رمضان في التقويم الشمسي والقمري كن أول من يقيّم
شكرا لك كلماتك الطيبة أستاذ خالد صابر، لم أنتبه حتى الآن لبطاقتك هذه، وعيد مبارك وسعيد، ويبدو أنك لم تنبه لقصيدتي (صلاة العيد) التي نشرتها فجر يوم العيد، وفيها: | هلال العيد مر وقد رأته | | طرابلسٌ ولم تره iiدمشقُ | وهكذا ترى أن كل دولة عربية يلتزم مواطنوها في إعلانهم العيد وثبوت هلال رمضان الحدود الجغرافية المصطنعة في العصر الحديث وفق معاهدة سايكس بيكو. وفي هذا المجال فإن الخلاف مقبول فيما تفرضه طبيعة الفلك ودوران الليل والنهار، والحمد لله أن القرآن اعتمد التقويم القمري في ما سن من شرائع وفرائض وأحكام، وذلك في قوله تعالى (يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج ) (البقرة: 189) وقوله: (هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نورا وقدره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب ما خلق الله ذلك إلا بالحق) (سورة يونس: الآية 5) ولو أن القرآن اعتمد التقويم الشمسي لكان في ذلك ظلم كبير واختلال في موازين العدالة، لأن ذلك يعني أن يأتي رمضان في شهر واحد لا يتغير، فيكون أطول أيام السنة نهارا عند قوم، وأقصرها عند قوم آخرين، ولكن القرآن لم ينكر التقويم الشمسي كتقويم بشري، بل أقره أيضا في الآية (وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا) (سورة الأنعام: الآية 96) وحدد السنة بأنها اثنا عشر شهرا في الآية: (إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السموات والأرض منها أربعة حرم، ذلك الدين القيم) (سورة التوبة: الآية 36) والمعروف أن الدول الإسلامة كانت تعتمد التقويم الشمسي في معاملاتها المالية والحكومية منذ العصر العباسي، وخاصة فيما يتعلق بصرف الرواتب في النيروز، قال ابن تغري بردي في (النجوم الزاهرة) في حوادث سنة (282هـ) (فيها في المحرم أمر المعتضد بتغيير نوروز العجم الذي هو افتتاح الخراج وأخره إلى حادي عشر حزيران وسماه النوروز المعتضدي وقصد بذلك الرفق بالرعية ومنع الناس ما كانوا يعملونه في كل سنة من إيقاد النيران وصب الماء على الناس فكان ذلك من أحسن أفعال المعتضد) . بل كان العرب قبل الإسلام يستخدمون تقويما شمسيا ويسمون شهوره بأسماء تختلف عن أسماء الأشهر القمرية، وهي كما يقال: (ربعي ، دفئي، ناتق، ناجر ، آجر ، بخباخ، خرفي، وسمي، برك، شيبان، ملحان، رنة) إلا أن هذه الأسماء لم يقدر لها الشيوع في تاريخ العرب، إذ سرعان ما سيطرت الأشهر الرومية المستخدمة حتى اليوم في بلاد الشام (كانون الثاني، شباط، آذار ، نيسان، أيار ، حزيران، تموز، آب، إيلول، تشرين الأول، تشرين الثاني، كانون الأول) وتجد معظم هذه الأسماء في الشعر العباسي بما لا حصر له، ومن ذلك قول ابن لنكك (ت 360هـ) | حـزيـران وتـمـوز iiوآب | | ثـلاثـة اشـهر فيها iiالعذاب | | فان قرنت بشهر الصوم صرنا | | سـبـائـك في بواتقها iiتذاب | وقول ابن الرومي: | يـا حَبَّذَا ليلُ أيلولٍ إذا iiبردتْ | | فـيه مَضاجِعُنا والريحُ iiسَجْواءُ | | قلْ فيه ما شئتَ من شهرٍ تعهَّدُهُ | | فـي كـلّ يومٍ يدٌ للَّهِ iiبيضاءُ | وقوله: طاب الزمان له ورقَّ غليظُه فكأن كلَّ شهوره تشرين وقول ابن المعتز أَحرَقَنا أَيلولُ في نارِهِ فَرَحمَةُ اللَهِ عَلى آبِ وقوله: | طَـوَّلَ في أَيلولَ شَهرُ iiالصِيامِ | | وَمـا قَـضَينا فيهِ حَقَّ iiالمُدامِ | | وَاللَهِ لا أَرضى عَلى الدَهرِ أَو | | يَسرِقَ شَهرَ الصَومِ في كُلِّ عامِ | وقول عدي بن الرقاع: | شباطا وكانونين حتى تعذرت | | عليهن في نيسان باقية الشرب | وقول الأحنف العكبري (ت 385هـ) | من صام فيما مضى كانون مقتدرا | | عـلى الصيام فلا حر ولا iiطول | | وعـاش أولاه حـرّا فـي iiتقلّبه | | وطـول أيّـامـه آب iiوايـلول | ومثل هذا كثير جدا. وأنوه هنا إلى أن شباطا يرد اسمه ايضا (سباط) بالسين، ومنه قول أبي العلاء: | مَضى كانونُ ما استَعمَلتُ فيهِ | | حَـمـيمَ الماءِ فَاِقدُم iiيا سُباطُ | قال ابن منظور: وسُباط: اسم شهر بالرومية، وهو الشهر الذي بين الشتاء والربيع، وفي التهذيب: وهو في فصل الشتاء، وفيه يكون تمام اليوم الذي تَدُور كسُوره في السنين، فإِذا تَمَّ ذلك اليومُ في ذلك الشهر سمّى أَهلُ الشام تلك السنةَ عامَ الكَبِيسِ، وهم يَتَيَمَّنُونَ به إذا وُلد فيه مولود أو قدم قادم من سفر
|