البحث في المجالس موضوعات تعليقات في
البحث المتقدم البحث في لسان العرب إرشادات البحث

مجلس : الأدب العربي

 موضوع النقاش : ظاهرة الروايات المخطوطية فى الادب العربى الحديث    كن أول من يقيّم
 عمرو 
27 - يونيو - 2010
ظاهرة الروايات المخطوطية فى الأدب المعاصر
بين الشفاهية والكتابية؟!
عمرو على بركات
إن المتلقى القارئ الذى لا ينتمى لاى شكل من أشكال النقد الادبى بات يمثل توجه لا يستهان به فى مجال التذوق الادبى فتخطى بذلك أشكال النقد المستقرة للأدب، فهذا القارئ ابن ثقافته المعاصرة، تلك الثقافة التى تطورت بعد الثقافة الكتابية، والتى تُعرف بالثقافة الشفاهية الثانية، هى ثقافة الميديا، التى خرجت من رحم الثقافة الكتابية نتيجة عصر ثورة الاتصالات، وغلبة الوسائط السمعبصرية، بات هذا القارئ الشفاهى الثانى المستنسخ من جده الكتابى الأول يفرض نفسه ليس فقط على أساليب النقد الأدبية الكلاسيكية، والتى كان يمثل ذلك نشوزاً عليها، وإنما بات يفرض رغباته وميوله على المبدعين، بل ويسعون لتلبية طلباته فاعترفوا بقيمته قبل النقاد، ومدى أهمية دوره فى العملية الإبداعية، على نحو تحكم فى شكل أعمالهم الإبداعية بصورة ملفته، ويتمثل ذلك فى ظاهرة أدبية معاصرة، وهى ظاهرة ادعاء بعض الروائيين بعثورهم على مخطوطات قديمة، قاموا بإعادة قراءتها، وتحقيقها ونشر محتوها فيما يكتبونه من روايات، وأشعار. 
روايات مخطوطية؟
افتتح بعض الروائيين فى مصر، والعالم العربى، وأوربا رواياتهم باستهلالها بعثورهم على مخطوطة قديمة لمؤلف قد يكون مجهولاً عند احدهم، أو معلوماً عند الآخر، تنامى هذا العثور على مخطوطات إلى الحد الذى جعل منه ظاهرة أدبية، تكشف تحولاً فى عالم الرواية، والشعر، أو تحولاً فى العملية الإبداعية الأدبية عموماً، ويمكن رصد هذه الظاهرة عبر تاريخ العثور على المخطوطات الروائية التالية حسب ترتيبها الزمنى:1 - رواية"اسم الوردة" للأديب الايطالى "امبيرتو إيكو"(1932م) والتى صدرت فى العام 1980م، حيث يفتتحها بفصل عنوانه"مخطوط بطبيعة الحال" يحكى فيه قصة المخطوطة التى سلمها له الأب"فالى" وهى صادرة منذ القرن الرابع عشر.2- رواية"من أوراق أبى الطيب المتنبى" للأديب المصرى"محمد جبريل"(1938م)والتى صدرت فى العام 1984م، والتى يبدأها بالروايات التى شاعت عن الأماكن التى ترك فيها "المتنبى" أوراقه التى عثر عليها.3- رواية"عزازيل" للأديب المصرى د."يوسف زيدان"(1958م) والتى صدرت فى العام 2009م، والتى يقوم المؤلف فيها بدور المترجم لمخطوطات عثر عليها باللغة السُيرانية لسيرة حياة الراهب"هيبا".4- رواية"دير العاقول" لشاعر الدوحة"محمد السويدى"(1959م)والتى صدرت هذه السنة 2010م، ويفتتحها على اعتبار أنها مخطوطة عثر عليها أحدهم فى مكتبة مهجورة فى زاوية من مسجد قديم فى المنطقة التى تحمل نفس الاسم، والتى لقىّ فيها"المتنبى" مصرعه.5- ديوان"الفلاح الفصيح" للشاعر المصرى"بهاء جاهين"(1958م) والذى صدر هذه السنة 2010م، وفيها تترجم الشاعر مخطوطة فرعونية إلى اللغة العامية،6- "مذكرات فتوة تأليف المعلم يوسف أبو الحجاج" نشر وتحقيق"صلاح عيسى" والتى تنشر تباعاً فى "جريدة القاهرة"2010م .
فهى مناهل أدبية مختلفة المشارب ربما اختلفت فيما بينها تبعاً لثقافة مبدعيها، وبين كونها روايات وأشعار، إلا أن الخيط الرفيع الذى يربط بينها جميعاً أنها تدعى أمام القارئ أن مصدرها مخطوطات نادرة مجهولة تم عثور هؤلاء المبدعين عليها فى ظروف يلفها الغموض، فما كان من القارئ هو الآخر إلا وان أعلن انه لن يقرأ هذه النصوص عبر اى مدرسة نقدية مستقرة، ولا حتى عبر الدراسات الأدبية المقارنة، فقد أعلن انه قارئ نموذجى وقبل خدعة أدبائه، ومن ثم سيدور عليهم بدوائر الخداع، وسيلتزم حيال هذه النصوص بالوقوف على عتبة الاستقبال الحر التى تمناها المبدعون.
سر المخطوطات؟
لماذا يلجأ الأدباء فى العصر الحديث للادعاء بعثورهم على مخطوطات لتكون مفتاح السرد الروائى عندهم؟ هذا السؤال يعيد القارئ النموذجى صياغته عبر منظور آخر هو منظور ذلك التنوع الثقافى التاريخى المتحول من الشفاهية إلى الكتابية، ومن الكتابية إلى الشفاهية العائدة مرة أخرى فى عصر الميديا كما يقول"والتر. ج. أونج" فى كتابه"الشفاهية والكتابية" ترجمة د."حسن البنا عز الدين" سلسلة عالم المعرفة الكويتية 1990م، ليصبح السؤال ما هى المبررات التى من اجلها دفعت كتاب العصر الكتابى لان يتمسحوا بآليات الثقافة الشفاهية فى إبداعاتهم المعاصرة، باقران إبداعاتهم بالمخطوطات والتى تُعد لحظات التماس بين الثقافة الشفاهية والكتابية؟ أو لماذا يميل المبدعون المعاصرون للوقوف على أعتاب العصر الشفاهى فى مرحلة ما قبل التحول إلى الكتابية فى إبداعاتهم اليوم على عكس ما تمليه ثقافة عصرهم؟ هذه القضية تعكس تاريخ السرد القصصى نفسه كما عرضها"شولز وكيلوج" ونقلها عنه "أونج" حيث يرى أن هناك اختلاف بارز ومتميز بين القصص التى تروى فى خلفية ثقافية شفاهية، وتلك التى تؤلف ضمن خلفية كتابية، هذا الاختلاف جعل الإبداع الروائى الحديث يجد نفسه بالعودة إلى جذوره الشفاهية، وكانت هذه العودة مبررة بالعثور على مخطوطة قديمة، تلك المخطوطة المعثور عليها ادعاءاً تعنى أن الرواية ستكون منتمية للثقافة الشفاهية بيد انه كتبت فى عصر متأخر عن زمن إبداعها.
الحبكة القصصية! 
لقد تمسح أدباؤنا الذين عثروا على مخطوطات فى الأدب الشفاهى حيث تسعفهم آليات التذكر الشفاهية فى التحلل من قواعد السرد التصاعدى للقص من البداية إلى الوسط، والنهاية، فالقص الشفاهى يسرع من فعل القص بدفع السامع إلى وسط الأحداث مباشرة، فيغفل القاص الشفاهى التعاقب الزمنى، كما فعل"هوميروس"، فهو يورد موقف ما ولا يشرح كيف تكون هذا الموقف إلا بعد أن يكون قد تجاوزه، وهذا ما فعله الشاعر"محمد السويدى" فى رواية"دير العاقول" حيث افتتحها بخروج البطل"المتنبى" من جوار "سيف الدولة"، مباشرة ودون تمهيد، ثم راح يبرر القرب، ثم البعد عنه فيما بعد، وكذلك فعل"محمد جبريل" من قبله والذى بطلهما واحد هو"المتنبى" فقد افتتح "جبريل روايته"من أوراق أبى الطيب المتنبى" بلحظة تالية لتلك اللحظة التى افتتح بها"السويدى" روايته فى حياة "المتنبى" وهى لحظة دخوله إلى مصر تاركاً"سيف الدولة" دون ذكر لمبررات سفره إلى مصر، وإنما كشف عن تلك الأسباب فى السياق اللاحق، وكذلك فعل"إيكو" فى مخطوطه التى عثر عليها فبدا أيام سرده السبعة من حيث قمة الفوضى والاضطرابات فى المدينة البابوية، وكذلك فعل"يوسف زيدان" حيث ألقى بالقارئ فى خضم لحظة ضياع البطل"هيبا" وهو يطلب الغفران، وينظر إلى صفحات مخطوطته وهى لاتزل بيضاء، غريباً مبعداً عن وطنه، وحتى الشاعر"بهاء جاهين" لم يمهل قارئ نثره المقفى وعاجله بالشكوى رقم واحد للفلاح الفصيح، أما"صلاح عيسى" فألقى بنا مباشرة فى أول خناقات فتوته ونحن نتعرف عليه، فجميع كتابنا الذين عثروا على مخطوطات استهلوا رواياتهم كما لو كانوا قادمين من الزمن الشفاهى، فبدءوها من حيث ينتهى أقرانهم الكتاب الكتابيون الخلّص من لحظة التنوير،أو من حيث قمة الحبكة الدرامية، ليتحول القارئ بين أيديهم من قارئ إلى مستمع، ويتحولون هم بدورهم من كتاب إلى رواه، فيمكن قول أنهم بسبب ادعائهم حصولهم على مخطوطات قد سمحوا لأنفسهم أن يقدموا ما يؤخره الكتابيون، والكتابيون يؤخرون ما يقدمه الشفاهيون، فكان على النقاد أن يمتنعون.
ما يطلبه القراء؟
عندما تملكت رغبة التحلل من السرد التصاعدى للأحداث من كتابنا، وجدوا أنفسهم لا شعورياً يعثرون على مخطوطات مجهولة، توهموا، وأوهموا قرائهم أنهم لها محققين، وهذا السعى نحو التحول فى أسس السرد المستقرة كان مصدره رغبات القراء الشفاهيين فى عصر الميديا، فهذا ما جعل أدبائنا الروائيين بما فيهم"إيكو" الذى تحدى ناشره فى قدرته على إبداع رواية بوليسية، يسعون لمخاطبة مثقف شفاهى لعصر ما بعد الثقافة الكتابية، فقاموا بالتمسح بالمخطوطات من اجل استدعاء صيغ سرد شفاهية تلبية لما يطلبه القراء الشفاهيون فى عصر الكتابة من رغبتهم فى سرعة بلوغ ذروة الأحداث، كما كان يفعل أجدادهم الشفاهيون الخلّص وهم يستمعون للرواة، فالمخطوطات ما هى إلا مبررات أملاها عليهم اقتصاد سوق النشر الطباعى، أكثر ما أملتها الرغبة فى إبداع أشكال روائية جديدة، مستخدمين آليات التذكر الشفاهية القديمة والتى باتت نفس آليات التذكر للقراء المعاصرين، ليتحول فعل الكتابة عندهم إلى فعل مكمل للصوت وليس فعلاً إبداعياً أصيلاً، ولتذهب دعاوى الفيلسوف الفرنسى، الجزائرى المولد"جاك دريدا"(1930ـ2004م) إلى الجحيم، والتى يدافع فيها عن أصالة فعل الكتابة، فى مؤلفه المطول"علم الكتابة".
كتاب أم رواه؟
بهذه الروايات المخطوطية يتحول أدباؤنا من كتاب إلى رواة، فالكاتب يغيب عنه التفاعل المباشر مع المتلقى، أو هو تفاعل حاضراً لديه بدرجة أقل من حضورها مع زميله الراوى الشفاهى، فالكاتب الخالص وهو الذى يخاطب قارئاً كتابياً مثله يأتى إبداعه بتفاعله هو ذاتياً أولاً مع من سبقه من المبدعين الكتاب بمعزل عن المتلقى، بينما المبدع الشفاهى يأتى إبداعه فى المقام الأول نتيجة حضوره مع متلقيه، مما يجعل هذا التفاعل معتمداً فى مقامه الأول على الصيغ القوالبية، المصبوب فيها فراغات السرد، وتلك القوالب منتشرة فى روايات المخطوطات التى بين أيدينا، ف"إيكو" جعل قوالبه سبعة أيام الأسبوع، و"السويدى" جعل قوالبه الأماكن التى مشى إليها"المتنبى"، ومن قبله جعل"جبريل" نفس الأماكن قالبه السردى، و"بهاء جاهين" جعل قالبه هو وحدة الشكوى التى يقدمها الفلاح الفصيح، و"زيدان" لم يستطع أن يتحرر من المخطوطات التى ادعى عثوره عليها فألقى بقوالبه على وحدة صفحاتها، إلا أنهم استخدموا تقنيات كتابية فى الإعداد لرواياتهم هذه، ف"إيكو" صرف عاماً يبحث عن أسماء الرهبان، وخرائط الدير الذى أدار فيه أحداث مخطوطته، واعترف بفعلته هذه "زيدان"، وكذلك صرح"جبريل" بأنه عمل فى روايته من خلال بطاقات، وكذلك خطط"السويدى"، بينما ترجم"بهاء" شكاوى فلاحه عن مصادرها عند"سليم حسن" فى موسوعته"مصر القديمة" إلى اللغة المصرية العامية، و"صلاح عيسى" أقنعنا بانه يحقق مخطوطة بالفعل بهوامش التحقيق، فهم أدباء خدعوا قرائهم مرة بادعائهم العثور على مخطوطات، وخدعوا أنفسهم مرة أخرى عندما استخدموا تقنيات كتابية لإنتاج أدب شفاهى مكتوب.
تناص أم سرقات أدبية؟
تثير الرويات المخطوطية قضية أخرى وهى قضية التناص، حيث أن مفهوم التناص الذى يعنينا هنا هو ذلك المفهوم الذى يفسح المجال لدور القارئ فالنصوص المستعان بها داخل هذه الروايات فتحت الباب لتأويل القارئ لها من خلال خبرته الشخصية السابقة مع تلك النصوص، وكل هذا بسبب إطلاق حرية القارئ فى التأويل، والتناص فى هذه الروايات استخدم على درجات متفاوته تتفاوت فيما بينها على اعتبار مدى حداثة التأويل الذى ينتجه النص داخل البناء السردى فى كل رواية لدى قارئها، فنجد أعلاها ذروة فى"اسم الوردة" حيث قام "إيكو" بإدراج نصوص قديمة من العهد الجديد، وكتابات"أبى بكر الرازى" لتنتج دلالات جديدة لدى القارئ تماهت إلى الحد الذى عندما واجهه قرائه بتأويلاتهم أن اقرها لهم، واعترف بأنه لم يكن يقصدها على هذا النحو، بينما قام"السويدى" بإعادة إنتاج أشعار"المتنبى" داخل سرد قصصى على نحو جعل من نفسه كمؤلف مؤولاً معتمداً لتلك الأشعار، فرغم أنها آتية من بطن التاريخ، إلا أنها تحولت لمنتج حديث، وكذلك فعل الشاعر"بهاء جاهين" حيث اكتشف أن ترجمته لشكاوى الفلاح الفصيح ما هى إلا سيرة معاصرة لحفيده اليوم، واقترب"زيدان" من أن يحول الموقف من الفلسفة القديم إلى موقف مماثل لموقف الأصولية من العلمانية المعاصر، أما "جبريل" فامتنع عن تأويل المخطوطة التى عثر عليها، وترك هذا لحرية القارئ، وكذلك امتنع"صلاح عيسى"، فهل هذه المخطوطات المعثور عليها تعلن عجز الأدباء المعاصرين عن التعبير عن الواقع بلغته؟ فلجأوا للاستعانة بإسقاطات الماضى على الحاضر تحاشياً للرقابة؟ ربما كان هذا قائماً فى أدبنا العربى إلا انه مبرر لا وجوده فى الأدب الاوربى، فقد كانت رواية"اسم الوردة" تحدياً أمام مبدعها فى مجال الشكل والمضمون، واللغة الخاصة، فان تم الاعتراف بصدق وجود مخطوطات كان التناص سرقة أدبية، وان لم يتم ذلك الاعتراف كان التناص منحة تأويلية لا يد للمؤلف فيها وإنما يعود الفضل فيها للمؤلف الأول للنص المتداخل فى السرد الروائى؟
 إذا كانت البنيوية فرضت نموذجها الصارم من اجل الوصول إلى نتائج علمية حاسمة نتج عنها إلغاء دور القارئ، فان الروايات المخطوطية تعد تحولاً فى الأداء الروائى من شأنه أن يهز عرش البنيوية، وما بعدها، ويعود بالقارئ إلى الصدارة الأولى فى عملية التواصل الأدبى، وكذلك التفكيكية التى حرصت على دور القارئ فمنحته فرصة التأويل نجده أصبح ضحية خدعة مصطنعة للمؤلف المبدع فوجب على النقاد أن يسيطروا على تأويلات القراء، ويبصرونهم بخدع مبدعيهم قبل أن يفرطوا فى التأويل، فأصبحت التفكيكية شريكاً متواطئاً مع صاحب المخطوطة المزعوم على القارئ الساذج الضحية الموهوم، والذى لم يعد شريكاً مساهماً فى عملية إنتاج النص الأدبى بمنحه تأويلات لامنتهية تزيد من عمر النص، فان كان بمجرد طباعة الرواية يعلن موت المؤلف، ويصبح النص ملكاً للقارئ، فإنه يمكن القول انه فى ظل هذه المخطوطات الروائية  قد مات النص، لحظة موت المؤلف على عكس ما تمنى المؤلفون، ونقاد الأدب بكل طوائفهم، ولا عزاء للقراء. 
تعليقاتالكاتبتاريخ النشر
لا يوجد تعليقات جدبدة