البحث في المجالس موضوعات تعليقات في
البحث المتقدم البحث في لسان العرب إرشادات البحث

مجلس : دوحة الشعر

 موضوع النقاش : دير الجماجم (شعر الفرزدق)    قيّم
التقييم :
( من قبل 1 أعضاء )
 زهير 
3 - مارس - 2009
هذه قصيدة من روائع الفرزدق يذكر فيها مناقب تميم في وقائع دير الجماجم: وهي حرب شهيرة استقر بها الأمر للحجاج بعد انتصاره الساحق على ابن الأشعث، في شعبان من عام 82هـ وكان الفرزدق في الرابعة والأربعين من العمر، وصلنا من القصيدة (71) بيتا، بلا مقدمة ولا خاتمة ؟  ما يدل ان القصيدة أطول مما هي عليه ؟ وسوف آتي على نشر ما يلقي الضوء على هذه القصيدة ومناسبتها والرجالات المذكورين فيها،وقد اضطررت لنشر القصيدة على قسمين بسبب طولها:
لَـبِـئـسَـت  هَـدايا القافِلينَ أَتَيتُمُ بِـهـا أَهلَكُم يا شَرَّ جَيشَينِ iiعُنصُرا
رَجَـعـتُم  عَلَيهِم بِالهَوانِ iiفَأَصبَحوا عَـلـى ظَهرِ عُريانِ السَلائِقِ رَدبَرا
وَقَـد كـانَ شيمَ السَيفُ بَعدَ iiاِستِلالِهِ عَـلَـيـهِم وَناءَ الغَيثُ فيهِم iiفَأَمطَرا
رَدَدتُـم عَـلَينا الخَيلَ وَالتُركَ عِندَكُم تَـحَـدّى  طِـعـاناً بِالأَسِنَّةِ iiأَحمَرا
إِلى مَحِكٍ في الحَربِ يَأبى إِذا iiاِلتَقَت أَسِـنَّـتُـهـا بِـالمَوتِ حَتّى iiيُخَيَّرا
إِذا عَـجَـمَـتهُ الحَربُ يَوماً iiأَمَرَّها عَـلـى  قُتُرٍ مِنها عَنِ اللينِ iiأَعسَرا
وَلَـمّـا  رَأى الـلَهُ الَّذي قَد iiصَنَعتُمُ وَأَنَّ اِبـنَ سَـيبُختَ اِعتَدى iiوَتَجَبَّرا
وَقـارَعـتُمُ  في الحَقِّ مَن كانَ iiأَهلُهُ بِـبـاطِـلِ سَيبُختَ الضَلالِ iiوَذَكَّرا
رَمـاكُـم  بِـمَـيمونِ النَقيبَةِ iiحازِمٍ إِذا لَـم يُـقَـم بِـالـحَـقِّ لِلَّهِ نَكَّرا
أَبِـيَّ الـمُـنـى لَم تَنتَقِض مُرَّةٌ iiبِهِ وَلَـكِـن إِذا مـا أَورَدَ الأَمرَ أَصدَرا
أَخـا غَـمَـراتٍ يَـجعَلَ اللَهُ iiكَعبَهُ هُوَ  الظَفِرُ الأَعلى إِذا البَأسُ iiأَصحَرا
مُـعـانٌ عَـلـى حَقٍّ وَطالِبُ iiبَيعَةٍ لِأَفـضَـلِ  أَحـياءَ العَشيرَةِ iiمَعشَرا
لِآلِ أَبـي الـعـاصي تُراثُ iiمَشورَةٍ لِـسُـلـطـانِهِم  في الحَقِّ أَلّا يُغَيَّرا
عَـجِـبتُ  لِنَوكى مِن نِزارٍ iiوَحينِهِم رَبـيـعَـةَ وَالأَحزابِ مِمَّن iiتَمَضَّرا
وَمِن حَينِ قَحطاني سَجَستانِ أَصبَحوا عَـلـى سَـيِّـئٍ مِن دينِهِم قَد تَغَيَّرا
وَهُـم مـائَـتـا أَلفٍ وَلا عَقلَ iiفيهِمِ وَلا  رَأيَ مِـن ذي حـيلَةٍ لَو iiتَفَكَّرا
يَـسـوقـونَ حَـوّاكاً لِيَستَفتِحوا iiبِهِ عَـلـى  أَولِـيـاءِ اللَهِ مِمَّن iiتَخَيَّرا
عَـلـى  عُصبَةٍ عُثمانُ مِنهُم iiوَمِنهُمُ إِمـامٌ  جَـلا عَـنّـا الظَلامَ iiفَأَسفَرا
خَـلـيـقَةُ  مَروانَ الَّذي اِختارَهُ iiلَنا بِـعِـلـمٍ  عَـلَينا مَن أَماتَ iiوَأَنشَرا
بِـهِ عَـمَـرَ الـلَهُ المَساجِدَ iiوَاِنتَهى عَـنِ  الناسِ شَيطانُ النِفاقِ iiفَأَقصَرا
وَلَـو  زَحَـفـوا بِاِبنَي شَمامٍ iiكِلَيهِما وَبِـالشُمِّ  مِن سَلمى إِلى سَروِ iiحِميَرا
عَـلـى  دينِهِم وَالهِندُ تُزجى iiفُيولُهُم وَبِـالـرومِ  في أَفدانِها رومِ iiقَيصَرا
إِلـى بَـيـعَةِ اللَهِ الَّذي اِختارَ iiعَبدَهُ لَـها اِبنَ أَبي العاصي الإِمامَ المُؤَمَّرا
لَـفَـضَّ الَّـذي أَعطى النُبُوَّةَ كَيدَهُم بِـأَكـيَـدَ مِـمّـا كـايَدوهُ iiوَأَقدَروا
أَتـانـي  بِذي بَهدى أَحاديثُ iiراكِبٍ بِـهـا ضاقَ مِنها صَدرُهُ حينَ iiخَبَّرا
وَقـائِـعُ لِـلـحَجّاجِ تَرمي iiنِساؤُها بِـأَولادِ مـا قَـد كانَ مِنهُنَّ iiمُضمَرا
فَـقُـلتُ  فِدىً أُمّي لَهُ حينَ iiصاوَلَت بِـهِ  الحَربُ نابَي رَأسِها حينَ iiشَمَّرا

يتبع:
 1  2  3  4 
تعليقاتالكاتبتاريخ النشر
قصيدة جرير    كن أول من يقيّم
 
البيتان الواردان في التعليق السابق هما من قصيدة لجرير في 79 بيتا، أولها:
أَلا حَيِّ رَبعَ المَنزِلِ المُتَقادِمِ وَما حَلَّ مُذ حَلَّت بِهِ أُمُّ سالِمِ
وفيها قوله يعير الفرزدق:
ألـم تشهد الجونين والشِّعب iiوالصفا وكـراتِ قـيـس يوم دَيرِ iiالجماجمِ
تـحرّضُ  يا بنَ القين قيساً iiليجعلوا لـقـومـك يـوماً مثل يوم iiالأراقمِ
بـسـيف أبي رغوان سيف iiمجاشعٍ ضربتَ ولم تضرب بسيف ابن ظالمِ
ضـربـت  به عند الإمام iiفأُرعشتْ يـداك وقـالـوا مُحدثٌ غيرُ صارمِ

 
*زهير
3 - مارس - 2009
سفيان بن الأبرد الكلبي    كن أول من يقيّم
 
قال أبو الفرج في (الديارات) في مادة (لدير الجماجم): وفي هذا الدير يقول الضحاك اليربوعي:
وإن يهلك الحجاج فالمصر مصرنا وإلا  فـمـثـوانـا بدير الجماجمِ
وإن تـخرجوا سفيان تخرج iiإليكم أبـا حازم في الخيل شعث iiالمقادمِ
وإن  تبرزوا للحرب تبرز iiسراتنا مصاليت  شوساً بالسيف iiالصوارمِ
سفيان هذا: هو ابن الأبرد الكلبي، وكان من فرسان الحجاج.
*زهير
3 - مارس - 2009
الشريف الرضي يتمثل موقف ابن الأشعث    كن أول من يقيّم
 
وقال الشريف الرضي من قصيدة في 88 بيتا:
إِذا لَـم يَـكُـن إِلّا الـحِـمـامُ iiفَإِنَّني سَـأُكـرِمُ  سَـمـعي عَن مَقالِ اللَوائِمِ
وَأَلـبَـسُـهـا حَـمراءَ تَضفو iiذُيولُها مِـنَ الـدَمِ بُـعـداً عَن لِباسِ iiالمَلاوِمِ
فَـمِن قَبلِ ما اِختارَ اِبنُ الاَشعَثِ iiعَيشَهُ عَـلـى شَـرَفٍ بـاقٍ رَفـيعِ الدَعائِمِ
فَـطـارَ  ذَمـيـمـاً قَـد تَقَلَّدَ iiعارَها بِـشَـرِّ  جَـنـاحٍ يَـومَ دَيرِ iiالجَماجِمِ
وَجـاءَهُـمُ يَـجـري الـبَريدُ iiبِرَأسِهِ وَلَـم يُـغـنِ إيـغـالٌ بِهِ في iiالهَزائِمِ
وَقَد حاصَ مِن خَوفِ الرَدى كُلَّ حيصَةٍ فَـلَـم يَـنـجُ وَالأَقـدارُ ضَربَةُ iiلازِمِ
*زهير
3 - مارس - 2009
قصة دير الجماجم كاملة كما رواها ابن قتيبة    كن أول من يقيّم
 
من أطول الأخبار في التاريخ رواية ابن قتيبة لقصة (دير الجماجم) في كتابه المشكوك به (الإمامة والسياسة) وهو منشور في الوراق، وسوف أعيد نشر روايته هنا على طولها تباعا في بطاقات، إذ لا يمكن نشرها في تعليق واحد حسب شروط النشر في الوراق، قال:
(ذكروا أن الحجاج لما قدم العراق أميراً، زوّج ابنه محمداً ميمونة بنت محمد بن الأشعث بن قيس الكندي، رغبة في شرفها، مع ما كانت عليه من جمالها، وفضلها في جميع حالاتها، وأراد من ذلك، استمالة جميع أهلها وقومها إلى مصافاته، ليكونوا له يداً على من ناوأه، وكان لها أخ يقال له عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث الكنديّ، له أبهة في نفسه. وكان جميلاً بهياً منطقياً، مع ما كان له من التقدم والشرف، فازدهاه ذلك وملأه كبراً وفخراً وتطاولاً، فألزمه بنفسه، وألحقه بأفاضل أصحابه وخاصته وأهل سرّه، وأجرى عليه العطايا الواسعة، صلة لصهره، وحباً لإتمام الصنيعة إليه، وإلى جميع أهله. فأقام عبدالرحمن كذلك حيناً مع الحجاج، لا يزيده الحجاج إلا إكراماً، ولا يظهر له إلا قبولاً، وفي نفس الحجاج من عجبه ما فيها، لتشمخه زاهياً بأنفه حتى إنه كان ليقول إذا رآه مقبلاً:
أما والله يا عبد الرحمن، إنك لتقبل عليّ بوجه فاجر، وتدبر عني بقفا غادر، وأيم الله لتبتلينّ حقيقة أمرك على ذلك. فمكث بهذا القول منه دهراً، حتى إذا عيل صبر  الحجاج على ما يتطلع من عبد الرحمن، أراد أن يبتلي حقيقة ما يتفرس فيه من الغدر والفجور، وأن يبدي منه ما يكتم من غائلته، فكتب إليه عهده على سجستان. فلما بلغ ذلك أهل بيت عبد الرحمن، فزعوا من ذلك فزعاً شديداً، فأتوا الحجاج، فقالوا له: أصلح الله الأمير، إنا أعلم به منك، فإنك به غير عالم، ولقد أدّبته بكل أدب، فأبى أن ينتهي عن عجبه بنفسه، ونحن - نتخوف أن يفتق فتقاً، أو يحدث حدثاً، يصيبنا فيه منك ما يسؤونا. فقال الحجاج: القول كما قلتم، والرأي كالذي رأيتم، ولقد استعملته على بصيرة، فإن يستقم فلنفسه نظر، وإن يفترج سبيله عن بصائر الحق يهد إليها إن شاء الله. فلما توجه عبد الرحمن إلى عمله، توجه وهو مصرّ لخلعان طاعة الحجاج، وصار بذلك مسيره أجمع حتى نزل مدينة سجستان، ثم مر على خلعانه عام كامل ..... يتبع 
 
*زهير
4 - مارس - 2009
كتاب عبد الرحمن إلى الحجاج    كن أول من يقيّم
 
فلما أجمع عبد الرحمن على إظهار خلعان الحجاج، كتب إلى أيوب بن القرية التميمي، وهو مع الحجاج في عسكره، خاص المنزلة منه، وكان مفوهاً كليماً يسأله أن يصدر إليه رسالة الحجاج، يخلع فيها طاعة الحجاج، فكتب له ابن القرية رسالة فيها:
بسم الله الرحمن الرحيم، من عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث، إلى الحجاج بن يوسف: سلام على أهل طاعة الله، أوليائه الذين يحكمون بعدله، ويوفون بعهده، ويجاهدون في سبيله، ويتورعون لذكره، ولا يسفكون دماً حراماً، ولا يعطلون للرب أحكاماً، ولا يدرسون له أعلاماً، ولا يتنكبون النهج، ولا يبرمون السيّ، ولا يسارعون في الغي، ولا يدللون الفجرة، ولا يترضون الجوَرة، بل يتمكنون عند الاشتباه، ويتراجعون عند الإساءة. أما بعد: فإني أحمد إليك الله حمداً بالغاً في رضاه، منتهياً إلى الحق في الأمور الحقيقية لله علينا. وبعد: فإن الله أنهضني لمصاولتك، وبعثني لمناضلتك، حين تحيرت أمورك، وتهتكت ستورك، فأصبحت عريان حيران، مبهّتاً لا توافق وفقاً، ولا ترافق رفقاً. ولا تلازم صدقاً، أؤمل من الله الذي ألهمني ذلك، أن يصيرك في حبالك، أو أن يجيء بك في القرَن، ويسحبك للذقن وينصف منك من لم تنصفه من نفسك، ويكون هلاكك بيدي من اتهمته وعاديته. فلعمري لقد طال ما تطاولت، وتمكنت وأخطيت، وخلت أن لن تبور، وأنت في فلك الملك تدور، وأظنٌ مصداق ما أقول ستخبرَه عن قريب فسر لأمرك، ولاقِ عصابة خلعتك من حبالها خلعها نعالها. وتدرّعت جلالها، تجرعها مطالها، لا يحذرون منك جهداً، ولا يرهبون منك وعيداً، يتأملون خزايتك، ويتجرعون إمارتك، عطاشاً إلى دمك، يستطعمون الله لحمك، وأيم الله لينافقنك منهم الأبطال، الذين بيتهم فيما يحاولونك به على طاعة الله، شروا أنفسهم تقرباً إلى الله، فأغض عن ذلك بابن أم الحجاج. فسنحمل عليك إن شاء الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله، والسلام على أهل طاعة الله).... يتبع
*زهير
4 - مارس - 2009
رد الحجاج    كن أول من يقيّم
 
فلما قدم الكتاب على الحجاج، خرج موائلاً قد أخذ بطرف ردائه، وألقى الطرف الآخر يجره من خلفه حتى صعد المنبر ونودي: الصلاة جامعة، فاجتمع الناس ثم قال:
نـقـاتلهم ولم نشتم iiعدواً وشر عداوة المرء السباب
امرؤ وعظ نفسه بنفسه، امرؤ تعاهد غفلة نفسه وتفقدها جهده، امرؤ وعظ بغيره
فاتعظ، قد تبين لكم ما تأتون وما تبغون، العجب العجب، وما هو أعجب من العير الأبتر، إني وجهته ومن معه من المنافقين لسبع مئة وزن سبعة سواء، فانطلقوا في نحور العدو، ثم أقبلوا على راياتهم لقتال أهل الإسلام، من أجل عير أبتر، ومن كيده ما هو أعجب العجب، على حين أننا قد أمّنا الخوارج، وأطفأنا الفتن، فكان من شكركم يا أهل العراق ليد الله فيكم، ونعمته عليكم، وإحسانه إليكم، جرأتكم على الله، وانتهاككم حرمته، واغتراركم بنعمة الله، ألم يأتكم شبيب مهزوماً ذليلاً، فهلا توجهت إليه منكم خمسة وعشرون أمير جيش، ليس منهم من أمير جيش إلا وهو في جنده بمنزلة العروس التي يزف بها إلى خدرها، فيقتل أميرهم وهم وقوف ينظرون إليه، لا يرون له حرمة في صحبة، ولا ذماماً في طاعة، فقبحت تلك الوجوه! فما هذا الذي يتخوف منكم يا أهل العراق، أما هذا الذي نتقي؟ والله لقد أكرمنا الله بهوانكم وأهانكم بكرامتنا، في مواطن شتى تعرفونها، وتعرفون أشياء حرَمكم الله اتخاذها، وما الله بظلام للعبيد. ثم خذلانكم لهذه المعلوجاء المقصصة انحرافاً، أولى لهذه المعلوجاء وأخلاطها من أهل العراق! لقد هممت أن أترك بكل سكك منها جيفاً منتفخين، شائلة أرجلهم، تنهشهم الطير من كل جانب.
يا أهل الشام: أحدّوا قلوبكم، وأحدوا سيوفكم، ثم قال:
قـد جد أشياعكم فجدّوا والقوس فيها وتَرٌ iiعردّ
مثل ذراع البكر أو أشدّ
هيهات: ترك الخداع من أجرى من المئة، ومن لم يذد عن حوضه يهدم، وأرى الحزام قد بلغ الطبيين، والتقت حلقتا البطان، ليس سلامان كعهدين، أنا بن العرقية. وابن الشيخ الأعز، كذبتم وربّ الكعبة، ما الرأي كما رأيتم، ولا الحديث كما حدثتم، فافطنوا لعيوبكم وإياكم أن أكون أنا وأنتم كما قال القائل:
إنـك  إن كلفتني ما لم iiأطقْ ساءك ما سرّك مني من خُلُقْ
والمخبر بالعمل ليس كالراجم بالظنون، فالتقدّم قبل التندّم، وأخو المرء نصيحته ثم قال:
لذي الحلم قبل اليوم ما تفرَع العصا ومـا  عُـلّـم الإنـسانُ إلا iiليعلما
ثم قال: احمدوا ربكم، وصلوا على نبيكم صلى الله عليه وسلم، ثم نزل وقال:
اكتب يا نافع، وكان نافع مولاه وكاتباً يكتب بين يديه:
 بسم الله الرحمن الرحيم،
من الحجاج بن يوسف إلى عبد الرحمن بن الأشعث، سلام على أهل النزوع من التزييغ وأسباب الرداء، لا إلى معادن السيّ، والتقحم في الغي، فإني أحمد الله الذي خلاك في حيرتك، إذ بهتك في السيرة، ووهلك للضرورة حق أقحمك أموراً أخرجت بها عن طاعته، وجانبت ولايته، وعسكرت بها في الكفر، وذهلت بها عن الشكر، فلا تشكر في السراء، ولا تصبر في الضراء أقبلت مستنا بحريم الحرّة، وتستوقد الفتنة لتصلى بحرّها، وجلبت لغيرك ضرها، وقلت وثاق الاحتجاج، ومبارزة الحجاج، ألا بل لأمك الهبل، وعزة ربك لتكبن لنحرك. ولتقلبن لظهرك، ولتتخبطن فريصتك، ولتدحضن حجتك ولتذمن مقامك، ولتشتغلن سهامك، كأني بك تصير إلى غير مقبول منك. إلا السيف هوجاً هوجاً، عند كشوف الحرب عن ساقها، ومبارزة أبطالها، والسلام على من أناب إلى الله وسمع وأجاب.
ثم قال: من هاهنا من فتية بني الأشعث بن قيس؟ قيل: سعيد بن جبير. قال: فأتي به.
قال له: انطلق بهذا الكتاب إلى هذا الطاغية، الذي قد فُتن وفَتن، فاردعه عن قبيح ما
دخل فيه، وعظيم ما أصر عليه من حق الله، وحرمة ما انتهك عدوّ الله، إلى ما في ذلك من سفك الدماء، وإباحة الحريم، وإنفاق الأموال، فإني لولا معرفتي بأنك قد حويت علماً، وأصبت فقهاً، أخاف أن يكون عليك لا لك، لعهدت لك به عهداً تقفل به، ولكن انطلق مرتك هذه قبل الكتاب إليه، واحمله على البريد. فخرج سعيد به متوجهاً، حتى انتهى إليه.
فلما قرأ عبد الرحمن الكتاب، تبينت رعشته جزعاً منه، وهيبة له، وسمع بذلك من كان يتابعه، وهوى كل ذي هوى، وضم سعيد بن جبير فلم يظهره للناس، وكتم الكتاب وجعل يستخلي بابن جبير في الليل فيسمر معه، ويسأله عبد الرحمن الدخول معه فيما رأى هو من خلع الحجاج، فأبى سعيد ذلك عليه، فمكث بذلك شهراً كريتاً. فأسعفه سعيد بن جبير بطلبته، وسارع معه في رغبته، وخلعان طاعة الحجاج .....) يتبع
*زهير
4 - مارس - 2009
الحجاج ومستشاروه    كن أول من يقيّم
 
ثم إن عبد الرحمن، تجهز من سجستان مقبلاً، يقود من يقوده من أهل هواه وأهل رأيه، وخرج الحجاج إليه بمن معه من أجناده من أهل الشام، وبمن معه يومئذ من أهل الطاعة من أهل العراق، حتى لقيه بدير من أديار الأهواز، يسمى بنيسابور، فناصبه للقتال ستة أشهر كريتة، لا له ولا عليه، حتى إذا كان في جوف ليلة من الليالي، خلا الحجاج بعنبسة بن سعيد بن العاص، ويزيد بن أبي مسلم، وعليّ بن منقذ مولاه، وبعبد الرحمن بن زياد مولاه،
وكان يزيد بن أبي مسلم حاجبه على ما وراء بابه
وأما يحيى (1) فوكله بالقيام خلف ظهره، إذا هو نسي أو غفل نخسه بمنخسه، ثم قال: اذكر الله يا حجاج، فيذكر ما بدا له أن يذكر.
وأما عبد الرحمن بن زياد، فكان ذا رأي ومشورة وأدب وفقه ونصيحة.
أما عنبسة، فكان بعيد الهمة، طويل اللسان، بديه الجواب، فاصل الخطاب، موفق الرأي.
فاستشارهم لما طال به وبعبد الرحمن القتال، لا يظفر واحد منهما بصاحبه - ومع عبد الرحمن سعيد بن جبير والشعبي،فكان هذا فقيه أهل الكوفة، وهذا فقيه أهل البصرة - في أن يبيته.
فكره ذلك مواليه، وأشار عنبسة أن يبيته، فقال الحجاج: أصبت، أصاب الله بك الخير، وما الأمر إلا النصيحة، والرأي شعوب، فمخطئ منها أو مصيب، غداً الاثنان، فصوموا ونصوم، واستعينوا الله بالخيرة، ونبيتهم الليلة المقبلة، ليلة الثلاثاء، فسوف أترجل، ويترجل أهل مودتي ونصيحتي، من ولدي وغيرهم. ففعل: وأصبح صائماً، وبيتهم ليلة الثلاثاء وهويقول:
(اللهمّ إن كان الحق لهم فلا تمتنا على الضلالة، وإن كان الحقّ لنا فانصرنا عليهم)
فحمل عليهم والنيران توقد، فأصاب منهم، وأصيب منه، وانهزم بن الأشعث في سواد الليل، وأصاب الحجاج عسكره، وأسر سعيد بن جبير، وأفلت عامر بن سعيد الشعبي مع بن الأشعث.  (... يتبع)
_______
1- يفهم من قوله: فأما يحيى وقوع اضطراب في النص، إذ أغفل ذكر يحيى في المقدمة، ثم أهمل ذكر علي بن منقذ في التعريف ؟؟
*زهير
4 - مارس - 2009
سعيد بن جبير: سفير الحجاج    كن أول من يقيّم
 
فلما أتي الحجاج بسعيد بن جبير، قال له: ويحك يا سعيد أما تستحيي مني؟ ومدك الشيطان في طغيانك، ألا استحيت من المراقب لي ولك، والحافظ علي وعليك؟
فقال: أصلح الله الأمير، وأمتع به، هي بلية وقعت، وعذاب نزل، والقول كما قال الأمير، وكما نسبه به وأضافه إليه، إلا أني أتيت رجلاً قد أزهى وطغى، ولبسته الفتنة، وركب الشيطان كتفيه، ونفث في صدره، وأملى علي لسانه فخفته واتقيته بالذي فعلتُ؟ فإن تعاقب فبذنب، وإن تعف فسجية منك.
فقال له الحجاج: فإنا قد عفونا عنك، وسنردك إليه تارة أخرى.
ثم كتب كتاباً، ووجهه مع سعيد بن جبير إلى عبد الرحمن،
فلما كان سعيد ببعض الطريِق، خرق الكتاب. وقدم عبد الرحمن فأخبره، فنفر عبد الرحمن، وخرج موائلاً إلى أهل البصرة، وقد قدمت عليه كتبهم، يستبطئونه ويستعجلونه حتى قدم عليهم.
وبلغ ذلك الحجاج فسبقه إلى البصرة فدخل الحجاج المسجد متنكباً قوساً، فصعد المنبر، فحمد الله وأثنى عليه، وحرّض الناس على قتال بن الأشعث، وحضهم على طاعة عبد الملك. (يتبع)

*زهير
4 - مارس - 2009
خطبة سلمة المنقري    كن أول من يقيّم
 
وتكلم رجل من أهل البصرة، يقال له سلمة المنقري من بني تميم، وكان رجلاً منطقياً، وله هوى في الخوارج، وكان الحجاج به خابراً. فلما رآه عرف أنه يريد الكلام. قال له: ادن يا سلمة، فدنا. فقال له: قل: رضينا بالله رباً، وبمحمد نبياً، وبالإسلام ديناً، وبالقران إماماً، وبأمير المؤمنين خليفة، وبالحجاج بن يوسف
والياً.
قال: والله لو كنا زمعاً وبني زمع ما رضينا أن نكون تبعاً لهذا الحائك، أمير المؤمنين أعزه الله، وأعز أمره، أقرب قرابة وأوجب حقاً، ونحن ألزم لطاعة الأمير أكرمه الله، من أن نسارع له في معصية أو نبطئ عنه في طاعة.
فأجابه الحجاج فقال: يا سلمة، هذا قول حسن، لا أدخله صدري، ولأردنه في نحرك، حتى نبتلي حقيقته إن شاء الله؛ وكان قوله هذا على المنبر، وقد عسكر بأجناده بالزاوية، والزاوية في طرف من ناحية البصرة في طرف بني تميم. (... يتبع)
*زهير
4 - مارس - 2009
ذكرى ذات النطاقين    كن أول من يقيّم
 
ثم إنه خرج من المسجد، وحشد الناس من كان في الطاعة يومئذ من أهل العراق، وقد كان انهزم لابن الأشعث غيرما مرة، وقتل له ابن الأشعث خلقاً لا تحصى كثرة، قبل هذه المرة، حتى يئس من نفسه وقال: أترون العجوز، ابنة الرجل الصالح كذبتني؟ يعني أسماء بنت أبي بكر الصديق، لئن صدقت أسماء لا أقتل اليوم. وكان الحجاج لما فرغ من قتال عبد الله بن الزبير، بعث إلى أمه أسماء بنت أبي بكر الصديق أن تأتيه، فأبت أن تأتيه. فقال: والله لئن لم تأتني لأبعثن إليها من يجر بقرون رأسها، ويسحبها حتى تصل إليّ، فقيل ذلك لها. فقالت: والله لا أسير إليه حتى يبعث إلي من يجر بقرون رأسي. فأقبل الحجاج حتى وقف عليها، فقال لها: كيف رأيت ما فعل الله تعالى بابنك، عدو الله؟ الشاق لعصا المسلمين، المفني لعباده والمشتت لكلمة أمة نبيه؟
فقالت: رأيته اختار قتالك، فاختار الله ما عنده، إذ كان إكرامه خيراً من إكرامك. ولكن يا حجاج بلغني أنك تنتقصني بنطاقي هذين، أوتدري ما نطاقاي؟ أما النطاق هذا فشددت به سفرة رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم غزوة بدر، وأما النطاق الآخر، فأوثقت به خطام بعيره.
فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما إن لك به نطاقين في الجنة، فانتقص علي بعد هذا أو دع.
ولكن لا إخالك يا حجاج، أبشر فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه
وسلم يقول: "منافق ثقيف يملأ الله به زاوية من زوايا جهنم، يبيد الخلقِ، ويقذف الكعبة بأحجارها، ألا لعنة الله عليه!" فأفحم الحجاج ولم يحر جواباً (... يتبع)
*زهير
4 - مارس - 2009
 1  2  3  4