البحث في المجالس موضوعات تعليقات في
البحث المتقدم البحث في لسان العرب إرشادات البحث

مجلس : دوحة الشعر

 موضوع النقاش : أهدى سبيل في صناعة الشعر الحر    قيّم
التقييم :
( من قبل 1 أعضاء )
 صبري أبوحسين 
15 - نوفمبر - 2009
 
أهدى سبيل إلى صناعة الشعر الحر
كثير من شُداة الشعر وعشاقه يمتلكون عناصر مختلفة من وسائل إبداعه، من عاطفة، ولفظ، وتعبير، وتصوير، لكن يجدون صعوبة كبرى في صبِّ تجاربهم في القالب الشعر التراثي العتيق المنبني على الوزن المتسق، والتفعيلة الموحدة، وتكرارهما في كل أبيات النص... وتلك عقبات أمامهم تحول بينهم وبين الإبداع، ومن ثم يخسر الشعر عددًا لا بأس به من المبدعين والمبدعات، ويفقد كمًّا من النَّتاج الشعري، ويكون ذلك في صالح الأجناس الأدبية الأخرى، لا سيما القصة القصيرة، والخاطرة. ولذا تتراجع مكانة فن الشعر، وينتقل العرب المعاصرون إلى ديوان جديد غير الشعر!
والحل الناجع في تلك المعضلة أن يلجأ هؤلاء الشداة إلى نسق الشعر الحر، يتعلمون عروضه، ويعيشون مع روائعه عند نازك الملائكة، والبياتي، والسياب، وصلاح عبدالصبور، ومحمود درويش، وأحمد مطر، ونزار قباني، والحسن الأمراني وصابر عبدالدايم...إلخ
ذلك لأن الحرية الموجودة في ذلك النسق تُيَسِّر عملية الإبداع، وتُوسِّع مساحة فن الشعر في دنيا الثقافة العربية المعاصرة والمستقبلية، وتُمَهِّد لأن يخوض هؤلاء فيما بعد الإبداع على النسق الشعري التراثي العتيق...
ولعل السؤال الذي يفرض نفسه الآن:
كيف أصنع الشعر الحر؟ كيف أصبُّ تجربتي في ذلك القالب؟
أجاب عن ذلك كثير من الباحثين على رأسهم نازك الملائكة التي تعد بكتابها(قضايا الشعر المعاصر) الخليل الثاني، والدكتور محمود علي السمان في كتابه(العروض الجديد)، والدكتور عزالدين إسماعيل في كتابه(الشعر العربي المعاصر..)...وآخرين.
    وإني في هذا الملف أحاول أن آخذ بيد هؤلاء الشداة إلى تلك الصناعة، لعله يخرج منهم شعراء يضيفون جديدًا، ويتمتعون ويُمتعون، دونما نظرٍ إلى تلك الهجمة الشرسة على ذلك النسق الشعري الحر، من قبل من يتعصبون، ويجادلون في قضايا نسبية، ليس فيها ضرر أو ضرار، وينطلقون في رؤاهم من نظرية المؤامرة التي يعيش أصحابها ليلَ نهارَ في الهدم والتربص والاتهام والتحريم... وما إلى ذلك من وسائل سادية استعلائية عنصرية!!!
د/صبري أبوحسين
 
 2  3  4  5  6 
تعليقاتالكاتبتاريخ النشر
بين الشاعر والقالب العروضي    كن أول من يقيّم
 
كثير من الدراسات المتناولة للشعر الحر السطري لا تفرق بين الشاعر والقالب العروضي، فتصب جام غضبها على الشعر الحر بسبب تهم: الإباحية أو الإلحاد أو الإبهام، وهذه التهم راجعة إلى فكر الشاعر واتجاهه لا إلى القالب العروضي، فالقالب أداة مطواعة قابلة لأن تمل بالخير والطهر والعفاف إن كان القائل ملتزمًا، وقابلة أيضًا لأن تملأ بالشر والخبث والنجاسة والفسق إن كان القائل منحلاًّ، والدليل على ذلك أن الإباحية والإلحاد والإبهام موجود في الشعر البيتي كما أنه موجود في الشعر الحر السطري! ويكفي أن نردد أسماء امرئ القيس وأبي نواس وابن الحجاج وغيرهما من المجان والخارجين على الثوابت والمسلمات... 
*صبري أبوحسين
20 - ديسمبر - 2009
رأي الشاعر الإسلامي الحسن الأمراني    كن أول من يقيّم
 
في حواري، بموقع الوراق، مع الشيخ الحسن الأمراني -الذي يعد رائد الشعر الإسلامي المعاصر، فهو أكبر شاعر إسلامي حي فيما أذكر، أعطاه الله مزيدًا من الصحة والحفظ والتوهج-قدمت له سؤالاً عن الشعر الحر، كان نصه:
حوار(5): مستقبل الشعر الحر:
قلت له:
تعلمت في جامعة الأزهر-حفظها الله- على أساتذة أجلاء، أفادوني كثيرًا، لكن كان لبعضهم - منهم الأستاذ الدكتور كاظم الظواهري، والأستاذ الدكتور عبالباسط عطايا، والأستاذ الدكتور صادق علي حبيب (رحمه الله تعالى)-موقف عجيب من الشعر الحر مفاده أنه ردة إبداعية، وتخلف إيقاعي، ودعوة إلى هدم الشكل الشعري الموروث، ومن يلجأ إليه ضعيف الملَكة ضحل الثقافة!!!
وظللت أؤمن بذلك إلى أن تخرجت من الكلية، وانطلقت في الساحة الشعرية مستمعًً ومعلقًا ومبدعًا، وباحثًا، فوجدت نفسي -بتلك الثقافة الأزهرية المأخوذة عن شيوخي، بارك الله فيهم-متحجرًا، غير مدرك لحركة الشعر المعاصر...فالساحة تزدحم بشعراء أعلام ونقاد عظام يعيشون مع هذا الشكل الشعري الحر إبداعًا وتنظيرًا، أمثال الشيخ الحسن الأمراني، والشاعر الإنسان الدكتور صابر عبد الدايم، والطبيب أحمد تيمور، والمهندس محمد عبدالقادر الفقي... وآخرين
أحسستُ بتخلفي، وبأنني أفكر بآليات القرن الرابع والخامس الهجريين، حيث الشكل الخليلي الصارم!!!
فما قولك شيخي في ذلك؟ لاسيما وأنت أحد أعلام الشعر الإسلامي المعاصر، وقد نظمت الشكل الحر، والشكل الخليلي، بل زاوجتَ بينهما في الديوان الواحد، والأمتع في القصيدة الواحدة؟!!
قال الشيخ:
"الشعر شعر، ولابد له من قواعد يُلتَزم بها، والموسيقى من أهم عناصر الشعر، فمَن يهدمها يكون قد هدم منها ركنًا ركينًا، وحركة التجديد الشعري تضاربت فيها ألوان وضروب، عبر قرن من الزمان، فكان منها الشعر المنثور، أو قصيدة النثر، أو الشعر الموزون المتحرر من القافية، أو الشعر المقفَّى المنوَّع، أو..أو.. ولكن لم يبقَ إلا الشكل الخارجي الذي يحافظ على مقومات الموسيقى العربية، أعني القصيدة الخليلية (وفي التسمية تجاوز) وقصيدة التفعيلة... وقد تراجعت القصيدة الخليلية بسبب رحيل عمالقتها، ويوم يُهَيَّأ لها شاعر عظيم تعود لها عافيتها.. والشعر التفعيلي ما يزال أرضًا خصبة لم تُستَثْمر كل جوانبها، والذين زلُّوا عنها زلَّت بهم أقدامهم.. وقد استثمر كثير من شعراء الاتجاه الإسلامي هذا النمط بشكل جيد، وسحبوا البساط من تحت أقدام خصومهم..
هناك مَن يقول أن الشعر التفعيلي موسمي، مثل ما كان أمر الموشحات، وفي هؤلاء الدكتور أيمن العتوم، الشاعر المتمرس على النمطين.. وأرى أن لهذا الرأي وجاهته.. على أن الذين يرمون شعراء التفعيلة بالكفر يخوضون معركة خاسرة.. فمتى كان الشكل الفني يزيد في الإيمان أو يخرج من الملة؟ من يزعم أن شاعرًا كالسيّاب، مهما اختلفنا معه، كان ضحل الثقافة لارتكابه جريمة كتابة القصيدة التفعيلية؟
ينبغي أن نكف عن خوض المعارك الدون كيشوتية، ومقارعة طواحين الهواء..
المزاوجة بين الخليلي والتفعيلي داخل القصيدة الواحدة ليست أمرًا جديدًا كل الجدة، وأنا لا أتخذه منهجًا، ولكنني ألجأ إليه معتصمًا، كلما ألجأتني إليه تجربتي الشعرية..
*صبري أبوحسين
20 - ديسمبر - 2009
مضمون الشعر هو المهم وليس شكله الفني     ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم
 
على أن الذين يرمون شعراء التفعيلة بالكفر يخوضون معركة خاسرة.. فمتى كان الشكل الفني يزيد في الإيمان أو يخرج من الملة؟ من يزعم أن شاعرًا كالسيّاب، مهما اختلفنا معه، كان ضحل الثقافة لارتكابه جريمة كتابة القصيدة التفعيلية؟
هذه أول مرة أطالع فيها ، أنا شخصيا ، أن هناك من رمى شعراء التفعيلة بالكفر بسبب الشكل الفني ، ولا ادري مصدر هذه المعلومة .
الاتهام بالكفر يمكن أن يلحق شاعرا أو أكثر ، أو كاتبا ، أو قاصا بسبب مضامين فكره وليس بسبب الشكل الفني لشعره أو أدبه . فرباعيات الخيام مثلا (إن صحت كلها أنها للخيام) تضمن بعضها ما يمكن أن يكون سببا لاتهام الخيام بالزيغ عن صحيح الاعتقاد على الرغم من إعجاب المتهمين (بخفض الهاء) من الناس بشكلها الفني إعجابا بينا . أما بدر شاكر السياب، فلا أظن أن هناك من زعم أن السياب كان ضحل الثقافة( أفهم الثقافة هنا بأنها المعرفة) . هناك من قال بأن السياب كان أصيلا أكثر من بعض شعراء التفعيلة الرواد بسبب انه لم يوظف اطلاعه على الثقافة الإنكليزية ( أعني هنا ما يخص الإنجليز من قيم) على حساب الثقافة العربية . أما الشكل الفني لشعر التفعيلة فقد هاجمه الكثيرون في الخمسينيات والستينيات بسبب خروجه على عمود الشعر، وكان من المهاجمين شعراء عموديون مشاهير، وكان الرأي العام في صف المهاجمين . أما وقد أصبح شعر التفعيلة شائعا( سبب الشيوع له أسباب متعددة ) لدرجة أن ركب موجته العدد الغفير من الشعراء ومنهم عموديون في الأصل ، فلم يبق لمعارض حجة يحتج بها . بل إن هواة نظم الشعر الحر من المتدينين ( المتدينون عادة يتمسكون بالتراث الأدبي أكثر من غيرهم) قصائدهم التفعيلية بدأت تنتشر في المنتديات على الشبكة انتشارا واسعا ، وفي الصحف والمجلات ، وغدا بعضهم يخشى من مهاجمة الشكل الفني لما يسمى بقصيدة النثر؛ خشية أن يأتي يوم تشيع فيه هذه القصيدة كما شاع شعر التفعيلة فيصعب عليهم عندها التراجع عن أقوالهم . على أن المتابع لأحوال الشعر الحر ليس من جهة تعدد أشكاله الفنية وحسب ، فهذا ليس بذي أهمية كبرى ؛ وإنما الأهمية لمقدار ونوعية الشاعرية التي في معظمه هذه الأيام ؛ وما فيه من تعمية مضحكة ، وما فيه من تقليد للشعر الأجنبي، لن يلام إذا نبذ معظمه وراء ظهره .
بقي أن أذكر أن الشعر العمودي لم يتراجع بسبب موت العمالقة . فالعمالقة من شعراء العمود مات منهم الآلاف  وجاء بعدهم مثلهم ثم ماتوا وجاء بعد أولئك الذين ماتوا غيرهم ، وسوف يظل الموت وتظل الحياة يتعاقبان إلى ما شاء الله . المهم عندي هو أن يتمكن الشاعر في هذا العصر ،عموديا كان أو تفعيليا أو من النوعين ، من إيجاد المضمون المناسب للشعور والإحساس الذي ينتابه ، هذ1، إذا انتابه شعور أو إحساس يستحق أن يصاغ شعرا. إن زماننا هذا لم تعد فيه للقيم الجميلة أمكنة تعشش فيها ثم تبيض وتفرخ جيلا بعد جيل حتى نحس بفيض العواطف الجياشة يسري في أوصالنا كما سرى في أوصال آبائنا وأجدادنا . لقد طغت المصالح المادية على المشاعر الأدبية طغيانا بات يهدد الأسرة نفسها ، وهي لبنة بناء المجتمع ، وبات الواحد منا يعاف نفسه قبل أن يعاف غيره .
أقول لحضرتك أيها القارئ الكريم : لو أن بدر شاكر السياب ، مثلا ، نشره الله الآن، ليفيق فيرى العراق صار دما مهراقا  ، ويرى ( وهو الذي مال إلى الشيوعية) الاتحاد السوفييتي صار رأسماليا أكثر من الغرب ، ويرى فلسطين ولم يبق منها إلا الاسم ، وقالوا له إن جدارا فولاذيا تبنيه مصر حول غزة ، ويرى الوفاء والصدق والإخلاص أسماء من دون مسمى ، ويرى أصدقاء إسرائيل من العرب أكثر من غير العرب ، ويرى ويرى...فهل يمكنه عندها أن يبتدع لنا مثلما ابتدع في الأول : عيناك غابتا نخيل... وغيرها؟! من جهتي لا أظن ذلك.
 
 
 
 
*ياسين الشيخ سليمان
21 - ديسمبر - 2009
الخسران المبين!    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم
 
بعد إزجاء التحية والسلام لأحبتي من أساتذة الوراق:
الأستاذ الدكتور صبري أبو حسين على نافذته الماتعة
الأستاذ الحبيب ياسين الشيخ سليمان
الأستاذ محمد هشام
وإلى جميع المتابعين
أقول:

الشعر ظاهرة موسيقية.. 
وبغير الموسيقى لن يكون الشعر شعراً.
وتدخل الموسيقى الشعرَ عبر بوابة (الأدوار) المتكررة، التي تتخذ (في الشعر والموسيقى) أنظمة متعددة.
فقد يكون (الدور) قصيراً، فيتلبّس شكل التفعيلة الواحدة.. 
وينجم عن تكراره ما يُسمّى: (الإيقاع المتّفق)، وتُمثّله سبعة بحور عربية.
وقد يطول (الدور)، فلا تستوعبه تفعيلة واحدة، فينقسم على نفسه إلى تفعيلتين أو ثلاث، تحمل في مجموعها ذلك الدور المتكرر وتمثّله.
كالدور (فعولن مفاعيلن) من الطويل
والدور (فاعلاتن مستفعلن فاعلاتن) من الخفيف
وهو ما يسمى (بالإيقاع المركّب)، وتمثّله تسعة بحور عربية.
- ونرى أن الإيقاعات (المركّبة) هي ما يميّز شعرنا العربي عن غيره من الشعر العالمي.
فمعظم الشعر العالمي يندرج تحت النوع الساذج، ومعظم الشعر العربي يندرج تحت النوع المركب (دون إهمال للساذج منه). 
بل إن الشعر العربي كثيراً ما يعمد إلى النوع الساذج، فيجنح به إلى شيءٍ من التركيب، وذلك بإحداث شيءٍ من التعديل على أعاريضه وضروبه.
ففي الكامل: غالباً ما يرفّل الضرب: (متفاعلاتن)، أو يُذيّل: (متفاعلانْ)، أو يُقطع: (متَفاعلْ)، أو يصير أحذّاً (فعِلن)، أو أحذّاً مضمراً (فعْلن).. 
فلا يبقى للسذاجة المطلقة في الكامل سوى قالبين من مجموع قوالبه التسعة.
ناهيك عن الزحافات التي تكتنف أدوار الحشو أو الأعاريض والضروب، والتي تجعل من البيت الواحد في القصيدة، شخصية متفردة، لا يتطابق فيها بيتان اثنان من الناحية الإيقاعية.
ويعلم أساطين الموسيقى أن الإيقاعَ المركّب أسمى وأجمل من الإيقاع الساذج، لأن (التركيب) مرحلة متقدمة متطورة عنه.
وشاعر التفعيلة اليوم، خسر بهجرانه الإيقاعات المركبة، طاقة موسيقية هائلة تقدمها له بحور الشعر العربية المركبة
وذلك خسران مبين.
تحياتي
عمر خلوف

*عمر خلوف
21 - ديسمبر - 2009
أهلاً بأمير العروض    كن أول من يقيّم
 
أشكر أخي الدكتور عمر خلوف(أمير العروض والخليل الأخير) على تلك المداخلة الأولى، وأقول له:
لا يخلو الشعر الحر من موسيقى، تلك مسلمة يعرفها القاصي والداني، الشعر الحر يستغني عن الإيقاع المركب بالتنويع في الإيقاع الموحد المتفق، عن طريق الزحافات التي تدخل في حشو السطر، والعلل التي تدخل في ضرب أو نهاية السطر. ثم إن من الشعر الحر ما كان متنوع التفعيلة، ولكنه ما زال نماذج محدودة لم تذع أو تنتشر...
وأعترف  بالجملة الأخيرة في تعليق أمير العروض، وهي: (وشاعر التفعيلة اليوم، خسر بهجرانه الإيقاعات المركبة، طاقة موسيقية هائلة تقدمها له بحور الشعر العربية المركبة) وأعدها تحديًا أمام الشعراء الحريين! ولكنه ليس خسرانًا مبينًا، بل هو تجنب من الشعراء للمشقة الإبداعية وإقبال على السهولة واليسر، لكن أخاف أن يتحول الحرص على السهولة إلى إسهال إبداعي!
*صبري أبوحسين
21 - ديسمبر - 2009
إلى فيلسوف الوراق    كن أول من يقيّم
 
 شيخي ياسين:
أشكرك على أصالتك.
وأشكرك على قراءتك العميقة لواقعنا الاجتماعي وحالتنا الشعرية الراهنة...
وأشكرك على هذا النص الذي يلخص رؤاياي ورؤيا كل منصف، وهو:
(المهم عندي هو أن يتمكن الشاعر في هذا العصر ،عموديا كان أو تفعيليا أو من النوعين ، من إيجاد المضمون المناسب للشعور والإحساس الذي ينتابه ، هذ1، إذا انتابه شعور أو إحساس يستحق أن يصاغ شعرا.
 إن زماننا هذا لم تعد فيه للقيم الجميلة أمكنة تعشش فيها ثم تبيض وتفرخ جيلا بعد جيل حتى نحس بفيض العواطف الجياشة يسري في أوصالنا كما سرى في أوصال آبائنا وأجدادنا .
لقد طغت المصالح المادية على المشاعر الأدبية طغيانا بات يهدد الأسرة نفسها ، وهي لبنة بناء المجتمع ، وبات الواحد منا يعاف نفسه قبل أن يعاف غيره)...
ومن ثم لعلك -شيخي - تتفق معي على أن الشكل الحر السطري ليس مُدانًا ولا متهمًا، إنما المدان والمتهم هو الشاعر، ومضمون تجربته، التي تنم عن عقيدته واتجاهه الفكري...
وأن هذا الشكل له الحق في الوجود والحياة بجوار الشكل البيتي التقليدي، وأن الشعر لا يمكن أن يُنال منه أو يُنصرَف أو أن يذم لأنه حر سطري! فالشكل حيادي لا يوصف بذم أو قبح...
*صبري أبوحسين
21 - ديسمبر - 2009
"فلاش باك "    كن أول من يقيّم
 
إطلالة   
 
أَيَرْجُو نَهْضَةً لِلشِّعْرِ رَاجٍ - وَقَدْ أَوْدَى بِهِ الْجَدَلُ الْعَقِيمُ ?! ،
تَحَيَّرَ فِي قَضِيَّتِهِ الْبَرَايَا ، - وَطَاشَتْ فِي حَقِيقَتِهُ الْحُلُومُ ،
وَصَارَ النَّاسُ أَحْزَابًا ، وَقَالُوا :- أَيُعْتَنَقُ الْجَدِيدُ أَمِ الْقَدِيمُ ? ،
وَبَعْضُهُمُ لِبَعْضِهِمُ يُوَالِي ، - وَبَعْضُهُمُ لِبَعْضِهِمُ يَلُومُ ،
فَلا أَبْقَى الْجِدَالُ لَهُمْ وِدَادًا ، - وَلَمْ يَضِحِ الصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ ،
وَلَوْ نَظَرُوا بِعَيْنٍ مِنْ تَرَوٍّ - لأَرْشَدَهُمْ لَهُ الطَّبْعُ السَّلِيمُ ،
وَأَلْفَوْهُ إِذَا سَجَعَ الْكَنَارِي ، - وَأَلْفَوْهُ إِذَا خَطَرَ النَّسِيمُ ،
وَفِي صَمْتِ السَّمَاءِ ، وَفِي صَفَاهَا ، -  وَقَدْ حَلَّى مُقَلَّدَهَا النُّجُومُ ،
وَفِي الأَزْهَارِ فَيَّاحًا شَذَاهَا ، - عَلَيْهَا النَّحْلُ أَسْرَابًا يَحُومُ ،
وَفِي الْوَجْهِ الْجَمِيلِ إِذَا تَبَدَّى - وَأَشْرَقَ مِنْهُ لُؤْلُؤُهُ النَّظِيمُ ،
وَفِي الْحُبِّ الْعَفِيفِ إِذَا تَلاقَتْ - عَلَى عَرَصَاتِهِ أُسْدٌ وَرِيمُ ،
وَفِي بَسَمَاتِ فَجْرٍ قَامَ يَحْبُو - كَمَا يَحْبُو عَلَى الْمُهُدِ الْفَطِيمُ ،
وَفِي ثَوْرَاتِ أَحْرَارٍ كِرَامٍ - إِذَا هُمْ فِي صُرُوفِ الدَّهْرِ ضِيمُوا ،
وَكُلُّ جَمَالِ هَذَا الْكَوْنِ شِعْرٌ - وَسِحْرٌ جَلَّ بَارِئُهُ الْعَلِيمُ ،
إِذَا مَا بِالْكَلامِ أَبَنْتَ عَنْهُ - فَذَلِكَ مَا نُرِيدُ وَمَا نَرُومُ ،
فَمَا هُوَ بِالطَّلاسِمِ وَالأَحَاجِي - يَعِيهَا الْفَيْلَسُوفُ أَوِ الْحَكِيمُ ،
وَلا بِالْوَزْنِ تَبْنِيهِ اعْتِسَافًا - وَلَيْسَ وَرَاءَهُ إِلا الْوَخِيمُ ،
وَلَقِّبْهُ بِنَثْرٍ أَوْ بِشِعْرٍ ؛ - فَمَا فِي وَصْفِهِ خَطْبٌ جَسِيمُ ،
أَجَادَ الأَقْدَمُونَ وَمَا أَسَاؤُوا ، - سَقَى أَجْدَاثَهُمْ غَيْثٌ عَمِيمُ ،
لَنَا بِهُدَاهُمُ أَيُّ اقْتِدَاءٍ ، - وَذَمُّهُمُ فَمَنْقَصَةٌ وَلُومُ ،
وَسَارَ الْمُحْدَثُونَ عَلَى خُطَاهُمْ ، - وَعَن نَّهْجِ الْبَلاغَةِ لَمْ يَرِيمُوا ،
           وَوَافَوْنَا بَأَجْمَلِ مَا جَلاهُ - وَأَثْْمَرَهُ الْقَرِائِحُ وَالْفُهُومُ ،            
وَمَنْ لَزِمَ الْبُحُورَ أَوِ الْقَوَافِي - فَمَا فِيهِنَّ نَيْرٌ أَوْ شَكِيمُ ،
وَمَنْ لَمْ يَلْتَزِمْ بِهِمَا وَأَوْفِى - فَمَا فِي فِعْلِهِ شَيْءٌ ذَمِيمُ ،
وَلَمْ يَقْدَحْ زِنَادَ أَسَايَ إِلا - لِسُوءِ الْحَظِّ وَاقِعُنَا الأَلِيمُ ،
أَرَى الْعَرَبِيَّةَ الْحَسْنَاءَ أَضْحَى - يُحَاصِرُ بَدْرَهَا لَيْلٌ بَهِيمُ ،
وَلَمَّا يَنْبَرِي لِيَذُودَ عَنْهَا - مِنَ اهْلِ غَرَامِهَا أَسَدٌ شَتِيمُ ،
وَمَا أَنْ شِمْتُ فِي (( الْوَرَّاقِ )) بَرْقًا - وَفَتْكُ اللَّيْثِ أَوَّلُهُ النَّئِيمُ
وَأَبْصَرْتُ اللِّوَاءِ يَدِفُّ = حَتَّى - تَقَشَّعَ مِنْ تَشَاؤُمِيَ الغُيُومُ ،
وَلَكِنْ قَدْ أَتَى هَذَا التَّلاحِي- لِتُنْكَءَ بَعْدَ مَا الْتَأَمَتْ كُلُومُ ،
وَتَسْرِيَ فِي الْوَلِيدِ مِنَ الأَمَانِي- بِفَضَلِ مُجَادَلاتِكُمُ سُمُومُ ،
فَهَلا شَادَ (( قَصْرَ الشِّعْرِ )) فِينَا - مُحِبٌّ قَبْلَ أَنْ تُمْحَى الرُّسُومُ ،
وَأَسْعَفَ بِنْتَ عَدْنَانٍ وَدَاوَى - أَبٌ حَانٍ وَوَالِدَةٌ رَؤُومُ ،
فَلَيْسَ جَوَابُكُمْ قَوْلِي بِمُجْدٍ - إِذَا مَا قِيلَ : قَدْ حَلِمَ الأَدِيمُ .
 
محمود الدمنهوري (من سراة الوراق )
21 ديسمبر 2009
*abdelhafid
22 - ديسمبر - 2009
رائعة ولكن:    كن أول من يقيّم
 
رائعة ولكن:
أشكر أخي عبدالحفيظ أن أمتعنا بهذه التحفة الشعرية البيتية، للشاعر الجزل الأصيل محمود الدمنهوري،  وما يلفت النظر فيها، ويعجب كل متذوق، هو تلك الرؤية الوسطية لفن الشعر، لا سيما في قوله:
إِذَا مَا بِالْكَلامِ أَبَنْتَ عَنْهُ            فَذَلِكَ مَا نُرِيدُ وَمَا نَرُومُ
فَمَا هُوَ بِالطَّلاسِمِ وَالأَحَاجِي     يَعِيهَا الْفَيْلَسُوفُ أَوِ الْحَكِيمُ
وَلا بِالْوَزْنِ تَبْنِيهِ اعْتِسَافًا          وَلَيْسَ وَرَاءَهُ إِلا الْوَخِيمُ
وَلَقِّبْهُ بِنَثْرٍ أَوْ بِشِعْرٍ ؛            فَمَا فِي وَصْفِهِ خَطْبٌ جَسِيمُ
وقوله:
وَمَنْ لَزِمَ الْبُحُورَ أَوِ الْقَوَافِي       فَمَا فِيهِنَّ نَيْرٌ أَوْ شَكِيمُ
وَمَنْ لَمْ يَلْتَزِمْ بِهِمَا وَأَوْفِى        فَمَا فِي فِعْلِهِ شَيْءٌ ذَمِيمُ
ولكني حقيقة لا أفهم ما قصْدُ الشاعر بقوله:
وَمَا أَنْ شِمْتُ فِي "الْوَرَّاقِ" بَرْقًا             وَفَتْكُ اللَّيْثِ أَوَّلُهُ النَّئِيمُ
وَأَبْصَرْتُ اللِّوَاءِ يَدِفُّ  حَتَّى                تَقَشَّعَ مِنْ تَشَاؤُمِيَ الغُيُومُ
وَلَكِنْ قَدْ أَتَى هَذَا التَّلاحِي               لِتُنْكَءَ بَعْدَ مَا الْتَأَمَتْ كُلُومُ
وَتَسْرِيَ فِي الْوَلِيدِ مِنَ الأَمَانِي              بِفَضَلِ مُجَادَلاتِكُمُ سُمُومُ
وما موقفه الواضح في الموازنة بين الشكلين:البيتي والسطري؟
 
*صبري أبوحسين
23 - ديسمبر - 2009
الشكل الأدبي في مرآة الأدب الإسلامي:    كن أول من يقيّم
 
الشكل الأدبي في مرآة الأدب الإسلامي:
للدكتور عبده زايد-أستاذ البلاغة والنقد بجامعة الأزهر- كتاب بعنوان)الأدب الإسلامي ضرورة) فيه مبحث نفيس، تناول فيه موقف مدرسة الأدب الإسلامي من قضيتي الشكل الأدبي ، والشعر الحر، فجاء ما مفاده:
يذهب دعاة مدرسة الأدب الإسلامي في موقفهم من الشكل الأدبي إلى رؤيتين:
*رؤية تذهب إلى أن الشكل حيادي، لا يمكن أن يوصف بقبح أو حسن، وإنما القبح والحسن راجع إلى المضمون، فلا بأس على الأدب الإسلامي أن يقدم مضامينه في أي شكل أدبي، بغض النظر عن المذهب الأدبي الذي ينتمي إليه هذا الشكل.
*ورؤية أخرى يذهب أصحابها  إلى أن بعض الأشكال الأدبية تلبست بمفاهيم خاصة هي على النقيض من المفاهيم الإسلامية حتى بدا أنهما (الشكل والمضمون) متلازمان لا ينفكان، وقد انسحب رفضهم للمضمون على الشكل.ص108.:"ونحن إذا نظرنا إلى بعض الأشكال الأدبية وجدناها ذات ارتباط وثيق بأصولها الأولى المرفوضة إسلاميًّا، وأقرب مثال على ذلك سجع الكهان الذي ذمه الرسول صلى الله عليه وسلم، ونفر منه حتى كره بعضهم السجع كله لا سجع الكهان وحده، والسجع كان موجودًا قبل الإسلام وبعده، وهو موجود في القرآن الكريم- وإن كره بعضهم اسم السجع وأطلق عليه الفواصل- وموجود كذلك في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم وفي كلام العرب. ولم يقل الرسول -صلى الله عليه وسلم- إن السجع من حيث هو سجع  مكروه منبوذ، ولكن ذم سجعًا بعينه هو سجع الكهان، ذلك السجع الذي لا يقوم على الفهم والإفهام ولكن يقوم على الإبهام والإيهام، بل إن كل كلام لا يعبر عن معنى ولا يوصل إلى غرض مرفوض إسلاميًّا مسجوعًا كان أو غير مسجوع ص109.
ولم يكره الإسلام من أشكال التعبير التي كانت معروفة غير سجع الكهان. أما الشعر والخطابة والمثل والحكمة فقد أصبحت من أشكال التعبير الإسلامية بعد أن اصطبغت بصبغة الإسلام وتشربت روحه. وإذا سلم لبعض النقاد أن الملحمة لا بد أن تقوم على الخوارق ولا بد أن تشارك في أحداثها الآلهة الذين ينتصرون وينهزمون ويحبون ويعشقون ويأكلون ويشربون، أقول إذا  سلم للنقاد هذا خرجت الملحمة حينئذ من دائرة القبول في الأدب الإسلامي، أما إذا لم يكن هذا جزءًا من تكوينها وأمكن أن تصبح شكلا محايدًا كما يذهب نقاد آخرون فلن تكون حينئذ مرفوضة ويمكن للأدب الإسلامي أن يتعامل معها إذا أراد.
أي أنه يمكن أن نقبل الشكل الأدبي إذا لم يكن له ارتباط حتمي بأصوله الفلسفية والفكرية المرفوضة إسلاميًّا، فإذا لم يكن كذلك فلا بأس به.ص110.
ونحن نعلم أن جميع الأشكال الأدبية –الشعر والقصة والرواية والمسرح- قد استخدمت للتعبير عن أفكار ومضامين لا يقبلها الإسلام ولكن هذه الأشكال لم ترتبط بمضامينها ارتباطًا عضويًّا شأنها شأن اللغة التي تستخدمها جميع الأفكار والمذاهب والفلسفات، ويستخدمها العامة والخاصة والأخيار والأشرار والأنبياء والكفار للتعبير عما يريدون، وما زعم أحد أن اللغة خاصة به وبفكره إنها وعاء عام محايد يتسع لهذا ولذلك.
وكما لا يرفض الأدب الإسلامي اللغة التي يستخدمها الآخرون فكذلك لا يرفض الشكل الأدبي الذي استخدمه الآخرون ما دام شكلاً محايدًا حيدة اللغة التي يعبر بها الجميع.
ولقد جاء المبدأ الثامن من مبادئ العامة للأدب الإسلامي معبرًا عن هذه الحقيقة:" إن الأدب الإسلامي يفتح صدره للفنون الأدبية الحديثة ويحرص على أن يقدمها للناس وقد برئت من كل ما يخالف دين الله – عز وجل- وغنيت بما في الإسلام من قيم ثمينة وتوجيهات سديدة".
فإذا قرأنا المبدأ السابع:"
"الأدب الإسلامي يرفض المذاهب الأدبية المنحرفة" اتضح لنا ما يقبله الأدب الإسلامي وما يرفضه. ص110والانحراف المرفوض قد يكون انحرافًا في المضمون –وهذا هو الغالب- وقد يكون انحرافًا في الشكل- وهو قليل إذا قيس بما سبقه ولكنه موجود- إن العبث والامعقول والرمزية والسريالية والحداثة مذاهب أدبية تجدها في الشكل كما تجدها في المضمون.
وإن البرناسية والفنية وهما أساس مذهب الفن للفن تجدهما في الشكل أكثر مما تجدهما في المضمون.
إن الغموض الذي يلازم الرمزية والسريالية والحداثة ولا ينفك عنهما يبعد أشكالها الفنية عن باب القبول عند الأديب الإسلامي؛ لأن الأدب الإسلامي يقف من الغموض موقف النقيض ص111.
وإن الفن للفن المنبثق عن البرناسية والفنية لا يستقيم في الأدب الإسلامي إلا في مرحلة المران والدربة ورياضة القول. وهو من هذه الزاوية يشبه التدريبات العسكرية والتمرينات الرياضية.
أما إذا تجاوز هذا القدر فإنه ينأى عن القبول لأن الوسيلة عند ذاك تصبح هي الغاية.
والفن في الإسلام ليس غاية ولكنه وسيلة لغاية أبعد منها، لكن إجادة الوسيلة مطلوبة بل واجبة، وهذا هو ما تنهض به رياضة القول، وهو ما يدخل في باب الفن للفن.
واستخدام اللفظ المقدس في السياق المدنس بإصرار غريب عند الحداثيين وتفجير اللغة من داخلها لتقويض نظامها ودك بنائها عندهم، يبعد هذا الشكل عن دائرة القبول في الأدب الإسلامي.
واستخدام رؤى الأحلام وهذيان المحمومين، وهي لغة لا ضابط لها ولا رابط، يبعد هذه الأشكال عن دائرة القبول.
إننا إذا اهتدينا بمبدأ: خالفوا اليهود والنصارى والمجوس والمشركين في موقفنا من مذاهب الأدب المعاصرة استقامت لنا طريق نراها أقرب إلى الصواب.
ـــــــــــــ
الأدب الإسلامي ضرورة، عبده زايد طبع رابطة الجامعات الإسلامية، ونشر دار الصحوة بالقاهرة، سنة 1991م
*صبري أبوحسين
23 - ديسمبر - 2009
الموقف من الشعر الحر(السطري):    كن أول من يقيّم
 
الموقف من الشعر الحر(السطري):
ويتابع الدكتور عبده زايد بيان موقفه من شكل أدبي نال قسطًا كبيرًا من الجدل، وهو الشكل الشعري الحر الذي نحن بصدد النقاش حوله، فيقول:
غير أن الأشكال الجديدة للشعر كانت أكثر ما استنفد جهود النقاد والشعراء والقراء في القبول والرفض.ص111  فالشعر العربي من حيث الشكل قد استقامت له طريق منذ العصر الجاهلي وإلى يومنا هذا، وكان الوزن والقافية أهم الثوابت في مسيرة الشعر العربي التي امتدت أكثر من خمسة عشر قرنًا من الزمان.
إن القصة والرواية والمسرحية ليس لها جذور راسخة في التربة الغربية ةليس لها أركان ثابتة عندنا، ومن هنا سهل علينا أن نقبلها بصورتها التي جاءت بها.
أما الشعر-فن العربية الأول- فالأمر فيه مختلف، ومن هنا احتدم الجدل والنقاش حوله وما زال وسيظل إلى أمد بعيدص112
وقد شهد الشعر في مسيرته ثورة على نمطه المألوف بل ثورات، لكنها لم تثر على الوزن والقافية، حتى أصحاب الموشحات لم يهدموا الوزن والقافية هدمًاكاملاً، ولكنهم جددوا في الأوزان ونوعوا في القوافي. لهذا كان الوزن والقافية من الثوابت الراسخة في الشعر العربي، ولم يكن سهلاً أن يقتلعهما أحد أو فريق بين عشية وضحاها، كما دعا إلى هذا أصحاب صيحات التجديد في الشعر.
ولم تكن المشكلة في الشعر راجعة إلى الوزن والقافية فقط، ولكن إلى لغة الشعر، وأسلوبه ومضامينه وغايته وتنوع أشكاله تنوعًا لا حصر لها، وكانت مشكلة بعض دعاة التجديد هي أنهم يريدون أن يزرعوا الشعر الغربي في البيئة العربية بدلاً من الشعر العربي، ولا يكفون عن استهجان الشعر العربي وذمه والسخرية منه لا لوزنه وقافيته فقط، ولكن لمعانيه وأغراضه وأخيلته وكل ما يتصل به كذلك، وهذا هو سبب استخدام المعركة. ولم تكن المعركة بين المحافظين والمجددين وحدهم، ولكنها دارت أيضًا بين المجدين أنفسهم، ذلك أنهم لم يلتقوا في طريق واحدة، فتفرقت بهم السبل، ودافع كل عن طريقه وهاجم غيره، ولم تكن المعركة فيما بينهم أقل احتدامًا من معركتهم مع المحافظين. ودون دخول في تفاصيل لا تتسع لها المساحة المتاحة ينبغي أن نفرق بين نوعين من التجديد:
*تجديد ينبع من تراث الشعر نفسه، وهو تجديد طبيعي لابد منه في كل مرحلة جديدة حتى يمكن أن يعبر عنها تعبيرًا صحيحًا، ولا شك أن هذا اللون من التجديد مارسه الشعراء في تاريخهم الطويل برغم صرخات الاحتجاج من النقاد المحافظين وعلماء اللغة.
*تجديد من خارج التراث الشعري تأثر بالتيارات الوافدة والثقافية الأجنبية، وهذا التجديد له صورتان. وهذا التجديد:
أ- صورة تطعيم الشعر العربي بما في الآداب الأخرى من خصائص حية نابضة كالاعتماد على الصورة في نقل التجربة وعلى الإيحاء بدلاً من التقريرية والمباشرة وعدم تناقض الصور واضطرابها داخل القصيدة الواحدة وما كان على هذه الشاكلة مما تحتفي به مذاهب الأدب الغربي.
على أن هذا لا يعني مطلقًا أن الشعر العربي القديم الذي يخلو من بعض أو كل هذه الخصائص في درجة أدنى كما يحلو لبعض نقادنا أن يفعلوا فالأدب الصحيح في كل عصر، إنما يجسد تذوق بيئته وليس من الضروري أن يكون ذوق العربي في القرون البعيدة هو نفس ذوق الأوربي في القرن التاسع عشر أو العشرين حتى نحكم في آدابه مقاييسهم المعاصرة.
ب- صورة الاستبدال وهي أن تحل الجديد الأوربي محل القديم العربي، وهذا النوع أشبه بالاستعمار الاستيطاني في فلسطين وجنوب أفريقيا.
وهذ النوع مرفوض مرفوض مع أن له سدنة وكهانًا وحواريين ونقادًا ومجلات تدعو له وتنافح دونه، فهؤلاء قوم ألقوا تراثنا وراء ظهورهم جملة وراحوا يلهثون خلف الآداب الأوربية يلتقطون صورها ومضامينها وأخيلتها ويزرعونها في بيئتنا زرعًا ومن الطبيعي ألا تنبت هذه الفسائل الغربية ولا تثمر وأن تنكرها الأذن العربية والذوق العربي، فليس من المحتم أن نستسيغ في بيئتنا ما يستسيغه الأوربيون في بيئتهم، فليست الأرض هي الأرض ولا المناخ هو المناخ ولا الذوق هو الذوق.
وأظن أن الأدب الإسلامي يستقيم له الإفادة من النوع الول من التجديد، ومن الصورة الأولى من النوع الثاني على أن يتم ذلك بوعي شديد وحذر أشد حتى لا يقع في هاوية التقليد المهلكة، وعلى سبيل المثال فإن الإصرار على استخدام الصورة قد يؤدي إلى نقل الصور الغربية بوعي أو بدون وعي، والصورة تستمد مقوماتها من الخيال وظلال المفردات والتراكيب والفكر والنفس والشعور والواقع.وهذه المقومات تختلف عند الأديب المسلم عنها عند غيره، ومن هنا فلابد أن تكون لصوره خصوصيتها التي تميزها عما سواه. وقد يؤدي إصراره على استخدام الصورة الشعرية في نقل التجربة أيضًا إلى الإصرار على اجتناب الصور البرهانية لأنها معيبة في النقد الحديث والمذاهب الأدبية المعاصرة، وهي ليست معيبة في تراثنا الشعري والنقدي وما زال بعض الشعراء يحسن استخدامها دون أن ينزل بمستواه الشعري.
وما أظن أن هناك ما يمنع من استخدام السطر الشطري الموزون خاصة في المسرحيات الشعرية، واستخدام السطر الشطري لن يكون بديلاً للبيت الشعري، ولن يحل محله ولن يمحوه من الوجود ولكنه نمط من الوزن مستحدث استخدمه المقتدرون من الشعراء فأجادوا فلا مانع من استخدمه مع العلم بأن أكثر ما يكتب في هذا الشكل الشعري ليس من الشعر في شيء، وشيوع استخدامه دليل عجز ص114 لا دليل قدرة كما يعترف بذلك الشعراء والنقاد والمحدثون.   
والذين رفضوا هذا اللون لم يرفضوه لأن البيت الشعري مقدس، ولكن لأن الثورة عليه ارتبطت بالثورة عليه كله وتسفيهه والحط من شأنه، كما ارتبط السطر الشعري بالخروج على الأعراف والتقاليد والأخلاق والدين حتى بدا أنهما متلازمان وهما فعلاً عند الكثيرين، ولكن إن استطعنا أن نفك هذا التلازم فلا بأس على الشاعر أن يستخدمه وما أكثر ما تلبست الأشكال الأدبية بالدين والعقيدة والمذهب ثم انفصلت عنه انفصالاً كاملا، ولكثير من الشعراء الإسلاميين آثار لا بأس بها في هذا الشكل الجديد على الرغم من الأذن العربية لم تألف حتى الآن هذا اللون من الشعر، والزمن كفيل بحسم هذه المسألة فإما أن تقبل الأذن العربية هذا اللون ويستسيغه الذوق، وإما أن يختفي من الوجود شأنه شأن كثير من التجارب التي ظهرت واختفت، وأصبح البيت الشعري هو الحاضر الدائم في ساحة الشعر العربي إلى الآن.
(فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض)    115.
*صبري أبوحسين
23 - ديسمبر - 2009
 2  3  4  5  6