البحث في المجالس موضوعات تعليقات في
البحث المتقدم البحث في لسان العرب إرشادات البحث

مجلس : علم الاجتماع

 موضوع النقاش : خيانة ابن خلدون !!!    قيّم
التقييم :
( من قبل 1 أعضاء )

رأي الوراق :

 زين الدين 
8 - مارس - 2008
الإخوة الكرام ،
تحية طيبة وبعد ...
لا أخفيكم سرا بأني عزمت على مناقشة هذا الموضوع منذ مدة ، وقد عضد هذا العزم نقاش مع أحد الأصدقاء حول مسرحية سعد الله ونوس الشهيرة " منمنات تاريخية ".
وكنت قد رجعت إلى كتاب المستشرق الأمريكي فيشل حول " ابن خلدون وتيمورلنك " فلم يعد أن يكون بالنسبة لي درسا في تحقيق المخطوطات العربية .
ثم إني عثرت على كتاب " رحلة ابن خلدون " التي حققها العلامة الجليل ممد بن تاويت الطنجي في طبعة معاصرة لدار الكتب العلمية ببيروت سنة 2004.
 
وقبل أن أهم في استعراض بعض جوانب هذا الموضوع الشائك ، حدثتني نفسي بالبحث أولا في مجالس الوراق ، علّه قد نوقش من قبل ، سيما في وجود أساتذة أجلاء بيننا ، على رأسهم الدكتور أحمد إيبش ، الذي يلم ّ بالكثير من تاريخ دمشق على الخصوص.
ولم يطل البحث، حتى عثرت فيما عثرت على هذه الجملة للدكتور إيبش في معرض حديثه عن قصّة المملوك الصارم أوزبك كما يأتي :
" وأخيراً.. نعد بنشر نص شديد التشابه مع هذا النص، إنما كانت أحداثه جرت بعد 147 عاماً، عندما أقبلت جحافل الجيش المغولي تحاصر دمشق في عام 803 هـ / 1400 م، وكان قائد المغول الغازي الدموي الرّهيب تيمورلنك..  حينذاك تمّ بظاهر أسوار دمشق لقاء من نوع مشابه للقاء الصارم أوزبك بخان التتار هولاگو.. إنما الفارق أن اللقاء الثاني كان بين تيمورلنك وشخصية يعرفها كل واحد منا تمام المعرفة: إنه ابن خلدون، صاحب المقدّمة الشهيرة والتاريخ المعروف.
فهل لعب ابن خلدون دوراً مشرّفاً كالذي لعبه هذا البطل المجهول البسيط صارم الدين أوزبك؟ وما الذي دار بالضبط من حوار بينه وبين الغازي الرّهيب؟!
هذا ما سنراه في مجلسنا القادم.. مع مفاجآت لا تخطر ببال! "
*****
وأخال الدكتور يشير إلى هذا الموقف ولكن من موقع آخر ، قد يتفضل علينا به .
*****
يقول الدكتور حسين سرمك حسن في مقالة له في جريدة الاتحاد الكردية تحت عنوان " هل تم التستر على خيانة 'ابن خلدون'؟ ما نصه :
" لقد خان "ابن خلدون" ـ هذا المفكر العبقري، صاحب (المقدمة) والفارس الاول في مجال علم الاجتماع ـ خان ابناء جلدته من اهل قلعة (دمشق) مما ادى الى ذبحهم على ايدي التتار وحرق مدينتهم بعد ان كانوا صامدين الى حد دفع عدوهم التتري (تيمور لنك) الى التفكير بعقد هدنة معهم. نعم لقد خان هذا المفكر ابناء قومه وصار عميلا للغازي وبدأ يرسم له الخرائط ويقدم المعلومات التفصيلية عن بلدان المغرب العربي تمهيدا لغزوها. نعم، لقد خان "ابن خلدون"، فلماذا هذا التستر على خيانته؟ "
****
أعتقد أن حياة ابن خلدون ، من خلال سيرته ، أو من خلال ترجمة الآخرين له هي تعبير صادق عن العلاقة الملتبسة بين المعرفي والسياسي ، أو بين الثقافة والامبريالية .
هل كان ابن خلدون سابقا لميكيافيلي ، ليس في علم السياسة فحسب ، بل في الأخذ بمفهوم الواقعية وتبرير الوسائل بالغايات ؟
أسئلة ساخنة أضعها على صحن البحث الهادئ على أمل العودة لها مع أساتذتنا ....
 
زين الدين
 

 
 
 1  2  3 
تعليقاتالكاتبتاريخ النشر
ابن خلدون: الحقيقة المرّة    كن أول من يقيّم
 
نعم أخي الكريم الأستاذ زين الدين:
ابن خلدون، مع بالغ الأسف، آثر السّلامة وتفضيل الذات.. وفعل كل ما بوسعه لينجو بنفسه، ولتذهب دمشق بمن حوت لقمة سائغة بأيدي الغازي الدموي تيمورلنك.
هذا ليس مجرد رأي لي.. بل إنه ما ستقرأه في النص الذي كتبه ابن خلدون بنفسه، دون أن يبدي أسفاً أو خجلاً أو حتى مجرّد حسرة على المدينة التي دمّرت وعشرات آلوف الضحايا الذين قتلوا!
ترددت كثيراً في نشر هذا النص، لأنه يطرح نقطة سوداء في سيرة هذا العالم الكبير.
ولكن طالما أن موضوع مجلسك الحاضر يتناول هذه النقطة بالذات، لم يبق أمامي إلا نشره.
وغداً إن شاء الله إني فاعل، ولنتداول القضية معاً.
ولك وافر تحيتي واحترامي أخي الكريم.
*أحمد
9 - مارس - 2008
وخيانة في قراءة المواقف أيضا...    كن أول من يقيّم
 
  استغربت كثيرا من طريقة عرض هذا الموضوع، وقد رجعت إلى المقالة المشار إليها والموسومة ب: "هل تم التستر على خيانة 'ابن خلدون'؟" لكاتبها: د.حسين سرمك حسن.
   ووجدته يستعرض بعض الكتابات حول ابن خلدون، وكيف أنه يأخذ عليها التستر على ابن خلدون في قصته مع "تيمور لينك" خلال الغزو التتري.
   وقد اكتفى الباحث بذكر بعض النصوص المقتطفة من كلام ابن خلدون رحمه الله، ليستدل بها على خيانةٍ ينسبها لابن خلدون خان بها أمته.
   وهو أمر غير مُسَلم، فكيف يُنسب لابن خلدون الخيانة وهو الذي كتب ما كتب بيده  وبنانه؟
  وأظن الباحث لو ذكر السؤال بوجه آخر لكان موفقا في التعبير ـ وإن كنت لا أوافقه في ذلك أيضا ـ كأن يقول: لماذا ذكر ابن خلدون خيانته لأمته ؟ وكيف استطاع أن يُسطر بيده هذه الخيانة ؟
  وأظن الذين يتحدث عنهم الباحث من أهل العقل والحداثة والفضل والكبرياء لن يستطيعو أن يكتبو عن واقعنا الحاضر مثل ما كتب ابن خلدون عن مكاتباته ومشاهداته ومجالساته ورحلاته ومغامراته....
   والبحث التاريخي يستلزم الوقوف عند الكثير من المصادر المعتمدة في البحث التاريخي، بالإضافة إلى الإلمام ببعض العلوم المساعدة، والإلمام بتاريخ العصر الذي نود أن ندرسه، وأشير إلى كتاب جيد في بابه يستحثنا على كيفية التعامل مع المصادر في علم التاريخ:
 للدكتور أسد رستم، وسمه ب: مصطلح التاريخ: بحث في نقد الأصول وتحري الحقائق التاريخية وإيضاحها وعرضها وفيما يقابل ذلك في علم الحديث.
   وللحديث بقية.
وتحيتي.
*سعيد
10 - مارس - 2008
وثيقة ...ولكن...مثال على القراءة الخائنة:    كن أول من يقيّم
 
  ومن الوثائق المهمة ما كتبه ابن خلدون رحمه الله عن جغرافية بلاد المغرب، ولو وجدت لكانت القراءة نوعية في بعض جوانبها ومهمة في بابها، ودونها خرط القتاد.
ومن الغرائب ما زعمه بعض الباحثين من تونس، وهو د.أستاذ التعليم العالي في جامعة تونس الدكتور جمعة شيخة، حيث رجح أن يكون ما كتبه ابن خلدون لتيمور لنك عن جغرافية بلاد المغرب قام بإتلافه وإخفائه حتى لا يكون عارا عليه.
   ولكم الكلمة...
*سعيد
10 - مارس - 2008
خيانة ابن خلدون !!!     كن أول من يقيّم
 
هل تم التستر على خيانة 'ابن خلدون' !!؟
 
للدكتور حسين سرمك حسن ؛ في جريدة الاتحاد /
الصحيفة المركزية للاتحاد الوطني الكردستاني
(الأحد 9/3/2008 م ، العدد/1787 السنة السادسة عشرة ) :    
 
 لقد خان "ابن خلدون" ـ هذا المفكر العبقري، صاحب (المقدمة) والفارس الاول في مجال علم الاجتماع ـ خان ابناء جلدته من اهل قلعة (دمشق) مما ادى الى ذبحهم على ايدي التتار وحرق مدينتهم بعد ان كانوا صامدين الى حد دفع عدوهم التتري (تيمور لنك) الى التفكير بعقد هدنة معهم. نعم لقد خان هذا المفكر ابناء قومه وصار عميلا للغازي وبدأ يرسم له الخرائط ويقدم المعلومات التفصيلية عن بلدان المغرب العربي تمهيدا لغزوها. نعم، لقد خان "ابن خلدون"، فلماذا هذا التستر على خيانته !!؟
 
واقول التستر ولا اقول التغاضي او التغافل او التناسي او.. او .. والامثلة والبراهين كثيرة. تصوروا مفكرا عربيا مهما مثل الدكتور (محمد عابد الجابري) يؤلف كتابا يقع في (483) صفحة عنوان: (فكر ابن خلدون ـ العصبية والدولة ـ معالم نظرية خلدونية في التاريخ الاسلامي) صدر عن دار الشؤون الثقافية العامة ببغداد ويتجنب تماما التطرق ولو بكملة واحدة على الاقل الى المدة التي قضاها في دمشق ودوره الخطير الذي لعبه هناك لمصلحة تيمورلنك.
 
خذوا كتابا ضخما اخر يقع في (686) صفحة وعنوانه: (الفكر الاخلاقي عند ابن خلدون) لمؤلفه الدكتور (عبدالله شريط) اصدار المؤسسة الوطنية للكتاب والدار العربية للكتاب ـ الجزائر ـ ليبيا الطبعة الثالثة 1984، هذا الكتاب هو اصلا اطروحة دكتوراه يتحدث فيها المؤلف عن ادق تفاصيل الفكر الاخلاقي وما يلحقه من سلوك لدى (ابن خلدون) دون ان يمر ولو بكلمة واحدى على تلك الواقعة الخيانية، بل ـ على العكس من ذلك ـ نجد المؤلف يقدم المواعظ والنصائح الاخلاقية للقراء العرب انطلاقا من التنظيرات الاخلاقية لابن خلدون.
 
 يقول (شريط) (.. ان الالحاح على تمجيد ماضينا دون الحاح يعادله او يفوقه، على نقاط ضعفنا في التاريخ وفي الواقع المشاهد، ودون تعليل لكل ذلك بفكر علمي متحرر من العقد، اننا بدون ذلك نصبح اشبه بمن يلوي عنق امته فتصاب بانفصام في شخصيتها، ويصبح عندها من الطبيعي ان يكون الحاضر للاخرين والماضي لنا، والدنيا لهم والاخرة من نصيبنا.. ان اول عمل علمي يجب ان يقوم به المثقف هو ان يثور على واقعه بالنقد الذاتي).
*الدكتور مروان
10 - مارس - 2008
ابن خلدون لم يخادع أمته يوما ، وهو معلمنا الأكبر !!!    كن أول من يقيّم
 
إن الدكتور شريط الذي يقول انه امضى ست سنوات في صحبة ابن خلدون دارسا له ومؤشرا نقاط الضعف في فكره الاخلاقي يعلن في ختام مقدمة كتابه: (..واذا نحن استطعنا يوما ان نعرف ونفهم انفسنا وامكاناتنا المعنوية والطبيعية والبشرية.. نكون قد حققنا الخطوة الاولى الصحيحة لخلق فكر اخلاقي فعال وحاسم لامتنا، ويكون ابن خلدون الذي لم يخادع امته يوما هو معلمنا الاكبر الذي هدانا الى هذا المنهج المستقيم).
 
وخذ ايضا كتابين من مؤلفات وتحقيق الدكتور (علي عبدالواحد وافي) وهو اكثر الباحثين العرب تخصصا بابن خلدون.. الاول هو : (عبقريات ابن خلدون) اصدار عالم الكتب ـ القاهرة عام 1973 وفيه يتعرض لحياة واثار ابن خلدون تفصيليا ويتحدث في الفصل الرابع عن (لقاء ابن خلدون بتيمورلنك) من الصفحة (91) الى الصفحة (95) ويعلق على (لقاء) ابن خلدون بتيمورلنك والمساومات والتنازلات المهينة التي قدمها له بالقول:
 
(ويظهر ان ابن خلدون كان قد عاوده حينئذ داؤه القديم، وساوره الحنين الى المغامرات السياسية، فكان يعلق على صلته بتيمورلنك امالا اخرى غير ما وفق اليه في شأن دمشق وشأن زملائه العلماء والقضاة.. ولعله كان يرجو الانتظام في بطانة الفاتح والحظوة لديه. ولذلك اخذ يطنب في مدحه ويذكر له انه كان عظيم الشوق الى لقائه منذ امد طويل ويتنبأ له في مستقبله بملك عظيم مستدلا على صحة تنبؤاته بحقائق الاجتماع واقوال المنجمين والمتنبئين بالغيب. ويظهر كذلك ان ابن خلدون قد آنس سذاجة في هذا الفاتح مرحبا في المديح فاخذ ينفخ في كبريائه بهذه التنبؤات. ويروي ابن خلدون ما ذكره لتيمورلنك، بدون ان يصرح بما دعاه الى ذلك فيقول: (ففاتحته وقلت له: ايدك الله، لي اليوم ثلاثون او اربعون سنة اتمنى لقاءك. فقال لي الترجمان عبدالجبار : وما سبب ذلك؟ فقلت ذلك؟ فقلت امران: الاول انك سلطان العالم وملك الدنيا، وما اعتقد انه ظهر في الخليقة منذ آدم لهذا العهد مثلك ، ولست من يقول في الامور بالجزاف، فاني من اهل العلم، واما الامر الثاني مما يحملني على تمني لقائه فهو ما كنت اسمعه من اهل الحدثان وهم المنجمون والملهمون من المتنبئين بالغيب..) ويكمل الدكتور (وافي) رأيه بالقول: غير ان ابن خلدون لم يوفق الى تحقيق ما كان يأمله من تيمورلنك، فلم تمض اسابيع قلائل حتى سئم البقاء في دمشق. واستأذن تيمورلنك في العودة الى مصر فاذن له).
 
اما الكتاب الثاني للدكتور (وافي) فهو كتاب ابن خلدون نفسه:
 
(التعريف بابن خلدون ورحلته غربا وشرقا)
 
 الذي قام بتحقيقه ـ اصدار دار الكتاب اللبناني/ بيروت ودار الكتاب المصري/ القاهرة عام 1979 وفيه قسمان بقلم ابن خلدون عن (لقاء الامير تمر سلطان المغل والططر) و (الرجوع عن هذا الامير "تمر" الى مصر) من الصفحة (406 الى الصفحة 428) يتحدث فيهما وبدم بارد ولغة رشيقة عن خروجه على اجماع ابناء قلعة دمشق الصامدين وخوفه على نفسه وتدليه من السور لمقابلة اعظم ملك منذ ايام آدم كما يقول وكيف قبل يد الغازي المحتل. يقول ابن خلدون:
 
(وجاءني القضاة والفقهاء واتفق رأيهم على طلب الامان من الامير "تمر" على بيوتهم وحرمهم وشاوروا في ذلك نائب القلعة فابى عليهم ذلك ونكره فلم يوافقوه..). ثم يذكر كيف تدلى (المثقفون) العقلانيون من قضاة وفقهاء من السور وقابلوا تيمورلنك (فاحسن لقاءهم وكتب لهم الرقاع بالامان وردهم على احسن الامال واتفقوا معه على فتح المدينة من الغد، ودخول امير ينزل بمحل الامارة منها ويملك امره بعز ولايته). ثم يتحدث عن (مبادرته الخيانية في الليلة التالية فيقول:
 
(واخبرني القاضي برهان الدين انه ـ أي تيمورلنك ـ سأله عني.. وبتنا تلك الليلة على اهبة الخروج اليه، فحدث بين بعض الناس تشاجر في المسجد الجامع، وانكر البعض ما وقع من الاستنامة الى القول. وبلغني الخبر من جوف الليل فخشيت المبادرة على نفسي، وبكرت سحرا الى جماعة القضاة عند الباب، .. ودلوني من السور (0000) فلما دخلت عليه فاتحت بالسلام، واوميت ايماءة الخضوع، فرفع رأسه، ومد يده اليَّ فقبلتها). ولا يكتفي ابن خلدون بالنفاق والتملق لتيمورلنك بالقول له انه كان ينتظر لقاءه منذ اكثر من اربعين سنة!! او انه اعظم ملك منذ عهد ادم كما بينا ذلك بل انه يستجيب لطلب الغازي بتقديم وصف شامل لبلاد المغرب يساعد الطاغية على احتلالها.
 
يقول ابن خلدون بعد ان قدم شرحا عاما لجغرافية المغرب:
 
(000 فقال: لا يقنعني هذا، واحب ان تكتب لي بلاد المغرب كلها، اقاصيها وادانيها وجبالها وانهارها وقراها وامصاره، حتى كأني اشاهدها.. فقلت: يحصل ذلك بسعادتك وكتبت له بعد انصرافي لما طلب من ذلك واوعبت الغرض فيه في مختصر وجيز يكون قدر اثنتي عشرة من الكراريس المنصفة القطع لكن ماذا كانت نتائج وثمار هذا الموقف الثقافي العقلاني. لقد كانت نتائج وثمار الموقف (الخياني) الثقافي العقلاني لابن خلدون على الشكل الاتي الذي يصفه لنا ابن خلدون بعقلانية مفرطة وبدم بارد وبروح حداثوية وما بعد حداثوية، يقول ابن خلدون في الصفحتين (416 و 417) من (تعريفه) او سيرته الذاتية:
(000 وجاءه الخبر بفتح باب المدينة وخروج القضاة وفاء بما زعموا من الطاعة التي بذل لهم فيها الامان (0000) واشار اليَّ بالجلوس فجلست بين يديه. ثم استدعى امراء دولته القائمين على امر البناء فاحضروا عرفاء البنيان المهندسين وتناظروا في اذهاب الماء الدائر بحفير القلعة لعلهم يعثرون بالصناعة على منفذه000
وانصرفت الى بيتي داخل المدينة.. واشتغلت بما طلب مني في وصف بلاد المغرب ، فكتبته في ايام قليلة ورفعته اليه فاخذه من يدي، وامر موقعه بترجمته الى اللسان المغلي. ثم اشتد في حصار القلعة ونصب عليها الالات من المجانيق والنفوط والعراوات والنقب فنصبوا لايام قليلة ستين منجنيقا الى ما يشاكلها من الالات الاخرى وضاق الحصار باهل القلعة وتهدم بناؤها من كل جهة، فطلبوا الامان..) .
*الدكتور مروان
10 - مارس - 2008
وهي دعوة للنقاش !!!    كن أول من يقيّم
 
 
وتتصاعد (ثمار) العقلانية الثقافية لتصل الذروة في ما يقوله ابن خلدون:
 
(وكان بها جماعة من خدام السلطان ومخلفه، فامنهم السلطان "تمر" وحضروا عنده وخرب القلعة وطمس معالمها وصادر اهل البلد على قناطير من الاموال استولى عليها بعد ان اخذ جميع ما خلفه صاحب مصر هنالك من الاموال والظهر والخيام. ثم اطلق ايدي النهابة على بيوت اهل المدينة، فاستوعبوا اناسيها، وامتعتها واضرموا النار.. فاتصلت النار بحيطان الدور المدعمة بالخشب فلم تزل تتوقد الى ان اتصلت بالجامع الاعظم، وارتفعت الى سقفه فسال رصاصه وتهدمت سقفه وحوائطه، وكان امرا بلغ مبالغه في الشناعة والقبح وتصاريف الامور بيد الله يفعل في خلقه ما يريد، ويحكم في ملكه ما يشاء).
 
ولو تأملنا العبارة الاخيرة لوجدنا ان ابن خلدون يبدو وكأنه يحاول تبرير فعلة تيمورلنك الشنعاء بكونها قدر محكم من الله سبحانه وتعالى ومثل هذه التبريرات ليست غريبة على العقلانيين من المثقفين خائري الارادة هزازي الرؤوس نهازي الفرص. فبعد ان يلغوا ارادة المقاومة لدى (العامة) بدعوى منطق العقل وفهم توازن القوى وادراك طبيعة المرحلة التاريخية نجدهم ينكصون الى احط درجات سلم التفكير الخرافي والسحري لتبرير انخذالهم ومهانتهم وبعد ان يورطوا ابناء جلدتهم ويسلمونهم للموت والذبح على ايدي الطغاة الذين يتنعم هؤلاء المثقفون بتناول الطعام معهم وتقديم الهدايا اليهم وكأنهم يشكرونهم على تلطفهم في قتل اخوانهم واحتلال ارضهم .. هذا ما يثبته ابن خلدون في سيرته وبعد ان تم تقتيل ابناء جلدته وحرق مدينتهم حيث نجده يقدم هدايا العرفان والشكر الى الطاغية ولا يتورع عن ان يهديه القرآن الكريم.
 
(000 اشار عليَّ بعض الصحاب.. بان اطرفه ببعض هدية، وان كانت نزرة فهي عندهم متأكدة في لقاء ملوكهم، فانتقيت من سوق الكتب مصحفا رائعا حسنا في جزء محذو، وسجادة انيقة ونسخة من قصيدة البردة المشهورة للابوصيري في مدح النبي صلى الله عليه وسلم واربع علب من حلاوة مصر الفاخرة وجئت بذلك فدخلت عليه، فلما رآني مقبلا مثل قائما واشار اليّ عن يمينه..الخ).
 
لكن من مزّق استار هذا التستر و (التواطؤ) واظهر حقيقة ابن خلدون في سلوكه الخياني كما هي ودون اغطية تبريرية (معقلنة)؟ اعتقد ان المبدعين الجسورين هم الاكثر اهلية لتمزيق الاستار والاغطية عن جسد الحقيقة المقدس.
 
وقد جاء الفضح الدقيق والمؤصل والجسور على يدي مبدعين كبيرين راحلين هما: سعدالله ونوس وعبدالرحمن منيف .
 
الاول من خلال مسرحيته الخطيرة: "منمنمات تاريخية" ، والثاني من خلال مداخلته النقدية على هذه المسرحية في مقالته :
 
"ابن خلدون وصورته في منمنمات تاريخية" والتي ختمها كتابه :
"لوعة الغياب" اصدار المؤسسة العربية للدراسات والنشر والمركز الثقافي العربي للنشر- بيروت/ الدار البيضاء ـ الطبعة الثالثة عام 2003 م ، والتي قال قبيل ختامها وبعد ان ناقش موضوعة (خيانة) ابن خلدون بصورة موضوعية رائعة:
 
(اعتمادا على ما تقدم "نحاكم" ابن خلدون ، ليس بهدف الادانة وانما باستحضاره كنموذج لمثقف كبير قدم اضافات هامة ونوعية في قراءة المجتمعات.. ان مثقفا بهذه الاهمية وبهذا الحجم وايضا خلال تلك الفترة العصيبة من تاريخ العرب في مواجهة الغزو التتري، كان يفترض ان يرفع ثقافته ومعارفه الى مستوى تاريخي خاصة وهو في تلك السن المتقدمة. ولعل الصمت، لو حصل، كان اقل المواقف التي يمكن ان تقبل له او منه.
 
اما حين يسخر ثقافته ومنصبه السابق بتسويغ الغزوة التترية ويكون نديما لتيمور لنك ويعتبره اعظم حاكم منذ ايام آدم.. الخ) فان في ذلك الغاء لعقلانية ابن خلدون تماما.
 
وبغض النظر عن التساؤلات المهمة التي طرحها (منيف) في بداية مقالته عن المواقف الاخلاقية التي يجب ان تتسم بها الثقافة، والعلاقة بين المعرفة والسلوك، ودور الثقافة والمعرفة، وهل يجب ان يكونا في خدمة القوة والسلطان، او في زيادة وعي الناس وصقل ارواحهم والعلاقة بين الطموح المشروع للمثقف واغراءات السلطة والمال، وماذا يعني المثقف ، هل هو مجرد تقني ام صاحب وجهة نظر وضمير !!؟
 
أقول بالإضافة الى تلك التساؤلات الحساسة ما يزال تساؤلي الأساسي قائما ، وهو :
 
لماذا التستر على خيانة ابن خلدون !!؟
 
 وهي دعوة للنقاش !!!
*الدكتور مروان
10 - مارس - 2008
تعقيب ...    كن أول من يقيّم
 
الإخوة الأعزاء
تحية متجددة ،
هل يمكن أن نعدّ القراءة الحديثة لتاريخينا ضربا من المحاكمة ، ومن نصب المشانق الافتراضية ؟
الأمر في رأيي أعظم من هذا وأجل ..
إن العلاقة الملتبسة بين " مثقف العصر " والسلطان ، وما اعترى هذه العلاقة من شد وجدب في تاريخ الحضارة الإسلامية ، ليعدّ من أهم ما يمكن أن ينكب عليه العقل العربي والمسلم ، سيكا في ظلّ الهجمة الشرسة التي تتعرض بها الأمة ، بلسان مثقفيها في كثير من الأحيان .
لقد كان ردّ زميلنا الأستاذ سعيد ، على صدقه ، نموذجا لاستفزاز هذه الأسئلة داخل الحيز الثقافي العربي .
وأود أن أوضح أني أشاطر التعبير الذي استعمله الأستاذ أيبش ، وهو تعبير العالم المتفحص للأمور الناقد لمجرياتها ، فقد ذكر أستاذنا أن ابن خلدون آثر السلامة وتفضيل الذات ، بدلا عن الصدع بالرأي ، أو في أحسن الأحوال الصمت .
تجب الإشارة أيضا أن الأعوام الأخيرة لابن خلدون ، وما عرفته من تقلبات شخصية ومهنية ، أثرت في سيرته أيما أثر ، فضلا عن أن هذه التقلبات كانت ميزة عصره .
******
أشكر الأستاذ مروان على نقله للمقال ، وأود أن أهمس في أذنه أن تاريخ تشر المقال هو " السبت 29 أفريل 2006 " .
مع تحياتي
زين الدين
*زين الدين
11 - مارس - 2008
التعريف بابن خلدون    كن أول من يقيّم
 
عبد الرحمن بن محمد بن خلدون، أبو زيد وليّ الدّين الحَضْرَمي، المؤرّخ الفيلسوف الطائر الصّيت، العالم الاجتماعي البحّاثة.  أصله من إشبيلية ومولده بتونس عام 732 هـ ومنشؤه بها.  رحل إلى فاس وغرناطة وتلمسان والأندلس وتولّى أعمالاً، وعاد إلى تونس.  ثم توجّه إلى مصر فأكرمه سلطانها المملوكي الظاهر برقوق، وولي فيها قضاء المالكية لمرّات عديدة كان أولها عام 786 هـ، وكان محتفظاً بزيّ بلاده معروفاً به.
في عام 803 هـ سافر ابن خلدون إلى الشام بمنتصف شهر ربيع الأول، صحبة حاشية السّلطان الفتى النّاصر فرج ابن السّلطان الظاهر برقوق، للدّفاع عن دمشق في وجه جيوش تيمورلنك، وكان له اللقاء الشهير مع الطاغية المغولي على أبواب المدينة أثناء حصار جيوش المغول لها.  هذا اللقاء روى لنا وقائعه عدد من المؤرّخين، من بينهم ابن عَرَبْشاه في كتابه »عجائب المَقدور في نوائب تَيْمُور«، وابن قاضي شُهبَة في تاريخه الشهير، غير أن المستشرق كراتشكوڤسكي يرى في مضمون هذه الرّواية تزويقاً مُبالغاً فيه.  بينما يتّضح من سَرد ابن خلدون لوقائع اللقاء - إن صَدَق - أنه أصاب لدى تَيْمُور مكانة وحُظوة، ولو أنه بدا أمام الطاغية المغولي ضعيفاً وصاغراً، لم يجرؤ على التّعبير عن أدنى معارضة أو محاولة لمقاومة الغزاة، على نقيض ما كنا رأيناه في مجلس سابق في »الورّاق« حول مغامرة البطل المجهول الصّارم أوزْبك. 
توفي ابن خلدون فجأة بالقاهرة عام 808 هـ، وكان فصيحاً جميل الصورة عاقلاً، صادق اللهجة عزوفاً عن الضَّيْم طامحاً للمراتب العالية.  وكان لمّا رحل إلى الأندلس اهتزّ له سُلطانها وأركب خاصّته لتلقّيه، وأجلسه في مجلسه.
اشتهر ابن خلدون بمؤلفات عديدة، لكن أجلّها وأسماها اعتباراً بين باحثي العربية كتابه »العبَر وديوان المُبتدأ والخَبَر، في تاريخ العرب والعجم والبربر، ومَن عاصرهم من ذوي السّلطان الأكبر«، في سبعة مجلدات.  وهو كتاب في التاريخ العام، اشتهرت منه بوجه الخصوص مقدّمته التي أفردت باسم »مقدّمة ابن خلدون«، وهي تُعدّ بحق من أصول علم الاجتماع، طُبعت وحدها مراراً وتُرجمت إلى الفرنسية وإلى لغات أخرى عديدة.  أول من طبعها كان المستشرق الفرنسي كاترمير  E. M. Quatremère  في ثلاثة أجزاء بباريس سنة 1858، وعلى هذه الطبعة بنى المستشرق الفرنسي دى سلان  De Slane  ترجمته الفرنسية لمقدّمة العبَر الصادرة في باريس سنة 1862، بثلاثة مجلدات أيضاً.  وفي عام 1867 نُشر كتاب العبَر كاملاً في بولاق بمصر بعناية الشيخ نصر الهوريني.
وختم ابن خلدون كتاب »العبَر« بفصل عنوانه: »التّعريف بابن خلدون«، ذكر فيه نسبته وسيرته وما يتّصل به من أحداث عصره، ورحلته إلى المشرق بمصر والحجاز عام 789 هـ.  ثم أفرد هذا الفصل فتبسّط فيه وجعله ذيلاً للعبر وسمّاه:  »التّعريف بابن خلدون مؤلّف الكتاب، ورحلته غرباً وشرقاً«.  وقام بنشر »التّعريف« مع مقدّمة ابن خلدون مُترجماً إلى الفرنسية المستشرق دى سْلان، ثم نشره بالعربية العلاّمة المغربي محمد بن تاويت الطَّنجي، وطُبع ضمن منشورات لجنة التأليف والترجمة والنشر بالقاهرة في عام 1951.
ومن هذه النّشرة أخذنا النص المتعلّق بإقامة ابن خلدون بدمشق، وبخاصّة فترة نيابة الأمير المملوكي تَنم الحَسَني الظاهري بدمشق ومصرعه مع الأمير الكبير الأتابك أيْتَمش البجّاسي على يد السّلطان عام 802 هـ، ثم عن سفر ابن خلدون مع السّلطان الناصر فَرَج إلى دمشق عام 803 هـ للقاء جيوش المغول.
يروي ابن خلدون بعد ذلك خشية السّلطان فَرَج من سفر أعوان فتنة أيْتَمش البجّاسي وتَنم الحَسَني إلى مصر، لئلاّ يتابعوا فيها أعمال العصيان، فانسحب إلى مصر خوفاً على مُلكه المضطرب.  وهذه كانت من تتمّات حوادث الثّورة ضدّ أبيه الظاهر بَرْقوق بقيادة الأمير المملوكي منْطاش، وكنتُ ذكرت حول ذلك تفاصيل وافية في دراسة نشرتها تتضمّن نصّ رحلة ابن حجّة الحموي لدمشق عام 791 هـ، وتلوه نصّ رحلة السّلطان برقوق إليها عام 796 هـ برواية ابن صَصْرى.
يلي ذلك النّص الهام جدّاً الذي يصف به مُجريات لقائه بالطاغية تيمورلنك على أبواب دمشق ومحاوراتهما، وكيف أخفق العُلماء في تليين قلب الغازي على المدينة، فأعقب ذلك اجتياح المغول لدمشق وتدميرهم الهمجي لها، بعد أن كانت دُرّة المشرق إبّان نهضتها العمرانية والحضارية الكبرى في العهد المملوكي.  ودفعاً للإطالة، عمدتُ إلى اختصار بعض الحشو ما أمكن.
يذكّرنا النصّ - وشتّان بين الرّجلين - بما مرّ بذكر المملوك الصّارم أوزْبك، البطل الذي قابل الطاغية التّتري هُولاگو خان وقام بدور هام للغاية على الصعيد الاستخباراتي والعملياتي، كان له أكبر الأثر في نصر عين جالوت.
 
المصــادر:
التعريف بابن خلدون ورحلته غرباً وشرقاً، مقدمة الطنجي.
كتاب العبر لابن خلدون، المقدّمة والمتن.
الضوء اللامع للسخاوي، 4: 145.
تاريخ الأدب الجغرافي العربي لكراتشكوڤسكي، 439-445.
دائرة المعارف، بإدارة فؤاد أفرام البستاني، 3: 26-40.
تيمورلنك وحكايته مع دمشق للعلبي، 163.
دمشق الشّام في نصوص الرّحالين العرب، د. أحمد إيبش، 2: 549.
De Slane, M.G.: Autobiographie d’Ebn Khaldoun, Paris, 1862.
Fischel, Walter J., Ibn Khaldun in Egypt: His public functions and his historical research (1382-1406), A study in Islamic Historiography, University of California Press, Berkeley 1967.
 
*أحمد
11 - مارس - 2008
الفصل الأول    كن أول من يقيّم
 
من فصل
ولاية القضاء الثانية بمصر
ما زلتُ منذ العزل عن القضاء الأول سنة سبع وثمانين، مُكبّاً على الاشتغال بالعلم تأليفاً وتدريساً، والسّلطان([1]) يُولّي في الوظيفة من يراه أهلاً متى دعاه إلى ذلك داعٍ، من موت القائم بالوظيفة أو عَزله، وكان يراني الأولى بذلك لولا وجود الذين شَغّبوا من قبل في شأني من أمراء دولته وكبار حاشيته، حتى انقرضوا.
واتّفقت وفاة قاضي المالكيّة إذْذاك ناصر الدّين ابن التَّنَسي، وكنتُ مُقيماً بالفَيّوم لضمّ زرعي هناك، فبعث عني وقلّدني وظيفة القضاء في منتصف رمضان من سنة إحدى وثمانمائة.  فجريتُ على السَّنَن المعروف مني، من القيام بما يجب للوظيفة شرعاً وعادةً.  وكان رحمه الله يرضى بما يسمع عني في ذلك.
ثم أدركته الوفاة في منتصف شوّال بعدها، وأحضر الخليفة والقُضاة([2]) والأمراء، وعَهد إلى كبير أبنائه فَرَج ولإخوته من بعده واحداً واحداً، وأشهدهم على وصيّته بما أراد، وجعل القائم بأمر ابنه في سلطانه إلى أتابكه أيْتَمش([3]).  وقضى، رحمة الله عليه، وترتّبت الأمور من بعده كما عهد لهم.  وكان النائب بالشّام يومئذ أمير من خاسكيّة السّلطان يُعرف بتَنم، وسمع بالواقعات بعد السّلطان، فغَصّ أن لم يكن هو كافل ابن الظاهر بعده ويكون زمام الدّولة بيده.  وطفق سَماسرة الفتن يُغرونه بذلك.
وبينما هم في ذلك إذ وقعت فتنة الأتابك أيْتَمش، وذلك أنه كان للأتابك دَوَادار غرّ يتطاول إلى الرّئاسة، ويترفّع على أكابر الدّولة بحظّه من أستاذه، وما له من الكفالة على السّلطان.  فنقموا حالهم مع هذا الدّوادار، وما يسومهم به من الترفّع عليهم والتعرّض لإهمال نصائحهم، فأغروا السّلطان بالخروج عن رقّة الحَجْر، وأطاعهم في ذلك.  وأحضر القضاة بمجلسه للدّعوى على الأتابك باستغنائه عن الكافل بما عُلم من قيامه بأمره وحُسن تصرّفاته، وشهد بذلك في المجلس أمراء أبيه كافّةً، وأهل المراتب والوظائف منهم، شهادةً قَبلَها القضاة، وأُعذروا إلى الأتابك فيهم فلم يدفع في شيء من شهادتهم.
ونَفَذ الحكم يومئذ برفع الحجْر عن السّلطان في تصرّفاته وسياسة مُلكه، وانفضّ الجَمع، ونزل الأتابك من الإسطبل إلى بيت سُكناه، ثم عاوَد الكثيرُ من الأمراء نظرهم فيما أتوه من ذلك، فلم يروه صواباً وحملوا الأتابك على نقضه والقيام بما جعل له السّلطان من كفالة ابنه في سُلطانه.  وركب وركبوا معه في آخر شهر المولد النّبوي، وقاتلهم أولياء السّلطان فَرَج عشيّ يومهم وليلتها فهزموهم، وساروا إلى الشام مستصرخين بالنائب تَنم([4]) وقد وَقَر في نفسه ما وَقَر من قبل، فبَرَّ وفادتهم وأجاب صريخهم، واعتزموا على المضيّ إلى مصر.
وكان السّلطان لمّا انفضَّت جموع الأتابك وسار إلى الشام اعتمله في الحركة والسّفر لخَضْد شوكتهم وتفريق جماعتهم.  وخرج في جُمادى حتى انتهى إلى غزّة، فجاءه الخبر بأن نائب الشام تَنم والأتابك والأمراء الذين معه خرجوا من الشام زاحفين للقاء السّلطان، وقد احتشدوا وأوعبوا وانتهوا قريباً من الرّملة .  فراسلهم السّلطان مع قاضي القضاة الشافعي صدر الدّين المُناوي، وناصر الدّين الرَّمّاح أحد المعلّمين لثقافة الرّماح، يُعذر إليهم ويحملهم على اجتماع الكلمة وترك الفتنة وإجابتهم إلى ما يطلبون من مصالحهم، فاشتطّوا في المطالب وصمّموا على ما هم فيه.
 ووصل الرّسولان بخبرهم، فركب السّلطان من الغد وعبّا عساكره وصمّم لمعاجلتهم، فلقيهم أثناء طريقه وهاجمهم فهاجموه، ثم ولّوا الأدبار منهزمين وصُرع الكثير من أعيانهم وأمرائهم في صدر موكبه، فما غشيهم الليل إلا وهم مصفّدون في الحديد، يقدمهم الأمير تَنم نائب الشام وأكابرهم كلهم.
ونجا الأتابك أيْتَمش إلى القلعة بدمشق، فآوى إليها واعتقله نائب القلعة.  وسار السّلطان إلى دمشق، فدخلها على التعبئة في يوم أغرّ، وأقام بها أيّاماً، وقتل هؤلاء الأمراء المعتقلين وكبيرهم الأتابك ذبْحاً، وقتل تَنم من بينهم خنقاً، ثم ارتحل راجعاً إلى مصر.


([1]) أي السّلطان المملوكي الظاهر برقوق، وهو أول سلاطين المماليك البُرجيّة الچراكسة، تولّى الحكم سنة 784 هـ بعد أن خلع الملك الصالح حاجي بن شعبان، فكانت مدّة حكم برقوق 16 سنة وبضع شهور.  قامت عليه في الشام عام 791 هـ فتنة لخلعه.
([2]) كان حضر ابن خلدون ممن مجلس هذه الوصيّة، ذكر ذلك ابن العَيني في عقد الجُمان، حوادث سنة 801 هـ.
([3]) أيتَمش بن عبد الله الأسنْدَمري البجّاسي الجُرجاني الأمير سيف الدّين، أتابك العساكر بالدّيار المصريّة، أصله من مماليك أسنْدَمر الجُرجاني.  قُتل مع تَنم سنة 802 هـ.  ترجمته في المنهل الصافي لابن تغري بَرْدي.
([4]) الأمير سيف الدّين تَنم tanım ابن عبد الله الحسني الظاهري، اسمه الأصلي تَنْبك tan-bey (بالتركية: أمير فَجْر)، من مماليك الظاهر برقوق، وكان نائب دمشق في أيامه.
*أحمد
11 - مارس - 2008
الفصل الثاني    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم
 
]زيارة ابن خلدون لبيت المَقدس[
وكنتُ استأذنتُ في التقدّم إلى مصر بين يدي السّلطان لزيارة بيت المقدس، فأذن لي في ذلك، ووصلتُ إلى القُدس ودخلتُ المسجد وتبرّكتُ بزيارته والصّلاة فيه، وتعفّفتُ عن الدّخول إلى القُمامة لما فيها من الإشادة بتكذيب القرآن، إذ هو بناء أمم النّصرانيّة على مكان الصّليب بزعمهم، فنكرته نفسي ونكرتُ الدّخول إليه، وقضيتُ من سُنن الزّيارة ونافلتها ما يجب.
وانصرفتُ إلى مدفن الخليل عليه السّلام.  ومررتُ في طريقي إليه ببيت لحم، وهو بناء عظيم على موضع ميلاد المسيح، شيَّدت القياصرة([1]) عليه بناءً بسماطين من العمد الصّخور مُنجّدة مُصْطَفَّة، مرقوماً على رؤوسها صور ملوك القياصرة وتواريخ دُولهم، ميَسَّرة لمن يبتغي تحقيق نقلها بالتّراجمة العارفين لأوضاعها.  ولقد يشهد هذا المصنع بعظَم مُلك القياصرة وضخامة دولتهم.
ثم ارتحلتُ من مدفن الخليل إلى غَزّة، وارتحلتُ منها فوافيتُ السّلطان بظاهر مصر، ودخلتُ في ركابه أواخر شهر رمضان سنة اثنين وثمانمائة.  وكان بمصر فقيه من المالكيّة يُعرف بنُور الدّين ابن الخَلاّل، ينوب أكثر أوقاته عن قُضاة القضاة المالكية، فحرّضه بعض أصحابه على السّعي في المنصب، وبَذل بعض موجوده لبعض بطانة السّلطان السّاعين له في ذلك.  فتمّت سعايته في ذلك، ولبس منتصف المحرّم سنة ثلاث، ورجعتُ أنا للاشتغال بما كنتُ مُشتغلاً به من تدريس العلم وتأليفه، إلى أن كان السّفر لمدافعة تَمُر عن الشام.


([1]) يعني القياصرة البيزنطيين، وبالفعل كانت الدّولة البيزنطية آنذاك وعاصمتها القسطنطينية (إستانبول حالياً)من أعظم ممالك الدّنيا، وكان أكثر المشرق جارياً في مُلكهم منذ عام 395 م، بما في ذلك سورية وفلسطين، إلى أن فتح المسلمون القُدس عام 638 م وحافظوا على المقدّسات المسيحية فيها.
*أحمد
11 - مارس - 2008
 1  2  3