البحث في المجالس موضوعات تعليقات في
البحث المتقدم البحث في لسان العرب إرشادات البحث

مجلس : الأدب العربي

 موضوع النقاش : مفهوم دمعة غربة    قيّم
التقييم :
( من قبل 1 أعضاء )
 ابو هشام 
7 - يونيو - 2009
دمعة الغربة هي الوحيدة التي تقف بجانب الإنسان وتحنو عليه في وحشته ، وتواسيه وتخفف عنه أحزانه في غربته في عزلته ..
 ـ غُرْبةٌ عَنِ الدِّيْنِ : أن يكون الإنسان غريبا عن دينه هاجرا لأوامر ربه ، متقربا من معاصيه ، ونقول في المثل العامي " ما الغريب إلاَّ الشيطان " أي كل من يبتعد عن الله سبحانه وتعالى ويتقرب من الشيطان وأعماله هو الغريب حقيقة ، ومن المبعدات كما قيل :
 إن الفراغ و الشباب و الجدة .. مفسدة للمرء ايّ مفسدة[1]
قال عليه الصلاة والسلام -  ( نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس : الصحة والفراغ [2]).
...وأكثر هؤلاء غربة العلماء الذين يوكل إليهم هداية الناس وينحرفون عن جادة الصواب لغرض دنيوي  فغربتهم  مريرة  لأنهم ملح الأرض فيا ملح الأرض من يصلح الأرض إذا الملح فسد !!..
قال العلامة سليمان بن سمحان [3]:
إلى الله نشكو غربة الدين والهدى*وفقدانه من بين من راح أو غدا
فعاد غريبا مثل ما كان قد بدا*على الدين فليبكي ذوو العلم والهدى
فقد طمست أعلامه في العوالم.
ـ غربةٌ عَنْ الوَطَن : هو الابتعاد عن الأرض التي ولدنا فيها ، سماؤها أظلنا ، عليها حبونا ولعبنا وكبرنا ، ولنا فيها أجمل ذكريات ، فيها الأهل والعشيرة والخلان والأقارب والجيران ، أجبرتنا الظروف لترك أجمل واحب بقعة على وجه الثرى .. وتعريف المغترب : هوكائن محسود مادياً , مجهول عائلياً , مقهور إعلامياً , مرهق جسدياً , مدمر نفسياً , يتصل إسبوعياً , مشتت فكرياَ...لا يُسْأَلُ عن همومه ، فهي كثرة ..
ـ دواعي الغربة
يُهاجرُ المرءُ إلى بَلدٍ آخر . إما للدراسة أو مرغما مطرودا ، وغالباً ما يكونُ مجبراً ، سعياً عَنْ رزقٍ أَوْ لقمةِ عَيْشٍ  ..أَوْ هَارِبَا  مِنْ مَاضٍ يُقْلِقُهُ .. أَوْ لفظتْهُ بَعيداً بَلْدَتهُ..أَوْ يَبْحَثُ عنْ كَرَامةٍ فُقِدَتْ فِي وطنِهِ..فيبتعد جسده عن أهله ؛ أمه و أبيه وأخوه وأخته ،
قبل الغربة:
قَدْ فَكَّرَ مَرْءٌ بِالْهِجْرَةْ      فَتَصَوَّرَ عَيْشَاً مَا يَهْوَى
لُقْمَةُ عَيْشٍ غَيْرُ الْمُرَّةْ      وَيَنَالُ عَلَى مَا يَتَمَنَّى
وَبِلا جُهْدٍ دُونَ مَشَقَّةْ
تَحْسينُ الوَضْعِ وَقَدْ يَسْعَى    سَيَّارَةُ فَخْمَةُ قَدْ تُقْنَى
بَيْتٌ لِلْحُلْمِ عَلا فِكْرهْ     قَدْ يَعْلُو الْبَيْتُ وَقَدْ يُبْنَى
قَدْ يَطْرُدُ فَقْرَاً فِي بَلَدٍ    يَشْقَى يَعْمَلُ حَتَّى يَغْنَى
للغربة باب قد طرقةْ 
أول الغربة :
سَكَنَ المرْءُ بِلادَ الغُرْبَة..لاقتْهُ الشِّدَّةُ والكُرْبَة ، اصْطَدَمَ بجدارِ العُزْلَة ،لا أُخْتٌ عِنْدَهُ وَلا عَمَّة ، شَيْءٌ لمْ يخْطُرْ فِي بالٍ ، وَجَدَ نَفْسَهُ دُونَ صَدِيقٍ أَوْ خَالٍ  ..  دُونَ أَخٍ ..دُونَ قَريبٍ..دُونَ سَميعٍ ..دُونَ مُجيبٍ ، لا مُعِين يَقْتَربُ مِنْهُ ، يُقَاسِمَهُ فَرَحَهُ أوْ حُزْنَهُ .. نجاحه أو فشله ، معاناته ومكابدته ، في الغربة يُظلمُ ويُهانُ ، يُسْتَرَقُّ بِكَفَالَةٍ أوْ إقَامَة ،وفِي الغُرْبَةِ ضُرِبَ المثَل:(الغُرْبَةُ مُضَيِّعَةُ الأَصْل )..
أثناء الغربة :
 يَتألَّمُ المرءُ من الغربةِ ،تأتيه الطَّعْنَةُ تِلْوَ الطَّعْنَة ، لا يَعْلَمُ مِنْ أَيْنَ تَأْتِي ، لا يَعْلَمُ مِنْ أَيْنَ يُطْعَن .. فيكظمُ غيظَهُ في صدرِهِ ، لَمْ يستطعْ البَوحَ بِكَلِمَة ، إنْ حَاوَلَ مَرَّةً أوْ جَرَّبَ ، معناهُ عَلَى نَفْسِهِ خَرَّبَ ، قَدْ قَطَعَ رِزْقَهُ بِيَدِيهِ ، وَهوَ مَا يُعْرَفُ بـ ( قَطْعِ الأَرْزَاقِ مِنْ قَطْعِ الأَعْنَاقِ ) وَخَافَ مِنْ مَجْهُولٍ قَادِم  .. والنَّاسُ يَقُولُون ، وَلا يَصْمُتُونَ : ألمْ يَعْرفْ يَصْمُتُ أوْ يَسْكُتُ ، لِيُحَافِظَ عَلَى لُقْمَةِ عَيْشِهِ !!!.، مَنْ مَكَثَ طَويلاً مُغْتَرِبَاً !!! ، يُلاقِي ، يُعَانِي ، يَتَحَمَّلُ  ،وَيُعَوِّدُ نَفْسَهُ لِيَشْرَبَ مِنْ كَأْسِ الحَنْظَلِ : وَقَدْ قِيْلَ قَدِيماً : ( الغُرْبَة مرَّة ) .. أَكْثَرُ شَيْءٍ يحزُّ في نفسٍ ، عندما يتقنُ عملَهَ ويتفانى ، والكلُّ يشيد في ذلك ، يُعْتَزُّ   بإنجازاته ويُعْتَرَفُ بإتقانِهِ ، لا شيءَ مقابلَ ذلك ، أو يعطى أدنى شيءٍ مقابلَ  مَنْ لا يستحقُّ .. والسببُ إنَّهُ غريبٌ ولا منَّه ، إنَّهُ مأْجُورٌ، مأْجُور ، الغربة فيها استغلال للإنْسان .. والأَمْنُ الوَظِيفيُّ مَفْقُودٌ ، مَفْقُود ، لا تَقُلْ في عُهُودٍ أوْ عُقُود ، فالْفَزَعُ والرُّعْبُ مَوْجُودٌ ، فالرُّعْبُ الوظيفيُّ شبكةُ صيادٍ ؛ إنْ هربَتْ مِنْها السَّمكةُ ، سوفَ تَمْسِكُ بها في المراتِ القادمةِ ..
طول الغربة
 أَقْسَى وَأَصْعَبُ مَا يُعَانِي ، مَنْ مَكَثَ طَويلاً فِي الغُرْبَةِ ، يموت فيها المَرْءُ ألفَ مَرَّةٍ ، أَلمٌ وَحُرْقَةٌ وَمَرَارَةٌ ثمَّ حَسْرَةٌ ، بِوُصُولِ الخَبَرِ المَشْؤُومِ بـ (مَوْتِ الأبِ أوْ الأمِّ أوْ الأخِ ) ولا يَقْدِرُ أَنْ يُودِّعَهُم (آخِرَ وَدَاعٍ ) أَوْ حَتَّى يَمْشِي بِجَنَازَتهم أَوْ فِي الدَّفْنِ يُشَارِكَهم.. فدموعُهُ تَنْزلُ بِغَزَارَةٍ ، بحَرارَةٍ ، وأَحْزَانَهُ وآلامَهُ وَحَسرات تُدْفَنُ فِي صَدْرِه .. فِي لحْظَةٍ يَحْتَاجُ الأَهْلُ (مِنْ أَخٍ أَوْ أُخْتٍ أَوْ عَمَّةٍ أَوْ خَالَةٍ ) ، أَنْ يَقِفَ المرْءُ بجانِبِهِم ، أَوْ حَتَّى وَقْفَةَ صَاحِبٍ ،أَيْنَ المثل : ( الصَّديقُ عِنْدَ الضِّيقِ ) ؟!!. والمغْتَرِبُ لا يمْلِكُ مَا يُقَدِّمُ لهُمُ إلاَّ النُّقُودَ إنْ قَدِرَ ، وَهُمْ فِي تِلْكَ اللَّحَظَةِ لا يحتاجونَ إلى ذَلِك ..لا يِسْتَطيعُ أنْ يواسيَهُم ، يَتَلَقَّى صَدْمَةً تلو صَدْمَة ، وَحَزْنَا فَوْقَ حزنٍ ، يَتَرَاكَمُ ألمٌ فَوْقَ ألمٍ فَيَعْمُرُ القلبُ بِطَبَقَاتِ جُرُوحٍ نَازِفَةٍ ، لايمْحِيهَا الزَّمَنُ  ، فَتَكْمُدُ فِي صَدْرِهِ ، وتُلْحَدُ مَعَهُ فِي قَبْرِهِ .. وَعِنْدَمَا تمسكهُ الشَّبكةُ أو يَسْتَغْنُونَ عَنْ خَدَمَاتِهِ ، يُرْمَى ، ولا أَحَدٌ يَسْألُ .. و"بِغَالُ الإنْجِلِيزِ أَوْفَرُ حَظَّاً ، لأَنَّهُ لا يَنَالُ حَتَّى رَصَاصَةَ الرَّحْمَةِ" ..


 - أرجوزة لأبي العتاهية[1]
 - الراوي: عبدالله بن عباس  - المحدث: البخاري - المصدر: الجامع الصحيح - الصفحة أو الرقم: 6412 [2]
 [
صحيح] : خلاصة الدرجة
[3] - القصيدة في غربة الدين والولاء والبراء للعلامة سليمان بن سمحان نقلتها من كتاب موارد الظمآن للشيخ عبد العزيز السلمان رحمه الله
(المنظومة )طُبِعَت بِتَحقيقِ الشَّيخِ : محمد بن عمر العقيل أبي عبدالرحمن بن عقيل الظاهري وشارك في التصحيح والتعليق محمد خير رمضان يوسف و عبدالمحسن بن عبدالعزيز العسكر(ط :مكتبة الرشد) [ 1427 ﻫ ] في السّفْر الرابع ص327 .
وَقَالَ أَيْضًا عَفَا اللهُ عَنْهُ :
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
مِنْ سُلَيْمَانَ بْنِ سَحْمَانَ إلى الأَخِ الْمُكَرَّمِ وَالْمُحِبِّ الْمُقَدَّمِ (إبْرَاهِيمَ بْنِ رَاشِدٍ آل حَمَدْ)حَلاَّهُ اللهُ بِحِلْيَةِ أَوْلِيَائِهِ، وَعَمَّرَهُ بِآلائِهِ وَنَعْمَائِهِ،وَرَفَعَ لَهُ ذِكْرَهُ بَيْنَ أَهْلِ أَرْضِهِ وَسَمَائِهِ آمِينَ.
سَلامُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ وَبَعْدُ:
فَأَحْمَدُ إلَيْكُمْ اللهَ الَّذِي لا إلَهَ إلاَّ هُوَ، وَهُوَ لِلْحَمْدِ أَهْلٌ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، وَالْخَطُّ وَصَلَ بِمَا تَضَمَّنَ مِنَ الْوَصِيَّةِ، وَفَقَّنَا اللهُ وَإيَّاكَ لِقَبُولِ الْوَصَايَا الشَّرْعِيَّةِ، وَأَعَاذَنَا مِنْ سَيِّئَاتِ الأَعْمَالِ الكَسْبِيَّةِ،وَأُوصِيكَ بِمَا أَوْصَيْتَنِي بِهِ وَبِلُزُومِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالرَّغْبَةِ فِيهِمَا، فَإنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ نَبَذُوهُمَا( ظِهْرِيًّا )وَزَهِدُوا فِيمَا تَضَمَّنَاهُ مِنَ الْعِلْمِ وَالْعَمَلِ،  لِحُذَيْفَةَ
e
اللَّهُمَّ إلاَّ أَنْ يُوَافِقَ الْهَوَى، وَاذْكُرْ قَوْلَهُ  لَمَّا سَأَلَهُ عَنِ الْفِتَنِ قَالَ : "اقْرَأْ كِتَابَ اللَّهِ وَاعْمَلْ بِمَا فِيهِ " (كَرَّرَهَا ثَلاثًا ) .
قَالَ شَيْخُنَا الشَّيْخُ عَبْدُ اللَّطِيفِ قَدَّسَ اللهُ رُوحَهُ: " وَالْحِكْمَةُ - وَاللهُ أَعْلَمُ - شِدَّةُ الْحَاجَةِ وَقْتَ الْفِتَنِ وَخَوْفُ الْفِتْنَةِ وَالتَّقَلُّبِ، وَأَكْثَرُ النَّاسِ مِنْ أَهْلِ نَجْدٍ وَغَيْرِهِمْ لَيْسُوا عَلَى شَيْءٍ فِي هَذِهِ الأَزْمَانِ، وَالْمُؤْمِنُ مَنِ اشْتَرَى نَفْسَهُ وَرَغِبَ فِيمَا رَغِبَ عَنْهُ الْجُهَّالُ وَالْمُتْرَفُونَ " (انتهى) .
وَتَذَكَّرْ مَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ غُرْبَةِ الدِّينِ وَانْدِرَاسِ (مَعَالِمِ الإسْلامِ)، إلَى آخِرِ مَا ذَكَرْتَ, فَالأَمْرُ كَمَا ذَكَرْتَ وَأَعْظَمُ مِمَّا إلَيْهِ أَشَرْتَ، فَإنَّا للهِ  مِنْ قَوْلِهِ
e
وَإنَّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ، وَهَذَا مِصْدَاقُ مَا أَخْبَرَ بِهِ  : "بَدَأَ الْإِسْلَامُ غَرِيبًا وَسَيَعُودُ غَرِيبًا كَمَا بَدَأَ " (... الْحَدِيثَ).
وَقَدْ صَارَ إقْبَالُ النَّاسِ وَإكْبَابُهُمُ الْيَوْمَ عَلَى أَمْرِ الدُّنْيَا وَإصْلاحِهَا وَلَوْ بِفَسَادِ دِينِهِمْ.
قَالَ( ابْنُ عَقِيلٍ  )رَحِمَهُ اللهُ : " مِنْ عَجِيبِ ما قدمت فِي أَحْوَالِ النَّاسِ كَثْرَةُ مَا نَاحُوا عَلَى خَرَابِ الدِّيَارِ وَمَوْتِ الْأَقَارِبِ وَالْأَسْلافِ، وَالتَّحَسُّرِ عَلَى الأَرْزَاقِ وَذَمِّ الزَّمَانِ وَأَهْلِهِ، وَذِكْرِ نَكَدِ الْعَيْشِ فِيهِ وَقَدْ رَأَوْا مِنِ انْهِدَامِ الإسْلامِ وَشَعَثِ الأَدْيَانِ وَمَوْتِ السُّنَنِ وَظُهُورِ الْبِدَعِ وَارْتِكَابِ الْمَعَاصِي وَتَقَضِّي الْعُمُرِ فِي الْفَارِغِ الَّذِي لا يُجْدِي، فَلا أَحَدَ مِنْهُمْ نَاحَ عَلَى دِينِهِ وَلا بَكَى عَلَى فَارِطِ عُمُرِهِ وَلا تَأَسَّى عَلَى فَائِتِ دَهْرِهِ، وَلا أَرَى ذَلِكَ إلاَّ لِقِلَّةِ مُبَالاتِهِمْ بِالأَدْيَانِ وَعِظَمِ الدُّنْيَا فِي عُيُونِهِمْ ضِدَّ مَا كَانَ عَلَيْهِ السَّلَفُ الصَّالِحُ يَرْضَوْنَ بِالْبَلاغِ وَيَنُوحُونَ عَلَى الدِّينِ... "انْتَهَى .
فَلأَجْلِ غُرْبَةِ الإسْلامِ وَانْطِمَاسِ مَعَالِمِهِ الْعِظَامِ وَإكْبَابِ النَّاسِ عَلَى جَمْعِ الحُطَامِ أَقُولُ
إلى الله نشكو غربة الدين والهدى**وفقدانه من بين من راح أو غدا
فعاد غريبا مثل ما كان قد بدا**على الدين فليبكي ذوو العلم والهدى
فقد طمست أعلامه في العوالم:


 
 1  2  3 
تعليقاتالكاتبتاريخ النشر
تابع*مشاهد من دمعة "غربة مع النفس"     كن أول من يقيّم
 
وهذا أحد الذين أدركهم الكبر، فأحال نور العبيدي[1] الذي قتل الشيب فيه كل إحساس بالتواصل مع الحياة والأحياء فيها، فاندفع يقول[2]:

كفى حزناً أن لا أرد مطيتي لرحلي ،       ولا أغدو مع القوم في وفــد
وإن أفرعت قريان نجد، ونوّرت        من البقل لم أنظر بعيني في نجــد
وأن أسأل الأوغاد: ما كان شأنهم ،     ولا اشهد الشورى لغى ولا رشد
وقد كنت أعطي السيف -في الروع- حقه حياءً إذا جرّدت سيفي من الغمد
"وهذا دريد بن الصمة الجشمي[3] يفرده قومه في مكان معزول عن البيوت ، رغبة عنه، ونفوراً منه، وكراهية لوجوده على قيد الحياة ، ويوكلون به أمه أن تقوم على أمره، فإذا هي الأخرى تغدو غير عابئة به ، ولا محتملة له ، إذ كانت تقيده بقيد الفرس ثم تسير لحاجتها بعيداً عنه ، ومر يوماً - عليه بعض رجال قومه، فسأل عن حاله، فأنشأ يقول[4] :                       .
أصبحت أقذف أهداف المنــــون، كما يرمى الدريئة أدنــى فوقه الوتـر
في منصفٍ من مدى تسعين من مائةٍ كرمية الكاعب العذراء  بالحجر
في منزلٍ نازح أم الحي منتبذٍ كمـــــــــربط العير ، لا أدعى إلى خبـــر
كأنني ضرب جزت قوادمـــه ، أو جثـــــــــةٍ من بغاتٍ في يدي هصـــر
يمضون أمرهم دوني ، وما ققدوا مني عزيمــــــــة أمر ما خلا كبـــري
ونومةٍ لست أقضيها،وإن متعت،وما أمضى قبل من شأوي ومن عمري
وأنني رابني قيدٌ حبســــــت به ، وقد أكــــــون وما يمشي على اثـــري
إن السنيـــــن إذا قربن من مائةٍ لوين مرة أحــــــــــوال علــى مـــــــرر

      من هذا الذي يبكي؟ إنه دريد بن الصمة الذي قال عنه عمرو بن معد يكرب الفارس المشهور : "لو طفت نطعينة أحياء العرب ما خفت عليها ، ما لم ألق عبديها وحريها" ، يعني بالعبدين عنترة بن شداد العبسي ، والسليك بن السلكة، والحرين: دريد بن الصمة، وربيعة بن مكرم[5]..،فهو أحد المعدودين أو كان أحد الموهوبين في الجزيرة كلها...
ساعدة بن جؤية الهذلي[6]، إذ يعلن لك أن الندم، والتحسر على مضي الشباب ليس بدافع صاحبه أمام قهرية نزول الهرم والكبر، وأمام حقيقة أن الشيب - على حد تعبيره - : "داء نجيس لا دواء له".
وذلك إعلان يرسم الانهزام النفسي أمام ذلك الشيب الذي يصيب الجسد بالذبول والوهن، والحواس بالضعف والخور، حتى ليصير الإنسان غير قادر على فعل ا يجلب له الدفء في علاقته بالمجتمع، الذي لم يكن يرعى للكبير حرمة، فهو يقول:

يا ليت شعري، ألا منجي من الهرم أم هل على العيش بعد الشيب من ندم؟
والشيب داء نجيس ، لا دواء له للمرء كان صحيحاً صائب القحـــم
وسنان ، ليس بقاضٍ نومةً أبداً لولا غداة يسير الناس لم يقــــــم
في منكبيه، وفي الأصلاب واهنةٌ ، وفي مناصله غمزٌ من القســـــم
إن يأته في نهار الصيف لا تره إلا يجمع  ما يصلى من الحجــــــم
حتى يقال: وراء البيــــت منتبذاً : قم -لا أبا لك- ســـــــار الناس ، فاحتزم ..


- قشير بن عطي العبيدي: أحد بني ديسق بن معاوية بن قشير، جاهلي مقل، امتد به العمر حتى عمى ومل الحياة.انظر 1/314من: شعراء بني قشير في الجاهلية والإسلام حتى آخر العصر الأموي.د/عبد العزيز الفيصل طبع:عيس الحلبي 1398هـ/1978م. [1]
 - التعليقات والنوادر لأبي علي زكريا بن هارون الهجري1/223طبع دار الشؤون الثقافية-بغداد بتحقيق د/حمودي الأمير الحمادي، القريان جمع:قريٌ وهو مجرى الماء. [2]
 - د. شوادفي أحمد السيد علام   [3]
 
 - ديوان دريد بن الصمة الجشمي.تحقيق/محمد خير البقاعي ص66طبع دار قتيبة1401هـ-19881م، والخرب: ذكر الحبارى، جزت فوادمه :قصت وسائل الحركة فيه. انظر الحيوان5/449. [4]
 - ديوان دريد بن الصمة الجشمي ص14-15[5]
                                                                                                             [6]    - شرح أشعار الهذليين. ضنعة السكري. تحقيق/عبد الستار فراج، مراجعة. الشيخ  شاكر3/1122-1124  طبع المدني1384هـ- 1965م، الداء البخيس: الذي لا يكاد يبرأ من الأدواء والعسم:أليس سيصيب المفاصل، والحجمة: حر النار.
*ابو هشام
7 - يونيو - 2009
مداخلة لطيفة     كن أول من يقيّم
 
مداخلة لطيفة
    الأستاذ سعيد جزاك الله كل الخير على هذه المداخلة اللطيفة التي تنبوا على علم غزير وإدراك واسع ، حاولت أخي أن أقدم قسما من مفهوم دمعة الغربة ، فهذا القسم أفرجت عنه مع أن باقي مفهوم الغربة وباقي المفاهيم الدمعية ستبقى مقيدة بأغلالها حتى يأتي وقتها المناسب .. وهذا من كتاب أنجزته بعنوام "مفاهيم دمعية " .. ولكم مني كل التحية والتقدير لشخصكم الكريم ولعلمكم الغزير ..
*ابو هشام
7 - يونيو - 2009
الغريب والغربة من مشرب آخر.    ( من قبل 4 أعضاء )    قيّم
 
                  ليس الغريب غريب الشام واليمن 

زين العابدين

لَيْسَ الغَريبُ غَريبَ الشَّامِ واليَمَنِ      إِنَّ الغَريبَ غَريبُ اللَّحدِ والكَفَنِ

إِنَّ الغَريِبَ لَهُ حَقٌّ لِغُرْبَتـِهِ              على الْمُقيمينَ في الأَوطــانِ والسَّكَنِ

سَفَري بَعيدٌ وَزادي لَنْ يُبَلِّغَنـي           وَقُوَّتي ضَعُفَتْ والمـوتُ يَطلُبُنـي

وَلي بَقايــا ذُنوبٍ لَسْتُ أَعْلَمُها           الله يَعْلَمُهــا في السِّرِ والعَلَنِ

مـَا أَحْلَمَ اللهَ عَني حَيْثُ أَمْهَلَني           وقَدْ تَمـادَيْتُ في ذَنْبي ويَسْتُرُنِي

تَمُرُّ سـاعـاتُ أَيّـَامي بِلا نَدَمٍ               ولا بُكاءٍ وَلا خَـوْفٍ ولا حـَزَنِ

أَنَـا الَّذِي أُغْلِقُ الأَبْوابَ مُجْتَهِداً          عَلى المعاصِي وَعَيْنُ اللهِ تَنْظُرُنـي

يَـا زَلَّةً كُتِبَتْ في غَفْلَةٍ ذَهَبَتْ             يَـا حَسْرَةً بَقِيَتْ في القَلبِ تُحْرِقُني

دَعْني أَنُوحُ عَلى نَفْسي وَأَنْدِبُـهـا           وَأَقْطَعُ الدَّهْرَ بِالتَّذْكِيـرِ وَالحَزَنِ

كَأَنَّني بَينَ تلك الأَهلِ مُنطَرِحــَاً               عَلى الفِراشِ وَأَيْديهِمْ تُقَلِّبُنــي

وَقد أَتَوْا بِطَبيبٍ كَـيْ يُعالِجَنـي                وَلَمْ أَرَ الطِّبَّ هـذا اليـومَ يَنْفَعُني

واشَتد نَزْعِي وَصَار المَوتُ يَجْذِبُـها           مِن كُلِّ عِرْقٍ بِلا رِفقٍ ولا هَوَنِ

واستَخْرَجَ الرُّوحَ مِني في تَغَرْغُرِها           وصـَارَ رِيقي مَريراً حِينَ غَرْغَرَني

وَغَمَّضُوني وَراحَ الكُلُّ وانْصَرَفوا              بَعْدَ الإِياسِ وَجَدُّوا في شِرَا الكَفَنِ

وَقـامَ مَنْ كانَ حِبَّ لنّاسِ في عَجَلٍ                نَحْوَ المُغَسِّلِ يَأْتينـي يُغَسِّلُنــي

وَقــالَ يـا قَوْمِ نَبْغِي غاسِلاً حَذِقاً                   حُراً أَرِيباً لَبِيبـاً عَارِفـاً فَطِنِ

فَجــاءَني رَجُلٌ مِنْهُمْ فَجَرَّدَني                       مِنَ الثِّيــابِ وَ أَعْرَاني و أَفْرَدَني

وَأَوْدَعوني عَلى الأَلْواحِ مُنْطَرِحـاً                   وَصـَارَ فَوْقي خَرِيرُ الماءِ يَنْظِفُني

وَأَسْكَبَ الماءَ مِنْ فَوقي وَغَسَّلَني                   غُسْلاً ثَلاثاً وَنَادَى القَوْمَ بِالكَفَنِ

وَأَلْبَسُوني ثِيابـاً لا كِمامَ لهـا                         وَصارَ زَادي حَنُوطِي حيـنَ حَنَّطَني

وأَخْرَجوني مِنَ الدُّنيـا فَوا أَسَفاً                    عَلى رَحِيـلٍ بِلا زادٍ يُبَلِّغُنـي

وَحَمَّلوني على الأْكتـافِ أَربَعَةٌ                      مِنَ الرِّجـالِ وَخَلْفِي مَنْ يُشَيِّعُني

وَقَدَّموني إِلى المحرابِ وانصَرَفوا                    خَلْفَ الإِمـَامِ فَصَلَّى ثـمّ وَدَّعَني

صَلَّوْا عَلَيَّ صَلاةً لا رُكوعَ لهـا                        ولا سُجـودَ لَعَلَّ اللـهَ يَرْحَمُني

وَأَنْزَلوني إلـى قَبري على مَهَلٍ                         وَقَدَّمُوا واحِداً مِنهـم يُلَحِّدُنـي

وَكَشَّفَ الثّوْبَ عَن وَجْهي لِيَنْظُرَني                 وَأَسْكَبَ الدَّمْعَ مِنْ عَيْنيهِ أَغْرَقَني

فَقامَ مُحتَرِمــاً بِالعَزمِ مُشْتَمِلاً                       وَصَفَّفَ اللَّبِنَ مِنْ فَوْقِي وفـارَقَني

وقَالَ هُلُّوا عليه التُّرْبَ واغْتَنِموا                   حُسْنَ الثَّوابِ مِنَ الرَّحمنِ ذِي المِنَنِ

في ظُلْمَةِ القبرِ لا أُمٌّ هنــاك ولا                      أَبٌ شَفـيقٌ ولا أَخٌ يُؤَنِّسُنــي

فَرِيدٌ وَحِيدُ القبرِ، يــا أَسَفـاً                        عَلى الفِراقِ بِلا عَمَلٍ يُزَوِّدُنـي

وَهالَني صُورَةً في العينِ إِذْ نَظَرَتْ                 مِنْ هَوْلِ مَطْلَعِ ما قَدْ كان أَدهَشَني

مِنْ مُنكَرٍ ونكيرٍ مـا أَقولُ لهم                     قَدْ هــَالَني أَمْرُهُمْ جِداً فَأَفْزَعَني

وَأَقْعَدوني وَجَدُّوا في سُؤالِهـِمُ                       مَـالِي سِوَاكَ إِلهـي مَنْ يُخَلِّصُنِي

فَامْنُنْ عَلَيَّ بِعَفْوٍ مِنك يــا أَمَلي                    فَإِنَّني مُوثَقٌ بِالذَّنْبِ مُرْتَهــَنِ

تَقاسمَ الأهْلُ مالي بعدما انْصَرَفُوا                 وَصَارَ وِزْرِي عَلى ظَهْرِي فَأَثْقَلَني

واستَبْدَلَتْ زَوجَتي بَعْلاً لهـا بَدَلي                     وَحَكَّمَتْهُ فِي الأَمْوَالِ والسَّكَـنِ

وَصَيَّرَتْ وَلَدي عَبْداً لِيَخْدُمَهــا                      وَصَارَ مَـالي لهم حـِلاً بِلا ثَمَنِ

فَلا تَغُرَّنَّكَ الدُّنْيــا وَزِينَتها                   وانْظُرْ إلى فِعْلِهــا في الأَهْلِ والوَطَنِ

وانْظُرْ إِلى مَنْ حَوَى الدُّنْيا بِأَجْمَعِها          هَلْ رَاحَ مِنْها بِغَيْرِ الحَنْطِ والكَفَنِ

خُذِ القَنـَاعَةَ مِنْ دُنْيَاك وارْضَ بِها               لَوْ لم يَكُنْ لَكَ إِلا رَاحَةُ البَدَنِ

يَـا زَارِعَ الخَيْرِ تحصُدْ بَعْدَهُ ثَمَراً              يَا زَارِعَ الشَّرِّ مَوْقُوفٌ عَلَى الوَهَنِ

يـَا نَفْسُ كُفِّي عَنِ العِصْيانِ واكْتَسِبِي              فِعْلاً جميلاً لَعَلَّ اللهَ يَرحَمُني

يَا نَفْسُ وَيْحَكِ تُوبي واعمَلِي حَسَناً                 عَسى تُجازَيْنَ بَعْدَ الموتِ بِالحَسَنِ

ثمَّ الصلاةُ على الْمُختـارِ سَيِّدِنـا                   مَا وَصَّـل البَرْقَ في شَّامٍ وفي يَمَنِ

والحمدُ لله مُمْسِينَـا وَمُصْبِحِنَا                         بِالخَيْرِ والعَفْوْ والإِحْســانِ وَالمِنَنِ
*د يحيى
7 - يونيو - 2009
سلمت يمينك د.يحيى     ( من قبل 2 أعضاء )    قيّم
 
سلمت يمينك  د.يحيى على هذه القصيدة التي تقوي القين وتعزز الدين ،  وهذه الحقيقة التي يتناساها بعض الناس في أيامنا هذه ، وهي الغربة الحقيقية ، لأننا لم نستعد لها ونجهز الزاد فالعهد قريب والسفر بعيد.. مر الأحنف بامرأة تبكي مَيتاً ورجل ينهاها فقال[1]‏:‏ دَعْها فإنها تَنْدُب عَهْداً قريباً وسَفراً بعيداً‏ ..‏ ومَر النبي  بنِسْوة من الأنصار يَبْكين مَيِّتاً فزَجَرهنَّ عمر فقال له النبي ‏:‏ دَعْهن يا عُمر فإن النفسَ مُصابة والعينَ دامِعة والعهدَ قريب‏ ...
 وندعو الله أن يحسن الخاتمة لجميع المسلمين .. آمين .. آمين .. آمين .


 [1]  - المصدر من ويكي مصدر، المكتبة الحرة العقد الفريد الجزء الثاني15

*ابو هشام
8 - يونيو - 2009
الغرباء الحقيقيون طوبى لهم    ( من قبل 3 أعضاء )    قيّم
 
قال رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، : " إنّ الإسلام بدأ غريباً ، وسيعود غريباً كما بدأ ، فطوبى للغرباء . قيل : مَن هم الغرباء يارسول الله ؟ قال : الذين يصلحون إذا فسد الناس ، ولا يمارون في دين الله ، ولا يكفّرون أهل القِبلة بذنب " .
 ( سلسلة الأحاديث الصحيحة 3/366 و 369).
·     تفسير ( طوبى) :
ما أخرجه البخاري وغيره عن أنس ، رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله ، صلى الله عليه وسلم :
" إنّ في الجنة شجرةً يسير الراكب في ظلها مِئة عام لا يقطعها ، إنْ شئتم فاقرؤوا : " وظِلٍّ ممدود وماءٍ مسكوب" ( سلسلة الأحاديث الصحيحة 4/ 639) .
*د يحيى
8 - يونيو - 2009
بعض مادة ( غرب)    ( من قبل 2 أعضاء )    قيّم
 
البحث عن جذر غرب في لسان العرب
 

والغُرْبةُ والغُرْب: النُّزوحُ عن الوَطَن والاغْتِرابُ؛ قال المُتَلَمِّسُ:
أَلا أَبْلِغا أَفنـاءَ سَـعـدِ بـن مـالـكٍ
 
رِسالةَ مَن قد صار، في الغُرْبِ، جانِبُهْ
والاغْتِرابُ والتغرُّب كذلك؛ تقول منه: تَغَرَّبَ، واغْتَرَبَ، وقد غَرَّبه الدهرُ. ورجل غُرُب، بضم الغين والراء، وغريبٌ: بعيد عن وَطَنِه؛ الجمع غُرَباء، والأُنثى غَريبة؛ قال:
إِذا كَوْكَبُ الخَرْقاءِ لاحَ بسُـحْـرةٍ
 
سُهَيْلٌ، أَذاعَتْ غَزْلَها في الغَرائبِ
أَي فَرَّقَتْه بينهنّ؛ وذلك أَن أَكثر من يَغْزِل بالأُجرة، إِنما هي غريبةٌ. وفي الحديث: أَن النبي، صلى اللّه عليه وسلم، سُئِلَ عن الغُرباء، فقال: الذين يُحْيُونَ ما أَماتَ الناسُ من سُنَّتِي. وفي حديث آخر: إِنّ الإِسلامَ بَدأَ غريباً، وسيعود غريباً كما بَدأَ، فطوبَى للغُرباءِ؛ أَي إِنه كان في أَوّلِ أَمْرِه كالغريبِ الوحيدِ الذي لا أَهل له عنده، لقلة المسلمين يومئذ؛ وسيعودُ غريباً كما كان أَي يَقِلُّ المسلمون في آخر الزمان فيصيرون كالغُرباء، فطُوبى للغُرَباء؛ أَي الجنةُ لأُولئك المسلمين الذين كانوا في أَوّل الإِسلام، ويكونون في آخره؛ وإِنما خَصَّهم بها لصبْرهم على أَذى الكفار أَوَّلاً وآخراً، ولُزومهم دينَ الإِسلام. وفي حديث آخر: أُمَّتِي كالمطر، لا يُدْرَى أَوَّلُها خير أَو آخِرُها. قال: وليس شيءٌ من هذه الأُحاديث مخالفاً للآخر، وإِنما أَراد أَن أَهلَ الإِسلام حين بَدأَ كانوا قليلاً، وهم في آخر الزمان يَقِلُّون إِلاَّ أَنهم خيارٌ. ومما يَدُلُّ على هذا المعنى الحديثُ الآخر: خِيارُ أُمَّتِي أَوَّلُها وآخِرُها، وبين ذلك ثَبَجٌ أَعْوَجُ ليس منكَ ولَسْتَ منه.
واغْتَرَبَ الرجلُ: نَكَح في الغَرائبِ، وتَزَوَّجَ إِلى غير أَقاربه.

وفي الحديث: اغْتَرِبُوا لا تُضْوُوا أَي لا يتزوّج الرجلُ القرابة القريبةَ، فيجيءَ ولدُه ضاوِيّاً.
والاغْتِرابُ: افتِعال من الغُرْبة؛ أَراد: تَزَوَّجُوا إِلى الغرائب من النساءِ غير الأَقارب، فإِنه أَنْجَبُ للأَولاد. ومنه حديث المُغِيرة: ولا غريبةٌ نَجِيبةٌ أَي إِنها مع كونها غريبةً، فإِنها غيرُ نَجيبةِ الأَولاد. وفي الحديث: إِنّ فيكم مُغَرِّبين؛ قيل: وما مُغَرِّبون؟ قال: الذين يَشترِكُ فيهم الجنُّ؛ سُمُّوا مُغَرِّبين لأَنه دخل فيهم عِرْقٌ غريبٌ، أَو جاؤُوا من نَسَبٍ بعيد؛والغُرباءُ: الأَباعِدُ. أَبو عمرو: رجل غَريبٌ وغَربيٌّ وشَصِيبٌ وطارِيٌّ وإِتاويٌّ، بمعنى.. والعرب تقول: فلانٌ أَبْصَرُ من غُرابٍ، وأَحْذَرُ من غُرابٍ، وأَزْهَى من غُرابٍ، وأَصْفَى عَيْشاً من غُرابٍ، وأَشدُّ سواداً من غُرابٍ. وإِذا نَعَتُوا أَرْضاً بالخِصْبِ، قالوا: وَقَعَ في أَرْضٍ لا يَطِير غُرابُها. ويقولون: وجَدَ تَمْرَةَ الغُرابِ؛ وذلك أَنه يتَّبِعُ أَجودَ التَّمْر فيَنْتَقِيه. ويقولون: أَشْأَمُ من غُرابٍ، وأَفْسَقُ من غُراب. ويقولون: طارَ غُرابُ فلانٍ إذا شاب رأْسُه؛....

وأَغرِبةُ العَرَبِ: سُودانُهم، شُبِّهوا بالأَغْرِبَةِ في لَوْنِهِم.
والأَغْرِبَةُ في الجاهلية: عَنْترةُ، وخُفافُ ابن نَدْبَةَ السُّلَمِيُّ، وأَبو عُمَيرِ بنُ الحُبابِ السُّلَمِيُّ أَيضاً، وسُلَيْكُ بنُ السُّلَكَةِ، وهشامُ ابنُ عُقْبة بنِ أَبي مُعَيْطٍ، إِلا أَنَّ هشاماً هذا مُخَضْرَمٌ، قد وَلِيَ في الإِسلام. قال ابن الأَعرابي: وأَظُنُّهُ قد وَلِيَ الصائفَةَ وبعضَ الكُوَر؛ ومن الإِسلاميين: عبدُ اللّه بنُ خازم، وعُمَيْرُ بنُ أَبي عُمَير بنِ الحُبابِ السُّلَمِيُّ، وهمّامُ بنُ مُطَرِّفٍ التَّغْلَبِيّ، ومُنْتَشِرُ بنُ وَهْبٍ الباهِليُّ، ومَطَرُ ابن أَوْفى المازِنيّ، وتأَبطَ شَرّاً، والشّنْفَرَى وحاجِزٌ؛ قال ابن سيده: كل ذلك عن ابن الأَعرابي
.
وإِذا قلت: غَرابيبُ سُودٌ، تَجْعَلُ السُّودَ بَدَلاً من غَرابيبِ لأَن توكيد الأَلوان لا يتقدَّم. وفي الحديث: إِن اللّه يُبْغِضُ الشيخَ الغِرْبِيبَ؛ هو الشديدُ السواد، وجمعُه غَرابيبُ؛ أَراد الذي لا يَشيبُ؛وقيل: أَراد الذي يُسَوِّدُ شَيْبَه..:
 
 
*د يحيى
8 - يونيو - 2009
أيهما أقسى غربة     كن أول من يقيّم
 
أخي د. يحيى أفادنا الله تعالى من علمك وجعل لكم في كل حرف تدوِّنه حسنة .. أيهما أقسى غربة ؟ .( أقصد غربة ما على الأرض ، في الحياة الدنيا ) "غربة الدين ، أم غربة الوطن والأهل والخلان ، أو غربة النفسس ؛ عندما يكبر الإنسان فينسى ، ونحن اليوم لسنا بأحسن حالا من الزمن الجاهلي ، حيث يُلقى الآن في دار العجزة ، الدَّار المنسية ، أم غربة اللغة ، لغتنا  شخصيتنا وكياننا ".. فأنا أراها كلها صعبة على النفس البشرية .. ولكم مني كل تحية.
*ابو هشام
8 - يونيو - 2009
كل شيء يهون أمام دين الحق    ( من قبل 2 أعضاء )    قيّم
 
*د يحيى
8 - يونيو - 2009
الغربة نوعان     كن أول من يقيّم
 
نستطيع أن نصنِّف الغربة التي نعايشها في الحياة الدنيا ، إلى نوعين : غربة الدين وغربة اللغة ، فالذي يعاني من هاتين الغربتين الإنسان الغيور المحب لدينه ولغته ‘ فيحترق قلبه من مشاهدة إخوانه من بني جلدته الهاجرين للدين وهم في لهو وغفلة ، فيزيد حزنه كلما زاد الضياع ، ويعتصر قلبه كلما اغترب الدين بين الناس أو حتى اللغة ، وفيهما يتفطر القلب على الآخرين وعلى ما تؤول إليهما كل من الدين واللغة  من الاغتراب .. أما الغربة الثانية الغربة عن الوطن والغربة النفسية  : وهما غربتان مؤلمتان  أيضا ، يتحرّق الإنسان من لهيب الغربتين  ويشوى بدنه ، فتبكي منه العين ولا أحد يكفكف دمعه ، وينزف القلب ولا أحد يواسيه في غربته ، حتى إن الغربتين كل واحدة منهن توصل إلى الأخرى ، فإن طال الزمن في بلاد الغربة بعيدا عن أهله وخلانه ، يدخل الإنسان تلقائيا في الغربة النفسية .. وأيضا الغربة النفسية تجعل الإنسان غريبا بين أهله وأحبابه فلا يستطيع أن يتعايش معهم فيصبح منبوذا فإما أن يغادر وطنه باحثا عن سراب أهل جدد وخلان أوفياء في بلاد الغرباء . ويتمنى الموت للخلاص كما ظهر في شعر الأقدمين ..
عدي بن حاتم[1] فارس الفتوحات، وصاحب راية طيء في صفين وحامل لواءها.. لكنه كبر ورق عظمه، فإذا العامة يتولون عنه قبل الخاصة، ويتحول الكل من الإعظام إلى التضييع والإهمال، فيصير الرجل في حاجة إلى أن يستدر عطف القوم عليه، وبرهم به، وحنوهم عليه ، لقد أسن الرجل فاستأذن قومه في وطاءٍ، يجلس عليه، ومت إليهم في ذلك الطلب بكبره ورقة عظمه فقالوا: ننظر، فلما أبطأوا عليه ملأه الإحساس بالإهمال والتضييع ، وأنه صار كهلاً ، فأنشأ يقول:

أجيبوا يابني ثعل بن عمـــــرو
ولا تكموا الجواب من الحياء
فإني قد كبرت، ورق عطمي
وقلّ اللحـــم من بعــد النقـــاء
وأصبحــت الغداة أريــد شيئاً
يقيني الأرض من برد الشتاء
وطاءً! يا بني ثعل بن عمـرو
وليس لشــيخكم غيــر الوطاء
فإن ترضوا به فسرور راضٍ
وإن تأبـــوا فإنـــي ذو إبــــاء
سأتـــرك ما أردت لما أردتم  
وردك من عصاك من العناء
لأني من مســــاءتكم بعيـــــدٌ
كبعد الأرض من جو السماء
وإني لا أكــــون بغيـر قومي   
فليـس الدلــو إلا بالـرشـــــاء
 
مصاد بن جناب[2]، إحساسه باليأس حتى يتمنى الموت  إذ يقول:

ما رغبتي في آخر العيش بعدما   أكون رقيب البيت لا أتغيب؟!
إذا ما أردت أن أقوم لحاجةٍ        يقول رقيبٌ حافظٌ:أين تذهب؟
فيرجعه المرمى به عن سبيله      كما رد أفراخ الطائر المتربّبُ
 
والغربة النفسية مرعبة ، حتى إنني سمعت بعض الآباء يحكون لأولادهم الحكايات التي هم يتخوفون منها في مستقبل أيامهم " ان فلان رمى والده العجوز في نئر ، أو في دار العجزة  فعندما كبر هذا الابن أخذه أولاده ورموه في نفس الئر التي ألقى والده فيها أو ألقوه في نفس دار النسيان "دار العجزة التي ألقى والده  أو والدته فيها ..
الأم في دار العجزة تنادي ولدها  :
وين أنت يا حمدان أمــــك تناديك        وراك ما تسمــع شكايا وندايـا[3]
يا مسندي قلبي على الدوم يطريك     ما غبت عن عيني وطيفك سمايا
هذي ثلاث سنين والعين تبكيك             ما شفت زولك زاير يا ضنايا
تذكر حياتي يـوم أشيلك وأداريك             وألاعبك دايم وتمشي ورايا
ترقد على صوتي وحضني يدفيك        ما غيرك احدٍ ساكن في حشايا
واليا مرضت أسهر بقربك وأداريك     ما ذوق طعم النوم صبح ومسايا
ياما عطيتك من حناني وبعطيك               تكبر وتكبر بالأمل يا منايا
لكن خساره بعتني اليوم وشفيك         واخلصت للزوجه وانا لي شقايا
أنا أدري إنها قاسيه مـا تخليك              قالت عجوزك ما ابيهـا معايا
خليتني وسط المصحه وأنا أرجيك        هذا جزا المعروف وهذا جزايا
يا ليتني خدامة بين أياديك               من شان أشوفك كل يوم برضايا
مشكور يا ولدي وتشكر مساعيك              وادعي لك الله دايم بالهدايا
حمدان يا حمدان امك توصيك           اخاف من تلحق تشوف الوصايا
اوصيت دكتور المصحه بيعطيك             رسالتي واحروفها من بكايا
وإن مت لا تبخل علي بدعاويك          واطلب لي الغفران وهذا رجايا
وامطر تراب القبر بدموع عينيك              ما عاد ينفعك الندم والنعايا
 
 وتوجد حكايات كثيرة كلها تدور حول هذا المعنى التي تومئ من قريب أو بعيد تخوف بعض الآباء من هذه الغربة المرعبة التي هي أشد واقسى من غربة الجاهلي النفسية ؛ حيث إنه يعامل كمتاع أو حتى يقتله أولاده قبل أن يخرّف وتصبح سيرته على لسان الآخرين بعدما كان في شبابه فارسا يهابه الشجعان  .. دريد بن الصمة الجشمي[4] فارس العرب ، ينبذ لكبره ، ويطرح لشيبه ، ويهون على أهله حتى ليغدو على ما قال هو : "رهينة قعر البيت كل عشية" كأنه الطفل في المهد، فيصرخ مضطراً ذكريات الماضي:

فإن يكُ رأسي كالثغامة نسله   يطيف لي الولدان أحدب كالقرد
رهينة قعر البيت كل عشية،   كأني أوارى أن أصوب في مهد
فمن بعد فضل في شباب وقوة،  ورأس أثيث حلك اللون مسود


    - المعمرون والوصايا ص46-47، وفي خبر مكانة عدي في قومه، انظر: تاريخ الرسل والملوك 5/9. وعدي بن خاتم الطائي، الجواد بن الجواد، محي الدين ميتو.
 - المعمرون والوصايا لأبي حاتم ص30. [2]
   [3]     - وزارة الصحة / المملكة العربية السعودية / موقع الوزارة ..
 
 - ديوان دريد بن الصمة الجشمي ص54، الثغامة: شجرة تبيض كأنها الثلج. [4]
*ابو هشام
9 - يونيو - 2009
ترويحة    ( من قبل 4 أعضاء )    قيّم
 
للشاعر خيرُ الدين بن محمود بن محمد بن علي بن فارس الزِرِكلي
الـعـيـنُ بعدَ فِراقِها iiالوطنا لا سـاكـناً ألِفتْ ولا سكنا
ريــانةٌ  بـالـدمع  أقلقَها أن لا تُـحِسَّ كَرىِ ولا iiوَسَنا
كـانت  ترى  في كُلِّ سانِحةٍ حُسْناً  ، وباتتْ لا ترى حَسَنا
والـقـلبُ  لولا أنَّةٌ iiصَعِدَتْ أنـكـرتهُ  وَشَكَكْتُ فيه iiأنا
لـيـتَ  الذين أُحِبُّهمْ iiعَلِموا وَهُـمُ هُـنالِك ما لقيتُ iiهُنا
مـا كـنتُ أَحسَبُني مُفارِقَهُمْ حـتَّـى تُفارقَ روحِي iiالبدنا
*** ***
يـا  مـوطناً عَبثَ الزمانُ iiبهِ مَن  ذا  الذي أغرى بك الزَّمنا
قدْ كان لي بكَ عن سِواكَ غِنىً لا كـان لي بِسِواكَ عَنكَ غِنى
مـا كـنـتَ إلا رَوْضَةً أُنُفاً كَرُمتْ  وطابتْ  مَغرِساً وَجَنى
عَـطَفَوا عَليكَ فأوسَعُوكَ أذىً وهُـمُ يُـسَـمّونَ الأذى مِننا
وَحَـنَوْا  عليكَ  فَجَرَّدوا قُضَباً مَـسْـنـونـةً وَتَقدَّموا iiبِقَنَا
*** ***
يـا  طـائراً غَنّى على iiغُصُنٍ و ( النيلُ ) يَسقي ذلك الغُصُنا
زدني وَهِجْ ما شِئْتَ مِن شَجَني إنْ  كُنتَ مِثْلِي تَعرِفُ iiالشَّجَنا
أَذْكَـرْتَـنـي ما لَستُ ناسِيَهُ وَلَـرُبَّ  ذِكرى جَدَّدتْ حَزَنا
أّذْكَـرْتَـني ( بَرَدى ) وَوادِيَهُ والـطـيـرَ آحـاداً بِهِ وثُنى
وأحـبـةً  أَسْرَرْت من كَلَفي وَهَـواي  فيهم  لا عجاً كَمَنا
كـمْ ذا أُغـالِـبُـهُ iiويَغْلِبُني دَمْـعٌ إذا كَـفْـكَـفْتُهُ هَتَنا
لـي ذِكْـرَيـاتٌ في رُبوعِهِمُ هُـنَّ  الـحـياةُ تألقاً وَسَنا!
*** ***
إنّ  الـغَـريـبَ مُعَذَّبٌ أبداً إن حَـلَّ لَـمْ يَنْعَم وإن iiظَعَنا
لـو  مَـثَّـلوا لي موطني وَثَناً لَـهَـمَمْتُ  أعبُدُ ذلك الوَثَنا
*د يحيى
9 - يونيو - 2009
 1  2  3