قضيت هذا المساء في البحث عن تراجم (علي السجاد) وبنيه. وعلي السجاد لقب أطلق أول مرة على (علي بن عبد الله بن العباس) كما قال المبرد، وهو جد خلفاء بني العباس، ووالد ملوك العرب الثمانية، (محمد وسليمان وداود وعبد الله وصالح وعيسى وعبد الصمد وإسماعيل) وسوف أخصص هذا الملف لترجمة علي ومشاهير بنيه، متمنيا من الأخوة الأكارم مشاركتي في إماطة اللثام عن تاريخ هذه الأسرة المجيدة، وأنبه هنا إلى أن ابن حزم قد خص استوعب أخبار علي وبنيه في فصل مستقل من كتابه (جمهرة النسب) وأنقل هنا مقدمة كلامه، قال: ولد عبد الله بن العباس: العباس؛ ومحمد؛ والفضل؛ وعبد الرحمن، لا عقب لواحد منهم؛ وعلي، وهو أصغرهم، وفيه الجمهرة والعدد والبيت والخلافة؛ ولا عقب لعبد الله من غير علي؛ مات علي سنة 117، ومولده سنة 40 من الهجرة؛ وأمه زهرة بنت مشرح الكندية، وسليط، لأم ولد، نفاه عبد الله بن العباس، ثم استلحقه، واتهم أخوه علي بقتله، فجلده الوليد بن عبد الملك لذلك مائة سوط. وادعى أبو مسلم أنه عبد الرحمن بن سليط هذا ابن عبد الله بن العباس، ولا عقب لسليط. فولد علي بن عبد الله بن العباس: محمد، وفيه البيت والعدد والخلافة، أمه العالية بنت عبيد الله بن العباس؛ مات محمد سنة 122،وكان بينه وبين أبيه علي أربع عشرة سنة؛ وسليمان، صاحب البصرة، وفي ولده أيضاً ثروة ورياسة؛ وداود، صاحب الحجاز، وعبد الله، صاحب الشام، أمه لبنى، أم ولد؛ وصالح، صاحب مصر "وكانت في ولده أيضاً ثروة ورياسة، ولي الشام ومصر ولده بها، بحلب ومنبج وسلمية"، شقيق سليمان؛ وعيسى، صاحب فارس، شقيق داود؛ وعبد الصمد، صاحب الجزيرة، وإسماعيل شقيق عبد الصمد، صاحب الكوفة. لكل هؤلاء عقب وأولاد، غير هؤلاء ليس لهم عقب> وأختم هذه المقدمة بترجمة علي في (وفيات الأعيان) قال: (( أبو محمد علي بن عبد الله بن العباس به عبد المطلب بن هاشم الهاشمي، وهو جد السفاح والمنصور الخليفتين؛ كان سيداً شريفاً بليغاً، وهو أصغر ولد أبيه، وكان أجمل قرشي على وجه الأرض وأوسمه وأكثره صلاة، وكان يدعى السجاد لذلك. وكان له خمسمائة أصل زيتون يصلي في كل يوم إلى كل أصل ركعتين، وكان يدعى " ذا الثفنات" هكذا قاله المبرد في " الكامل "، وقال أبو الفرج ابن الجوزي الحافظ: ذو الثفنات هو علي بن الحسين، يعني زين العابدين، وإنما قيل له ذلك لأنه كان يصلي في كل يوم ألف ركعة فصار في ركبتيه مثل ثفن البعير، ذكر ذلك في كتاب " الألقاب". وروي أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، افتقد عبد الله بن العباس، رضي الله عنه في وقت صلاة الظهر، فقال لأصحابه: ما بال أبي العباس لم يحضر الظهر? فقالوا: ولد له مولود، فلما صلى علي، رضي الله عنه قال أمضوا بنا إليه فأتاه فهناه فقال: شكرت الواهب، وبورك لك في الموهوب ما سميته? فقال: أو يجوز لي أن أسميه حتى تسميه? فأمر به فأخرج إليه فأخذه فحنكه ودعا له ثم رده إليه وقال: خذ إليك أبا الأملاك، وقد سميته علياً وكنيته أبا الحسن، فلما قام معاوية خليفة قال لابن عباس: ليس لكم اسمه وكنيته وقد كنيته أبا محمد، فجرت عليه هكذا قاله المبرد في " الكامل ". وقال الحافظ أبو نعيم في كتاب "حلية الأولياء": إنه لما قدم على عبد الملك بن مروان قال له: غير اسمك وكنيتك، فلا صبر لي على اسمك وكنيتك قال: أما الاسم فلا، وأما الكنية فأكتني بأبي محمد، فغير كنيته؛ انتهى كلام أبي نعيم. قلت أنا: وإنما قال له عبد الملك هذه المقالة لبغضه في علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فكره أن يسمع اسمه وكنيته. وذكر الطبري في تاريخه إنه دخل على عبد الملك بن مروان فأكرمه وأجلسه على سريره وسأله عن كنيته فأخبره، فقال: لا يجتمع في عسكري هذا الاسم وهذه الكنية لأحد، وسأله: هل له من ولد? وكان قد ولد له يومئذ محمد بن علي، فأخبره بذلك فكناه أبا محمد. وقال الواقدي: ولد أبو محمد المذكور في الليلة التي ولد فيها علي بن أبي طالب رضي الله عنه والله أعلم بالصواب. وقال المبرد أيضاً: وضرب علي بالسياط مرتين كلتاهما ضربه الوليد بن عبد الملك: إحداهما في تزوجه لبابة ابنة عبد الله بن جعفر بن أبي طالب. وكانت عند عبد الملك فعض تفاحة ثم رمى بها إليها، وكان أبخر فدعت بسكين فقال: ما تصنعين بها? فقالت: أميط عنها الأذى فطلقها فتزوجها علي بن عبد الله المذكور فضربه الوليد وقال: إنما تتزوج بأمهات الخلفاء لتضع منهم، لأن مروان بن الحكم إنما تزوج بأم خالد بن يزيد بن معاوية ليضع منه، فقال علي بن عبد الله إنما أرادت الخروج من هذا البلد وأنا ابن عمها فتزوجتها لأكون لها محرماً. وأما ضربه إياه في المرة الثانية فقد حدث أبو عبد الله محمد بن شجاع في إسناد متصل يقول في أخره رأيت: علي بن عبد الله يوماً مضروباً بالسوط يدار به على بعير ووجهه مما يلي ذنب البعير، وصائح يصيح عليه: هذا علي بن عبد الله الكذاب فأتيته وقلت ما هذا الذي نسبوك فيه إلى الكذب? قال: بلغهم عني أني أقول: إن هذا الأمر سيكون في ولدي، ووالله ليكونن فيهم حتى تملكهم عبيدهم الصغار العيون، العراض الوجوه الذي كأن وجوههم المجان المطرقة. قلت: ذكر ابن الكلبي في كتاب " النسب " أن الذي تولى ضرب علي بن عبد الله بن العباس، رضي الله عنهم، هو كلثوم بن عياض بن وحوح بن قشير بن الأعور بن قشير، كان والي الشرطة للوليد بن مروان، ثم أنه تولى إفريقية لهشام بن عبد الملك وقتل بها وقال غير بن الكلبي: كان قتله في ذي الحجة سنة ثلاث وعشرين ومائة. وروى أن علي بن عبد الله دخل على سليمان بن عبد الملك، وهو غلط، بل الصحيح أنه هشام بن عبد الملك معه ابنا الخليفتان وهما السفاح والمنصور ابنا محمد بن علي المذكور، فأوسع له على سريره وبره وسأله عن حاجته فقال: ثلاثون ألف درهم علي دين فأمر بقضائها ثم قال له: وتستوصي بابني هذين خيراً ففعل، فشكره وقال: وصلتك رحم. فلما ولى علي قال هشام لأصحابه: إن هذا الشيخ قد اختل وأسن وخلط فصار يقول: إن هذا الأمر سينتقل إلى ولده، فسمعه علي فقال: والله ليكونن ذلك وليملكن هذان. وكان علي المذكور عظيم المحل عند أهل الحجاز، حتى قال هشام بن سليمان المخزومي: إن علي بن عبد الله كان إذا قدم مكة حاجاً أو معتمراً عطلت قريش مجالسها في المسجد الحرام وهجرت مواضع حلقها ولزمت مجلسه إعظاماً وإجلالاً وتبجيلاً له، فإن قعد قعدوا وإن نهض نهضوا وإن مشى مشوا جميعاً حوله، ولا يزالون كذلك حتى يخرج من الحرم. وكان آدم جسيماً له لحية طويلة، وكان عظيم القدم جداً لا يوجد له نعل ولا خف حتى يستعمله وكان مفرطاً في الطول، إذا طاف كأنما الناس حوله مشاة وهو راكب من طوله، وكان مع هذا الطول يكون إلى منكب أبيه عبد الله وكان عبد الله إلى منكب أبيه العباس وكان العباس إلى منكب أبيه عبد المطلب. ونظرت عجوز إلى علي وهو يطوف وقد فرع الناس - فرع بالعين المهملة: أي علا عليهم - فقالت: من هذا الذي فرع الناس? فقيل: علي بن عبد الله بن العباس، فقالت: لا إله إلا الله، إن الناس ليرذلون، عهدي بالعباس يطوف بهذا البيت كأنه فسطاط أبيض. ذكر هذا كله المبرد في "الكامل "، وذكر أيضاً أن العباس كان عظيم الصوت وجاءتهم مرة غارة وقت الصباح فصاح بأعلى صوته: واصباحاه، فلم تسمعه حامل في الحي إلا وضعت. وذكر أبو بكر الحازمي في كتاب " ما اتفق لفظه وافترق مسماه " في أول حرف الغين في باب عانة وغابة، وقال: كان العباس بن عبد المطلب يقف على سلع، وهو جبل عند المدينة، فينادي غلمانه وهم في الغابة فيسمعهم، وذلك من آخر الليل، وبين الغابة وسلع ثمانية أميال. وكانت وفاة علي بن عبد الله سنة سبع عشرة ومائة بالشراة بالحميمة وهو ابن ثمانين سنة. وقال الواقدي: ولد في الليلة التي قتل فيها علي بن أبي طالب، رضي الله عنه، وكان قتل علي، رضي الله عنه، في ليلة الجمعة سابع عشر شهر رمضان من سنة أربعين للهجرة، وقيل غير ذلك، وتوفي علي بن عبد الله سنة ثماني عشرة ومائة، وقال غير الواقدي: إن وفاته كانت في ذي القعدة، وقال خليفة بن خياط: مات في سنة أربع عشرة، وقال في موضع آخر: سنة ثماني عشرة، وقال غيره: سنة تسع عشرة، والله أعلم. وكان يخضب بالسواد، وابنه محمد والد السفاح والمنصور يخضب بالحمرة، فيظن من لا يعرفهما أن محمداً علي وأن علياً محمد، رضي الله عنهما. والشراة: بفتح الشين المعجمة والراء وبعد الألف هاء مثناة، صقع بالشام في طريق المدينة من دمشق بالقرب من الشوبك وهو من إقليم البلقاء وفي بعض نواحيه القرية المعروفة بالحميمة - بضم الحاء المهملة وفتح الميم وسكون الياء المثناة من تحتها وفتح الميم الثانية وبعدها هاء ساكنة - وهذه القرية كانت لعلي المذكور وأولاده في أيام بني أمية، وفيها ولد السفاح والمنصور وبها تربيا ومنها انتقلا إلى الكوفة، وبويع السفاح بالخلافة فيها كما هو مشهور - وسيأتي ذكر ولده محمد إن شاء الله تعالى)) |