البحث في المجالس موضوعات تعليقات في
البحث المتقدم البحث في لسان العرب إرشادات البحث

مجلس : دوحة الشعر

 موضوع النقاش : أهدى سبيل في صناعة الشعر الحر    قيّم
التقييم :
( من قبل 1 أعضاء )
 صبري أبوحسين 
15 - نوفمبر - 2009
 
أهدى سبيل إلى صناعة الشعر الحر
كثير من شُداة الشعر وعشاقه يمتلكون عناصر مختلفة من وسائل إبداعه، من عاطفة، ولفظ، وتعبير، وتصوير، لكن يجدون صعوبة كبرى في صبِّ تجاربهم في القالب الشعر التراثي العتيق المنبني على الوزن المتسق، والتفعيلة الموحدة، وتكرارهما في كل أبيات النص... وتلك عقبات أمامهم تحول بينهم وبين الإبداع، ومن ثم يخسر الشعر عددًا لا بأس به من المبدعين والمبدعات، ويفقد كمًّا من النَّتاج الشعري، ويكون ذلك في صالح الأجناس الأدبية الأخرى، لا سيما القصة القصيرة، والخاطرة. ولذا تتراجع مكانة فن الشعر، وينتقل العرب المعاصرون إلى ديوان جديد غير الشعر!
والحل الناجع في تلك المعضلة أن يلجأ هؤلاء الشداة إلى نسق الشعر الحر، يتعلمون عروضه، ويعيشون مع روائعه عند نازك الملائكة، والبياتي، والسياب، وصلاح عبدالصبور، ومحمود درويش، وأحمد مطر، ونزار قباني، والحسن الأمراني وصابر عبدالدايم...إلخ
ذلك لأن الحرية الموجودة في ذلك النسق تُيَسِّر عملية الإبداع، وتُوسِّع مساحة فن الشعر في دنيا الثقافة العربية المعاصرة والمستقبلية، وتُمَهِّد لأن يخوض هؤلاء فيما بعد الإبداع على النسق الشعري التراثي العتيق...
ولعل السؤال الذي يفرض نفسه الآن:
كيف أصنع الشعر الحر؟ كيف أصبُّ تجربتي في ذلك القالب؟
أجاب عن ذلك كثير من الباحثين على رأسهم نازك الملائكة التي تعد بكتابها(قضايا الشعر المعاصر) الخليل الثاني، والدكتور محمود علي السمان في كتابه(العروض الجديد)، والدكتور عزالدين إسماعيل في كتابه(الشعر العربي المعاصر..)...وآخرين.
    وإني في هذا الملف أحاول أن آخذ بيد هؤلاء الشداة إلى تلك الصناعة، لعله يخرج منهم شعراء يضيفون جديدًا، ويتمتعون ويُمتعون، دونما نظرٍ إلى تلك الهجمة الشرسة على ذلك النسق الشعري الحر، من قبل من يتعصبون، ويجادلون في قضايا نسبية، ليس فيها ضرر أو ضرار، وينطلقون في رؤاهم من نظرية المؤامرة التي يعيش أصحابها ليلَ نهارَ في الهدم والتربص والاتهام والتحريم... وما إلى ذلك من وسائل سادية استعلائية عنصرية!!!
د/صبري أبوحسين
 
 3  4  5  6 
تعليقاتالكاتبتاريخ النشر
بين العقل والعاطفة    كن أول من يقيّم
 
بسم الله وعليه توكلنا
ولنبدأ التعقيب على المشاركات بالترتيب ،
وتحياتي لجميع الإخوة الأحباب 
الشعر ظاهرة موسيقية.. 
وبغير الموسيقى لن يكون الشعر شعراً.
تحية طيبة أستاذنا وحبيبنا الأمير عمر خلوف ، الذي كم أفدنا ، ولا زلنا نفيد ، من علمه الغزير بارك الله فيه.
 ولقد ورطت نفسي بين أمير ودكتور جامعة ، فكان الله في عوني . ورطة عقباها فوائد جمة لي قبل غيري إن شاء الله، وله الحمد والمنة. ولقد فهمت من مشاركة أمير عروضنا أنه لا يرى في الأشعار ذات الموسيقى غير الخليلية أشعارا تستحق أن تكون أشعارا حقيقية ، وهذا ما ذكرني ببعض من مطالعاتي السابقة في مواضيع تعريف الشعر والخلاف فيه على مر العصور .
 أستاذي،
في مسألة موسيقى الشعر العمودي والشعر التفعيلي ( بغض النظر عن دقة التسميات) تتنازعني عاطفة حبي للشعر العمودي الأصيل من جهة ، ويسيطر عقلي عليها من جهة أخرى، فيرى في التجديد الشعري أمرا طبيعيا لا غضاضة فيه ،  وسوف يبدو هذا من مشاركاتي التالية :
لا أظن أن خلافا يمكن أن يدور حول ما تفضلت به من أن الشعر ظاهرة موسيقية بارزة إضافة إلى مقومات الشعر العديدة التي تجعل منه شعرا، كما أن للنثر الفني موسيقاه أيضا ، ومن دونها لن يكون نثرا فنيا ؛ ولكن الشكل الموسيقي للشعر يختلف عنه الشكل الموسيقى للنثر كما توارثنا. والسؤال المتبادر: هل الشكل الموسيقي الشعري شكل واحد ووحيد لم يتغير من لدن أجدادنا القدماء وحتى قبيل ظهور شعر التفعيلة؟
 كما تعلم حضرتك ، فإن بعض الموشحات ذوات أوزان وإيقاعات لا تتماثل وأوزان وقوافي الشعر العربي الأصيل ، وقد تأكدت من هذا، ليس مما أطالعه على الشبكة وحسب ؛ وإنما ما طالعته منذ مدة في كتاب : " فلسفة الموسيقى " لميخائيل الله ويردي ، وهو موسيقي وعروضي غزير العلم كحضرتك على ما ظهر لي من كتابه . فقد قال فيه عن الموشحات : " هي أهم ما في الشعر العربي من جهة التفنن الإيقاعي والترصيع الموسيقي" . وقد استخرج مؤلف الكتاب من دوائر الخليل أوزانا عديدة ، ولم يقل إن الموشحات مستخرجة من دوائر الخليل . وفوق ذلك فلا بد انك تعلم أن البند عد لدى بعض الباحثين ، ومنهم نازك الملائكة ، إرهاصا من إرهاصات شعر التفعيلة المعاصر ولو من جهة الشكل وحده .
إن موشح ابن زهر : " ما للموله من سكره لا يفيقْ..." ، والذي ذكره ابن خلدون في مقدمته ، يتخذ منه بعض الباحثين دليلا على تشابهه مع شعر التفعيلة ، بل إنهم يرون في أوزان شعر التفعيلة قربا من أوزان الخليل أكبر من قرب بعض الموشحات منه . فإذا كان ذلك مؤكدا ، فليس في التجديد الوزني الشعري الخارج على الأوزان المتوارثة غرابة تدعو إلى رفض أو انتقاص ما استحسنه المغاربة والمشارقة من فن الموشحات ، وشاع لديهم شيوعا كثيرا كان الغناء سببا رئيسا فيه ، وهو لا يجري كله على أوزان الخليل . وهذا يمكن أن يدعونا إلى عدم الانتقاص من شعر التفعيلة الجيد إذا اخذنا بحسابنا أن الذائقة الموسيقية ربما تتغير ولو شيئا قليلا على مر العصور لأسباب شتى !
ولقد قمت بترتيب كتابة موشح " ما للموله " على الطريقة التفعيلية المعاصرة ، بعد أن نسخته من مقدمة ابن خلدون( نشرة دار الكتاب العربي ، بيروت ، الطبعة الخامسة) فإذا بي أجده أبعد في المسافة عن أوزان الشعر العربي وقوافيه من المسافة التي يبعدها شعر التفعيلة في بحوره المتماثلة التفاعيل عنه .  وقد ألفيت هذا الموشح مكتوباعلى الشبكة بنفس الطريقة التي كتبته بها، مع بعض التباين في النص، ثم وجدت مقالا تضمن ذكر هذا الموشح (المقال على الشبكة في صحيفة الجزيرة وعنوانه : " رأي في شعر التفعيلة ")* ، وكاتبه في حينه رئيس رابطة الأدب الإسلامي العالمية ، د. عبد القدوس أبو صالح . وهذا هو الموشح المقصود ، ويلاحظ فيه تقسيمه التفعيلي :
 
ما للمولهْ
من سكره لا يفيقْ
ياله سكرانْ !
من غير خمر
ما للكئيب المشوقْ
يندب الأوطانْ!
هل تستعادْ
أيامنا بالخليجْ
 وليالينا!
أو يستفادْ
 من النسيم الأريجْ
مسك دارينا
وادٍ  يكادْ
حسن المكان البهيجْ
أن يحيينا!
نهر أظلهْ
 دوح عليه أنيقْ
مورق فينانْ
والماء يجري
وعائم وغريقْ
من جنى الريحانْ
هذا هو موشح ابن زهر ، الذي يقول عن موشحاته ابن خلدون إنها شرقت وغربت . ومن الواضح لي ، رغم أني لست خبيرا بعلم العروض ، أن وزن هذا الموشح وقوافيه لم تسر على النهج الذي سار عليه الشعر العربي الموزون المقفى ، ولا على موسيقيته وإيقاعاته كما بينت آنفا، ومع ذلك ذاع صيته وشاع أكثر من الأشعار المتداولة ، التي التزمت عمود الشعر تمام الالتزام. وهذا يقودني إلى التساؤل : لم أقبلت الذائقة العربية على الإعجاب  بالموشحات مع أنها، ولو في قسم منها، لا تسير على أوزان الخليل، والذين أعجبوا بها لسانهم الغالب هو اللسان العربي ، وثقافتهم في معظمها ثقافة عربية إسلامية!
والناظر في حال الشعر العربي الحر(شعر التفعيلة) يجده، عند رواده بشكله العربي، لم يبعد كثيرا بموسيقاه من موسيقى الشعر العمودي ذي البحور الشعرية الأصيلة ، وذات التفاعيل المتماثلة على وجه الخصوص ، بل إنه يظهر لي، كما ظهر لغيري، قرب شعر التفعيلة من بحور الشعر العربي أكثر من قرب موشح ابن زهر إليها . أما شعر التفعيلة التالي لشعر الرواد ، وما تلاه من أشعار تفعيلية في هذه الأيام ، فهي أبعد عن أوزان الخليل وقوافيها، كما يبدو . حاصل الأمر هو أن موسيقى الشعر يمكن أن تتبدل على مر العصور ، وان الذائقة الموسيقية العربية والعالمية لم تبق على حال واحدة . فالثقافات تتمازج لأسباب عديدة ، ولا يمكننا أن نعد ثقافة الجاحظ  الأدبية، مثلا ، ثقافة أدبية عربية خالصة كما كانت ثقافة أدباء عرب الجاهلية كامريء القيس والنابغة وغيرهما من ساكني شبه الجزيرة العربية ، فالجاحظ ربما يكون أخذ من ثقافات الشعوب التي كانت على اتصال وثيق بالدولة العربية الإسلامية ، من الفرس والترك والروم وغيرهم ، أكبر كما وأكثر تنويعا مما أخذ عرب الجاهلية، هذا غير مطالعتة الكتب المترجمة من كتب الروم  والأغارقة .
وللموضوع، بإذن الله ، بقية
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 
*ياسين الشيخ سليمان
23 - ديسمبر - 2009
موسيقى الشعر تتولد من انفعال المشاعر    كن أول من يقيّم
 
وشاعر التفعيلة اليوم، خسر بهجرانه الإيقاعات المركبة، طاقة موسيقية هائلة تقدمها له بحور الشعر العربية المركبة
" عمرك أطول من عمري إن شاء الله" ، فهذا ما كنت أنوي قوله ؛ ولكن طبيعة الشعر الحر تبعد عن القيود ما أمكنها ، فهي طبيعة تجعل موسيقى الشعر تتولد من الانفعالات والأحاسيس التي يحتويها وجدان الشاعر، لا أن يكون التعبير عن هذا الوجدان مقيدا بقالب موسيقي إيقاعي معين سلفا. والأصل في ابتداع أوزان الشعر العربي وإيقاعاته منذ نشأتها أنها لا بد وكانت تعبيرا عما في نفوس الشعراء الذين ابتدعوها . هذا التعبير يتباين بين شاعر وشاعر ، وبين مضمون ومضمون ، وبين موقف وموقف ، وبين زمان وزمان ؛ فتتباين الأوزان وتتعدد حتى تصل إلى ستة عشر بحرا تناقلتها الشعراء حتى أصلتها عبقرية الخليل في زمنه دون أن يلزم الخليل أحدا بعدم الزيادة عليها أو عدم نقدها، ودون ان يجزم احد بأن هذه البحور وحدها هي ما ابتدعته الذائقة الشعرية العربية القديمة . ومما يروى في كتب التراث الأدبي عن تصرف أبي العتاهية في أوزان الشعر ، وما يروى عمن قبل أبي العتاهية من شعراء جاهليين ظن بعضنا  أنهم وقعوا في الإخلال بأوزان الشعر العربي ، يجعلنا نميل إلى صحة القول بأن الأوزان تنطلق من ذائقة وشاعرية الشاعر في الأصل ، وإلا من أين أتت بحور الشعر حتى يلتزمها الشعراء وينظموا عليها!  
إن شعر التفعيلة المعاصر هذا لم يتعد على أوزان الخليل تعديا ، ولا إنه انتقص من الحاجة إليها ، بل إنه جعل للمضامين الشعرية ما يناسبها من الشعر من كلا النوعين لدرجة أن بعض القصائد التفعيلية  احتوت على النوعين في القصيدة الواحدة ، مع أن ذلك كان على قلة . ومن خلال مطالعاتي السابقة أخبار المرحومة نازك الملائكة النقدية تبين لي أنها لم تكن تقلل من قيمة الشعر العمودي أبدا ، وقد نظمت عليه قصائد كثيرة ؛ ولكنها ، كما علمت ممن اطلعوا على دفاتر أسرتها ونشر بعض ما فيها على الشبكة ، كانت ترى في ما تنظمه من شعر عمودي أنه لا يعبر كله دائما عما في نفسها كما ترغب هي ، ووجدت في التصرف في عدد التفاعيل وأشكال القوافي متنفسا لها للتعبير الأصدق . على أن إعجابها بالشعراء الغربيين ، خاصة جون كيتس ، وبالموسيقيين من الأجانب ، خاصة تشايكوفسكي ، واللذين كتبت في كل واحد منهما قصيدة على الأقل ، هو ما جعلها وفقا لظني ترى في شعر التفعيلة مساحة اكبر للتعبير المعاصر مما في الشعر العمودي من مساحة ، والسبب هو اختلاف المضامين الشعرية الحديثة ما بين شرق وغرب . كانت نازك الملائكة من المعجبين كثيرا بالشعر الرومانسي الوجداني ، وكان إعجابها بمحمود حسن إسماعيل ، وعلي محمود طه ، ومن مثلهما، دافعا لها لتتبين مصدر ثقافة أولئك الشعراء الوجدانيين الأدبية ، تلك الثقافة التي امتزجت بثقافاتهم الأدبية العربية ، ليتولد من هذا الامتزاج شعر عربي مضمونه جديد وصوره الشعرية مستحدثة ، وتراكيبه اللغوية بعضها مستحدث أيضا ، وهذا ، وفقا لما أظن ، كان سببا في سعي نازك الملائكة إلى مطالعة الأدب الغربي ، وكان سببا بالتالي لتأثرها بهذا الأدب ، الذي إذا ترجم إلى العربية بأسلوب النثر الفني نتج عن هذه الترجمة شكل من الكتابة الأدبية تجعل كاتبها يفطن إلى أن الشاعرية فيه يمكن أن تصاغ بقالب وزني قريب من القالب العربي الأصيل، وأن فيه حرية للتعبير أكثر كما أثر عن نازك الملائكة . وقد تم هذا الشعر لمحمود حسن إسماعيل قبل أن يتم لنازك الملائكة بأكثر من عقدين من السنين ، حين كتب قصيدة بعنوان : " مأتم الطبيعة" نشرتها مجلة " أبوللو " عام 1933، جاء فيها :
أطرق الطير على هام الغصون
كذبيح نفرت فيه الكلام
ودجا الكون وسجّاه السكون
بدثار الموت، والموت ظلامْ
وذكا فيه لهابا للشجونْ
أخرس الشادي بشجو وغرام
أي خطب قد دهاه!
وأسى أطبق فاه!
ولقد عقد د.محمود الدغيم * ( الذي نقلنا القصيدة من موقعة على الشبكة) مقارنة بين قصيدة محمود حسن إسماعيل التي ذكرتها وقصيدة " الكوليرا" لنازك الملائكة ، و قمت بمطالعة هذه  المقارنة فوجدت فيها ضالتي التي انشدها لتؤيد ما ذهبت إليه آنفا من أن وجدان الشاعر هو الذي يبتدع القالب الوزني المناسب للتعبير عما في ذلك الوجدان من شاعرية . وهذا ما يبين الفرق بين شاعر التفعيلة الحقيقي والشاعر العمودي ، وهو أن شاعر التفعيلة يطوع الموسيقى لانفعالاته الوجدانية ، بينما الشاعر الملتزم بحور الشعر يطوع لغته وما في وجدانه لأوزانها تطويعا . ويشبه عمل من يطوع شعره لوزن محكوم سلفا، عمل الذي يضع لحنا لأغنية لم تكتب كلماتها بعد . ويقال إن هذا كان يحصل بالفعل عند بعض الملحنين ، خاصة عند تلحينهم أغاني الأفلام السينمائية . على أن الشعراء العرب، الذين أبدعوا في شعرهم أيما إبداع حين جروا على الأوزان الخليلية، ما أعانهم على هذا الإبداع المقيد بالوزن إلا التوافق بين ما يريدون التعبير عنه وبين الأوزان الشعرية الأصيلة ، فترى نظمهم ينساب مع الإيقاعات الشعرية المناسبة والحاضرة دوما في أذهانهم دون قصد ، وكان كل إيقاع منها يفي بإظهار شاعرية ذات مضمون معين ، وان هذه الإيقاعات نشأ الناس على حفظها وتكرارها آلاف المرات ، حتى انطبق عليهم قول الشاعر :
وينشأ ناشيء الفتيان منا = على ما كان عوده أبوه
يتبع إن شاء الله
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* http://dr-mahmoud.com/index.php?option=com_content&task=view&id=264&Itemid=56
 
 
 
 
*ياسين الشيخ سليمان
23 - ديسمبر - 2009
الشعر الوجداني القديم لن نوليه ظهورنا    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم
 
ولقد عادت بعض أغراض الشعر العربي القديم كما نعلم كلنا أدراجها واستقرت في عصورها التي نشأت فيها ولم تعد متبعة في هذا العصر ، كأغراض الغزل الحسي الماجن الخليع ، والنسيب ، والتشبيب ، والمدح والهجاء الشخصيان، ومدح بنت الحان وكؤوسها ، وقبل ذلك، ولى الوقوف الجاهلي على الأطلال* ،على الرغم من روعته، منذ أيام وقوف النواسي على الخمارات . أما الشعر الوجداني القديم فلم يوله احد ظهره فارا منه ، بل ما زال ، وسيظل إلى ما شاء الله، يفعل فعله في نفوس قارئيه ، وما زالوا يستعيدون مطالعته مرات ومرات ، فهو شعر مضمونه يصلح لكل عصر ولكل مصر ، ولكل امة عربية كانت أو غير عربية تؤمن بالله ، فهو عالمي الانتماء لا شك في ذلك . وتحضرني الآن، كمثال عليه،  قصيدة ابن الرومي الشاعر الفذ حين قال :
بات يدعو الواحد الصمدا فـي  ظلام الليل iiمنفردا
خـادم لـم تُـبْقِ iiخدمتُه مـنه لا رُوحاً ولا iiجَسدا
قد  جفتْ عيناه iiغمْضَهما والـخليُّ  القلبِ قد iiرقدا
فـي حـشاه من iiمخافته حُـرُقـاتٌ تـلْذع iiالكبِدا
لـو  تراه وهو iiمنتصب مُـشْـعِرٌ  أجفانَه iiالسُّهُدا
كـلـمـا  مَرَّ الوعيدُ به سـحَّ  دمعُ العين فاطَّردا
ووهـت أركـانه iiجزعاً وارتـقت  أنفاسه iiصُعُدا
قـائـلٌ  يا منتهى iiأملي نـجِّـني مما أخاف iiغدا
أنـا  عـبدٌ غرّني iiأملي وكـأنَّ الـموتَ قد iiوردا
إلى آخر هذه القصيدة المعبرة المؤثرة... وهي من قصائد الموسوعة الشعرية في إصدارها الثالث.
ومن الشعر الوجداني المعاصر ، الذي يلتزم عمود الشعر ، وعلى إيقاع مجزوء الكامل المرفل على ما أعلم، ولا أظن بصاحبه أنه تأثرا كثيرا بغير الأدب العربي، أنقل الأبيات الشعرية التالية ، والتي ما عرفتها إلا لأني سمعتها مغناة . أما الأبيات المسبوقة بنجمة فهي التي ترنم بها عبد الوهاب على سلم موسيقي عربي أصيل ، أصيل في اسمه وأصيل في رسمه ، ألا وهو مقام " حجاز" :
*يا ليل صمتك راحة  للموجعين أسىً وكربا
*خففتَ من آلامهم  ووسعتـَهم رفقاً وحبا
أوَ ما ترى حدَث الزمان أمضّهم عسفاً وغلبا
يا ليل إن بسَم الخليُّ ُوسادرٌ لهواً ولعبا
فبحينه يبكي الشجيُّ وربما لم يأت ذنبا
هذا يـُنعَّمُ باله وأخوه يصلى النار غصبا
*يا ليل فارو محدثاً أخبارنا غباً فغبا
*فلنا بذلك حاجة إن تقضها فرجت كربا
وابدأ حديثك بالألىعانوْا من الآلام وصبا
فعسى بهم نأسو وعلَّ لنا بذلك منه طبا
*يا ليل ما للبدر يمـرح في السما شرقا وغربا
*يبدو فيضحك ساخرا منا وطورا قد تخبا
*يعلو على متن السحاب يسوقها سربا فسربا
*أتراه يعبث كالوليد فليس يخشى بعد عتبا
*يا ليل حزنك دائم أدعوك للسلوى فتأبى
يا ليل هل لك موطن مثلي قضى قتلا ونهبا
يا ليل ما لك مطرق أبدا فقد أمضيت حقبا
*يا ليل هل ذقت الغرام ولوْعه أو كنت صبّا!
*سري وسرك غامض فدع الخلائق منك غضبى
*يا ليل ما شأن الغزالة سيرها تيها وعجبا
سكرى ترنح عِطفها دلاًّ فلا تسطيع خبا
تخذت لها مهد السماء كمرقص فتدب دبا
طردت إليك بناتها فضممتهن إليك ربا
تلك النجوم المشرقات وجوهها بشراً وحبا
*يا ليل لو أن الغزالة سرها قد كان غيبا
*لم تفش من مكنونها أمراً ولو لم تأت عيبا
*لغدت بنا الأمثال تـُضرب في الورى جمعاً وصحبا
البيت الأخير تلفظ به عبد الوهاب هكذا :
لغدت بنا الآمال تـَضرب في الورى جمعا وصحبا
والقصيدة لشاعر الجزيرة العربية الراحل المجدد : محمد سرور الصبان . وهي قصيدة لا إبهام فيها ولا تعمية ؛ وإنما هو الغموض الشعري المستحب الذي تلقي بظلاله علينا صور القصيدة الشعرية .
وبعد،
فهل أدى الشعر التفعيلي المعاصر وظيفة الشعر التي من المفترض أن يكون أثرها واضحا بينا على أمتنا العربية والإسلامية كما أداها الشعر العربي الأصيل؟ أم فاق  التفعيلي العمودي في الأداء، أم انحسر أداؤه وفعله وأثره في حفنة من ذوي المعرفة والثقافة الممتزجة لا غير؟ وهل كان شعر التفعيلة سببا في تراجع انتشار الشعر العمودي حتى المعاصر منه عن اشتهاره الذي كان قبل بضعة عقود، أم ان هناك سبب آخر؟ وهل انحطاط مستوى الشعر أو ارتفاعه وغيره من الفنون دليل على انحطاط حال الأمة أو على تقدمها؟ وما مسببات ذلك كله؟ تساؤلات تدور في وجداني المثقل ، مثلي في ذلك مثل الملايين من أبناء الأمة ، بالعديد من القضايا التي تمس حال الأمة عبر تاريخها الطويل . فالشعر عندي ليس ترفا ومتعة شخصية بمقدار ما يمكن أن يكون له الأثر البعيد الغور في تشكيل حال الفرد وحال نفسيته وعطائه وحال ثقافته، وبالتالي حال أمة من الأمم .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* الوقوف على الذكريات هو الوقوف على الأطلال بعينه ، وبهذا لم نفقد روعة الوقوف على الأطلال في الشعر العربي .
*ياسين الشيخ سليمان
24 - ديسمبر - 2009
أبعد الله عنا الخصام    كن أول من يقيّم
 
   تحية طيبة أهديها لأستاذنا العزيز عبد الحفيظ ، الذي من عادته أن يشعرنا باقترابه منا اقتراب الأخ المحب ، ويمتعنا بخفة روحه ودماثة خلقه ، وتفننه في الصور والرسوم المعبرة والأغاني الجميلة، غير ما يفيدنا به مما يقدمه لنا من مواضيع تنير لنا سبل الاهتداء الفكرية، في اللحظة التي نكون فيها بالفعل بحاجة للاهتداء، فله الشكر والعرفان. أما قصيدة الشاعر الخبير والناقد الضليع، أستاذنا محمود الدمنهوري، فيبدو لي منها أنها لا تنطبق بعض معانيها على حال المشاركين في هذا الملف المفيد . فهم ، ولله الحمد ، لم يصلوا إلى درجة الجدل العقيم ، ولا إلى درجة التلاحي والخصام ، ولن يكون ، بإذن الله ، بينهم إلا ما يسر وينفع .
*ياسين الشيخ سليمان
24 - ديسمبر - 2009
الأدب الإسلامي ضرورة    كن أول من يقيّم
 
   وتحية طيبة أخرى أزجيها لأستاذي العزيز ، د. صبري ؛ شاكرا له إطلاعنا على " الشكل الأدبي في مرآة الأدب الإسلامي" من كتاب " الأدب الإسلامي ضرورة" ، أثاب الله كاتبه خيرا جزيلا . ولو كنت طالعت مشاركات أخي د. صبري ، والتي تلتها مشاركاتي الثلاث ، قبيل إدماجي إياها ، لكنت اختصرت ذكر موضوع الموشحات على الأقل حتى لا يبدو ما شاركت به ترديدا لبعض ما ورد في مشاركاته .
*ياسين الشيخ سليمان
24 - ديسمبر - 2009
نقلة نوعية في موسيقى الشعر العربي.. ولكن!    كن أول من يقيّم
 
تحية مباركة لشيخنا ياسين الشيخ سليمان
وبورك له في علمه الذي لا يفتأ يتحفنا بفضوله
 
أستاذي..
لاخلاف بيننا في جوهر مفهوم الموسيقى في الشعر.
ولم تكن مداخلتي إلا لتأكيد هذا المفهوم.
وما خطر في بالي أن يُفهم منها أنني أرفض الشكل الجديد في إيقاع الشعر العربي. بل على العكس من ذلك؛ أردت أن أؤكد أن شعر التفعيلة بالتزامه (الدور) الموسيقي للشعر العربي هو رافد نوعيّ جديد لذلك الشعر.
وكما أسلفت سيدي: فلنا في قبول الذائقة العربية للتجديد الواسع في إيقاع الموشحات الأندلسية خير دليل على أن شعر التفعيلة هو النقلة النوعية الثانية لإيقاع الشعر العربي.
إلاّ أن ثورة الموشحات العظيمة، أفادت من جميع أوزان الشعر العربي، بكل بحورها وأوزانها التامة والمجزوءة، ولم تقتصر على جزء ضئيل منها.. بل حاول الوشاحون إضافة أوزان جديدة لم يكتب عليها الشعر العربي الأصيل، فأغنوا بذلك موسيقى الشعر العربي أي غناء.
أما شعر التفعيلة؛ -بعد هدم نظام البيت والقافية- فاقتصر في ثورته المحدودة جداً على استخدام بعض الأوزان الساذجة، بل ربما أصبح جلّ ما يُكتب على شعر التفعيلة اليوم يقتصر على وزن المتدارك (الذي على فاعلن فاعلن..)، وهو كما تعلم من مهملات البحور الخليلية.
وقد أغرى مظهر السهولة هذا (ذباب الشعراء) على التطفل على مائدة الشعر المبتذلة، مما أدى إلى ابتعاد هذا الشعر عن ذائقة الجمهور.
*  *  *
وأريد أن أضيف هنا ملاحظة حول موشحة ابن زهر (ما للمولّهْ) فأقول..
إن نظامها القافوي لا يختلف عن سواها من الموشحات الأندلسية الأخرى، حيث تتألف من (أقفال وأبيات) مركبة الأجزاء، بنظام موسيقي وقافوي لم ترقَ إليه قصيدة من قصائد التفعيلة. ومع أنها لم تسر على النهج الخليلي، إلاّ أننا نستطيع ردّ مقاطعها إلى ذلك النهج، فوزن (أقفالها وأبياتها) يسير على الشكل:
 
مستفعلاتن ... مستفعلن فاعلانْ ... فاعلن فعْلانْ
 
ما لِلْمُولّهْ ... من سُكْرهِ لا يفيقْ ... يا لَهُ سكرانْ
من غير خمرِ...ما للكئيب المشوقْ...يندب الأوطانْ
 
هل تُستعادْ ... أيامُنا بالخليجْ ... وليالينا؟
أو يُستفادْ ... من النسيم الأريجْ ... مسكُ دارينا
وادٍ  يكادْ ... حسْنُ المكان البهيجْ ... أن يُحَيِّينا!
 
نَهرٌ أظلَّهْ ... دَوحٌ عليه أنيقْ ... مورِقٌ فينانْ
والماء يجري...وعائمٌ وغريقْ ... من جَنَى الريحانْ
 
وجمعة مباركة على الجميع
عمر خلوف
*عمر خلوف
25 - ديسمبر - 2009
شاعر التفعيلة والشاعر الملتزم!    كن أول من يقيّم
 
"شاعر التفعيلة يُطوّع الموسيقى لانفعالاته..
والشاعر الملتزم بحورَ الشعر يُطوّع لغته ووجدانه لأوزانها!"
أقول:
لم تكن الأوزان في يوم من الأيام قيداً في لسان (الشاعر المُجيد)، لأن الأوزان كما عرفناها ليست إلا الفطرة التي ملكت على (الشاعر الأصيل) روحه، وارتسمت على صفحة نفسه، فغنّى بها، وفاضت على لسانه شعراً يموج بتلك الموسيقى، وراقت تلك الموسيقى للمتذوق العربي، فملكت عليه أحاسيسه.
فلو وجدتَ الشاعر الذي يُطوّع لغته ووجدانه لأوزان الشعر فاحكم عليه بغير الشاعرية..
ومثل هذا الشاعر موجود بكثرة في من يكتب الشعر الملتزم، وموجود بكثرة في من يكتب شعر التفعيلة..
بل ربما أصبح هذا النوع من الشعراء هم الكثرة الغالبة..
ولنا بالكم الهائل الذي يكتب على نوافذ الشبكة وصفحات الجرائد خير مثال..
 
*عمر خلوف
25 - ديسمبر - 2009
لم يكن أبو العتاهية مجدداً في شيء !    كن أول من يقيّم
 
من يدلّني على تجديد أبي العتاهية -رحمه الله- في الأوزان؟
هل كان أبو العتاهية على قدر قوله: أنا أكبر من العروض؟
أنالم أجد في ديوان أبي العتاهية، وهو ديوان كبير، أكثر من بويتات يضربون بها المثل على تجديده.. وهي بويتات يمكن بكل سهولة ردها إلى مظلة الخليل العروضية، وإن بدت واقفة خارجها.
كذلك؛ فإن ما يُروى عن شيء من الخلل في بعض شعر القدماء لا يُشكل من ديوان أشعارهم إلا (شعرة في فروة خروف)، وهو لا يقوم سنداً يدعم آراء هؤلاء الذين يتذرعون بمثل هذا الخلل النادر في تبرير وتمرير آراء (خارجة)، وأخطاء رائجة، وقع فيها بعض شعراء الحداثة.
*عمر خلوف
25 - ديسمبر - 2009
هكذا تحلق النسور..    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم
 
تحية أخوية صادقة إلى أستاذي الفاضلين د.صبري والأستاذ ياسين الذي أشكره على كلماته المشجعة
وثنائه على مشاركاتي التي تبقى متواضعة بالمقارنة مع ما يتحفنا به من كتابات مميزة ، ومساهمات
قيمة فعلا في مختلف الملفات والمواضيع المقترحة ...
 
* بداية أعتذر ، فقد فاتني أن أنوه بأن قصيدة شاعرنا محمود الدمنهوري مقتبسة من موضوع الأخ 
علاء : أين هو التجديد في الشعر الحر والحديث ؟ بتاريخ : 6 - فبراير 2006- مجلس دوحة الشعر.
 
* كما تميز ذلك الملف بمشاركة  المتألقة الغنية عن التعريف الأستاذة ضــياء بعنوان :هكذا تحلق النسور.
يسعدني أن أستدرج طيفها  إلى هذا الملف من خلال  إدراجي لتلك المساهمة  القيمة التي من شأنها أن
تساهم في إثراء هذا الملف الممتع .. أو الماتع "على لغة أهل الوراق "
************************************************************************
 
 
فاجأني اليوم  شعر الدمنهوري ! سليم ، بديع اللفظ ، جميل المعنى وهذه الشساعة في الرؤية كأنه ينظر إلى الحياة من على مرتفع . فمن أين لك يا محمود هذا النضج وهذه البصيرة البعيدة المدى في سنك المبكر هذا ? سلمت الأيادي التي ربتك ورعتك والأرض المعطاءة ، مصر الولادة ، التي أنجبت أمثالك من الأفذاذ على مدى الدهر :
 
وَصَارَ النَّاسُ أَحْزَابًا ، وَقَالُوا :- أَيُعْتَنَقُ الْجَدِيدُ أَمِ الْقَدِيمُ ? ،
 
فَلا أَبْقَى الْجِدَالُ لَهُمْ وِدَادًا ، - وَلَمْ يَضِحِ الصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ ،
وَلَوْ نَظَرُوا بِعَيْنٍ مِنْ تَرَوٍّ - لأَرْشَدَهُمْ لَهُ الطَّبْعُ السَّلِيمُ ،
 
وَكُلُّ جَمَالِ هَذَا الْكَوْنِ شِعْرٌ - وَسِحْرٌ جَلَّ بَارِئُهُ الْعَلِيمُ ،
إِذَا مَا بِالْكَلامِ أَبَنْتَ عَنْهُ - فَذَلِكَ مَا نُرِيدُ وَمَا نَرُومُ ،
فَمَا هُوَ بِالطَّلاسِمِ وَالأَحَاجِي - يَعِيهَا الْفَيْلَسُوفُ أَوِ الْحَكِيمُ ،
وَلا بِالْوَزْنِ تَبْنِيهِ اعْتِسَافًا - وَلَيْسَ وَرَاءَهُ إِلا الْوَخِيمُ ،
وَلَقِّبْهُ بِنَثْرٍ أَوْ بِشِعْرٍ ؛ - فَمَا فِي وَصْفِهِ خَطْبٌ جَسِيمُ ،
 
فَهَلا شَادَ (( قَصْرَ الشِّعْرِ )) فِينَا - مُحِبٌّ قَبْلَ أَنْ تُمْحَى الرُّسُومُ ،
وَأَسْعَفَ بِنْتَ عَدْنَانٍ وَدَاوَى - أَبٌ حَانٍ وَوَالِدَةٌ رَؤُومُ ،
فَلَيْسَ جَوَابُكُمْ قَوْلِي بِمُجْدٍ - إِذَا مَا قِيلَ : قَدْ حَلِمَ الأَدِيمُ .
 
 نعم ، هو خلاف مفتعل وغير مجد كأكثر ما نختلف عليه ، والخلاف في صميمه أيديولوجي بين دعاة الحداثة ودعاة التقليد وأما الشعر بينهما فهو الخاسر الأكبر . 
 
اللغة الشعرية لا تعني الوزن والعروض بل تعني الحالة الشعورية التي تؤلف بين وجدان الشاعر واللغة التي يصوغ بها مشاعره وأحاسيسه . هو مكان ما يقف فيه الشاعر بين الحسي ـ اللغوي ، وخزان الشعور والانفعال وفوضى الأفكار التي تعتمل في نفسه . بل أن أكثر ما يقوله الشاعر ، يصطاده من مخيلته الصاخبة ، ومن منطقة اللاوعي الغائبة عن إحساسه الحاضر . من هنا تأتي لغة الشعر ، من شفير الهاوية ، من وادي عبقر ، من المكان الذي لا يخضع لمعيار العقل الواعي المنضبط .
 
والإيقاع العروضي هو ترابط هندسي ، وعملية حسابية صعبة فيها توازن يشبه معادلة الكيمياء . هو جميل جداً من الناحية الموسيقية ، لكنه يتطلب الكثير من الوقت لتعلمه في عصرنا الحاضر وهو مقيد للأفكار . القدماء كانوا يستطيعونه بسهولة لأنهم كانوا يحفظون الشعر شفاهية  ، ولأن موسيقاه قريبة جداً من واقع اللغة المحكية آنذاك ( وهذه مجرد فكرة أسوقها هنا لا أدري مدى صحتها ) . ولأن وظيفة الشعر الخطابية لم تعد هي الأشد إلحاحاً : نحن اليوم في حالة بحث عن الأفكار لأننا في حالة تنافس ، ولأن المخيلة العربية لم تعد تنتج من الأفكار ما يكفي لحاجات الإنسان العربي المعاصر  ولا بد ، والحالة كذلك ، من بعض التساهل في مسألة الشكل أو النظام الهندسي الثابت والرزين الذي يتوجب على المعاني بأن تنضوي تحته لو أردنا تحرير هذا المنتج الذهني ، الذي هو الشعر ، من سلطة الوزن والقافية مما يتيح لعدد أكبر من الشعراء والأفكار الجديدة من الحضور إلى ساحة الشعر . سيكون ذلك على حساب قيمته الجمالية بدون شك ، لكن الإصرار عليه أصبح جدلاً عقيماً والحاجة تقتضي هذه المساومة . لا خوف على الشعر نفسه لأن الزمن سوف يحتفظ بالجيد منه وينسى الباقي ، وربما تنتج هذه الحالة أشكالاً أو أوزاناً أخرى أكثر تكيفاً مع الواقع .
 
فاللغة ، وخصوصاً لغة الشعر ، هي الأداة التي تمكننا من إعادة صياغة المفاهيم بشكل مستمر ، وهي عملية تشبه عملية ترتيب البيت لا تتوقف أبداً . فالفكر من خلال علاقته بالحسي والواقعي ، هو بحاجة دائمة للتكيف لأن وعيه بالوجود والموجودات متغير بحسب ما يتوارد إليه في كل يوم من المعلومات ، وبحسب ما تحتفظ به مخيلته من انفعالات . واللغة هي وسيلتنا لصياغة وفهم هذه الأفكار وهذه الانفعالات وإعادة إخراجها من ذواتنا ، لنتمكن من الإبتعاد عنها مسافة ، وليتمكن الوعي من رصدها ومتابعتها .
 
من هنا تأتي أهمية الشعر في حياتنا الراهنة ، من كونه مرصداً للذات يراقبها ويسبر غورها ونحن بحاجة له لفهم ذواتنا والتكيف مع محيطنا . الشعر ليس صورة فنية فحسب ، بل هو ضرورة لإحداث هذا الإتصال مع الواقع المغيب في كنه الذات غير الواعية ، هو وسيلتنا للربط بين الداخلي والخارجي ، والشاعر الحقيقي عليه أن يتمرد دائماً على الواقعي والمقبول اجتماعياً والمنتظم في حجرات العقل النفعي والصارم ، لكي يتمكن من تخطي هذه الحدود إلى الحجرات الأخرى المغلقة التي تحتوي على كل ما هو منبوذ ومزدرى ، كل ما لا نريد بأن نراه ونعترف به ، كل ما لا يلزمنا في حياتنا اليومية .
 
لا ليس الشعر هلوسة ولا تحليل نفسي ، بل هو الذات من وجهها الآخر الذي لا نراه عادة في كل حين ، هو حالة الصدق القصوى في رؤية الداخل المعاش . لكن الشعر لا يصبح شعراً إلا إذا اكتسى حلة اللغة وقوالبها الأدبية ، وهو سيستخدم أجملها ، لأن الشاعر فنان ونرجسي ومتسلط ويسعى دائماً لأن يكون الأجمل ، ولن يكشف عن مكنوناته بهذه البساطة ، بل سيعمد إلى التجريد والترميز عبر صور وطاقات تعبيرية ، وعبر موسيقى وطاقات لفظية . فالشعر ليس كتابة مباشرة ، بل هو كتابة تصويرية ، كالرسم والنحت والموسيقى وسائر الفنون ، هو إعادة خلق وإحياء لما يعتلج في الذات من طاقات لم تبدد ، وتجد متنفساً لها في الصورة الفنية المرمزة . هو سلطة لا تكتمل إلا باكتمال رونقها الفني وسحر المعاني والألفاظ التي تنطق بها . فالكلام سلطة ، والشعر هو سلطان الكلام .
*ضياء
21 - ديسمبر - 200
 
*ضياء ـــــــــــــــ
21 - ديسمبر - 2006
*ضياء
21 - ديسمبر - 2006
*ضياء
21 - ديسمبر - 200
 
 
*abdelhafid
26 - ديسمبر - 2009
حياك الله وبياك    كن أول من يقيّم
 
(تحياتي الطيبات لجميع الأساتذة الفاضل،
وما خطر في بالي أن يُفهم منها أنني أرفض الشكل الجديد في إيقاع الشعر العربي. بل على العكس من ذلك؛ أردت أن أؤكد أن شعر التفعيلة بالتزامه (الدور) الموسيقي للشعر العربي هو رافد نوعيّ جديد لذلك الشعر.)
حياك الله وبياك، وأعتذر منك أمير عروضنا وشاعرنا الكبير على سوء فهمي . على أية حال ، فإن ما قلته أنا من أنني أفدت منك وسأظل  أفيد لم أجاوز فيه حد الصواب، ولم يكن مني مجاملة أبدا. واشكر أخي الأستاذ عبد الحفيظ ، حفظه الله ورعاه ، على الإيضاح .
وللحديث استمرارية بعون الله .
*ياسين الشيخ سليمان
27 - ديسمبر - 2009
 3  4  5  6