البحث في المجالس موضوعات تعليقات في
البحث المتقدم البحث في لسان العرب إرشادات البحث

مجلس : علوم القرآن

 موضوع النقاش : القلب    قيّم
التقييم :
( من قبل 2 أعضاء )
 د يحيى 
19 - مارس - 2008
القلب بين التعريف الطبي والاصطلاح القرآني
يُعرِّف علم التشريح القلبَ بأنه عضلة كمثرية الشكل توجد في القفص الصدري وأنها المسئولة عن ضخ الدم إلى أجزاء الجسم المختلفة، وعلى هذا الأساس التشريحي يمكن فهم قول النبي صلى الله عليه وسلم: (ألا وإنّ في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب) [أخرجه البخاري ومسلم من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنهما]..
فإن المعروف اليوم عند الأطباء أنه حينما يكون القلب صالحاً سليماً فإن الدورة الدموية تستقيم، وتنال كل خلية من الجسم نصيبها من الدم الذي يحمل لها الغذاء والأوكسجين والذي به يتم احتراق المواد الغذائية، وانطلاق الطاقة وصلاح الجسم، وأنه إذا فسد القلب اختل نظام الدورة الدموية واختل وصول الغذاء والأوكسجين إلى خلايا الجسم المختلفة فيفسد الجسد كله، وهذا كله يوافق ما أشار إليه الحديث الشريف .
ولكننا من جانب آخر نجد النصوص الشرعية تتحدث عن القلب بوصفه محلاً للإيمان والفقه والعقل، كما في قوله تعالى في سورة المائدة : (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لاَ يَحْزُنكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُواْ آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِن قُلُوبُهُمْ)،وقوله في سورة الحج: (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ) وقوله في سورة الأعراف : (وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَـئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ) فإن الظاهر من هذه الآيات وأشباهها أن القلب هو محل الإيمان ومركز الفقه والعقل ، وأن مدلوله يتعدى كونه عضلة تضخ الدم إلى أجزاء الجسم المختلفة ليكون محلاً للفِكَر والاعتقادات والعواطف .
ولوأخذنا بظاهر ذلك لكان معنى نقل قلب إنسان لإنسان آخر أن المنقول إليه سوف يتحول إلى شخصية الإنسان المنقول منه القلب، وهذا خلاف ما ثبت من خلال عمليات زراعة القلب البشري والصناعي وأصبح حقيقة علمية لا جدال فيها من أن حياة الشخص المنقول إليه تستمر بجسده وفكره وعاطفته وحواسه وإدراكه، كما جاء في دراسة طبية أعدتها وزارة الصحة السعودية وقد نقلها الدكتور علي السالوس في كتابه الاقتصاد الإسلامي والقضايا الفقهية المعاصرة(2/ 843وما بعدها).
وقد جاء في تلك الدراسة أيضاً أن المخ هو مكان استقبال جميع الحواس من سمع وبصر وشم وذوق ولمس ،كما أنه المكان الوحيد للاتصال بالعالم الخارجي، فهو يحتوي على مخازن الذاكرة، كما يحتوي على أنماط الطباع والعادات والمثل المكتسبة، وهو مكمن الغرائز، كما أنه مصدر الأفعال المترتبة على ما يستقبل من معلومات، وعرف الأطباء ذلك لأن تلف أجزاء محددة من الدماغ ينتج عنه فقد قدرات معينة اختصت بهذه الأجزاء.
وبناءً على هذه الدراسة وغيرها قرر مجمع الفقه الإسلامي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي في مؤتمره الثالث عام 1407هـ أن الشخص يعدّ قد مات وتترتب جميع الأحكام المترتبة على موته شرعاً إذا تبينت فيه إحدى العلامتين التاليتين:
إذا توقف قلبه وتنفسه توقفاً تاماً،وحكم الأطباء بأن هذا التوقف لا رجعة فيه..
أو إذا تعطلت جميع وظائف دماغه تعطلاً نهائياً وحكم الأطباء الإخصائيون والخبراء بأن هذا التعطل لا رجعة فيه وأخذ دماغه في التحلل.. وفي هذه الحالة يجوز رفع أجهزة الإنعاش المركبة على الشخص وإن كان بعض الأعضاء كالقلب مثلاً لا يزال يعمل آلياً بفعل الأجهزة المركبة.
بل إن القرآن الكريم قد سبق الطب العصري في إثبات أهمية ناصية الإنسان وهي مُقدَمُ رأسه في توجيه سلوكه وتصرفاته، حيث قال تعالى: (كَلَّا لَئِن لَّمْ يَنتَهِ لَنَسْفَعاً بِالنَّاصِيَةِ * نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ) وقد ذكر الشيخ عبد المجيد الزنداني في بعض كتاباته أن من الإعجاز العلمي في هذه الآية ما أثبته العلم الحديث من أن ناصية الإنسان هي المسؤولة عن توجيه سلوك الإنسان، ونَقَل عن بعض المتخصصين من الغربيين كالبروفيسور (كيث إلمور) أن الناصية هي المسؤولة عن المقايسات العليا وتوجيه سلوك الإنسان، وما الجوارح إلا جنودٌ تنفذ هذه القرارات التي تتخذ في الناصية؛ لذلك فإن القانون في بعض الولايات الأمريكية يجعل عقوبة كبار المجرمين الذي يرهقون أجهزة الشرطة هي استئصال الجزء الأمامي من المخ الناصية؛ لأنه مركز القيادة والتوجيه ليصبح المجرم بعد ذلك كطفلٍ وديع يستقبل الأوامر من أي شخص.
هذا وقد راجعت ما كتبه بعض المتخصصين في مجال الإعجاز العلمي، فرأيت بعضهم يشير إلى أنه لوحظ من خلال بعض حالات نقل القلب أن الشخص الذي يزرع له قلب شخص آخر يحدث عنده بعض التغيرات في اتجاه التأثر بشخصية صاحب القلب الأصلي، ومن ذلك ما ذكره بعضهم من أن فتاة نُقل لها قلب شاب مات في حادث سير فصارت بعد نقل القلب تتصرف بطريقة ذكورية، وتحب بعض الأكل الذي لم تكن تحبه مثل الفلفل الأخضر والبيرة وقطع الدجاج وأنها عندما قابلت أهل ذلك الشاب اكتشفت أن تلك الأمور التي جدّت عليها كانت معروفة عن ذلك الشاب، ومن ذلك أيضاً أن فتاة نقل لها قلب شاب كان يهوى الموسيقا والغناء ويكتب الشعر فصارت تهوى ما كان يهواه ذلك الشاب من الموسيقا وكتابة الشعر، وأنها عزفت أمام والدي الشاب المتوفى قطعة موسيقية كان يعزفها ابنهما قبل وفاته، وغير ذلك من الحوادث.
لكنا لا نستطيع التأكد تماماً من صِحة تلك الحوادث، وبعض الباحثين الغربيين يعدّها  مصادفة، وبفرْض صِحة تلك الحوادث فإن الذين نقلوها لم يذكروا أن شخصية الإنسان الذي نُقل إليه القلب قد تبدلت تماماً، وإنما كل ما يذكرونه هو نوع من التغيير في بعض التصرفات والسلوكيات.
ولذلك فإن الذي أميل إليه في هذه القضية هو أن المقصود بالقلب الذي هو محل الإيمان والفهم والعقل والحب والبغض أوسع من مجرد القلب العضلي المعروف، وقد يكون القلب - المشار إليه بأنه محل الإيمان والكفر والحب والبغض - قد يكون -والله أعلم -إشارة إلى شيء ما معنوي أو مادي في جسم الإنسان له ارتباط بالمخ والجهاز العصبي من ناحية، وله ارتباط بالقلب العضلي المعروف من ناحية أخرى، وقد ذهب أبو حامد الغزالي إلى نحو ذلك حين ذكر أن هناك كياناً معنوياً في جسم الإنسان هو الذي يطلق عليه القلب في القرآن، وهذا الكيان هو الكيان المخاطب والمعاقب في الإنسان، وليس هو القلب المادي المعروف وإن كان له به تعلق لا ندرك كنهه.
كما ذكر الدكتور زغلول النجار في بعض مقالاته أن الوظائف التي ينسبها القرآن الكريم للقلب من الفهم والعقل ونحوه لا يظهر ارتباطها مباشرة بالقلب الذي هوعضلة في الصدر، وإن كنا لا نستبعد أن تكون تلك الوظائف مرتبطة بالقلب بصورة لم يدركها الإنسان بعد.
وهذا كله قريب مما ذكرناه، وهو على كل حال مجرد اجتهاد، والله تعالى أعلم بالصواب.
 جزى الله خيراً كاتبها وقارئها وموصلها . آمين .
 
 1  2 
تعليقاتالكاتبتاريخ النشر
شكر ومودة    كن أول من يقيّم
 
أخي الكريم ، والحبيب الطيب ، الدكتور يحيى ،
أدعو الله السميع المجيب بأن يجزيكم خير ما دعوتم ، وان ينعم عليكم وعلى امثالكم بالخير العميم في دنياكم وفي آخرتكم .
تحياتي ومودتي لجنابكم الكريم
*ياسين الشيخ سليمان
27 - مارس - 2008
حول الحقيقة العلمية ونسبيتها    كن أول من يقيّم
 
 
أخي الأستاذ العزيز abdelhafid ،
    أشكرك لك أكثر على تفضلك بالشكر لي ، وأكرر الشكر على ما أفيده من مداخلاتك التي لا تتحفنا بها  إلا ونحن في  حاجة إليها . وأظن أن حضرتك وحضرة الدكتور يحيى لا مانع لديكما من أن أعقب على نص الدكتور الجابري ، لا لشيء إلا أن ازداد فهما ، أو أجد تصحيحا لما يمكن ان يصدر مني من أخطاء :
    من المحتمل ان الدكتور الجابري يعني بالحقائق العلمية الدائمة النسبية من جهة صحتها ، ودوامها ، والحاجة إليها او الاستغناء عنها ، هي تلك الحقائق الخاصة بعلم من العلوم كالفيزياء أو الرياضيات مثلا . فالذي يقول إن مجموع زوايا اي مثلث مرسوم على سطح مستو ، إن وُجد ذلك السطح ، يكون مساويا لعدد من الدرجات مساو لمئة وثمانين درجة ، فإننا نعتبر قوله صحيحا صحة نسبية . أما الحقائق العلمية العامة مثل بزوغ الشمس وأفولها كل يوم ، بغض النظر عن طول مدة هذا اليوم أو قصرها ، فلا تؤثر فيها نسبيتها إن أخذت تلك النسبية في الحسبان فيما يخص سكان الأرض على الأقل . أما هذا العلم الذي شغله الشاغل هو إقامة الدليل باستمرار على ان النهار هو بالفعل نهار ، فهو ، بالفعل ، لا يصح في فهمه شيء من الأشياء أبدا ، وعلى رأس هذه الأشياء هي البديهيات العقلية ، مثل : الكل أكبر من الجزء ، والتي لا يؤمن هذا العلم بها إلا مضطرا اضطرارا يظل في نظره مؤقتا حتى يأتي بالدليل العقلي عليها إن تمكن من ذلك . وما دامت هذه هي نظرة العلم الطبيعي نحو الحقائق ، فإننا يمكننا ، وبسهولة ويسر ، أن نستخدمها ضده ، فنقرر أن نظرته هذه نظرة غير مطلقة الصحة أيضا ، وأنها نسبية ، وأنها مؤقتة . ولكننا من حقنا ان نتساءل عن مصدر هذه النظرة من اين أتى . ويبدو أن مصدرها قد أتى مما يسمى بالعقل المجرد او النظري ، والذي يبدو أنه هو عقل ما يسميه الدين بالشيطان . العقل النظري هذا ساهم في تقدم العلوم تقدما جعل الكثير من الناس يتخذونه إلها من دون الله ، بالرغم من أنه هو نفسه لا يقر بوجود إله ولا ينكره في آن واحد . ونحن إن نتبع هذا العقل فيما يوسوس به لنا ، فسوف نقول إن دوران الأرض حول نفسها مرة كل يوم ربما يكون صحيحا وربما لا يكون ، أو إنه صحيح حينا ، وباطل حينا آخر ، أو إنه صحيح وغير صحيح في آن واحد ، أو إنه وهمٌ نعيشه ولا ندري هل نحن في حلم أم في علم ، إلى مثل هذه الأقوال التي لا انتهاء لها . هذه الأقوال ذات مضرة واضحة ، يتلخص ضررها في إمكانية أن نصاب بما يسميه أطباء النفوس بالوسواس القهري الذي ربما يودي بنا إلى هاوية غير ذات قرار . والمؤمن بالقرءان وبما جاء به ، يجد فيه ذكرا لحقائق عامة يعرفها ويؤمن بها كل اهل الأرض جميعا ، وإن اختلفوا في كيفية تفسيرها وكيفية حدوثها ، مثل وجود الليل والنهار ، ووجود الكواكب والنجوم ، وأن الإنسان يقدر على النطق ، وأن الأرض فيها من المعادن أنواع مختلفة ، وعليها من الدواب والنباتات أصناف متنوعة ، وأن الهواء والماء ضروريان لحياة الأحياء ، إلى الكثير من هذه الحقائق . إن ورود مثل هذه الحقائق في القرءان لا يدل على الإعجاز في معرفتها والتيقن من صحتها ، ولكن ورودها يهدف إلى التدليل على قدرة خالقها وحكمته. ومن الحقائق العلمية التي يذكرها القرءان حقائق كان الناس لا يعلمونها قبل نزول القرءان ، ومثلٌ عليها هو دوران الأرض . والآية الكريمة من سورة النمل : " وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب ، صنع الله الذي اتقن كل شيء ، إنه خبير بما تفعلون " ، آية ذكرت حركة الأرض مع ذكر نسبية الاعتقاد والتصديق بهذه الحركة . هذه النسبية لم تؤثر في صحة هذه الحقيقة شيئا . مثل هذه الآية السالفة الذكر يمكن اعتبارها إعجازا إخباريا عن شيء كان الناس يجهلونه قبل نزول القرءان ، ويدلل ذلك على صدق من جاء بالقرءان . ولا يمكن لأحد كائنا من كان أن يدحض حقيقة دوران الأرض ، وان يشكك في ذلك ولو كان العقل النظري نفسه . ولو قال هذا العقل النظري أن الأرض تدور ولا تدور في آن واحد ، فإنه يكون قد نقض مسلماته التي يدّعي انه مجبور عليها . ومن الآيات الكريمة التي تذكر إعجازا يؤمن به المؤمنون بالدين ، ويؤمن بإمكانية أو احتمال حدوثه في المستقبل أهل الفيزياء الحديثة ، هي تلك الآيات التي تخبرنا عن نقل عرش ملكة سبأ ، فتذكر مقدرة الذي عنده علم من الكتاب على نقل عرش ملكة سبأ ـ وهو جسم مادي كبير الحجم ثقيل الوزن ـ في زمن أقل من الزمن الذي يستغرقه الطرف في الارتداد . ونحن ، لو عرفنا زمن ارتداد الطرف ، ما تمكنا من معرفة الزمن الذي هو اقل منه وما مقداره بحساباتنا ؛ لأن الأقل لا بد وهناك ما هو أقل منه . قصة نقل العرش هذه ، ظلت في نظر غير المؤمنين بالقرءان أسطورة جميلة يظنونها من خيال النبي ، إلى ان أخذوا في محاولة تقليدها ولو على نطاق الجسيمات التي تسمى بالأولية . ولو كان النبي وقومه ، وقبلهم النبي سليمان وجنوده ، من علماء الفيزياء الحديثة ـ  بل يجب ان يفوقوا علماء الفيزياء في عصرنا بمقدار كبير من العلم والتقدم التكنولوجي حتى يتمكنوا من نقل العرش بسرعة هائلة ـ  وكانوا من الذين وضعوا نظرية مثل نظرية النموذج القياسي ، والتي تحاول معرفة الجسيمات الدقيقة ومن هو الأصغر منها ، وكيفية تصرفاتها ، لما رأينا في قصة نقل العرش إعجازا ، ولقلنا إن أصحاب سيدنا سليمان من علماء الفيزياء ، أو خبراء التكنولوجيا النانوية المتطورة ، قد فتتوا عرش الملكة إلى جسيمات دقيقة ، وقاموا بإرسالها جسيمة تلو الأخرى  إلى صرح سليمان النبي ، وهناك اجتمعت جميعا دون ان تشذ واحدة عن مكانها ، وقد تم ذلك في جزء ضئيل من النانو ثانية . ولكن رجلا من اهل جزيرة العرب يخبرنا بها وبتفاصيلها ، وانها حدثت في زمن يسبق زمنه بمئات السنين ، لا بد وأن يكون قد تلقى ذلك من لدن العليم به وهو الله تعالى . قصة نقل عرش الملكة هذه تبدو لنا ذات فائدة كبيرة في حث غير المؤمنين بالدين من علماء الطبيعيات على ان يؤمنوا به ، خصوصا ونظرياتهم الحديثة لا تبعد كثيرا عما ورد في تلك القصة ، كما انها وامثالها يمكن ان تقرب بين الدين والعلم في نظر من يظنون ان هناك تعارضا بينهما .
    إن ما ذهب إليه الإمام الشاطبي كان فيه على حق ؛ لأنه وجد في زمانه من يظن ان كل علم من العلوم مذكورة تفاصيله في كتاب الله . وينظر الشاطبي إلى اخطاء العلماء وعلومهم ، وأن الكثيرين منهم لا يميزون بين الحقيقة والنظرية ، فيخشى على القرءان من الامتهان ، وخشيته في محلها، حتى وصل به الأمر إلى المغالاة بالقول بأن القرءان لا يفهمه إلا العرب فقط لأنه بلسانهم نزل ، خشية من ان يُفسر القرءان تفسيرا خاطئا . ونحن ، وفي هذا العصر ، نرى الكثيرين يظنون في العلاقة بين القرءان والعلم ما كان في ظن من عاصر الشاطبي . في إحدى المنتديات العلمية رأيت عضوا وقد ذكر قول المفسرين في الآية القرءانية " وعندهم قاصرات الطرف عِين " وهو : (حابسات الأعين عن ازواجهن فقصرت أبصارهن على ازواجهن لا يمددن طرفا إلى غيرهم . والعِين : النجل العيون . )  ثم يأخذ بتفسير هذه الآية المذكورة تفسيرا علميا كما هو يفهم . وما فهمته من تفسيره يتلخص بأن قصر النظر من اسبابه الهامة كبر حجم العدسة ، والذي في نفس الوقت يضفي على العيون القصيرة النظر حسنا وبهاء ، ولهذا كانت الحور العين قاصرات الطرف ( مصابات بقصر النظر الطبي ) نجلاوات العيون ، أي اقتصر نظرهن على ازواجهن دون غيرهم من الرجال ، فهن لا يستطعن النظر إلى غير ازواجهن ولو أردن ذلك ، أي أن قصر النظر المعروف طبيا قد سبق القرءان بذكره . هذا التفسير العلمي نسي صاحبه أن قصر النظر الطبي يصاب به الناس من قديم ، وانه لا دخل له بغض الطرف ، وان المصاب بقصر النظر لا يمنعه ذلك من التطلع إلى ما لا حق له فيه ، بأن يقترب من المنظور إليه اقترابا كافيا . ويشبه ذلك ما نقرؤه من التفاسير التي يصفها اصحابها بالعلمية تفسير احدهم واحدا من الأحاديث التي رفعت إلى النبي الكريم والتي تـُبين أن سبب صياح الديكة هو رؤيتها للملائكة ، وأن نهيق الحمير سببه رؤيتها للشياطين . ويأخذ ذلك المفسر يبين ذلك علميا بذكره الأشعة البنفسجية ، وما تحت الحمراء ، ويظن أن تفسيره حقيقة علمية جاء بها الحديث المذكور دلالة على صدق النبي . ويشبه هذا قول مفسر علمي آخر عن النبي أنه كان يرى من خلف رأسه الشريف ، ويرى الأشياء في العتمة بوضوح تام أشد من وضوح المناظير الليلية بكثير، وبهذا فإن اختراع المنظار الليلي يعود في أساسه إلى هذه الخاصية النبوية . ونحن هنا لسنا بصدد التعرض لصحة الأحاديث النبوية ومقدار وكبفية فهمنا لها ، ولكن ما نؤكد عليه هو ان التفسير العلمي لهذا الأحاديث يناقض العلم الطبيعي الذي اتخذنا منه دليلا على التفسير العلمي الإعجازي  . حتى الدكتور زغلول النجار ، وهو العالم ذو المقام الخطير في الإعجاز العلمي ، قيل عنه إنه ينكر أن يكون هناك ما هو اصغر من الذرة ، لأن القرءان ، وفقا لفهمه ، ذكر انها اصغر شيء ! وكنت قد علمت هذا من برنامج حول الشريعة والحياة في إحدى الفضائيات .
أما أن الحقيقة مؤقتة أم دائمة ، فهذا شأن آخر ، ولا دخل له في كون الحقيقة حقيقة . الخلق يموتون ، وهذه حقيقة عامة يؤمن بصحتهاعلماء الطبيعة ومعهم جميع الناس ، ولكن العلم الطبيعي حتى هذه الساعة لا يملك الدليل على دوامها ، ولا يملك الدليل على انتهائها في زمن مقبل . وربما يأمل الكثير من الناس دوامها كلما لمسوا تقدما في علوم الحياة ومكافحة الهرم . ولكن نصوص الدين تؤكد بالطبع أن كل نفس ذائقة الموت . ومن هذا نفهم ان الموت يقع على النفوس لا محالة ، ولكن فهمنا لمعنى الموت وكيفيته ، ومعنى النفس والروح والجسد ، هو ما يمكن ان يكون مدارا للاختلاف . بقي أن أذكر أمرا أراه مفيدا ، وهو ان غالب علماء الطبيعيات هم من المؤمنين بالله ، ولا اظنهم يتخذون جميعا من العقل النظري وحده مرتكزا لنظرياتهم العلمية . وما تقدمهم العلمي في بحوثهم إلا ثمرة لهذا الإيمان الذي يمكن ان يكون ناتجا عن قناعتهم بان هناك ما هو من وراء العقل النظري يجعلهم يسلمون لله تسليما ؛ تسليما بوساطة الأفئدة والقلوب ، قبل تسليم الأدمغة والحواس .
الخلاصة :
هناك في القرءان وما صح من السنة النبوية إعجاز في الإنباء عما كان الناس لا يعرفونه ، وهذا من دلائل صدق النبي غير الدلائل العديدة الأخرى ، وأن بعض الحقائق العلمية لا دخل لنسبيتها في حقيقة صحتها ، فهي ما دامت تصح عند من ينتفع بها زمانا ومكانا ، فلا اهمية للأطر والمرجعيات الأخرى التي تجعل حقيقتها تبدو مختلفة وفقا لكل مرجعية على حدة ، وذلك مثل حقيقة دوران الأرض التي نحسبها جامدة وفقا لإطار معين ، وهو النظر إليها من على سطحها ، وهي في الإطار الآخر، الذي يكون خارجها وخارج جوّها ، تبدو وهي تدور حقا ، كما أن توقيت الحقيقة بأن نخصها بزمن معين ، وانها لا تعود صالحة إلا في مكانها وزمانها ، أمرلا دخل له في أن نصدقها او نكذبها . والحقائق العلمية الغير عامة ، مثل صدق النظريات الرياضية ، أو صدق القوانين الفيزيائية ، فإنه يصلح لحال دون حال ، ولزمن دون زمن ، ولا يعني ذلك ان نحكم على هذا الصدق بانه صار كذبا ، بل يعني أن نستعمل الحقيقة فيما يناسبها . كما ان هناك ضررا كبيرا يمكن ان يصيب معتقداتنا الدينية إذا لم نفرق بين معنى الإعجاز، وبين التفسير العلمي لهذا الإعجاز .
تحياتي لجميع الأخوات والإخوة في الوراق ، وكذلك لضيوفه .
 
 
 
 
 
*ياسين الشيخ سليمان
27 - مارس - 2008
الإلهام    كن أول من يقيّم
 
ليس العِلمُ كلَّ قراءةٍ وكتابة ، إنما للإلهام فيه نصيبٌ . هذا الفتح الربّاني ينمّ على تقوى . وصدَق الله : " فاتقوا الله ويعلّمكم الله".
أخي العزيز الأستاذ ( ياسين ) : أدعو الله ربَّ العالمين بأسمائه وصفاته أن يفتحَ عليك ، ويزيدَك عِلماً نافعاً ، ورزقاً واسعاً ، ودعاءً مستجاباً ، وأبشّرك بأني ، إنْ شاء الله، شادٌّ الرِّحال َ إلى  المسجدَين  ؛ لأعتمرَ غيرَ مرّة ، ثم السلام على الحبيب الأعظم ، صلوات ربي وسلامه عليه ،وعلى آله وصحبه ، وسأدعو لك وللإخوة الذين أحببتهم في الله . 
سبحان اللهِ وبحمده ، وكأنك تَلمذتَ لِشيخنا الجليل : محمد سعيد رمضان البوطي - حفظه اللهُ أرحم الراحمين- والسلام عليكم في الأولى والآخرة ورحمة الله تعالى وبركاته .
*د يحيى
28 - مارس - 2008
القرآن والعلوم الكونية..    كن أول من يقيّم
 
 الأستاذ ياسين صباح الخير .
* لن أعلق على مقدمتك  التي "تعني وتعني " .....
 
أخي الأستاذ العزيز abdelhafid ،
    أشكرك لك أكثر على تفضلك بالشكر لي ، وأكرر الشكر على ما أفيده من مداخلاتك التي لا تتحفنا بها  إلا ونحن في  حاجة إليها .
 
*تعقيبك كان على فقرة مقتطفة  فقط  !! وإليك النص كاملا كما ورد في موقع صاحبه .
 
 
القرآن والعلوم الكونية
 
محمد عابد الجابري
نسمع بين حين وآخر عن صدور بحث أو كتاب في موضوع "القرآن والعلوم الكونية" يضاف إلى سلسلة الكتب التي أخذت تظهر بين حين وآخر منذ القرن التاسع عشر والتي كان أشهرها وأعمها تفسير طنطاوي جوهري. ولا شك أن مقصود هؤلاء المؤلفين مقصود لا تشوبه شائبة إذ يهدفون إلى إبراز شمولية القرآن الكريم ببيان أنه سبق إلى الكشف، أو على الأقل إلى الإشارة، إلى كثير من الحقائق التي لم يستطع العلم الوصول إليها إلا حديثا، مما يشكل مظهرا جديدا من مظاهر إعجازه.
ومع نبل هذا المقصد وشرفه فالمسألة في تقديري فيها نظر، وهذه بعض من وجوهه :
1- أن يقوم علماء الغرب بالكشف عن حقيقة علمية، في الأرض أو في السماء، انطلاقا من مبادئ فكرية وفرضيات منهجية لا علاقة لها إطلاقا لا بالقرآن ولا بالدين، أي دين -ومنهم من لا يؤمن بالله أو على الأقل لا ينطلق من إيمانه الديني في عملية البحث العلمي- أقول أن يكتشف علماء الغرب حقائق علمية ثم يأتي أحدنا، نحن الذين لم نكتشف شيئا، ويقول : هذا "موجود" عندنا في القرآن الكريم، ثم يعمد إلى تأويل آيات وألفاظ في القرآن بالصورة التي تخدم غرضه وبطريقة لا تخلو في أغلب الأحيان من تعسف، ضاربا صفحا عن آيات أخرى يخالف ظاهرها ما يريد أن يثبته بالتأويل - أعود فأقول أن يفعل أحدنا هذا وأكثر، فهذا ما لا يخدم أية قضية من قضايانا، وهذا ما لسنا في حاجة إلى تكلفه؛ بل قد ينقلب الأمر علينا فيسألنا سائل ممن له قضية تناقض قضيتنا قائلا: "وأين كنتم؟ ولماذا لم تزيلوا الستار عن هذه الحقائق العلمية وهي لديكم في كتابكم كما تزعمون؟"، إلى غير ذلك من الاعتراضات والإحراجات التي تزرع الشكوك، والتي نحن أصلا في غنى عنها، لأن قضيتنا أصلا في غنى عن تأييد أو عدم تأييد "الحقائق" العلمية لكتابنا المقدس.
2- وهذا يقودنا إلى وجه آخر من وجوه النظر في هذه المسألة: ذلك أن الحقائق العلمية، هي دائما وأبدا، حقائق نسبية، وفي الغالب مؤقتة، لأن العلم ينمو ويتجدد ويتجاوز نفسه باستمرار، بحيث أن كل حقيقة يكتشفها هي معرضة أصلا لأن يتجاوزها اكتشاف علمي آخر يجعل منها نظرية باطلة أو "حقيقة" لم تعد نافعة ولا مفيدة لكون العلم لم يعد في حاجة إليها. وإذن فربط آية من آي الذكر الحكيم بكشف من الكشوف العلمية ينطوي على مجازفة خطيرة، لأنه لا أحد يضمن أن هذا الكشف العلمي سيظل يشكل بالنسبة إلى العلم والعلماء حقيقة علمية، حتى ولو كان واضحا وضوح النهار، ذلك لأن العلم لا يحترم وجهة النظر البيانية القائلة : "وهل يحتاج النهار إلى دليل؟". إن الشغل الشاغل للعلم هو إقامة الدليل باستمرار على أن "النهار" هو بالفعل "نهار"!
3- ونتأدى من هنا إلى وجه آخر من وجوه النظر في هذه المسألة: ذلك أن القرآن "بيان للناس". والناس الذين خاطبهم القرآن بلغتهم هم عرب الجزيرة العربية، وقد خاطبهم بطريقتهم البيانية وعلى معهودهم وقدرتهم على الفهم والمعرفة فلفت نظرهم إلى ظواهر الكون التي تَبِين بنفسها لمن تبَيَّن: لفت نظرهم "إلى الأرض كيف سطحت" كما تبدو في شكلها الظاهري للعين المجردة، والتي يراها الإنسان مسطحة سواء كان واقفا أو ماشيا أو راكبا دابة، متجها شمالا أو جنوبا، شرقا أو غربا، طال به السفر أو قصر. ولفت نظرهم إلى حركة الشمس الظاهرة، أي كما تبدو لهم كل يوم وهي "تجري لمستقر لها" وهو مكان غروبها حيث تبدو وكأنها قد استقرت بعد أن غربت... مثل هذا الفهم البياني الذي هو من نوع "وهل يحتاج النهار إلى دليل؟" هو الأنسب، لأنه في متناول الإنسان مهما كانت درجة تطوره الفكري، إنه فهم يقوم على المشاهدة الظاهرية للشيء، وهو يفي بالغرض، في هذا الموضوع، غرض "الاعتبار" والانتقال من المشاهدة إلى طرح السؤال المطلوب. والسؤال المطلوب هنا ليس من قبيل "كيف يحدث هذا النظام الكوني؟"، بل السؤال المطلوب هو : "من خلق هذا؟".
وإذن، فالعمل الذي يقوم به المؤلفون المحدثون في موضوع "القرآن والعلوم الكونية"، والذي يعتمد كما قلنا على تأويلات وأحيانا على تحليلات غير ناجحة في الغالب، هو عمل فيه تكلف كبير ومظنة لإثارة الشكوك. نعم أنا أستثني من ذلك ما قام به طنطاوي جوهري في تفسيره، لأن الدافع الأساسي الذي كان وراء تفسيره القرآن بتوظيف العلوم الطبيعية إلى أبعد حد –كما كانت متداولة في عهده- هو في ما أعتقد دافع آخر مختلف تماما، ومشروع تماما، وكانت نهضة المسلمين في حاجة إليه. لقد كان الرأي السائد آنذاك عند الجمهور وعند كثير من الفقهاء أن الاشتغال بالعلوم الطبيعية حرام. وهذا رأي كرسه الغزالي بكتابه "تهافت الفلاسفة". وبما أن "العلم الطبيعي" الذي أفتى الغزالي بتحريم بعض مسائله هو "العلم" الذي كان يوظفه الباطنيون (الإسماعيليون) في إثبات عقائدهم المخالفة لعقائد أهل السنة، والمبتعدة كثيرا عن منطوق القرآن ومفهومه البياني ابتعادها عن معهود العرب، وبما أن هذا "العلم" قد بقي هو كل ما يعرفه الفقهاء، فقد ظلوا ينظرون إلى العلوم الطبيعية الحديثة، بل إلى كل علم لا يدخل في دائرة علوم الدين وعلوم اللغة، نظرة ملؤها الحذر والحيطة، وبالتالي نهوا الناس عن الاشتغال بها. ومن هنا قام طنطاوي جوهري بتفسير "جديد" للقرآن الكريم مبينا أن العلوم الطبيعية الحديثة تختلف في طبيعتها ومقاصدها عما كان يتصوره الفقهاء من كونها قد تجر إلى "الكفر"، وأنها بالعكس من ذلك تشهد بصدق القرآن، والقرآن يشهد بصحتها. ومن السهل بعد هذا استنتاج ما كان يرمي إليه طنطاوي وهو أن تعلمها واجب ضروري، خصوصا وهي قد أصبحت سبيلا لاكتساب القوة والمنعة. كان هدف طنطاوي جوهري خدمة قضية كانت مطروحة في عصره. وقد نجح هو وأمثاله في إقناع من لم يكن مقتنعا بأن تعلم العلوم الطبيعية ليس مباحا فحسب بل هو فرض في العصر الحاضر. وبما أن هذه القضية أصبحت الآن منتهية فالمحاولات والاجتهادات في موضوع "القرآن والعلوم الكونية" قد صارت اليوم غير ذات موضوع.
أما أن يكون المؤلفون المعاصرون يهدفون إلى إثبات أن "العلم" يزكي القرآن، فهذا ما لسنا في حاجة إليه، ولا كان القرآن في يوم من الأيام في حاجة إليه. إنها عملية إيديولوجية، إذا قبلناها وسلمنا بفائدتها، كان علينا أن نقبل توظيفا إيديولوجيا مماثلا للقرآن الكريم عرفه التاريخ الإسلامي، وهو التأويل الإسماعيلي. وكما هو معروف فالمذهب الإسماعيلي يقوم كله على تأويل القرآن وفق،"الحقائق العلمية" التي كانت سائدة في ذلك العصر (القرون الثالث والرابع والخامس الهجري ) "حقائق" الفلسفة الدينية الهرمسية. لقد بنوا عقيدتهم على "حقائق" يحكم العلم اليوم ببطلانها ثم عملوا على تأويل القرآن بالشكل الذي يزكي تلك الحقائق ثم قلبوا الأمر فقالوا إن مذهبهم هو وحده الصحيح لأنه "يشهد" له القرآن و"العلم" معا.
وقد رد أهل السنة عليهم ردودا... منها رد الغزالي المشار إليه. غير أن معظم تلك الردود كانت تستند إلى حجج "كلامية" وتعتمد أساليب المتكلمين، أساليب الجدل، وهي أساليب لا تحسم الموقف، وكل ما تستطيع فعله هو إثارة الشكوك في دعاوى الخصم بإفساد حججه. أما الرد الحاسم والقول الفصل، في نظري، فقد جاء في إطار محاولة جريئة ترمي حسب قول صاحبها إلى "تأصيل الأصول"، محاولة الفقيه الأصولي أبي اسحاق الشاطبي الأندلسي المتوفى سنة 790 هـ الذي دعا إلى بناء أصول الشريعة على مقاصدها. فالشارع (الله) وضع الشريعة بقصد أن يفهمها الناس الذين خاطبتهم فجعلها على قدر أفهامهم. وبما أن العرب الذين نزل القرآن بلغتهم كانوا أمة أمية - يقول الشاطبي - فإن "هذه الشريعة المباركة أمية لأن أهلها كذلك، فهو أجرى على اعتبار المصالح"، أي أن "الشريعة التي بُعث بها النبي الأمي عليه السلام إلى العرب خصوصا وإلى من سواهم عموما" هي "على نسبة ما هم عليه من وصف الأمية" وهو"معنى كونها أمية أي منسوبة إلى الأميين. وإن لم تكن كذلك لزم أن تكون على غير ما عهدوا، فلم تكن لتنزل من أنفسهم منزلة ما تعهد، وذلك خلافُ ما وقع عليه الأمر فيها، فلا بد أن تكون على ما يعهدون، والعرب لم تعهد إلا ما وصفها الله به من الأمية، فالشريعة إذن أمية".
ثم يمضي الشاطبي في استعراض علوم العرب في الجاهلية ومنها "علم النجوم وما يختص به من الاهتداء في البر والبحر"، و"علم الأنواء وأوقات نزول المطر" الخ، ليقرر أن العلوم التي يجب أن يفهم بها القرآن هي هذه العلوم التي كانت لدى العرب والتي خاطبهم القرآن في إطارها فأقر بعضها وأبطل بعضها الآخر (كالكهانة والسحر)... ثم يتعرض للحديث عن أناس "تجاوزوا في الدعوى على القرآن الحد، فأضافوا إليه كل علم يذكر للمتقدمين والمتأخرين من علوم الطبيعيات والتعاليم (= الرياضيات ) والمنطق" ويقول: "وهذا إذا عرضناه على ما تقدم لم يصح"، أي إذا نظرنا إليه من منظور مقاصد الشرع وجدناه عملا لا يدخل في إطارها وبالتالي فهو تجاوز على ا لقرآن.
وبعد ألا يصدق هذا على عمل معاصرينا من مؤلفي الكتب في موضوع "القرآن والعلوم الكونية"؟
سؤال نطرحه للتأمل.
 
* وأعتذر إذ نقلت هذا النص دون استئذان صاحبه .
*abdelhafid
28 - مارس - 2008
 1  2