البحث في المجالس موضوعات تعليقات في
البحث المتقدم البحث في لسان العرب إرشادات البحث

مجلس : دوحة الشعر

 موضوع النقاش : دير الجماجم (شعر الفرزدق)    قيّم
التقييم :
( من قبل 1 أعضاء )
 زهير 
3 - مارس - 2009
هذه قصيدة من روائع الفرزدق يذكر فيها مناقب تميم في وقائع دير الجماجم: وهي حرب شهيرة استقر بها الأمر للحجاج بعد انتصاره الساحق على ابن الأشعث، في شعبان من عام 82هـ وكان الفرزدق في الرابعة والأربعين من العمر، وصلنا من القصيدة (71) بيتا، بلا مقدمة ولا خاتمة ؟  ما يدل ان القصيدة أطول مما هي عليه ؟ وسوف آتي على نشر ما يلقي الضوء على هذه القصيدة ومناسبتها والرجالات المذكورين فيها،وقد اضطررت لنشر القصيدة على قسمين بسبب طولها:
لَـبِـئـسَـت  هَـدايا القافِلينَ أَتَيتُمُ بِـهـا أَهلَكُم يا شَرَّ جَيشَينِ iiعُنصُرا
رَجَـعـتُم  عَلَيهِم بِالهَوانِ iiفَأَصبَحوا عَـلـى ظَهرِ عُريانِ السَلائِقِ رَدبَرا
وَقَـد كـانَ شيمَ السَيفُ بَعدَ iiاِستِلالِهِ عَـلَـيـهِم وَناءَ الغَيثُ فيهِم iiفَأَمطَرا
رَدَدتُـم عَـلَينا الخَيلَ وَالتُركَ عِندَكُم تَـحَـدّى  طِـعـاناً بِالأَسِنَّةِ iiأَحمَرا
إِلى مَحِكٍ في الحَربِ يَأبى إِذا iiاِلتَقَت أَسِـنَّـتُـهـا بِـالمَوتِ حَتّى iiيُخَيَّرا
إِذا عَـجَـمَـتهُ الحَربُ يَوماً iiأَمَرَّها عَـلـى  قُتُرٍ مِنها عَنِ اللينِ iiأَعسَرا
وَلَـمّـا  رَأى الـلَهُ الَّذي قَد iiصَنَعتُمُ وَأَنَّ اِبـنَ سَـيبُختَ اِعتَدى iiوَتَجَبَّرا
وَقـارَعـتُمُ  في الحَقِّ مَن كانَ iiأَهلُهُ بِـبـاطِـلِ سَيبُختَ الضَلالِ iiوَذَكَّرا
رَمـاكُـم  بِـمَـيمونِ النَقيبَةِ iiحازِمٍ إِذا لَـم يُـقَـم بِـالـحَـقِّ لِلَّهِ نَكَّرا
أَبِـيَّ الـمُـنـى لَم تَنتَقِض مُرَّةٌ iiبِهِ وَلَـكِـن إِذا مـا أَورَدَ الأَمرَ أَصدَرا
أَخـا غَـمَـراتٍ يَـجعَلَ اللَهُ iiكَعبَهُ هُوَ  الظَفِرُ الأَعلى إِذا البَأسُ iiأَصحَرا
مُـعـانٌ عَـلـى حَقٍّ وَطالِبُ iiبَيعَةٍ لِأَفـضَـلِ  أَحـياءَ العَشيرَةِ iiمَعشَرا
لِآلِ أَبـي الـعـاصي تُراثُ iiمَشورَةٍ لِـسُـلـطـانِهِم  في الحَقِّ أَلّا يُغَيَّرا
عَـجِـبتُ  لِنَوكى مِن نِزارٍ iiوَحينِهِم رَبـيـعَـةَ وَالأَحزابِ مِمَّن iiتَمَضَّرا
وَمِن حَينِ قَحطاني سَجَستانِ أَصبَحوا عَـلـى سَـيِّـئٍ مِن دينِهِم قَد تَغَيَّرا
وَهُـم مـائَـتـا أَلفٍ وَلا عَقلَ iiفيهِمِ وَلا  رَأيَ مِـن ذي حـيلَةٍ لَو iiتَفَكَّرا
يَـسـوقـونَ حَـوّاكاً لِيَستَفتِحوا iiبِهِ عَـلـى  أَولِـيـاءِ اللَهِ مِمَّن iiتَخَيَّرا
عَـلـى  عُصبَةٍ عُثمانُ مِنهُم iiوَمِنهُمُ إِمـامٌ  جَـلا عَـنّـا الظَلامَ iiفَأَسفَرا
خَـلـيـقَةُ  مَروانَ الَّذي اِختارَهُ iiلَنا بِـعِـلـمٍ  عَـلَينا مَن أَماتَ iiوَأَنشَرا
بِـهِ عَـمَـرَ الـلَهُ المَساجِدَ iiوَاِنتَهى عَـنِ  الناسِ شَيطانُ النِفاقِ iiفَأَقصَرا
وَلَـو  زَحَـفـوا بِاِبنَي شَمامٍ iiكِلَيهِما وَبِـالشُمِّ  مِن سَلمى إِلى سَروِ iiحِميَرا
عَـلـى  دينِهِم وَالهِندُ تُزجى iiفُيولُهُم وَبِـالـرومِ  في أَفدانِها رومِ iiقَيصَرا
إِلـى بَـيـعَةِ اللَهِ الَّذي اِختارَ iiعَبدَهُ لَـها اِبنَ أَبي العاصي الإِمامَ المُؤَمَّرا
لَـفَـضَّ الَّـذي أَعطى النُبُوَّةَ كَيدَهُم بِـأَكـيَـدَ مِـمّـا كـايَدوهُ iiوَأَقدَروا
أَتـانـي  بِذي بَهدى أَحاديثُ iiراكِبٍ بِـهـا ضاقَ مِنها صَدرُهُ حينَ iiخَبَّرا
وَقـائِـعُ لِـلـحَجّاجِ تَرمي iiنِساؤُها بِـأَولادِ مـا قَـد كانَ مِنهُنَّ iiمُضمَرا
فَـقُـلتُ  فِدىً أُمّي لَهُ حينَ iiصاوَلَت بِـهِ  الحَربُ نابَي رَأسِها حينَ iiشَمَّرا

يتبع:
 4  5  6  7  8 
تعليقاتالكاتبتاريخ النشر
انكسار الخراج    كن أول من يقيّم
 
وحدثني عمر بن شبة عن هارون بن معروف عن ضمرة بن ربيعة عن ابن شوذب قال: كتب عمال الحجاج إليه: إن الخراج قد انكسر، وإن أهل الذمة قد أسلموا ولحقوا بالأمصار.
فكتب إلى أهل البصرة وغيرها: إن من كان له أصل في قرية فليخرج إليها فخرج الناس فعسكروا وجعلوا يبكون ويقولون: وامحمداه، وجعلوا لا يدرون أين يذهبون، فجعل قراء أهل البصرة يخرجون إليهم متقنعين فيبكون معهم، وقدم ابن الأشعث على بغتة ذلك فاستبصر أهل البصرة في قتال الحجاج مع ابن الأشعث:
*زهير
5 - مارس - 2009
كتاب الحجاج إلى عبد الملك وبناء واسط    كن أول من يقيّم
 
وقال أبو مخنف وعوانة: ورد على الحجاج أمر ابن الأشعث وهو نازل بلعلع فقال إنها لغليقة من الأمر، وكتب إلي عبد الملك يخبره وسأله إمداده بالجنود، وأتى الحجاج موضع واسط حين فصل من لعلع فابتنى به مسجداً، وقال: هذا مكان واسط، فسميت واسط القصب، ثم بناها بعد ذلك.
قالوا: ولما ورد الكتاب على عبد الملك في أمر ابن الأشعث، نزل عن سريره، وبعث إلى أبي هاشم خالد بن يزيد بن معاوية فأقراه الكتاب، فلما رأى خالد ما به من الجزع والارتياع قال: إنما يخاف الحدث من خراسان، وهذا الحدث من سجستان فلا تخفه،
ثم خرج عبد الملك على الناس فحمد الله عز وجل وأثنى عليه ثم قال:
إن أهل العراق قد استطالوا عمري فاستعجلوا قدري فسلط اللهم عليهم سيوف أهل الشام حتى تبلغ رضاك.

 
*زهير
5 - مارس - 2009
نشوب الحرب    كن أول من يقيّم
 
وصار الحجاج إلى البصرة فأقام بها، وعزم على لقاء ابن الأشعث.
 
وكان المهلب كتب إليه يشير عليه أن لا يقاتله حتى يرد الناس منازلهم، فيركنوا إلي الدعة وتمنعهم الرقة على أولادهم وعيالاتهم من المحاربة، وتحدث لهم آراء غير أرآئهم وينتقصوا عند التفرق عن أمرهم، ويعظ الرجل أخوه، والرجل قومه، فينفسح عزمه.
 
فلم يلتفت إلى كتابه ومشورته،
 
وكان الحجاج أقدم سفيان بن الأبرد الكلبي من طبرستان، وأخذه فيه، فرأى له أن يستقبل ابن الأشعث ويجعله على خيله، وأحب بذلك التخلص من الغرم، فقبل قوله لموافقته هواه، ورفض رأى المهلب، وجعل فرسان أهل الشام يأتونه من قبل عبد الملك أرسالاً، يأتيه في اليوم المائة والعشرة، وأكثر من ذلك وأقل، فبعضهم يأتي على البريد، وبعضهم على الخيل العتاق المقدحة، وبعضهم على الإبل الناجية،
 
وكانت أخبار ابن الأشعث تأتيه بنزوله مكاناً مكاناً
 
وسار الحجاج بأهل الشام حتى نزل تستر الأهواز، وقدم بين يديه عبد الله بن زميت الطائي ومظهر بن حيي العكي وجعل ابن زميت من تحت يده.
*زهير
5 - مارس - 2009
يوم دجيل (اول أيام الحرب)    كن أول من يقيّم
 
قال البلاذري: يوم دجيل وهو يوم تستر:
قالوا: وقدم عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث محمد بن أبان بن عبد الله الحارثي في ثلاثمائة فوجه إليه مظهر بن حيي العكي عبد الله بن زميت، فهزم ابن أبان وأصحابه حتى اضطرهم إلي دجيل الأهواز، فوجه مظهر مولى له يقال له منقذ إلى الحجاج بالفتح وعظم الأمر، وأخبر أنه لقي مقدمة ابن الأشعث فهزمهم وقتل أكثرهم، ولما رأى ابن الأشعث ما فعل بأصحابه جمع الناس وعبأهم، ثم قال: اعبروا إلى أصحاب الحجاج، فأقحم الناس خيولهم في دجيل حتي صاروا إلي موضع الوقعة ومظهر في سبعة آلاف من أهل الشام، وذلك في يوم ضباب لا يكاد الرجل يتبين فيه صاحبه، فحمل عليهم عطية بن عمرو العنبري فضعضعهم، ثم حمل عليهم جرير بن هاشم بن سعد بن قيس الهمداني، فاقتتلوا قتالاً شديداً، ثم أتاهم الحريش بن هلال القريعي من خلفهم، وحمل الناس عليهم من بين أيديهم، فهزموا هزيمة قبيحة، وقتلوا قتلاً ذريعاً، وركب أصحاب الخيول في طلبهم فقتلوهم وأسروهم أنى شاؤوا،
وكان في الأسرى رجل من همدان فقال لابن الأشعث: أصلح الله الأمير أنا أحد أخوالك، فقال: ابدأوا بخالي فقدم وقتل وذلك يوم النحر سنة إحدى وثمانين يوم الجمعة، ويقال عشية عرفة، واستباحوا عسكرهم،
وكان الحجاج حين جاءه رسول مظهر صعد المنبر فخطب وقال:
أحمدوا الله على هلاك عدوكم، فما نزل حتى جاءه بخبر هذه الوقعة عبيد بن سرجس مولاه، فقال: أيها الناس ارتحلوا بنا إلى البصرة، فإن هذا مكان لا يحتمل الجند،
وانصرف حتى نزل الزاوية، وبعث إلى طعام التجار بالكلاء فأخذه فحمله إليه، فقال: من كان منهم وليا لنا رددنا عليه، ومن كان عدواً فماله ودمه حلال لنا
*زهير
5 - مارس - 2009
الحكم بن أيوب الثقفي: عامل الحجاج على البصرة    كن أول من يقيّم
 
وخلى البصرة لأهل العراق وكان عامله عليهم الحكم بن أيوب الثقفي الذي يقول فيه الشاعر:
قد  كان عندك صيد لو قنعت iiبه فـيه غنى لك عن درّاجة iiالحكم
وفـي  عوارض ما تنفكّ iiتأكلها لو كان يشفيك أكل اللحم من قرم
وكان الحكم بن أيوب بن الحكم بن أبي عقيل هذا أبخل الخلق، وكانت له دراجة يؤتى بها بعد الطعام، وكان استعمل رجلاً من بني تميم يقال له العظرت علي بعض الفروض فقدم عليه والدراجة بين يديه، فدعاه إلى الأكل فأكل معه من دراجته، فعزله وقال له الحق بأهلك.
والعوارض (1) ما انكسر فنحر، يقال: أهذا لحم عبيط، أم لحم عارضة ?
----------
1- أي العوارض المذكورة في البيت الثاني
*زهير
5 - مارس - 2009
سقوط البصرة في يد ابن الأشعث    كن أول من يقيّم
 
قال البلاذري:
وقال الهيثم بن عدي: هزم ابن الأشعث صاحب الحجاج يوم دجيل وقتل من أصحابه ثمانية آلاف، وقال غيره: قتل ألفين.
قال وجاء ابن الأشعث وأهل العراق حتى دخلوا البصرة فبايعه أهلها على حرب الحجاج وخلع عبد الملك، وسارع إليه القراء والكهول، وكان الحجاج أمر سفيان بن الأبرد الكلبي حين أقبل إلى البصرة أن يكون في أخريات الناس فيهدم القناطر، ويقطع الجسور، وضم إليه جماعة ففعل سفيان ذلك، وكان نزول الحجاج الزاوية يوم الخميس لسبع ليال بقين من ذي الحجة سنة إحدى وثمانين، وكان عياش بن الأسود بن عوف الزهري حين بلغه أمر ابن الأشعث جمع بسوق الأهواز رجالاً ثم أتاه ومحمد بن الأسود فكانا معه، وكان أول من دخل البصرة هميان بن عدي السدوسي، وكان شجاعاً، وكان الحجاج قد حبس امرأته في قصر المجيزين، وهي أم بكر من ولد شقيق بن ثور السدوسي، وكان معه قوم نصروه فأخرجوها وقوماً كانوا محبوسين معها، فقال الشاعر:
فمن للمرهقين إذا iiاستجاروا ونادى المحصنات أبا جرير
وهي كنية هميان، وعارض سفيان بن الأبرد هميان حين أخرج امرأته من محبسها فقاتله حتى دخل ابن الأشعث والناس.

وقد زادا (1) نفروخ بن تيرى المجوسي كاتب الحجاج: إنك إن منعتهم من دخول البصرة حاربوك بجد واجتهاد لطول غيبتهم عن أوطانهم، وإن أنت تنحيت وتركتهم فرجعوا إلى أهليهم قل من يحاربك منهم
_______
1- كذا في الاصل ؟ (نشرة الوراق) سوف أتحقق من الكلمة لاحقا، ولعلها وقال زادا نفروخ بن تيري
*زهير
5 - مارس - 2009
يوم الزاوية    كن أول من يقيّم
 
قالوا: ودعا ابن الأشعث بعباد بن الحصين وقد كبر وفلج فقال: أشر علي الرأي فقال:
يا ليتني فيها جذع أخب  فيها وأضع
أرى أن تخندق على المربد وما يليه، ثم تدعهم حتى يخرجوا من معسكرهم بالزاوية فيأتوك معيين كالين، ويخرج الناس إليهم نشاطى جامين، فقال عبد الله بن عامر بن مسمع، وكان قد صار إليه وكان قبل قدومه على شرطة البصرة، وبشر بن محمد بن الجارود وعبد الحميد بن منذر بن الجارود: أنخندق على تميم ونترك دورنا ودور الأزد.
فخندق ناس من الناس على ما يليهم، وخندق ابن الأشعث، ولم يبلغ في الحفر وخندق الحجاج على عسكره،
وخرج سورة بن أبجر إلى الحجاج فصار معه.
 
وخرج إلى ابن الأشعث رجل من أهل الشام يقال له نويرة الحميري، وكان شجاعاً، فصار معه.
 وكان قوم من أصحاب الحجاج يخرجون فيناوشون قوماً من أصحاب ابن الأشعث.
 
 ثم إن الحجاج ضم إليه خيله، وجعلت الرجال تأتيه من عند عبد الملك على البريد والإبل والدواب، وكتب كل واحد منهما ترد على صاحبه في كل يوم.
 
وقال الحريش بن هلال السعدي لعبد الرحمن: علام تدع الحجاج يأتيه كل يوم مدد من أهل الشام، عاجله قبل أن يكثر جمعه، فقال ابن الأشعث: إن لله جل وعز قد جمع كلمتكم، وأعز دعوتكم فاخرجوا إليهم فجاهدوهم على اسم الله عز وجل، فخرج وخرج الناس، فجعل على الميمنة عبد الرحمن بن عوسجة الهمداني وعلى الميسرة الحريش بن هلال السعدي وعلى مجففته طفيل بن عامر بن واثلة وتيحان البكري ثم التميمي، وعلى الرجالة زياد بن مقاتل بن مسمع.
 
وخرج الحجاج إليهم وعلى ميمنته سفيان بن الأبرد الكلبي وعلى ميسرته أيوب بن الحكم بن أبي عقيل الثقفي، فقال الحجاج لأصحابه: يا أهل الشام إنكم على الحق، فاصبروا صبر المحق، فإن الله عز وجل مع الحق، والناكث المبطل أولى بالفرار.
 ثم إنهم اقتتلوا قتالاً شديداً، فجعل الشاميون يقولون للحجاج: لو صبرت حتى يجيء مدد أمير المؤمنين، فيقول: لو كنت مبطلاً انصرفت، وجعل العراقيون يدخلون عسكر الحجاج حتى بلغوا بيت ماله وسجنه، وانهرم عنه أهل بيته ثم رجعوا إليه.
وجاء مولى لقيس بن الهيثم السلمي يقال له توبة إلى الحجاج وهو يظنه ابن الأشعث لكثرة من رأى في عسكره من العراقيين. فقال: أقر الله عينك أيها الأمير، الحمد لله الذي أخزى الحجاج، فقال الحجاج: اقتلوه لعنه الله فقتل.
 ثم إن الحجاج جثا على ركبتيه، وثاب أصحابه إليه، وحمل سفيان على الناس فهزمهم، فقال: زباد بن عمرو العتكي للحجاج: قد هزموا والحمد لله على عونه، وكان معه.

وقتل في المعركة يوم الزاوية على ما ذكر هشام ابن الكلبي: عياش بن الأسود بن عوف الزهري، ويقال بل أسر بهراة من خراسان وأتي به الحجاج فقتله وقتل محمد بن الأسود أخوه، وقتل عقبة بن عبد الغافر الأزدي، وقتل عبد الرحمن بن عوسجة أبو سفيان، وقتل عبد الله بن عامر بن مسمع، وقد كان على شرط الحجاج بعد زياد بن عمرو، حين غضب على زياد، فلما أتي الحجاج برأسه قال: والله ما كنت أرى هذا فارقني، وقتل الطفيل بن عامر بن واثلة الكناني، وكان قد قال:
ألا أبـلغ الحجاج أن قد iiأظله عذاب بأيدي المؤمنين مصيب
فمر به الحجاج، وهو في القتلى، وقد كان بلغه شعره، فقال: تمنيت لنا أمراً كان في العلم أنك أولى به، فعجل الله عز وجل ذلك لك في الدنيا، وهو معذبك في الآخرة
وكان قتالهم يوم الأحد، وكان البراء بن قبيصة بن أبي عقيل مع الحجاج فانهزم مع من انهزم من أهل بيته، وفارقوه في صدر يوم الأحد فرجعوا إليه جميعاً، إلا البراء فإنه مضى إلى عبد الملك فعاذ به، فقال الحجاج: والله لا آمنته إلا أن أضربه ضربةً بالسيف أخذت ما أخذت، وأبقت ما أبقت، فقال البراء في أبيات:
أخـوف بالحجاج يومأ ومن iiيكن طـريـدة لـيث بالعراقين يفرق
كـأن  فـؤادي بين أظفار iiطائر من الخوف في جو السماء iiمحلق
وكـان أمـرءاً قد كنت أعلم iiأنه متى ما يعد من نفس الشر يصدق
وصبر آل سعيد بن العاص مع الحجاج، فقال ابن موهب، كاتب الحجاج ومولاه، واسمه عبيد:
لعمري لقد فر البرا وابن عمه وفـرّت قريش غير آل iiسعيد
يعني مصعب بن عبد الله بن أبي عقيل، وكان عنبسة بن سعيد أيضاً جال جولة، ثم رجع إلى الحجاج من ساعته فلم يفقده.
وظفر الحجاج بأهل الزاوية حين فاء الفىء يوم الأحد، وأقبل إلى البصرة فقاتله الناس قتالاً شديداً على أفواه السكك، فقال الحجاج: دعوهم فإنهم منهزمون والآن يتفرقون، وانصرف عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث، واستخلف عبد الرحمن بن العباس بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب وقال له: قاتل بالناس فإن عندهم قتالاً شديداً، ولهم نشاط، فإني منصرف إلى الكوفة وممدك بالرجال ووثب أهل البصرة إلى عبد الرحمن بن العباس فبايعوه على الصبر، فقاتل بهم الحجاج، ثم انصرف.
وكانت تلك الفعلة من ابن الأشعث هزيمةً، وكان يقول: إنما انصرفت وفي الناس فضل، وعندهم قتال لأنه بلغني أن مطر بن ناجية الرياحي وثب بالكوفة، فغاظني أن أكون فتحت باباً دخل مطر منه، وأن يكون إنما قدر على الوثوب بي فيكون له صوت معي، فأريد أن ألحقه فأحول بينه وبين إرادته.
فأقبل عبد الرحمن نحو الكوفة في ألف من أهلها، وقاتل ابن العباس آخر يوم الأحد، ويوم الاثنين، ويوم الثلاثاء ويوم الأربعاء، وليلة الخميس وهي ليلة الهرير، وصبر أهل البصرة على قتال الحجاج على أفواه السكك، وفقد ابن الأشعث فأمر الحجاج فرفعت راية أمان وناداهم أصحاب الحجاج بأمره: ثكلتكم أمهاتكم علام تقاتلون وقد ترك صاحبكم القتال ومضى، فدخلوا في الأمان وتفرقوا، وخرج ابن العباس ومن معه من أهل الكوفة والأقوياء من أهل البصرة حتى لحق بابن الأشعث
وجاء الحجاج حتى دخل البصرة، فنادى مناديه: (يا أهل الشام لا تنزلوا البصرة، ونزل هو دار المهلب فرأى عندها جماعة نسوة، فقال: إن هؤلاء النسوة لجأن الي وخشين أن يدخل عليهن، فليرجعن فنحن أغير عليهن من أزواجهن.
وقال حميد الأرقط في ابن عبد الرحمن بن سمرة، وكان أعور، وذلك في أيام الزاوية.
يا أعور العين فديت العورا لا تحسبن الخندق iiالمحفورا
يـدفع عنك القدر iiالمقدورا ودائـرات الدهر أن iiتدورا
 
وصعد الحجاج المنبر فذكر الله عز وجل بما هو أهله، ثم قال:
(إن الله عز وجل لم ينصركم يا أهل الشام على عدوكم، لأنكم أكثر منهم عدداً، وأظهر قوةً، ولقد كانوا أثرى منكم وأقوى وهم في بلادهم، ومادتهم تأتيهم من مصرهم وبيوتهم، فهم يستندون إلى ذلك ويعتصمون به، ولكنكم كنتم أهل الطاعة، وكانوا أهل المعصية، فنصركم الله عز وجل بغير حول منكم ولا قوة فاحمدوا الله عز وجل على نعمه ولا تبغوا ولا تظلموا، وإياكم أن يبلغني أن رجلاً منكم دخل بيت امرأة فلا يكون له عندي عقوبة إلا السيف، أنا الغيور ابن الغيور لا أداهن في الريبة، ولا أصبر على الفاحشة).
قالوا: وأصابت الحريش يومئذ جراحة، وكان يقاتل قتالاً شديداً ويقول:
أنـا  الـحريش وأبو iiقدامه أضرب بالسيف مقيل الهامة
أشجع من ذي لبدٍ iiضرغامه ..
وأتى سفوان فمات من جراحته.

وقالت حميدة ابنة مقاتل ترثي أخاها زياد بن مقاتل بن مسمع:
يا عين جودي ولا iiتفتري وبكي  رئيس بني iiجحدر
ولما تولت جموع iiالعراق وأسلم من كان في العسكر
وحـامى زياد على iiقومه وفـر محامي بني iiالعنبر
فسمعها البلتع وكان يبيع سمناً له عند بعض بني العنبر فأتزر بكسائه، وجاء حتى قام عندها وهو يقول:
عـلام تـلـومين من لم iiيلم تـطـاول لـيلك من iiمقصر
فقد تبطح الخيل تحت العجاج غـيـر الـشهيد ولا iiالمعذر
ونـحن  منعنا لواء iiالحريش وطـاح لـواء بـني iiجحدر
ورجع إلى أصحابه فقال: قد شفيتكم منها.
وقال عامر بن واثلة، أبو الطفيل يرثي ابنه:
خـلى طفيل على الهم iiفانشعبا فـهـد ذلـك ركني هدّةٍ iiعجبا
وابـني سهيمة لا أنساهما iiأبداً فيمن نسيت وكل كان لي نصبا
وأخـطأتني المنايا لا iiتطالعني حتى كبرت فلم يتركن لي شذبا
في أبيات.
وولى الحجاج الحكم بن أيوب البصرة في صفر، واتبع ابن الأشعث، وسلك طرق البر وكان زادا نفروخ بن تيرى مستخفياً بالبصرة، فخرج من دار إلى دار فقتله بعض من رآه من أصحاب ابن الأشعث، فاستكتب الحجاج مكانه ابنه مردانشاه
*زهير
5 - مارس - 2009
خبر مطر بن ناجية التميمي    كن أول من يقيّم
 
قال البلاذري:
قالوا: وكان مطر عامل الحجاج على المدائن وناحيتها، فأتى الكوفة فقال حين نزل من المنبر: ان ابن الأشعث قد هزم أهل الشام، فهلموا نخرج من عندنا منهم، فكثرت تابعته، وجاء حتى أحاط بالقصر، وفيه عبد الرحمن بن عبد الله بن عامر الحضرمي، عامل الحجاج على الكوفة، وهو في أربعة آلاف من أهل الشام، ويقال في ألفين، فأشرفوا عليه وصالحوه على أن يجلوا ويخلوا القصر والمصر، وكان يونس بن أبي إسحق يحدث أن مطراً لما أراد دخول القصر زحمه بغل فضربه بسيفه فقطع جحفلته، ثم قال: اللهم أخزه زحمني وقد آمنت صاحبه، فأعطاه بغلاً مكانه، وأسلف الناس مائتي درهم مائتي درهم، وصحت عنده هزيمة ابن الأشعث، فخطب الناس فقال: إن ابن محمد قد هزم، وأنا لكم مكانه، أقوم مقامه، فبايعه نفر من قومه قليل، وأمسك الناس، فلم يبايعوه، فلما رأى ذلك دخل القصر، ثم خرج بالعشي فقال: أيها الناس إن ابن محمد لقي الحجاج بالزاوية إلى جانب البصرة، فاقتتلوا قتالاً شديداً، ثم تحاجزوا فنظروا فإذا ابن محمد مفقود، لا يدرى أفي الأحياء هو أم في الأموات، فثار الناس عند ذلك إلى عبد الرحمن بن العباس بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب فبايعوه، فعهد العاهد به وقد حصر الحجاج وظهر عليه، فقوموا فبايعوا له، فإنه رجل من قريش ثم من بني هاشم من أهل بيت نبيكم صلى الله عليه وسلم، فقال إليه عبد الرحمن بن أبي ليلى فبايعه، ثم بايعه حمزة بن المغيرة بن شعبة، ثم إنه دخل وأمر مطر بن أبي ليلى أن يبايع الناس ففعل، فقال صدقة وتوبة ابنا عبيد الله بن الحر الجعفي: ما هذه البيعة ? نحن على بيعتنا الأولى، ويقال إنهما ضربا وجه ابن أبي ليلى بحصى كان معهما وقالا: نحن على بيعتنا التي بايعنا عليها صاحبنا حتى ننظر ما صنع، وقام ناس كثير فقالوا مثل ذلك وصاحوا بابن أبي ليلى أنزل فنزل، وسمع ابن ناجية الصوت فقال: ما هذا ? قالوا له: قد اختلف الناس، فرجع إليهم فقال: أيها الناس أنا رجل منكم فمن استقمتم له ورضيتم به وبايعتموه بايعته، فسكن الناس، وأقبل ابن الأشعث وسمع الناس بمجيئه، فخرجوا إليه يستقبلونه.
وقال الهيثم بن عدي: أقبل ابن الأشعث من سجستان وقد خلع فنزل الخريبة بالبصرة، فخندق على عمسكره، واقتتل هو والحجاج بالزاوية، وبلغ ابن الأشعث أن مطر بن ناجية قد أخذ الكوفة، فدعا خاصته فأعلمهم أنه يريد الكوفة، واستخلف عبد الرحمن بن العباس بن ربيعة، وسار في نحو من ألف ففقد وقاتل عبد الرحمن بن عباس بالبصرة خمسة أيام، ثم انهزم وقدم ابن الأشعث الكوفة.
وقال ابن الكلبي عن أبي مخنف وغيره: لما خرج الناس لتلقي ابن الأشعث فرأى كثرة من استقبله عدل عن الطريق كراهة أن يروا من معه من الجرحى، وجعل أصحابه يقولون: إن الله عز وجل قد أخزى الحجاج وهزمه وفرق جمعه، وأقبل حتى نزل عند دار فرات بن معاوية وقال: لا والله لا أبرح ولا أدخل منزلي حتى أستنزل مطراً، ثم جلس في أصحاب الخلقان، فرآه رجل من بني أسد يقال له عبد الله فقال: ما أخلق هذا الرجل لأن يخلق امره، وجاء الناس إليه من كل مكان، وسبقت إليه همدان بالناس، وكانوا أخواله وتفرق الناس عن ابن ناجية، وأراد قوم من بني تميم أن يقاتلوا عنه، فلم يطيقوا ذلك، فأمسكوا، وقال ابن الأشعث: كفوا عنه ولا تقتلوه واتوني به سليماً، فدعا الناس بالسلاليم، فوضعت على القصر، وصعدوا فأخذ فأتي به ابن الأشعث، فقال له: استبقني فإني أفضل فرسانك وأعظمهم غناءً عنك، فأمر به إلى الحبس ثم دعا به بعد ذلك فبايعه: فقال الأقيشر الأسدي:
ابـني  تميم ما لمنبر iiملككم لا  يـسـتقر فعوده iiيتمرمر
يـبكي إذا مطر علا iiأعواده شـم الكرام وقال ما قد ينكر
إن الـمنابر أنكرت iiأشباهكم فادعوا  خزيمة يستقر المنبر
قوم  رأيت اللّه ينصر iiدينهم عند  اللقاء ودينكم لا iiينصر
خلعوا أمير المؤمنين وبايعوا أحـواك  كندة بيعةً لا iiتظفر
بـايعتم  مطراً وكانت iiهفوةً خلف لعمرك من أمية iiأعور
قالوا: ودخل عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث القصر، وجاءه الناس من كل أوب، وأتاه أهل البصرة، وتقوضت إليه المسالح، وجاءه قوم من الثغور، ولحق به عبد الرحمن بن العباس بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب في جماعة من فرسان أهل البصرة ووجوههم ممن لم يأمن الحجاج، ولم يثق بأمانه، وتلاحق به أصحابه، وقام الحجاج بالبصرة خطيباً فقال: إنكم خالفتم وعصيتم وأحللتم بأنفسكم، فعفوت عنكم، وقد قدرت، وأنا أقسم لكم بالله لئن عدتم لمثل فعلكم لأقتلن مقاتلتكم ولأحربنكم بأموالكم.
وأقام فيما يقال بالبصرة نحواً من شهر، ثم خرج منها إلى الكوفة ومعه زياد بن عمرو العتكي، فرفع إلى الحجاج أن عند زياد ثقل عبد الله بن يزيد بن المغفل ونجائبه وإبله، فسأله الحجاج عن ذلك فأقر به، وقال: أصلح الله الأمير كان رجلاً من قومي، فوالله ما شعرت بشيء حتى رأيته في داري وثقله، فاستحييت منه، وخرج هارباً، وكانت مليكة بنت يزيد بن المغفل أخته امرأة عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث، قال: أفتؤوي ثقله، وقد عرفت عداوته لي وللمسلمين، فأين ثقله الآن? قال: ألحقته به، إلا ما لا بال به، فشده في الحديد، وخرج به معه، فبعث زياد ابنه الحواري بن زياد إلى عبد الملك فأعلمه علمه، فكتب إلى الحجاج: أما بعد فإنه بلغني أنك حبست زياد بن عمرو العتكي، وليس مثل زياد حبس، ولا ظن به سوء، فخل سبيله حين يأتيك كتابي، فإنه من أهل السمع والطاعة والمناصحة قديماً، والسلام. فخلى سبيله وهو بدير الجماجم.
*زهير
5 - مارس - 2009
خبر دير الجماجم    كن أول من يقيّم
 
قال البلاذري:
قالوا: سار الحجاج من البصرة في البر فمر بين القادسية والعذيب، فبعث ابن الاشعث إليه عبد الرحمن بن العباس في خيل أهل الكوفة والبصرة. وكان ابن الأشعث جمع بالبصرة سلاحاً كثيراً وتجافيف، فسار ابن العباس إليه في خلق من المجففة فمنعوه من نزول القادسية، وبلغه كثرة من مع ابن الأشعث واجتماعهم على قتاله فارتفع عنهم، وسايروه حتى نزل دير قرة.
 
وكان قد عزم على الارتفاع نحو الجزيرة ليقرب من عبد الملك ولا يكون بينه وبينه أحد يتخوفه، فلما صار إلى دير قرة قال: والله ما بهذا المنزل بين أمير المؤمنين وأهل الشام بعد، ولا أحد يحول بيني وبينهم ولا أتخوف أن يأتيني من ورائي أحد، وإني لفي رساتيق من الفلوجة وبالقرب من عين التمر، وأرجو أن تحملنا هذه الرساتيق، ولنزولي معهم في بلادهم أشد عليهم من نزولي نائياً عنهم.
فنزل بدير قرة، ونزل عبد الرحمن بن العباس بدير الجماجم، وخرج ابن الأشعث حتى صار إلى دير الجماجم فعسكر فقال الحجاج: نزلنا بدير قرة ونزل عدو الله بدير الجماجم أفما أتفاءل بهذا، وخندق الحجاج على نفسه، وخندق ابن الأشعث أيضاً على نفسه.
واجتمع قراء أهل الكوفة إلى جبلة بن زحر الجعفي فجعلوه رئيساً عليهم، وكان الحجاج كتب إلى عبد الملك حين قدم من البصرة فخبره بكثرة أهل العراق وجدهم واجتماعهم على حربه، فسرح إليه عبد الله بن عبد الملك ابنه في عشرين ألفاً من أهل الشام، ومحمد بن مروان أخاه في عشرين ألفاً من أهل الجزيرة، فوافوا الحجاج بدير قرة بعد تضييق أهل العراق عليه، فلما قدموا عليه قوي أمره وروخي من خناقه.
ولم يكن بين الفريقين قتال قبل قدوم عبد الله ومحمد، إلا أن أهل العراق كانوا يأتون عسكر الحجاج فيكون بينهم تناوش على خندقه عند أبوابه في غير تزاحف.
وكان من قبل عبد الملك من وجوه الناس من قريش وغيرها قالوا له: إذا كان رضا أهل العراق بعزل الحجاج فاعزله عنهم تخلص لك طاعتهم وتحقن دماءهم ودماء أهل الشام. فقال لابنه: إذا اجتمعت ومحمداً عمك فاعرض على أهل العراق أن تعزل الحجاج عنهم، وتجري عليهم أعطياتهم كما تجري على أهل الشام، وتجري على ذريتهم كما تجري على ذرية أهل الشام، وأن ينزل ابن الأشعث أي بلد شاء ويكون عليه والياً ما دام حياً، فإن قبلوا ذلك كان محمد بن مروان الأمير عليهم، وإن أبوا فالحجاج أمير عليك وعلى محمد والناس.
وكان عبد الملك كتب إلى محمد بن مروان في المسير إلى العراق من الجزيرة لأنه كان عامله عليها، وكتب إليه بمثل ما أوصى به ابنه عبد الله، وقوم يزعمون أن محمداً كان حاضراً فأوصاه مشافهة، والأول أثبت
قالوا: فلما قدم عبد الله ومحمد على الحجاج، وقد أوصيا بما أوصيا به، اشتد ذلك على الحجاج فكتب إلى عبد الملك: والله لئن أعطيت أهل العراق ما يحبون من نزعي، وعرفوا أنك تحب مداراتهم لم يلبثوا إلا قليلاً حتى يخالفوك ويسيروا إليك، ألم تسمع بوثوب أهل الكوفة على عثمان، فلما سألهم عما يريدون قالوا: نزع سعيد بن العاص، فلما نزعه لم تتم لهم السنة حتى ساروا إليه فقتلوه، وإن بعض الشدة أبلغ في السياسة وأحزم في الرأي فإن الحديد بالحديد يفلح، خار الله لك فيما ارتأيت.
وأبى عبد الله إلا عرض هذه الخلال على أهل العراق طلباً للعافية، فخرج عبد الله ومحمد حتى وقفا على عسكر أهل العراق فقال لهم: أنا عبد الله ابن أمير المؤمنين، وهذا عمي محمد بن مروان، وإن أمير المؤمنين يعطيكم كذا وكذا، وأدى رسالة أبيه، فقالوا: ترجع العشية لنعرفك رأينا.
ثم اجتمعوا إلى عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث، فقال لهم: إنكم قد أعطيتم ما سمعتم فاقبلوا ما عرض عليكم وأنتم أعزاء أقوياء، إن كانوا قد نالوا منكم يوم الزاوية قبلا فقد نلتم منهم يوم تستر مثله، وهذه فرصة لكم فانتهزوها.
فوثب الناس من كل جانب فقالوا: إن الله قد أهلكهم فأصبحوا في الأزل والضنك والمجاعة والقلة والذلة، ونحن ذوي العدد الكثير والمادة القريبة، لا والله لا نقبل، وأعادوا حلفاً ثانياً.
وكان إجماعهم على خلع عبد الملك بدير الجماجم أكثر من اجتماعهم على خلعه قبل ذلك، فرجع عبد الله ومحمد إلى الحجاج فقالا: شأنك بعسكرك وجندك فاعمل برأيك فإنا قد أمرنا أن نسمع ونطيع لك، فكانا يسلمان عليه بالإمرة ويسلم عليهما بالإمرة أيضاً، وخلياه والحرب، فعبأ جنده، وعبأ ابن الأشعث جنده فجعل على خيله عبد الرحمن بن العباس الهاشمي، وعلى القراء جبلة بن زحر الجعفي، وكان في القراء عامر الشعبي وسعيد بن جبير مولى بني أسد وقوم يقولون أنه مولى سعيد بن العاص وذلك باطل.
وكان الحجاج وجهه على نفقات جيش الطواويس، فصار مع ابن الأشعث بعد، وأبو البختري الطائي واسمه سعيد بن فيروز مولى بني نبهان.وقال الهيثم بن عدي: اسمه سعيد بن جبير، وقال علي بن المديني: اسمه سعيد بن عمران.
وعبد الرحمن بن أبي ليلى الأنصاري، ومسلم بن يسار مولى طلحة بن عبيد الله من بني تيم من قريش، وعبد الله بن غالب الجهضمي من الأزد، وعقبة بن وساج البرساني من الأزد، وأبو صالح ماهان الحنفي، ومحمد بن سعد بن أبي وقاص،
 
فجعلوا يتزاحفون فمرة ينتصفون ومرة يكون لهؤلاء ومرة لهؤلاء، وكان أهل العراق في خصب وأهل الشام في غلاء من السعر وضر، وكان ابن الأشعث قد بعث عبد الله بن إسحاق بن الأشعث، لحشر الناس من الكوفة، فأخرج جعفر بن عمرو بن حريث، وبعض آل أبي معيط إلى عسكر ابن الأشعث، وأمر كميل بن زياد أن يحرض الناس فأخرج وهو شيخ كبير فحمل حتى أقعد على المنبر دون عبد الله بن إسحاق بدرجتين فخطب خطبة طويلة يقول فيها: إنكم قد غلبتم على فيئكم وبلادكم، ولقد فتح الله عليكم الموصل وأداني الجزيرة وجميع آذربيجان وأرمينية ثم انتزعها منكم معاوية، فجعل عليكم غزوها وجعل لأهل الشام خراجها، إنه والله لا ينفي عنكم الظلم والعدوان إلا التناصح والتأسي، واجتماع الكلمة، وصلاح ذات البين، والصبر على الطعان بالرماح والضرب بالسيوف، إنكم يا أهل العراق منيتم بشر أهل بيتين في العرب: بآل الحكم بن أبي العاص بن أمية وآل أبي عقيل، فتباذلوا وتناصحوا وتواسوا بالأنفس والأبدان.
قالوا: ولم تكن كتيبة أشد على أصحاب الحجاج من كتيبة القراء، لأنهم كانوا يحملون فلا يكذبون، ويحمل عليهم فلا يبرحون.
ثم إن الفريقين تعبوا فعبأ الحجاج لكتيبة القراء ثلاث كتائب وبعث عليها الجراح بن عبد الله الحكمي، فحمل أهل الشام عليهم ثلاث حملات، ثم قال ابن أبي ليلى: إن الفرار قبيح، وليس هو بأحد من الناس أقبح به منكم فإني سمعت علياً رفع الله درجته في الصالحين وأثابه أحسن ثواب الشهداء الصديقين يقول: من أنكر منكراً بقلبه فقد برىء منه، ومن أنكره بلسانه أجر، ومن أنكره بالسيف فقد أصاب سبيل الهدى، ونور قلبه باليقين، قاتلوا هؤلاء المحلين المبتدعين الذين جهلوا الحق فليس يعرفونه، وعملوا بالعدوان فليس ينكرونه.
وقال أبو البختري الطائي: قاتلوهم فوالله لئن ظهروا عليكم ليفسدن دينكم وليغلبنكم على دنياكم.
وقال الشعبي: قاتلوهم فوالله ما أعلم أحداً على بسيط الأرض أجور منهم في حكم، ولا إغلاء في ظلم لا تركاً ولا ديلماً.
وقال سعيد بن جبير: قاتلوهم بنية ويقين ولا تتأثموا في قتالهم، فعلي كل إثم يدخل عليكم في ذلك، قاتلوهم على جورهم في الحكم وتجبرهم في الدين واستذلالهم الضعفاء، وإماتتهم الصلاة.

قال: ثم تهيأوا للحملة، فقال جبلة بن زحر: احملوا حملة صادقة. فحملوا فضربوا الكتائب الثلاث حتى أزالوهم، فوجد جبلة بن زحر صريعاً لا يدرى من قتله فهدهم ذلك، فقال أبو البختري: إنما كان بن زحر رجلاً منكم فاعتصموا بالصبر وارجعوا إلى الله في الأمر. ويقال إن الحارث بن جعونة العامري طعن جبلة فقتله.
وحمل الحجاج رأس جبلة على رمحين وقال: ما كانت فتنة قط فخبت حتى يقتل فيها رجل من أهل اليمن، وقتلت جماعة من القراء.
وقال ابن الكلبي عن أبي مخنف وعوانة: كان قتالهم بالدير مائة يوم، ثم اقتتلوا فهزموا، وضعف أمر ابن الأشعث، وقتل أبو عيسى عبد الرحمن بن أبي ليلى، ويقال إنه قتل يوم دجيل الأهواز، وأبو البختري وابن شداد بن الهاد، ويقال يوم دجيل أيضاً، ويقال إن أبا البختري قتل يوم دجيل أيضاً.
قالوا: وكان بسطام بن مصقلة بن ميسرة الشيباني بالري فلما بلغه خلع الناس وابن الأشعث، قام ابن مصقلة خطيباً فقال: إن عبد الرحمن بن الأشعث قد خلع الحجاج وعبد الملك وأخرج الحجاج من العراق فانصرفوا إلى نسائكم وأولادكم، فتصدع الناس وتركوا قتيبة، ووثبت ربيعة إلى بسطام، وصار أهل اليمن إلى جعفر بن عبد الرحمن بن مخنف فبقي قتيبة ليس معه أحد، وخاف أن يحارب فلما انصرفوا عنه وتركوه ولم يقاتلوه سر بذلك.
وأقبل بسطام مسرعاً حتى أتى عبد الرحمن بن محمد بالجماجم، فيقال إن قتيبة استخلف على عمله وسار يستقري الجبال ويسكن الناس والدهاقين حتى صار إلى عكبرا، وكتب إلى الحجاج يعرفه خبره فكتب إليه؛ قد وفيت وسمعت وأطعت ونصحت فأقبل إلي، فصار إليه، ثم رده لما كثرت عنده الأمداد.
ويقال: إنه لم يبرح من الري، وكان بسطام بدير الجماجم على ربيعة، فاقتتلوا فحمل حتى دخل عسكر الحجاج فسبى نحواً من ثلاثين امرأة من بين أمة وسرية، فلما دنا من عسكر ابن الأشعث خلاهن، فقال الحجاج: أولى له، أما والله لو لم يفعلها لسبيت غداً نساءهم إذا ظهرت عليهم.
وكان أبو البختري وسعيد بن جبير يقولان: "وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن اللّه كتاباً مؤجلاً ومن يرد ثواب الدنيا نؤته منها ومن يرد ثواب الآخرة نؤتة منها وسنجري الشاكرين" ثم يحملان.
حدثني يوسف بن موسى، ثنا جرير بن عبد الحميد عن معين عن البزيغ بن جبلة وخالد الضبي قال:
سمعت الحجاج خطب على المنبر فقال: أخليفة أحدكم في أهله أكرم عليه أم رسوله في حاجته ? فقال: قلت: علي لله ألا أصلي خلفك أبداً، وإن رأيت قوماً يجاهدونك أن أجاهدك. فخرج في الجماجم فقتل.

وقال أبو المخارق الراسبي: قاتلناهم مائة يوم أعدها، نزلنا دير الجماجم مع ابن الأشعث غداة يوم الثلاثاء في شهر ربيع الأول سنة ثلاث وثمانين، وهزمنا يوم الأربعاء لأربع عشرة مضت من جمادى الآخرة عند ارتفاع الضحى، وما كنا قط عليهم أجرأ منا في ذلك اليوم، خرجوا إلينا فاقتتلنا قتالاً شديداً ونحن للهزيمة آمنون، وعليهم ظاهرون، ثم خرج علينا سفيان بن الأبرد الكلبي من قبل ميمنة أصحابه، فانحط على ميسرتنا وفيها الأبرد بن قرة التميمي فانكشف، فظن الناس أنه كوتب واستميل لأن الفرار لم يكن من عادته فتقوضت الصفوف لفعله، وركب الناس رؤوسهم به وصعد عبد الرحمن بن محمد منبره وجعل ينادي: عباد الله، أنا عبد الرحمن بن محمد. وجاءه قوم فأحاطوا به فيهم بسطام بن مصقلة وهو فارس الناس، وأتاه عبد الله بن يزيد بن المغفل أخو امرأته فقال له: انزل فإن الناس قد ذهبوا، وإن أهل الشام قد كثروا، وأنا أخاف إن لم تنزل أن تؤسر، ولعلك إن انصرفت عنهم أن تجمع لهم جمعاً يهلكهم الله به.

وقال الحجاج حين انهزموا: لا تتبعوهم، فنزل ابن الأشعث فخلى أهل العراق والعسكر ومضى مع بني جعدة حتى جاؤوا به قرية بني جعدة بالفلوجة، فعبروا وانتهى إليهم بسطام بن مصقلة فقال: أفيكم ابن محمد ? أفيكم الأمير ? فلم يكلموه، فأتى أهله فأوصاهم ثم خرج من الكوفة فأتى المدائن ثم أتى مأمنه.

واستقبل مطر بن ناجية الناس فحمل على أصحاب الحجاج في خيل لبني حنظلة فخرقهم حتى جازهم، ثم حمل عليهم راجعاً فقال الحجاج: دعوهم لا تتبعوهم.

ثم إن الناس مضوا منهزمين، وجال أصحاب الخيل في متونها، واسودت الأرض من الرجالة، وتنحى عبد الرحمن بن عباس بن ربيعة في ناس، ناس كثير فقاتلوا معه قتالاً شديداً بعدما ذهب أكثر الناس، وشغل الحجاج وأهل الشام عن الناس حين انهزموا وكثرت عليهم الأسراء فقتل بعضهم وعفا عن بعض كراهة أن يفنيهم، وقال من لثغورهم إذا ذهبوا ? وأمر الحجاج فنودي: إن من رجع فهو آمن، ومضى حتى نزل دير النساء، وكان على الكوفة من قبل عبد الرحمن بن محمد: عبد الله بن اسحاق بن الأشعث فهرب حتى لحق بعبد الرحمن بن محمد، ومضى عبد الرحمن إلى المدائن، ثم أتى مسكن الأهواز وهي بقرب تستر، واجتمعت إليه فلوله من أهل الكوفة وغيرهم وتلاوموا في الفرار.

وقال الهيثم بن عدي وغيره: أتى ابن الأشعث بعد الجماجم الكوفة فحمل ولده ونساءه وماله، ثم أتى المدائن فزحف إليه الحجاج فمضى نحو البصرة فقاتله الحجاج بفج دجيل.
*زهير
5 - مارس - 2009
مقتل بسطام وهدم قنطرة مسكن    كن أول من يقيّم
 
قال البلاذري:
وقد كان بسطام بن مصقلة لحق به، ثم إن بسطاماً حلق رأسه وقال: حتى متى تكون الحياة، وقاتل وخلق معه تبايعوا على الموت حتى قتلوا جميعاً، فهد ذلك ابن الأشعث.
قالوا: وفصل ابن الأشعث من مسكن فأمر بقنطرة وشاذروان هناك فهدما فلم تصلح القنطرة إلى هذه الغاية.
*زهير
5 - مارس - 2009
 4  5  6  7  8