البحث في المجالس موضوعات تعليقات في
البحث المتقدم البحث في لسان العرب إرشادات البحث

مجلس : الفلسفة و علم النفس

 موضوع النقاش : الهرمنيوطيقا    قيّم
التقييم :
( من قبل 2 أعضاء )

رأي الوراق :

 صادق السعدي 
3 - أغسطس - 2010
     الهرمنيوطيقا من المصطلهات القديمة المستعملة في مجال تفسير نصوص الكتاب المقدس عند اليهود. ويعني جملة القواعد والمعايير التي يجب على المفسر انتهاجها أو اتباعها لفهم النصوص الدينية. وتقوم هذه القواعد على أساس تناول النص بوصفه متعدد الوجوه، ومنفتحا في دلالاته على معان لا حصر لها، مستفادة من رمزية النص، دون الخضوع لحرفيّته وظواهر معانيه.
 
   انتقل استعمال هذا المصطلح من مجال الدراسات اللاهوتية، الى حقول معرفية متعدد، مثل علم التاريخ وعلم الاجتماع، والفلسفة والنقد الادبي... في محاولة لاكتشاف المعاني الخفية والمستورة في باطن النص.
 
    وهذا اللون من الدراسة كان متزامنا مع حركة النهضة والكشوفات التي عرفها  الغرب في مجالات العلوم وحقول المعرفة المختلفة؛ من اكتشاف كولمبس لأمريكا، وظهور فرنسيس بيكون يدعو الى نظرة جديدة في الفلسفة وإحياء العلوم التجريبية، ومنهج ديكارت في الشك وأسلوبه الخاص في تناول المنطق.
 
    وتفسير النصوص بطريقة الرمز والحكاية قديم؛ وكان أشهر من استعملها في تأويل نص الكتاب المقدس هو الفيلسوف الاسكندري فلو أو فيلون. وكانت وفاته سنة 50 بعد الميلاد. ينتمي الى أسرة يهودية كانت تعيش في الاسكندرية، المدينة التي كانت وقتها واحدة من أهم مراكز الفكر والفلسفة في العالم القديم.
 
    كانت  المخاطر تهدد كيان اليهود ومستقبل ديانتهم من الخارج والداخل، فالرومان من جهة والصراع العقائدي بين اليهود  أنفسهم من جهة أخرى، فقد انقسموا الى طوائف عديدة كان أهمها وأشهرها هم  الفريسيون-بتشديد الراء- والصدوقيون. وهؤلاء كانوا ممن يتمسكون بالنص المكتوب، ورفض الشروح والتقاليد والنصوص الشفاهية التي يعمل بها مخالفوهم من الفريسيين. والفريسيون، معناه المنعزلون أو المنفصلون، أو المعتزلة. والتسمية تعود الى انطواء هذه الطائفة على نفسها، قبل ان تتمكن من مدّ نفوذها بين أوساط عامة اليهود. لم يكن هؤلاء يحفلون بحرفيّة النص، بل اتجهوا الى روحه، يستنطقون باطنه. ولهم يعود الفضل في إخراج التوراة من طابعها العنصري الضّيق بوصفها خطاب الله لبني إسرائيل خاصة ، الى خطاب  لجميع الخلق بواسطة التأويل. ولا يفوتنا في هذا المقام  التنبيه الى دلالة هذه التسمية ووجه الشبه بينها وبين اللفظ الذي يطلق على تلك الفرقة الإسلامية صاحبة الإتجاه العقلي وإعمال التأويل في نصوص الشريعة الإسلامية، وأثر الصراع الذي نشب بين القائلين بالعقل والقائلين بالنقل على اختلاف درجاتهم، ودوره في إطلاق هذه التسمية عليهم. فهل هو تعريض بتلك الفرقة التي أرادت – كما يقول كثير من أهل النقل المخالفين لهم - تأويل النصوص بفعل مؤثر خارجي دخيل لا يمت الى الاسلام  بصلة. احتمال نطرحه ولا نؤكّده. وتكون قصّة واصل بن عطاء مع الحسن البصري لا أساس لها.
 
    كان فيلو يعيش في هذه الفترة الحرجة والخطيرة من تاريخ اليهود، فعمد الى نصوص التوراة، وراح يفسّرها بطريق الرمز والحكاية، وتأويل ما فيها من تشبيه وتجسيم فاضح، مستعملا في ذلك ثقافته الواسعة، ومعرفته المتعمّقة بالثراث اليهودي، والفلسفة بمذاهبها المختلفة، من فيثاغورية، وأفلاطونية، ورواقية، وفلسفة أرسطو والمشّائين من اتباعه. فزعم أن التوراة تشتمل على جميع الحقائق في هذا العالم، الدينية والدنيوية، وما نحتاجه هو فقط فهم هذه النصوص فهما صحيحا بالنظر الى باطن النص، والكشف عن أسراره ورموزه، لان ظاهر هذه النصوص خادع، ولا يدل على معناه المستور خلف حجاب الالفاظ والعبارات التي هي في ظاهرها خطاب لعامة الناس من أهل الغفلة لتقريب معاني النصوص الى أفهامهم، وليس للخواص من أهل النظر والبحث العقلي.
 
    فإذا قالت التوراة إنّ السماء قد خلقت قبل الارض، فهذا رمز للعقل وفضله وأسبقيّته على الحس. كما ان إبراهيم رمز للعلم، وإسحاق رمز للطبيعة، ويعقوب رمز للزهد. وعلاقة الله بموجودات هذا العالم تقوم على أساس الوسائط والفيض في نظام من العلّية والمعلوليّة.
 
 
    وإذا كانت الافلاطونية قد تركت أثرا واضحا في الفلسفة الإسلامية، فإن محاولة فيلون التوفيق بين الفلسفة والدين لا تقل أهميّة من ناحية تأثيرها في النزعة العقلية عند المسلمين، من معتزلة أو غيرهم من علماء الكلام في الاسلام. ولكي يعمق  الصلة بين الدين والفلسفة، ويقرّب المسافة، ذهب فيلون الى أن كل الافكار العظيمة التي نطق بها الفلاسفة، كانت من وحي التوراة وكلام موسى.
 
 
 
    وسيظهر بعد ذلك تأثير هذه النزعة في الشهرستاني المتكلم الأشعري، في كتابه المعروف بالملل والنحل. والذي أرّخ فيه لمسيرة الفلسفة وتطوّر الفكر الديني الى عصره. يعلّق الشهرستاني في سياق كلامه عن طاليس - الذي ذهب الى أن الله قد أبدع العنصر الأول وهو الماء، وفيه صور الموجودات والمعلومات كلّها – :(
 
     وفي التوراة في السفر الأول منها أن مبدأ الخلق هو جوهر خلقه الله تعالى، ثم نظر إليه نظرة الهيبة فذابت أجزاؤه فصارت ماءا، ثم ثار من الماء بخار مثل الدخان؛ فخلق منه السموات. وظهر على وجه الماء زبدالبحر فخلق من الارض ثم أرساها بالجبال. وكأنّ تاليس الملطي إنما تلقى مذهبه من هذه المشكاة النبويّة
 
     والذي أثبته من العنصر الاول الذي هو منبع الصور شديد الشبه باللوح المحفوظ المذكور في الكتب الإلهيّة، إذ فيه جميع أحكام المعلومات، وصور جميع الموجودات، والخبر عن الكائنات.
 
والماء على القول الثاني شديد الشبه بالماء الذي عليه العرش: ( وكان عرشه على الماء). انتهى كلامه. ص  318دار الفكر بيروت. تحقيق الاستاذ عبد العزيز محمد الوكيل.)
 
    في مقبل الكلام إن شاء الله سنقلّب وجوه الهرمنيوطيقا، دون أن تُلزم أحدا بشيء؛ كما لا نشترط عليها أن تمشي بنا سير المشّائين من المقدمات الى النتائج المنطقيّة.
 1  2  3 
تعليقاتالكاتبتاريخ النشر
شهادة 8    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم
 
 
شهادة أم المؤمنين(ر)
 
 
    عن مسلمة بن محارب، عن داود بن أبي حرب بن أبي الأسود، عن أبيه قال: بعثني وعمران بن حصين عثمانُ بن حنيف إلى عائشة رضى الله تعالى عنها فقلنا: يا أم المؤمنين: أخبرينا عن مسيرك هذا، أعهدٌ عهده إليك رسول الله صلى الله عليه وسلم أم رأى رأيتيه؟ قالت: بل رأى رأيتُه حين قُتل عثمان، إنّا نقمنا عليه ضربة بالسوط، وموقعَ السحابة المُمحاة، وإمرة سعيد والوليد، فعدوتُم عليه فاستحللتُم منه الحُرم الثلاث: حرمة َالبلد، وحرمة َالخلافة، وحرمة َالشهر الحرام، بعد أن مِصْناهُ كما يُماصّ الإناء، فاستنقى، فركبتم منه هذه ظالمين، فغضبنا لكم من سوط عثمان ولا نغضب لعثمان من سيفكم؟ قلتُ: فما أنتِ وسيفنا وسوط عثمان وأنت حبيسُ رسول الله صلى الله عليه وسلم، أمرك أن تقرّى في بيتك فجئت تضر بين الناس بعضهم ببعض؟ قالت: وهل أحد يقاتلني أو تقول غير هذا؟ قلنا: نعم. قالت: ومن يفعل ذلك؟ أزنيم بني عامر؟. ثم قالت: هل أنت مبلغٌ عني يا عمران؟ قال: لا، لستُ مبلغاً عنك خيراً ولا شراً. فقلتُ: لكنّي مبلغٌ عنك، فهاتي ما شئت. قالت: ألّلهم أقتل مُذمّماً – تعني محمد بن أبي بكر – قصاصاً بعثمان، وارم الأشتر بسهم من سهامك لا يشْوَى وأرْدِ عماراً بحفرتِهِ في عثمان.
 
البيان والتبيين ج 2 . ص 209 - 210
*صادق السعدي
14 - أغسطس - 2010
شهادة 9    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم
 
شهادة الحسين بن علي(ع)
 
 
تبّاً لكم أيّتها الجماعة وترحا، حين استصرختمونا والهين، فأصرخناكم موجفين، سللتم علينا سيفاً لنا في أيمانكم، وحششتم علينا نارا اقتدحناها على عدونا وعدوكم، فأصبحتم أولياء لأعدائكم على أوليائكم بغير عدل أفشوه فيكم، ولا أمل أصبح لكم فيهم.
 
فهلا – لكم الويلات – تركتمونا والسيف مِشيمٌ، والجأش ضامر، والرأي لما يُستحَصف، ولكن أسرعتهم إليها كطير الدبِا وتداعيتم إليها كتهافت الفراش.
 
فسحقاً لكم يا عبيد الأمة، وشرار الأحزاب، ونبذة الكتاب، ومحرّفي الكلم، وعصبة الآثام، ونفثة الشيطان، ومطفيء السنن.
 
أهولاء تعضدون، وعنّا تتخاذلون؟!
 
أجل والله غدرٌ فيكم قديم، وشحت عليه أصولُكم، وتأزّرت عليه  فروعُكم، فكنتم أخبث شجا للناظر وأكلة للغاصب.
 
ألا وإنّ الدعيّ ابن الدعيّ- عبيد الله بن زياد-  قد ركز بين اثنتين: بين السلّة، والذلّة، وهيهات منّا الذلة، يأبى اللهُ لنا ذلك ورسولُهُ والمؤمنون وحجورٌ طابت، وحجورٌ طهُرت وأنوفٌ حميّة ونفوسٌ أبيّة من أن تُؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام.
 
ألا وإنّي زاحف بهذة الأسرة مع قلة العدد وخذلان الناصر.
 
ثم أوصل كلامه عليه السلام بأبيات فروة بن مسيك المرادي:
 


فـإن نـهزم فهزّامون iiقدما وإن  نـغـلب فغير iiمغلبينا
ومـا أن طـبّنا جبنٌ iiولكن مـنـايـانا  ودولة iiآخرينا
إذا ما الموتُ رفّع عن أناس كـلاكـلـه أنـاخ iiباخرينا
فـأفنى ذلكم سروات iiقومي كـما  أفنى القرون iiالأوّلينا
فـلو  خلد الملوك إذا iiخلدنا ولـو بـقي الكرام اذا iiبقينا
فـقـل  للشامتين بنا iiأفيقوا سـيلقى  الشامتون كما لقينا
 
ثم قال: أما والله لا تلبثون بعدها إلا كريث ما يُركب الفرس حتى يدور بكم دور الرحى ويقلق بكم قلق المحور، عهدٌ عهده إليّ أبي عن جدي، فإجمعوا أمركم وشركائكم، ثم لا يكن أمركم عليكم غُمّة، ثم اقضوا إليّ ولا تنظرون
إني توكّلتُ على الله ربي وربكم، ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها، إنّ ربّي على صراط مستقيم.
*صادق السعدي
15 - أغسطس - 2010
حمامة عتريس    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم
 
لاتـدري من عتريسُ أم ما iiطبعه لـولا  فـؤادةُ تـيّـمت iiعتريسا
إن كـان من صلب الشقاء iiفحظّه أنّ الـخـطـيـئة أثمرت iiإبليسا
ودمـوع عتريس السخينة لم iiتكن تـثـنـي  أبـاه وفعله iiالمنحوسا
ذبـح الـبراءة في الصغير iiوكفّه بـدم الـحـمـامـة تقتلُ القدّيسا
وفـصـيـلُ  ناقته ينوءُ iiبجرحه ويـصيحُ في الجبل الأشمّ iiبسوسا
عتريسُ نبتُ الطين كان ولم iiيزل نـهر  الدموع وشاخصا iiمحسوسا
ويـدور  بـيـن مصدّق iiومكذّب فـي مـا يـراه ويـنتهي ملبوسا
لا  مـن جنون الشّك كأسك iiمترع يـروي الـعليل ولا غنمتَ iiنفيسا
مـاكـان ضرّك لو لحقتَ iiبركبهم أركـبتَ رأسك أم خشيتَ iiرؤوسا
فاستنطق الأطلال وأقرأ في الثرى قصص  الضحايا واحتسبن iiنفوسا
*صادق السعدي
16 - أغسطس - 2010
كلام سقراط    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم
 
 
 
للقلب آفتان: الغم والهم. فالغم يعرض منه النوم، والهم يعرض منه السهر.
 
الحكمة إذا اقبلت خدمت الشهوات العقول، وإذا أدبرت خدمت العقول الشهوات.
 
ينبغي أن تغنم بالحياة، وتفرح بالموت، لأنّا نحيا لنموت، ونموت لنحيا.
 
للحياة حدّان: أحدهما الأمل، والثاني الأجل. فبالأوّل بقاؤها، وبالآخر فناؤها.
 
قلوب المغرقين في المعرفة بالحقائق منابر الملائكة، وبطون المتلذذين بالشهوات قبور الحيوانات الهالكة.
*صادق السعدي
17 - أغسطس - 2010
ورطة الفيلسوف    ( من قبل 3 أعضاء )    قيّم
 
     يُرجع كثير من الدارسين أسباب العبقريّة والتفرد والنبوغ الفكري عند البعض الى شذوذ ما في دماغ الكائن البشري، هذا الشذوذ يجعل العقل يشتغل في مسار ونمط تفكير يختلف عما عليه العقل وأنماط التفكير عند سائر الناس. هذا العقل لا يأخذ في الغالب بالمقدمات أو المسلّمات التي يقبلها الآخرون، ولا يسلك طريقهم ومنهجهم في النظر و البحث واستنتاج الفروض، فتكون نتائجه بالضرورة مغايرة ومختلفة بل صادمة بطبيعتها غير المنطقيّة.
 
     هناك جزء ما معطّلٌ عند هؤلاء. إنّه الجزء الهام المهيمن على حركة نشاط الدماغ والمُنظّم لسيرهه في اتجاه يمكن أن نطلق عليه طريق الأمان أو سكّة السلامة. من حسن حظ هؤلاء أو لسوء حظهم، أنّ هذا الجزء المُعّّطل في العقل يؤدي الى تثبيط جزء في غاية الأهميّة من النشاط الحيوي للدماغ في مفهومه العام.
 
     إنّها تجاوز النقدية المنطقية التي تضطرنا لجسّ كلّ لفظة قبل أن ندرك معناها، ومقاومة كلّ إيحاء يأتينا من خارج ذواتنا والحذر من كلّ ما هو مخالف للمألوف كما يرى بعض العلماء من  المهتمين  بدراسة الدماغ ووظائف الأعصاب.
 
     ذلك الجزء المستقر والمراقب لنشاط الفكر عموما ، والذي يوجّه العقل باتّجاه سكّة معينة وطريق آمن غير محفوف بالمخاطر والمطبّات. إنّه الجزء الفطري الموروث من الأسلاف الغابرين، الذين كانوا يواجهون الطبيعة بمخاطرها المتعددة والمختلفة بالمخلب والظفر.
 
     فلمّا سقط المخلب، وأصبحت الأظفار ناعمة، لم يسقط معها هذا الجزء بل بقي قابعا في تلافيف الدماغ يمارس عمله مرة في الدفاع، وأخرى في الهجموم بدافع الرغبة في البقاء .
 
     هذا الجزء مفقود عند من يُعرفون بالشواذ أوالخارجين على الرأي العام، ومن يحلوا للبعض أن يُطلق عليهم صفة العبقريّة!
 
   هؤلاء أغرتهم عقولهم، فانتهت بهم الى الجنون. وليس ذلك ناشئا عن الشيخوخة أو السنّ، كما يقول عبد الرحمن بدوي في كتابه عن شوبنهور: بل هو ناشيء من هذا الإجهاد العقلي المستمر. فليس بغريب إذا أن نجد كثيرا من العباقرة قد انتهت حياتهم العقليّة بالعته والجنون، فقد استحال كَنْت الى طفل، وولتراسكوت ووردزورث وآخرين كُثر من أقربهم نيتشه، قد انتهوا الى الجنون أو الى خمود فكري مطلق. أما جيته فقد استمرّ حتى اللحظة الأخيرة محتفظا بقوّة عقله ونصاعة روحه ونشاطه، لسبب بسيط، هو أنه رجل دنيا ورجل بلاط، فلم يجهد نفسه مطلقا في عمل ذهنيّ مجرّد. ومثل هذا يقال أيضا عن رجل مثل فولتيرأو فيلند أو كنيبل. ص 198
 
هؤلاء لا ينتظمهم سلك واحد، لكنّهم جميعا  يغرّدون خارج السرب.
 
*صادق السعدي
20 - أغسطس - 2010
قياس إبليس    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم
 
طـرق  الـباب كثيرا لم يجد في الباب مسلكْ
قـطـة  عمياء iiكانت مـن سواد الليل iiأحلكْ
ودبـيـب iiمـخـمليٌّ كم  من الماضين iiأهلكْ
راسـخٌ  كان iiاعتقادي يـومـهـا  لم iiأتشكّكْ
جـاءني  يحمل iiوجها كـيـفـما شاء iiتحرّكْ
وكـتـابـا  iiأعـجميّا ولـسـانـا  iiيـتفذلكْ
وجـه  إبـليس iiولكن وجـهـه  الآخر iiمَألَكْ
فـأرى شـيخا iiيصلّي وغـلامـا  iiيـتـهتّكْ
تـسقطُ الأشياء iiحولي ويـقـيـنـي  iiيتفكّكْ
هـو قد فرّ من iiالشرك وبـالـحـقّ iiتـمسّكْ
صـار  شيطانا iiرجيما مـا  له لو كان iiأشركْ
ومـضى  يسخرiiمنّي يـفتل الحبل iiويضحكْ
   
 
*صادق السعدي
23 - أغسطس - 2010
الأخلاق وفلسفة التديّن 1    ( من قبل 2 أعضاء )    قيّم
 
 
      

لاصلّى ولا صاما

 

 

 

     في نهاية السبعينات من القرن الماضي، نشرت إحدى الصحف الفنية العراقية صورة ممثلة عربية غطّت تماما صفحة كاملة من صفحات تلك المجلة بعنوان عريض، وعريض جدا: الفنانة.... تعتزل الفنّ من أجل صاحب الجبهة السمراء. وصاحب الجبهة هذا كان من كبار أمراء أحدى الدول العربية. كانت الحكومة العراقية حينها على خلاف مع الدولة التي ينتمي إليها هذا الأمير. ثم حدثت الحرب بين العراق وإيران، فكان بين البلدين حلف متين وصداقة استمرّت حتى دخول الجيش العراقي الكويت.

 

    وبدأت شيئا فشيئا تنتشر ظاهرة اعتزال الفن في فترة سياسية قلقة وخطيرة من تاريخ المنطقة العربية والشرق الاوسط عموما. وارتفعت الأصوات هنا وهناك تدعوا العرب والدول الإسلامية للتصدي لما عرف بالمد الثوري الخميني، وخطورته على الإسلام السني.

 

    وكان الغليان يغطّي الشارع العربي ومعاهدة كامب ديفد لم يجف حبرها بعد، والتيّارات الإسلاميّة ناشطة تتحرّك في جميع الإتجاهات. والحديث عن وحدة مرتقبة بين العراق وسوريا. ثم وصول صدام حسين الى الحكم واجهاض فكرة الوحدة لأسباب ليس محلها موضوعنا هذا.

 

    وتحرّكت أغلب الدول العربية باتجاه وقف ما رأته زحفا فارسيّا للهيمنة على المنطقة، يغذّيها قلق الغرب وخوفه من خروج الأمر عن السيطرة وتمكن إيران بالفعل من ابتلاع ما يحيط بها من الدول العربية والإسلامية واحتقان طائفي لايمكن معرفة عواقبه.

 

     في وسط هذا التوتر السياسي كان هناك تحرّك حثيث من قبل التيّارات الإسلاميّة وعلى رأسها السلفيّة للعمل في مجال الدعوة وتنشيط المؤسسات الدينية. ووجد هؤلاء دعما سخيّا من قبل الحكومات وبعض الأمراء ورجال الأعمال والجمعيّات الخيريّة...

 

     لم تكن الفضائيّات قد ظهرت بعد. كانت بعض الصحف تعمل بغرض الفضيحة والرواج للصحيفة على نشر أخبار وفضائح بعض الأمراء أو الأثرياء من العرب وعلاقاتهم ببعض الفنّانات. فلان الأمير تزوّج من الفنانة الفلانية زواجا عرفيّا لمدة شهر ثم طلّقها مقابل مبلغ طائل من المال، وفلان الثري يقيم علاقة غير شرعية مع الممثلة ... وهكذا. ثم دخل على الخط بعض المشايخ والوعّاض وربما علماء دين من باب النصيحة والإرشاد. فارتفعت حمّى التديّن واعتزال الفن وارتداء الحجاب.

 

    وظهرت الفضائيّات. وبدأنا نشهد نمط جديد من وسائل وطرق الدعوة الى الله. شبابا وشيوخا، فنّانين وفنّانات. وذُكر- والله العالم- أنهم كانوا يحصلون على دعم مادي كبير من قبل جهات عديدة، ومن شخصيّات ثريّة في الوطن العربي.

 

     ومنذ أعوام قليلة أخذت هذه الظاهرة في الإنحسار تدريجيّا، ظاهرة اعتزال الفن، أو تذبذب أصحابها بين التوبة والأوبة، ارتداء الحجاب ثمّ خلعه، ترك الفنّ والعودة إليه ثانية. لاسيّما هذا العام.

 

    ولا أعلم هل تخلّت الجهات التي كانت ترعى هؤلاء ماديّا، وتوفّر لهم الملاذ الآمن في الفضائيّات؟! بعد انحسار الموجة، والعمل التضامني في التصدّي للتطرف الديني ومكافحة الإرهاب!

 

     بعض هؤلاء الفنّانين من حلق لحيته، ومنهم من تركها، محتفظا بها وبلباسه الديني في التمثيل! وبعض الفنّانات عادت للساحة الفنية بحجابها، لتلعب أدوارا تراها مناسبة لسنّها لا تخدش الحياء ولا تخرج على ثوابت الدين. والتي لم يترهّل جسدها، ولم تظهر على وجهها التجاعيد والغضون بعد، تركت الحجاب  للضرورة الفنّية!

 

     هؤلاء الفنّانون والفنّانات في مشكلة فعلا، فالجهات التي كانت ترعاهم بغض النظر عن الغاية أو الهدف من ذلك، قد انسحبت وتخلّت عنهم. والمشايخ والدعاة الذين كانوا وراء اعتزال كثير من هؤلاء، قد مضى الى ربّه، والتحق من تبقّى منهم في صفوف الداعين الى الإعتدال في الدين، ونبذ التطرف والتعصّب! وبعض من هؤلاء كانوا أشدّ الناس تعصّبا وتطرّفا، ومن عباءتهم خرج جيل هو اليوم من ألدّ أعدائهم.

 

     قد نعذر من عاد الى كاره القديم لضرورة العيش، ولكن ما مصير الشباب المسلم الذي تعلّق بهم ورأى الدين من خلال كلامهم وماهم عليه من شهرة وكارزمة وقوة تأثير في عقول الناشئة. ما هو ردّ الفعل عند أصحاب التديّن من خلال الفضائيّات وهم يُقبلون على الدين بحماسة الشباب وقدوتهم هؤلاء، يحدثونهم عن قصص القرآن وأحاديث الرسول الكريم وعاقبة من آمن واتقى ونهى النفس عن الهوى، والشهقات والدموع الساخنة، والصدق الذي ما فوقه صدق من الإيمان والخشوع والتوبة والعودة الى الله وطلاق الدنيا طلاقا لا رجعة فيه.

 

صلىّ وصام لأمر كان يطلبه           لماّ انقضى الأمر لا صلىّ ولا صاما

                                                                                                                                                                                                  

 

                                                                                                                                                                                    
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                              
*صادق السعدي
29 - أغسطس - 2010
الأخلاق وفلسفة التديّن 2    ( من قبل 2 أعضاء )    قيّم
 
  
ما أجمل الدين والدنيا إذا اجتمعا
 
 
    هي علاقة غير مقدسة تلك التي يعقدها رجال الدين مع الانظمة الحاكمة في كل زمان ومكان. الحاكم المستبد يلجأ الى رجل الدين لأنه بحاجة الى إضفاء الشرعيّة على حكمه، ورجل الدين يحتاج الى الحاكم أيضا عندما يتحول الدين الى فرق وطوائف متناحرة يحاول كل فريق منهم أن يستعين بالسلطة السياسية القائمة لضرب خصومه أو إضعافهم أو القضاء عليهم. وهو لايرى وربما لا يشعر بأنّه يخالف في ذلك ما أمر به الشرع. مادام في عرفه يحارب البدع ويتصدّى لأهل الأهواء والفرق الضالة كما يراهم هو. وقد يضطر رجل الدين غير المتضامن أو المشتغل في القضاء أو الفتوى أو أعمال حكومية الى السكوت تجنبا لغضب الدولة وصولة السلطان ومعرته. وهذا يكفي لولاة الأمر لأن السكوت علامة الرضى والقبول وهو يُفسّر في كل الأحوال لصالحهم. الى جانب من يمدّهم بالفتوى السلطانية. فيكون الحاكم ظلّ الله على الأرض وخليفته، ولو ضرب ظهور الخلق بالسياط، واستبدّ بالحكم، وأذاق العباد ألوان العذاب والظلم والهوان. ولو كان فاسقا، مستهترا ما دام يصلّي ويصوم، فخلافته معصومة وحكمه نافذ. فحاكم ظالم خير من فتنة عمياء.
 
     ومنذ أن دبّ الخلاف بين الفرق الإسلامية العديدة، أصبح الجدل والخصومة واللجاج في العقيدة هو السمة الأكثر ظهورا في المجتمع الإسلامي نتيجة اختلاطه بالأمم الأخرى، واطلاعه على علومها وعقائدها وتحوّلت مساجد المسلمين الى مكان يجتمع فيه المسلمون للجدل والنقاش والكلام عن كتاب الله، وتفسيره وتأويله والحديث عن الذات والصفات، والعرش وحقيقة الإستواء والصفات الموهمة للتجسيم والتشبيه وغيرها بمناهج لم يعرفها المسلمون الأوائل من قبل.
 
    واتسع ميدان الخلاف الى الخوض في الشأن السياسي وما اختلف فيه الصحابة وما وقع بين بعضهم من شجار أو أفضى الى نزاع وحروب. فكان الحديث عن الخلافة، وتقدم هذا الصحابي أوتأخره عن غيره في الفضل والصحبة، والنزاع والحرب التي وقعت بين الإمام علي ومعاوية وما أفرزته من ظهور مصطلح أهل السنة والجماعة بعد صلح الحسن مع معاوية، مقابل ظهور فرق أخرى كالشيعة والخوارج والمعتزلة والزيدية...
 
     وتفرع الخلاف في العقائد والكلام وتشعبت أوديته على خلفيّة الخوض في كتاب الله والنزاع في مسألة خلق القرآن، والقضاء والقدر، ومرتكب الكبيرة وحكمه. واختلط الغرض السياسي في ما هو من جوهر الدين وصلب العقيدة. فتسيّس الدين، وتديّنت السياسة. فلم يتورّع رجل الدين من التحالف مع الحاكم لضرب خصومه ومخالفيه في العقيدة. كما استغلّ الحاكم رجل الدين واشترى صوته ورأيه وفتواه مرّة بالرضى والإغراء، ومرة بالإكراه والتخويف والإبتزاز.
 
    فالمعتزلة مثلا علا كعبهم وصارلهم نفوذ وسلطة في ظلّ الخليفة المأمون، ومن بعده المعتصم، وقويث شوكتهم، ومضوا يغذّيهم الغرور والتعصب العقدي الى ملاحقة مخالفيهم واضطهادهم بمعونة السلطة الحاكمة. وتعرّض كبار العلماء الى صنوف المحنة والبلاء والسجن والتعذيب الجسدي والإهانة والتحقير. فنبذهم الكثير من العامة واستنكروا فعلهم. فخسربذلك المعتزلة ما قاموا به من جهد عظيم في التصدي لحملات التشكيك في الدين، والهجوم على ثوابت العقيدة من بعض الفرق الأسلاميّة أو من اليهود والنصارى.
 
    وتولّى المتوكّل خلافة المسلمين فأدار ظهره للمعتزلة، ونصر خصومهم وقرّب العلماء والفقهاء منهم. حتى قيل عنه: محي السنة ومميت البدعة. وانقلب الأمر وتغيّرت الحال، وأصاب المعتزلة من المحنة والبلاء والشدّة الكثير على أيدي خصوم بالأمس. و لم يكن المتوكّل على شيء من التقوى والورع، بل كان مقتله في ليلة حمراء للطرب والغناء ومعاقرة الخمر. وقد وصف أحد الشعراء ذلك بقوله:
 
هكذا فلتكن منايا الكــرام         بين ناي ومزهر ومـدام
بين كأسين أروتاه جميعا        كأس لذّاته وكأس الحمام
 
     وعندما يتماهى الدين مع السياسة، تسقط الفروق الجوهريّة بين ماهو ديني وما هو سياسي، بين كلام الله وكلام الفقيه أورجل الدين. ولمّا لم يكن بالإمكان التلاعب بالفاظ النص المكتوب المجمع عليه بين الفرق الإسلاميّة على اختلافها، يجد الجميع في الإجتهاد والتفسير والتأويل بابا واسعا للدخول إليه بأفكارهم وأهوائهم ونوازعهم.
 
     من هنا نشهد بداية التنازع على ملكيّة النص. كل فرقة من الفرق تزعم لنفسها حق الكلام والتمثيل الرسمي لعقيدة الإسلام، ومن يخالفها فهو على ضلالة.
 
     ولما كان كلّ طرف لديه من الأدلة والبراهين والإستشهاد بنصوص الكتاب والسنة، تصبح هذه الأدلة ومادتها من النصوص متكافئة الى حدّ بعيد، وترجيح هذا الدليل على ذاك في أجواء من التعصّب والهوى يكون بلا معني وغير ملزم لأي من الأطراف المتنازعة.
 
      فلا بدّ وقتها من وجود طرف يمتلك من القوةّ والسلطة القاهرة كي ينهي التنازع القائم، ويقضي على الخلاف لصالح هذا الطرف أو ذاك. ولا شكّ أنّ هذا الطرف هو سلطة الدولة، فهي وحدها القادرة على القيام بمثل هذا الدور الحاسم للنزاع. وهذا هو حال كلّ الدول الدينية عبر التاريخ. وبقدر ما تأخذ السياسة من الدين، يأخذ الدين من السياسة، فيداهن الحاكم العالم والفقيه طمعا في شرعيّة حكمه وتصرفه في شؤون الدولة وأمور العامة. ونرى رجل الدين في مقابل ذلك لا يبخل على الخليفة أو السلطان في الفتوى التي تمنحه تلك الشرعية في ولاية الأمة.
 
     ومن الإنصاف القول أن التاريخ قد شهد لكثير من العلماء والفقهاء مواقف مشرفة في التصدي لإنحراف الحاكم واستبداده وظلمه. لكن هؤلاء قد طوى ذكرهم التاريخ واندثرت مذاهبهم في مجال الفقه والعقيدة. لأنهم لم يجدوا دولة تعيد لهم الإعتبار وتنصرهم  على من خالفهم وقد تجعل من مذهبهم بعد ذلك مذهبا رسميّا للدولة.
 
     يقول محمد أبو زهرة في كتابه تاريخ المذاهب الإسلاميّة أن المذهب الحنفي كان مذهب الدولة العباسيّة الرسمي، فمكث بهذا أكثر من خمسمائة سنة يطبق في نواحي البلاد الإسلامية، وذلك لأن الرشيد عين أبا يوسف قاضيا لبغداد، وما كان القضاة يعيّنون إلا باقتراحه في كل الاقاليم، فكان لايعيّن إلا من يعتنق المذهب العراقي، وبذلك عمّ وشاع.... وكان يخفّ كلما خفّ سلطانها... ونازع المذهب الشافعي والماكي في مصر بسلطانه الرسمي، ولم يكن له سلطان شعبي، حتى جاءت الدولة الفاطميّة فأزالت ذلك السلطان، وأحلّت المذهب الشيعي الإمامي، حتى أذا حلّ محلهم الإيوبيّون قووا نفوذ المذهب الشافعي، حتى إذا جاء نور الدين الشهيد، فأراد نشر المذهب الحنفي في الشعب، وأنشأ له المدارس، ولما جاءت دولة المماليك جعلت القضاء بالمذاهب الأربعة، حتى آل الأمر الى محمد علي، فأعاد الى المذهب الحنفي صفته الرسميّة منفردا. ص 381 –382
 
     وفي موضع آخر من كتابه يقول أيضا: وفي بلاد تونس انتشر المذهب المالكي، ولكن غلب عليه المذهب الحنفي مدة سلطان أسد بن فرات الذي كان مالكيّا ثم تحوّل حنفيّا إذ درس على الإمام محمد بن الحسن كتب الفقه العراقي، ثم جاء المعز بن باديس فحمل أهل تونس وما والاها من بلاد المغرب على مذهب مالك، ولا تزال هذه البلاد تتعبد على مقتضى المذهب المالكي. ثم ينقل كلام ابن حزم حيث يقول: مذهبان انتشرا في بدء أمرهم بالرياسة والسلطان: الحنفي بالمشرق، والمالكي بالأندلس. ص 423
 
 
 
*صادق السعدي
2 - سبتمبر - 2010
الأخلاق وفلسفة التديّن 3    كن أول من يقيّم
 
 
حليب السباع
 
 
 
     كانت للأخطل منزلة كبيرة عند عبد الملك بن مروان، يقدمه على سائر الشعراء، ويخصّه بالجوائز السنيّة، ويدعوه شاعرالخليفة. وفي كتب الأدب أنّه كان  يدخل عليه وهوسكران، والخمرة تقطر من لحيته والصليب يتدلّى على صدره. فقال له عبد الملك  يوما: لم لا تسلم؟
فقال: فكيف بالخمر؟
قال: ماتصنع بها؟ إنّ أولها لمرّ وإنّ آخرها لسكر
فقال الأخطل: إن بين هاتين يا أمير المؤمنين، لمنزلة ما ملكك فيها إلا كعُلْقة من ماء الفرات بالاصبع. ثم أنشد:
 
إذا صاحبي ما علّني ثمّ علّنـي            ثلاث زجاجات لهنّ هدير
خرجتُ أجرّ الذيل تيها كأنني           عليك أمير المؤمنين أميــر
 
    وكما كان لفقه أبي حنيفة انتشار واسع في العراق، كان له أيضا جانب اجتماعي ونفسي يظهر من خلال مفهوم العراقيين للخمر. فالخمرة  في عرفهم ماتركت صاحبها مسطولا أو كما يقولون بالعاميّة:(مطي) والمطي هو الحمار. والخمرة عندهم هي العرق وهو ما كان أثره في الإسكار شديد. مقابل النبيذ أو ما يسمّونه بالبيرة غالبا. فالنبيذ ليس هوالخمرة التي بمعنى العرق وإن كانوا يقولون بحرمته. وللعرق مغزى اجتماعي ودلالة نفسيّة يمكن ملاحظتها من خلال إطلاق عامة الناس على العرق أو الخمرة المرُكّزة:( حليب السباع) لما تفعله في عقل شاربها من النشوة والإندفاع والجرأة على الفعل مهما عظم خطره، ومهما كانت نتائجه والعواقب المترتّبة عليه. فقد كان الرجل إذا تخاصم مع آخر، ثم ذهب الى بيته فشرب مقدارا من الخمر، تذكّر الخصومة، ولزّته كرامته، واندفع بلا شعور منه الى البحث عن خصمه والسؤال عنه. وغالبا ما يتناول أقرب سلاح يقع بين يديه يستعرضه في الشوارع أو الأزقة نفخا في رجولته المجروحة التي لا يداويها غير الدم والنيل من غريمه. وقد قال حسّان في الجاهليّة:
 
ونشربها فتتركنا ملوكا          وأسدا ما ينهنها اللقاء
 
      وأنفقت الولايات المتحدة في ثلاثينات القرن الماضي عشرات الملايين بما لها من قيمة في ذلك الوقت في الدعاية لبيان أضرار الخمر على الصحة البدنية والنفسية، وما لها من آثار أجتماعية واقتصادية سيئة على الفرد والأسرة والدولة. ولم تفلح تلك الجهود، وباءت جميعها بالفشل. وازدهرت بدل ذلك صناعة الخمور وزاد الإقبال عليها.
 
     وليس من المغالاة في القول أنّ قلة من الناس من لم تغوهم الخمرة في مراهقة أوشباب، وقد يعافها البعض منهم بعد ذلك. وكثيرمن هؤلاء يصلّون ولكنّهم يجمعون بين الصلاة وشرب الخمر. فإذا جاء رمضان جعلوه خالصا لله وانقطعوا عنها طيلة الشهر الفضيل. فالخمرة رمز للفحولة عندهم، وعنوان للأريحية وانبساط النفس وهروب من هموم الحياة ومشاكلها.عرفها البدويّ كما عرفها الحضريّ ولم يكن يخلوا منها بيت من بيوت العرب في الجاهلية، وظلّت بعض بيوتهم عامرة بالدنان حتى بعد مجيء الإسلام. وقد قالوا فيها من الشعر ما لم يقولوا في جمال المرأة ومفاتنها.
 
     ومن غريب ما قرأتُ أن المسلمين شربوا الخمرة في معركة بدرليرفع ذلك من معنوياتهم ويزيدهم جرأة وإقداما على الحرب، فلا يهابون عدوهم الذي كان يتفوّق عليهم في العدة والعدد.
 
     وهكذا يكونون شهداء بدر وهم أكرم الشهداء عند الله، قد سقطوا في ساحة الجهاد مخمورين!
 
     وقال البعض بلا تحرّج- من وحي هذه الروايات وأمثالها- أن الإسلام لم يحرّم الخمر، بل أمر باجتنابها! فليس في نصوص القرآن ذكر لحدّ الخمر، ولا في السنة الصحيحة المتواترة حكم، وانما هي أخبار آحاد! واجتهاد الفقهاد. وقد اختلفوا في حكم الخمر هل هو المسكر من العنب فقط أم هو كل ماخامر العقل سواء كان من العنب أو التمر أو الشعير. فأصبح اختلافهم موضوعا لتندر الشعراء وخلاعتهم .
 
فقال ابن الرومي في ذلك:
 
أحلّ العراقيّ النبيـــذ وشربـــه           وقال الحرامان المدامة والسكر
وقال الحجازيّ الشرابان واحد           فحلّت لنا بين اختلافهما الخمـر
 
    وعقوبة شارب الخمريجتهد في تقديرها الحاكم الشرعي. وقد اختلف الصحابة في ذلك  فمنهم من جعل الحدّ أربعينا سوطا، واستشار عمر الناس فاشار عليه عبد الرحمن بن عوف باخفّ الحدود وهي الثمانين فأخذ عمر برأيه. فلماذا لا نجتهد كما اجتهدوا، ونقيس كما قاسوا، ونستفيد أحكاما جديدة. فهم رجال ونحن رجال!
 
     وقد شرب المسلمون الخمر في عهد الصحابة وبعد عهدهم، و سعيد بن المسيب وهو من فضلاء التابعين كان ينكر حدّ الخمر ويقول في شاربه: من يستطيع أن يغطّيه بردائه فليفعل! وكانت موائد بعض الخلفاء والوزراء والقواد وغيرهم عامرة بكؤسها المترعة. هذه كلها أدلة نفهم منها أن الشرع يأمرنا باجتنابها تنزيها وارشادا لما فيها من ضررلا بتحريمها. كما ينصح الطبيب المريض باجتناب بعض الأطعمة والأشربة على سبيل الوقاية والإحتراز.
 
   وإذا كانت هذه الطامة من الروايات والأخبار وكلام من يحلو له الكلام على الورق، فالطامة على أرض الواقع أدهى وأمر. 
 
ونسأل الله العافية.
 
*صادق السعدي
8 - سبتمبر - 2010
الأخلاق وفلسفة التديّن 4    كن أول من يقيّم
 
 
الأم مدرسة ( مهداة الى ضياء )
 
 
    وجّه كنت نقدا لاذعا للعقيدة المسيحية ورجال الكنيسة الذين أفرغوا الدين كما رأى من محتواه الأخلاقي والعملي الى مجرد طقوس وعبادات شكلية مجرّدة من أي معنى روحي أودور إيجابي في إصلاح الفرد وقيادة المجتمع. كما شنّ حملة شعواء على رجال الدين بوصفهم أدواة الطغيان لكل حكومة فاسدة، ونظام سياسي مستبد. وما شفع له أن لا يكون عرضة لنقمة الدولة وأذى الكنيسة هو كبر سنّه، وتعبيره الفلسفي الذي يصعب فهمه إلا لقلة لا يُخشى منها ضرر. وأنه كما ذكر عبد الرحمن بدوي في كتابه عن شبنهور:( قد وجِد في ظرف لم يتحقق إلا نادرا جدا في التاريخ، وهو أن الذي حماه كان فيلسوفا، إذ كان على العرش آنذاك فردريك الأكبر، ولولا هذا لما استطاع كنت أن يخرج كتابا مثل( نقد العقل المجرد). وأصدق شاهد على هذا أنّه لم يكد هذا الملك الفيلسوف يموت، حتى شعر كنت بحرج مركزه، ووقع في خصومة عنيفة مع الحكومة البروسية. ولما لم يكن متأهبا لهذا النضال وغير مستعد للإستمرارفيه، نظرا لتقدم سنّه، فقد اضطرّ الى المهادنة والتسليم. فساوم، ولكن على حساب مذهبه. فأخرج للناس طبعة ثانية ( لنقد العقل المجرد) شوه فيها مذهبه الأصلي وقصّ من أجنحته فجاء متناقضا مع فكره الحقيقي). ص 12 – 13.
 
     لقد  شدّد كنت على الوازع الخلقي وفكرة الواجب لا الشكل الظاهري في ممارسة الطقوس والعبادات الدينية. والواجب هو فعل مطلوب  لذاته بقطع النظر عن الفائدة أو حتى الضرر الذي يترتب عليه، كونه ضرورة أخلاقيّة قبل كل شيء.
 
    ومع خطورة فلسفة كنت في الأخلاق والتي تعد الأهم والأشهر في تاريخ الفكر الفلسفي، ولها قيمتها الإنسانية في مجال الفلسفة والدين والسياسة، إلا انها كانت فلسفة حالمة وميتافيزيقيا بعيدة عن منطق الواقع العملي. فالأخلاق التي أراد كنت أن يقيم فلسفته على قاعدتها مفاهيم عامة، وصفات مطلقة، وإحساس باطني يقوم على فكرة الواجب، مجردة عن العواطف والأغراض وغايات الأشخاص، مفعمة بروح صوفية لكن بصياغة فلسفية محكمة قد لا تخلو من الغموض وصعوبة الفهم.
 
    ومحاولة كنت وضع نظرية في الاخلاق وفلسفة التديّن كانت على حساب عقيدته الكنسيّة التي نشّأ عليها، ونقده لرجال الكنيسة والطقوس الدينية التي عرفها في صغره فنفر منها نفورا شديدا ظهر جليّا بعد ذلك في تصوّراته الفلسفية للقضايا المتصلة بالدين عموما. والنظر إليه على أنّه مسلك خلقي، وعبادة روحية جوهرها التقوى والعمل بما هو واجب من الناحية الأخلاقية. وما سوى ذلك من ممارسات شكلية للدين هي مجرد عبادة زائفة.
 
    وهذا التصوّر الأخلاقي للدين عند كنت، أشبه بمسلك المتصوّفة و ذوقهم العرفاني لاسيما عند الغزالي ومفهومه لجوهر الدين، وشكّه في قدرة العقل للوصول الى المعرفة اليقينية بالله. فقد اتجه الغزالي للتصوّف بعد تجربة نفسية مريرة ألمت به، سقط على اثرها طريح الفراش وأسير القلق والشك. وطوّحت بيقينه الظنون وهواجس الشيطان، حتى أشرف على الهلاك، فأصبح كما قال: على مذهب السفسطة بحكم الحال لا بحكم المنطق والمقال. فانقطع عن الناس، واعتزل التدريس، وانعقد لسانه إلا من ذكر الله وسؤاله بأن يدركه برحمة منه، وأن يهديه الى طريق الحق ومعرفة الصواب، فانقدح في قلبه نور اليقين وأدرك أن ما هو عليه باطل وزيف. وأن كل ما كان يقوم به من عمل لم يكن لله بل كان حبا للجاه والسمعة وطلب حطام الدنيا. لكن ما هو السبيل الى معرفة الحق؟
*صادق السعدي
23 - سبتمبر - 2010
 1  2  3