البحث في المجالس موضوعات تعليقات في
البحث المتقدم البحث في لسان العرب إرشادات البحث

مجلس : دوحة الشعر

 موضوع النقاش : بحور لم يؤصلها الخليل - بحر المتدارك    كن أول من يقيّم
 عمر خلوف 
15 - مارس - 2009
البحرُ المُتَدارَك *
 
  على الرغم من ضياع كتاب العروض للخليل، فلا نشكّ في أنه اعْتَبَرَ البحرَ الذي على (فاعلن فاعلن...) بحرًا مُهملاً ينفكُّ عن دائرة المتقارب. ولا يُعقل أبدًا أن لا يُشير إليه الخليلُ بحراً مُهْملاً، لأنّ طريقتَه الفذَّةَ في فكّ البحور من دوائرها لابدّ أن تُخرِجَه من دائرته، بل إنّ إخراجَه أسهلُ من إخراجِ غيره من مهملات الدوائر الأخرى.
          ولقد كانت إشارة ابن عبد ربِّهِ (-328هـ) إلى هذا البحر واضحةً في اعتباره  مُهْمَلاً، لم يأْتِ عليه في الشعر أية شواهد، حيث قال([1]):
وبعدَها خامسَـةُ الدوائـرِ=للمُتَقَـاربِ الذي في الآخِـرِ
ينْفَكُّ منها شَطْرُهُ .. وشَطْرُ=لَمْ يأْتِ في الأشعارِ منه الذكْرُ
          كما أشار في رسمِ دائرة المتقارب عنده إلى موضع انفكاكه منها بقوله "مُهْمَل"([2]).
ولا شكّ أن اعتبارَه البحرَ الذي على (فاعلن) مهملاً له ما يُبرّره، فهو كغيره من مهملات الدوائر الأخرى، لم يكن له في جعبة الخليل الشعرية أيّ شاهدٍ أو دليل يدلّ عليه، بل لم توجد له شواهدُ حقيقية إلا في زمنٍ متأخر. يقول المعرّي: وهذا الوزن "لم تستعملْه العرب"([3]).


  *  نشر الجانب النظري في مجلة الدراسات اللغوية، مج4، ع2، 1423/2002، ص233.
([1]) العقد الفريد 6/287.
([2]) سا. 6/289.
([3]) الفصول والغايات، ص134.
 1  2  3 
تعليقاتالكاتبتاريخ النشر
البدايات    كن أول من يقيّم
 
          وكما مرَّ معنا في بحر الخبب، فربّما كان أبو الحسن العروضي (ـ342هـ)، أقدمَ العروضيين المعروفين الذين ذكروا هذا البحرَ (مستعمَلاً)، عليه عددٌ من الشواهد الشعرية (القديمة والمحدثة)، إلاّ أنَّ جميع ما أورده من الشواهد كان على وزن الخبب لا المتدارك! ولذا سمّاه "الغريب" ([1]).
          ولكن ربّما كان الجوهري (-398هـ) بعده، أول من سمّاه (المتداركوأصَّلَ قواعِدَه المعروفةَ إلى اليوم، فأفرَدَ له باباً خاصّاً في البحور، ونظمه على طريقة البحور الخليلية الأخرى، مُعدِّداً أعاريضَه وضروبَه، ومشيرًا إلى إمكانية وروده مجزوءاً. وأورد له بعض الشواهد المصنوعة للتمثيل([2]). وكان مَنْ أتى بعده عالةً عليه، فلم يتجاوزوا طريقتَه في التأصيل، ولا شواهدَه في التمثيل، وذلك على الرغم من هشاشة تلك الطريقة، وافتقادها إلى المنطقية التي تميّزَ بِها عروض الخليل.


([1]) الجامع، ص258-260. وقد أشار في المقدمة (ص34) إلى قرب كتابه من كتاب أستاذه أبي إسحاق الزجاج، مع زيادةٍ في الشرح والتقريب، وإضافةٍ لبعض الأبواب الأخرى المفيدة.
([2]) عروض الورقة ص68. وليس ذلك مستغرَباً على عالمٍ مجدّد كالجوهري، فهو ـ وإنْ لم يكن مؤهَّلاً لذلك كالخليل ـ أوّلُ من حاولَ التعديلَ في نظام العروض، فجعلَ التفاعيلَ سبعةً، والبحورَ اثني عشرَ بحرًا، دامجاً بحرًا في بحر، وأهمل الدوائر، وانتقد الخليلَ في كثيرٍ مما جاء به.
*عمر خلوف
15 - مارس - 2009
المتدارك التام    كن أول من يقيّم
 
لقد أصبح للمتدارك التام -عند الجوهري ومن جاء بعده- صورة واحدة يتركّب فيها بيتُه من (فاعلن) ثماني مرّات؛ أربعة في كلّ شطر:
فاعلن فاعلن فاعلن فاعلن=فاعلن فاعلن فاعلن فاعلن
ويُمثّلونَ له بأبياتٍ مفردةٍ، لا يُعرف قائلوها، وتبدو عليها الصنعةُ واضحةً، استغرقت فيها (فاعلن) جميعَ أجزاء البيت، أشهرها قولهم([1]):
لمْ يدَعْ مَنْ مضى للّذي قدْ غَبَرْ=فضْلَ علْمٍ سوى أخْذِهِ بالأثَرْ
وقولهم([2]):
جاءَنا عامرٌ سالِمًا صالِـحًا=بعدما كانَ ما كانَ منْ عامِـرِ
          ثمّ يُجيزونَ أن ترِدَ فيه (فعِلن) أو (فعْلن) بدلاً عن (فاعلن)، أينما ورَدَتْ من حشْوٍ أو عروضٍ أو ضرب! يقول الجوهري: "يجوز في كلّ جزْءٍ منه الخبن، فيبقى (فعِلن)"، "ويجوز في كلّ جزءٍ منه القطع فيبقى (فاعِلْ)"([3]).
          ومع ذلك فهم يُمثِّلون لذلك بأبياتٍ خببية، استغرقت فيها (فعِلن أو فعْلن) أو كلاهما معاً، دون (فاعلن)، جميعَ أجزاء البيت،كالذي يُنسب إلى عمرو الجنّيّ:
أَشَجَاكَ تشتُّتُ شِعْبِ الحيِّ=فأنتَ لهُ أرِقٌ وَصِبُ([4])
فعِـلن فعِـلن فعِلن فعْلن=فعِـلن فعِـلن فعِلن فعِلن
وكالذي يُنسب إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه([5]):
إنّ الدنيا قد غرّتْنا=واستهْوَتْنا ، واستغْوَتْنا
فعْلن فعْلن فعْلن فعْلن=فعْلن فعْلن فعْلن فعْلن


([1]) سا. ص68.
([2]) الوافي للتبريزي، ص177.
([3]) عروض الورقة، ص68. وانظر الوافي للتبريزي (ص177-178) والغامزة للدماميني (ص21). ومن المحدثين يقول الجهني (الرياض الوافية، ص67): "كثيراً ما تصير فاعلن في هذا البحر إلى فعْلن"! ويقول د.الطيب (المرشد1/80): "ولكَ أنْ تخلط بين هذه التفعيلات"!!
([4]) الجامع (ص258)، والإقناع (ص67) بدون نسبة، عروض الورقة (ص68).
([5]) الجامع (ص259) بلا نسبة. الصاهل والشاحج (ص192).
*عمر خلوف
15 - مارس - 2009
المتدارك المجزوء    كن أول من يقيّم
 
    ثم يأتون للبحر بثلاثِ صورٍ مجزوءَةٍ ، تغاضى عنها كثيرون([1])، واعتبرها بعضهم شاذة([2])، يتركب البيت فيها من (فاعلن) ستّ مرات، وتتراوح أضربُها بين (فاعلن أو فاعلانْ أو فاعلاتن)، وتتحد أمثلتها المفردة في معظم كتب العروض هكذا([3]):
             1- قفْ على دارساتِ الدِّمَنْ=بينَ أطْلالِها وابكِيَنْ
     فاعلن فاعلن فاعـلن=فاعـلن فاعلن فاعـلن
2- هذهِ دِمْنَةٌ أقْفرَتْ=أمْ زَبورٌ محَتْهُ الدهورْ
   فاعلن فاعلن فاعلن=فاعلن فاعلن فاعلانْ
3- دارُ سُعْدى بِشحْرِ عُمانِ=قدْ كَساها البِلى الْمَلَوانِ
          فاعلن فاعلن فعِـلاتن=فاعلن فاعلن فعِـلاتن(4)
ويمثلون لزحافها بقوله :  
دَرَسَتْ باللِّوى الدِّمَنُ=وعَفا آيَها الزّمَنُ
فَعِلن فاعلن فَعِـلن=فَعِلن فاعلن فَعِـلن
وقوله :
مَنْ يَدَعْ عيْنَهُ هَمَلاً=يُبْتَلى قلبُهُ بِحِسانْ
فاعلن فاعلن فعِلن=فاعلن فاعلن فَعِلانْ
وهذا أقصى ما انتهى إليه المتدارك عند العروضيين.


([1]) المعرّي والتبريزي وابن القطاع والزمخشري ولم يذكر المحلّي إلاّ أوّلها (شفاء الغليل، ص181). ونقل د.سمان (العروض القديم، ص76) عن اللباب لكامل شاهين قوله: "ولا وجود لمجزوء المتدارك في الشعر العربي، فهو من اختراع العروضيين"!
([2]) نهاية الراغب للأسنوي (ص336)، الغامزة للدماميني (ص31).
([3]) عروض الورقة للجوهري (ص68-69)، المعيار للشنتريني (ص94).
([4]) نظرًا لانعدام الشواهد الأخرى؛ يتوهم بعضهم أن هذا الضرب لا يأتي إلاّ مخبونًا (فعِلاتن). انظر الرياض الوافية للجهني (ص66)، وسفينة الشعراء لفاخوري (ص108)، وفي العروض والقافية لبكار (ص125). وقد جاءت العروض هنا كالضرب للتصريع كما هو واضح.
*عمر خلوف
15 - مارس - 2009
شواهده وضعت للتمثيل    كن أول من يقيّم
 
      ويتضح من جميع أمثلة البحر، وتعليقاتِهم عليه، أنّ ما هو مستخدمٌ فعلاً، وما أشاروا إلى قِدَمِهِ وصحّته، لا يخرج عن (فعِلن و فعْلن) دونَ (فاعلن) أبدًا، كالذي نُسِبَ إلى الجنّيّ، أو إلى علي بن أبي طالب، أو إلى أبي العتاهية، أو إلى الخليل ذاته، أو إلى من جاء بعدهم، يقول الجوهري([1]): "وشعْر عمروٍ الجنّي مخبون" كلّه. ويقول ابن القطاع عنه([2]): "استعمل مخبوناً". ويقول الزمخشري([3]): "غيرَ أنه جاءَ مخبوناً أو مقطوعاً"! في حين يبقى ما جاءَ على (فاعلن) أمثلةً مفردةً مصنوعةً، غير منسوبةٍ لأحد، وُضِعتْ للتمثيل. وهي لا تخرجُ عن (فاعلن) وبديلها (فعِلن) دون (فعْلن) أبدًا. ولم يقدر صانعوا هذه الأمثلة على إيراد شاهدٍ مصنوعٍ واحد يخلط ما بين (فاعلن و فعْلن) على الإطلاق.


([1]) عروض الورقة، ص68.
([2]) البارع (ص206)، وانظر الإقناع لابن عباد (ص76)، المعيار للشنتريني (ص93)، معيار النظار للزنجاني(1/84). المنهاج للقرطاجني (ص229)، نهاية الراغب للأسنوي (ص334)، والغامزة للدماميني (ص21).
([3]) القسطاس، ص128.
*عمر خلوف
15 - مارس - 2009
وزنان متمايزان    كن أول من يقيّم
 
    إنّهما في واقع الأمر وزنان منفصلان، متمايزان، خلَطَ بينهما العروضيون دون الشعراء، على الرغم من شعورهم الأكيد بالاختلاف والتباين.
    فقد نبَّهَ معظمُهم إلى أن تحوّل (فاعلن) إلى (فعْلن) هو مما يُخالف أصولَ القواعد الخليلية، وأنّ ذلك حالةٌ شاذّةٌ يختصُّ بِها هذا البحر دونَ سواه!! بل لقد حكَمَ معظمهم بشذوذ هذا البحر سالِمَ التفاعيل، وصحّته معتلاًّ!! ونبّهَ آخرون إلى أنه لا يستعمل إلاّ مخبوناً أو مقطوعاً كما رأينا.
يقول العروضي([1]): "إنّ هذا الوزنَ قد لحِقَهُ فسادٌ في نفس بنائه، أوجَبَ [على الخليل] ردّه، وذلكَ أنه يجيءُ في حشْوِ أبياته (فعْلن) ساكنَ العين، ومثل هذا لا يقع إلاّ في الضرب... فأما في حشو البيت فغير جائز، وما عُلِمَ في شيءٍ من أشعار العرب"، مخالفًا بذلك سائرَ أنواع الشعر كما يقول، ومشيرًا إلى أنه "لو كانَ يجيءُ على بناءٍ تامّ ، فيكون كلّه (فاعلن فاعلن)، أو يجيء [على] (فعِلن)" لَما خالَفَ أنواعَ الشعر الأخرى "ولكنه قلَّ ما يجيء منه بيت إلاّ وأنتَ تجدُ فيه (فعْلن)". ولعلَّ في إطلاقِهِ اسمَ (الغريب) عليه إشارة واضحةٌ إلى استغرابه من هذه المخالفة([2]).


([1]) العروضي، الجامع ص259. البارع لابن القطاع (ص206). القسطاس للزمخشري (ص128). شفاء الغليل للمحلي ص183. نهاية الراغب للأسنوي (ص336)، الحاشية للدمنهوري (69-73). وكثير من المحدثين.
([2]) تبع ابن جنّي خطى الخليل في عروضه، فلم يتعرض إلى ذكر هذا الوزن، إلاّ أن دائرةَ المتقارب عنده (ص154) تضمّنت موضعَ انفكاكه اسمَ (الغريب) أيضاً، في الوقت الذي أعرضت بقية الدوائر لديه عن ذكر مهملات البحور الأخرى. لذا نرجّح أن يكون هذا الاسم، وربما جميع دوائر ابن جنّي، من إضافات النسّاخ، سيما أن المخطوطة الأمّ للكتاب، ليس فيها رسمٌ للدوائر كما أشار إلى ذلك محقق الكتاب (ص22).
*عمر خلوف
15 - مارس - 2009
إشارات القدماء إلى الانفصال    كن أول من يقيّم
 
كما أن في إشارات المعرّي العروضية، ما يؤكد أنه كان يشعر بانفصال الوزنين، وإن لم يقل ذلك صراحة. يقول([1]): "وقد ينقلب [المتقارب] إلى وزنٍ آخر [دون تسميته] لَمْ تستعمله العرب، مثل قوله:
أنتِ ياقوتةٌ عندنا في الرّضا=غيرُ مَقْلِيَّةٍ عندنا في الغضَبْ
يقول: "فهذا وزنٌ مهملٌ لَم تستعمله العرب". ولكنه عندما أشار إلى الخبب قال([2]): "الوزنُ الذي يُسمّى ركض الخيل، وزنٌ ركيك"، "ضَعُفَ وهجَرَتْهُ الفحول في الجاهلية والإسلام، وربما تكلّفه بعض الشعراء كما قال:
أوَقفْتَ على طَلَلٍ طرَباً=فشَجاكَ وأحزَنَكَ الطّلَلُ
          ويقول الزنجاني([3]): "وأنشدوا في تمامِهِ:
يا بَني عامِرٍ قدْ تجمّعْتُمُ=ثمَّ لمْ تدفعوا[الضَّيْمَ] إذْ قمْتُمُ
ولعلّه مصنوع؛ فإنّ العرب لم تستعمله تامّاً، بل جميعُ أجزائه يجيءُ إمّا على (فعِلن) مخبوناً... وإمّا على (فعْلن) مقطوعاً... أو يجيءُ بعضُ أجزائه مخبوناً، وبعضُها مقطوعاً"!!


([1]) الفصول والغايات، ص134.
([2]) الصاهل والشاحج، ص527.
([3]) معيار النظار 1/84.
*عمر خلوف
15 - مارس - 2009
من ابن الفرخان حتى مستجير    كن أول من يقيّم
 
    ولعلّ أول من فصَل المتداركَ عن الخبب -من القدماء كما مرّ- كان ابن الفرخان (-560هـ)، الذي جعلَ الخببَ جنساً قائماً بذاته، يقوم على (فعِلن) لا غير، والمتداركَ جنساً قائماً بذاته، يقوم على (فاعلن) لا غير، وإن لم يذكره باسمه!
          في حين رفض القرطاجنّي (-684هـ) أن يكون للمتدارك وجودٌ أصْلاً، لِما فيه من تنافرٍ وثقل، ببناء وزنه "على أجزاءَ كلُّها يقع الثقيل [يقصد الوتد] في نِهايته، والخفيف في صدره". فكأنه يميل إلى كون المتدارك الذي على (فاعلن) بحرًا مهملاً. بينما أقرّ (الخبَبَ) بحراً قائماً بذاته، ولا علاقة له بالمتدارك، مقترحاً تقطيعَه على (مُتَفاعِلَتُن ///ه///ه)،كما رأينا([1]).
          ولم يجد عمل ابن الفرخان، ولا اقتراح القرطاجني صدى أو استجابةً مناسبة ممن جاءَ بعدهما، حتى جاء العصر الحديث، وزاد اهتمام الشعراء بِهذين البحرين، فبدأت أصوات العروضيين والشعراء تُنادي مرّةً أخرى بفصل الخبب عن المتدارك. فأشار د.النويهي إلى أن المتداركَ "ينقسمُ إلى قسمين عظيمين، يكادُ كلّ منهما أن يكونَ بحرًا مستقلاًّ"([2]). كما أشارَ د.أبو ديب إلى أنّ "ثَمّةَ تشكلاً إيقاعيّاً في الشعر العربي قد تتألف الوحدة الإيقاعية فيه من نواتين من النوع (فا)، [يعني فعْلن]، وقد تكون جميع وحداته من هذا الشكل، أو يكون عددٌ منها من الشكل (///ه). [و] بِهذه الطريقة نُميِّز هذا التشكل عن المتدارك [الذي على فاعلن]"([3]). ويقول عبد الحميد الراضي عن المتدارك: "وهو بحرٌ رتيبٌ هادئٌ حينَ تسْلَمُ أجزاؤه ويأتي على (فاعلن فاعلن ...)، ويكاد يكون حينئذٍ نوعاً خاصّاً لا صلةَ له بالمُحْدَثِ المخبون أو المقطوع الأجزاء" والذي يُحدِثُ "شيئًا من التدفّقِ والصّخب". "وهذا الفرق بين النوعين من الوضوح بحيث لا يمكن أن يستسيغَ الذوقُ بيتًا يختلفُ شطراه بين هذا النوع وذاك"([4]). وفي حديثه عن المتدارك، يتساءل عبد الصاحب المختار متعجّباً: "وأينَ هذا الوزن من دقّ الناقوس أو الخبب". وهو يصرّح في مكانٍ آخر بعدم وجود علاقةٍ ما بين المتدارك والخبب([5]). وبعد أن لاحظَ د.علي يونس عدم اجتماع (فعْلن) مع (فاعلن) في المتدارك قال: "فالأحرى أن نجعلَ الوزنَ المبنيَّ على (فعِلن و فعْلن) مستقلاًّ عن الوزن المكوّن من (فاعلن)"([6]).
        ولعلَّ د.مستجير هو أول المحدثين الذينَ فصلوا -عمليًّا- بين هذين الوزنين، حيث أكّد خطأَ مَنْ ظنّ أن الخبب تحويرٌ للمتدارك، وإنما "لكلِّ بحرٍ هويته الموسيقية"، "والفارق بينهما واسع". ولذلك فقد عرَضَ للمتدارك أولاً بحراً خليليّاً يتساوق مع البحور الأخرى في تشكله وزحافه وعلله، ثم عرَضَ للخبب بحراً غير خليليّ، وحْدَتُهُ السبب وليس التفعيلة([7]).


([1]) المنهاج 229-231،237.
([2]) قضية الشعر الجديد، ص316.
([3]) في البنية الإيقاعية، ص78.
([4]) شرح تحفة الخليل، ص305.
([5]) دائرة الوحدة، ص51، 85.
([6]) نظرة جديدة في موسيقى الشعر العربي، ص42، 89، الحاشية (1).
([7]) مدخل رياضي إلى عروض الشعر العربي، ص110، 119.
*عمر خلوف
15 - مارس - 2009
هل عرف الخليل المتدارك؟    كن أول من يقيّم
 
          وهكذا يُصبحُ يقيناً أن دعوى وجوده في الشعر العربي كان يُقصد به (الخبب) الذي على (فعْلن و فعِلن)، لا(المتدارك) الذي على (فاعلن وفعِلن)، وأن الحديثَ عن المتدارك إنما يُقصد به الخبب لا غير، وأن الخلْطَ بينهما إنما هو من صنع العروضيين لا الشعراء. بل إن ما كُتِبَ حديثاً على (فاعلن فاعلن)، لم يخلط فيه الشعراء بين هذين الوزنين المتمايزين.
          وأما قول العروضي: "لمْ يُرَ الخليلُ ذكَرَ هذا الباب البتّة "([1])، أو قول الجوهري: "والخليل لم يعدّ المتدارك في البحور"([2])، أو قول ابن القطاع: "ولم يُجِزْهُ الخليل، ودفعَهُ مرّةً واحدة"([3])، أو قول الشنتريني: "وليسَ عند الخليل شعرًا، ويُروى أنه نصَّ على طرحه"([4])، فلا ينفي أن يكون الخليلُ قد أخرجَ من المتقارب بحراً مهملاً، كما فَهِمَ بعضهم، ولكنه يؤكد أنه عرَفَ الشعرَ الخبَبِيّ الذي نسبوه -خطلاً فيما بعد- إلى هذا البحر المهمل، وربما كتَبَ عليه، ولكنه لم يُجِزْهُ، ودفعَهُ مرةً واحدةً، ويروى أنه نصّ على طرحه.
          فإذا صحَّ ما يُنسبُ إلى الخليل من شعرٍ خَبَبِيٍّ، وأنه طَرَحَه ولم يعدّه شعرًا، عرَفْنا إلى أي حدٍّ كانت أذن الخليل مرهفةً، فلم تخلط بين إيقاعين متمايزين، كما فعل لاحقوه، فاعتبر ما سمّوه بالمتداركِ بحرًا مهملاً، بينما لم يستطعْ أن يضبطَ قواعدَ الخبب، لقلّته أولاً، ولِشموسِه وتأبيه على جميعِ القواعد والأصول التي انتظمت عليها بحوره الشعرية الأخرى ثانياً، فطرَحَه، وأعرضَ عنه، تاركاً حبلَه على غاربه. فلمّا أفضى (الخبَبُ) إلى أيدي العروضيين بعده، حاولوا أن يجدوا له مُبَرِّرَ وجوده، ولكن على أساسٍ من العروض الخليلي ذاته، دون أن يتفهّموا سبَبَ سكوت الخليل عنه، فتاهوا فيه ومعه عشرةَ قرونٍ من الزمان!


([1]) الجامع، ص257.
([2]) عروض الورقة، ص68.
([3]) البارع، ص208.
([4]) المعيار، ص93.
*عمر خلوف
15 - مارس - 2009
خصائص المتدارك ومفتاحه الجديد    كن أول من يقيّم
 
          وكما رأينا، يختلف (الخبب) كلَّ الاختلاف عن بحور الشعر الأخرى، حيث يتأبّى على جميع قواعد العروض المعروفة، ولا يخضع لأيٍّ منها. فهو بحرٌ:
          1 - يخلو من الأوتاد تماماً.
          2 - يمكن أن تتجاور فيه الفواصل الثلاثية ( ///ه ///ه ..) بلا حدود.
          3 - يمكن أن تتجاور فيه الأسباب ( /ه /ه /ه /ه ..) بلا حدود.
          4 - يمكن أن تنتثر فيه الفواصل والأسباب بلا انتظامٍ ولا قاعدة.
          5 - يمكن أن تجتمعَ فيه أكثر من أربعة متحرّكات متتالية، فتظهرَ فيه الفواصل الخماسية (/////ه) أو السباعية ( ///////ه ) ...
 
          في حين يتساوق (المتدارك) مع خصائص البحور الخليلية الأخرى، فهو بحرٌ وتديٌّ، تضمّ تفعيلته (فاعلن /ه //ه) وتداً ثابتاً، لا يجوز عليه أي زحافٍ أو تبديل، يسبقه سببٌ وحيد يقبل الزحاف بسقوط ساكنه، لتتحول (فاعلن) بذلك إلى (فعِلن ///ه) لا غير، دون أن يستغرقَ البديلُ كلَّ أجزاء البيت. وهو كغيره من البحور؛ يمتلك صوَراً تامّةً عديدةً، وأخرى مجزوءةً أو منهوكةً أو مشطورة أو حتى موحّدة التفعيلة.
          وكغيره من المهملات الخليلية الأخرى؛ يتمثل في المتدارك الكثير من ملامح النثرية، وخاصةً في شكله التام. ولكنّ تركيبَه البسيط، بتفعيلته الخماسية القصيرة المتكررة، ميَّزَهُ قليلاً عن المهملات الأخرى، فاستُخْدِمت بعضُ صوره -المجزوءَةِ خاصّةً- في العصرين العباسيّ والأندلسيّ، واستخدمه المحدثون في القليل من قصائدهم العمودية، والكثير جدّاً من شعر التفعيلة.
          وضبطاً لوزنه، وتيسيراً لحفظه، فقد وضعنا له مفتاحه الجديد التالي:
                              دُورِكَتْ في البحورِ لَنا فاعِلُ= فاعِلنْ فاعلن فاعلن فاعِلُ
 
*عمر خلوف
15 - مارس - 2009
مفتاح آخر للمتدارك    كن أول من يقيّم
 
مفتاح آخر للمتدارك
أستاذي أمير العروض:
ذكرت في كتابي(الصافي في العروض والقوافي) مفتاحًا جديدًا أراه أدلَّ وأكثر إيضاحًا، ونصه:
بحرُنا المتداركُ صافٍ لنا   فاعلن/فعِلن/فعِلن/فاعلنْ
*صبري أبوحسين
16 - مارس - 2009
 1  2  3