ومنذ فارقت العشرين من العمر ما حدثت نفسي باجتداء العلم من عراقي ولا شامي:
وَما أَعودُ إِلى الدُنيا وَقَد iiزَعَموا
أَنَّ الزَمانَ بِمِثلي سَوفَ يَحكيني
وارَحـمَتا لِشَبيهي في iiحَوادِثِهِ
يَنكيهِ ما كانَ في الأَيّامِ iiيَنكيني
(أبو العلاء)
وبعد:
فهذه مختارات انتقيتها من (لزوميات أبي العلاء) لما كنت في الثلاثين من عمري، واغتنمت الفرصة في الأيام الفائتة فبيضتها (بفضل الله) لتكون هدية مني إلى أصدقائي في الوراق. (ولكن قد يستغرق نشرها في هذا المجلس أياما وأسابيع، فكلما رأيت فسحة من الوقت قمت بنشر قطعة منها إن شاء الله حتى تنتهي)
وقد بدا لي أن معظم اللزوميات هي في الأصل بيتان، عاد عليهما أبو العلاء بالزيادة في وقت لاحق، ويظهر الارتجال والعجلة في معظم هذه الزيادات، ولكني لم ألتزم (البيتين) في كل ما اخترت، إذ في اللزوميات ما يتعذر فيه الاختيار كاللزومية التي حدثنا فيها عن تنصر طارق، ولزوميته في لقاء صالح ابن مرداس، كما توصلت من خلال تاريخ وقائع بعض هذه اللزوميات كأخبار صالح بن مرداس الكلابي وحسان بن مفرج الطائي وسنان بن عليان الكلابي أن أبا العلاء شرع في كتابة اللزوميات بعدما تجاوز الخمسين بقليل، أي ما بين عام 415 وعام 420هـوقد صرح بذلك في مواضع عدة من اللزوميات كقوله:
حَـيـاتِيَ بَعدَ الأَربَعينَ iiمَنِيَّةٌ
وَوُجـدانُ حِلفِ الأَربَعينَ فُقودُ
فَما لي وَقَد أَدرَكتُ خَمسَةَ أَعقُدٍ
أَبَـيني وَبَينَ الحادِثاتِ iiعُقودُ
وقوله:
وَمـا الـعَـيشُ إِلّا لُجَّةٌ iiباطِلِيَّةٌ
وَمَن بَلَغَ الخَمسينَ جاوَزَ غَمرَها
وقوله:
إِذا كُنتُ قَد جاوَزتُ خَمسينَ حِجَّةً
وَلَـم أَلـقَ خَيراً فَالمَنِيَّةُ لي سِترُ
وقوله:
لَعَمري لَقَد جاوَزتُ خَمسينَ iiحِجَّةً
وَحَسبِيَ عَشرٌ في الشَدائِدِ أَو خَمسُ
أما موضوع هذه المختارات فهي تحكي معاناة أبي العلاء في بحثه عن الحق، ورجوعه بانطباعات وذكريات أودعها كلها في ديوانه (لزوم ما لا يلزم)تعتبر أول رحلة من نوعها في تاريخ الديانات عامة، كما تعتبر أهم وأثمن تجربة عاشها مسلم في تاريخ الإسلام خاصة، وقد عبر عن ذلك أبلغ تعبير ابن الجزري (ت 1033هـ) بقوله:
قوله: مزر شرب: لا أدري ما معناها فلو كان مأخوذا من قولهم (مزّر قربته تمزيرا أي ملأها) لكان قال (مزر ماء) وحسب سياق اللزومية فإن (مزر الشرب) هن الغواني اللواتي ينادمن السكارى، والشرب بفتح الشين جمع شارب مثل ركب جمع راكب. والمزر: التلذذ بشراب النبيذ وقد ورد النهي عنه قال ابن مكرم: (والتَّمَزُّرُ: شُرْبُ الشرابِ قليلاً قليلاً، بالراء، ومثله التَّمَزُّزُ وهو أَقل من التمزر؛ وفي حديث أَبي العالية: اشْرَبِ النبيذَ ولا تُمَزِّرْ أَي اشْرَبْه لتسكين العطش كما تشرب الماء ولا تشربه للتلذذ مرة بعد أُخرى كما يصنع شارِبُ الخمر إِلى أَن يَسْكَر. قال ثعلب: مما وجدنا عن النبي، صلى الله عليه وسلم: اشْرَبُوا ولا تَمَزَّرُوا أَي لا تُدِيرُوه بينكم قليلاً قليلاً، ولكن اشربوه في طِلْقٍ واحد كما يُشْرَبُ الماء، أَو اتركوه ولا تشربوه شرْبة بعد شربة) قال أبو حيان: (والمزر نوعٌ من النبيذ. فأما قول العامة: ما أمزره - في الشتم - فليس بعربية-، وكذلك قولهم: مزّار؛ هكذا قال السيرافي)
قوله شوادن في البيت الثالث جمع شادن وهو ولد الظبي. وقوله بواد نأت عنه العيون: يعني في مكان بعيد من المدينة، حيث يضم البوادن السمينات من النساء وبوادي أي سافرات. وقوله : وكل رواد: الرواد التي لا تستقر في مكان إنما تجيء وتذهب، والرواد في آخر البيت مصدر راوده مراودة وروادا. والكوادن في البيت الذي يليه البغال، والكوادي الخادشات، ويقول في البيت الأخير: لقد اشتروا حريتهم بمالهم وتمرغوا في المخزيات كما يحلو لهم
قال المحقق (بعد الشرب أي هلك الشاربون يدعو عليهم، وأم ليلى الخمر ....والمشمش فاكهة معروفة، والمشمشة السرعة والخفة، يريدون به، يرمزون به إلى قولهم: من ينم ينبه بقبلة وهو قول مهذب لما هجي به حماد عجرد مجمجم الميم بالقلم)
قلت أنا زهير: قوله يريدون به أي بقولهم (مشمشا ثقيلا) (من ينم ينبه بقبله) لأن الميمين وأسنان الشين الأولى بينهما تعادل في الخط (من ينم) والشين الأخيرة تعادل بأسنانها (ينبه) و(ثقيلا) في الخط على صورة (بقبله) فقد أروك سبل الخنى فيما لا مدخل للخنى فيه.