تحية طيبة أصدقائي الأعزة.
قرأت في الأيام الماضية الكتاب السابع من يوميات المرحوم خليل السكاكيني، منشورات مؤسسة الدراسات المقدسية ويقع في (500) صفحة، وهو يغطي الأيام من 27/11/ 1939- وحتى 31/12/1941).
وموضوعه العام مناجاته زوجته (سلطانة) بعد وفاتها إثر مرض عضال يوم 3/10/ 1939م وقد خصها أيضا بكتاب مفرد نشره في ربيع عام (1940) وسماه (لذكراك) وسيتكرر ذكره في كثير من هذه اليوميات.
وكان قد اقترن بها يوم 13/1/ 1912م وأنجبت له ثلاثة اولاد، هم : (سرّي ودمية وهالة) واحترق قلبه على وفاة ولده "سري" فتوفي بعده بثلاثة أشهر يوم 13/ آب/ 1953 ومولده: ليلة الثلاثاء 10/1/ 1878م
ولكني لا اجد الفرصة سانحة لقراءة وتلخيص كل هذه المجلدات حاليا، وربما أتفرغ لذلك في وقت لاحق، وأما خليل السكاكيني فواحد من اعلام العرب في العصر الحديث، وهو في المسيحية بمنزلة محمد رشيد رضا في الإسلام، وقد بدرت منه كلمات في ساعات هزله، تؤخذ عليه (بلا شك) ولكن من تصفح مجموع هذه اليوميات يرى أن الأجواء التي ندت فيها تلك الكلمات كانت أشباهها تتعالى كالأعاصير في كل صحيفة ومجلة ، أقول هذا كيلا يأتي من ينكر علي إكباري لهذه الشخصية الفذة، وينقل إلى هنا تجديفات السكاكيني ولعناته التي تنبأ بها في هذا الكتاب وفي كتابه " "ستلحقني اللعنات إلى القبر"
سنرى في هذه اليوميات مفكرا استثنائيا، واديبا نخبويا، وفيلسوفا حداثيا، وعاشقا مجنونا، وأبا حنونا، وإنسانا عصاميا، ومربيا مستقلا، ووطنيا من الطراز الرفيع، ومؤمنا بالله، يشكره عند كل نعمة، ويستعيذ به من الشر وأهله.
قد يقوم من يسخر مني فيقول: وهل في إيمان خليل السكاكيني من شك، وهو الذي أنفق شبابه في محاولة إقناع الكنيسة الأرثوذكسية بضرورة تعريب الصلاة في الكنيسة، فكان ذلك سبب ما وقع بينهما من العداء، وسوف نرى ذلك بكل تفاصيله في ثنايا هذه المختارات التي اخترتها من كتابه (موت سلطانة)
وقد تعرض في هذه اليوميات لمعظم الحوادث العالمية والوطنية، وتخللتها تراجم نادرة وأخبار طريفة، ونكات ومنتخبات، وكتب ومنشورات، ومراسلات اصدقاء من كبار رجالات العرب، منهم محمد علي الطاهر، وأكرم زعيتر وعجاج نويهض، ومنصور فهمي، وبندلي جوزي، ومعروف الرصافي ورستم حيدر، وحسن الكرمي وآخرين من يهود وإنكليز وفرنسيين وأتراك وصداقات طويلة ومتشعبة كانت حصيلة تنقلاته بين مسقط رأسه في القدس، وسجنه في دمشق وعمله في مصر وأمريكا وإنكلترا، وكان لما عاد من أمريكا عام 1919 قد عين مديرا لدار المعلمين في القدس لكنه استقال احتجاجا على تعيين "هربرت صموئيل" اليهودي الأصل ليشغل منصب المندوب السامي لبريطانيا في فلسطين. وانقطع للكتابة في الصحف ورعاية مدرسته التي افتتحها عام 1909م وجددها وطورها لاحقا عام 1925 ليصبح اسمها المدرسة الوطنية، ثم عام 1935 لتتحول إلى (كلية النهضة) وغني عن القول كتابه "الجديد" والذي كان مقررا في مدارس فلسطين والأردن حتى عام 1976 وكان أكبر مصدر رزق له حسب ما تقوله لنا هذه اليوميات.
وقد لحقه شؤم دعوته (تعالوا ننقرض) فانقرض نسله، بل الله ثراه وغفر لنا وله.
وأنوه أخيرا بأن كل ما يتعلق بالقدس في يوميات السكاكيني قد جمعت في كتاب مستقل من إعداد الدكتور أحمد حامد، في سياق فعاليات مؤتمر "حضور القدس في المشهد الأدبي الفلسطيني المعاصر" |