البحث في المجالس موضوعات تعليقات في
البحث المتقدم البحث في لسان العرب إرشادات البحث

مجلس : الأدب العربي

 موضوع النقاش : عيد الأم     كن أول من يقيّم
 أحمد  
21 - مارس - 2010
جعلوا لها عيدا ربما لانهم لم يعرفوا قيمتها الحقيقيه
ومتى كانت الام تحتاج الى عيدا لنعرف قيمتها واهميتها ومكانتها
ومتى كانت الكلمات تعبر عن الاحاسيس الخاصه بالام
ومتى اصبح حب الام يقاس بالاشياء المحسوسه والاشياء الماديه
ومتى ومتى ومتى...........................
تساؤلا ت في زمن الجحود
والنكران
والهجران
والعقوق
مشاعر صغتها في لحظه هدوء .. وسكينه ..... واعتراف
افيدوني عن نقاط الضعف قبل القوه وعلامات الوهن في القصيده ؟




الام



امي
يابلسم طمس الالم
من جميع اضطراباتي


امي
ياقدرا زرع الورد الجميل
في جنباتي


امي
ياأسطوره اثارت العطر
في نفحتي


امي
ياقمرا باهرا
انار الدرب من عثراتي


امي
ياقولا صادقا حفر
كلماتها على زفراتي


امي
يانسمة طبعت صورتها على
قاموس حياتي


امي
ياصرخة رسمت غيابها
على اناتي


امي
ياحشرجة اثارت السحب
في اهاتي


امي
ياملاك نقشت
صورتها
على كلماتي


امي
ياقوة حانيه ازالت الصخر
من طرقاتي


امي
ياأجمل أسم نطقت به
في حياتي


امي
فلمستك تزيل الخوف
من خلجاتي


وهمستك تغرقني
في حنانك الذاتي
وجودك تزداد ايام
فرحي ومسراتي .





اريد ان ابكى لأ فرغ مافى قلبى من هم وحزن اريد ان اصرخ .... ليعلم من حولى اننى مازلت اعيش .... اريد ان اعبر عن انسانة جعلتنى ... الجاء الى قلمى كلما ضاقت بى الدنيا ... انسانة علمتنى اشياء كثيرة .... انسانة تزيل الهموم عن وجة الارض بأبتسامة من ابتسامتها .... انسانة اضاءت لى الطريق الذى لم اكن ارى فية اصابعى ... انسانة هى شمعة مضيئة لمن حولها .... تمشى كالشمس اذا افاقت من نومها .... واذا نامت عم الضلام الهدى ... ابتسمت لى يوما لكى تزيل الهموم عن قلبى .... انسانة اعترف اننى احبها ...... ثم احبها ولما لا احبها ؟؟؟؟
 
منقــــول
 1  2 
تعليقاتالكاتبتاريخ النشر
شعراء روساريو    ( من قبل 2 أعضاء )    قيّم
 

مختارات من شعراء روساريو
عمر أغيار
OMAR AGUIAR
موسيقا مصحوبة Karaoke
كرمى لتفاعلات الهدم والبناء في الترجمة
تتنازل القصيدة
عن سيادة ذاتية.
كتابة في تسابق مع عقارب الساعة
إذا كانت الورود نفسها
والمدعوون للطعام على الطريق..
عندما تفقد البراءة عذريتها
يحدّد الزمن خفّها
وإنها لمسألة إيمان
أن تصاب بالجنون دون أن تعرف
التجسيد الغامض للكون
في دعايات السينما.
فندق فيكتوريا
النار ترتقي بالعتمة
إلى سماء ترقص على إيقاع الجي جي
وامتثالاً لمعاهدة وخز بالإبر
استشعر الرحلة في نقاط الجسد.
الأثر كإسم استعارة
عدد بخس من النصوص
هو صرخة الضحية
التي تتابع على الشاشة
كشهد حبات الزيتون، وصلصة الجمبري.
الليل عملية احتيال
أستيقظ فإذا بي أبي
يشتري هدايا "بلاي بوي".
ما يبعث على السخرية يخفف من حدة الإشفاق
للمقدس الذي دفن
حقول قصب السكّر
ولعن العالم.
كطوطم لطرد الحسد
أتجوّل في المتاجر
مقدّس بالأدب
منقوش في أحلام حتى الموت..
ثور ملبّس بالسكّر
ثمرة " الشات" المنتهكة
التي تغذي الجمجمة
ثروة للحزين
الذي ينهك لحم
النجمة المختزلة.
مخمور يعصر جبهته
محبة " بالإميل" المقفر
الذي يلاحقه بعينين
وجه مبتذل وشريف
ينتظر أن يصبح
البربري الأبوي الباحث عن عمل.
الأزرق العميق
تحت المسلة المصرية
تتبرعم الأقوال المأثروة
كاشفة أسرار المضاجع
وثمة نيزك يتهاوى
ويطلق دبقاً بهلونياً
يذوب في الجسد ببطء
في الليل.. منحوتتان
تعكسان ضجر الجسد
 
في العين المتعددة الوسائل
التي " تقمّر" الأمثال
بعشرين سنتاً ثمناً للدير.
ورغم الوحوش المستلقية
تنتظر الورود دورها
طائعة الإدارة الإجرامية
للكوميديا الرومانطيقية
ومسجِّلة الانصهار المبهم
الذي يفرضه تصنيف النجاح
وطن
طهر جسد المكانة من طيورها
جمع الجري والعِصامية
محتفلاً بالوعد الشمولي
لم يعرف مبعث الصوت الممنوع
لكراهية النساء
من أجل تذبيل الناس المرحين.
إنه الوهم ، أليس كذلك؟!
السرطان هو الحب الضائق ذرعاً
سخيّ حين يشاء بتفجير الكون المضياف
وبممارسة لعبة القول بالإيماءات.
حقيقة واقعة هو ماك دونالد الخيالي
الذي يحكي حلمه بصوت مرتفع
حتى ينال الطيف الذي يحذّر
شظايا ثقافة جزّرة.
سكّرين أخلاقي وضحية
ليبقى على قيد الحياة ويسمّن
الوعد بالبقاء على الحال
أو أن يلتهمه أبناؤه.
نوربيرتو أنطونيو
- من مواليد مدينة روساريو!! الأرجنتين عام 1951.
- صدرت له عدة دواوين شعر،
- من أشهرها " نفس الصوت وكل العورات" عام 1984،
- و "مياه تعكّر الحدقة" عام 1996،
- و "الماء بلهفة" عام 2000.
- نال الجائزة الأولى لكلية الفلسفة والآداب في جامعة بوينس أيرس عام 1985.
- نال الجائزة الأولى لوزارة الثقافة الأرجنتينية عام 1986.
- نال الجائزة الأولى من مؤسسة نيرودا في تشيلي عام 1990
أرحموا المخطئين
والذين تسرّعوا في الخطى، وحمقى البطء"
ف. أوروندو
لو لم ينسكب الكأس على شرشف الطاولة
لو لم ينساح الخمر
أو بالأصح، لو لم ينزف الشرشف /
ولو لم يتضمخ بياضه الطاهر
بل ولو كانت هذه الجرعة قد بلغت الفم
ونطق هذا بعدها بحقائق
وحتى بأشنع السخريات /
لكنا اليوم– وعلى هذه المائدة!!
نواصل التهامس بأمور خفيفة
غير ملموسة كما الحياة نفسها.
***
من لم يزحف كسلحفاة / لم ينتج صبغياً أزرق / حذاء منفعلاً / من لم يقبّل امرأة تحت المطر وينتزع ثيابها بأسنانه ليضاجعها كطير حباري.
من لم تعركه الحياة، وتضرّسه أنياب الزمن /
ولم يقطف وردة خزامى / ولم يهتف لثورة / ولم يركع أمام امرأة ذات ردفين معتوهين/ من لم يستلق في مقاطعة الموسيقى البريئة
لم يقفز / لم يداعب كتاباً لبيسوا/ لم يملك مدينة في حلقه، من لم يروّج للصيف / لم يكن من جمهور المساء / لم يناد بالحرية
على أبواب القامعين
من لم يتسلّق الافق!
***
الوقت لا يشبه القاعة– التي ما أن ننتظم فيها حتى يولّي العمر– ومع ذلك فهو هكذا!!
تقولها اللوحيات حيث ضحكنا مرة، والأيام المشنوقة بالساعات، وخواء الخزائن العتيقة، والقنديل الذي أشعلناه بنفس اليد التي أطفأنا فيها بطاقة المغادرة من النفس/ للهرب من كل الشبهات/ لكي لا نرى شمسنا تأفل غدراً.
***
أخرجت القمامة إلى الباب / السيدة أخرجت القمامة / كيس قمامة أخذته يدها إلى الرصيف / أخرجت القمامة دوماً/ كل يوم/ طيلة العمر / لم يزيحها أمر عن هذه الرتابة الباهتة والمقيتة / عن هذا التصرف الأرعن/ عن هذا الضجر المدمّر/
لهذه الذاكرة الإيمائية لأصابعها.
سافرت من قعر بيتها إلى شاطئ العالم /
لم تسمح لنفسها بمعرفة أي شئ آخرحتى ولو لم تكن لتستطيع ذلك ابداً/
لم تشأ التساؤل عن شئ/ لم تجازف إطلاقاً
اليوم السيدة غائبة / لن تُخرج القمامة إلى الباب/ أخذت تخرجها سيدة أخرى تصغرها عمراً..
***
تحت الطاولة تحدث أشياء/ أسراراً محصّنة /
فتات خبز مسترخية في الظل /
تطلعات قاتمة كالتمرين على الدهس.
تحت الجسور كما تحت الطاولات هناك
بقايا / بؤس / تفاهات / بقايا حزن / تعبر قططاً تركّز على أحلام غير نبيلة /
يمر الدم الملوّث بالماء.
فوق الطاولات هناك نظرة يمكن أن تعمي العالم بالهلع
ولكن فوق الجسور
العراء
هو الحقيقة الوحيدة.
 
ترجمة: عصام الخشن / مترجم وصحفي لبناني يقيم في الأرجنتين
*د يحيى
9 - مايو - 2010
لؤيز أولني الشاعرة الأسترالية    ( من قبل 2 أعضاء )    قيّم
 
لويز أولني
Lois Olney
(....-....)
لويز أولني
شاعرة من 'بلاد الملوك الصغار'
إذا كانت لويز أولني Lois Olney، الشاعرة الأسترالية من السكان الأصليّين، قد اختـُطفت من حُضن أمها وهي بعد رضيعة في شهرها الثامن، فإن كاتب هذه السطور يعترف للقارئ الكريم، بأنه هو الآخر قد اختطفَ من الشاعرة قصيدة، قصيدة كانت قد انتهت للتو من كتابتها وقراءتها، في تلك الأمسية الشعرية من عام 2006م، في مدينة بيرث - Perth بغرب أستراليا، ضمن مهرجان الشعر الذي يقام هناك سنويا في فصل الربيع.
أصل الحكاية:
في تلك السنوات البغيضة بالنسبة للسكان الأصليين (1869 - 1969) طبق المستعمِر 'الأبيض المتحضّر' سياسة تقضي باختطاف الأطفال الأبوريجينال Aboriginal، ووضعهم تحت 'الرعاية' الجبرية من قبل عائلات بيض، والتي استمرت حتى عقد السبعينات من القرن الماضي في بعض المناطق من استراليا، وكانت الشاعرة واحدة من ضحايا تلك المرحلة حيث اختـُطفت من وسط عائلتها في العام 1963م.
أصبح هؤلاء الأطفال يعرفون في الثقافة الأسترالية بـ 'الأطفال المسروقين Stolen Children' أو بـ'الأجيال الضائعة Stolen Generation' والتي تحولت ذكراها فيما بعد إلى: 'Sorry Day' حيث يُوقدُ الجلاد والضحية الشموع معا في هذا اليوم، كنوع من الاعتذار الرمزي عن تلك السنوات، وهي 'مشكلة نفسية' اعتاد عليها 'السيد الأنيق' عند إحساسه بالذنب بعد فوات الأوان!
تروي خالة لويز وتُدعى سيو بوببيSue Bobby ، ذكرى ميلاد الشاعرة، ورحلة البحث المضنية عنها إلى أن التقيا:
'كانت أمها صغيرة في سن السادسة عشرة أو السابعة عشرة حين ولدتها، لم تحظ َ برعايتها حينما أخذوها منها، بحثتُ عنها كثيرا في كل مكان، بحثتُ عنها بعد أن ماتت أمها، أخذتُ زمنا طويلا حتى عثرتُ عليها'.
وتواصل الخالة حكايتها وهي تحتضنها:
'أخذتها إلى قبر أمها، لقد حاولت بشتى الطرق أن أعتني بها، كان الأمر قاسيا عليّ'.
وأخذت الخالة تبكي.
وتروي لويز من جهتها- ولويز هو اسمها المعُطى من قبل العائلة التي تبنتها، والتي تعترف لويز بأنها لقيت معاملة حسنة من قبلها، رغم إحساسها بالفقد- حكايتها حين عادت إلى أهلها بعد سنوات طويلة، وبدأت في تعلم لغتها الأصلية:
'كانوا جميعهم هناك، وكنت أبحث عن أمي، وأمي لم تكن هناك، وفي المقبرة أشاروا إلى قبر، وقالوا لي: هذه أمك، حينها شعرت بالانتماء، لقد عرفت أين أمي وأين عائلتي، وأحاط بي الأهل الذين لم أعرف بعضهم، وأخذوا يغنّون أغنية من أغانينا'.
تصف لويز التي تحظى باحترام واسع بين السكان الأصليين، طبيعة ناس بلادها الذين يعيشون في تناغم كُلي مع الكون: 'لدينا وحدة مع الوجود تعود إلى طريقة عيشنا مع النبات والحيوان والإنسان، لذلك فإن آثار أقدامنا جد صغيرة على الأرض'!
شِعر لويز شِعر غنائي، يتسم بالبساطة والعفوية، مثل معظم شِعر السكان الأصليين، ويذهب مباشرة إلى موضــــع الألم، كلماتها جارحة وتفيض باللوعة والمرارة، وهـــي ترثي البلد الذي كان، والذي تطـــالب باسمه الجميع، بمن فيهم أهلها، بأن يحترموا ثقافته ويحافظوا على جماله، فثمة فردوس مفقود تحلم الشاعرة بإقامته على أرض أجدادها، رغم أنه يتلاشى يوما إثر يوم.
يحمل شِعر لويز آلام وآمال شعبها، وحنينا 'لتلك الأيام التي كنا فيها أحرارا وبلادنا حرة ولم نكن بحاجة إلى حماية من أحد'، على حد تعبير شاعرة أسترالية أخرى.
نهاية الحكاية:
أعود إلى الأمسية التي أدت فيها لويز قصيدتها ولا أقول قرأتها، إذ لم تصعد إلى المنصة، وفضلت أن تؤديها حافية على أرضية القاعة - مثلما هي عادة المشي الحافي عند السكان الأصليين- دون تأخذ معها القصيدة المكتوبة، فما يُكتب من القلب يُحفظ عن ظهر قلب، كانت تروح وتأتي بطريقة خُيـّل فيها إليّ، أنها بصحبة كائنات أخرى غير مرئية، كان صوتها جهوريا وبه نغمة أسى، وحين دوّت القاعة بالتصفيق بعد انتهائها من (الرقص)، عادت لويز إلى مقعدها صامتة!
فيما يلي (خيانة متواضعة) للقصيدة- مع الشكر لمراجع (الترجمة)، كنوع من الاعتذار من قبل كاتب هذه السطور ، على خطفه منها القصيدة التي بلا عنوان، لذلك سيسميها 'القصيدة المخطوفة' مثل شاعرتها، متأسفا في الوقت ذاته على تفويته فرصة اللقاء بها ثانية بعد عام من هذه الحكاية، في أمسية شعرية- كان سيحظى بشرف المشاركة معها-، جمعت شعراء من السكان الأصليين مع شعراء من الكاتبين بغير الانكليزية في حانة مموسقة، وكان من الممكن مفاجأتها بالقصيدة، كما فاجأها أهلها بقبر أمها، ولا بأس من التقاط صورة تذكارية أيضا. 'القصيدة المخطوفة': قصيدة لويز أولني Lois Olney بخط يدها وتوقيعها
'القصيدة المخطوفة'
سُرِقنُا، أُخذنا
شُرِّدْنا، ضعنا.
هذا ما أخبرونا إياه
وما من سؤال سُئل
سُرقنُا، أُخذنا
شُردنا، ضعنا.
أخذ الأمر مني زمنا طويلاً
لأجد مكاني
سُرقتُ، أُخذتُ
شُردتُ، ضعتُ.
كيف يمكنني أن أحدثكم
عن الجرح الغائر
في صدري
سُرقتُ، أُخذتُ
تهتُ، ضعتُ.
هذا هو مكاننا
من الممكن أن نتشارك فيه
سُرقنُا، أُخذنا
شُردنا، ضعنا.
سُرقتُ، أُخذتُ
تهتُ، ضعتُ
لكنني لم أضع أبدا.
 
عبد يغوث / عمان
*د يحيى
9 - مايو - 2010
منصور الرحباني جلجامش الفن    ( من قبل 2 أعضاء )    قيّم
 
منصور
يا جلجامش الفن
منذ أربعينات القرن الفائت.. ونحن في العالم العربي نمتلئ بسحر الرحابنة. موسيقى وشعراً وجمالاً واشراقات ملتهبة. فبهم ازدادت الحواس تألقاً بالألحان ومعهم طارت الأرواح الى الفضاءات البعيدة مع خيوط الحرير الهاربة من حنجرة فيروز الاستثنائية.
هل أسس عاصي ومنصور وفيروز مدرسة تختص بفتنة الصوت؟
هل استخلصوا آلام الكائنات وأفراحهم وآمالهم وغرامهم فكانوا نقطة أولى على سطر الموسيقى الحديثة؟
هل كان نجاحهم، بأنهم قد أسسوا للغناء العربي قواعد في الداخل الإنساني. أشبعوا التربة بثمر الفن، ليكونوا غابة رومانسية تحط فيها ركاب كل الطيور الهاربة من المواجع.وكل الحواس الملتهبة بالعاشقين وأسرارهم.
كان عاصي الفذ.
وكان منصور المختبر.
وكانت فيروز النبع.
نكتب ذلك اليوم ونحن نودع النصف الثاني من الأخوين. كان عاصي قد مضي قبل سنوات،تاركاً نصفه على الأرض.
واليوم يلتحق منصور ليكتمل مع نصفه المُغيب، ليعود الاثنان أخوين مرة أخرى في برزخ الخلود.
كان منصور شاعراً ورائداً للأغنية العربية وللمسرح الغنائي
تاريخه تاريخ لا يمكن اختزاله في كتاب.
فمنصور الذي أفعم الناس بمختلف مجتمعاتها بنتاجه ثم مضى كنسمة رقيقة
كان يستنهض فينا النائم الغافي متنزها في ممرات أرواحنا نجمع من تغاريده ألوان القزح
كان يمدنا بحواس مشحوذة  نصغي بها إلى ما يسكننا من طوفان
مخترعا لنا ممالك خارج هذه الأرض لا تزول. تاركا لنا أرق ما في الفن والحب والجمال
لقد سعى الأخوين رحباني - في الواقع - على أن لا تبقى الأغنية العربية هدفاً سهلاً لسهام طائشة لا وراء ولا أمام. أو كطيور غريبة قادمة من أرض منعزلة. فكانت الأغنية الهاربة من السجن إلى عالم لا يعرف الطمأنينة ولا الحياد الثلجي، عالم يستوعب قلق الشعراء وحلم الفقراء عالم يؤسس لحب الإنسان للإنسان.
لقد أغرقنا اللحن الرحباني في الواقع بنشوات حميمية عارمة، حتى أننا كنا نمتصه صباحا كما الرحيق.
لحن ملائكي يشفعنا بفائض من سحر عوالمهم فإذا بالعالم ضيعة لأغانيهم وإذا بالأغاني ورودا يحملها المتلقون في صدورهم.
اليوم منصور الفنان الإنسان الرائد...
ومع استمرار الدمار في غزة فلسطين التي بكاها منصور مراراً، مغنياً لأجراس القدس زهرة المدائن،معلناً عدم موت صوت أجراس العودة.. يرحل هذا العملاقُ من شدة الألم وكأنه لم يحتمل فصول هذه المحرقة، لأن جسده فائض بالجماليات والسحر والفتنة الذي يرفض هذا الموت وهذا الدمار المرعب.فهو لا يريد أن يرى الذبائح تنتشرُ تحت ضباب قنابل الفسفور الأبيض في أشرس مجزرة أو محرقة هذا العصر.
منصور الرحباني  الفنان الكثير. الموسوعي. المتميز. الطافح برؤى موسيقية فنية عصرية بصياغة فكرية نبيلة مستمد من الواقع الاجتماعي تارة والواقع التاريخي تارة أخرى، قدم لنا عبر مسيرته الفنية الطويلة ألحانا خفيفة الظل ترقى إلى مستوى دوره الريادي وملكته التأليفية وقدرته على خلق المتعة الموسيقة  الخالصة التي تنهض بذائقة السامع وتحفز أحاسيسه، مثيرة أشجانه وشجونه مرممة هزائمه مستحضرة انتصاراته عبر أساليب لحنية عصرية متعددة، حيث كل أغنية أو مسرحيه غنائية أنجزها، كانت تفتح مدار توقها لخطف المتلقي من وثنية أيامه ووظيفية لحظاته محفزة بسحرها الغافل من المشاعر مبشرة بشروق الشمس.
فمنصور الرحباني الذي أفرد لفنه مكانا داخل اللحن وداخل الكلمة والمسرح الغنائي على حد سواء بالتضافر مع أخيه الفنان عاصي الرحباني هذا الثنائي الخلاق المكتمل برافد عظيم هو صوت السيدة فيروز
فيروز التي لم تكن ذلك البرج الذي يغص بالتناغم الصوتي واللحني فحسب وإنما كانت قاموسا من حرير أبيض وأحمر وأزرق  يعيد للروح هيبتها  وينفض عن النفس تعب الأيام ويوقد للإنسان شموع البهجة سواء من خلال الانتظار في المفارق والمحطات أو عبر ترك القلب طفلا لاهيا على دروب الثلج او دروب النحل أو درب القمر.
فمع هذا الثالوث الخلاق أنجز أعمالاً غنائية ومسرحية وموسيقية غاية بالرقة والتكامل والبساطة من خلال المختبر الرحابني المميز خصائص وأساليب.
حشد من الذكريات يتدفق في ذاكرتي الآن وأنا استرجع كيفيه تشرفي بمعرفة الأخوين رحباني وكيف تسنى لي الالتقاء بهما وللمرة الأولى وعن كثب هنا..
استعيد أول لقاء لي بهذا الفنان العملاق في منزل الأديب المحامي الشهير الشاعر نجاة قصاب حسن الذي كان  صديق عائلة الرحابنة الواقع في دمشق الصالحية فوق مطعم القنديل الشهير باللاتيرنا مطعم ومقهى الكتاب والمثقفين العرب في دمشق.
سأدرج للقاريء بعض ما دار في حوارين اثنين كنت قد أجريتهما مع الفنان منصور الرحباني.
هنا مختارات من الحوار مع الفنان الكبير منصور حينما كنت أعمل في الصحافة السورية. نشر الأول في جريدة تشرين.ونشر الآخر في مجلة هنا دمشق مجلة الإذاعة والتلفزيون:
س - ما أن يحظى مطرب بشهرة ما حتى يباشر التلحين فمتى يستطيع الفنان أن يلحن؟
وهل من المحتم على الملحن أن يجيد العزف على آلة موسيقية.؟
أم باستطاعته أن يستعيض عنها بالممارسة النظرية العميقة؟
ج - إن التلحين بالواقع لا قاعدة له ليس بالتلحين مدرسة عمارة موسيقية
ففي اللحظة التي يحس الفنان  انه قادر على الخلق  والإبداع فليحاول
فالمحاولة دائما هي البداية فالميلو ديت لا قاعدة له.
س - هل يوحي لك الحزن بلحن حزين؟
ج - العطاء عندي هو ابن الهدوء الداخلي الذي يكفل للمؤلف وضوح الصورة فالانفعال يشوه صفاء الرؤية ومع هذا فالتلحين والخلق لا قياس لهما.
لحظة الخلق هي أجمل اللحظات تبث السعادة في النفس فالسعادة تنتابنا ونحن نبدع العمل وحين ينتهي ويأخذ طريقه لمواجهة الناس يبهت الفرح الذي أحاطه
س - لمن تكتب أستاذ منصور. وأي القصائد هي الأجمل؟
ج - الفنان بالواقع يعيش غبطة الأشياء إلى أن يجسدها على الورق فالقصيدة التي تكذب هي الأجمل وأجمل الشعر. الشعر الذي لا يثبت فما يثبت منه هو الأضعف وإن هذا ليذكرنا بقول نزار قباني
كلماتنا في الحب تقتل حبنا إن الحروف تموت حين تقال
س - يقولون ليست السعادة أن نتوهمها فهل أنت سعيد في حياتك؟
ج - لم أرفع رأسي لأفكر حتى الآن بهذا
س - هناك قصة تقول: إن مواطناً منغولياً كان يطرب لسماع صوت الانفجارات المتقطعة المنبعثة من المحركات فلربما لأن أذنه قد تكيفت تكيفا ممتازا فما رأي منصور الرحباني بعملية التكيف وما تأثيرها على الحس الموسيقي المرهف؟
ج - هذا صحيح يمكن أن يطرب ذواق موسيقي لسماع انفجارات وغيره
لقد كنت في طفولتي أطرب وأنام لدى سماع هدير البحر
واستفيق بسعادة على صوت بابور الكاز لان أمي كانت تستيقظ لتصنع القهوة  لوالدي

كنت اطرب لصوت هدير البابور وما زال يسعدني ان أستفيق على صوت قطرات المطر الساقطة على سقف التوتياء في الشتاء هذه الأمور التي ترافق الإنسان الى أن تدخل معه في عالم الألفة وترتبط بذكرياته وتنخرط ضمن حالاته النفسية فإن الاستمرار يجعلها محببة وربما بدت لسواه مزعجة
س - قال الموسيقار عبد الوهاب (تبلغ موسيقانا  الدرجة التي نطمح لها عندما نستطيع ان نعزف الأغنية دون كلمات دون ان تفقد شيئا من قيمتها  الجمالية)
هذا يذكرنا يمقولة صاحب نظرية الأدب إن أرفع الشعر لا يميل إلى التلحين وان الموسيقا العظيمة لا تحتاج إلى الكلمات  فما رايك؟
ج - إن الموسيقا التي يقال بانها ليست بحاجة الى كلمات هي الموسيقى السيميائية وهي ذروة الموسيقا ولكن باستطاعة اللحن ان يتضافر مع الكلمة ويبلغ القمة مثل الأوبرا مثلا
بالواقع أنا ضد التحديدات فالتحديد يقيد الجمال لان الجمال هو الهارب الأبدي.
س - هناك من قال بأننا نفتقد إلى الحدوثة في الأغنية مار أيك؟
ج - مبارح التقينا وقعدنا على حجر
وبرد وحوالينا عريانة الشجر
مزقنا الصور و امحينا القمر
ورديت له مكاتيبه
وردلي مكاتيبي
س - قال  بيتهوفن بإحدى رسائله (لو تمكنت من أن اعبّر للطبيب عن ألمي كما اعبر عنه بالموسيقا لشفيت من جميع  الأمراض).
فما رأيك بالتعبير بالموسيقا.؟
ج - نحاول بالواقع أن نعبر بالموسيقا واللحن عن شيء ما ونجهد بان يصل للآخرين.
وبتهوفن ربما استطاع ان يجسد ألمه بهذه الدقة فالموسيقا عالم تجريدي وعندما ينحدر يصبح وصفيا ولا سيما أن أنقى الموسيقا هي الموسيقا الكلاسيكية ثم الموسيقا الرومانتيكية  من ثم الوصفية
س - أستاذ منصور بم تفكر الآن
ج - أفكر....! بالكسل الكسل
قالها بصوت هاديء وبنبرته المتميزة الخاصة وقد انبرى يفسر لي ذلك استجابة لسؤال ارتسم بعيني نعم الكسل هو الأهم انه حالة الدخول بالذات. والاستغراق في عوالمها الخاصة والشاسعة حيث التأمل. التأمل يخلق الإبداع.
س - يقال إنكم تحجمّون أدوار البطولة عن المطربين. قال المطرب وديع صافي لجريدة تشرين الأخوة رحباني يحترماني ولكنهما يخافا مني.
فما رأيك بقوله هذا؟؟
ج - وديع الصافي أخونا وهو دائما محل احترام وشهرته ليست ملك أيدينا إنها عطاء الجمهور وحده نحن لا نقف في وجه من يود الانفصال عنا
لتحقيق ذاته الفنية ووديع لم نغمطه حقه أبدا لقد كانت ادوار البطولة الرجالية دائما من نصيبه
س - هل وصلتم الى ما تصبو إليه أنفسكم؟
هل حققتم مطامحكم الفنية؟
ج - الكمال  لا يصل إليه إنسان
لكن يمكن لي من متابعة مسيرة الأخوين رحباني الطويلة والشاقة ان أقول نعم نعم نحن في عصر الموسيقا العربية الراقية.
2
أما الحوار الثاني الذي كنت قد أجريته مع الفنان منصور الرحباني.. فقد نشر في مجلة الإذاعة والتلفزيون في دمشق.
ومنه نختار الأسئلة والإجابات التالية:
س - في الزمن الرحباني هناك تحولات وانعطافات تركت بصماتها على صعيدي الكلمة واللحن فما هذه التطورات الجديدة الطارئة على مدرستكم
ج - نحن لا نسمي النوع الرحباني مدرسة نحن نعتبره أسلوبنا الشخصي
ثم أن التطور الجديد الذي تتكلمين عنه لا يأتي قصدا نحن لانضع له خطة يجري تنفيذها على مراحل هذا الجديد إنما يتبع تحولات الإنسان المتطور دائما والمسافر في هذا الوجود.
س - أخذ الرحابنة من الموروث روعته البسيطة وأخذوا من الطبيعة لب جمالها وكان النتاج أغنيات على مد المخيلة وهنا نريد إيضاحا حول علاقة الأخوين رحباني بالموسيقا الغربية مالها وماعليها؟
ج - لو استطاعت فاديا أن تجيبيني على سؤالي ما هي علاقة المثقف العربي بالثقافة الغربية أجيبك أنا واستطرد  قائلا إن كل ما في الأمر أن عصرنا الحاضر هو عصر ينفتح على ثقافات الدنيا فالطالب لا يصل إلى الثانوية إلا بعد أن يصل إلى الفلسفة اليونانية والثقافة الرومانية ويقرأ وشوبنهور وشكسبير و شعر رامبو وبودلير  وفلسفة كانت ووو... حتى يصل إلى مرتبة عالية من الثقافة بعد أن يختصر في مخزونه حضارات عدة بعدها يأتي عطاؤه الشخصي لذلك لا يمكننا القول أن مثقفي العالم العربي هم غربيون لقد أصبح الآن في العالم ثقافة يضطلع عليها الجميع ومن هذا القبيل كانت  دراستنا للموسيقا الغربية.
لقد أخذنا عنهم علم الهرموني والكونتربوار والفيج وزاوجنا ذلك مع موسيقانا الشرقية فنتج ما يجب ان يكون وهو موسيقا شرقية تتمتع بخصائص عالمية والمهم عندي أن ينتدب الفنان نفسه لعطاء فني متميز وأن يزيد على حضارته مدماكا  فالحضارة يبنيها الجميع.
س - الرحابنة وفيروز طرفا معادلة هكذا يردد الناس لا يمكن لأي طرف منهما أن يعيش بمعزل عن الآخر فإلى أي مدى أصبحت علاقة فيروز بالعائلة كثراث موسيقي وكقيمة جمالية للغناء؟
ج - هذه المعادلة في نظر المحبين لنا صحيحة نوعا ما إنما في حقيقة الأمر يستطيع كل إنسان أن يقوم بأعمال منفردة ناجحة فالسيدة فيروز  قامت برحلات منفردة موفقة  إلى امريكا وأوستراليا والهند كذلك نحن قمنا برحلات وأعمال منفردة ناجحة فلكل منا حضوره وخصائصه ثم أن التأليف لاعلاقة له بتادية اللحن غنائيا إنما يبقى حضور الشخص المؤدي وملكته والكاريزما الخاصة به. ترى هل تستطيع أن توصل الفنان إلى المسافة الثالثة التي هي المستمع؟ وهنا تكمن قوة وعظمة السيدة فيروز حيث لا ينبغي أن ننسى حضورها البهي وفرادة صوتها.
س - ألا توجد فيروز جديدة في عالم الرحابنة الحالي؟؟
ج - لا يوجد إلا فيروز واحدة ولا ينبغي أن يكون وهذا لا يعني أن نقطع الطريق على الآخرين فالمواهب تتوالد... والحياة تفاجئ الناس والمثل الصيني يقول دعوا كل الأزاهير تتفتح.
س - حول الرحابنة الموسيقى إلى روح تتحدث في جسد الأغنية العربية فإلى أي مدى استطاعت هذه المسألة أن تكون حقيقية..؟
ج - نحن كتبنا ما نشعر به استمدينا موسيقانا وصورنا من آلام الناس وأفراحهم بوعي ودون وعي بقصد أو دون قصد هذا ما حدث  فإن تجاوب شعبنا مع موسيقانا نكون قد نجحنا وإلا كنا غرباء في محيطنا.
س - ثمة اعتقاد يقول أن مسرح الرحابنة قد واجه في السنوات الأخيرة اختناقات صعبة ما مرد ذلك؟
ج - كل مسرح بل كل ما في لبنان قد واجه اختناقات قاتلة بسبب الحالة الأمنية المتردية والتي لا تسمح بالواقع بقيام عمل فني
واسمحي لي أن أتحدث بقضية خضوع العمل الفني لرأس المال. فالمسرحية حتى تقف على الخشبة وتصل إلى ليلة الافتتاح يلزمها موسيقا ملابس تسجيل وتمارين ومعدات قد تصل مصاريفها مئات الألوف من الليرات وهذا بالطبع يضعه المنتج فالفن المسرحي والمسرح الغنائي مرتبطان إلى حد كبير بالإنتاج وهذا ما يواجهه كل المسرح اللبناني في الفترة الأخيرة.
س - ما دورا لكلمة بل ما دور الشعر في نجاح الأغنية؟
ج - تبقى الكلمة العنصر الأهم حتى في الغناء الغربي لهذا وجب علينا ان نعرف كيف نختار شعر الأغنية ثم أنني لا افرق بين الزجل والشعر فانا لا أسمي على سبيل المثال شعر ميشيل طراد وطلال حيدر وغيرهما زجلا إنه شعر حقيقي باللغة المحكية وهنا لا فرق لدي بين الشعر الفصيح وغيره المهم وجود الكهربة الشعرية المهم الحضور الشعري
س - ما الذي يؤرق منصور الرحباني؟
ج - أعتقد ان القلق هو سمة هذا العصر فالسعادة قلقة اما الحزن فساكن ووجودنا الهارب تأملنا في التحولات في الليل والنهار بين الظل والشمس جميعها تودي بنا إلى سؤال واحد هو إلى اين؟ وهذا هو القلق الأقوى.
س - ماهو دور الحب في نتاج منصور رحباني؟
ج - أنا أحب الحب ولكن المحبة أمدى... وأبقى فهي لا تحدد بحب رجل لامرأة بل هي محبة لكل الإنسانية.
نعم نعم لقد أخذنا الفن الرحباني شعرا وتلحينا عكس الزوال عكس المعادن والخراب إلى جبل صنين تارة والى درب القمر تارة أخرى إلى بساتين السعادة إلى زهرة المدائن القدس شاحذا سمعنا إلى سحر هذا الفن الذي يجوهر الدم بالعشق والصبا والجمال موقفنا على درجاته تدفقا دائما وولها وحيرة و عشقا في رحلة عذبة تاركا شغفنا ينمو على طريق الحياة.
إنه الفن الذي مضى بنا على جسر اللوزية تارة وعلى طريق البوسطة تارة أخرى
حيث أضاف الأخوين رحباني من كنوز فنهما للصوت الفيروزي الدربة الواعية  ومنحاه عبر اللحن العذب والكلمة الساحرة التدفق والحيوية والانتعاش مكتشفين تلك القوة القادرة فيه على اللعب بأمزجتنا محدثة انقلابات عاطفية تمضي بنا عبر لذائد الحب الأول وعذاباته ونشوته المطرزة على قماش الحلم الذي يمطرنا  حبا وشغفا أمام المرايا التي يملؤها النبع والطاحون والقمر وذهب تشرين.
اليوم..
يرحل منصور صوب ضفاف الغيم ليستريح،بعدما ترك في عهد الأحفاد من سلالة الرحابنة صولجان هذا الفن السحري الخلاق.
كم كنت مدهشاً ورائعاً يا سيد الكلمات والألحان. ووداعاً حيث لن تنقطع الطبيعة والبشر عن إنشاد ما أسست في الأرواح من فتنة وما أعطيت لتربة الأرض من عطر الفن الصافي.
 
فاديا الخشن / شاعرة من لبنان تقيم في الدنمرك -
*د يحيى
10 - مايو - 2010
هل الشعر حمّال قضايا ؟ الجواب بالنفي عند زينب عساف    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم
 
لا تسعى إلى استعراض العضلات الشعرية بل إلى العاطفة والبوح
زينب عساف: لا يمكن للشعر أن يكون حمّال قضايا
«بواب الذاكرة الفظ» عن «دار النهضة العربية» الإصدار الشعري الثاني للشاعرة زينب عساف، بعد باكورتها «صلاة الغائب». في كتابها تظهر عساف أكثر هدوءا، وأقل مباشرة، بلغة بالغة الدلالات المستوحشة، وحزينة على الرغم من النبرة الساخرة في قصائد قصيرة، فردت لها الشاعرة ملحقا خاصا في إصدارها. عن كتابها كان هذا الحوار:
في معظم قصائدك نجد أن ثمة «أمومة» ما، هل لذلك علاقة بكونك أنثى تكتب؟
?مصطلح الأمومة فضفاض وخاضع للتحوّل بشكل دائم. لكن، لعلك تقصدين بالأمومة النظرة الحانية والمتسامحة نحو الكائنات والعالم، هذه النظرة «الأنثوية» موجودة إلى حدّ ما في نصوصي، وهي تسير جنباً إلى جنب وبطريقة لا أستوعبها مع الرفض والسخط. هل لذلك علاقة بكوني أنثى؟ علينا أولاً أن نتفق على مفهوم الأنوثة أو الذكورة اليوم. تلاحظ عزّة شرارة بيضون في كتابها المهم «الرجولة وتغيّر أحوال النساء» أن الرجل أسبغ على المرأة كل ما هو بدائي في داخله، أي كل ما هو طفلي، نزوي، لاعقلاني، ناقص. وفي هذا المعنى «الذكوري» فإن الشعر نفسه، من حيث كونه الأكثر التصاقاً بالبدائي فينا، هو أنثى أيضاً. هكذا يكون استخدامك للفظة «أمومة» في مكانه، لأن حب المرأة الأصلي والوحيد كما تلاحظ ألفريده يلينيك هو حبّها لولدها، أي أن الأمومة هي التجسيد الأقصى للحب عند المرأة. وبما أن «اللغة هي الذاكرة المجبرة على الحب» بحسب الشاعر الفرنسي جان ميشال مولبوا، واعذريني على كثرة الاستشهادات، فإن هذه اللغة تصبح لدى المرأة «الذاكرة المجبرة على الأمومة».
حارس الذاكرة
بالحديث عن الذاكرة، ثمة تكرار لهذه اللفظة وكذا لصورة الأبواب في شعرك، لمَ تربطين بين هاتين التيمتين؟ هل تحاولين الإقفال على ماضٍ ما أو تواجهين مشكلة في استعادته؟
?صحيح. ثمة تكرار وربط بين الكلمتين اللتين تبدوان كنقاط اتكاء للقصيدة في كل مرة، ربما لكونهما تختصران فكرة الزمن بالنسبة إليّ. فما الحاضر سوى باب أُقفل، أو هو في طور الإقفال على الذاكرة، أي الماضي. وهذا الإقفال يتمّ في المعنيين: الانقضاء وعدم إمكان الاستعادة (من هنا جاء عنوان الديوان «بوّاب الذاكرة الفظّ»، لأن حارس الذاكرة القاسي هو من يمنع استعادة الماضي، أو يعيق أي محاولة لعرقلة مرور الوقت). كما أن الباب هو الحيّز الفاصل بين داخل وخارج، واقرني ما شئتِ من الكلمات بهذا الفصل: داخل الأنا وخارجها، داخل الانتماء وخارجه... إلخ، أي ان الباب هو الحدّ بين المفاهيم المختلفة، إنه محيط الأشياء الذي يخرجها من الاندماج والذوبان. تعجبني فكرة الباب لأنه خط تماس يسمح بالاستقلالية والتواصل في آن واحد.
بين «صلاة الغائب» و«بوّاب الذاكرة الفظّ» غابت زينب وحضرت أخرى، ما الفرق بين الاثنتين؟
* أظنني أكثر هدوءاً وأقلّ مباشرة في الكتاب الثاني، من دون أن يعني ذلك التخلّي عن «المشاكسة». لم يكن ممكناً لصوتي أن يكون خفيضاً في الكتاب الأول لأنه جاء بمثابة صرخة ولادة. أما الآن، بعدما ظهّرتُ ملامحي الخاصة، فقد «استكنت» قليلاً وصار الفصل بين حنجرتي وصراخ الأخريات اللواتي يلبسنني طويلاً ضرورياً. «صلاة الغائب» جعلني أُفهَم أحياناً بطريقة خاطئة، فأنا لم أكن «نسوية» بالمعنى الصدامي للكلمة فيه (رغم أنه يحق لأي امرأة أن تكون كذلك)، بل أردت فحسب التخلّص من الأخريات والخروج على العباءة السوداء الهائلة التي تجمعهن. المشكلة أن تكرار كلمة «حقوق المرأة»، وهذا «الطحن» اللغوي الفارغ والرهيب للمصطلحات، جعلا الحديث عن الموضوع يقع دائماً في إطار «الكليشيه». في الأحوال كلها، لا يمكن للشعر أن يكون أيديولوجياً وحمّال قضايا. لا يمكن للشعر أن يكون «عتّالاً».
«القمر أول النفق» قصيدة طويلة كُتبت أثناء الحرب الأخيرة، لكنها من دون أسماء، ولولا عبارة «يا ضاحيتنا» لما أمكننا أن نعرف ذلك؟
* الحرب الأخيرة غيّرت معالم الأمكنة وأسقطت أسماء الشوارع والأحياء. لقد مزجت هذه الأسماء جميعها تحت اسم عام واحد هو ساحة القتال. وقصيدة «القمر أول النفق» الطويلة هي استجابة شعرية بالضرورة لهذا الواقع، لذا غابت عنها شواهد الأمكنة، وحضر نداء «يا ضاحيتنا» المرّ والعقيم، المتكرر عند كل مفصل. بدأتُ هذه القصيدة تحت القصف الإسرائيلي، في ليلة لم يكن النوم فيها وارداً، ثم رحت أضيف إليها تدريجاً في محاولة مني لإعادة تشكيل الخريطة من جديد واستيعاب الكمّ الهائل من الدمار. الدمار النفسي بالدرجة الأولى الذي عبّرت عنه بالقول: «سنحتاج مصحّات كثيرة/ لرفع هذا الركام كله». وتلاحظين ألا حدود بين الأنا والآخر، بين الداخل والخارج، في هذه القصيدة، لأن الحرب تقيم بين الأفراد روابط غريبة وغير مفهومة عرّابها الخوف، كما تفتح الفيزياء على البيولوجيا، الرصاص على اللحم الحيّ. هكذا تتداعى القصيدة وتتداعى حتى تصل إلى لحظة خواء مطلقة: «لقد رحل السكّان/ وتركوا عينيّ مضاءتين». اللحظة التي يعبّر فيها الشعر عن عجزه الكامل.
قصائد ذات سلالة واحدة
فصلت القصائد القصيرة ذات النبرة الساخرة في ملحق، لماذا؟
* وجدت أن هذه القصائد تنتمي إلى سلالة واحدة، وأن نشرها متفرّقة داخل الديوان سيشتتها. لكن هذا الفصل ليس تصنيفياً بالكامل، فالقصائد الأخرى لا تخلو من السخرية أيضاً، لكنها سخرية بنيوية، من كبد النص.
ثمة تخلٍّ ما نلمسه تحت كلماتك. تكتبين كأنك على عجلة للذهاب، إلى أين؟ هل ثمة مكان ما بالمعنى الشعري تطمحين إلى أن تصلي إليه؟
* لنقل ثمة هرب دائم نحو الأمام، أو تجاوز للذات وقفز على حدودها السابقة، لأنه لا يمكن لشاعر أن يحسّ بالراحة ويركن إلى يقين ما، ثم يحتفظ بعد ذلك بصفة «شاعر». هذا الحراك المستمرّ هو السطح الذي يغلي للقلق الوجودي، لزئبقية الشعر الذي يشبه جحيماً بلا قعر أو جنة من دون سلالم. لا أعلم، قد أكون طامحة فعلاً للوصول إلى المكان الذي تحدّثتِ عنه، لكن ما هو هذا المكان وأين يوجد؟ على الأرجح أن هذا المكان هو حالة قصوى لا يمكن للمرء أن يصل إليها من دون أن يُهلك نفسه. وبما أن الوصول متعذّر، فنحن نواصل خداع أنفسنا ونطلي عجزنا بالكلمات، أو نوزّع بيوتنا في زوايا العالم الأربع، كما يقول أونغاريتي.
لا أبحث في الدواوين عن استعراض العضلات الشعرية، بل عن القصيدة التي تدفعني إلى الإيمان ببرّيّتها، إلى التقاط تيّار من العاطفة الصادقة والعنيفة يجري تحت كلماتها، رغم كونها منخفضة اللهجة وبسيطة. غالباً ما أبحث عن بوح لا يبتعد كثيراً عن الشفتين.
بعد تجربة مجلة «نقد» أعلنتم عن تأسيس جريدة أسبوعية للشعر تحمل اسم «الغاوون»... سؤالي هنا: لمَ الجريدة؟
* «نقد» مستمرّة طبعاً، لكن مشروع «نقد» مشروع منهجي يقوم على إعادة قراءة التجربة الشعرية العربية من خلال تخصيص عدد لتجربة كلّ شاعر، إضافة إلى قيام هذا المشروع على مراكمة نقدية ربما تساهم، مستقبلاً، في تشكيل تصوّر عن المكان الذي وصلت إليه التجربة الشعرية العربية، خصوصاً أن «نقد» تولي الشعراء الشباب المساحة الأكبر للاضطلاع بهذه المهمة الوعرة. مشروع الجريدة هو مشروع مكمّل للمجلة، لكن أكثر دينامية. المجلة تحمل مشروعاً كما قلت، أما الجريدة فليس لديها مشروع سوى الشعر بحدّ ذاته. لـ«الغاوون» فكرة بالتأكيد، قوامها المجاورة بين حياة الشاعر ونصّه، في وصف هذه الحياة نص آخر. إنها جريدة للشعراء في وصفهم بشراً لديهم أفراحهم وأحزانهم ومشاكلهم وعالمهم الاستثنائي.
ومتى ستنطلق «الغاوون»؟
* مطلع كانون الأول المقبل كما نتمنى. إنها مسألة غاية في التعقيد، خصوصــاً أنها جريدة للشعر، أي لن يكون من حقها أن تشبه أحداً سواء في الماكيت أو في الإخراج أو في الرؤيـة... لكن الحماسة لا تنقصنا، والجميع يعمل ويضيف أفكاراً، وأرجو أن تسمحي لي هنا بتوجيه التحية إلى فريق الجريدة المكوّن من الشعراء الأصدقاء: غسان جواد، فيديل سبيتي، رامي الأمين، محمد بركات، علي زراقط.
 
عناية جابر / عن السفير
*د يحيى
10 - مايو - 2010
 1  2