وصية أب لابنه.     ( من قبل 4 أعضاء ) قيّم
ابني الحبيب ..السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ،،، أسأل الله تعالى أن تكون على خير حال.. وفي طاعة الله دائماً .. فأنت أوشكت بلوغ سن التكليف.. فينبغي لك أن تحافظ على صلاتك.. فلا تفوّت منها فرضاً وتؤديها على الوجه الأكمل من خشوع وطمأنينة وقلب حاضر متفرغ يرجو رحمة الله ويخشى عذابه. واعلم يا بني أن الصلاة عماد الدين ..من فرّط فيها فقد أورد نفسه المهالك.. فلا تتكاسل عن أدائها ولاسيما صلاة الفجر والعشاء فبهما يعرف الصادق من المنافق.. وعوّد نفسك الصلاة بالمساجد فاعتيادها شهادة إيمان، وهجرها علامة خذلان.. وصلاة الجماعة فيها الثواب الأعظم.. فالزم الجماعة ولا تصل منفرداً. وحافظ على صلاة الجمعة فاذهب إليها مبكرا ً وأنصت إلى الخطيب متفكرا ..ً واعمل بما جاء فيها من النصائح ما استطعت، واجعل الموعظة جزءاً من خلقك ما حييت.. وداوم على صلاة القيام والنوافل فإنها الطريق إلى نيل الرضا وكسب ود المعبود.. فالصلاة يابني أول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة، فإذا قبلت قبل سائر العمل كله وإذا ردّت رد العمل كله. ثم خذ من الصيام ما استطعت فإن كان صومك في رمضان قبل البلوغ مستحباً فإنك تؤجرعليه وكذلك والدك .. أما الصيام بعد بلوغك مبلغ الرجال فهو فرض يلزمك أداؤه ولا يسعك التفريط فيه . وحافظ على صيام بعض الأيام كصوم الاثنين والخميس.. أو ثلاثة أيام من كل شهر وصوم عرفة وصوم ست من شوال والتاسع والعاشر من المحرم .. فالصوم رياضة للنفس تصوغها على منهج الله بالصبر عن المحرمات والمكروهات .. والتدريب على ترك الحلال والمباح مدة الصيام فلا تتحكم فيه شهوة .. ولا تقد نفسك إلى المهالك نزوة.. فتقوي بذلك عزيمتك أمام سلطان شهوتك. ثم أوصيك بوالديك خيرا ً فطاعتهما من طاعة الله فالزم برهما.. ولا تقل لهما قولا ً لا يليق بهما.. ولا تحملهما من الطلبات ما لا طاقة لهما عليه. واعلم أنه قد انتهت مسؤوليتهما الشرعية عنك في النفقة بوصولك سن البلوغ فمالك عليهما من سبيل سوى محض فضل منهما يهبانك إياه .. فاستح أن تكثر عليهما الطلب .. وانته عن اختبار محبتهما لك بادعائك المرض أوالمبالغة في التأخير خارج المنزل.. فلقد وصى الله الولد ولم يوص الوالدين لفرط المحبة الفطرية المودعة بهما .. فلا تعاملهما على نحو يفزعهما أو يثير قلقهما وأنت مطالب بترضية خاطرهما .. واعلم أن العاق لأبويه لا تنتهي حياته في الدنيا إلا وقد شرب من نفس الكأس.. فلا يجد من يحسن إليه في كبره.. بل ربما لا يجد دارا ً للمسنين تؤيه .. كل هذا إلى جوار عقوبة الله في الآخرة تصليه . ثم إنك يابني تتعلم في مدرستك لتعمل بعد التخرج وتعتمد على نفسك.. فخذ أمورك بجد ولا تستهن بالعلوم.. فتؤجل المذاكرة إلى وقت يضيق عن التحصيل.. بل طالع الدرس أولا ًبأول..واجلس إلى معلمك منتبها ً، فإن العلوم تؤخذ مشافهة وعلى يد أهلها.. ولا تطل العكوف على القراءة فتملها وروّح لنفسك كي تستعيد نشاطها . وعليك باستثمار وقتك فيما يفيدك.. ولا تضيعه فيما لا يعنيك.. فدع كل أمر لا يعود عليك فعله بالثواب.. وانته عن كل فعل يجر عليك عقاب.. فذلك فعل العقلاء أولي الألباب . وطالع سير ومغازي نبيك، عليه الصلاة والسلام، وعش أحداثها بشغاف قلبك.. وخذ العبر منها لنفسك .. واجعل من شذاها عطر روحك واستفد من التاريخ والتجارب وتعرف إلى ما وقع فيها من مثالب.. وابدأ من حيث انتهى الناس.. ولا تعد قط الكرة من حيث كان الخط أول مرة.. فالمسلم كيّس فطِن يعرف الشيء الثمين من العطين . ووقر العلماء وأهل السبق والفضل.. وكذا جميع أقاربك من جهة الأصل.. وتفسح في المجالس.. ولا تتصدر.. وقم لكبار القوم ولا تتكبر.. واعلم أن طلب العز بمعصية الله ذل كبير.. وابتغاء المكانة بغير حق فعل حقير .. ومعرفة المرء لنفسه أمر عسير . واحترم أشقاءك الكبار واجعلهم في مقام الآباء الأبرار.. وأحسن إلى صغار إخوانك واشملهم بكامل رعايتك.. ولا تنازعهم طعاما ً ولا شرابا ً ولا ملبساً .. بل فضلهم على نفسك يفضلوك على أنفسهم.. واسع إليهم يهرولوا إليك . وصادق من أقرانك الأفضل.. وجنب نفسك منهم الأراذل .. فالمرء على دين خليله.. وأخطر ما يفسد الشباب قرين السوء فاحذره ، وإذا عجزت عن إصلاح ما اعوج من أصدقائك فذره . وكافئ من أسدى إليك معروفاً.. واعلم أن اليد العليا خير من اليد السفلى.. فلا تنظر لما فوق إمكاناتك فتحزن.. ولكن انظر إلى من هو دونك فتحمد .. وتذكر أن ما عند الله خير وأبقى.. وأن ما عند الناس يبلى ولا يبقي . وجالس من هم أكبر منك سنا ً وأكثر منك علما ً لتستفيد منهم وأصغ إلى مقالاتهم.. ولا تقاطع محدثك حتى ينتهي ..بل اجتهد في سنك هذه أن تكثر الاستماع لتتسع دائرة معارفك وتترعرع حصيلة معلوماتك . وأقبل على أضيافك بوجه بشوش .. وليكن مكانك قبالة الضيف لا جواره.. ولا تضع ساقا ً فوق ساق .. وأحسن وفادته.. وأكرم نزله وقدم له الموجود بسخاء نفس من غير تكلف .. ولا ترفع صوتك فوق درجة الإسماع.. واجعل كلامك واضحا ً معبرا ً .. ولا تكن ثرثارا ً تطيل الحديث فيمل سامعك ويضجر مسامرك ، ولا تظهر التململ للضيف من إطالة مكث أو إفاضة حديث، بل احتسب ذلك عند الله تعالى.. واقتد برسولك محمد صلى الله عليه وسلم وهو يراوح بين قدميه وقد استوقفته عجوز تحدثه فلم يتبرم رغم إسهابها . وتحل بالصدق في حديثك ولا تكذب ..وأحسن الظن بالناس ولا تحقق.. وتعود الصفح الجميل ولا تعتب.. وأوف بوعدك مع الخلق ولا تخلف .. واحفظ لسانك من السب والشتم وبذيء القول ، وعوّده جميل المنطق وحسن التعبير وفصاحة البيان .. وأفضل ما يساعدك على ذلك حفظ جوامع الكلم.. وعلى رأسها تأتي أحاديث رسول الله صلي الله عليه وسلم ثم....... أقوال العلماء والحكماء وأشعارهم . وتنبه إلى أن حفظ القرآن في صغرك يقيك خرف العقل عند هرمك . وشاور أصحاب الرأي وأهل الخبرة فيما عرض لك وأشكل عليك.. والزم الاستخارة فإنه ما خاب من استخار ولا ندم من استشار . واحفظ لجارك حقه وبادله الزيارة وغض بصرك عن محارمه وتجاوز عن هفواته وانصحه في سر لا في جهر.. وتصدق عليه إن كان فقيراً.. وهاده بما أمكنك ولو كان شيئا يسيرا ً.. وبادر في الإصلاح بين المتخاصمين من زملائك أو جيرانك وكن بينهما سفير خير لا سفير سوء .. لأن الأخير يفسد ذات البين بنقل كلام هذا إلى ذاك فيوقع بين الطرفين . واكتم سر من استودعك سرا ً ولا تحدث به قط أحدا ً.. ولا تجلس في مجلس متناول الناس بالسوء ؟ بل انصح الحاضرين بالكف فإن لم ينتهوا فاهجر الجميع على الفور.. فذلك أحفظ لدينك وأنفع وأنكى لهم وأنجح . وداوم على الرياضة البدنية فهي تفرغ الطاقة الغضبية.. وتروح عن النفس وتجدد النشاط وتقوي البدن.. فزاولها ما استطعت بهمة ولا تركن إلى الكسل فتفوتك فوائدها الجمة . وتعلم حرفة تقع موقع الهواية من نفسك فلعلك تحتاج إليها أثناء دراستك فتستفيد بمزاولتها على سد نفقتك . ولا تشغل نفسك بالسهر أمام التلفاز فذلك يضر بصحتك ويذهب بصفاء ذهنك ويضيع عليك صلاة الفجر الواجبة.. فاقتصر على رؤية البرامج الدينية والعلمية وتابع أخبار المسلمين في العالم فمن لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم.. واعلم أن من كان يحفظ من أسماء الممثلين ولاعبي الكرة القدم أكثر مما يحفظ من أسماء الصحابة والتابعين فهو قطعا ً من الهازلين الغافلين الذين يهتمون بسفاسف الأمور لا بمراشدها . ونزّه نفسك عن الاستماع للأغاني والموسيقى فكيف بالذي سمع كلام الله ووعى حديث رسول الله أن تهفو نفسه إلى مثل هذا المجون الذي يحرك الغرائز ويثير الشهوة ويجر إلى الرذيلة. ولا تقف عند نواصي الشوارع وقمم الطرق .. فإن دعتك إلى ذلك ضرورة أو حاجة فغض بصرك وأرشد الضال.. وافسح المجال أمام المارة . ولا تغتر بقوتك فتعتدي وتظلم.. واعلم أن الله لن يدعك حتى يعتدي عليك وتظلم.. فكما تدين تدان . ولا تكابر إن لزمك الحق وتواضع دائماً للخلق.. واعلم أن من إجلالك لله إكرام ذي الشيبة المسلم.. فانظر إلى الكبير بعين التقدير فهو الذي سبقك إلى الطاعة.. وانظر إلى الصغير بعين التفضيل فذلك الذي سبقته إلى المعصية.. فبين التقدير والتفضيل يذوب الكبر ويذهب العجب ويتبلور التواضع . واحفظ أذنيك عن سماع الغيبة .. ولسانك من قول الزور والنميمة ..وعينيك من شر النظرة المسمومة.. وبطنك من أن تكون وعاءً لمحرم . وحافظ على نظافة ملابسك .. وتبرع بالقديم الصالح منها إلى الفقراء.. واخدم نفسك بنفسك.. واستح أن تطلب من أحد والديك شراء ما تريد.. أو صناعة ما تحب و بادر أنت إلى خدمتهما حتى تنال رضاهما . ولا تخجل من أن تحمل سلة الخضروات والفاكهة.. أو أن تقم (تكنس) منزلك أو تغسل ملابسك فكل ذلك دأب الرجال الذين يتحملون المسؤولية وتعقد عليهم الآمال دون غيرهم . وصل رحمك بالهدايا والزيارة وجميل القول .. وقف معهم في فرحهم لتهنئهم وفي ترحهم لتواسيهم . ولا تجعل الغضب يسارع إلى قلبك وبادر إلى إزالة أسبابه.. واكبح جماح نفسك أن تعتدي قبل أن تستبين الأمر وتعلم فتعض أنامل الحزن على ما اقترفت وتندم . وخالف نفسك والشيطان وقاومهما بسلطان الإيمان.. وحاذر أن تقارف الذنب.. فإن زلت القدم فبادر إلى التوبة.. وأكثرالندم والبكاء في الظلَم (بالليل) . وتوكل على الله بعد أخذك بالأسباب وكأنك لم تأخذ بها.. وعلق نجاحاتك بتوفيق الله لك لا بذكاء عقلك وسَعة حيلتك . واقبل هدية من أهداك ونصيحة من نصحك واشكر للجميع فضله.. ولا ترد سائلا ً ما استطعت وامدد يد العون للفقراء والضعفاء ولا تستح أن تجالسهم واقض لهم ما أمكنك حوائجهم . وتضرع بالدعاء إلى الله تعالى فهو سلاح المؤمنين وذخيرة الشاكرين.. وبه يكف الله عنك بأس الظالمين.. ويرفع عنك البلاء وينزل الغيث من السماء ويشفي العليل من الداء ويرفع الله به درجة الآباء.. ولا تستعجل إن لم تستجب دعوتك فتترك الدعاء لساعتك.. واعلم أن من الدعاء ما يدخر ليكون ثوابا ً عظيما ً لك بعد انقضاء العمر.. وأحسن الظن بالله بعد إحسان العمل ..ولا تترك العمل ركونا ً إلى واسع رحمة الله فتصيبك خيبة الأمل فذلك فعل الغافلين ودأب المفترين.. وسلم بقضاء الله تعالى وارض به فلا يمنع حذر من قدر.. وما يقدره الله حتماً يسير لا دافع له ولا مجير.. فلن تؤخر نفسٌ إذا جاء أجلها ولن يفني عمر قبل بلوغ منتهاه.. ولا تنافس أحدا ً في أمر من أمور الدنيا .. واجعل سباقك إلى الآخرة لنيل المرتبة العليا.. واحفظ عقلك من سقيم الأفكار والمقالات الضالة.. واجعل هديك في كتاب الله واقتداءك بسنة نبيه ، عليه الصلاة والسلام، واتباعك لسلفك الصالح .. وقف مع نفسك كل يوم آخر النهار وقفة تراجع فيها نفسك فترى مدى تقصيرك في حق ربك فهذا فعل الصالحين ومنارة السالكين على طريق رب العالمين.. " حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا ".. وختاما ً يابني فهذه جملة نصائحي لك.. فدقق فيها النظر واعمل فيها الفكر.. واسترشد بها في حياتك وأنت في مقتبل العمر.. تتحمل المسؤولية وتشق طريقك نحو غد أفضل وأمل أرحب.. سائلا ً المولى سبحانه وتعالى أن يسدد خطاك ويلهمك الرشد ويوفقك إلى بذل الغالي والنفيس نصرة لدينك وإعزازا ً لأمتك واستردادا ً لأرض الإسلام السليبة . واعلم أن توفيق الله لا يؤتي إلا بإخلاص العمل لله واتباعه سنة نبيه وشكر نعمته وقطع الآمال عن الدنيا ومد جسور الفلاح إلى الآخرة. |