أبو العلاء قائد الكتيبة الخرساء     ( من قبل 1 أعضاء ) قيّم
تحياتي لأساتذتي الفاضل، خلال بحثي على الشبكة العنكبوتية عما يخص المعري رحمه الله ، اتفق لي العثور بكتابين معاصرين عنوان الأول: " هداية الحيران في مسألة الدوران" للشيخ عبد الكريم الحميد ، ولم أجد له رابطا للتحميل ؛ ولكني عرفت بعضا من فحواه ( نفي دوران الأرض) من نقاشات طالعتها في بعض المنتديات، أما الكتاب الآخر فقد قمت بتحميله ، وهو بعنوان: " الصبح الشارق في الرد على ضلالات عبد المجيد الزنداني في كتابه توحيد الخالق"، للشيخ يحيى بن علي الحجوري، ويتضمن الكتاب نفيا قاطعا لبعض الحقائق العلمية ، ومنها دوران الأرض، فعجبت لشيخين معاصرين يجهد الواحد منهما نفسه ليؤلف في نفي دوران الأرض في زمن بات القول فيه بدوران الأرض قولا مفروغا من صحته، وتخيلت أني في حضرة أبي العلاء المعري رحمه الله، وهو يذوق الأمرين من عقول من نسبوا إليه ما نسبوا من مفتريات، منها ما يعود إلى سوء فهمهم لحكمته وفلسفته وتدينه، ومنها جهلهم بوجوب عذرهم من كان حائرا( ذكروا أن ابن دقيق العديد عد المعري في حيرة) يبحث عن الحق في برهة من برهات حياته . وتذكرت ما قرأته مما ذكره الصفدي في نكت الهميان وذكره غيره : " ودخل عليه القاضي المنازي فذكر له ما يسمعه عن الناس من الطعن عليه. فقال: ما لي وللناس وقد تركت دنياهم! فقال له القاضي: وأخراهم، فقال : يا قاضي، وأخراهم! وجعل يكررها.". ألم كان يحز في نفسه حزا مما يسمع من طعن يؤيد الطاعنين فيه قاض من القضاة ، فكيف بجهلة العوام! ولكنه لم يكن يرى فائدة في جدال من لا يفهم ؛ ولذا، فقد كان يعد نفسه ؛ وفقا لظني، من جماعة ( الكتيبة الخرساء) .. وما اصدق ما ورد في الأثر مما ينطبق على حال أبي العلاء: "... وفقيها تلعب به الجهال" . وقلت لنفسي : لقد صدق المعري في قوله: مـا لِـلأَنامِ وَجَدتُهُم مِن جَهلِهِم بِـالـدينِ أَشباهَ النَعامِ أَوِ النَعَم . وقوله: أَفادَ غَوِيٌّ غَيَّهُ عَن شُيوخِهِ فَهُم دَرَجاتٌ لِلضَلالِ وَسُلَّمُ... ولقد مضت ألف سنة على فراق المعري هذه الدنيا الفانية، والحال هي الحال ، وام دفر هي ام دفر، وسوف تظل أم دفر كما كانت زمن أبي العلاء وفي جميع الأزمان. أَخوكِ مُعَذَّبٌ يا أُمَّ دَفرٍ أَظَلَّتهُ الخُطوبُ وَأَرهَقَتهُ وَما زالَت مُعاناةُ الرَزايا عَلى الإِنسانِ حَتّى أَزهَقَتهُ سَقَتهُ زَمانَهُ مِقراً وَصاباً وَكَأسُ المَوتِ آخِرُ ما سَقَتهُ رحم الله أبا العلاء، الذي كان يدعو نفسه بأبي النزول، وغفر له ولنا. وهذه قصيدة وردت في الكتابين المذكورين أعلاه، وقد نقلها الثاني عن الأول ، وقال قبلها: " أخي في الله قد أطلنا عليك في دفع هذه العقيدة الباطلة وقد عرف بطلانَها عوام الناس فضلاً عن علمائهم فلقد ذكرت عند بعض العامة فقال: والله إنَّهم كاذبون أنا أربط حماري في هذه الشجرة فيصبح وهو لا يزال في مكانه ما قد تحول إلى جهة أخرى، ولقد رأيت قصيدة في رسالة هداية الحيران ص (111-112): وافقت الحق وكل فطرة سليمة قال صاحبها: ومن العجائب إن عجبت مقالة = الله يعلم أنها البهتان راجت لأن عقول أهل زماننا =مما يطيش بكفة الميزانِ حرموا الذكاء مع الزكاء وليتهم= عرفوا جهالتهم مع الخسران لكنهم ملأوا ثياب نفوسهم= عجبًا وكبرًا بئس ذا الخلقان بل آثروا الدنيا ونيل رئاسةٍ = لو كان دينهم هو الأثمان فلذا استجابوا للمعطل عندما= زعم الضلال وواضح البطلان من قوله إن البسيطة طبعها = ليس الثبات وإنما الدوران كذب المعطل والذي فلق النوى= ما دارت الأرض على القطبان والله لو دارت لأصبح شغلهم =طول الصياح مخافة الرجفان ولما هناهم أن يعيشوا ساعة= أو يستلذوا نومهم بأمان أو ليس تعتبر الزلازل نقمة= كم هدمت من شامخ البنيان كيف البسيطة لو تحرك كلها =بعدًا لعقل تائه حيران والحمد لله من باللطف أمسكها= والرب ذو منن وذو إحسان كي لا تميد فتكفأ الحمل الذي =حملت والفضل للرحمن" . وبعد، فالعجب من اختلال القصيدة في قوافيها، فمرة رويها مرفوع بالضمة ومرة مجرور بالكسرة، ومن اختلالها في وزنها، فشطر من البسيط وشطر مختل الوزن من الكامل، يزول تماما أمام العجب من استنباط الأدلة الخاطئة على نفي دوران الأرض من بعض آي القرءان الكريم، فتامل يا رعاك الله، ( بعد الاستئذان من الدكتور محمد توفيق البجيرمي) الذي سبق وذكرنا به استاذنا زهير في واحدة من مشاركاته الثمينة . |