قصص من الأدب الشعبي 2 الأدب الشعبي فنُّ من فنون القول ينتج عن حكيم أو مجرب من عامة الشعب. بذكر حادثة أو قصة يتناقلها الناس لأنها تشبع ميولهم ورغباتهم في مواقف معينة ،ومن ثم يصبح تركيز الناس على الحادثة لا على القائل ، وتخضع للموروث الشعبي يتناقلها جيل بعد جيل مشافهة بوصفها ذخيرة مشتركة مشاعة بينهم. وتصبح من المأثورات الشعبية. - الاعتماد على النفس: إن الاعتماد على النفس فى معظم أمور الحياة، وعدم الالتجاء إلى الغير لطلب قضاء الحاجة من السمات الهامة والضرورية لكى يصبح الفرد متوافق نفسياً واجتماعياً وبالتالى متمتعا بالصحة النفسية والاعتماد على النفس يعنى قوة وصلابة الإرادة. وكان الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ يعلم أصحابه الاعتماد على النفس، وتولى شئونهم بأنفسهم، وعدم الاتكال على الغير فى قضاء حاجاتهم. وعن ثوبان أن الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: "من يكفل لى أن لا يسأل الناس شيئاً واتكفل له بالجنة؟" فقال ثوبان: أنا فكان لا يسأل أحدا شيئا"() وكان الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ يحث أصحابه على الاعتماد على النفس فى الكسب والحصول على الرزق، وينهاهم عن سؤال الناس. وعن أبى هريرة أن الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: والذى نفس بيده لان يأخذ أحدكم حبلة فيحتطب على ظهره خير له من أن يأتى رجلا ليسأله أعطاه أو منعه"(). كثير ما ذكرت حكايات ومن المشاهدات أحيانا عن رجال تركوا ثروة كبيرة لأبنائهم الذين سرعان ما بدّدوها واسرفوها على ملذاتهم وسهراتهم لأنهم لم يتعبوا في جمعها أوتحصيلها .. كم من حادثة حصلت لأبناء يتشاجرون على إرث أبيهم وهو ممدد جانب لحده قبل أن يدفن !!. ومقابل ذلك حكايات عن رجل ذي ما ل يدرب أولاده على الكفاف وشظف العيش فترة من حياتهم ليحافظوا على ثروتة أبيهم من بعده .. يرسلهم للعمل الشاق ليعرفوا قيمة ما حصّلوا من مال من كدهم وتعبهم .. حكاية الليرة الذهبية
يُحكى أنَّ رجلاً ميسوراً ، كان له ولد وحيد ، بالغت أمُّهُ في تدليله والخوف عليه ، حتى كبر ، وأصبح شابَّاً ، لايتقن أيَّ عمل ، ولا يجيد سوى التسكع في الطرقات ، واللهو واقتراف الملذَّات ، معتمداً على المال الذي تمنحه إيَّاه أمُّهُ خفيةً ، ودون علم والده ! الأب كبر وخاف أن يبدد ابنه الثروة التي جمعها بكده وتعبه بعد موته ذات صباح ، نادى الأب ابنه ، وقال له :كبرت يابني ، وصرتَ شابَّاً قويَّاً ، ويمكنك ، منذ اللحظة ، الاعتماد على نفسكَ ، وتحصيل قوتِكَ بِكَدِّكَ وعرق جبينك . أجابه الابن ً :أنا لا أتقنُ أيَّ عملٍ ولا أعرف كيف الناس تعمل ياأبي !!. قال الأب : يمكنك أن تتعلَّم .. وعليكَ أن تذهب الآن إلى المدينة وتعمل .. وإيَّاكَ أن تعود منها قبل أن تجمع ليرةً ذهبيةً ، وتحضرها إليَّ ..... خرج الولد من البيت ، وما إن تجاوز الباب ، حتى لحقت به الأم التي تدلل وتغدق عليه، أعطته ليرة ذهبية ، وطلبت منه أن يذهب إلى المدينة ، ويعود في المساء ، ليقدِّم الليرة إلى والده ، ويدَّعي أنَّهُ حصل عليها بعمله وكَدِّ يده .. فعل الابن ماطلبت منه والدته ، وعاد مساءً يحمل الليرة الذهبية ، وقدَّمها لوالده قائلاً : لقد عملتُ ، وتعبتُ كثيراً حتى حصلت على هذه الليرة . تفضل ياأبي ..... تناول الأب الليرة ، وتأمل ابنه فلم يلاحظ عليه أثر التعب ، ملابسه مرتبه وهندامه جميل مثل ما خرج ، ثم تأمل الليرة الذهبية جيِّداً ثم ألقاها في النار المتأججة أمامه في الموقد ، وقال : إنَّها ليست الليرة التي طلبتها منك . عليكَ أن تذهب غداً إلى المدينة ، وتحضر ليرةً أخرى غيرها !!. والأم تنظر لما يحدث باستغراب! ! سكتَ الولد ولم يتكلم أو يحتج على تصرُّف والده ... وفي صباح اليوم الثاني ، خرج الولد يريد المدينة ، وما إن تجاوز الباب ، حتى لحقت به أمه العطوف، وأعطته ليرة ثانية ، وقالت له : - لا تعد سريعاً . امكث في المدينة يومين أو ثلاثة ، ثم أحضر الليرة وقدِّمها لوالدك . تابع الابن سيره ، حتى وصل المدينة ، وأمضى فيها ثلاثة أيام ، ثم عاد ، وقدَّم الليرة الذهبية لوالده قائلاً : عانيتُ وتعذَّبتُ كثيراً ، حتى حصلتُ على هذه الليرة . تفضَّل ياأبي ..قدمها متظاهرا بالتعب .. تناول الأب الليرة ، وتأملها ، ثم ألقى بها بين جمر الموقد قائلاً : هذه ليست الليرة التي طلبتها منكَ .. عليكَ أن تحضر غيرها يابني ! سكتَ الولد ، لم يتكلم ... الأم ازدادت استغرابا من الذي يحدث !! لكنها لا تتجرأ أن تسأل لأن الزوج منعها من السؤال عن هذا الموقف بالذات .. وفي صباح اليوم الثالث ، قبل أن تستيقظ الأمُّ من نومها ، تسلل الابنُ من البيت ، وقصد المدينة ، وغاب هناك شهراً بأكمله ، ثمَّ عاد بملابس مثقلة بالعمل والتعب يحمل ليرة ذهبية ، وقد أطبق عليها يده بحرص كبير ، فقد تعب حقَّاً في تحصيلها ، وبذل من أجلها الكثير من العرق والجهد . قدَّم الليرة إلى أبيه وهو يبتسم قائلاً : أقسم لكَ ياأبي أن هذه الليرة من كدِّ يميني وعَرَقِ جبيني .. وقد عانيت الكثير في تحصيلها ! أمسك الأب الليرة الذهبية ، وهمَّ أن يُلقي بها في النار ، فهجم عليه الابنُ ، وأمسكَ بيده ، ومنعه من إلقائها ، فضحك الأب ، وعانق ولده ، وقال : الآن صِرتَ رجلاً ، ويمكنك الاعتماد على نفسكَ يابني ! فهذه الليرة هي حقَّاً ثمرة تعبكَ وجهدك ، لأنَّكَ خفتَ على ضياعها ، بينما سَكَتَّ على ضياع الليرتين السابقتين ثمّ... نظر إلى زوجته وقال : مَنْ جاءهُ المال بغير جهد ، هان عليه ضياع هذا المال ، من لا يتعب في المال يسهل عليه إنفاقه .. والابن يسمع .. أبو هشام |