البحث في المجالس موضوعات تعليقات في
البحث المتقدم البحث في لسان العرب إرشادات البحث

مجلس : الجغرافية و الرحلات

 موضوع النقاش : الارتسامات اللطاف (رحلة شكيب أرسلان إلى الديار المقدسة)    كن أول من يقيّم
 زهير 
11 - نوفمبر - 2008
تحية طيبة أصدقائي الأكارم:
كنت قبل قليل أحدث أستاذنا السويدي صانع الوراق، عن ضرورة نشر كتاب (الارتسامات اللطاف) في الوراق، فأجابني إلى ذلك مشكورا، و(الارتسامات اللطاف في خاطر الحاج إلى أقدس مطاف) هو عنوان رحلة أمير البيان شكيب أرسلان إلى الديار المقدسة عام 1929م عقب دخولها في مملكة الملك عبد العزيز. وقد نشرت في مطابع مجلة المنار بتحقيق صديقه محمد رشيد رضا، عام 1350هـ وقد اعاد نشرها استاذنا السويدي ضمن موسوعة (ارتياد الآفاق) كما ترون على هذا الرابط:
 

http://www.neelwafurat.com/itempage.aspx?id=lbb128276-88404&search=books

 ويمكن تحميل الكتاب عن طريق هذا الرابط:
وكان أمير البيان قد انطلق من مكان إقامته في (لوزان) بسويسرا إلى (نابولي) ومنها مستقلا سفينة إلى (بور سعيد) ليستقل سفينة أخرى أوصلته إلى جدة، ومن هناك بدأ هذه الحرب التاريخية الضروس، التي خاضها بقلمه المرهف الصقيل،ونبل ريشته العذراء، لينفلَ أمته صورا وصفحات هي غنائمه في تلك الوقائع المدوية، التي يستحق لأجلها أن يضاف إلى ألقابه لقب (فارس العرب) بعد (أمير البيان) وسوف أنشر كنموذج هنا قطعة من حديثه المطول عن (الطائف) وتاريخها، وكيف رآها خاوية على عروشها، بعد فظائع (سلطان بن بجاد) فيها، والتي كانت سببا لغضب الملك عبد العزيز على ابن بجاد
 
 
 1  2 
تعليقاتالكاتبتاريخ النشر
الطائف وفظائع ابن بجاد    كن أول من يقيّم
 
قال أمير البيان وفارس العرب شكيب أرسلان في الفصل الذي تحدث فيه عن الطائف بعنوان (عمران الطائف وتقلصه بعد الحرب) :
وقد كانت الطائف في أيام الدولة العثمانية معمورة حافلة، قيل لي إنَّه كان فيها ما يقرب من خمسة عشر ألف نسمة، فقد كانت إمارة مكَّة والولاية وقيادة الجيش والأجناد كلّها والدوائر الرسمية تنقل إلى الطائف وتقيم بها مدَّة 6 أشهر وكان بسبب ذلك يزداد توارد الخلق عليها من مكَّة وغيرها، وتعمر أسواق ويكثر الأخذ والعطاء فيها، وقيل لي إنَّه كان فيها 15 طبيباً بين ملكي وعسكري وكان كل ما يوجد بمكَّة يوجد فيها.
فبعد الحرب العالمية تقلَّص عمرانها، وخفَّ قطينها، حتى عادت كالعرجون القديم، فلم يبقَ فيها إلا نحو ألفين إلى ثلاثة آلاف ساكن، وصارت أكثر البيوت خاوية على عروشها.
فتداعت من نفسها. ومن البيوت ما عملت فيه القنابر في أثناء حصار العرب للأتراك
فيها..
فهذه كانت المرحلة الأولى من مراحل بوارها.
وأمَّا المرحلة الثانية فقد كانت في حرب الوهابيين مع الملك حسين:
 فقد زحف إليها سلطان بن بجاد شيخ عتيبة والشريف خالد بن لؤي وحاصراها بجمع كان يعجز عنها لو صادف فيها حامية مستبسلة موطنة نفسها على الكفاح لأنَّها مسوَّرة من كلِّ جهاتها، وقد كانت فيها مدافع وأعتاد كافية للمقاومة. فأوقع الله الوهن في قلب أمراء الحامية التي كانت من قبل الملك حسين، فانهزموا لا يلوون على شيء. ودخلت عتيبة وأولئك الأعراب الغلاظ الشداد ففتكوا بأهلها فتكة شنيعة ملأت شناعتها الخافقين، وقتلوا بضع مئات من الأهالي الوادعين، وانتهبوا البلدة وخرَّبوا ما قدروا على تخريبه.
وكان بين القتلى جماعة من العلماء والخواص، ومنهم ويا للأسف المرحوم السيد حسن الشيبي مبعوث الحجاز ونجل الشيخ عبد القادر الشيبي كبير سدنة بيت الله الحرام. وقد كان رحمه الله زميلي في مجلس المبعوثين في الآستانة وكان من ذوي الشهامة والأخلاق الزكية، وكانت بيننا مودَّة أكيدة.
فانتهز أعداء الملك ابن سعود في هذه الوقعة الفرصة للطعن فيه وحاولوا إيهام الناس أنَّه كان راضياً عن هذه الفعلة، وحاشى له من ذلك فإنَّها وقعت بدون أن يعلم بها وقبل أن يكون جاء إلى الحجاز، ولما نمي إليه خبرها بمكانه من نجد ارتمض جدّاً وأصدر الأمر تلو الأمر تحت الإنذار بالقتل بعدم التعرض لأحد من الأهالي وبالدخول إلى البلد الأمين بدون سلاح، فدخل الوهابيون مكَّة بدون سلاح، وطافوا واعتمروا ولم يمسُّوا أحداً بسوء ممَّا يشهد به كل أهل مكَّة.
فأمَّا فاجعة الطائف فقد سبق فيها السيف العذل، وبقيت في قلب الملك عبد العزيز منها حزازات على سلطان بن بجاد لم يثبطه عن عقابه على ما فعله في الطائف سوى حداثة عهده بالاستيلاء على الحجاز، والتربص ريثما تستتب الأحوال، فاكتفى الملك بادئ ذي بدء بتضميد جراحات أهل الطائف ومؤاساتهم، والتعويض عليهم، ولم يتعرَّض لسلطان بن بجاد بسوء رعياً لسابق عهده، حتى فتح هذا على نفسه الباب، وخرج هو وفيصل الدويش عن طاعة الملك وجاذباه الحبل، وظنَّا أنَّهما بقوة عشائرهما - عتيبة ومطير –  ينالان منه وطراً، فحاجزهما الملك مدَّة شهرين حتى أعيته فيهما الحيلة، فلمَّا لم يبقَ من الدواء إلا الكي نهد إلى الثوار فمزَّق شملهم في أقلِّ من ساعتين، وطرح منهم بالعراء أكثر من ألفي صريع، وأخذ مقدميهم أسرى وبينهم ابن بجاد والدويش. فكان الذين فتكوا بأهالي الطائف الوداعين هم الذين لقوا هذا النكال الشديد، فنالوا الجزاء الذي يستحقُّونه على عملهم بالطائف، وسُقوا الكأس التي سقوا بمثلها، ولكنَّهم سَقوا ببغي وعدوان، وشربوا بتأديب سلطان وحكم فرقان، وقيد ابن بجاد بالأصفاد وكفى الله شرَّه.
ولكن الدويش بعد أن عالج طبيب الملك جراحه، فرَّ من الأسر ونكث وجمع جموعه وجموعاً ممَّن مالؤوه على بغيه، واستأنفوا الثورة، واضطروا الملك أيَّده الله أن يزحف إليهم مرَّة ثانية، ويصدع شملهم عوداً على بدء. وما زال يضيّق عليهم حتى تفرَّقوا تحت كل نجم، وجاء الدويش إلى العراق ظانّاً أنَّه ينجو وأنَّه لا يدركه ليل عمله الذي هو مدركه - إلا أنَّ الملك فيصل بن الحسين كان أعقل وأبصر بمصلحة مملكته العراق وبمصلحة العرب من أن يظاهر الخارجين عن طاعة ابن سعود، لاسيَّما أنَّهم هم الذين كانوا يوالون على العراق تلك الغارات التي لا نهاية لها. فانتهى الأمر بتسليم الإنكليز فيصلاً الدويش إلى الملك ابن سعود عملاً بمعاهدة سابقة في تسليم المجرمين - وصار إلى جانب رفيقه ابن بجاد بحيث لا يقدر أحد منهما بعد الآن أن يقلق راحة العرب ولا أن يهرج البلاد ويمرجها، وكانت هذه الواقعة سبباً في ائتلاف الملكين العاقلين الحكيمين، اللذين أقر اجتماعهما عيون جميع العرب المخلصين للعروبة، وفت في أعضاد الذين يريدونها دائمة حامية ولو أفضى ذلك إلى سقوط العرب.
*زهير
11 - نوفمبر - 2008
شكراً أستاذنا    كن أول من يقيّم
 
السلام عليكم ورحمة الله ...
أحببت فقط أن أسجل شكري وامتناني لأستاذي الكريم زهير ظاظا  على هذا الكتاب النفيس
وأغتنم هذه الفرصة لتحية كل رواد الموقع وأخص بالذكر السيدة ضياء العلي والأستاذ محمد هشام الأرغا، والأستاذ لحسن بنلفقيه، والأستاذ ياسين الشيخ سليمان، والأستاذة خولة المناصرة
والدكتور عمر خلوف، والأستاذ منصور مهران،و الدكتور أحمد إيبش، والجميع الجميع.
وتحية ود ومحبة خالصة لصاحب الفضل في هذا الملتقى الشاعر الأستاذ  محمد السويدي
*زياد
11 - نوفمبر - 2008
شكرا لكم    كن أول من يقيّم
 
الحمد لله على السلامة أستاذ زياد عبد الدايم، وكل الشكر لكم على هذه البطاقة العطرة، متمنيا أن تجدوا الفرصة لمعاودة التواصل مع سراة الواق، وفقكم الله وسدد خطاكم
*زهير
11 - نوفمبر - 2008
سلام عزيز    كن أول من يقيّم
 
نشكر الأستاذ زهير على تقديمه لهذا الكتاب القيم ( الارتسامات اللطاف ) وهذا ما تعودناه منه دائماً ، لكن وعلى الأخص نشكره اليوم لأن كتابه هذا كان مناسبة لحضور الأستاذ زياد عبد الدايم الذي افتقدناه طويلاً . كل التحية والسلام لك أستاذ زياد الغالي على قلوبنا وتمنياتنا بأن نسمع أخبارك دائماً ، وتمنياتك لك بالتوفيق والنجاح . 
*ضياء
11 - نوفمبر - 2008
شكر وترحيب    كن أول من يقيّم
 
شكرا أستاذنا زهير على رابط التحميل وعلى الجهود المثمرة التي تبذلونها وأستاذنا صانع الوراق الكريم ؛ راجيا لكم كل خير وتقدم وازدهار . وإنه ليسعدني الترحيب بالأستاذ العزيز زياد عبد الدائم ، والذي تكتمل فرحتي بالوراق وأهله بحضوره المشرق ، وحضور أمثاله ذوي الأدب الجم ، والعلم الغزير ، والثقافة المترامية الأطراف ؛ فباركه الله وحفظه وسدد خطاه . وتحياتي إلى الأستاذة الفاضلة ضياء حفظها الله تعالى .
*ياسين الشيخ سليمان
12 - نوفمبر - 2008
جبال جزيرة العرب أطيب هواء من لبنان وسويسرا    كن أول من يقيّم
 
شكرا لكما أستاذتي الغالية ضياء خانم وأستاذنا الكبير ياسين الشيخ سليمان، وقد استوقفني في الكتاب هذا النص أيضاً، وطالما سمعت من أصدقائي عن طبيعة هذه الجبال الساحرة، التي اتى على ذكر الكثير منها أمير البيان، قال:
إنَّ في جزيرة العرب سلسلة جبال عالية لا تجد أحسن منها هواء ولا أطيب إقليماً لا في جبال لبنان ولا في جبال سويسرا ولا في غيرهما.
ولأجل أن تعلم ارتفاع هذه الجبال أريد أن أذكر لك علوَّ بعض المدن والقرى العربية عن سطح البحر ممَّا أمكنني الاطلاع عليه في كتب من تأليف ضباط من أركان حرب الجيش التركي أطالوا الإقامة باليمن وكتبوا عنه.
فالطائف تعلو نحو 1600 متر عن سطح البحر على حين عين صوفر أبدع مصيف في لبنان لا تعلو أكثر من 1350 ولا يوجد في جبل لبنان مكان مسكون يعلو عن سطح البحر أكثر من 1500 متر.
وإنَّ علوَّ (أبها) - مركز حكومة عسير - عن سطح البحر 2275 متراً وأعلا منها (سوغا) فهي تعلو 2360 متراً. وهناك بلدة غامد وعلوّها 2110 أمتار. ومحائل وعلوها 1610 أمتار.
ثم إنَّ صنعاء اليمن تعلو عن سطح البحر 2342 متراً. وجبل نُقُم - الذي تقدَّم ذكره -
يعلو 2942 متراً، وكوكبان 3001 متر، وتعز 1347 متراً وعمران 2302 وصعدة 2216
والروضة 2306 وتلا 2861 وذمرمر - تقدم ذكرها في بحث المعادن - 2698 وشبام -
تقدَّم ذكرها أيضاً - 2635 وذمار 2431 وبوعان 2936 وسوق الخميس 2372 ومناخه
2321. فارتفاعات مثل هذه مهما يكن من وجودها في منطقة جنوبية لا يمكن إلا أن تكون المثل
الأعلى في رقَّة الهواء وطيب المناخ، والملاءمة للصّحَّة.
وهذه الجبال هي عندي أوتاد البيت العربي لا في منعتها الطبيعيَّة ومواقعها الحربية فحسب، بل في بيئتها الصحيَّة، ونقاوتها الجويَّة، إذ ذلك من أعظم العوامل التي تعتمد عليها الأسرة العربية في صيانة نفسها.
وهذه السلسلة الجبليَّة العالية ممتدَّة من بلاد الشام، ومن أهم أقسامها وأطيبها نجعة جبال الشراة التي كانت معمورة جدَّاً في صدر الإسلام، والتي لها مستقبل كبير للعرب ومستأنف باهر لو خلصت من أيدي الإنكليز.
ولقد أقمت بقصبة معان شَيْعَ شهر في أثناء الحرب العامَّة سنة 1915 إذ كنت ذاهباً ومعي 120 مجاهداً من جماعتي إلى حرب الترعة منضمَّاً إلى الجيش العثماني الحجازي الذي كان يقوده وهيب باشا، وسرنا من معان هبوطاً مستمرّاً إلى قلعة النخل في صحراء التيه. ولقد قطعت في تلك الرحلة جانباً من جبال الشراة وعرفت أيَّ جبال هي وأي نجعة طيّبة هنالك.
ومن حول وادي القرى في الحجاز جبال وأودية وعيون تقدَّم الكلام على شيء منها، وفي جهات المدينة المنوَّرة جبل رضوى الشهير، قال أبو زيد: وقرب ينبع جبل رضوى، وهو جبل منيف ذو شعاب وأودية، ورأيته من ينبع أخضر، وأخبرني من طاف في شعابه أنَّ فيه مياهاً كثيرة وأشجاراً، ومن رضوى يقطع حجر المسن ويحمل إلى الدنيا كلّها، قال النبي صلَّى الله عليه وسلَّم: (رضوى رضي الله عنه، وقُدْس قدّسه الله (قدس بضم فسكون جبل بتلك الناحية) وأُحد يُحبُّنا ونحبّه).
قلت وحدَّثنا من يعرفون رضوى أنَّه مصيف كأحسن ما يوجد من مصايف الشام ماء وهواء، وهو على مقربة من المدينة ومن ينبع وعلى ليلتين من البحر فلا يلزم لرضوى إلا تعبيد طريق تسير عليها السيَّارات ليعمر وتسكنه الناس وتقصده في أيَّام القيظ.
وقال الهمداني: الجبال المشهورة عند العرب المذكورة في أشعارها: أجأ وسلمى جبلا طيء، وأَبان (بفتح أوله) وتَعار (بفتح أوله) وأُبن (بضم فسكون) وقُدْس ورضوى وعروان ويسوم وحراء وثبير والعارض وقنان (بفتح أوله) وأفرع (على وزن أفعل) والنير (بكسر النون) وعسيب ويذبل والمجيمر ولبنان واللكام.
ومن أنزه الجبال في الجزيرة: آجأ وسلمى جبلا طيء. قيل إن أجأ اسم رجل وسلمى اسم امرأة، وقيل أجأ علم مرتجل وقيل بل منقول معناه الفرار، يقال أجأ الرجل إذا فر.
قال الزمخشري: أجأ وسلمى جبلان عن يسار السميراء -وقد رأيتهما - شاهقان.
ونقل ياقوت عن أبي عبيد السكوني: أجأ أحد جبلي طيء وهو غربي فيد. وبينهما مسير ليلتين وفيه قرى كثيرة. قال: ومنازل طيء في الجبلين عشر ليال من دون فيد إلى أقصى أجأ إلى القُريَّات من ناحية الشام. وبين المدينة والجبلين على غير الجادة ثلاث مراحل. قال أمرؤ القيس:
أبت أجأ أن تسلم العام جارها         فمن شاء فلينهض لها من مقاتل
أي أبت أهل أجأ، حذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه، مثل قالت إنكلترة لفرنسة كذا، واحتجَّت ألمانية على كذا، وعقدت أمريكا معاهدة كذا الخ. وقال عارق الطائي:
ومن أجأ حولي رعان كأنَّها         قنابل خيل من كميت ومن ورد
وقال العيزار بن الأخفش الطائي:
ألا حي رسم الدار أصبح باليا         وحي وإن شاب القذال الغوانيا
تحملن من سلمى فوجهن بالضحى         إلى أجأ يقطعن بيدا مهاويا
وقال زيد بن مهلهل الطائي:
جلبنا الخيل من أجأ وسلمى         تخب نزائعاً خبب الركاب
جلبنا كل طرف أعوجي         وسَلهبة كخافية الغراب
وكان يحدّثني عن هذين الجبلين وما فيهما من الريف والخصب والأودية والعيون الأخ رشيد باشا النجدي الذي كان معتمداً لابن رشيد في الأستانة العليَّة أيَّام السلطنة العثمانية. وسمعت أخبارهما من نجديين آخرين، وطالما تمنَّيت لو أمكنتني الرحلة إلى نجد والتنزّه فيهما.
والسلسلة الجبلية من الحجاز إلى اليمن متَّصلة، وعن يمين الذَّاهب من الشام إلى مكَّة التهائم الواصلة إلى سيف البحر الأحمر، وعن اليسار بلاد نجد وهي من أطيب البلدان نجعة وألطفها هواء يضرب المثل بجودة هوائها، فيُقال: بلاد نجديَّة الهواء.
وإذا سار الراكب من الطائف إلى صنعاء اليمن لم يصل إليها إلا في مسيرة شهر كلها في
الجبال العالية، والأهوية اللطيفة، والمناظر البديعة، والمناهل العذبة. (يتبع)
*زهير
12 - نوفمبر - 2008
الأماكن النزهة بجوار الطائف    كن أول من يقيّم
 
تتمة النص المنشور في التعليق السابق:
وأمَّا ما تيسَّر لي مشاهدته من الأماكن النزهة بجوار الطائف فهو وادي محرم أي قرن المنازل الذي ينتهي إلى وادي السيل، ومنه يحرم الحجَّاج الذين هم آتون من الشرق، ولا يبعد وادي محرم عن الطائف أكثر من ساعة ونصف وهو على طريق الكرا، وهو وادٍ يجف في الصيف إلا أن البساتين منتظمة بجانبه على مسافة ثلاث أو أربع ساعات، تشرب بالسواني وفيها من جميع أصناف الفواكه وألذّها، ولم أصادف عنباً أشهى ولا أكبر حبَّاً من عنب وادي محرم.
ومن هذا الوادي يصعد الإنسان إلى الهدة مرتقياً العقبة المسماة (الكرا الصغير) وخمَّنت علوها بثلاثمائة متر ومرتقاها صعب.
وقد كان الواجب على الحكومة وعلى أهالي القرى الكثيرة المجاورة ولا سيَّما وادي محرم أن يصلحوا هذا المرتقى الذي يترجل فيه كلُّ الركبان من وسط العقبة. وإذا وصل الإنسان إلى سطح الجبل وجد يفاعاً منبسطا ينشرح له الصدر، وشاهد جناناً ناضرة تشرب بالسواني أيضاً يُقال لها بستان المغربي وبستان البُّني وغيرهما.
ولقد بتنا ليلتين بوادي محرم، وليلة واحدة في بستان المغربي ضيوفاً على صاحب البستان وهو مغربي تونسي الأصل أبوه جاء إلى هذا المكان وتمكَّن به.
وهناك جبل عالٍ جدَّاً يعلو 250 متراً عن البساتين يُقال له جبل الهندي وهو ناتئ من الأرض صعداً أشبه بالمئذنة، وكان في إحدى ذراه حصن بقيت فيه مدافع وجنود إلى آخر أيام الملك حسين، وقد طلعنا هذا الجبل إلى قمَّته فظهر لنا جانب كبير من الحجاز وبدت لنا خضرة ونضرة وأودية لا يأخذها الإحصاء، وكان منظراً يبهر العقول.
وبإزاء هذا الجبل جبل آخر أقلّ منه ارتفاعاً اسمه (جبل الكمل) بحذائه قرية بل قرى وبساتين تسقيها النواضح.
ومن الكمل إلى قرية الهدة مسيرة نصف ساعة لا غير، والهدة قرية من أشهر قرى الحجاز تعلو 1760 متراً عن سطح البحر، وفيها جنان ومنازه وبعض مصايف لأهل مكَّة، ولها منظر على وادي نعمان لا مثيل له في بلاد العرب لأنَّ الناظر يشرف منها على شفير الوادي المسمَّى (الكرا الكبير) ذي العقبة الشهيرة التي تأخذ ثلاث ساعات على الصاعد وهي من الوقوف في مثل الحائط، وإذا أشرف الرائي على حافة هذا الشفير لم يكن أمامه العمق الهائل فقط، بل العمق الهائل والعرض المدهش، فالنظر هناك مدٌّ ليس له حد.
وتكتب (الهدة) بتشديد الدَّال لكن غلب عليها التخفيف، وقد ذكرها ياقوت في المعجم وقال إنها مكان بين مكَّة والطائف فيه القرود.
*زهير
12 - نوفمبر - 2008
مكة: أجرد بلدة عرفها الإنسان    كن أول من يقيّم
 
 قال:
جعل الله مكَّة مكاناً لعبادته تعالى لا غير، وكأنه سبحانه وتعالى لما قضى بأن تكون محلاً للعبادة ومثابة للناس وأمناً، قضى أيضاً بتجريدها من كلِّ زخارف الطبيعة، ولم يشأ أن يطرِّزها بشيء من وشي النبات، ولا أن يخصَّها بشيء من مسارح النظر المؤنقة، حتى لا يلهو فيها العابد عن ذكر الله بخضرة ولا غدير، ولا بنضرة ولا نمير، ولا بهديل على الأغصان ولا هدير، وحتى يكون قصده إلى مكَّة خالصاً لوجه ربه الكريم، لا يشوبه تطلُّع إلى جنان أو رياض، ولا حنين إلى حياض أو غياض. وحتى يبتلي الله عباده المخلصين الذين لا وجهة لهم سوى التسبيح له والتأمل في عظمته تعالى، فكانت مكَّة أجرد بلدة عرفها
الإنسان، وأقحل بقعة وقعت عليها العينان.
 
مكَّة هذه البلدة المقدَّسة التي هي فردوس العبادة في الأرض وجنَّة الدنيا المعنوية، عبارة عن وادٍ ضيق ذي شعاب متعرِّجة، تحيط بذلك الوادي جبال جرداء صخرية صمَّاء، لا عشب ولا ماء، قاتمة اللون كأنَّها بقايا البراكين، إذا مرَّ عليها الإنسان يوماً من أيام الصيف في هاجرة ظنَّ نفسه يدوس بلاط فرن أو يضطجع في حمَّام. وإن ترك على تلك الصخور لحماً كاد يُشتوى بلا نار، أو ماء كاد يغلي بلا وقود. وليس في تلك الشعاب أشجار ولا أنهار، ولا مروج ولا عيون تلطِّف من حرارة تلك الحجارة السود في حمارة القيظ. وكأن القاصد إلى هذا الوادي إنَّما يزداد بهذه القسوة الجغرافية أجراً وثواباً وارتفاع درجات. فبقدر ما أفاض الله على هذا المكان من الشعاع المعنوي قضى بحرمانه من الحلية الماديَّة.
*زهير
12 - نوفمبر - 2008
لا تشتهي شيئاً إلا وتجده في مكة    كن أول من يقيّم
 
وقد وصف الله تعالى هذه الحالة فقال عن لسان إبراهيم صلَّى الله عليه وسلَّم: (ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم، ربنا ليقيموا الصلاة).
وظاهر من هنا أنَه واد مجرَّد للعبادة دون غيرها، وأنه غير ذي زرع ولا ضرع ليزداد أجر الناس بالقصد إليه والعكوف فيه. ولمَّا كان شدُّ الرِّحال إلى وادٍ كهذا خالٍ من جميع أسباب الحياة تقريباً ليس ممَّا يرغب فيه الناس الذين من عادتهم أن يقصدوا الأماكن الرغيدة والمتنزَّهات، وأن يعوِّلوا على البقاع المريعة التي يأتيها رزقها رخاء ورغداً دعا إبراهيم ربَّه فقال: (فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون).
فبدعوة إبراهيم هذه هوت إلى هذا المكان وإلى المتمكنين فيه أفئدة ورفرفت عليهم جوانح من جميع فجاج الأرض، وترى الناس منذ ألوف من السنين يحجُّون هذا البيت المحرم، ويحرمون قبل الوصول إليه  بمراحل، ويوفضون إليه كأنَّما يوفضون إلى أنزه بقاع البسيطة وأطيبها وأكثرها خيراً وميرا،
وتجد قلوبهم في الرحلة إليه ملأى بالفرح، لا يكادون يصدِّقون أنَّهم مشاهدوه من شدَّة الوجد، وغلبة الهيام، حتى إذا شاهدوه فاضت العبرات وخفقت الجوانح وتمايلت الأعطاف، وانتقل الناس إلى عالم تكاد تقول إنه غير هذا العالم قال ابن دريد:
يـحـملن كلَّ شاحب iiمحقوقف من  طول تدآب الغدو iiوالسرى
يـنوي  التي فضلها ربّ iiالسما لـمـا دحـا تربتها على iiالبنى
حـتـى  إذا قـابلها استعبر iiلا يملك دمع العين من حيث جرى
وهم إذا وصلوا إلى مكة وجدوا عندها من الثمرات والخيرات ما لا يجدونه في البقاع التي تشقّها الأنهار، وتظلّلها الأشجار. وذلك أن المجلوب إلى مكَّة من أصناف الحبوب والخضراوات والفواكه والمحمول إليها من البضائع والمتاجر واللباس والفراش والرياش والطيب وغير ذلك يفوق ما يجلب إلى عشر مدن من أمثالها في عدد السكان وربَّما أكثر.
ولا يكاد الحاج يشتهي شيئاً إلا ويجده في هذه البلدة القاحلة، فحول مكَّة من المزارع والمباقل والمباطخ والمقاثي، وفي جبال الطائف من الجنان والبساتين والكروم ما لا يأخذه العد، وما لا يدرك منه شيء في فصل من الفصول إلا انحدر به أهله إلى مكَّة، فالثمرات التي دعا إبراهيم ربه من أجلها تفيض على البلد الأمين كالسيل المتدفق، أو العارض المغدق
*زهير
12 - نوفمبر - 2008
قطف العسلوج    كن أول من يقيّم
 
(قطف العسلوج، في وصف الماء المثلوج، بجوار البيت المحجوج) رسالة من رسائل شكيب أرسلان، بعث بها إلى صديقه محمد رشيد رضا، ولكنه لم ينشرها ضمن هذا الكتاب، واكتفى بذكر نبذة منها. قال:
ولمَّا تولَّى الحجاز الملك عبد العزيز بن سعود زاد سبل الماء في مكَّة ومِنى فأزاح جانباً كبيراً من العلّة، وفي أيامه تأسَّس في مكَّة معملان للجمد (الثلج) ... وكنت هممت بنشر رسالة اسمها (قطف العسلوج، في وصف الماء المثلوج، بجوار البيت المحجوج) أصف فيها محاسن هذا الماء في مكَّة أيام القيظ وأجعلها تقدمة للأستاذ الأكبر السيد محمد رشيد رضا.
*زهير
12 - نوفمبر - 2008
 1  2