البحث في المجالس موضوعات تعليقات في
البحث المتقدم البحث في لسان العرب إرشادات البحث

مجلس : اللغة العربية

 موضوع النقاش : أسرار الجمال في اللغة    قيّم
التقييم :
( من قبل 2 أعضاء )

رأي الوراق :

 محمود العسكري 
13 - سبتمبر - 2010
بسم الله الرحمن الرحيم
( اللغة بين الروح والجسد )
- لكل لغة من اللغات الراقية مظهران : مظهر لفظي ؛ أي : الأصوات البشرية في نظمها الكلاميِّ ، ومظهر كتابي ؛ أي : الخطوط التي يرسمها القلم دالَّة على الحروف والمفردات والجمل ، هذان المظهران هما : جسد اللغة ، أو هما : اللغة في جانبها الحسي ، أي : الذي يباشره الحس سماعًا للفظ ورؤيةً للخطِّ ، أما اللغة في جانبها الروحي ، أو روح اللغة ؛ فهي : ما وراء اللفظ والخطِّ من المعاني المفردة والمركبة .
- وأسرار الجمال في اللغة هي الأسرار الخفية التي تؤلف بين اللغة جسدًا وروحًا ، وهي لذلك ترجع في إدراكها إلى الذوق الفطري الذي قد يتولَّد ويكتسب من حرارة الاحتكاك أكثر مما ترجع إلى النظر المجرد والذي قد يعيا في كثير من الظواهر عن التفسير المقنع .
-  وعلى سواءٍ : فإن أسرار الجمال في اللغة تتجلَّى من باطنها إلى ظاهرها ، كما تتسرَّب من ظاهرها إلى باطنها ، وأسرار الدمامة كذلك ، فكلاهما مرآة صادقة في عكس صورة الآخر دون تشويهٍ .
- واللغة العربية تتفوَّق على اللغات كافةً في روعة جمالها ، فإن التلاوة المحبَّرة للقرآن الكريم ترتيلاً وتجويدًا وتطريبًا بلحون العرب هي الذروة الأسمى لجمال لغةٍ من اللغات في مظهرها اللفظي وهيأتها الكلامية ، كما أن الخطوط العربية الأصيلة بدءًا من الكوفيِّ وانتهاءً بالديواني في تأريخ نشأتها هي الغاية العليا لجمال لغة من اللغات في مظهرها الكتابي وهيأتها الخطية .
- هذا ؛ وإن أكثر الخطوط العربية رمزًا وإيحاءً إلى روح العربية وأسرارها البيانية اللطيفة هو خط " كوفي المصاحف " والذي ما زال حتى الآن - وقد بلغ في تطوُّره إلى ذروة جماله وتناسق بنائه الهندسي = يكتب بلا نقْطٍ ، وتليه الأنواع الأخرى من الكوفي ، فبهذا الخط ذي الطبيعة الموحية بروح العربية وجمالها النابع من البساطة التي هي أساس الرقيِّ الفنيِّ لكل ما من شأنه أن يكون موصوفًا بالجمال = كتبت المخطوطات الأولى للمصحف ، وما زالت البسملة يُتَحَرَّى كتابتها بهذا الخط في صدر الأعمال الخطية التي تجمع أنواعًا من الخطوط .
- واستطرادًا إلى الأنواع الأخرى من الخطوط العربية وما توحيه من أسرار جمال اللسان العربي ؛ فإن ما يلي خط الكوفي هي : خطوط الثلث والنسخ والإجازة ، وإذا كان الخط الكوفي هو بساطة الجمال ، فإن خط الثلث هو هيبة الجمال وجلاله ، وخطي النسخ والإجازة هما براءة الجمال وصدقه ، والخطوط المبتكرة بعد ذلك من : الفارسي والرقعة والديواني ؛ فإن الفارسي هو روحانية الجمال ( الفارسي مستلهم من أشكال الطيور ، ونعرف " منطق الطير " للعطار - غفر الله له ! ، وفي غير آيةٍ وحديثٍ جاءت العلاقة بين معاني الإيمان والطير ) ، والرقعة هو تواضع الجمال ، والديواني هو ظرف الجمال ! ( ولأنه لا يفوق أحدٌ المصريَ في الظرف والنكتة البلدية ؛= فإن الديواني المصري هو أرقى أنواع الديواني ) .
- إذًا ؛ فالقيمة الجمالية للخط العربي ليست قيمة رياضيًّة بحتةً تعتمد في تناسبها وضبطها على مدى المقدرة اليدوية والعصبية لإنجازها ، بل الحقيقة هي أن الخط ما هو إلا دلالة على اللغة ، فجماله يستمدُّه من روح اللغة الجميلة ، ومتى تراخت هذه العقدة الوثيقة وأصبح فن الخط مجرَّد شيءٍ حسِّيٍّ يباشره البصر وحسب - فالجناية أول الجناية على فن الخط نفسه ، ( في لوحات الخطاط محمد مندي المنشورة على الوراق سؤال : أيهما أجمل الخط أم الشعر ؟ ، وهذا السؤال قد وقع في الفخ ؛ حيث فرَّغ الفنَّ الخطيَّ في هذه الأعمال من المعنى ، والسؤال الصائب هو : ما دلالة الخط على الشعر ؟ ، إن كان من دلالةٍ فهذا جيِّدٌ ، وإلا فللتقييم نظر آخر ، وسيأتي بيان ) .
- ولذلك ؛ فإن ارتباط الخط العربي بالأدب العربي هو ارتباط كالأبوَّة والبنوَّة ، وبقدر ما يكون من عقوق الخط لحقوق الأدب = فإن ذلك يظهر جليًّا في ضعفه وتراجعه عن تفوقه ، فليس غريبًا أن تكون الأعمال الأدبية المتميزة هي موضوعات الأعمال الخطية المتميزة ، ولكي لا يخلو التنظير عن التمثيل ؛ وإن كانت الأمثلة كثيرة = نذكر أعمالاً مثل : بانت سعاد لأحمد الكامل في الثلث والنسخ ، ولهاشم البغدادي في الديواني والرقعة ، والبردة لأحمد محمد عبد العال في الثلث والنسخ والإجازة ، ولسيد عبد القوي في الفارسي ، والكثير من لزوميات أبي العلاء لسيد إبراهيم بالثلث والنسخ ، علاوةً على من جمعوا ابتداءً بين فنَّي الشعر والخط كنجيب هواويني وسيد إبراهيم ، والقدامى كثيرون قد نذكر منهم : ابن مقلة وشعبان الآثاري وشهدة الأبرية ، غفر الله للجميع .
- لكن بإزاء هذا الإيحاء العام للخط على روح اللغة ؛ هل من مقدرة لفنِّ الخط أن تكون له دلالةٌ أكثر توصُّلاً إلى تفاصيل وجزئيات أفكار النص وعواطفه ؟! ، الجواب : نعم ، فإن للخطوط العربية أوضاعًا وهيآتٍ مختلفةً سواءٌ في صورتها المرسلة أو المركبة يقتدر معها الخطاط متى امتلك ناصية الفهم والإحساس المرهف بمضمون ما يكتب = أن يجعل العمل الخطيَّ أكثر تعبيرًا وتفسيرًا للمعنى اللغويِّ ، وهذا بابٌ يتسع للتأمل في تعبير الفن عن الفن ، فالخط يعبر عن الأدب ، والموسيقا تعبر عن التصوير ، ... إلخ ؛ فلا استقصاء هنا .
- ونقف للتأمل في معنى حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - : (( اقرؤوا القرآن بلحون العرب ، ولا تقرؤوه بلحون أهل النوح والرهبانية )) ، إن النغمة المختارة لقراءة القرآن الكريم ليست مجرَّد نغمةٍ هدفها اللذة السمعية ، إنها تأثيرٌ مقصود الإضافة لمزيد الإثارة القلبية والعقلية لتلقي هدايات القرآن ، لذلك فإن اللحون العربية هي أدلُّ اللحون على معاني القرآن العربيِّ ، أما لحون الرهبانية فهي لحون لا تنتمي للعربية بل إلى حناجر أخرى روميةً قد تكون أو فارسيةً ، لذلك فإن للقرآن الكريم ألحانًا خاشعة موحية تلامس القلب لتوقظه لا لتلهيه ، كما أنها ألحانٌ من سجية العرب فهي أبلغ إيماءً وإيحاءً إلى مرامي بلاغة الكلام العربي من غيرها من الألحان المتكلفة وإن كانت عربية الأصول ؛ لأن المقصود بالعرب في الحديث : العرب قبل بسطة الدنيا وزخرف العاجلة ( من أبرز مميزات الترتيل القرآني : الغنة ، وهي : صوت الظبية تستقري طلاها ! ) ( وجاء في سيرة ابن الخياط أحد علماء التجويد والقراءات - غفر الله له ! – أن أهل الذمة كان يسلمون من جمال قراءته ) ، على أن كلمة اللحن لها في التعريف اللغوي تفسير آخر ؛ وهو : طريقة الأداء الصوتي سواء مع انتظام السمت النغمي أو اختلافه ، كما في الحديث : (( لعل بعضكم ألحن بالحجة )) ، فمن اللحن العربي أن تكون طريقة الأداء معبرة مفسرة للمعنى بإزاء الإيحاء النغمي السابق بيانه ، وفي فن تجويد القرآن الأمثلة الكثيرة لذلك ؛ نذكر منها على سبيل التقريب اختلاف الأداء بين ( أفلا ؟ ) الاستفهامية وبين ( أفل ) التي هي فعل ماضٍ ؛= فالأولى بالاختلاس والثانية بالإتمام ، ومن شجون الحديث - نذكر بعض ما يشجي من محدثات الأمور : إن بعض القراء لا نعرف عن حسن نية أو سوء نية = يقرؤون آياتٍ من القرآن الكريم على وفاق ألحان بعض الأغاني التي يذيع سماعها ، وعلى أيِّ تقديرٍ : فإن كلام الله أجلُّ من أن يُلْجَئَ به إلى هذه المحاكاة السيئة ، ونذكر شيئًا قرأته منذ مدة كتبه الأستاذ زهير : أن أحد أصدقائه كان يقرأ الكامل بإيقاع المنسرح ، والفكرة الجديَّة هنا هي : أن الأمر ليس إبدال إيقاعٍ بإيقاعٍ ؛ ولكن إبدال فهمٍ وذوقٍ بفهمٍ وذوقٍ ، فاختلاف القراءة الموسيقية للنص معناها : اختلاف مسارات الفهم والتذوق له ، ونخلص في نهاية الفقرة باستنتاجٍ : إن المظهر اللفظي للغة هو المخبر الروحي لها ، يتحدان ذاتًا ويختلفان اعتبارًا ، أو يتحدان ذاتًا ويختلفان اعتبارًا ، المهم أنه : جمالٌ من جمالٍ ! ( أو دمامة من دمامة إذا كنا تكلم عن العبرية مثلاً ! ) .
- ولأن العربية تنزل من العرب منزلة السليقة والملكة المستقرَّة في النفس ، فإن جمال العربية لفظًا وخطًّا أثار انتباه واهتمام المسلمين من العرب الموالي أو العجم أكثر من العرب الخُلَّص ، وليس من تعليلٍ لذلك سوى : أنهم وجدوا أن تذوُّق هذا الجمال الخطيَّ واللفظيَّ لا ينفكُّ عن تذوق البلاغة المكتنَّة في أعماق اللغة ، لذلك كان الأئمة العشرة المتبعون في رواية ودراية قراءات القرآن  الكريم هم من الموالي ولم يكن فيهم من العرب الصرحاء سوى أبي عمرو زبان بن العلاء وعبد الله بن عامر اليحصبي ، كما أن الشوط الأخير في تطوُّر الخطِّ العربيِّ انفرد به أو يكاد = المسلمون العجم منذ عصر مير عماد الحسني وحمد الله الأماسي إلى الذروة عند محمود جلال الدين وزوجته أسماء عبرت هانم وتلاميذهما ، غفر الله للجميع ( وفي الحديث النبوي : لو كان الدين في الثريا لناله رجال من فارس ) .
-  والفكرة المقصودة للنظر في خاتمة المقال ؛ هي : أن خير وسيلة أو أهدى سبيل لتقريب العربية إلى الناشئة هي : في تعليمهم القراءة المجودة المرتلة للقرآن الكريم ، وفي تعليمهم الخطوط العربية على أسسها الفنية ، بل هي الطريقة المثلى لإتقان أيِّ لغةٍ في سموِّها الأدبي برياضة اللسان واليد على جمال مظهرها اللفظي والكتابي .
[ تم ]
تعليقاتالكاتبتاريخ النشر
هل ..    كن أول من يقيّم
 
// ليست العربية لأحد من آبائكم //
 
حديث نبوي ؟؟ 
 
مع أزكى التحيات للأستاذ محمود .
*abdelhafid
15 - سبتمبر - 2010
لا أعرف ...    كن أول من يقيّم
 
... إذا كان هذا القول حديثًا نبويًا أم لا . لكن للمناسبة أذكر حديثًا في فضل العربية وأنها من مطالب الدين . عن النبي صلى الله عليه وسلم : ( أحبوا العرب لثلاث ؛ لأنـي عربي ، والقرآن عربي ، وكلام أهل الجنة عربي ) أخرجه البيهقي والطبرانـي والحاكم .
*محمود العسكري
19 - سبتمبر - 2010
الهوى غلاب ..    كن أول من يقيّم
 
موضوع  قديم  منشور في الوراق .
 
                                    http://www.alwaraq.net/Core/dg/dg_topic?ID=1412
*abdelhafid
21 - سبتمبر - 2010
معذرة للسقط    كن أول من يقيّم
 
أزكى التحيات ودائم المسرات للأستاذ / عبد الحفيظ .
( معذرة لسقوط هذه الكلمة من التعليق السابق ) .
*محمود العسكري
21 - سبتمبر - 2010
محمذ ذا النبي ، محمد ذا الرسول ...    كن أول من يقيّم
 
محمذ ذا رحمث  ، ئـيد  يوسين  أ يووذان ..
( محمد الذي بعث رحمة للعالمين )
 
* هدية للأخ الصديق الأستاذ محمود http://www.youtube.com/watch?v=q1He4bItsKc&feature=related
 
لاحظ كيف نعمل على "تمزيغ " العربية  ، أو تعريب الأمازيغية ، لاحظ كيف تتعايشان - عندنا - بسلام
في الواقع المعاش ’ بعيدا عن أي إيديولوجية أو ديماغوجية مقدوح فيها ..
*abdelhafid
22 - سبتمبر - 2010
شكرًا ...    كن أول من يقيّم
 
هدية مقبولة ومشكورة من الأستاذ / عبد الحفيظ . 
*محمود العسكري
23 - سبتمبر - 2010