بين يدي الطبعة الأولى من كتاب (جلاء الأوهام عن مذاهب الأئمة العظام) تأليف الحاج مختار بن أحمد باشا المؤيد العظم، طبع في مطابع الفيحاء بدمشق سنة 1330هـ ومؤلف الكتاب من أعيان آل العظم في دمشق ومولده فيها عام 1237هـ 1822م ووفاته عام 1340هـ 1921 وهو أخو الشهيد شفيق بك المؤيد العظم (أحد من أنزل بهم جمال باشا السفاح عقوبة الإعدام بدمشق عام 1916م) وعلى كتابه رد مشهور للمرحوم فوزان السابق سماه (البيان والإشهار لكشف زيغ الملحد الحاج مختار)
وموضوع الكتاب نقض مذهب الوهابية، وقد افتتحه بنبذة عن الوهابية ومؤسسها ونقل معظمها عن كتب أحمد بن زيني الدحلان.
وأنا أفتتح هذا الملف بذكر السؤال الذي لأجله نشرت هذه المقتطفات من كتاب مختار المؤيد العظم، والسؤال: هل يعقل أن يكون مختار المؤيد العظم كذابا وملفقا للأحداث إلى هذه الدرجة التي ضرب بها الرقم القياسي، أم أنه كان شاهد عيان وأن حركة الوهابية الأولى هكذا كانت وهكذا انطلقت، ولكنها فيما بعد انجرفت في تيار الأحداث التي قادتها إلى نقيضها حسب النظرية الماركسية.
فإذا كان كلام مختار العظم زورا وبهتانا مثله مثل الدحلان فإلى أي مدى يمكن اعتبار هذا الكتاب نموذجا لحديث الفرق والطوائف عن أعدائها وهل كان حديث أبي منصور البغدادي عن الفرق الضالة والمنحرفة نسخة من هذا الحديث أم أن الحكم بجريمة الكذب والخيانة لا تصح إلا في التلاعب بتاريخ الوهابية.
إذا لم يكن كلام الدحلان باطلا فلا يعقل أن يسكت كل معاصري الوهابية من المؤرخين عن وصف حقيقتها كما رأوها أو كما سمعوا عنها، ولكن المشكلة هنا أن العرب حتى اليوم لم يستطيعوا حتى الآن جمع شتات تاريخهم المعاصر في القرنين 12 و13 الهجريين بالرغم من وجود مئات الكتب التي تناولت أحداثهما.
وأعود فأقول لا يستبعد أن يكون الشيخ دحلان والحاج مختار المؤيد العظم صادقين لأن التاريخ الحديث حمل لنا ظروفا مشابهة تماما لكل ذلك، وأقصد حركة (العروة الوثقى) التي وضع أصولها جمال الدين الأفغاني ورعاها ووضع دستورها الإستاذ الإمام محمد عبده وكتب قصتها السيد محمد رشيد رضا الذي كان في مقدمة من دعا إلى نبذ السنة والدعوة إلى أن الإسلام هو القرآن وحده، ونشر في المنار كتابا بهذا العنوان (الإسلام هو القرآن وحده) وهو من تاليف سكرتيره الطبيب توفيق صدقي بيك، ثم ارتأى لاحقا أن يطوي هذا الموضوع كيلا يستثمر في تدمير الحركة العربية التي كانت تسعى للإطاحة بالخلافة العثمانية، فأعلن براءة سكرتيره من الدعوة إلى أن الإسلام هو القرآن وحده، وقد نشرت ذلك في (نواد النصوص) ثم صار محمد رشيد الرضا اليوم في نظر الكثير من المسلمين واحدا من حماة السنة النبوية التي قضى شبابه في محاربتها. ولكن اتهام محمد رشيد رضا بأنه كان من منكري السنة وأنه هو الذي روج لهذه الدعوة في مصر وبلاد الشام صار حديثا يكذب قائله أيضا كما يكذب الشيخ دحلان والحاج مختار في حديثهما عن وهابية عصرهما. وأختم كلامي بذكر نماذج من كلام الشيخ دحلان والحاج مختار في تعريف الوهابية ، فمن ذلك ما ورد (ص 6) تحت عنوان (أصول مذهبهم):
قال : (ومن قواعد مذهبهم وأصوله التي لا خلاف بين المسلمين بأنها من المكفرات:
أولا: قولهم إن الله أرسل محمدا وأنزل عليه القرآن ليبلغه للناس، وما أذن له بأن يشرع للناس أشياء من عنده، فالدين كله في القرآن، وكلما جاء في الحديث ويسميه المسلمون سنة واجبة فهو باطل، ولا يجوز التعبد والعمل به.
ثانيا: قولهم: حيث أن محمدا بلغ القرآن ومات، فعند نزول آخر آية من القرآن انتهت رسالة محمد وسقطت عنه حقوق الرسالة، وهذا معنى تسميته (طارشا) ومعناها عندهم (مرسل جاء برسالة فبلغها وذهب، فلا علاقة للناس فيه والالتفات إليه شرك)
ثالثا: قولهم إن الرسل والأنبياء كسائر الناس لا فرق ولا تفاضل بينهم.
رابعا: أقوالهم البذيئة في حقه (ص) منها قولهم: إن العصا خير من محمد لأنها ينتفع بها، ومحمد قد مات فأي نفع منه، ويحظرون الصلاة والتسليم عليه ولو في التشهد ويقولون إنه شرك بالله ويقتلون من يتلفظ بها، ومنها قولهم: (إن الربابة في بيت الزانية أقل إثما من الصلاة والتسليم على محمد) وأحرقوا كل ما وقع بيدهم من نسخ دلائل الخيرات والصلوات والأدعية وكتب التفسير وكتب الفقه وكتب الأئمة الأربعة وغيرهم.
قال (أي دحلان): (زعم هؤلاء الكفرة أنهم أخذوا الدين من القرآن العظيم لكنهم في الحقيقة نبذوه كما نبذوا غيره لأنهم أباحوا لكل إنسان منهم تفسيره بما يريد وأن يعمل بما يفهم منه).
قال مختار العظم: (ترى في أصول هذا المذهب كثيرا من المكفرات بإجماع المسلمين ومخالفتها للنص:
الأول: حصر الدين في القرآن العظيم وجحود ما جاءت به السنة.
الثاني: قولهم بسقوط أحكام الرسالة وانقطاعها.
الثالث: جعلهم الرسل والأنبياء كسائر الناس والطعن بهم
الرابع: تكفيرهم كل من خالفهم في مذهبهم من المسلمين.
الخامس استباحة دماء المسلمين عموما والعلماء خصوصا وجعل قتلهم من الدين
وذكر (ص5) أنهم إذا جاءهم من يريد اتباعهم أمروه بأن يشهد على نفسه وعلى أبويه أنهم كانوا مشركين وأن الناس كلهم منذ ستمائة سنة على شرك. فإن فعل قبلوه ولقنوه مذهبهم وأمروه بإعادة حجه إن كان حج قبلا لأنه حج على طريقة المشركين، وإن امتنع عن هذه الأمور قتلوه.
الغريب أن المؤلف الحاج مختار المؤيد العظم يرد على الوهابية بكلام ابن تيمية ففي الباب الذي عقده للكلام عن مكانة السنة من القرآن وحاجة المسلمين إلى بيانها للقرآن، ولولاها لكان الدين كما يقول (ص15) على غاية من التشويش، ولا يصح عليه وصف الكمال وإتمام النعمة، لأننا في الأركان الثلاثة فضلا عن غيرها نقع في اختباط، فالقرآن العظيم ما صرح لنا بعدد أوقات الصلاة وأسمائها وعدد ركوعها وسجودها وتشهدها إلى آخره، ولا بنصابات الزكاة وما يتعلق بها، ولا بأكثر مناسك الحج وما يتعلق به ولا بأكثر واجبات التعامل، فلولا أن السنة أتت بتفاصيلها لكان الدين ألعوبة بيد العلماء والأمراء كما هو الحال في أكثر الأديان، فالتنكب عن السنة والاعتماد على ما يفهم من القرآن فقط تنكبٌ عن الدين، بل خروج منه، ولا يقوله إلا احمق لا يعرف من الدين شيئا، او كافر يتستر بالدين وما هو منه على شيء. |