البحث في المجالس موضوعات تعليقات في
البحث المتقدم البحث في لسان العرب إرشادات البحث

مجلس : الفلسفة و علم النفس

 موضوع النقاش : كلمات فلسفية : (كوجيتو ).....    كن أول من يقيّم
 د يحيى 
18 - مايو - 2008
                    كوجيتو
 
 (الكوجيتو) ليست عربية ، وإنما لاتينية ، وهي لفظة ترتبط في تاريخ الفلسفة بديكارت الذي يعد أحد أقطاب عصر العقل (الأوروبى). وقد وضع ديكارت كتاباً شهيراً بعنوان ( التأملات) افترض فيه أن كل ما حوله ليس حقيقياً ، وإنما هو أوهام يتوهمها عقله .. خاصةً مع إمكانية وجود (شيطان ماكر) يقوم بتضليل الإنسان وإيهامه بما هو غير حقيقي .
وسار ديكارت على هذا النهج ، حتى وصلت به (التأملات) إلى الشك في كل شيء ، حتى فى وجوده ذاته .. وفي لحظة إشراق ذهني مفاجئ ، يأتى (الكوجيتو) لإخراج العقل من متاهة الشك واللايقين ، على النحو التالي : إذا كنت أشك في كل شئ ، فهذا يعني أننى أفكر ، وهو ما يعنى بدوره أن هناك إنساناً موجوداً ، يفكر ويشك .
أنا أشكُّ ، إذن أنا أفكر ، إذن أنا موجود .. ذلك هو الكوجيتو الديكارتي ، أو برهان ديكارت على وجود الذات ودليله لإثبات وجود النفس ، وهو ما يعرف تلخيصاً بعبارة : أنا أفكر إذن أنا موجود .. وهو ما تهكم به بعض معاصرينا من الظرفاء ، فجعل العبارة : أنا أشك إذن أنا دبوس .
المهم  أن ديكارت انطلق من (الكوجيتو) الذي هو إثبات لوجود النفس (اليقين الأول) إلى إثبات وجود الله الكامل الذي لا يشك في وجوده مثلما يفعل الإنسان (اليقين الثانى) ثم إلى إثبات العالم الذي هو من صنع الله الكامل ، المدبر ، الحكيم ، المسيطر على الشيطان الماكر .. وكان ذلك هو اليقين الثالث الذي انتهى إليه ديكارت من تأملاته الشهيرة التي انتقل خلالها من الشك إلى اليقين .
ومن زاوية فلسفية ، لا أرى في تاملأت ديكارت العمق الفلسفي ولا الوجداني الذي نجده مثلاً فى (المنقذ من الضلال) للإمام الغزالي ، بل أرى الأمر أقرب إلى مسرحية فكرية أخرجها ديكارت وهو يعلم مقدماً مسارها وتحولاتها وما سوف تنتهى إليه ! ولذلك ، فقد أدهشنى أديبنا الكبير نجيب محفوظ ، يوم كنا جالسين على شاطئ سكندري (قبل تعرضه لمحاولة الاغتيال ، وبعد حصوله على جائزة نوبل) .. سألته : مضى الآن على دراستك الفلسفة بجامعة القاهرة قرابة خمسين عاماً ، فمن من الفلاسفة لا يزال عالقاً بذهنك ؟
نظر نجيب محفوظ ناحية البحر ، وأطال النظر ، ثم أخرج من جيبه علبة سجائره.. وبعدما أخذ من سيجارته نفساً عميقاً نفث في الهواء دخانه ، نظر ناحيتي وقال : ديكارت! ظهرت على ملامحي آيات الاستغراب من إجابته ، فابتسم وأضاف : وكانط.. ثم ابتسم ثانية حين قلت له ما معناه : هكذا يكون الأمر منطقياً ، فإن( كانط )من شأنه أن يبقى في الذهن خمسين عاماً ، أما ديكارت فيكفيه خمسون يوماً .
.. والذى يدعوني اليوم للكلام عن (الكوجيتو) هو عبارة قالها رأس الفلسفة في مصر اليوم ، الدكتور حسن حنفي ، في ندوة جمعتنا الشهر الماضى .. قال إن علينا الخروج من الأزمة الفكرية التى نغرق فيها ، بيقين فى الذات على طريقة (الكوجيتو) بحيث يتأكد لنا وجودنا بيقين من مثل : أنا ضائع إذن أنا موجود ، أنا فقير إذن أنا موجود ، أنا متخلف إذن أنا موجود ، أنا مسكين إذن أنا موجود .. لا يهم من أين نبدأ الكوجيتو ، لكن المهم أن نبدأه مؤكدين وجودنا ! هكذا تحدث حسن حنفي.
فى اليوم التالى سافرت إلى روما وفلورنسا لأداء بعض المهام بمكتبة الإسكندرية ، وبقيت هناك عشَرة أيام أفكر بعمق فيما قاله حسن حنفي .. ووجدتني أوافقه من حيث المبدأ ، على أهمية أن نبدأ بيقين ما ، كوجيتو ما . ولكن مع ملاحظة أن الكوجيتو لا يبدأ من وصف (ضائع  مسكين ، فقير ، متخلف .. إلخ) وإنما يبدأ من فعل ! فالفعل هو بدء التكوين ومفتتح اليقين بوجود الذات . فليكن (الكوجيتو) على صيغة : أنا أتراجع إذن أنا موجود .. أنا أهوى إذن أنا موجود .. أنا أتدهور إذن أنا موجود .. أنا أُتوارث إذن أنا موجود
الدكتور : يوسف زيدان .
 
 
تعليقاتالكاتبتاريخ النشر
لا يوجد تعليقات جدبدة