بطولات العرب الجاهلية فى دوراتهم الأولمبية شعراء عداءون وصعاليك اولمبيون عمرو على بركات لقد عرف العرب فى جاهليتهم بطولات العدو، وكونوا فيما بينهم على مدى تاريخهم قبل الإسلام فريقاً لا يقل قوة عن فرق ألعاب القوى التى تحتفى بها القنوات الفضائية نقلاً من بطولات الصين الأولمبية لهذا العام، وكان فريق العرب الجاهلى فضلاً عن أنه يمتاز أعضائه بالعدو السريع، فقد كانوا شعراء فطاحل، وان لم تعلق لهم اشعار ضمن ما علق على أستار الكعبة، إلا أن اشعار العدائين لم تقل روعة عن المعلقات، كما أن الفريق الجاهلى هذا الذى لم يكتب له أن تعرض بطولاته فى اى قناة فضائية، ولكن تذخر كتب التراث ببطولات أعضائه عدواً، وشعراً ،حتى كونوا فيما بينهم فريق الصعاليك الأولمبى الجاهلى، وهم:"السليك بن السلكة"،و"الشنفرى"،و"تأبط شراً"، وكان لهم بطولات تفوق بطولات فرق الصين،واثيوبيا، والمغرب فى العدو. السليك بن السلكة الرجل الذى سبق ظله هو "الحارث بن عمرو بن كعب بن سعد بن زيد بن مناه بن تميم"، أمه "السلكة" كانت أمة سوداء، توفى بالتقريب عام 17قبل الهجرة،605 ميلادية، ربما هو وأمه من ادخلا كلمة السلكاوى، فى قاموس اللغة المصرية العامية للدلالة على سرعة الانجاز، ويصفه"الأصفهانى" فى أغانيه انه كان عداءً من أشهر صعاليك العرب العدائين، الذين كانوا لايلحقون، ولا يتعلق بهم الخيال إذا عدوا، لم يكن له ظل على الأرض، أو كاد من سرعته أن يسبق ظله، ويحكى عنه وهو شيخ كبير بعد اعتزاله العدو، والمشاركة فى بطولات العرب الاولمبية الجاهلية أن قدم على بنى كنانة، فاحتفوا به، ومنحوه إبلاً عظيمة، وطلبوا من أن يريهم بعض ما بقى من بطولات عدوه فقال لهم:" ابغونى أربعين شاباً، ودرعاً ثقيلة"، فلبس الدرع، وأمر الشبان أن تلحق به، وعدا، وعدا الشباب من خلفه، حتى كادوا أن يلحقوا به، إلا انه غاب عنهم، حتى عاد إلى بنى كنانة وحده وهو يعدو، والدرع فى عنقه تضرب كأنها خرقة من شدة عدوه، ولكنه لم ينل الميدالية الذهبية مثل أقرانه فى بكين، واكتفى بالإبل، و يقول فى اشهر قصائده للغزل" لَعَمـرُ أَبيـكَ وَالأَنـبـاءُ تُنمَـى/لَنِعمَ الجَـارُ أُخـتُ بَنِـي عُـوَارَا/ مِن الحَفَـراتِ لَمْ تَفضَـح أَبَاهَـا / وَلَـمْ تَرفَـع لإِخَـوتِهَـا شَنَـارَا / كَـأَنَّ مَجـامِـعَ الأَردافِ مِنـهَا / نَقىً دَرَجَت عَلَيـهِ الرِّيـحُ هَـارَا / يَعافُ وِصالَ ذاتِ البَـذلِ قَلبِـي / وَيَتَّبِـعُ الـمُمَـنَّـعَـةَ النـوَارَا/ وَمَا عَجِزَت فَكيهَةُ يَـومَ قَامَـت / بِنَصلِ السَيفِ وَاِستَلَبـوا الخِمَـارَا". الشنفرى مضرب الأمثال هو"ثابت بن اوس الأزدى"، لم يلحق الإسلام فقد توفى عام 70 قبل الهجرة،525 ميلادية، من أسرع الصعاليك فى عصره، غليظ الشفتين فسمى الشنفرى لذلك، صاحب لامية العرب، والتى لا تقل روعة عن المعلقات، يقول فيها: "أقِيمُوا بَني أمّي صُـدورَ مَطِيـِّكـم/ فإنّي إلى قَوم سِوَاكُمْ لأمْيَلُ/ فقدْ حَمَتِ الحَاجَاتُ وَالليلُ مُـقمِرٌ / وَشُدًّتْ لِطـَيَّاتٍ مَطـَايَا وَأرْحُلُ/ وَفِي الأرضِ مَنأىً لِلكَريم عَن الأذَى/ وَفيهَا لِمَنْ خَافَ القِلى مُتَعَزَّلُ" ربما لم ينصفه نقاد الشعر فى عصره، إلا أن حكام الرياضة الاولمبيين انصفوه فجعلوه مضرب للمثل السائر فى السرعة فيقال: "فلان أسرع من الشنفرى"، مات مقتولاً فقاسوا اتساع خطوته يوم مقتله، فقيل أنها بلغت عشرين خطوة، وهو القائل لوصف خطوته:" أمشي بأطراف الحماط وتارة/ تنفض رجلي بسبطأ وعصنصرا" يقصد مشيته بأطراف "الحماط" شجر التين الذى ينبت قريباً من سطح الأرض، ثم ما أن تنتفض رجله يخطوا بين وادى سبطأ، وشاطىء عصنصر على ساحل البحر الأحمر بتهامة. تأبط شراً صائد الظباء هو"ثابت بن جابر" معاصر لأعضاء فريق "الشنفرى" فقد توفى سنة 530م ، بطلاً صعلوكاً، إذا عدا حمل سيفه تحت إبطه، أو حمل جرابا ملىء بالافاعى، آو حمل كبشاً فلما وصل إلى خط النهاية، وألقى الكبش، تحول الكبش غولاً، فعرف ب"تأبط شراً" وقد وصف بأنه أعدى ذى رجلين، وذى ساقين، وذى عينين، وكان إذا جاع لم تقم له قائمة، إلا بعد أن ينظر إلى الظباء، وينتقى بنظره أسمنها، ثم يجرى خلفه، فلا يفوته حتى يأخذه فيذبحه بسيفه، ثم يشويه فيأكله، فقد كانت الأرقام القياسية وقتها تقاس نسبة إلى سرعة الظباء، ولكن التراث لم يقف عند هذا الحد فقد وصفه بعض القدماء بأنه أسرع من الجياد الجامحة، ويسبق الظبي في عدوه، وان رمى رمحه، فانه كريح الشتاء، ورغم أن له الكثير من الحكايات الخرافية مع الجان والغيلان، إلا أن الذين وصفوه، يرون انه هو الغول بعينه، فضفيرتاه تشبهان قرني الشيطان، وله عينان حمراواتان، تنبعث منهما أشعة كريهة تنذر الناظر إليهما بالموت، وفمه كفوهة بئر، أما انفه فانه يشبه رأس البعير، قُتل "تأبط شرا" في بلاد هذيل، وألقيت جثته في غار يقال له رخمان، ومن شعره الخيالى:" ألا مـن مـبلغ فتيان فـهم / بما لاقــيت عــنـد رحى بطان / وأني قد لقيت الــغول تهوي / بسهب كالصحيفة صحصحان/ فقلت لها كـلانا نـضـو أرض/ أخو ســفر فخـلي لـــي مكانـى / فشدة شـــدة تحوي فــأهوى/ لهـــا كـــفـــي بمصقـول يمانى". رغم كل هذه العنترية فى وصف العدائين العرب القدماء ، إلا أن التاريخ لم يسجل لنا بطولات عربية منظمة ، ولا أثر يدل على مضمار سباق، فبطولاتهم الجسدية، والجسمانية، تحولت إلى صفات متناهية فى المبالغة، جعلت النعت، والمنعوت، و صيغ التفضيل، والتراكيب الوصفية، من مفردات اللغة فقط وتوقفت عن هذا التناهى،ويبقى السؤال لماذا لم يعرف العرب فى عصرهم الجاهلى البطولات الرياضية المنظمة؟ كالتى عرفها اليونان فى مدينة اولمبيا التى كانت مثل مكة مركزاً للعبادة، ومنذ 776قبل الميلاد، وكان يشرف عليها الإله زوس، وزوجته هيرا، وكانت تحمل معانى دينية، ورياضية؟ هذا السؤال إلى جوار سؤال انثربيلوجى آخر؟ وهو لماذا لم تعرف العرب الملاحم الشعبية فى لغتهم كملاحم الالياذا، والاوديسا؟ كالتى عرفتها اللغة الاغريقية القديمة؟ وحتى كل هذا الوصف فى الإغارة، والمقاتلة، لم ينظم العرب بطولة رياضية فى رمى السهام، أو المبارزة السلمية؟ فقط سبى، وقتل، وقطع طرق قوافل!! إن الإشكالية التى تظل قائمة هنا أننا عندما نتقدم نحو إحداث وعى بأسلافنا فإننا نحاول الوعى بهم عبر سياقنا المعاصر، وليس بالوعى بهم عبر سياقهم، وتصبح كل شعارات العودة إلى الماضى ضرباً من ضروب العبث، بحثاً عن مثالية متوهمة، فغياب المسابقات الرياضية المنظمة عن أسلافنا، يعنى أن كل مفردات البطولة التى تذخر بها لغتنا العربية مجرد إعلانات. |