موضوع النقاش : أطواق الحمام (ديوان ابن حازم الباهلي) قيّم
التقييم : ( من قبل 1 أعضاء )
زهير
10 - مارس - 2009
أعدت اليوم قراءة ديوان ابن حازم الباهلي (ت 215هـ) وأخباره، وقد وصلنا من شعره (506) أبيات في (108) قطع حسب نشرة الموسوعة، الإصدار الثالث.
ومحمد بن حازم الباهلي هو صاحب البيت السائر:
ومـن شاء تقويمي فإني مُقوّمٌ
ومن شاء تعويجي فإني مُعوّجُ
ولو سئلت عن كلمة ألخص بها شعره لقلت (ابن حازم الباهلي شاعر الصداقة والصديق) ولما كانت صدمات الحياة مع الأصدقاء تنتهي مع مرور الأيام إلى مجرد صور ثابتة تتصدر ذكرى الصديق كلما عنت على البال، كانت قصائد ابن حازم بمثابة قصاصات ملصقة تحت هذه الصور، بما قل ودل، ولم يمل. ونقل أبو الفرج في أخباره في (الأغاني) أن يحيى بن أكثم قال له: ما نعيب شعرك إلا أنك لا تطيل، فأنشأ يقول:
قال أبو الفرج في (الأغاني): وهو محمد بن حازم بن عمرو الباهلي. ويكنى أبا جعفر. من ساكني بغداد مولده ومنشؤه في البصرة. أخبرني بذلك ابن عمار أبو العباس عن محمد بن داود بن الجراح عن حسن بن فهم. وهو من شعراء الدولة العباسية، شاعر مطبوع، إلا أنه كان كثير الهجاء للناس، فاطرح، ولم يمدح من الخلفاء إلا المأمون، ولا اتصل بواحد منهم، فيكون له نباهة طبقته. وكان ساقط الهمة، متقللاً جداً، يرضيه اليسير، ولا يتصدى لمدح ولا طلب. وفي معجم الشعراء للمرزباني: (محمد بن حازم الباهلي أبو جعفر مولى باهلة. يقول المقطعات فيحسن وهو القائل:
يـا راقد الليل مسروراً iiبأوله
إن الحوادث قد يطرقن أسحارا
وكان هجاءً لمحمد بن حميد الطوسي .....)
وقال الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد: محمد بن حازم بن عمرو أبو جعفر الباهلي الشاعر: ولد بالبصرة ونشأ بها وانتقل إلى بغداد فسكنها ومدح من الخلفاء المأمون خاصة وكان حسن الشعر مطبوع القول وله أخبار معروفة. وقال الشابشتي في (الديارات): وكان محمد بن حازم، أحد الشعراء المطبوعين، يجيد كل فن يركبه ويأتي بالمعاني التي تستغلق على غيره. وكان أكثر شعره في القناعة ومدح التصون وذم الحرص والطمع. ثم ساق الشابشتي طائفة ن اخباره واشعاره وختمها بقوله: وله من هذا الفن وغيره كل شيء حسن. ولولا خروج الكتاب عن حده المرسوم وخوف الاطالة، لأوردت من غرر شعره ومحاسنه ما يلتذ به سامعه. وفي ما أوردنا كفاية.
وقال ابن المعتز في طبقاته: كان محمد الباهلي من ألحف الناس إذا سال، وألحهم إذا استماح، مع كثرة ذكره للقناعة بشعره، وهو أحد جماعة كانوا يصفون أنفسهم بضد ما هم عليه حتى اشتهروا بذلك، منهم أبو نواس، كان يكثر ذكر اللواط ويتحلى به وهو أزنى من قرد. وأبو حكيمة كان يصف نفسه بالعنة والعجز عن النكاح وكان يقال له: إنه يقصر عن التيس. وجحشويه كان يصف نفسه بالقناعة والنزاهة وكان أحرص من الكلب، كان يركب النيل في ردهم واحد فضلاً عن غيره. وهو أجود الشعراء لفظاً وألطفهم معنى، وهو القائل:
إن الأمـور إذا سـدت iiمـسـالكها
فـالـصبر يفتق منها كل ما iiرتجا
لا تـيـأسـن وإن طـالت iiمطالبه
إذا اسـتعنت بصبر أن ترى iiفرجا
أخلق بذي الصبر أن يحظى بحاجته
ومـدمـن القرع للأبواب أن iiيلجا
اطلب لرجلك قبل الخطو iiموضعها
فـمـن عـلا زلقاً عن غرة iiزلجا
وذكر على خلاف ما وصفنا من حرصه وكلبه فعل عجيب يدل على كبر الهمة وشرف النفس، وهو أنه كان ألح على محمد بن حميد بن قحطبة يهجوه الهجاء المؤلم الذي يؤذيه، فكان يتلافى الأمر معه بكل حيلة ولا ينجع فيه، فعمد إلى بدرة فيها عشرة آلاف درهم، وتخت فاخر من الثياب، وفرس عتيق، ووصيف رائع، فوجه إليه بجميع ذلك مع ثقة له، وكتب إليه رقعة يحلف فيها أنه ما يعلم بذلك غيره وغير رسوله، ويقول له فيها: أما لك أن تقبل هذه وتكفيني أمرك وتكف عني؟ قال: فرد جميع ذلك وكتب له في ظهر رقعته:
وفعلت فعل ابن المهلب iiإذ
كعم الفرزدق بالندى iiالغمر
لا أقبل المعروف من رجل
ألـبسته عاراً على iiالدهر
وبـعثت بالأموال iiترغبني
كـلا ورب الحشر iiوالنشر
وكتب تحت الأبيات: ولكني والله لا عدت بعدها إلى ذكرك بسوء فأمسك عنه فما هجاه بعد ذلك. وهذا عجيب من مثله، فإنه حدثني أبو إبراهيم الجرجاني قال: حدثني إسحاق بن شيبة قال: أخبرني ربيعة الرازي قال: رأيت محمد بن حازم يطلب من إسحاق بن حميد بن نهيك تِكَّةً فمنعه، فقال له ابن حازم: يا أبا يعقوب إن لم يمكنك تكة ففرد نيفق أو ليس بعجيب أن يفعل مثل تلك الفعلة وهو بهذا الحد من الجشع)؟ قلت انا زهير:
وقد ذكرأبو حيان هذه القصة في (البصائر والذخائر) وعلق عليها بكلام حسن قال: لما هجا محمد بن حازم الباهلي محمد بن حميد الطاهري فأفرط، اتفقت على ابن حازم محنة انتقل بسببها إلى غير محلته مخفياً شخصه، فوجه إليه المهجو بعشرين ألف درهم ومنديل فيه عشرة أثواب وبرذون بسرجه ولجامه وغلام رومي، وكتب إليه: بسم الله الرحمن الرحيم. أكرمك الله وأبقاك، ذو الأدب تبعثه قدرته على نعت الشيء بخلاف هيئته، ويحمله الظرف على هجاء إخوانه في حال دعابته، وليس ما شاع من هجائك لنا يجري سوى هذا المجرى؛ وقد بلغني من خبرك ما لا غضاضة عليك فيه، مع كبر سنك وأدبك، إلا عند العامة من الجهال الذين لا يكرمون ذوي الأخطار إلا على الأموال دون الآداب، ونحن شركاء فيما ملكنا، وقد وجهت إليك ما استفتحت به انبساطك، وإن قل، ليكون سبباً إلى غيره وإن جل. فرد ابن حازم ما وجه به إليه وكتب الجواب:
وفعلت فعل ابن المهلب iiإذ
فعم الفرزدق بالندى الغمر
فـبعثت بالأموال iiترغبني
كـلا ورب الشفع iiوالوتر
لا ألبس النعماء من iiرجل
ألـبسته عاراً على iiالدهر
هذا والله خبر طريف، وما أدري ممن أعجب، من ابن حميد في كرمه، أم من ابن حازم في بأوائه، ولله عز وجل في هذا الخلق ألوان لا يحصيها إلا هو، فسبحان من جمعهم على ما فرق فيهم، وسبحان من فرقهم على ما جمع فيهم، جل الإله وعز.