أهدى سبيل إلى صناعة الشعر الحر كثير من شُداة الشعر وعشاقه يمتلكون عناصر مختلفة من وسائل إبداعه، من عاطفة، ولفظ، وتعبير، وتصوير، لكن يجدون صعوبة كبرى في صبِّ تجاربهم في القالب الشعر التراثي العتيق المنبني على الوزن المتسق، والتفعيلة الموحدة، وتكرارهما في كل أبيات النص... وتلك عقبات أمامهم تحول بينهم وبين الإبداع، ومن ثم يخسر الشعر عددًا لا بأس به من المبدعين والمبدعات، ويفقد كمًّا من النَّتاج الشعري، ويكون ذلك في صالح الأجناس الأدبية الأخرى، لا سيما القصة القصيرة، والخاطرة. ولذا تتراجع مكانة فن الشعر، وينتقل العرب المعاصرون إلى ديوان جديد غير الشعر! والحل الناجع في تلك المعضلة أن يلجأ هؤلاء الشداة إلى نسق الشعر الحر، يتعلمون عروضه، ويعيشون مع روائعه عند نازك الملائكة، والبياتي، والسياب، وصلاح عبدالصبور، ومحمود درويش، وأحمد مطر، ونزار قباني، والحسن الأمراني وصابر عبدالدايم...إلخ ذلك لأن الحرية الموجودة في ذلك النسق تُيَسِّر عملية الإبداع، وتُوسِّع مساحة فن الشعر في دنيا الثقافة العربية المعاصرة والمستقبلية، وتُمَهِّد لأن يخوض هؤلاء فيما بعد الإبداع على النسق الشعري التراثي العتيق... ولعل السؤال الذي يفرض نفسه الآن: كيف أصنع الشعر الحر؟ كيف أصبُّ تجربتي في ذلك القالب؟ أجاب عن ذلك كثير من الباحثين على رأسهم نازك الملائكة التي تعد بكتابها(قضايا الشعر المعاصر) الخليل الثاني، والدكتور محمود علي السمان في كتابه(العروض الجديد)، والدكتور عزالدين إسماعيل في كتابه(الشعر العربي المعاصر..)...وآخرين. وإني في هذا الملف أحاول أن آخذ بيد هؤلاء الشداة إلى تلك الصناعة، لعله يخرج منهم شعراء يضيفون جديدًا، ويتمتعون ويُمتعون، دونما نظرٍ إلى تلك الهجمة الشرسة على ذلك النسق الشعري الحر، من قبل من يتعصبون، ويجادلون في قضايا نسبية، ليس فيها ضرر أو ضرار، وينطلقون في رؤاهم من نظرية المؤامرة التي يعيش أصحابها ليلَ نهارَ في الهدم والتربص والاتهام والتحريم... وما إلى ذلك من وسائل سادية استعلائية عنصرية!!! د/صبري أبوحسين |