البحث في المجالس موضوعات تعليقات في
البحث المتقدم البحث في لسان العرب إرشادات البحث

مجلس : الأدب العربي

 موضوع النقاش : دور الشعر    كن أول من يقيّم
 عبد الحافظ بخيت 
28 - يونيو - 2008
 
دور الشعر العربى القديم اجتماعي وحضاريا
 
 
لقد بعدت الشقة بيننا وبين الشعر العربى القديم منذ انتهى عصر طه حسين والعقاد وزكى مبارك والزيات والذى اكد على هذه الشقة والبعد دخول الثقافة العربية فى منعطف الحداثة ومابعد الحداثة حتى امن المهتمون بالادب بتلك المقولة الجوهرية فى الحداثة ان الطريق الى الحداثة يقوم على القطيعة مع التراث وهذه مقولة كاذبة ووجد الادباء غير المخلصين الى تراثهم او غير المحبين الانتماء اليه ان هذه قرصة للتخلص من عبء التراث القديم لانهم يجدون المشقة فى التواصل مع هذه التراث وفهمه ومن ثم اقتصرت علاقتنا بالتراث على قاعات الدرس فى المدارس او الجامعات فى شكل تدريس هذا التراث على استحياء ايضا
وحين نتامل هذا التراث تجد فيه الكثير من مناهج الحداثة ووظائف التحديث فنظرة عبد القاهر الجرجانى فى الشعر وبخاصة تعرضه لمفهوم النظم لا تقل اهمية عن اطروحات (تشومسكى) او (دوسوسير) او رواد مرسة براغ ولكن هزيمة الثقافة العربية امام ثقافة الاخر جعلتنا نعتبر ان المناهج الغربية هى المثال البللورى الذى يجب ان نسير عليه
واذا كان البعض قد تعرض فى استعراضة للشعر العربى القديم على انه وليد ذهنيه عربية قديمة سطحية التفكير اعتمدت فى انتاجها الشعرى على رؤى فكرية ضيقية ورؤى جمالية مسطحة قامت على نقل اليبئة الصحراوية ووصفها ومن ثم كان الوصف هو الغالب على الشعر ال انهم لم يتاملو دور الشعربى فى الارتقاء بالبيئة العربية ولم يكن دوره مجرد الوصف لهذه البيئة واذا سألنا انفسنا :عما نبحث فى الشعر العربى؟ هل نبحث فيه عن اللغة ام التاريخ ام الانساب ام الحكمة ام الفن ام الجمال ام الرقى الثقافى والاجتماعى؟
اذا تاملنا فى الشعر العربى القديم وجدناه يحتوى على كل هذه الوظاثف ولقد وعى الدرس النقدى القديم الى تعدد ادوار الشعر العربى القديم وفطن اليه فالجاحظ –مثلا- يقول فى كتابه البيان والتبيين :"طلبت علم الشعر عند الاصمعى فوجدته لا يتقن الا غريبه فرجعت الى الاخفش فوجدنه لا يتقن الا اعرابه فعطفت على ابى عبيدة فوجدته لا يتقن الا ما اتصل به من اخبار وماتعلق بالايام والانساب فلم اظفر بما اردت الا عند الادباء الكتاب كالحسن بن وهب "/76
ومقولة الجاحظ تشير الى ان الشعر العربى متعدد الوظائف والا ما اختلف الدارسون فى فنون البحث المختلفة داخل اطار الشعر بالاضافى الى ان هذه الشعر امد النقاد بمقاييس نقديمة مختلفة فلو لم الشعر متعدد الوظائف لما توصل النقاد الى مثل هذه المقاييس فالظاهرة ام القانون ومن هنا نجد مسوغا علميا الى ان الاصمعىيجعل وظيفة الشعرالاحتفال بالجزل والغريب من اللغة واخبار العرب وايامهم كما هو الشأن فى شعر امرئ القيس وزهير والنابغة وكذلك الاخفش الذى يصل بوظيفة الشعر بتيسير قواعد اللغة العربية لذلك اخرج من من الشعر كل بيت لا يوافق القواعد اللغوية وكان هذا سببا فى هجومه على شعر بشار لاته خالف القواعد اللغوية والنحوية وابو عبيدة الذى وجد فى الشعر اقانيم اجتماعية تتصل بالانساب والاخبار والايام وغير ذلك
ومتى تأملنا ذلك كان لابد ان ننظر الى ذلك الباعث الثقافى الذى وجه الشعر العربى الى تلك الوجهات المتباينة فيرى ابن رشيق فى كتابه( العمدة ) ان القبيلة العربية كانت اذا نبغ فيها شاعر جاءت القبائل الخرى لتهنئها يذلك واقامت احتفالا وصنعت طعاما واجتمعت النساء يلعبن بالمزاهير وهذا يشير الى الى ان العرب تعى منزلة الشاعر واهمية الشعر المقدم عتها على كل شئ فهو الذى يحمى عرض القبيلة ويخلد ايامها ويدافع عن القبيلة بسهام الشعر وهو نبى القبيلة وزعيمها وهو التغنى بامجاد القبيلة وانسابها ومعتفداتها وهو بالنهاية المرآة التى تعكس الصورة المثالية للجماعة القبلية ومن هنا كان على الشاعر الجاهلى ان يعى دوره فيجتهد فى تجويد شعره وينافس غيره حتى يكون لقبيلته المنزلة التى تسمو به وتعلو ولهذا نظر العرب القدماء الى الشاعر على انه كائن نورانى وانزلوا الشعراء منزلة الانبياء لانهم لم يكن لديهم كتاب يرجعون اليه ولاحكم يأخذون به فكان الشعر ديوان علمهم ومنتهى حكمهم لما فيه من حكمة وعمل فى قلوب الملوك والاشراف وتأثير فى نفوس اهل البأس والنجدة وصار الشاعرفيهم بمنزلة الحكم يقول فيرضى الناس قوله ويحكم فلا يرد الناس حكمه مثلما كان يفعل عمرو بن كلثوم والنابغة والحارث بن حلّزة وغيرهم وهنا كانت اهم ادوار الشعر هى ذلك الربط الاجتماعى واقامة المعادل الكونى للقبيلة وخلق قوانين الضبط الاجتماعى فى ظل استقرار اجتماعى معين ارتبط به الشعر ايديولوجيا وابداعيا
ولكن هذه الوظيفة لم تستمر طويلا فقد هبت رياح التغيير على المجتمع العربى وحدثت تحولات اجتماعية مركزية داخل المجتمع العربى ادت الى ظهور تحولات مركزية ايضا فى فن الشعر وذلك مع ظهور مراكز الثراء القبلى الى ادت الى ظهور السلطة المرتبظة بالهيمنة والقوة وهذه ادت الى اهمية وجود اللسان الناطق باسمها والمعبر عنها قتداخلت العلاقة بين الشعراء وعرفت القبائل افق الربح والخسارة وعرف الشعراء عطايا الملوك امثال زهير بن ابى سلمى الذى عرف عطايا هرم بن سنان وان لم تفسد هذه العطايا زهيرا لكنها افسدت غيره مثل النابغة والاعشى الذين جعلوا المديح على قدر العطية والاوصاف على قدر النوال ومن هنا بدأ التحول من الدور المقدس للشعر الذى يتحد بالمجموع القبلى هاديا اياه الى مايراه سبيلا الى قوته الى صورة الشاعر الذى يتحد بمصالحه الخاصة ويسعى وراء المال ووضعت الاسس الاولى لوظيفة التكسب بالشعر وساعد على ذلك تنافس الشيوخ والملوك فى توظيف الشعر لتأكيد مكانتهم والدفاع عن مصالحهم
وهذا ما يفسر لنا انتقال الشعر من الطبع عند امرئ القيس ولبيد وعنترة وغيرهم الى الصنعة فيما عرف بمدرسة زهير بين ابى سلمى على غير ما يرى بعض النقاد ان الهدف من هذه التحولات انما كانت من اجل تجويد الشعر لم يكن الهدف كذلك وانما كان مسايرة لهذه التحولات الاجتماعية الجديدة فدخل الشعر منعطفا جديدا لم يتخلص منه عبر مسيرته التاريخية الى ان يدخل المجتمع العربى فى مراحل تاريخية جديدة نتعرض اليها فيما بعد ان شاء الله
وخلاصة القول ان الشعر العربى لعب اكبر الادوار فى ظهور الكثير من القوانين الاجتماعية فى المجتمع العربى وتأصيل هذه القوانين وكان خلف هذه الادوار عقلية اجتماعية معينة وخلفية ثقافية مؤثرة كما انه لعب اهم الادوار فى ابتكار النظريات التقدية والادبية على مستوى الدرس النقدى القديم والحديث والحفاظ على التاريخ العربى الذى على ضوءه فهم الكثير طبيعة الحضارة العربية القديمة
تعليقاتالكاتبتاريخ النشر
في القطيعة مع التراث العربي الاصيل     كن أول من يقيّم
 
أما قبل ؟
إن الموضوع الذي اثرته يا الاستاذ بخيت عبد الحفيظ هو في الحقيقة الجانب السلبي للحضارة العربية التي بدأت تدوب وتتلاشى في ظل العولمة المتوحشة التي انهالت علينا نحن العرب بالذات. وقد لا يجادل أحد في أن الامم العربية هي المقصودة  والمستهدفة ولم ينتبه العرب برمتهم لهذا ولم يلتفتوا البتة ويتحمل المسؤولية في اعتقادي المثقف العربي بامتياز ... وهذا ربما يكون موضوعا مثيرا في هذه المجالس الموقرة .
 
أما بعد ،
فالموضوع الذي اثرته عن الادب العربي واجناسه فقد نسي منذ ايام العقاد وطه حسين وشوقي ومفكري النهضة العربية امثل الطهطاوي وعبده وقاسم امين وغيرهم كثير .. كل هؤلاء لم يعد لهم صيت  مع هذه الاجيال التي لا تتحمل مسؤوليتها كاملا ، فهي مقتادة ايديولوجيا ومعرفيا بما تمليه الحضارة المعاصرة المطبوعة بقيم العولمة في مقابل القضائ على كل ثقافة محلية او قطرية معاندة لها ، فالثقافة الادبية بحق عنصر كبير ومثير للنهضة لاسيما انها تحيي وتوقد عناصر الوصال والارتباط الوثيق بما كان يبدعه الاجداد والاسلاف شعلراء كانوا أم ادباء مبدعين . فاثبت فعلا تاريخ الادب على انه كان لسان حال العرب يعبر عن همومهم وانشغالاتهم اليومية وايامهم وعوائدهم ومشاكلهم وصراعاتهم وطموحاتهم وطبائعهم النفسية والاجتماعية والسياسية ..أما قيم العولمة فاستعاضت الاداة الادبية والابداعية  بما تحمله هذه الوسيلة من قيم اخلاقية وحضارية شريفة ونبيله بما يسمى عندنا الان بالاعلام والتواصل الذي تتحكم فيه الدوائر المهيمنة والاستعمارية تحت شعارات زائفة ورنانة مثل حقوق الانسان والديموقراطية وحرية التعبير وكل ما يرتبط بذلك .. انها قيم محمولة بايديولوجيا جديدة للامبراطورية الاعلامية المسيطرة  الا وهي ايديولوجيا التقنية ، فالتقني والابداعي يتعارضان  لا يتواصلان ، لأن الاول يدافع عن هموم الناس وقيم الانسانية النبيلة من خلال الابتكار والابداع الفرداني والذاتي كا اثاره شاعرنا الكبير علي احمد سعيد ادونيس - اننا بحسب هذا الرجل لا زلنا في حاجة الة الذاتية الابداعية  - لنسيطر على الاقل على الثابت فينا ونبدع ما يناسبنا وما يناسب بيئتنا الحضارية ، ... أما قيم التقنية فهي صارمة  تستهدف تغييب عنصر الاخر انها فكر جمعي احادي توليتاري بامياز تريد فرض النموذج الموحد الغربي بكل قيمه الزائفة والطاعنة في الصهينة والعنجهية على جميع الشعوب وخير دليل على ما يواجهه الدين الاسلامي من قبل المحافظين الجدد تحت غطاءات متعددة ومختلفة الاشكال . إننا لا نرفض اساليب التقنية لما لهامن دور تقدمي للحضارات جميعها كما ان الغرب برمته يعتمد القيم الانسانية التي انتجها التاريخ البشري ويطبقها حصرا على شعوبه كما لو ان الانسان هنا يختلف عن انسان الهناك، فالشر والخير يتصارعان بين الابداع والتقنية ونحن العرب لم ننتبه وان انتبهنا سنستفيق متأخرين مسلوبين فالى متى سنتحرر؟
 
عزالدين علي غازي
*عزالدين
6 - يوليو - 2008