يوم الزاوية كن أول من يقيّم
قالوا: ودعا ابن الأشعث بعباد بن الحصين وقد كبر وفلج فقال: أشر علي الرأي فقال:
يا ليتني فيها جذع | | أخب فيها وأضع | أرى أن تخندق على المربد وما يليه، ثم تدعهم حتى يخرجوا من معسكرهم بالزاوية فيأتوك معيين كالين، ويخرج الناس إليهم نشاطى جامين، فقال عبد الله بن عامر بن مسمع، وكان قد صار إليه وكان قبل قدومه على شرطة البصرة، وبشر بن محمد بن الجارود وعبد الحميد بن منذر بن الجارود: أنخندق على تميم ونترك دورنا ودور الأزد. فخندق ناس من الناس على ما يليهم، وخندق ابن الأشعث، ولم يبلغ في الحفر وخندق الحجاج على عسكره، وخرج سورة بن أبجر إلى الحجاج فصار معه. وخرج إلى ابن الأشعث رجل من أهل الشام يقال له نويرة الحميري، وكان شجاعاً، فصار معه. وكان قوم من أصحاب الحجاج يخرجون فيناوشون قوماً من أصحاب ابن الأشعث. ثم إن الحجاج ضم إليه خيله، وجعلت الرجال تأتيه من عند عبد الملك على البريد والإبل والدواب، وكتب كل واحد منهما ترد على صاحبه في كل يوم. وقال الحريش بن هلال السعدي لعبد الرحمن: علام تدع الحجاج يأتيه كل يوم مدد من أهل الشام، عاجله قبل أن يكثر جمعه، فقال ابن الأشعث: إن لله جل وعز قد جمع كلمتكم، وأعز دعوتكم فاخرجوا إليهم فجاهدوهم على اسم الله عز وجل، فخرج وخرج الناس، فجعل على الميمنة عبد الرحمن بن عوسجة الهمداني وعلى الميسرة الحريش بن هلال السعدي وعلى مجففته طفيل بن عامر بن واثلة وتيحان البكري ثم التميمي، وعلى الرجالة زياد بن مقاتل بن مسمع. وخرج الحجاج إليهم وعلى ميمنته سفيان بن الأبرد الكلبي وعلى ميسرته أيوب بن الحكم بن أبي عقيل الثقفي، فقال الحجاج لأصحابه: يا أهل الشام إنكم على الحق، فاصبروا صبر المحق، فإن الله عز وجل مع الحق، والناكث المبطل أولى بالفرار. ثم إنهم اقتتلوا قتالاً شديداً، فجعل الشاميون يقولون للحجاج: لو صبرت حتى يجيء مدد أمير المؤمنين، فيقول: لو كنت مبطلاً انصرفت، وجعل العراقيون يدخلون عسكر الحجاج حتى بلغوا بيت ماله وسجنه، وانهرم عنه أهل بيته ثم رجعوا إليه. وجاء مولى لقيس بن الهيثم السلمي يقال له توبة إلى الحجاج وهو يظنه ابن الأشعث لكثرة من رأى في عسكره من العراقيين. فقال: أقر الله عينك أيها الأمير، الحمد لله الذي أخزى الحجاج، فقال الحجاج: اقتلوه لعنه الله فقتل. ثم إن الحجاج جثا على ركبتيه، وثاب أصحابه إليه، وحمل سفيان على الناس فهزمهم، فقال: زباد بن عمرو العتكي للحجاج: قد هزموا والحمد لله على عونه، وكان معه. وقتل في المعركة يوم الزاوية على ما ذكر هشام ابن الكلبي: عياش بن الأسود بن عوف الزهري، ويقال بل أسر بهراة من خراسان وأتي به الحجاج فقتله وقتل محمد بن الأسود أخوه، وقتل عقبة بن عبد الغافر الأزدي، وقتل عبد الرحمن بن عوسجة أبو سفيان، وقتل عبد الله بن عامر بن مسمع، وقد كان على شرط الحجاج بعد زياد بن عمرو، حين غضب على زياد، فلما أتي الحجاج برأسه قال: والله ما كنت أرى هذا فارقني، وقتل الطفيل بن عامر بن واثلة الكناني، وكان قد قال: ألا أبـلغ الحجاج أن قد iiأظله | | عذاب بأيدي المؤمنين مصيب | فمر به الحجاج، وهو في القتلى، وقد كان بلغه شعره، فقال: تمنيت لنا أمراً كان في العلم أنك أولى به، فعجل الله عز وجل ذلك لك في الدنيا، وهو معذبك في الآخرة وكان قتالهم يوم الأحد، وكان البراء بن قبيصة بن أبي عقيل مع الحجاج فانهزم مع من انهزم من أهل بيته، وفارقوه في صدر يوم الأحد فرجعوا إليه جميعاً، إلا البراء فإنه مضى إلى عبد الملك فعاذ به، فقال الحجاج: والله لا آمنته إلا أن أضربه ضربةً بالسيف أخذت ما أخذت، وأبقت ما أبقت، فقال البراء في أبيات: أخـوف بالحجاج يومأ ومن iiيكن | | طـريـدة لـيث بالعراقين يفرق | كـأن فـؤادي بين أظفار iiطائر | | من الخوف في جو السماء iiمحلق | وكـان أمـرءاً قد كنت أعلم iiأنه | | متى ما يعد من نفس الشر يصدق | وصبر آل سعيد بن العاص مع الحجاج، فقال ابن موهب، كاتب الحجاج ومولاه، واسمه عبيد: لعمري لقد فر البرا وابن عمه | | وفـرّت قريش غير آل iiسعيد | يعني مصعب بن عبد الله بن أبي عقيل، وكان عنبسة بن سعيد أيضاً جال جولة، ثم رجع إلى الحجاج من ساعته فلم يفقده. وظفر الحجاج بأهل الزاوية حين فاء الفىء يوم الأحد، وأقبل إلى البصرة فقاتله الناس قتالاً شديداً على أفواه السكك، فقال الحجاج: دعوهم فإنهم منهزمون والآن يتفرقون، وانصرف عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث، واستخلف عبد الرحمن بن العباس بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب وقال له: قاتل بالناس فإن عندهم قتالاً شديداً، ولهم نشاط، فإني منصرف إلى الكوفة وممدك بالرجال ووثب أهل البصرة إلى عبد الرحمن بن العباس فبايعوه على الصبر، فقاتل بهم الحجاج، ثم انصرف. وكانت تلك الفعلة من ابن الأشعث هزيمةً، وكان يقول: إنما انصرفت وفي الناس فضل، وعندهم قتال لأنه بلغني أن مطر بن ناجية الرياحي وثب بالكوفة، فغاظني أن أكون فتحت باباً دخل مطر منه، وأن يكون إنما قدر على الوثوب بي فيكون له صوت معي، فأريد أن ألحقه فأحول بينه وبين إرادته. فأقبل عبد الرحمن نحو الكوفة في ألف من أهلها، وقاتل ابن العباس آخر يوم الأحد، ويوم الاثنين، ويوم الثلاثاء ويوم الأربعاء، وليلة الخميس وهي ليلة الهرير، وصبر أهل البصرة على قتال الحجاج على أفواه السكك، وفقد ابن الأشعث فأمر الحجاج فرفعت راية أمان وناداهم أصحاب الحجاج بأمره: ثكلتكم أمهاتكم علام تقاتلون وقد ترك صاحبكم القتال ومضى، فدخلوا في الأمان وتفرقوا، وخرج ابن العباس ومن معه من أهل الكوفة والأقوياء من أهل البصرة حتى لحق بابن الأشعث وجاء الحجاج حتى دخل البصرة، فنادى مناديه: (يا أهل الشام لا تنزلوا البصرة، ونزل هو دار المهلب فرأى عندها جماعة نسوة، فقال: إن هؤلاء النسوة لجأن الي وخشين أن يدخل عليهن، فليرجعن فنحن أغير عليهن من أزواجهن. وقال حميد الأرقط في ابن عبد الرحمن بن سمرة، وكان أعور، وذلك في أيام الزاوية. يا أعور العين فديت العورا | | لا تحسبن الخندق iiالمحفورا | يـدفع عنك القدر iiالمقدورا | | ودائـرات الدهر أن iiتدورا | وصعد الحجاج المنبر فذكر الله عز وجل بما هو أهله، ثم قال: (إن الله عز وجل لم ينصركم يا أهل الشام على عدوكم، لأنكم أكثر منهم عدداً، وأظهر قوةً، ولقد كانوا أثرى منكم وأقوى وهم في بلادهم، ومادتهم تأتيهم من مصرهم وبيوتهم، فهم يستندون إلى ذلك ويعتصمون به، ولكنكم كنتم أهل الطاعة، وكانوا أهل المعصية، فنصركم الله عز وجل بغير حول منكم ولا قوة فاحمدوا الله عز وجل على نعمه ولا تبغوا ولا تظلموا، وإياكم أن يبلغني أن رجلاً منكم دخل بيت امرأة فلا يكون له عندي عقوبة إلا السيف، أنا الغيور ابن الغيور لا أداهن في الريبة، ولا أصبر على الفاحشة). قالوا: وأصابت الحريش يومئذ جراحة، وكان يقاتل قتالاً شديداً ويقول:
أنـا الـحريش وأبو iiقدامه | | أضرب بالسيف مقيل الهامة | أشجع من ذي لبدٍ iiضرغامه | | .. | وأتى سفوان فمات من جراحته. وقالت حميدة ابنة مقاتل ترثي أخاها زياد بن مقاتل بن مسمع: يا عين جودي ولا iiتفتري | | وبكي رئيس بني iiجحدر | ولما تولت جموع iiالعراق | | وأسلم من كان في العسكر | وحـامى زياد على iiقومه | | وفـر محامي بني iiالعنبر | فسمعها البلتع وكان يبيع سمناً له عند بعض بني العنبر فأتزر بكسائه، وجاء حتى قام عندها وهو يقول: عـلام تـلـومين من لم iiيلم | | تـطـاول لـيلك من iiمقصر | فقد تبطح الخيل تحت العجاج | | غـيـر الـشهيد ولا iiالمعذر | ونـحن منعنا لواء iiالحريش | | وطـاح لـواء بـني iiجحدر | ورجع إلى أصحابه فقال: قد شفيتكم منها. وقال عامر بن واثلة، أبو الطفيل يرثي ابنه: خـلى طفيل على الهم iiفانشعبا | | فـهـد ذلـك ركني هدّةٍ iiعجبا | وابـني سهيمة لا أنساهما iiأبداً | | فيمن نسيت وكل كان لي نصبا | وأخـطأتني المنايا لا iiتطالعني | | حتى كبرت فلم يتركن لي شذبا | في أبيات. وولى الحجاج الحكم بن أيوب البصرة في صفر، واتبع ابن الأشعث، وسلك طرق البر وكان زادا نفروخ بن تيرى مستخفياً بالبصرة، فخرج من دار إلى دار فقتله بعض من رآه من أصحاب ابن الأشعث، فاستكتب الحجاج مكانه ابنه مردانشاه
|