عمرة قطب الدين ابن المكرم عن الناصر ابن قلاوون كن أول من يقيّم
يلاحظ في هذه الوثيقة أن أبا بكر ابن محمد الأنصاري الخزرجي هو قطب الدين ابن المكرم (نجل صاحب لسان العرب) وقد أورد القلقشندي هذه العمرة تحت عنونا (في العمرات التي تكتب للحاج) قال:
وهذه نسخة عمرة اعتمرها أبو بكر بن محمد الأنصاري الخزرجي ، عند مجاورته بمكة
المشرفة في ستة سبع، وسنة ثمان، وسنة تسع، وسنة عشر وسبعمائة، للسلطان الملك
الناصر "محمد بن قلاوون"؛ وهي:
الحمد لله الذي جعل البيت مثابة للناس وأمنا، وأمن من فيه بالقائم بأمر الله ومن هو
للإسلام والمسلمين خير ناصر، وجعله ببكة مباركاً، ووضع الإصر بمن كثرت منه ومن سلفه الكريم على الطائفين والعاكفين الأواصر، وعقد لواء الملك بخير ملك وهو واحد في الجود ألف في الوغى: ففي حالتيه تعقد عليه الخناصر، وأطاب المقام في حرم الله تعالى وحرم سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بمن يستحق السلطنة بذاته الشريفة وشرف العناصر، وسهل الطريق، إلى حج بيته العتيق، من المشارق والمغارب في دولة من أجمعت على محبته وورث الملك كابراً عن كابر، وأنطق الألسنة بالدعاء له من كل وافد إلى بيته الحرام على اختلاف لغاتهم واهتزت لوصف مناقبه المنابر.
أحمده على ما بلغ من جزيل إنعامه، وأشكره شكراً استزيد به من فضله ونواله وإكرامه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحد ه لا شريك له نعم الذخيرة لصاحبها يوم لقائه وعند قيامه، وأقولها خالصاً مخلصاً ويا فوز من كانت آخر كلامه، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله أشرف مبعوث إلى الحق دعي فجاء بأشرف ملة، فقال صلى الله عليه وسلم: "عمرة في رمضان تعدل حجة"
صلى الله عليه وعلى جميع آله وأصحابه خصوصاً على خليفته في أمته
المخصوص بالسبق والمؤازرة والتصديق، مولانا أبي بكر الصديق، وعلى مظهر الأذان ومصدق الخطاب، مولانا أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، وعلى من جمع على الأمة آيات القرآن، مولانا أمير المؤمنين عثمان بن عفان، وعلي ابن عمه، وارث علمه، الجامع لجميع المآثر والمناقب، مولانا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، وعلى بقية الأنصار والمهاجرة، سادت الدنيا وملوك الآخرة، وسلم تسليماً كثيراً.
وبعد، فإن الله تعالى مالك الملك يؤتيه من يشاء من عباده، والخير بيده يفيضه على خلقه في أرضه وبلاده؛ فإذا أراد الله تعالى بعباده خيراً نصر ناصرهم ورفع عنهم الغلا، ودفع عنهم العدا، وولى عليهم خيارهم، فيقيمه من خير أمة أخرجت للناس، ليذهب عنهم الضرر ويزيل عنهم الباس، ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، وينصف المظلوم من الظالم ويقيم منار الشرع المطهر.
ولما كان مولانا السلطان الأعظم، والشاهنشاه المعظم، الملك الناصر - خلد الله سلطانه
- قد جمع في المحتد بين طارف وتالد، وورث الملك عن أشرف أخ وأعظم والد، وقامت على استحقاقه للسلطنة الدلائل، وألفه سرير الملك وعرف فيه من والده ومن أخيه - رحمهما الله تعالى - الشمائل؛ فهو المالك الذي لم يزل الملك به آهلاً ولم يزل له أهلاً، والسيد الذي لبس حلة الفخار فلم نجد له في السؤدد والفخار مثلاً، والملك الذي ما بدا لرائية إلا قيل: بحر طمى أو بدر تجلى، والمؤيد الذي خصه الله تعالى بعلو شأنه وارتقائه، ولم يرض مراقد الفراقد لعليائه، والكريم الذي ساد الأوائل والأواخر، وأضفيت عليه حلل المفاخر، والمنصور الذي أعطي على الأعداء قوة ونصراً، والناصر الذي اتسع مجال نصره فأخذ الكفار حصراً، وحكمت السيوف والقواضب فوضعت عن الأولياء إصراً، قد خصه الله تعالى بالعز والنصر كرة بعد كرة، وفضله على سائر ملوك الإسلام بالحج وزيارة النبي صلى الله عليه وسلم مرة بعد مرة، ومرة أخرى إن شاء الله تعالى ومرة ومرة!!! كم سلك سنن والده وأخيه - رحمهما الله تعالى - بالغزاة فكان له كل مشهد مذكور، وعرف تقدمه وإقدامه فكان أعظم ناصر وأشرف منصور؛ يحمده الله تعالى والناس عن جميل ذبه عن الإسلام وحميد فعله، واستقل الجزيل فينيل الجميل لمن أم أبوابه الشريفة فلا يستكثرهذا من مثله؛ ما حملت راياته الشريفة كتيبة إلا نصرت، ولا وقف بوجهه الكريم في دفع طائفة الكفر إلا كسرت، ولا جهز عساكره المنصورة إلى قلعة إلا نزل أهلها من صياصيهم، ولا حاصروا ثغراً للكفار إلا أخذوا بنواصيهم،، ولا سير سرية لمواجهة محارب إلا ذل
على رغمه، ولا نطق لسان الحمد للمجاهد أو سار الشاهد إلا وقف الحمد على قوله
واسمه، فاختاره الله تعالى على علم على العالمين، واجتباه للذب عن الإسلام والمسلمين، وجعله لسلطانه وارثاً، وفي الملك ماكثاً، وللقمرين ثالثاً، و لأموره سداداً، ولثغور بلاد الإسلام سداداً، وفوض إليه القيام بمصالح الإسلام، والنظر في مصالح الخاص والعام، وعدق به أمور الممالك والأملاك، وأطلع بسعادته أيمن البروج في أثبت الأفلاك وحمى الإسلام والمسلمين من كل جانب شرقاً وغرباً، وملأ بمهابته البلاد والعباد رعباً وحباً، وبسط في البسيطة حكمه وعدله، ونشر على الخلائق حلمه وفضله، وفرض طاعته على جميع الأمم، وجعله سيداً لملوك العرب والعجم، وأمن بمهابته كل حاضر وباد، ونوم سكان الحرمين الشريفين من كنفه في أوطإ مهاد ، وسكن خواطر المجاورين من جميع المخاوف، وصان بالمقام في مكة الطائف والعاكف؛ قد حسن مع الله تعالى سيرة وسيراً، ودلت أيامه الشريفة أنه خير ملك أراد الله تعالى برعيته خيراً، وراعى الله فيما رعى، وسعى في مصالح الإسلام عالماً أن ليس للإنسان إلا ما سعى.
قد ملأ أعين الرعايا بالطمأنينة والهجوع، وأمنهم في أيامه الشريفة بالرخاء من الخوف والجوع، وجمع لهم بين سعادة الدنيا والأخرى، وسهل لهم الدخول إلى بيته الحرام براً وبحراً، وفتح الله تعالى على يديه - خلد الله تعالى سلطانه - جميع الأمصار، وملأ من مهابته جميع الأقطار:
فسارت مسير الشمس في كل بلدة وهبت هبوب الريح في القرب والبعد
فوجب على العالمين أن يدعوا لدولته الشريفة المباركة بطول البقاء، و"دوام" العلو
والارتقاء، ووجب على كل من الواصلين إلى بيته الحرام وحضرة قدسه، أن يبتهل بالدعاء له قبل أن يدعو لنفسه، فكيف من هو مملوكه وابن مملوكه ووارث عبوديته، ومن لم يزل هو ووالده وإخوته في صدقات والده الشهيد - رحمه الله تعالى - وعميم نعمته، العبد الفقيرإلى الله تعالى أبو بكر بن محمد بن المكرم الأنصاري الخزرجي، فإنه لم يزل مدة أيامه مبتهلاً بصالح دعواته، متوسلاً إلى الله تعالى بدوام نصره وطول حياته، طائفاً عند مقامه الشريف حول بيته الحرام، والمشاعر العظام.
وأحب أن يتحفه بأشرف العبادة فلم يجد أجل مقداراً ولا أعظم أجراً، من عمرة يعتمرها عنه ويهدي ثوابها لصحائفه الشريفة ويزيد بذلك فخراً، فقام عنه بعمرتين شريفتين اعتمرهما عنه في رمضان، مكملتين بإحرامهما وتلبيتهما، وطوافهما وسعيهما، يتقرب بذلك إلى أبوابه الشريفة، ويسأل الله تعالى ويسأل صدقاته الشريفة أن ينعم عليه بنصف معلوم صدقة عليه، وبنصفه لأولاده: ليقضي بقية عمره في الثلاثة المساجد، ويخصه بجزيل الدعاء من كل راكع وساجد، وأن يكون ذلك مستمراً عليه مدة حياته، وعلى ذريته ونسله وعقبه بعد وفاته، لتشمل صدقات مولانا السلطان - خلد الله تعالى ملكه - الأحياء والأموات، ويطيب لغلمانه في أيامه الشريفة الممات؛ جعل الله تعالى مولانا السلطان وارث الأعمار، وأجرى بدوام أيامه الشريفة المقدار وجعل كلمة الملك باقية في عقبه، وبلغه من النصروالظفر والأجر غاية أربه، وجعل أيامه كلها مسار وبشائر، ودولته تسر النواظر، وسعادته ليس لها آخر، ويهنئه بما قد أتمه الله له من ملك والده الشهيد رحمه الله تعالى:
أهـنـيك بالملك يا خير iiمن |
|
أجـار الـبرايا ومن iiمارها |
ومن ليس للأرض ملك iiسواه |
|
تـميل له الخلق iiأبصارها! |
وأنـت الذي تملك iiالخافقين |
|
وإعــصـارهـا |
وتـمـلـك سيب iiتكفورها |
|
وتـركب بالجيش iiأوعارها |
وتحكم في المرء حكم الملوك |
|
وتـنشد في التخت iiأشعارها |
وتـفـتـح بغداد دار السلام |
|
وتـنـفـي بملكك iiأكدارها |
وتـأخـذ بالعسكر الناصري |
|
قـصـور الخلافة iiأوتارها |
ويـأمـن في ذلك iiالعالمون |
|
وتـحـمي الأسود iiوأوكارها |
وتـبـقى إلى أن تعم البلاد |
|
بـنـعـمـى تتابع iiإدرارها |
ويـبـلغ ملكك أقصى iiالبلاد |
|
وتـجـري العباد iiوأوطارها |
ويـنـظم سيرتك iiالناظمون |
|
وتـعـيي مغازيك iiسمارها | "والله يبقيه" بعدها دائماً ناصر الدنيا والإسلام والمسلمين، كما سماه والده ناصر الدنيا
والدين، إنه على ما يشاء قدير، وبالإجابة جدير؛ وحسبنا الله ونعم الوكيل. |