تعقيب على مقالة د.الجابري في القرءان والعلوم الكونية كن أول من يقيّم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، بارك الله جميع الذين يبذلون الجهد فيما ينفعنا في ديننا ودنيانا ، والشكر الجزيل للإخوة الكرام : د.يحيى الذي نرجو له عمرة عامرة بالثواب الجزيل ، واجرا غير ممنون على مساهماته الثرية في الوراق ، والأستاذ عبد الحفيظ الذي يوقد النقاش ويلهبه بسهولة ويسر، والأستاذ زهير ظاظا الذي وهب لموضوع " القلب " روحا جديدة رائعة ومفيدة ، والشكر ، كذلك ، لجميع الأخوات والإخوة الذين لا يألون جهدا في هدايتنا إلى الصائب من القول . كما ، ونحمد لأخينا الأستاذ عبد الحفيظ إيراده مقالة الدكتور الجابري كاملة مما يجعلنا نحيط اكثر من ذي قبل بفحوى ما ترمي إليه ، ونكون على بينة من كل ما ورد فيها . وإلى حضراتكم مشاركتي ، ملبيا دعوة الأستاذ زهير ، وشاكرا له عليها . وقد رأيت ان اقتطف من مقالة الدكتور الجابري ، المفكر المشهور ، فقرات معينة أعقب ، بعون الله ، على ما جاء فيها ما استطعت ، وأذكر ما له علاقة بما ورد في المشاركات المتعددة حولها . ولكني قبل دخولي في صلب التعقيب أرى من الواجب علي ان أتطرق إلى امر أراه مهما على صعيد نظرتنا للتراث الإسلامي بجميع أشكاله وألوانه ، وإلى اجدادنا العظام الذين هم محل فخرنا واعتزازنا . وعندما يتعرض احدنا لنقد التراث ومن قاموا على إنتاجه ، فإنه ينطلق مما يلي، أو مما هو في معناه : 1ـ احترام جهود الأجداد العلمية بما أغنوا به الحضارة العالمية ، في جميع المجالات عموما ، من تقدم نحو الأفضل . والاعتراف لهم بالفضل على من بعدهم ممن وقفوا على اكتافهم ليتمكنوا من إكمال مسيرتهم العلمية ، والاعتقاد بصدق بأن الفضل لله تعالى اولا وآخرا على جميع خلقه . 2ـ الأخذ بالحسبان أنهم افتقدوا ما نلقاه في ايامنا من وسائل تعمل على تسهيل البحث العلمي ، وتقصير زمن القيام به ، وان دقة النتائج وصوابها يعتمد على كثرة الإحاطة بمختلف انواع العلوم ، وامتلاك الوسائل الكفيلة بتحقيق تلك الإحاطة، وفي أقصر وقت ممكن، وأن اجدادنا فاتهم الكثير من العلوم الحديثة التي ظهرت في القرون الأخيرة . 3ـ الأخذ بعين الاعتبار أن علوم الأوائل وما قامت عليه من اسس ، كانت متناسبة مع أزمنتهم ، واحوالهم وتقلباتها ، ومعارفهم التي شاء الله لهم معرفتها ، مثلما هي متناسبة مع كل عصر واهله . 4ـ أن نعذر اجدادنا فيما أخطؤوا فيه ، وأن نحمد لهم ما أصابوا فيه . 5ـ أن يكون هدفنا الأول دائما الربط بين الماضي والحاضر ، وذلك لاستخلاص العبر وتوظيفها فيما ينفعنا في زماننا هذا الذي تراجعنا فيه عن السير في ركب التقدم العلمي مسافة كبيرة . 6ـ أن لا نغلو في تمجيد الأجداد غلوا يحول بيننا وبين نقد علومهم نقدا مرتكزا على ما نراه في مناهجهم من اخطاء . وان لا يتهم بعضنا بعضنا الآخر بالانحراف عن نصرة العرب والمسلمين ، واتباع المستشرقين ، خاصة عندما يتعرض احدنا لبعض العلوم المتعلقة بالفكر الديني أو اللغوي ، أو العلمي و الفلسفي . ــــــــــــــــــــــــــــــ أن يقوم علماء الغرب بالكشف عن حقيقة علمية، في الأرض أو في السماء، انطلاقا من مبادئ فكرية وفرضيات منهجية لا علاقة لها إطلاقا لا بالقرآن ولا بالدين، أي دين -ومنهم من لا يؤمن بالله أو على الأقل لا ينطلق من إيمانه الديني في عملية البحث العلمي.. قول الدكتور الجابري يأخذنا إلى النظر والفحص والتدقيق في معناه ؛ لأننا لن نسلم ، دون اقتناع ، بأن لا علاقة على الإطلاق بين القرءان ، او الدين عموما ، وبين المباديء الفكرية والفرضيات المنهجية التي يقوم عليها اكتشاف الحقائق العلمية على حد قوله . ولا بد من الإشارة إلى أن العلم الطبيعي لم يكن ليوجد أصلا لولا أنه يقوم في أساسه على أن العالم الذي نعيش فيه عالم منظم فائق التنظيم ، وهذا التنظيم هو الذي اتاح للعلم أن يتقدم في سيره نحو اكتشاف الحقائق والاستفادة منها ، ولولاه لما باء هذا العلم إلا بالخسران . وهذا التنظيم ، وهذه الاستفادة أيضا ، هو ما نص عليه الدين عموما ، ولا نجد في الدين تأييدا لمن يظن ان للمصادفة ، إن وجدت ، دورا في تنظيم بنية الكون وقوانينه . ولكن منذ متى عرف العلم الطبيعي بعض مظاهر هذا التنظيم الدقيق في الكون ؟ هل عرفه قبل الدين او مع الدين او بعد الدين ؟ الدين يجيب على هذا بان معرفة الإنسان بما حوله من كائنات ، ومعرفته لكيفية التعامل معها ، بدات تدريجية بعد ان أهبط آدم إلى الأرض من جنته التي كان يعيش فيها دون جهد منه في تكلف اسباب المعيشة . إجابة الدين هذه ليس في العلم ما ينكرها ، بل إن فيه ما يثبتها عند البحث في حياة الإنسان البدائية وكيف تم له اكتشاف النار ، وتعلم الصيد وصنع ادواته ، واختراعه الكثير من الوسائل التي تحقق له مبتغاه ، وتعينه على مواجهة الحياة ومتطلباتها . ولكننا من حقنا ان نتساءل : هل العلم عندما يواجه حقيقة علمية ، ثم يجدها مكتوبة في القرءان ، فماذا يكون تصرفه إزاء ذلك ؟ إن كانت تلك الحقيقة مما يعرفه جميع الناس ، فلن يَتعجب العلم من ذكر القرءان لتلك الحقيقة وامثالها ، إنما يمكن ان يعجب ، ولو قليلا ، بالحث على الاستفادة من تلك الحقائق بالنظر فيها كيف تعمل . وإذا كانت الحقيقة لا يعرفها الناس ، أو على أقل تقدير محمد وقومه وأهل جزيرته العربية لا يعرفونها ، فإن من واجب العلم ساعتها أن يقف متأملا تلك المعرفة كيف أويتها من يجهلها وهو لم يكن عالما بالعلوم الطبيعية . ومن ميزات القرءان على غيره من الكتب السابقة هو انه يذكر بعض الحقائق العلمية العامة التي يعرفها كل الخلق ، وفي ذات الوقت ، لا يعارض حقيقة علمية لم يرد ذكرها فيه صراحة أو تلميحا ، وفوق ذلك كله ، يذكر ويخبر بأمور لا يعلمها من قبله لا إنس ولا جان ، من مثل مدة خلق الأرض والسماوات ، وهي التي سبق ذكرها في مشاركاتي السابقة في موضوع " القلب " الذي قدمه الدكتور يحيى . والحقائق العلمية اشكال والوان كثيرة ؛ منها ما يعرفه القاصي والداني ، ونلمسه كلنا منذ ان وجدنا على هذه الأرض ، مثل حقيقة ان الهواء لا حياة لنا دونه ـ وهنا اعجب لقول من قال : إذا خلا الجو من هواء ، فعيشنا غمة وبؤس ، إلا إذا كان يعني بخلو الجو قلة الهواء النقي فيه ، لا خلوه منه تماما ــ ومنها ما كان خافيا على بعضنا دون ان يخفى على بعضنا الآخر ، وذلك مثل دوران الأرض وهل هي كالكرة أو غير ذلك ، ومنها ما يخص علوما معينة يعرف حقائقها المشتغلون بها . المهم في الأمر ان العلم لم يكتشف كل الحقائق اكتشافا إنما حاول تفسير عملها ، فالنحل مثلا يصنع العسل ، والعلم يكتشف كيف يتم ذلك . |