البحث في المجالس موضوعات تعليقات في
البحث المتقدم البحث في لسان العرب إرشادات البحث

مجلس : دوحة الشعر

 موضوع النقاش : الأحنف العكبري يولد من جديد    قيّم
التقييم :
( من قبل 4 أعضاء )
 زهير 
27 - يناير - 2009
في عام 1999م صدر لأول مرة ديوان الأحنف العكبري (ت 385هـ) بتحقيق الأستاذ سلطان بن سعد السلطان ، ويضم (825) قطعة، في (4998) بيتا مع المكرر،  وكان الظن أن الديوان في عداد الدواوين الضائعة، منذ زمن قديم، وكانت المفاجأة أن نسخته الوحيدة في العالم تحتفظ بها مكتبة الملك فهد الوطنية.
فكيف وصل إليها ؟ وما قصة هذاالاكتشاف المذهل الذي حتم علينا أن نغير من نظرتنا إلى الأحنف، وقدمه لنا بصورة أخرى لم تكن تخطر على بال، وأضاء حقبة مظلمة من تاريخ مدينة عكبرا الراقدة على أطلالها منذ قرون
ويمكن الوصول إلى أطلال مدينة عكبرا وما أبقى منها الدهر على هذا الرابط: 
 
أما الأحنف العكبري فهو أبو الحسن عقيل بن محمد العكبري، النهشلي (1) التميمي  المتوفى عام 385هـ  وقد اشتهر بالأحنف العكبري لحنف قدميه، والحنف  كما قال ابن منظور ( اعوجاج في الرجل وهو ان تقبل إحدى إبهامي رجله على الأخرى) وقال الجوهري في الصحاح: (الأحنف هو الذي يمشي على ظهر قدمه من شقها الذي يلي خنصرها)
قال ابن الجوزي:( روى عنه أبو علي ابن شهاب ديوان شعره). ووصفه الثعالبي بشاعر المكدين وظريفهم. وقال الصاحب ابن عباد: هو فرد (بني ساسان) اليوم بمدينة السلام. وكثير من شعره في وصف القلة والذلة يتفنن في معانيها ويفاخر بهما ذوي المال والجاه).
قرأت في الأسبوع الماضي ديوان الأحنف العكبري وكنت أرى أبا العلاء المعري في كثير من معاني الأحنف ومبتكراته ولا أكون مبالغا لو قلت: (الأحنف العكبري هو المؤسس الحقيقي للمدرسة التي ينتمي إليها أبو العلاء)
وقد رأيت أن في شعره الذي يفيض إنسانية وعذوبة وأدبا رفيعا ما يدعو إلى تحريره من قائمة المكدين (النصابين) وضمه إلى عمالقة الشعر العربي.
ولا نقطع الأمل من العثور على نسخة كاملة لديوانه يوما ما.
وأما هزلياته ومجونه فلا أدري تاريخها، وإلى أي حقبة من حياته تنتمي، لذلك أرى عدم التعرض لها في هذه المختارات. وربما نوهت ببعضها إذا تضمن فائدة تاريخية.
كتبت لأستاذتي ضياء خانم أخبرها عن خيبتي أنني لم أعثر في المجمع عندنا على أي كتاب يتعلق بالأحنف، ثم كتبت لها عن فرحتي أنني عثرت في قوائم الكتب المقتناة حديثا على أول نشرة لديوانه، وهي النشرة التي أصدرها الأستاذ سلطان بن سعد السلطان عام 1420هـ 1999م في (633) صفحة.
يحدثنا الأستاذ سلطان عن مخطوطة الديوان فيقول: وكانت المخطوطة موجودة ضمن مجموعة مكتبة الأستاذ جميل ابو سليمان (رحمه الله تعالى) التي اقتنتها مكتبة الملك فهد الوطنية، وقد جمع الأستاذ جميل مخطوطاته أثناء إقامته في المغرب العربي، ومنها هذا الديوان الذي نجد على ورقته الأولى تعليقا مختصرا باسم صاحب الديوان بخط مغربي، ومع ذلك فنسخة الديوان مشرقية، كتبت في بغداد في 15/ ربيع الأول/ سنة 595هـ بخط النسخ التدويني على ورق مشرقي، لعله من صنع بغداد أيضا ... اما ناسخ الديوان فهو محمد بن علي بن إبراهيم بن محمد الكاتب، ونسخه جيد ومقروء، ويورد بعض اختلافات القراءة في الهامش. وتقع النسخة في (171) ورقة، وقياسها 22 سم × 16 سم، ورقمها (9/ مجموعة أبو سليمان) وجاء في آخرها (قال الحسن بن شهاب بن علي بن شهاب عفا الله عنه: هذا آخر ما وجد من شعر الأحنف العكبري. ووافق فراغ محمد بن علي بن إبراهيم بن محمد الكاتب منه صبيحة الإثنين خامس عشر ربيع الأول من سنة خمس وتسعين وخمسمائة وهو ثالث عشرين من شباط سنة عشر وخمسمائة وألف يونانية ببغداد، والحمد لله دائما وصلى الله على سيدنا محمد والنبي وآله الطاهرين، سهّل الله بعد عسر يسرا
وقد سقطت من أول المخطوطة صفحات ضمت قافية الهمزة ولا نستطيع تحديد عددها، وتلا قافية الباء باقي الحروف خلا حرف الخاء، وفي آخر الديوان اختلطت قافية الميم مع النون. ولا شك ان هناك نصوصا كثيرة ضاعت من شعر الشاعر، ويؤكد هذا وجود بعض القصائد التي حوتها بعض المصادر، ولم ترد في الديوان، ومن ذلك ما ورد في تاريخ بغداد 12/ 301 ويتيمة الدهر (3/ 114) وستأتي في ملحق خاص) وكذلك ورد في الديوان بعض النصوص المتكررة، فيأتي نص من ثلاثة أبيات ثم يأتي النص نفسه وقد زاد على ستة ابيات، فهذا دليل آخر على فقدان جزء من قصائده وأبياته، وربما كان لاعتماد جامع الديوان على الرواية الشفوية دور في ذلك.. وورد في الديوان أن أبا الفرج التميمي كان يدون شعر الأحنف، وكذلك راوي ديوانه الحسن بن شهاب، وكل هذا يوضح لنا مدى اهتمام العلماء والأدباء بشعره وقت حياته
قال: (وظل ديوان الأحنف مجهولا تاريخا طويلا، وجاء المؤلفون والباحثون في العصر الحديث، ودرسوا أدب العصر العباسي دراسات كثيرة، ولم يحظ الأحنف العكبري بنصيبه منها، وهم بمنأى عن اللوم، فسبب ذلك أن ما دون ونشر من شعره قليل جدا، لا يتجاوز الأربعين بيتا .. وقد تصفحت فهارس المكتبات في العالم فلم أجد أي إشارة إلى نسخة أخرى، وبحثت في المجاميع الشعرية فلم أعثر على شيء، وواجهت صعوبات شتى في التحقيق إذ الاعتماد على نسخة واحدة يجعل الأمر شاقا وعسيرا، إضافة إلى ما طرأ على النسخة من آفات الكتب، وأسوأها بلل من سائل، لعله حبر، وقع في آخرها، طمس بعض ابياتها وكلماتها، وجاء احد النساخ وحاول التعديل والإصلاح، فلم يوفق في ذلك، فأحدثت تحريفا في تلك الأبيات، ولم يسلم منها إلا القليل، فأثبت رسمها في مواطنها، وأشرت إلى التحريف، ووضعت في نهاية الكتاب صورا من تلك التعديلات من أصل المخطوط ليكون ذلك في متناول القراء. وفي ظني ان إخراج هذا الديوان سيفيد الباحثين، فسوف يضع بين أيديهم شاعرا كبيرا مبدعا وليس في هذا مبالغة او تجاوز، فقد حظي شعراء أقل منه شانا بدراسات مختلفة وبحوث متعددة، وما تجدر الإشارة إليه أنه قد يرد في الديوان ابيات مخلة بالعقيدة وأصناف المجون والسخف ووصف الخمر وشربها، مما لا يرضاه المسلم ولا يقره، ولم أرتض حذفها وطمسها، إذ الأمانة العلمية تقتضي أن أنشر الديوان كما وصل إلينا وفق ما أراده جامعه الحسن بن شهاب رحمه الله، ولأن ما ورد في هذا الكتاب من نصوص تصور لنا الحياة في عصر الشاعر وأوضاع مجتمعه. يقول الشيخ محمد محيي الدين عبد الحميد في مقدمة تحقيقه ليتيمة الدهر: "ولم أشأ أن أحذف شيئا مما في هذا الكتاب من المجون .... لأنا لا نؤلف كتابا نختار فيه ما نشاء وندع ما نشاء، وإنما نحقق نصا قيده صاحبه في زمن كان الناس فيه اشد تحرجا من هذا الزمن الذي نعيش فيه"
ومع ذلك فقد حذفت بعض الكلمات الصريحة في المجون والفسق، وإنا نستغفر الله تعالى من إثبات تلك النصوص وندعو الله تعالى أن يغفر للشاعر ما زل فيه لسانه وما تاه فيه فكره وعقله).
قلت أنا زهير: وقد استوقفني أن ابن النديم (وهو معاصر للأحنف) عد عكبرا في أمصار الخوارج، فقال في (الفن الثامن من المقالة السادسة) تحت عنوان (فقهاء الشراة): (هؤلاء القوم كتبهم مستورة قل ما وقعت لأن العالم تشنأهم وتتبعهم بالمكاره ولهم مصنفون ومؤلفون في الفقه والكلام وهذا المذهب مشهور بمواضع كثيرة منها عمان وسجستان وبلاد أذربيجان ونواحي السن والبوازيج وكرخ جدان وتل عكبراء وحزة وشهرزور فمن فقهائهم المتقدمين. جبير بن غالب .. إلخ)
 
كما استوقفتني في كتاب (طبقات الحنابلة) لابن أبي يعلى قصيدة نادرة، استعار كاتبها أبياتا من قصيدة لابن الرومي، وهو يؤنب فيها عرب طورسينا لمساهمتهم في بناء كنيسة للنصارى في عكبرا، بينما ديوان الأحنف يشهد أن عكبرا كانت في عصره مدينة عامرة باليهود والنصارى، والأديرة والمدارس والحانات ؟
ــــــــــــــــــــــــــــ
1 - رجح المحقق أن الأحنف من قبيلة نهشل التميمية، قال: ولم تذكر المصادر ذلك، وإنما ورد في شعره ما يثبت ذلك فهو يقولك
يا ليتني كنت من أنباط دسكرة       بديرقنَّى ولي صفر الدنانير
ولم أكن نهشليا من بني مضر       وكنت أنسب في أبناء سابور
ويقولك
وبيت من المجد الرفيع سمكتهُ       ثفت لي أثافيه تميم وخندف
ونراه يستنجد ويستغيث بعشائر تميم ليخففوا عنه المعاناة والمشقة، فهم أقرب الناس إليه، وأسرعهم إلى نجدته فيقول:
يا للعشائر من تميم iiانجدوا رجلا أضيم ولم يزل نجدا
وهو شديد الاعتزاز بهذا النسب، يفخر به ويشيد ويقول:
أنا ابن الألى شادوا العلى من عشيرة عـديـدهـمُ في الـنـائـبات كثير
ويكرره في قوله:
وإن لي نسبا في العرب فصّحني بين النبيط و (....).
ويرثي لنفسه إذ عاش بين قوم أعاجم، لا ينتسبون إلى ربيعة ولا مضر فيقول:
لقد دُفعت إلى قوم إذا انتسبوا فلا ربـيعة تؤويهم ولا مضر
 6  7  8  9  10 
تعليقاتالكاتبتاريخ النشر
الأحنف في أيامه الأخيرة    كن أول من يقيّم
 
صروف الليالي صيرتني كما ترى أدبّ  دبـيـبَ السخل ساعة iiيولد
وألـتمس الجدران بالكفّ iiوالعصا وأحـبـو كـما يحبو الوليد iiالمبلد
أؤدي فـروضـي جـالسا iiبمشقة عـليّ  وباب البيت للخير iiموصد
ومن  عاش من بعد الثمانين iiأربعا تمنّى  ورود الموت والموت iiأجود
*زهير
27 - يناير - 2009
اضطهاد العقل    كن أول من يقيّم
 
اعـتـدل  الباطن iiوالظاهر وكـل  شـيء فـلـه iiآخر
يضطهد العقل الصبا والهوى فـيـغـلـباه والهوى iiباهر
يـمـتنع  التمييز في iiجوره ويـصـدأ  المسمع iiوالناظر
لـلـه درّ الشيب من iiواعظ إذا تــلاه أدب iiحـاضـر
*زهير
27 - يناير - 2009
حرام حرام    كن أول من يقيّم
 
أيـعـجـبـني أنّني iiشاعرٌ وقـول الـبـرية ما iiأشعره
فـلو أرهنوني وشعري iiمعي ومـا  في الدفاتر و iiالمحبره
على قوت يوم لردّوا الرهون وأومـوا  إلى فضة iiمحضره
ألا  فـحـرامٌ زمـان الفقير حـرام حـرام فـمـا iiأقذره
إذا كـان عـيش الفتى iiهكذا فـخـيرٌ  من العيشة المقبره
*زهير
27 - يناير - 2009
يتبع...    كن أول من يقيّم
 
سأعمل بإذن الله على نشر ما تبقى من المختارات بعد أيام، آملا أن اكون قد وفقت في ما اخترت هدية لأصدقائي المفجوعين باخبار غزة الغالية، وشكرا لصديقنا الغالي الأستاذ أحمد عزو على كلماته التي رآني فيها بعين المحبة، والشكر موصول لأستاذتي الغالية ضياء خانم التي رافقتني في إعداد هذا الملف منذ أول يوم،  وما توفيقي إلا بالله.
*زهير
27 - يناير - 2009
جهد مشكور     كن أول من يقيّم
 
بارك الله مسعاك أستاذنا زهير، وجلب لك السرور من حيث تعلم ومن حيث لا تعلم، إذ أسهمتَ في إضفاء السعادة على سراة الوراق بالكشف عن هذا الشاعر وديوانه، لقد كان حقا في مطويات الزمن، فأخرجه المحقق الأستاذ سلطان بن سعد السلطان  إلى النور، لكننا لم نعرف عنه إلاّ الآن من خلال إطلالتك به علينا فمرحبا به وبك وبهذا الجهد المبارك  
*عبدالله الحذيفي
28 - يناير - 2009
شكر وعرفان    كن أول من يقيّم
 
عودتنا استاذنا ، على كل جديد نافع  ، والله اسأل أن يثيبك خير الثواب ويجزيك بما تبذل من جهد أحسن الجزاء . لم اكن اعرف قبل عن الأحنف العكبري إلا القليل  ، فشكرا لك وللأستاذ سلطان بن سعد السلطان ، والشكر موصول إلى استاذتنا الكريمة ضياء خانم .
*ياسين الشيخ سليمان
28 - يناير - 2009
لوحة المفاتيح    كن أول من يقيّم
 
كل الشكر لأستاذيّ الكريمين الطيبين الأستاذ عبد الله طاهر الحذيفي، والأستاذ ياسين الشيخ سليمان، على هذا الاستقبال وهذه الحفاوة التي أعتز وأتشرف بهما، وآسف كل الأسف أن لوحة المفاتيح في حاسوبي خانتني هذه المرة، وكنت حريصا كل الحرص على ألا أقع في أغلاط مطبعية، كهذه التي اكتشفتها اليوم، ومعظمها يعود لفساد حرف الفاء في اللوحة، فتظهر (في) هكذا (ي) وسوف أعمل على تصحيح الأغلاط لاحقا، ولكن العمل في المجمع هذه الأيام يستهلك كل وقتي إذ هو موسم الإعداد لمعرض الكتاب. أكرر شكري وامتناني وطاب نهاركم
*زهير
28 - يناير - 2009
عباقرة ومهمشون    كن أول من يقيّم
 
كل التحية لكم جميعاً أساتذتي الكرام : أنا مثلك أستاذ ياسين لم أكن قد سمعت بالأحنف العكبري حتى هذه المناسبة ، ولقد أصابتني الدهشة لدى قراءتي للمجموعة الأولى من شعر الأحنف التي أرسل بها إلي أستاذنا الكبير زهير وتساءلت : هل أنا في مغارة الكنز ؟ وكيف يمكن لشعر بهذا المستوى من الدلالة والفصاحة والنباهة والصدق والحيوية أن يظل مغموراً طوال هذه المدة ودون أن يلتفت إليه أحد ؟
 
ويمشي على الأرض الثقيل كأنما =على ناظري يمشي وليس على الأرض
أراه بعيدا وهو يقبل ماشيا =  فيدخل بعضي حين يقبل في بعض
فإن جاءني قصدا إليّ تعمّدا = وكنت على رفع سقطت إلى خفض
 
كأنه آلة تصوير تعبر بمنتهى المرونة والجزالة والبصيرة النافذة والطرافة النادرة لتصف في الوقت عينه ظاهر المشهد وحركة المشي والفاصلة الزمنية لتلك الحركة التي كانت تقترب منه ، وباطنه مما كان يعتلج في نفسه من المشاعر والتخيلات . ثم يقول في مشهد آخر لا يقل عنه حيوية وطرافة وبراعة في إخراج الصورة والحركة بكل أبعادها : 
 
أصبحت في حلقِ المضيق = بين البكاء إلى الشهيق
لحوادثٍ هجمت عليّ = حملتها جهد المطيق
جيران بيتي ورور = ومغسّل الموتى صديقي
نعم الصديق لأنّه = في ودّه كأخ شقيق
بيتي إذا أبصرته= أبصرت قارعة الطريق
والبربرِيّ مجالسي = وهو الأصمّ عن النهوق
فإذا أردت خطابهُ = ناديته من خرق بوق
أسأله عن خبر العري = س يقول لي خبر السليق
 
وهو في الوقت عينه سجل تاريخي وذاكرة حية للزمن الذي عاش فيه وعالم الفقراء والمكدين الذين صور لنا حياتهم بمختلف جوانبها بكل صدق وواقعية . كما في وصفه مثلاً لغرفته ، أو في وصفه لحياة العميان . وهو مع هذا لم يستغرق في ذلك العالم البائس ، ولم ينجح ذلك العالم في احتوائه بل كان ناقداً له ومكابراً على حياة الذل والفاقة ، وكانت له نظرته الشاملة والعميقة إلى الحياة وحلمه وتطلعه إلى حياة أفضل ، حياة كريمة ، أقل نفاقاً وأكثر عدلاً :
 
أريت في النوم دنيانا مزيّنة = مثل العروس مشت بين المقاصير
قد حليت وهي تبكي في تأوهها = بكل معتقد عن سوء تاثير
تومي إلى كل حرّ أنها طويت = على مكارهه طي الطوامير
فقلت جودي فقالت لي وقد حسرت = إذا تخلّصت من أيدي الخنازير
 
إنه ليس بأقل من أبي العلاء في نقده وتشريحه ، وهذه الأبيات تدل على أنه كان ينظر لأسباب البؤس والشقاء في المجتمع نظرة عميقة ، رغم أنه كان يحيا في عالم المشردين والمنبوذين ، ورغم عاهته الخلقية ، وأنه كان يؤمن بأنه من الممكن تغيير الحال لو تمكنا من تغيير الظروف المحيطة ، وهو سابق لعصره ومعاصريه في قوله هذا . ثم نراه في أبيات أخرى تدل على عميق ثقافته واطلاعه ومعرفته بالمفردات ودلالاتها العلمية ، يبدو أقل تفاؤلاً ، وإنما أكثر تأملاً وفلسفة حين يقول : 
 
سبحان خالقيَ الذي = يحبو بأنواع القسَم
هو مخرجي من ظلمة = مستودع لي في الظلم
حتى إذا ما استكملت =لي علمه وجرى القلم
صوّرت شيخا أحنفا = أمشي على ظهر القدم
أخرجت من عدم الوجود = إلى وجود في عدم
 
كل الشكر لأستاذنا على جهده الرائع في استخراج هذا الكنز وغيره من الكنوز التي يزخر بها تراثنا وأدبنا العربي ، وطرحها هنا ، في مجالس الوراق وعلى صفحاته ، للجمهور الواسع من القراء ، وما هذا إلا غيض من فيض ، وسيكون للحديث بقية بإذن الله .
 
*ضياء
28 - يناير - 2009
عباقرة ومهمشون 2    كن أول من يقيّم
 
كل الشكر لك أستاذتي الغالية على هذه الإضاءات النابضة بوعي التاريخ ومتعة الاكتشاف، والحديث مجددا عن مغارة الكنز، متمنيا أن يحظى هذا الملف بمشاركات أخرى من أدبك الفياض، وسوف أتابع اليوم نشر المختارات، ونصب عيوني سؤالك  (كيف يمكن لشعر بهذا المستوى من الدلالة والفصاحة والنباهة والصدق والحيوية أن يظل مغموراً طوال هذه المدة ودون أن يلتفت إليه أحد ؟) ودعوتك إلى فتح باب المغارة من جديد، وإعادة البحث والتنقيب، فربما كانت هناك ذخائر وخبايا أثمن مما نتوقع.
قبل أيام كنت معك في هذه المغارة لما اكتشفنا ابن الحسام..
قلت لي: هل رأيت هذا من قبل ؟
فقلت: لا ... هذه أول مرة تقع عيني عليه، يقول الصفدي هو من بلاد صفد، من قرية في نواحي النبطية والشقيف، يقال لها: (مجدل سلم) كان إماما من أئمة الشيعة هو ووالده من قبله. وساق في ترجمته مراسلة شعرية بينه وبين ابن فضل الله العمري 
فقلت لي: أجمل ما حكاه الصفدي من وصفه قوله: (وكان يزور الشيخ تقي الدين ابن تيمية، ويحمله في مباحثه على ما عنده من الحمية، ويطير بينهما شررُ تلك النيران، وتمل من وخدهما في قفار الجدل الأزمة والكيران، ولم يزل في تلك الناحية قائماً بنصرة مذاهب الشيعة والاعتزال، دائماً على جذب من يستضعفه من أهل السنة بالاقتطاع والاختزال، إلى أن سكت فما نبس، وبطل من حركاته واحتبس)
وأحلى قصيدة له قوله يصف نمساً أفسد خلايا نحل فعمل له مصيدة من رحى وقعت عليه فاختنق:
ومـقـشـعر الجلد مزورّ iiالحدق لا  يـرهب الليل إذا الليل iiغسق
مـسـتـتر  حتى إذا النجم iiبسق عـدا عـلـى النحل فآذى وفسق
وفـتـح  الأبـواب منها iiوخرق وكـسـر  الأصـنام فيها iiومحق
سـقـّطـتـه بـمستدير كالطبق كـضغطة  القبر إذا القبر iiانطبق
فـمـا استقرت فوقه حتى iiاختنق مـن صخر حوران شديد iiالمتسق
مـن لـج في البحر تغشاه الغرق أو سارع الدهر إلى الحتف اختنق
 
 
*زهير
29 - يناير - 2009
العذر يحسن بالصغار    كن أول من يقيّم
 
يـا  شيخ ما لك iiحجّة في الذنب يتبعه اعتذار
مـا  للشيوخ iiوللذنوب وتـرك  مأثور iiالوقار
أقـلل ذنوبك iiواسترح مـن ذلـة وقبيح iiعار
فالعذر يحسن iiبالصغار ولـيس يحسن iiبالكبار
*زهير
29 - يناير - 2009
 6  7  8  9  10