البحث في المجالس موضوعات تعليقات في
البحث المتقدم البحث في لسان العرب إرشادات البحث

مجلس : دوحة الشعر

 موضوع النقاش : بحور لم يؤصلها الخليل - بحر الخبب    قيّم
التقييم :
( من قبل 2 أعضاء )
 عمر خلوف 
9 - مارس - 2009
بحْرُ الخَبَب*
 ( مثلّث برمودا العَروض )
(حمار الشعر والغناء)
 
        في العروض التقليدي -وليس الخليلي- هو البحر السادس عشر من بحور الشعر العربي، ولكنه -مع ذلك- بحرٌ غامضُ الحدود، غائمُ المعالم، لا تزال تصطَرِعُ حوله الآراءُ وتحتدّ، ولا زال العروضيون -منذ وَضْعِه- يخبطون فيه على غير هدى. إذْ يُجْمع الكثير منهم على أن الأخفشَ، سعيد بن مسعدة (-215هـ) هو الذي تداركه على الخليل (-175هـ). ويقول آخرون: إنّ الخليلَ قد عَرَفَه، وألَمَّ به، ولكنه أعرضَ عنه لقلّته أو لشذوذه، أو لكونه "مخالفًا لأصوله"([1]). في حين يدّعي آخرون أنه "أقدم من الرجز"([2])!


 * نشر الجانب النظري في مجلة الدراسات اللغوية، ع2، 1424/2003، ص127.
([1]) العروضي، الجامع في العروض والقوافي ص259. الدمنهوري، الحاشية الكبرى ص69.
([2]) الحنفي، العروض ص236.
 1  2  3 
تعليقاتالكاتبتاريخ النشر
حمار الشعر والغناء    كن أول من يقيّم
 
        ويُعتبر الخببُ أشهرَ الأوزانِ العربيةِ المسْتَدْرَكَةِ على إيقاعات الشعر العربي وأعذَبِها، وذلك على الرغم من خروجِه عليها، وشذوذِه عن جميع قوانينها. حيث استقبله الكثير من الشعراء -قدماءَ ومحدثين- بالرضى والقبول، وجذَبَهم إيقاعُه الجميل، فكتبوا عليه أرقَّ القصائد وأجملَها.
        فالخبب إيقاعٌ راقص، في حركته خِفَّةٌ وسرعةٌ يدلُّ عليها اسمُهُ، الذي أُطْلِقَ عليه تشبيهاً له برَكْضِ الخيل. وقد أشار أبو الحسن العروضي (-342هـ) إلى عذوبته في السمع، وصحّته في الذوق، وأنَّ ‏"‏الشعراءَ [في عصره] قد أكثرت من ركوبِ هذا الوزن"([1]).
        كما ازداد اهتمامُ المحْدَثين بهذا البحر حتى أصبح ‏"‏من أكثر الأوزان انتشاراً في الشعر الجديد"‏([2]). بل إنّ للخبب طغيانٌ جارفٌ في الأغاني الفصيحة والعامية، وأغاني الأطفال العربية وغير العربية([3]). مما يدل على غِناه الموسيقي، وملاءَمَتِهِ للأذواق الحديثة!. فإذا كان الرجز هو (حمار الشعر) قديماً،فالخببُ اليوم هو (حمار الشعر والغناء) معاً.


([1]) الجامع في العروض والقوافي، ص78.
([2]) علي يونس، قضايا النقد الأدبي، ص109.
([3]) انظر أحمد نجيب، أغاني الأطفال الشعبية في (21) لغة من لغات العالم.
*عمر خلوف
9 - مارس - 2009
ركيك..خسيس..دنيء!!!    كن أول من يقيّم
 
        ومع ذلك فقد وصفه المعرّي بقوله: ‏"‏ركْضُ الخيل وزنٌ رَكيك"‏،‏ "‏ضَعُفَ وهجَرَتْه الفحول في الجاهلية والإسلام، وربّما تكلّفَهُ بعضُ الشعراء‏"‏([1]). وتابعه على ذلك عدد من المحْدَثين؛ فذكر د.طه حسين أنَّ موسيقاه ‏"‏الراقصةَ..‏لا تصْلُحُ لقصيدةٍ ذاتِ مضمونٍ جادّ"‏([2]). ووصفه الحسّاني عبد الله بأنه‏([3]):"‏ضَرْبٌ خسيسٌ من المتدارك‏"‏! و"‏بدائيٌّ لايستطيع أن يلبّي الحاجات النفسية والفكرية التي يلبّيها بحرٌ كالطويل‏"‏. كما وصفه د.عبد الله الطيب بقوله:‏ "‏الخبب بحرٌ دنيءٌ للغاية، وكلّه جَلَبَةٌ وضجيج‏"([4]). بل وصفه د.عشري زايد‏‏ "باضطراب الموسيقى‏"([5])!!.
        ولست أدري لماذا يطلبونَ من وزنٍ، ما يطلبونَهُ من سواه؟! وهل على الوزنِ -أيّاً كان- أنْ يُلبّي الحاجاتِ النفسيةَ والفكريةَ التي يلبّيها بحرٌ كالطويل؟! أم أنَّ لكلِّ وزنٍ خصائصه التي تلبّي نوعاً من الحاجات النفسية والفكرية للشاعر؟. وأظنني لست بحاجةٍ للتأكيد على أنَّ (للمقتَضَبِ والمجتَثِّ ومجْزوأَيْ الرّمَل والخفيف) -كما للخبب- متطلباتها النفسيةَ والفكريةَ الخاصة، والتي يُقدِّرُها الشاعرُ دونَ سواه.


([1]) الصاهل والشاحج، ص527.
([2]) حديث الأربعاء 3/200.
([3]) عفت سكون النار، ص19،33.
([4]) المرشد 1/80.
([5]) علي يونس، قضايا النقد الأدبي، ص113.
*عمر خلوف
9 - مارس - 2009
كثرة أسمائه!!    كن أول من يقيّم
 
        ولهذا الوزن أسماء عديدةٌ أخرى، تربو على أربعة عشر اسماً، كالغريب([1])والمتسق وركض الخيل([2])، والْمُحدَث والمشتق وقطر الميزاب([3])، والمختَرَع([4])، والمتقاطر([5])، والرّكْض([6])، والمُتَداني([7])، والشقيق([8])، وضرب الناقوس([9]). إلاّ أنّ (الخببَ) هو أوفَقُ أسمائه، لأنه يُصوّرُ إيقاعَ هذا البحر لفْظاً وحَرَكة. يقول المعرّي([10]): "وقد تأمّلتُ عَدْوَ الخيل، فوجَدْتُ هذا الوزنَ يُشابِهُ التقْريبَ الأعلى والتقريبَ الأدنى، على حسب عجَلَةِ المُنْشِدِ وتَرَسُّلِه، وهما تقريبان: أحدهما الثعلبيّة، والآخر هو الذي يسمى الإرْخاء، وكلاهما إذا سمعْتَهُ أدّى إلى سمعِكَ هذا الوزنَ بعيْنِه، وذلك أنّ الفَرَسَ يضربُ بحوافرِه الأرضَ ثلاثَ ضرباتٍ متوالياتٍ ثمّ يَثِب، فيكون ضَرْبُ الأرضِ موازياً لثلاثةِ أحرفٍ متحركاتٍ، ويكونُ وثْبُهُ موازياً للسكون‏".
        [وإذا كانت كثرة الأسماء تدل على شرف المسمّى، فإن كثرة أسماء هذا البحر دليل على الحيرة والاضطراب في تأصيله، وهو ما لم يحصل لأي بحر خليلي آخر].
 
ولا يُعْلم بالضبط أوّلُ مَنْ أطلقَ على هذا الوزن اسمَ (الْخَبَب)، ولكن ربما كان ابن رشيق (-456هـ) أوّلَ عَروضيٍّ معروفٍ سجّل هذا الاسم، بقوله عن المتدارك([11]): "‏وهو الذي يُسمّيه الناس اليوم الخبب‏"‏.
          وقد ورد هذا الاسم أيضاً لدى معاصره؛ الحصري القيرواني (-488هـ)، أشهر شعراء الخبب، بقوله من ذات القصيدة المشهورة، (المرزوقي ص143):
ما أجْوَدَ شِعْريَ في(خَبَبٍ)=والشّعْرُ قليلٌ جَيّدُهُ



([1]) العروضي، الجامع ص258. ولعله أول اسم يطلق على هذا الوزن الغريب!
([2]) ابن عباد، الإقناع ص 76.
([3]) التبريزي، الوافي ص178.
([4]) ابن القطاع، البارع ص93.
([5]) نشوان الحميرين الحور العين ص14-17.
([6]) الزمخشري، القسطاس ص128.
([7]) السكاكي، مفتاح العلوم ص 562.
([8]) الزنجاني، معيار النظار 1/84.
([9]) الإسنوي، نهاية الراغب ص335. ناهيك عن (المتدارك) الذي أطلقناه على شقيقه.
([10]) الصاهل والشاحج ص 528 .
([11]) العمدة 1/304.
*عمر خلوف
9 - مارس - 2009
قصائد الخبب الأولى    كن أول من يقيّم
 
        ولعلّ أقدم قصيدةٍ خَبَبِيَّةٍ معروفة يُشيرون إليها هي قصيدة عَمْرٍو الجنّيّ، التي يُقال إنه مدَحَ بها الرسول صلى الله عليه وسلم، ولم يبْقَ منها سوى قوله([1]) 
أشَجاكَ تَشَتُّتُ شِعْبِ الحَيِّ=فأنْتَ لَهُ أرِقٌ وَصِبُ
يقول أبو الحسن العروضي (-342هـ): ‏"‏فهذه قصيدةٌ مشهورةٌ، ولولا الإطالةُ لذكرناها عن آخرها"‏. ويا حبذا أنه فعل. ويُعلّق الزنجاني (- بعد660هـ) على هذا البيت بقوله: ‏"‏وقَلَّ أن تجد في هذه القصيدة بيتاً خالياً من الخبن والقطع‏"‏، مما يدلّ على أنها كانت معروفةً حتى زمنه.
        وأشار أبو الحسن العروضي أيضاً إلى قصيدةٍ أخرى قديمة،لم ينسبها لأحد، قال عنها: "‏وليست في شهرةِ الأولى"‏، ذكر منها قوله:
زُمَّتْ إِبِلٌ للبَيْنِ ضُحَىً= في غَوْرِ تِهامَةَ قدْ سَلَكوا
ولعل من أقدم شواهده -إن صحّ- بيتٌ يُنسب إلى امرئ القيس([2]):
الشحْطُ خليطُكَ إذْ بكَروا= ونأوا فمضى بهمُ السّفَرُ
   ومنه أيضاً؛ أبيات ينسبونها إلى علي بن أبي طالب كرّم الله وجهه، يقولون أنه استنطق فيها الناقوس، وهي([3]):
إنّ الدنيا قد أغْوَتْنا=واستَغْوَتْنا ، واستَهْوَتْنا
لسْنا ندري ما قَدَّمْنا=إلاّ أنّا قدْ فرَّطْنا
يا ابنَ الدنيا مهْلاً مهْلاً=زِنْ  ما يأتي وزْناً وَزْنا
ما منْ يومٍ يمضي عنّا=إلاّ أوْهى منّا رُكْنا
        كما يرْوُونَ للخليل بن أحمد (-175هـ) أبياتاً على هذا الوزن، مدّعين أنّه هو الذي اخترعه، أوردها أبو الطيب اللغوي (-351هـ) بقوله([4]): "‏وأحدثَ الخليلُ أنواعاً من الشعر ليست على أوزان العرب‏"‏ ذلك‏ أنّ له "قصيدة على (فعِلن فعِلن) ثلاث متحركاتٍ وساكن، وأخرى على (فعْلن فعْلن) بمتحركٍ وساكن، فالتي على ثلاثة متحركاتٍ قصيدته التي فيها: 
سُئِلوا فأَبَوْا فلقد بَخِلوا=فلَبِئْسَ لَعَمْرُكَ ما فَعَلوا
أبَكَيْتَ على طلَلٍ طَرَباً=فَشَجاكَ وأحْزَنَكَ الطّلَلُ([5])
والتي على ( فعْلن) ساكن العين قوله :
هذا عَمْروٌ يستعْفي مِنْ=زَيْدٍ عندَ الفَضْلِ القاضي
فانهَوْا عَمْراً إني أخشى=صَوْلَ الليْثِ العادي الماضي
ليسَ المَرْءُ الحامي أنْفاً=مثلَ المَرْءِ الضَّيْمَ الراضي
وأضاف: "فاستخرجَ المحْدَثون من هذين الوزنين وزناً سمّوه (المخلّع)([6])!، خلَطوا فيه بينَ أجزاءِ هذا وأجزاءِ هذا"‏.
ومن الغريب أن يُنقل عن الخليل "أنه نصَّ على طرحِه"([7]) وأنه "‏لم يُجِزْه.. ودفَعَهُ مرّةً واحدة"‏.


([1]) الجامع للعروضي ص258. عروض الورقة للجوهري ص68. معيار النظار للزنجاني1/84. وجاء في الإقناع لابن عباد (ص67): "وأنشدوا شعرًا زعموا أنه للجنّ"،ربما تصحيف الجنيّ.
([2]) ديوانه، ص460.
([3]) الصاهل والشاحج، ص192. والبيتان الأولان في عروض الزجاج، ص38، والجامع 78، 259، مع اختلاف في الرواية.
([4]) مراتب النحويين، ص31. وانظر إنباه الرواة للقفطي 1/342.
([5]) ونحن لا نرى مناسبةً تربط بين هذين البيتين، مالم يكونا من قصيدة طويلة. والغريب أن تستخدم معظم كتب العروض البيتَ الثاني شاهداً في مكانه دون ذكر قائله.
([6]) لم أجد من سماه (المخلع) سواه!! وربما أراد (الخبب)، فإن صحّ كان أقدم مراجع التسمية.
([7]) ابن القطاع، البارع، ص208. الشنتريني، المعيار، ص93.
*عمر خلوف
9 - مارس - 2009
قصائد الخبب الأولى2    كن أول من يقيّم
 
        ويدّعي آخرون أن هذا الوزنَ لم يكن معروفاً من قبل ‏"‏وقد اخترعه أبو العتاهية، فأُخِذَ عنه‏"‏!! مشيرين إلى قوله (في القاضي كذلك!)([8]): 
هَمُّ القاضي بَيْتٌ يُطْرِبْ=قالَ القاضي لَمّا عوتِبْ
ما في الدنيا إلاّ مُذنِبْ=هذا عذْرُ القاضي واقلِبْ
        كما أشار أبو الحسن العروضي إلى أن هذا الوزن "أكثر من أن يُحصى في شعر المحدثين" آنذاك. وأوردَ له أبياتاً من قصائدَ مختلفة كقوله([9]): 
يا دارُ كَسَتْكِ يَدُ المُزُنِ=بُرُداً بِمُفَوَّفَةِ اليَمَنِ
وقوله:
أَمِنَ اجْلِ مُطَوّقَةٍ هَتَفَتْ=أسْبلْتَ دموعَكَ تَنْهَمِلُ
وقوله:
سارتْ بِمَدائِحِكَ النُّجُبُ=وجَزَوْكَ الخيْرَ بِما احتَقَبوا
وقوله:
رَحَلَتْ بِسُمَيَّتِكَ الإبِلُ=فثَوَيْتَ وعقْلُكَ مُخْتَبَلُ
        وعلى الرغم من قِدَمه، فلعلّ أشهرَ شعرائه المعروفين هو أبو الحسن الحصري القيرواني (- 488هـ)، صاحب القصيدة الذائعة: 
يا لَيْلُ الصَّبُّ متى غَدُهُ=أَقِيامُ الساعةِ موعِدُهُ
والتي بهَرَت مَنْ جاء بعده، فزاد عددُ مُعارَضاتِها على أربعين معارَضَةٍ قديمةٍ وحديثة([10]). وكان شوقي -في بداية هذا العصر- أشهر الذين عارضوها، بقصيدته العذبة المُغَنَّاة([11]):
مُضْناكَ جَفاهُ مَرْقَدُهُ=وبَكاهُ ورَحَّمَ عُوَّدُهُ
        فما هي حقيقة هذا البحر الغامض؟ وكيفَ ومتى تُدورِكَ على الخليل؟ وهل تصحّ نسبته إلى الأخفش أم لا؟


([8]) الزنجاني، معيار النظار 1/85. خلوصي، فن التقطيع الشعري، ص196.
([9]) الجامع، ص258-260. وذكرت أمام ابن أبي حصينة (-457هـ)، مما يدل على أنها بقيت معروفةً حتى زمنه. انظر ديوانه 1/269.
([10]) انظر  المرزوقي، أبو الحسن الحصري، ص (150-201) .
([11]) ديوانه 2/122.
*عمر خلوف
9 - مارس - 2009
البحر الغريب!    كن أول من يقيّم
 
        للإجابة على مثل هذه الأسئلة الغامضة، كان لا بدّ من تتبّع مساره تتبّعاً تاريخيّاً، للنظر في طريقة بعثه، واستقراء ما قيلَ فيه، مع التزام الحذر الشديد في إصدار الأحكام، أو تعميمها. ذلك أنّ جُملةً من كتب العروض القديمة لا تزال مفقودةً. وأقدمُ الكتبِ المتاحة أمام البحث والتحقيق يبعد عن عصر الأخفش قرناً كاملاً من الزمان، في حين يبعد عن عصر الخليل ما ينيفُ على قرنٍ ونصف.
        لقد أفضى هذا الوزنُ إلى العروضيينَ بعدَ الخليل، فحاولوا أن يجدوا له مبرّرَ وجوده، ولكن على أساسٍ من العروض الخليلي ذاته، دونَ أن يتفهّموا سببَ إعراضِ الخليل عنه، وطَرْحِه له، أو سكوته عنه.
        ووفقاً لِما يتوفّر لدينا من كتُب العروض، فرُبّما كان أبو الحسن العروضي (-342هـ)، تلميذ الزجّاج (-311هـ)، أقدمَ العروضيين المعروفين الذين ذكَروا هذا البحر (مستعمَلاً)، عليه عدد من الشواهد الشعرية القديمة والمحدَثة كما مرّ، وسمّاه (الغريب).
        ويوحي حديثه عنه بوجودِ جدَلٍ حوله، كان قائماً في عصره، أو قبل ذلك بقليل([1])؛ فهم يسألونه: "‏فما تقول بقول الشاعر...؟"‏، "وما تقول بقول الآخر...؟"‏، "‏أليسَ عذباً في السمعِ، صحيحاً في الذوق، والشعراء قد أكثرت من هذا الوزن، ولَم ترْوِهِ عن الخليل البتّة، فما العلّة في ذلك؟"‏ و"‏هل وجدْتَ منه شيئاً مرْوِيّاً؟" و"ما اسمُ هذا الباب؟". وهو يَعِدُهم أنه سوفَ "يُبيّنه" لهم" ويستقصي الحجّةَ فيه"، حتى"يصحَّ أمره، ويقرُبَ مناله".
        وقد أشارَ في حديثه أيضاً إلى أنّ قوماً -غيره- قد حمَلوا قولَ الشاعر:
                                    إنّ الدنيا قَد أغْوَتْنا=واستَغْوَتْنا ، واستَهْوَتْنا
على (مفْعولاتن) جهْلاً وخطَأً وعدَمَ دِرايةٍ بالعَروض!! ذلك أن (مفعولاتن) ليست من تفاعيل العروض المعروفة كما يقول([2]).
        فماذا فعَلَ أبو الحسن العروضي؟
 
 

([1]) الجامع، ص78، 257. هكذا دون إشارة منه إلى الأخفش أو غيره، مع أنه نقلَ عنه في كتابه العديد من آرائه ومسائله.
([2]) وانظر عروض الزجاج ص38.
*عمر خلوف
9 - مارس - 2009
حجة واهية..    كن أول من يقيّم
 
   لقد نظر في شواهد البحر الشعرية التي كانت متوفرةً لديه، والتي أورد عدداً منها كما مرّ، فوجد أن الفاصلةَ (///ه=فعِلن) تتكرر وتُسيطر على معظم أبياتها، وربما تناوبت (فعْلن=/ه/ه) معها بعضَ المواقع المتفرقة من البيت. ونظراً لمفهومه المسبَق عن التفاعيل الخليلية، فليست (فعِلن) هذه إلاّ بديلاً (زِحافيّاً) عن (فاعلن)، بعد سقوط ألِفِها (بالخبْن)، كالذي يحدث في (البسيط والرمل والمديد والسريع). كما أن (فعْلن) ليست إلاّ صورةً (مَعْلولة) عن (فاعلن) أيضاً، (بقَطع وتدها)، كالذي يحدث في ضروب (البسيط والمديد والسريع)!
    ولذلك فقد تراءى لأبي الحسن أن هاتين التفعيلتين (فعِلن و فعْلن) هما وجهان لصورةٍ واحدة هي (فاعلن) الخليلية، التي يتشكّل من تكرارها بحرٌ خليليٌّ مهمل، ينفك عن دائرة المتقارب، ويمكن بالتالي ردّهما إليها، على الرغم من عدم ورود (فاعلن) في أيٍّ من شواهده الكثيرة!! وعلى الرغم أيضاً من أنّ (قطع الوتد= فعْلن) فيه يأتي حشواً، وهي علّة لا ترد إلاّ في عروضٍ أو ضرب!! مخالفاً بذلك سائرَ أنواع الشعر، وأصولَ القواعد الخليلية!!
    وفي غمرة من نشوة الاكتشاف، قرَّرَ العروضي أن يكون وزن الخبب ابناً لبحرٍ خليليٍّ مهمل، فحَمَلَه عليه، محتجّاً بوجوب "أن يكونَ للمتقارب شعرٌ على خلافه، أجزاؤه مخالفةٌ لأجزائه، وينفكّ كلُّ واحدٍ منهما من صاحبه" كما انفكّ الكامل من الوافر، إذْ لا معنى للدائرة، ولا حاجةَ لها [عنده] إذا لم يكن فيها إلاّ بابٌ واحد، "وإنّما الفائدة في الدائرة أن ينفكّ بابٌ من باب، فإذا كانَ في دائرةٍ بابٌ واحد، فمِنْ أيِّ شيءٍ ينفكّ ذلك الباب منه؟"([1]). وهي حجّةٌ واهيةٌ، لأنّ معنى الدائرة عند الخليل هو أن يبتدئَ الوزنُ من موضعٍٍ ما على محيطها، وينتهي عنده، مغلقاً الدائرةَ على نفسه، سواء انفكَّ من ذلك الوزن وزنٌ آخر أم لا. ومع ذلك فإن دائرة المتقارب الخليلية تُحقّق ما أراده العروضي منها أيضاً، ذلك أنه ينفكّ منها بحرٌ آخر سوى المتقارب، وإنْ كانَ مُهمَلاً عند الخليل.


([1]) الجامع، ص257. وكرر الراضي ذلك، نافياً عن الخليل إغفالَه! (شرح تحفة الخليل، ص17).
*عمر خلوف
9 - مارس - 2009
الخلط من العروضيين..    كن أول من يقيّم
 
وهكذا يكون أبو الحسن العروضي أوّلَ عروضيٍّ معروف يحمل هذا الوزنَ على ذلك البحر الخليلي المهمل في دائرة المتقارب، وتابعه على ذلك معظم مَن جاء بعده إلى اليوم!! وذلك على الرغم من إحساسه بأن ذلك "مُخالفٌ لسائر أنواع الشعر"، وأنه "قد لَحِقَه فسادٌ في نفس بنائه"! كما يقول([1]). ولذلك سمّاه: (الغريب). وبالتالي يكون العروضيونَ لا الشعراء هم الذين خلَطَوا بين هذين الوزنين، وذلك على الرغم من شعورهم الأكيد بتباينهما، وانفصال إيقاعيهما.
          فإذا صحّ قِدمُ هذه الأشعار، وصحّ ما يُنسب إلى الخليل ذاته من شعرٍ على هذا الوزن، وأنه نصّ على طرحه، عرفنا إلى أيِّ حدٍّ كانت أذُنُ الخليل مرهَفَةً، فلم تخلط بين هذين الوزنين كما فعل لاحِقوه، وتأكّد لنا -بالتالي- أن الخليلَ لم يستطع أن يضبطَ قواعد هذا البحر، لقلّته آنذاك، ولِمخالفته جميعَ القواعد والأصول التي انتظمتْ عليها بحورُه الأخرى، فطَرَحَه وأعرضَ عنه، تاركاً حبلَهُ على غاربه.


([1]) سا. ص259.
*عمر خلوف
9 - مارس - 2009
مثل وراقي    كن أول من يقيّم
 
مثل ورَّاقي:
إذا تحدث الفنان عمر خلوف في الإشكاليات العروضية- أو غيرُه بشكل أكاديمي منطقي جاد- وجب أن يقال هذا المثل الورَّاقي:
قطعَ خلوفٌ قولَ كلِّ خطيبٍ
*صبري أبوحسين
10 - مارس - 2009
مشكلات عروضية محيرة    كن أول من يقيّم
 
    ولقد حيّرَ هذا البحر العروضيين منذ عرفوه، فلم يُسْلِسْ لهم القياد، متأبِّياً على جميع القواعد والنظُم التي تتحرك في إطارها بحور الشعر الأخرى. وبسبب إتْباعِهم الخببَ بِـ(فاعلن) عَنْوةً، وتقييدَه بها قسْراً، كان لابدّ عند تأصيله من مواجهة بعض المشكلات العروضية المحيِّرة؛ كانت أولاها؛ ورود (فعْلن) بدلاً عن (فاعلن) -جَوازاً- في حشو البيت! و(فعْلن) هذه ليست من زحافات (فاعلن) الجائزة في العروض الخليلي، وإنما هي (علّة) ملتزمة، لا ترد إلاّ في الأعاريض والضروب. ومن ثمّ تملّكتْهم الحيرة الشديدة في تبرير وجودها. فمن قائلٍ: إنّ (القطْعَ) قد أصاب وتد (فاعلن)، فبقي منها (فاعلْ) ‏"‏فيُنقل إلى (فعْلن)"‏([1]). ومن قائلٍ: إنّه (الإضمار) بعد الخبن، أصابَ (فعِلن) فسُكِّنت عَيْنُها([2]). ومن قائلٍ: بل هو (التشعيث)([3])!!


([1]) الجوهري، الورقة ص69. الزمخشري، القسطاس ص128. الشنتريني، المعيار ص94. السكاكي، المفتاح ص563. المحلّي، شفاء الغليل ص183 ...
([2]) ابن القطاع، البارع ص207.
([3]) القرطاجنّي، المنهاج ص229.
*عمر خلوف
10 - مارس - 2009
 1  2  3