضميره كُلَّ شعورٍ بالخير ، فيفقد معه كُلَّ شعورٍ بلذة النفس التي هي أقرب المعاني إلى معنى السعادة .
ويومئذٍ ؛ لو اشترى كل لذات الدنيا بماله ما زادته إلا ألَمًا من الضجر وضجرًا من الألم ؛ لأنه فقد قوَّةً من ضميره تقابل القوة التي يفقدها المريض من معدته .
فلينظر الفقير الجائع ، وقد أخذه كلب الجوع ، وسطع في عينه وهجه ، ودارت به معدته ذات اليمين وذات الشمال ؛= إلى رجل غني ممعود ، في كفه معنى الحياة ، وفي جوفه معنى الموت ، وقد ابتاع مما تشتهيه معدة خياله التي لا تشبع ؛ لأنها لا تنال شيئًا ، وأسرف بالمال في ذلك حتى استجمع الكثير الطيب ، ثم انقلب إلى داره بعينٍ من ذلك الذئب ، تكاد أشعتها تنضج الغذاء من حر نظراتها إليه ! .
سلوا صاحبنا الفقير يقل لكم أي لذة يا قوم تكون في غير هذا الطعام يقتل به داء البطن ، وتنفتق عليه الخواصر شبعا وسمنة ! ، وهل هذه إلا روح مائدة من مؤائد الجنة فيها ما تشتهي الأنفس وتقر الأعين ! ، ثم سلوا الممعود المسكين يقل لكم = وهو صادق صدقًا يتمنى بما ملكت يداه من الدنيا لو أنه كذب = يقل لكم : تا الله ما أجد في هذا كله ولا في بعضه من لذة ولا سعادة ، ولو أبحته جوفي لكان الموت بعينه .
إذًا ؛ فلا بد في كل شيء إنساني من حقيقة باطنة في نفس الإنسان ، تعطيه بصحتها أو مرضها قوة اللذة أو الألم ، وبهذا يقضي العدل الإلهي كل ذي حَقٍّ حَقَّه بالنصفة والسوية ، لا فرق بين الغني في غناه ، وبين الفقير في فقره ، فلكل منهما لذة وألم ، ولعلنا لو سألنا أغنى  الناس عما هي لذة الغني = لرأيناه في حقيقة التعاسة النفسية كأفقر الناس إذا أجابنا عما هو ألم الفقر .
وقد فطر أكثر الخلق لطبيعة الخوف المتمكنة منهم على أن يتسعوا في فهم الآفات بإدراك ووهم وفلسفة ، إذ يقيس حاضره على ماضيه ، وعلى ماضي غيره من الفقراء ، ويقيس مستقبله على حاضر الأغنياء ومن في حكمهم فقط ، وبهذا يكون ألمه عملاً عقليًّا في شَيْءٍ موهومٍ ، فما دام يتمنى أكثر مما يستحق ؛= فهو يتألم بأكثر مما يستحق ، ولو تأمل الناس لرأوا أن نصف الفقر : فقر كاذب ، فآه ! ؛ لو كان مع ضعف الفقر قوة الإرادة = إذا لوجد الحكماء في الأرض شيئًا حقيقيًّا يسمونه : الغنى .
أيها الناس ! : إن الفصل بين الغنى والفقر من الأمور التي تتعلق بالضمير وحده ، ورب غِنًى يريد أهلُه بالحرص والدناءة فقرًا ، فانظروا فيهما ، فالأفكار الخيرة لا تطلب إلا الفضيلة التي يمكن أن تكون بلا ثمن ، ولا يمكن أن يكون شيءٌ ثمنًا لها .
انظروا إلى بعض الأغنياء الذين تموت في قلوبهم كل موعظة إنسانية أو إلهية فلا تثمر شيئًا ، حتى إذا ماتوا نبتت كلها من تراب قبورهم ، فأثمرت لنفوس المساكين والفقراء عزاءً وسلوةً وموعظةً من زوال الدنيا . انظروا بعين الحقيقة التي تعطي هذه الطبيعة النظر ، فتعطيها محاسن الطبيعة الفِكَرْ .
انظروا في باطن الإنسان بالفضيلة التي هي من نور الله ، وبالحقيقة التي هي من نور الطبيعة ؛= فإنكم لا ترون حقيقة الفقر تبتعد عن حقيقة الغنى إلا بمقدار شبر واحد ؛ هو ملء هذه المعدة ! )) .
*محمود العسكري
10 - نوفمبر - 2010
(7/6): السعادة طفولة القلب    كن أول من يقيّم
 
6- حديث القمر / الفصل الثالث / السعادة طفولة القلب :
(( ولعمري أيها القمر ؛ إني لأشكو إليك بثي وحزني ، وأناجيك بأحلام النفس الإنسانية ، وإنك لتجيبني بالجواب الصامت البليغ ، فتطرح أشعتك في قلبي آخذًا من بعضها قولاً ، وأرجع إليك بعضها قولاً ، كالعاشق يرى في ألحاظ حبيبته بالنظرة الواحدة ما في نفسه وما في نفسها .
ولقد أرى لك في جانب من قلبي شعاعًا غريبًا ، قد استبهم عليَّ ، فلست أعلمه ، وكأنه ينبعث من أبعد سَمْتٍ في السماء إلى أعمق غَوْرٍ في القلب ، وإنما انحدر في أشعتك ليمتزج بشيْءٍ من الغزل يستأذن به على هذا القلب الذي فيه من الحب أكثر مما فيك من الجمال .
وما أدري ما أمر ذلك الشعاع ، غير أني أحس أنه يثير في حلك الظلمة الخالدة التي فصلت بيني وبين أيام ولدت فيها الدنيا معي ؛ فأراه يقابل نفسي بمعان رقيقة كأنها أرواح تلك الأيام الماضية ، كأنه اتسق أسطرًا نورانيةً أقرأ بها فصلاً من تاريخ الطفولة الذي تضحك كلماته ؛ لأنه من لغة الضحك .
تلك اللغة الخاصة بالأطفال ، والتي يضحك منها الرجال أحيانًا إذا استمعوا لها ؛ لأن في أنفسهم بقيةً من أثرها .
تلك اللغة الموسيقية التي تفيض ألحانًا ؛ حتى في الحزن ، والتي توقع أنغامها على كل شيء تصادفه ؛ كأن كل شيْءٍ ينقلب في يد الطفل أوتارًا مُرِنِّةً ؛ ولو كان العصا التي يضرب بها...
بل تلك اللغة التي يوفق بعض القلوب السعيدة إلى الاحتفاظ بشيء منها على الكبر ، فتكون فيه ينبوعًا للفلسفة الحقيقية يشرب منه الحب الظمآن ، وتستروح إليه الحياة المجهودة التي ما تكااد تتنفس ، وتبترد عنده الأحزان الملتهبة ، وتصغر لديه كل المصائب ، فتخرج عن طبيعتها إلى طبيعته حتى ليستحيل بها دموعًا حارَّةً ، وهو في الإنسان بقية الري من ماء الجنة قبل أن يخرج منها ، ويوم كان لا يظمأ فيها ولا يضحى .
ولشدَّ ما اجتهد العلماء والفلاسفة في تعريف السعادة ، ولكنهم عرفوها بتنكيرها ؛ إذ ألبسوها ألفاظًا من لغة البؤس ، كانت لها كثياب الحداد التي هي أكفان الحي المتصل بالموت أو الميت الذي لم يمت ، فإذا أردت السعادة من تعريفاتهم ، وابتغيتها من أوصافهم ، فإنك تكون سعيدًا جدًّا ؛ بل أسعد الناس كافة ؛= لأن كل واحدٍ منهم يتوهَّمك سعيدًا متى لبست تعريفه ، فتسعد بعشرين أو ثلاثين سعادةٍ متباينةٍ ، ولا ضير أن تبقى بإزاء كل هذا النعيم بائسًا في يقينك الذي لا دليل عليه إلا ما تُحِسُّ به أنت ، وما يقينك هذا أيها الأحمق بجانب ثلاثين ظنا من ظنون الفلاسفة ! .
كلمتان هما تعريف السعادة التي ضل فيها ضلال الفلاسفة والعلماء ، وهما من لغة السعادة نفسها ؛ لإن لغتها سلسة قليلة المقاطع ؛ كلغة الأطفال التي ينطوي الحرف الواحد منها على شعور النفس كلها ، أتدري ما هما ؟ ، أفتدري ما السعادة ؟ ؛: طفولة القلب )) .
- ( كُلَيْمَةٌ )
[ البسيط - المتراكب ]
اَلنَّاسُ كَالنَّاسِ ، مَا حَالَتْ خَلائِقُهُمْ ؛ v لَكِن تَبَدَّلَتِ الأَزْيَاءُ وَالصُّوَرُ ،
وَمَا ابْنُ آدَمَ ؟! ؛: مَخْلُوقٌ بِهِ ي ضَجَرٌ ، v إِيـمَانُهُ و: أَمَلٌ ، وَّعَزْمُهُ و: خَوَرُ ،
فَمَا فَضِيلَتُهَا = إِنْ آفَهَا الْعَوَرُ = v تِلْكَ الْعُيُونُ الَّتِي فِي طَرْفِهَا حَوَرُ ؟!،
بِالْقَلْبِ مِمَّن لَّهُ و قَلْبٌ يَّعِيشُ بِهِ ي v تُرَى وَتُسْمَعُ تِلْكَ الآيُ وَالسُّوَرُ .
*محمود العسكري
11 - نوفمبر - 2010
(7/7): إشراقة الجمعة [ الإتقان .الإثم . الاجتهاد . الأجر ]    كن أول من يقيّم
 
-       ( الإتقان )
-       ما يعمل بسرعة لا يعمل بحكمة . بيليوس الأصغر .
-       لا يكفي أن تصنع خيرا عليك أن تحسن صنعه . ديدرو .
-       أتقن عملك تحقق أملك . أفلاطون .
-       محك الرجال صغائر الأعمال . أفلاطون .
-   لا تطلب سرعة العمل ؛ بل تجويده ، لأن الناس لا يسألونك في كم فرغت منه ؛ بل ينظرون إلى إتقانه وجودة صنعته . أفلاطون .
-       الصانع المهمل يلقي اللائمة على أدواته . مثل إنكليزي .
-       ( الإثم )
-       إنكار الخطيئة يعني ارتكابها مرتين . مثل إنكليزي .
-       أكبر خطأ أن لا تفطن إلى خطيئة نفسك . توماس كارلايل .
-       ( الاجتهاد )
-       أحسن وسيلة للتغلب على الصعاب اختراقها . نابليون .
-       الجندي الذي لا يأمل يومًا أن يصبح جنرالاً جندي خامل . مثل روسي .
-       يهب الله كل طائر رزقه لكن لا يلقيه له في العش . ج.هولاند .
-       طريق المهمل مليئة بالأشواك . شيشرون .
-       ساعد نفسك يساعدك الله . سوفوكليس .
-       إنك بالإبرة تستطيع أن تحفر بئرًا . نابليون .
-       على الإنسان الاجتهاد والكفاح ؛ كي يهبه الخالق التيسير والنجاح . هوميروس .
-       بمتابعتنا النهر نبلغ البحر . بلوطس .
-       ( الأجر )
-       العمل لقاء لا شَيْءٍ يجعل المرء كسولاً . ج.كيللي .
-       الإحسان الذي لا يكلف شيئًا تجهله السماء . بلزاك .
*محمود العسكري
12 - نوفمبر - 2010
تهاني وأماني    كن أول من يقيّم
 
( تهانٍ وأمانٍ )
في هذه الأيام المباركة ، ومع إظلال عيد الأضحى ، والشروع في مناسك الحجّ ، وتأثُّر القلب بتلك المعاني الكبيرة السامية ؛= أهدي أحرَّ التهاني إلى الأحباء والأوداء ، وأعرب عن أصدق الأماني لهم في حياةٍ هانئةٍ وخُطًى راشدةٍ وإنجازاتٍ مُوَفَّقَةٍ .
وأستأذن منهم في الاستراحة هذا الأسبوع من نشر بطاقة ( إشراقة ) ، على أن أنشر في الأسبوع اللاحق بطاقتين كل يومٍ .
وَفَّق الله الجميع إلى صالح الأعمال ، وتقبَّلها منهم غفورًا شكورًا .  
*محمود العسكري
13 - نوفمبر - 2010
فوائد من كتاب الأذكار . فاتحة    كن أول من يقيّم
 
( فوائد من كتاب الأذكار . فاتحة )
-   في كتاب الأذكار لأبي زكريا؛ يحيى بن شرف؛ النوويِّ بلدًا، غفر الله لنا وله،  وجزاه خيرًا،= فقهٌ تحتاج إليه القلوب ، ونورٌ تأنس به الأرواح ، وقد أحبَبْتُ أن أنقُلَ في إشراقات هذا الأسبوع فوائدَ متفرِّقةً منه ؛ تنوِيهًا بفضله ، وتنبِيهًا إلى خَطَرِه .
-   وليس على الكتاب مَأْخَذٌ ، سوى أنه جرى على عادة الفقهاء في ذلك الزمان من الالتفات إلى المذاهب ، والانتساب إليها ، مع أن صاحبه - غفر الله لنا وله ! - معدودٌ في المجتهدين ، وكان بوسعه أن يَصْدَع بما يراه حَقًّا ، مُعَوِّلاً على فهمه واجتهاده ، إلا أنهم كانوا يعتبرون ذلك من شيم التواضع والتورُّع ، والله الضمين بحسن جزائهم .
-       وللكتاب طبعة ممتازة لمن يريد اقتناءه ، حققها وعلق عليها : علي الشربجي وقاسم النوري .
*محمود العسكري
22 - نوفمبر - 2010
(8/1): العمل بالحديث الضعيف    كن أول من يقيّم
 
-   قال العلماء من المحدثين والفقهاء وغيرهم : يجوز ويستحب العمل في الفضائل والترغيب والترهيب بالحديث الضعيف ما لم يكن موضوعًا ، وأما الأحكام : كالحلال والحرام والبيع والنكاح والطلاق وغير ذلك ؛= فلا يعمل فيها إلا بالحديث الصحيح أو الحسن ، إلا أن يكون في احتياطٍ في شيْءٍ من ذلك ، كما إذا ورد حديثٌ ضعيفٌ بكراهة بعض البيوع أو الأنكحة ؛= فإن المستحب أن يتنـزه عنه ، ولكن لا يجب .
-   وإنما ذكرت هذا الفصل لأنه يجيء في هذا الكتاب أحاديث أنصُّ على صحتها أو حسنها أو ضعفها ، أو أسكت عنها لذهولٍ عن ذلك أو غيره ، فأردت أن تتقرَّر هذه القاعدة عند مطالع هذا الكتاب .
*محمود العسكري
22 - نوفمبر - 2010
(8/2): كيفية الذكر    كن أول من يقيّم
 
-   الذكر يكون بالقلب ، ويكون باللسان ، والأفضل منه ما كان بالقلب واللسان جميعًا ، فإن اقتصر على أحدهما ، فالقلب أفضل . ثم لا ينبغي أن يترك الذكر باللسان مع القلب خوفًا من أن يُظَنَّ به الرياء ، بل يذكر بهما جميعًا ، ويقصد به وجه الله تعالى ، وقد قدمنا عن الفضيل بن عياض رحمه الله : أن ترك العمل لأجل الناس رياءٌ ، ولو فتح الإنسان باب ملاحظة الناس ، والاحتراز من تطرُّقِ ظنونهم الباطلة ؛= لانسدَّ عليه أكثر أبواب الخير ، وضيَّع على نفسه شيئًا عظيمًا من مهمات الدين ، وليس هذا طريقة العارفين .
*محمود العسكري
22 - نوفمبر - 2010
(8/3): معنى - والشر ليس إليك -    كن أول من يقيّم
 
-   وأما قوله صلى الله عليه وسلم (( والشر ليس إليك )) ؛= فاعلم أن مذهب أهل الحق من المحدثين والفقهاء والمتكلمين من الصحابة والتابعين ومن بعدهم من علماء المسلمين:  أن جميع الكائنات خيرها وشرها ، نفعها وضرها ؛= كلها من الله سبحانه وتعالى ، وبإرادته وتقديره ، وإذا ثبت هذا فلا بد من تأويل هذا الحديث ، فذكر العلماء فيه أجوبة ؛ أحدها ، وهو أشهرها ، قاله النضر بن شميل والأئمة بعده ، معناه : والشر لا يُتَقَرَّب به إليك ، والثاني : لا يصعد إليك ، إنما يصعد الكلم الطيب ، والثالث : لا يضاف إليك أدبًا ، فلا يقال : يا خالق الشر ؛ وإن كان خالقه ، كما لا يقال : يا خالق الخنازير ؛ وإن كان خالقها ، والرابع : ليس شرًّا بالنسبة إلى حكمتك ، فإنك لا تخلق شيئًا عبثًا ، والله أعلم .
*محمود العسكري
22 - نوفمبر - 2010
 4  5  6  7  8