البحث في المجالس موضوعات تعليقات في
البحث المتقدم البحث في لسان العرب إرشادات البحث

مجلس : الجغرافية و الرحلات

 موضوع النقاش : فتوح ديار بكر وما حولها (شاهد عيان)    كن أول من يقيّم
 زهير 
30 - أكتوبر - 2008
هذه هي رحلة ابن حجة الحموي الثانية التي وعدت بنشرها اليوم في موضوع بعنوان: (يوم أحرقت دمشق) وهي أشبه ما تكون بتقرير مراسل حرب، وقد كلف بإعدادها ابن حجة الحموي الذي اصطحبه معه الملك المؤيد شيخ المحمودي لنقل وقائع فتوحاته في (ديار بكر وما حولها) من بلاد المسلمين، وذلك في رجب من سنة (816هـ) وكما كلف ابن حجة الحموي بكتابة وقائع هذه الحرب الشعواء، فقد صدر الأمر بتكليف الحافظ ابن حجر العسقلاني بقراءة نص هذه الرحلة في الجامع الأزهر وجامع السلطان المؤيد شيخ، وكان ابن حجة الحموي في التاسعة والأربعين من العمر، بينما كان الحافظ ابن حجر في الثالثة والأربعين .
وأما السلطان المؤيد شيخ المحمودي، فقد كان من من غلمان الظاهر برقوق، اشتراه من النخاس محمود اليزيدي سنة (782) وعمره (12) سنة، وحظي عنده وولاه نيابة طرابلس، ثم نيابة دمشق، فحلب، ولما ولي الناصر فرج ابن برقوق ثار المؤيد شيخ عليه، وأطاح بعرشه، وأعدمه في دمشق وألقاه على بعض مزابلها (انظر تفصيل ذلك في موضوعنا: حلية الأعلام، في تعليق بعنوان: شرفتنا ونورت سطورنا ) وأعلن نفسه سلطانا في شعبان سنة 815هـ قبل قيامه بهذه الحملة على بلاد الروم بعام. واستمر سلطانا حتى وفاته يوم 9/ محرم / 824هـ ومما كتب في سيرته: (السيف المهند في سيرة الملك المؤيد) لبدر الدين العيني (ت 855هـ) يمكن تحميله على هذا الرابط:
 اعتمدت في نقل نص هذه الرحلة على نشرة المرحوم محمد أبو الفضل إبراهيم، وهي نشرة غير محققة اكتفى فيها بسرد النص كما هو في المخطوطة، لذلك ربما اضطررت إلى إضافة تعليقات لاحقا على مواد الرحلة، فارتأيت أن أنشرها على فقرات تتيح لي التصرف فيها فيما بعد.
 1  2 
تعليقاتالكاتبتاريخ النشر
مقدمة الرحلة    كن أول من يقيّم
 
قال ابن حجة الحموي:
ذكرت برحلة الشيخ جمال الدين رحمه الله تعالى إلى القدس الشريف صحبة الركاب الصاحبي الاميني رحلتي صحبة الركاب الشريف السلطاني المؤيدي سقى الله ثراه إلى البلاد الرومية وبروز أمره الشريف بذكر الفتوحات بها وتسمية البلاد واستيعاب الرحلة الشريفة في البشارة المجهزة إلى الديار المصرية وألا يقرأها بالجوامع المطهرة غير مولانا شيخ الإسلام قاضي القضاة شهاب الدين أحمد بن حجر العسقلاني الشافعي عظم الله شأنه فقرأها بالجامع المؤيدي والأزهر في شهر رجب الفرد سنة ست عشرة وثمانمائة .
وقد عنَّ لي أن أقرنها بالرحلة النباتية فإنهما رحلتان. وهي:
*زهير
30 - أكتوبر - 2008
نص الرحلة    كن أول من يقيّم
 
ضاعف الله تعالى نعمة الجناب العالي ولا زالت طرَف أخبارها السارة خاطره وتشنف سمعه، وترنحه بنسمات قربنا وتجاور كريم سمعه ليأخذها بالشفعة، وإن حصل بينه وبين المسرة لبعدنا طلاق فماثلنا الشريف يبشره بالرجعة.
صدرت: هذه المكاتبة تهدي إليه من أوراقها ثمرات الفتح ليتفكه بالفواكه الفتحية، وتعرب عما أبدته عربياتنا من شواهد التسهيل في فتح البلاد الرومية، فإنها رحلة مؤيدة تشد إليها الرحال، وإن كانت دول الإسلام حلة على أعطاف الدهر فهي لها من أطهر الأذيال، ونبدي لكريم علمه تجلي مخدرات الحصون بكل وجه حسن تحت عصابتها المؤيدية، واستقرار سيس في هذه الحلبة على قديم عادتها بين الجنائب الحلبية، وفتح قلعتها وقد حرك بابها مصراعي شفتيه وأعلن بسورة الفتح جهراً، وتلت أقفاله بعدما عسرت على الغير (فإن مع العسر يسرا إن مع العسر يسرا) وصعدت أنفاس الأدعية من أفواه مراميها فرحاً بنا وسروراً، وبدلت صوامعها وتلك البيع بمساجد يذكر فيها اسم الله كثيراً، وأخلصت الطاعة لشيخ ملوك الأرض طائفتها الأرمينية، وانقطعوا في زوايا الطاعة مريدين لهذه المشيخة الشريعية الصوفية.
*زهير
30 - أكتوبر - 2008
فتح مدينة إياس    كن أول من يقيّم
 
ورغب ابن رمضان في طاعتنا الشريفة فعجلنا له في ربيع حلاوة الرغائب، ورفعنا قواعد بيته الإبراهيمي وأدنيناه من أرمنة فدنا منها إلى أعلى المراتب، وتلمظت سيوفنا بحلاوة الفتح ورشفت بألسنتها في كل قطر قطرها، ففتحت إياس من بعيد لهذه الحلاوة ثغرها، وانسجمت أبياتها لما نظمت على بسيط الطاعة بحرها.
*زهير
30 - أكتوبر - 2008
فتح المصيصة    كن أول من يقيّم
 
ومص حصن مَصِّيصة من رحيق هذه الطاعة فأمسى ثغره بأفواه الشكر يقبل، وبسط جبين جسره لمواطىء خيلنا فرحة وتهلل.
وجانس الفتح بين إياس وبانياس، ولم ينتظم لبني كند بيت بملطية يقام له وزن ويظهر عنه اقتباس، وانعكس هذا الاسم بعد الاستحالة وإن كان مما لا يستحيل بالانعكاس، وتسجّر كافرهم وقد أضرم به النار فخاطبته بلسان جمّ لا يفحم:
وما هو إلا كافرٌ طال عمره
فجاءته لما استبطأته جهنَّـمُ
 
وفر إلى ملك عثمان فحكمنا بقتله في تلك الأرض، علما بأن الجهاد في أعداء الدين عند العصابة المحمدية من الفرض
*زهير
30 - أكتوبر - 2008
فتح طرسوس    كن أول من يقيّم
 
 وسمع العصاة بطرسوس زئير آسادنا من بعيد، فأدبر مُقبلهم وتخيل أنّ الموت أقرب إليه من حبل الوريد، وأعربت أبوابها بعد كسرة عن الفتح وقال أهلها ادخلوها بسلام آمنين، وآوى العصاة إلى جبل القلعة لما رأوا بعد القتال هذا الفتح المبين، وصفع (1) مقبلهم وجهه فبصقت فيه أفواه المدافع، وحكم عليه القضاء باعتقال ولم يأت عند ذلك الحكم بدافع.
________________
 
(1)            في نشرة محمد أبو الفضل إبراهيم (وصفق) بدلا من (وصفع)
*زهير
30 - أكتوبر - 2008
فتح قرمان    كن أول من يقيّم
 
وشاهد القرمانيون من سيوفنا شدة القرم، فخشي كل منهم أن يصير لحماً على وضم، ورأوا ألسن السهام في أفواه تلك المرامي برأينا الصائب ناطقة، وما أظهروا على سماء برجٍ غيومَ ستائر إلا لمعت فيها من بوارقُ نفوطنا بارقة،  فمزقوا الأطواق من الحنق فطوقناهم بالحديد، وأحيينا الفتح المأموني برأينا الرشيد.
*زهير
30 - أكتوبر - 2008
الغادر ابن الغادر    كن أول من يقيّم
 
وما خفي عن كريم علمه وقوع انتقامنا الشريف في الغادر ابن الغادر، لما أدبر وقطع الله دابره، وظهور السر الإبراهيمي لما ادعى أنه نمرود تلك الفئة الغادرة؛ كلمه بسيوفنا فأخرسه، وتخبطه شيطان الرعب بمسّه ورأى فيه تلك الهمة العالية فنجا من تلك الوقعة بفرسه ونفسه، وآوى من قبل إلى جبل ليعصمه فقال له (لا عاصم اليوم من أمر الله) ورماه من شاهقه في بحر عساكرنا بعد ما عض عليه بثناياه، وسمع الرعد من سيف إبراهيم ففر وقد شاهد من أصيب بصواعقه من عصاة التركمان وصدقت فيه عزائم أتراكنا، وما رؤي أحد في ذلك اليوم من الترك مان. وسقوا أوعار تلك الجبال من دمائهم فكادت أحجارها أن تورق وتخصب بعد المحل، وجنوا بالعسّال عسل النصر، وغنموا من الأنعام ما زاد في عدد أجناسه على النحل، ونفرت عنهم أوانس تلك الظباء والمتيم ينشد:  
لهفي لظبية أنسٍ منكم نفرت
 
وانفطرت كبده لما رأى كواكب الحي من أفلاك تلك الصدور قد انتثرت.
وسن المقر الصارمي فيهم عزمه فقطع بهذا الصارم من عواتقهم أوصالاً، وحميت نار حربه فسبكت أوانيهم من الذهب والفضة تحت حوافر خيله نعالاً، ورخصت أنواع الديباج: فكم من معدني صار مع دني، لأن قبورهم بعثرت، وتلا لسانُ حال الكثب (1) على السمور وغيره من أصناف الوبر، (وإذا الوحوش حشرت) وانقادت ركائبهم إلينا وبدور مواطئها في بروج تلك الجبال قد أشرقت، والناظر يتلو متعجباً (أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت) وكانت نار حرب القوم على المقر الإبراهيمي برداً وسلاماً، فإنه رفع قواعد بيته في ذلك اليوم وعلّمنا إن الله قد جعل لإبراهيم في هذا البيت الشريف مقاماً، ورقاه في عمر الأبدار إلى بروج الكمال، فأبدر فيها وسرى، وأنشد لسان الحال بهذا المقال:
وقد ظهرت فلا تخفى على أحدٍ
 
إلاّ على أكمهٍ لا يعرف القمرا
 
وإن كان شبلا فهو في المخبر كأسده، ومصارع ليوث الحرب قد جعلها الله من صغره تحت يده، ورفع له في هذا المبتدأ وسيره في الآفاق خبراً، وعلّم الأعداء أن دمعهم يجري عند لقائه دما وكذا جرى.
وهذه المقابلة تليق بابن الغادر على قبح سريرته وغدره، فإنه أخرج أهل تلك البلاد من أرضهم بظلمه لا بسحره، وسألنا قبل ذلك في ولده وقد كره العود إليه، وألف أبوتنا الشريفة وتوطن (فرددناه إلى أمه كي تقر عينها ولا تحزن) فخالف نص الكتاب ومشى في ظلم الطغيان، ولم يعمل بقوله تعالى (هل جزاء الإحسان إلا الإحسان)، فقابلته سطواتنا الشريفة على قوله وفعله، وما حاق (المكر السيىء إلا بأهله)
__________________

(1)            في نسخة ج (الكسب) التعليق للمحقق

*زهير
30 - أكتوبر - 2008
الأبلستين ودرندة    كن أول من يقيّم
 
وحلّ ركابنا الشريف بالأبلستين في العشرين من ربيع الآخر، فجمعنا بحصنها الزاهر بين ربيعين، وتممناها بعشر الإقامة لاستيفاء (1) مالنا في ذمة جيرانها من الدين، فرحبت بنا وبسطت بساطها الأخضر وقالت: على الرأي والعين.
 
وألقتنا إلى درندة وما العيان من صنع الله في أخذها كالخبر، وقرّرنا صدع صخورها باختلاف الآلات، فجاء ما قررناه نقشا على حجر، وادعت أن صخرها أصم فأسمعناه من أذان المرامي تنقير المدافع وتحريك الوتر. وطلعت في ظهر الجبل كدمل، فطار كل جارح من سهامنا بريشته إلى فتحها، وظنت صون من بها لعلوّ ذلك السفح، فطالت سيوفنا إلى دماء القوم وسفحها، وقرعنا جبلها بسبابات المدافع وكسرنا منه الثنية، وأمست حلق مراميها كالخواتم في أصابع سهامنا المستوية، وخرَّ بحرها طائعاً فركبنا عليه سفن جسور على الزحف جاسرة، وأقلعنا إلى خشب سفينها المسندة فمزقنا قلوع سائرها وخربنا قريتها العامرة.
هذا مع أن الملك خطبها لنفسه وأراد أن يعرج إليها، فترفعت عليه ولم ترضه لنقص العرج أن يعلو عليها، فرحل عنها ولم يحظ من ديوان وصلها بمسموح، ولكن ساعة رؤيتها قالت بكارتها: مرحباً بأبي النصر وأبي الفتوح، وتعلق سكانها بأذيال الأمان فأمناهم، ولكن كانوا في صدرها غلاًّ فنزعناهم.
______________
 
(1)            في نشرة محمد أبو الفضل إبراهيم (لاستبقاء)
*زهير
30 - أكتوبر - 2008
جندروس و(كرت برت) و(بهنتان)    كن أول من يقيّم
 
وجاءت مفاتيح جندروس قبل التخلص منها براعة، فأحسنا الختام بدرندة وألقينا إكسير المدافع على حجرها الذي كان غير مكرم وأحسنا التدبير في الصناعة.
 
وسمعت كرت برت بذلك فألقت مَن بها من بئر معطلة وزهت فرحة بقصرها المشيد، ووصلت مفاتيحها يوم هذا الفتح مهنئة بلسانها الحديد.
 
وغارت عروس بهنتان من ذلك فخطبتنا لجمالها البارع، وجهزت كتابها يشهد لها بالخلو من الموانع.
وهي أيضا ممن خطبها الملك لنفسه فتمنعت، وأراد السمو إلى أفقها العالي فاستسفلته وترفعت، وعوت كلابه فلقمتهم ما ثقل وزنه من أحجارها الثقال، خلافا لمن أصبح الصخر عنده بمثقال.
 
وعلم طغرق أن سهامنا في كل عضو من أعضاء العصاة جارحة، وأفواه مدافعنا في أعراض الصخور من سائر القلاع قادحة. فتبت يداه عن المنع وجنح إلى الإخلاص فسابقه باب القلعة ورفع صوته في الفاتحة.
*زهير
30 - أكتوبر - 2008
كركر وحصن كختا    كن أول من يقيّم
 
وضحك ناموس ملكنا على من ادعى بكختا وكركر، ولكن أبكتهم سهامنا دما جرى من محاجر القلعتين ولم يتعثر.
 
 وقال حصن كختا إن كانت قلعة نجم عُقاباً في عقاب، فالنسر الطائر يخفق تحت قادمتي بأجنحته، أو كان الهلال قلامة لأنملتها التي علاها من الأصيل خضاب، فكف الخضيب بتيمّم تربي وبمسح بياض جبهته.
فأنا الهيكل الذي ذاب قلب الأصيل على تذهيبه، وود دينار الشمس أن يكون من تعاويذه، والشجرة التي لولا سمو فرعها تفكهت به حبات الثريا وانتظمت في سلك عناقيده.
 
 وتشامخ هذا الحصن ورفع أنف جبله وتشامم، فأرمدنا عيون مراميه بدم القوم وأميال سهامنا على تكحيلها تتزاحم، ووصل النقب بتنقيبه عن مقاتلهم إلى الصواب، وأيقنوا أن بعده لم يضرب بيننا بسور له باب.
وكان منهل مائهم عذبا فأكثرنا على منبعه الزحام، وتطفلوا على رضاع ثدي دلو فلم ترض أم المنع بغير الفطام، وأمسى دلوهم كدلو أبي زيد السروجي لا يرجع ببلَّةٍ ولا يجلب نقع غلّه، وحكم المدفع الكبير على سور القلعة فقال له السور دائم النفوذ والأحكام، وانقلبوا صاغرين إلى الطاعة وقد قابلنا أنف جبلهم بالإرغام.
ورجعوا عن خليلهم الكردي لما قام لهم على جهله الدليل، وقالوا طاعة السلطنة الشريفة ما يراعى فيها من العصاة خليل، وسألونا الصفح عن حديث جهلهم القديم، وسلموا القلعة لرضا خواطرنا الشريفة فجمعوا بذلك بين الرضا والتسليم.
 
 وتنكرت أكراد كركر بسور القعلة فعرفناهم بلامات القسي وألفات السهام، وعطست أنوف مراميهم بأصوات مادافعنا كأنّ بها زكام.
وتبرموا من خليلهم الكردي لما شاهدوا الخطب جليلاً، وقال كل منهم (يا ليتني لم أتخذ فلانا خليلا)
وأورت عاديات المدافع بالقلعة قدحا فأمست بالزلزلة مهددة، وفروا من سطواتنا الشريفة إلى البروج فأدركهم الموت في بروجهم المشيدة.
وسألنا كرديُّهم في جزيل ماله ليغدو بنفسه الخبيثة ويروح، فلم نرض منه على كفره إلا بالمال والروح.
وسجناه في قلعته وقد أيقن بالموت وارتفع النزاع، وجهز المفتاح لتخليص دينه فحصل على سجنه الإجماع. وأمسى بها:
كريشةٍ في ممرّ الريح ساقطةٍ
وتمام البيت معروف عند من له عليه اطلاع.
*زهير
30 - أكتوبر - 2008
 1  2