البحث في المجالس موضوعات تعليقات في
البحث المتقدم البحث في لسان العرب إرشادات البحث

مجلس : التاريخ

 موضوع النقاش : المدية ، في مرآة التاريخ    قيّم
التقييم :
( من قبل 7 أعضاء )

رأي الوراق :

 لمياء 
27 - ديسمبر - 2007
 
احترت في أي المجالس أحط الرحال، فالمدية كانت التاريخ والجغرافيا لا جزئا منهما، وتجاوزت كونها الملهمة فهي الشاعر والأديب ، ومهما طال بي الوصف فإني لن أوفيها حقها مهما حاولت ، فلا يسعني الآن إلا أن أقول : أهلا بكم في مدينتكم !!
وقد فكرت طويلا في مقدمة مناسبة فلم أفلح ، وحاولت أن أبدأ بوصف بسيط فلم تطاوعني الكلمات، فإن كان علي تقديم لمحة بسيطة عنها كتمهيد ، فاسمحوا لي أن أنقل تعريفا موجزا لها من موسوعة وكيبيديا :
 
يقدر عمر المدية بألف عام أو يزيد، فالمدية عاصمة بايلك التيطري يعود تاريخها إلى عهد قديم أي حوالي 350هـ، بحيث قال أحد المؤرخين (المدية عتيقة قديمة،وأن المدية سبقت بني زيري وأنها أقدم من أشير…فقد تداولت عليها عدة حضارات وسكنتها الكثير من الشعوب، والمدية اليوم من بين ولايات الجزائر تتوفر على منتوج ثقافي، سياحي،وتاريخي وهي تقاطع مدينة تلمسان في عدة تقاليد لتشابه أنماط المعيشة لدى سكانها وطريقة عمرانهم، وأسلوب حياتهم، و من الشخصيات التى ولدت و ترعرعت بالمدينة الشيخ ابن شنب وفضيل اسكندر، كما أنها كانت عاصمة الولاية الرابعة في حرب التحرير ضد المستعمر الفرنسي.
 
وتقع ولاية المدية في الأطلس التلي، وتتربع على مساحة قدرها 8700 كلم2 وعلى ارتفاع 920 م من سطح البحر وتبعد عن العاصمة(الجزائر) 88 كلم2 شمالا.
إداريا: تضم الولاية 64 بلدية و 19 دائرة ،تحدها من الشمال ولاية البليدة و من الجنوب ولاية الجلفة و من الشرق ولايتي المسيلة و البويرة و غربا ولايتي ولاية عين الدفلى و تسمسيلت .
 
تعتبر الولاية بفضل موقعها الجغرافي همزة وصل بين الساحل والهضاب العليا ،بحيث تمتاز بشتاء بارد. و صيف حار ،و تسمى بوابة الأمطار بحيث تصل نسبة الأمطار فيها من 400 إلى 500 ملم سنويا. وهي تعرف بتساقط الثلوج .
وهي ذات طابع فلاحي رعوي إذ تقدر الأراضي الفلاحية بمساحة 341.000 هكتار ومساحة غابية تقدر ب161.885 هكتار، تتوفر على إمكانيات حقيقية للنشاطات الاقتصادية المتعددة وخاصة السياحية منها .
 
هذا وللحديث بقية  ...وإلى حين اللقاء ، تقبلوا مني سلامي        
 
 
 1  2  3 
تعليقاتالكاتبتاريخ النشر
فيا سان خورخو - الحسيمـة -    كن أول من يقيّم
 
الحسيمة في ذاكرة أحد أبنائها الإسبان


ولد "بلاسيذو روبيرو ألفارو" في فيا سان خورخو-الحسيمة بالمغرب سنة1944، حيث عاش بها إلى غاية مارس 1968، ويعتبر أحد أبناء الحسيمة البارين، وهو"الإسباني الريفي" كما يقول عن نفسه في العديد من اللقاءات، شاهد على نشوء وتطور المدينة. ومن خلال اعتزازه القوي بالاٍنتماء للمدينة-الأم و اهتماماته المتزايدة بفيا سان خورخو-الحسيمة فقد استمر في زياراته المتواصلة لمسقط رأسه ليحكي ذكرياته وتجاربه و يقدم أبحاثه المنجزة حول الحسيمة والريف. و يأتي كتاب "الحسيمة تاريخها في صور" كوثيقة تاريخية معززة بالصور لتسلط الأضواء على الجوانب المتحولة في تطور المدينة. صدر الكتاب عن مطبعة "كاربخال. ش. ق".-إسبانيا-.الطبعة الاْولى 2002. ترجمه إلى العربية الأستاد محمد أزيرار.
يستهل الباحث في تاريخ الحسيمة حديثه بوصفه للنقطة الجغرافية-الحسيمة حيث وقعت الأحداث التي كانت وراء ذكرياته.
...إلى حدود سنة1925، في المنطقة حيث تقع الآن مدينة الحسيمة "فيا سان خورخو حتى1956" لم يكن يوجد سوى سهوب و كثبان رملية هائلة، قد أتعبتها رياح الوحدة، لا شجر فيها و لا عشب إلا من بعض نبات الحلفاء الضعيف ونخيلات متفرقة، و لا حيوانات إلا من سرطانات البحر في محاجرها، والنوارس المعشعشة في جحور صخور الخليج.
على هذه الكثبان الرملية القاحلة، نشأت المدينة السعيدة فيا سان خورخو/الحسيمة. المدينة التي نشأت بالصدفة في هذا الموقع الجغرافي و من غير أن يكون ذلك متوقعا. لم يكن نشوء المدينة منتظرا ولا متوقعا، لقد نشأت بفضل مواظبة و مثابرة حفنة من الأسر التي بنت على هذه الأرض اليابسة الجدبة منازل وشوارع ومدارس وحدائق وأشجارا وورودا وكنائس ومساجد...، والأكثر من هذا، تمكنت هذه الأسر من التآخي والتعايش واحترام سكان وأهالي هذه الأرض، فوفروا لهم العمل والصداقة والثقافة واحترموا عاداتهم وعقائدهم.
الحسيمة هي المدينة الوحيدة التي أنشئت، حسب الشكل الجديد للحماية الإسبانية في المغرب، على غرار أي بلدة إسبانية في الأندلس، بدون "مدينة قديمة"، و لا "ملاح"-حي يهودي-، ولا "قصبة"، وساكنة متداخلة. هذه التي تختلف تماما عن باقي المدن المغربية، مما أضفى عليها طابعا مزدوجا لميلادها المزاوج بين الثقافة الإسبانية والثقافة المغربية.
نعم، بالطبع كل شيء بدأ إثر نزاع حربي، أدى إلى انشقاق وتمزق بين الشعبين في إطار حدث من أهم الأحداث التاريخية في القرن العشرين. و على الرغم من ذلك، فإن المدينة، خلال نشوئها ألفت بين سكانها وثقافتهم بغَضّ النظر عن أصولهم أو انتماءاتهم الاجتماعية. لا أحد ينسى مروره من هذه البلدة الواقعة في منتصف الطريق بين مليلية و سبتة، حيث تتشابك التقاليد والأديان والثقافات. إن البلدة التي أصبحت مدينة لم تكن تماما إسبانية ولا مغربية. كانت بلدة "متميزة" عالمية، وحديثة، وسعيدة، وكريمة، وأثرا حيا لا يمحى في قلوبنا لا يمحي.
نشأت المدينة تحقيقا للآمال الكبيرة للسكان المدنيين الأوائل، الذين فكروا منذ البداية، أنه في المستقبل القريب، حينما ستتوفر المدينة على الميناء والطرق، ستصبح المدينة البوابة الطبيعية لصناعات مدينة فاس وخشب كتامة، و حينئذ ستصبح المركز التجاري والفلاحي للريف.
بحلول عام 1930 أصبحت المدينة تتوفر على كل المرافق الأساسية، بحيث تتوفر على إدارة مستقلة، وخدمات اجتماعية مدنية. كما عاشت المدينة ما بين 1944 و1955 سنوات من الازدهار والرخاء أنستها، نسبيا، جروح الحرب الأهلية وآلامها، وعادت المدينة إلى حياتها العادية، وعاد السكان إلى عاداتهم التي افتقدوها خلال ثلاث سنوات تقريبا. ومن مظاهر هذا الازدهار والرخاء:
_توفر المدينة على تسعة معامل لتصبير الأسماك مع وفرة اليد العاملة.
_استمرار أأعمال البناء والإنشاء في الميناء.
_تدشين الملعب البلدي.
_مشاركة ألمع فناني تلك الفترة في الأنشطة التي عرضت في السينما الكبير، و من بين هؤلاء المغني المشهور أنطونيو مولينا، و المغني الإسباني الكوبي أنطونيو ماشين المغني.
في فيا سان خورخو وفي المغرب، في الحقيقة، كنا حينئذ، نحن سكان فيا سان خورخو، عبارة عن قطع منفصلة من إسبانيا. قطع وأجزاء من وطننا الأم في المغرب.
بالنسبة لمصارعة الثيران، جلبت الثيران من مزرعة مشهورة لتربية الماشية في إشبيلية، واستقدم إلى المدينة مصارعون من الدرجة الأولى آنذاك. وكذلك الأمر فيما يخص حفلات "الفاياس"، فقد اتسمت بخيال واسع فيما يخص صنع الدمى الممثلة لأهم الشخصيات بالمدينة التي، بعد عرضها لعدة أيام أمام السكان وآرائهم و انتقاداتهم، أحرقت كما كان محددا ليلة 19 من مارس على فرقعة الألعاب النارية الجميلة. كل ذلك، أصبح ذكرى، خاصة بالنسبة لأولئك الذين هم مثلي، كان لنا الحظ الكبير لمعايشتها و تذكرها و إيصالها إلى الآخرين.
كانت فيا سان خورخو مدينة عالمية و بهيجة، تزدحم بالسكان الذين قدموا من مختلف الأقاليم الإسبانية. و قد تكاملت و تمازجت عاداتنا القديمة في هذ الجزء الجميل من الأرض الإفريقية.
كانت الحفلات والأعياد الإسبانية أو المغربية مناسبات لتباهي وافتخار سكان المدينة. ومن الحفلات المشهورة، الأعياد الميلاد الدينية، وملوك الشرق السحرة، ووالقديس يوسف، و العذراء كارمين، و الاحتفالات الشعبية لنهاية السنة، و كرنفالات 18 يوليوز. و يشارك في هذه الحفلات المغاربة و الجالية اليهودية، كما يشركوننا نحن "إروميين"-المسيحيين- في حفلاتهم خلال شهر رمضان وغيرها من الحفلات الإسلامية و اليهودية..

الكاتب هو أحد هؤلاء "الإسبان الريفيين" القلة، الذين شهدوا ثلاثة أجيال من عمر فيا سان خورخو-الحسيمة، فقد كان أجداده، من الأب والأم، من المدنيين الأوائل الذين وصلوا في أواسط ديسمبر1925 إلى هذه الأرض. و قد حملته خطوب الدهر، في مارس1968 إلى الضفة المقابلة حيث "مالقة" الموجودة جغرافيا على بعد بضع كيلومترات. وعلى الرغم من ذلك، فإن الكاتب لا تفصله عن الحسيمة، في الواقع، سوى حدوده النفسية.
كانت، تقريبا، ثلاث وأربعون سنة من التعايش المستمر، وثلاثة أجيال، و ثلاث ثقافات من الحب لأرضنا، ومدينتنا، وأهلنا.
جزء من هذه الروايات الملخصة لتاريخ مدينتي، وصلتني على لسان من هو أكبر مني، و أخرى لحسن الحظ، عشتها، و شاهدتها، و شاركت فيها،...لكي أتمكن من روايتها.

   عن موقع المرساة
*abdelhafid
2 - فبراير - 2008
من مدن الجزائر العريقة مدينة المدية    كن أول من يقيّم
 
المدية تاريخيا


إن الحديث عن تاريخ ولاية المدية العريقة يعود إلى تلك الفترات المتعاقبة التى مر بها الشمال الإفريقي من فينقيين ورومان ووندال وبيزنطيين ومن بعد ذلك الفتح الإسلامي والوجود العثماني، ولكل مرحلة من هذه المراحل آثارها التاريخية والمادية

وإن كان هناك من يحاول أن يربط تأسيس العديد من مدن الولاية بالفترة الرومانية مستدلين ببعض التسميات التى كانت تطلق على هذه المدن مثل لمبدية أو ( رابيدوم) (جواب)= وهو إسم لأحد بلديات الولاية حاليا أو ثناراموزاغاسترا (البرواقية)=بلدية في الولاية حاليا أو سونازا (سانق) =أحدى بلديات الولاية وغيرها فإن كثير من المؤرخين يؤكدون وجود المدية قبل الرومان وأن أصل " لمبدية" بربرية وتعني العلو والأرض المرتفعة وهناك أسطورة تقول بأن الملائكة هي التى حملت هذه المدينة من البلاد القديمة وو ضعتها على سفح الأطلس، ومن هنا قال عنها الشاعر أحمد بن يوسف الملياني:

أيتها المدية يامن حملتك الملائكة

لو كنت إمرأة لما تزوجت سواك

حين يحل الشر بأبوابك

تطردينه قبل أن يحل المساء

وقال عنها المؤرخ الإسباني مرمول: إن المدية عتيقة قديمة وقد سبقت بن زيري وأنها أقدم من أشير، أما إبن خلدون فقد قال عنها هو إسم بطن من بطون صنهاجة وقد إستولى عليها محمد إبن القوي أيام بني عبد الواد).

وفي القرن العاشر للميلاد ومع ظهور الفاطميين أسس زيري بن مناد دولة الزيريين ولما تسلم حكم تيهرت من يد الفاطميين أذن لأبنه بولغين بتأسيس ثلاث مدن بين 360-350 هـ وهي:

المدية ، الجزائر، ومليانة.

والحقيقة أن بولغين لم يؤسس هذه المدن وإنما وسعها وجعل منها مراكز إشعاع حضاري ، وبين القرنين السادسعشر والتاسع عشر عرفت المدية الحكم العثماني ونظرا لموقعها الإستراتجي فقد أختيرت لتكون عاصمة بايلك التيطري وتداول على حكم البايلك 18 بايا، ومع دخول المحتل الفرنسي تعرضت ولاية المدية على غرار كل المناطق الجزائرية إلى حملات ما بين 1830 إلى1840 وصارت المدية من اهم مراكز الجهاد حيث اتخذ منها الأمير عبد القادر وخليفته محمد بن عيسى البركاني المداني مركزا استراتيجيا حربيا وسياسيا، وسقطت بعد مقاومة باسلة اعترف بها قائد جيوش المحتل"كلوزيل"

ومع إندلاع الشرارة الاولى لثورة أول نوفمبر من سنة 1954م كانت ولاية المدية في الطلائع الأولى لتلبية النداء ،وقد جعل منها مؤتمر الصومام عاصمة للولاية الرابعة التاريخية، وقدمت كغيرها من ولايات الوطن قوافل من الشهداء والأبطال الذين مازالت الأجيال تتغنى ببطولاتهم وتصحياتهم الى اليوم، أمثال العقيد سي أمحمد بوقرة وسي الطيب الجغلالي وسي لخضر حمدان وإمام الياس وأحمد أرسلان وغيرهم من الشهداء الذين قارب عددهم الألفي شهيدا بعاصمة الولاية وحدها، وهاهي اليوم ولاية المدية تخوض معارك التنمية بخطى ثابتة وعلى جميع الجبهات الإقتصادية والإجتماعية والثقافية.

والحديث عن أعلام المدية يطول لأنها أنجبت الكثير من العلماء منهم من يعرف ومنهم من هو في قائمة المنسيين

وأذكر من بينهم الدكتور العلامة محمد بن شنب الغني عن التعريف، والعالم الجليل الشيخ الفضيل أسكندر، والشيخ مصطفى فخار، والشيخ طبال بن علي وغيرهم كثير

وسوف أخصص بحول الله موضوعا عن أعلام الولاية البارزين ونبذة من سيرهم.

*من كتاب مدن وثقافة المدية كنوز ورموز بتصرف*
abdelkrim
28 - يناير - 2009
حجلة الأطلس    كن أول من يقيّم
 
 
سلمت يداك لمياء على هذا العمل المتقن والجميل الذي يعبر عن روحك وثقافتك الأصيلة . أحسست فيه بعبق ريحانة ماء ، ورأيت حجلة تقفز وتتنقل في تلك الأحراج الصخرية الوعرة والمجللة بهذا الأخضر العميق ، الحي ، التي تشبه كثيراً صورة بلادي التي أعرفها . كم تمنيت لو تتيح لي الظروف زيارة منطقتكم الخلابة والتعرف بها وبكم عن قرب ، ولو توفرت لي تلك الظروف فلن أتردد مطلقاً . شكراً لك تعريفك الجميل والرصين بهذه القطعة من الجزائر الحبيب ، ودعوتك الكريمة ، ورجائي أن تبلغي سلامي إلى والديك الكريمين ودمت .
*ضياء
28 - ديسمبر - 2007
المدية عبر العصور...    كن أول من يقيّم
 
 
أحببت أن يكون أول شيء أكتبه هو"المحاضرة التي ألقاها الأستاذ محمد المختار اسكندر في الملتقى السادس للتعرف على الفكر الإسلامي المنعقد بقصر الصنوبر بالعاصمة ، من 13 جمادى الثانية إلى رجب 1392هـ/24 يوليو إلى 10 أغسطس 1972م." وقد نقلتها لكم من كتاب "تاريخ المدن الثلاث :الجزائر ، مليانة والمدية" والذي هو من اعداد ودراسة وتعليق الشيخ "عبد الرحمان الجيلالي" ، لما وجدنا فيه من إلمام بتاريخ المدية من كل النواحي،
 
المحاضرة :
المدية عبر العصور
أو
المدية في عيدها الألفي
 
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، الحمد لله الذي هدانا لهذا ،وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، والصلاة والسلام على رسول الله ، المنزل عليه قوله:
((يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا))
وبعد ،
سيدي الوزير ، حضرات السادة والسيدات، أبائي ،أساتذتي الأجلاء، أبنائي الطلبة، يطيب لي أن أشكر بهذه المناسبة السعيدة، سيدي الوزير للتعليم الأصلي والشؤون الدينية حيث أتاح لي هذه الفرصة الثمينة للمشاركة في هذا الحفل الجليل ، ولا يسعني للتعبير عن هذا الموقف إلا أن أستعين وأستنجد بأستاذي وشيخي شاعر الجزائر الفذ ، ورائد النهضة الشعرية الحديثة : الشيخ محمد العيد آل خليفة ، حفظه الله ، وكانه كان ينظر إلى هذا الحفل الكبير البهيج من قصيدة رائعة صور فيها مثل هذه المناسبات بكل دقة وبراعة وصدق وعواطف وإحساس فياض ، حيث قال :
استوح  شعورك من حنايا iiالأضلع واستجل في القسمات حسن المطلع
وصـع  الـتـحـية نظرة iiرفافة كـالـورد، وارفـعها لهذا المجمع
مـن بـاحـث مـتفنن أو iiواعظ مـتـسـنـن،  أو قارئي iiمتخشع
مـا يـنـتـهي منهم بليغ iiمصقع ألا  يـحـيـل على البليغ iiمصقع
والـقـوم  كالأسد الروابض الجتم مـن حـولـهم أو كالنسور iiالوقع
والـمـهتدي  فيها بجنب iiالمهتدي والـلـوذعـي فيها بجنب iiاللوذع
دعـت الـبـلاد شـبابها iiفأجابها عـجلا  وحسبك بالشباب إذا دُعي
 
وقال كذلك في مثل هذه  المناسبة السعيدة ، وهو تأسيس جمعية العلماء المسلمين سنة 1931 :
على الرحب حلوا أجمعين على الرحب فـأنـتم ضيوف في حمى الله iiوالشعبِ
طـلـعـتم علينا كالكواكب في iiالدجى وسـرتـم  إلينا كالسحائب في iiالجدب
جـحـاجـحـة عرب الفرائح iiواللغى فـأهـلا  وسـهلا بالجحاجحة iiالعرب
بـسـاطـنـا  لـكم منا قلوب iiوأعينا فـدوسـوا عليها لا تدسوا على iiالترب
وقـد حـل هـذا الـعيد باليمن iiجامعا لـشـمـلـكم  فاستأصل البعد بالقرب
فـيـالـك مـن عـيـد تـجلى iiكأنه عـروس  تـجلت في مطارفها iiالقشب
عـلـى  صـدرهـا عـقد تألق مثلها تـألـق  هـذا الـحفل بالسادة iiالنجب
 
وهي كلها عيون وغرر ودرر ، واشكركم مرة أخرى حضرة وزيرنا ، وحكومتنا الثورية بإقامة وتنظيم هذا الملتقى السادس للتعريف بالفكر الإسلامي، وإحياء تراثنا ، وبعثا لمجدنا الذي كادت أن تطمسه قوى الشر فخرج شعبنا كالمارد يتحدى الطغيان، وهاهو يبرهن عن مقوماته الشخصية والمحافظة على كيانه ، وها نحن نقيم الدليل على وجودنا وأصالتنا وعروبتنا وإسلامنا.
ولعمري هذه كلها هي أركان مقوماتنا التي نادت بها شخصيتنا الوطنية في الماضي العصيب والرهيب وهي: الاسلام ديننا –العربية لغتنا-والجزائر وطننا ، وقد صاغها رائد النهضة الحديثة أمامنا : الشيخ عبد الحميد بن باديس نشيدا لشعب :
شـعـب الـجزائر iiمسلم وإلـى  الـعروبة ينتسب
مـن  قال حاد عن iiأصله أو قـال مـات فقد iiكذب
أو  رام إدمــاجـا iiلـه رام  الـمحال من iiالطلب
يـا  نـشـأ أنت iiرجاؤنا وبـك  الصباح قد اقترب
خـذ لـلـحـياة iiسلاحها وخض الخطوب ولا تهب
هـذا نـظـام iiحـيـاتنا بـالـنـور خط iiوباللهب
فـإذا  هـلكت iiفصيحتي تـحـيا الجزائر iiوالعرب
 
ومن ضمن هذا التراث والأصالة ، تحيي الجزائر ذكرى ثلاث مدن جزائرية في عيدها الألفي ...الجزائر ، مليانة والمدية ، أما المدية فقد عاشت في عيدها الألفي أوقاتا مشرقة حيث زارنا وزيرها وزيرنا للتعليم الأصلي ، الأخ مولود قاسم ، بمناسبة عيد الاستقلال، والعيد الألفي للمدية ، ودشن بها ساحة بولوكين إحياء لذكرى مؤسسها ...وبهذه المناسبة نحيي ذكراها فله كل تشكرانتا، فلبست المدية حلة قشيبة فسجل هذه الخواطر شاعر المدية ، زميلنا وصديقنا الشيخ محمد الدراجي ، قصيدة في عيدها الألفي ، نقتبس منها هذين البيتين:
ألا حـي الـمـديـة iiبـالتهاني فـعـام الألف من عمرها دعاني
فقد برزت للحفل ترفل في حلاها كـتـائهة  الجمال على iiالغواني
 
ونظم شاعرنا الشعبي للشعر الملحون : الصديق مصطفى بلجردي بهذه المناسبة :
ما أسعد بلدة iiالمدية بذكرى عيد iiالألفية
فرحتين في احتفال الألفية  والاستقلال
 
فبعد هذه المقدمة البسيطة ، أنتقل بكم في رحلة عبر التاريخ إلى المدية واتمنى أن تكون رحلة مريحة ميمونة . فلنسر على بركة الله وحسن توفيقه وعونه ، نستعرض عبر هذه الرحلة عصور المدية ، وأطوارها ، وما لعبته من أدوار رئيسة ، لما تمتاز به من موقع استراتيجي هام.
 
 ************
 
آن الأوان لكي نضيف النجمة الحمراء إلى اسمك اللامع بمشيئة الله . أهلاً ومرحباً بك يا لمياء في سراة الوراق مع
 تمنياتنا لك بدوام النجاح والتألق ( ضياء ) .
 
 
 
*لمياء
27 - ديسمبر - 2007
تتمة المحاضرة 1 ...    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم
 
موقف مع التاريخ :
إن التاريخ هو منطق للزمن ، ينتقل من الآباء إلى الأبناء ، ليكون منطلقا للأجيال ورافدا للرعيل الوافد ، ليعرف من أين وإلى أين؟ ...
وللمدية زمن لا يستهان به ، فهي وليدة ألف عام أو يزيد ، وهذا الزمن يصعب على الباحث أن يسلسل منطقه ، فهو زمن لدنيا بادت ، ثم عاشت ، إلا أن حقائق التاريخ إذا اهملها الزمن وقتا فلا بد أن تنشرها الأيام المتولدة من غابر الأزمان، فهذه البلدة التي تربعت على عرش الطبيعة لتتحدى الطبيعة ،وتخلق من أحفادها من يسخرون الطبيعة ، وقد كان أن هذه البلدة التي بلغت من العمر ألف عام ، قد يقول منطق الأجناس أنها هرمت وشاخت ، ولكنها وارفة الظل شابة الطبيعة ، وكلما امتدت الأيام بها زادتها جمالا على جمالها .
 
إن هذه البلدة التي صادقت التاريخ فكانت تاريخا، ونسجت من طبيعتها وحدة متجانسة في الأشكال والطباع أبت الضيم وحطمت الأغلال ورفضت الذل والهوان، يتجلى ذلك في مقاومتها المستمرة طوال أيام ممتدة ، لكل معتد أثيم ، وإذا كانت الأيام لم تنصفها والكتب التاريخية أهملتها إلا في مصادر قليلة متفرقة، وبصفة وجيزة فقد فرضت نفسها على التاريخ ، وكانت تل من وقت لآخر في مواقف شريفة، ومعارك عنيفة تخوضها وتنتصر، ولعل التاريخ أجمل الكلام عنها لتركتها الطويلة ، المثقلة بالحوادث والأحداث التي تتغلب على عقل المؤرخ وقلم الكاتب .
 
إن هذه البلدة التي كانت منطق إعجاب التاريخ فعزاها إلى عصر الرومان تحت حكم ((سبتم سفار)) 210 بعد الميلاد ، وكانت تسمى ((مدياس)) كلمة لاتينية ، أو كلمة ((أمدياس)) وهذا مع اختلاف الروايات في ذلك العهد ،أو من كلمة عربية ((لمدية))، وتقول روايات أخرى أنها سميت باسم ملكة رومانية تدعة لمبدية أو لمدية ولعل ما يؤكد هذه النظرية ما هو موجود في كتاب لمؤلف فرنسي "أندري جوليان" في كتابه "تاريخ إفريقيا الشمالية" .
وينسب للطبيب "مارشان" فيذكر المدية في مواضع مختلفة ، ويذكرها كذلك في نفس المصدر على لسان طبيب آخر "مفير" سنة 1359 ، حيث يقول : يوجد نفق للماء في مسافة ألفي متر تحت المدينة ، وهو موجود لحد الآن يقال له "الماجن" ، قال : والذي يثبت هذا هو مادة البناء التي كانت تستعمل خاصة في عهد الرومان وهو خلط الحجر الرقيق بالجبس ، وقال أيضا : حينما كانوا يحفرون الأساس للمستشفى العسكري ، عثروا على رفات بالية وتحف وزهرية مصورة عليها صورة امرأة وفخار ونقود من البرونز وفانوس ، لونها رمادي ....الخ
وما نستنتجه من خلال هذه البحوث أن البلدة قديمة موجودة منذ عهد الرومان ، ولعل الصورة في الزهرية هي رمز الملكة التي تسمى البلدة باسمها أو تنسب إليها ، وإذا كانت ملكة الرومان قد خلعت اسمها تاجا على هذه البلدة ، فهذا ولاء العارف بجمالها الطبيعي الجذاب ، ونطوي التاريخ من عهد الرومان الطويل وغيرهم من النوميديين ، ولعل الاسم تحرف عبر عصور التاريخ من المدية إلى نومدية ، أو قبيلة أو بطن من بطونها المتعاقبة ، كما حملت اسما بربريا من بطون صنهاجة ، تسمى "لمدية" وإليها ينسب، من ينتسب إليها "لَمْدي" أو "لَمْدَاني" .
 
اختلاف المؤرخين في تسميتها والانتساب إليها:
وهذا ابن خلدون يصرح في كتابه "العبر" (المجلد السابع صفحة 192) : ((نهض عثمان بن يغمراسن إلى المدية وبها أولاد عزيز من بني توجين ، وقام بدعوته فيها قبائل من صنهاجة ، يعرفون بـلَمْدِيَّة وهي تنسب إليهم ))، والذي يدعم أصل ما نكتب أو نقول أن ابن خلدون يصرح في موضع آخر :(( أن المدية بطن من بطون صنهاجة المسمى بأهله ، ونطق بعضهم بـلَمْدُونة والنسبة إليهم لَمْداني أو لَمْدي)) كما قلنا من قبل ...ومما يقال أن أهل المدية كانوا يصنعون فيها المدى وهي السكاكين ، فنسبت إلى الصنعة التي تصنع فيها ،.... ونطق الكلمة باللغة الفرنسية ((مِدِيا Médéa )) يوحي بأن النسبة أخذت من الصنعة !!!؟
 
مولد المدية:
أراد بعض المؤرخين أن يجعل مولد المدية في عهد حماد بن زيري سنة 350هـ ، ولكن صدق التاريخ يعطي ان المدية كانت ضاربة في القدم ، وأن تاريخها بألف عام يعتبر منطلقا لتاريخ حديث تناولته الأقلام كثيرا ، ونطقت به الألسنة ، وذلك يعتبر تدعيما لمجد هذا البلد وتقوية لأصالتها كما قال "ابن عبيد البكري" حيث قال :(( المدية بلد جليل قديم)) ودعم هذا رأي الوزاني الفاسي حيث قال :(( ان الأفارقة القدماء هم الذين خططوا المدية بما يعرف بنو "مْديّة" )) ويقف مع هذه الآراء المؤرخ "مرمور" عندما قال : (( إن المدية عتيقة قديمة وإن المدية سبقت بني زيري وأنها أقدم من "أَشِير" ))
*و"أشير" هي مدينة بالجنوب الشرقي من البرواقية ، قرب ثلاثاء الدوائر ، أنشأها زيري بن مناد رئيس صنهاجة وأميرها سنة 324هـ ، وجعلها مركزا حربيا لمحاربة قبائل زناتة الخارجة عن طاعة العبيدين ، وجلب لها الصناع والعمال من "مسيلة" و "طبنة " فأحكموا وضعها وأشادوا بناءها ، فكثر عمراها وشيدت فيها القصور والمنازل والحمامات وقصدها التجار والعلماء  والأدباء من كل مكان، وكانت بها سوق تباع فيه كل لطيفة وظريفة ، وضرب بها "العبديون" عملتهم ، وكانت حرما آمنا حتى سنة 440 هـ حيث خربها " يوسف بن حماد الصنهاجي" حينما أنشئت العاصمة الجديدة "لَمْدية" ،وكانت أشير في سهل قرب الجبل الأخضر هدفا للعدوان وعارية من التحصينات الطبيعية مما جعلها بمعزل عن الأمن وعرضة للطامعين ، ولذلك فكر الأقدمون أن يلوذوا بتحصين طبيعي فكان هذا المكان هو المدية ، وفي ذلك العهد انطلق بنوا زيري من صنهاجة ومن اعوان الفاطميين على الخارجين ، وتطاولت دولتهم في القرن الرابع الهجري ، من تيارت غربا إلى الزاب شرقا ، ونظر الفاطميون إليهم بإعجاب فأنزلوهم أحسن المنازل ، لأنهم أقدر الناس على محاربة بدو زناتة .
ولما تسلم زيري بن مناد سنة 349هـ ، 960م حكم تيارت من الفاطميين ، أذن لابنه "بولوكين" بتأسيس ثلاث مدن : المدية 355هـ ، مليانة 360هـ والجزائر 362هـ ، وفي هذا الصدد يذكرنا ابن خلدون في حديثه عن المدية بما نصه : ((وكان المختط لها بوبوكين بن زيري )) كتاب العبر ، ج 7 ، وذكر البكري في كتابه : المسالك والممالك (( قام بتخطيطها )) وذكر مصدر آخر كلمة  التشييد ، وانطلاقا من هذه النصوص نفهم بأن المدية كانت أنقاضا وخرابا بعد بنائها من عهد الرومان ، وذلك لطول العصور التي مرت عليها ، إذن فالتأسيس والتخطيط والتشييد يكون من العدم أو شبه العدم ، وإما اختيار الموضع الاستراتيجي الهام ، هو الذي تنبه له هذا العبقري في ذلك الزمان الغابر.
وكان لنا به فضل الاحتفال بمرور ألف سنة على تأسيس هذه البلدة الطيبة ، وكان اللقاء بالفاطميين على هذه الأرض يجعل منا ربطا بين المشرق والمغرب ، حيث أن الفاطميين كان لهم تأثير كبير أثناء وجوهم في هذه الديار ، فكان التأثير والتأثر بينهما واضحا في كثير من الأوجه ، وبعد انتقالهم إلى المشرق وفتحهم لمصر وتأسيسهم للأزهر الشريف لعنايتهم بالعلم وحفاظهم على الإسلام ، وإذا كانت المدية قد حضيت بالفاطميين قبلا ممثلا في مدينة أشير فإنهم قد اخذوا عنهم هذه الظاهرة ن وقد تربوا على حبهم للعلم ، واحترام العلماء وتقديس المبادئ الإسلامية ، فكلما تطاول بها الزمن زادتها الأيام تمسكا بالدين ، فينبغي أن ننمي هذه المملكة ونرعاها  لنعيد مجد الإسلام ، فالقرآن فيها محفوظ والدين في أهلها ملحوظ.
 
*لمياء
27 - ديسمبر - 2007
تتمة المحاضرة 2...    كن أول من يقيّم
 
التقارب التاريخي بين تلمسان والمدية :
لقد كانت الحضارة والتقارب بين تلمسان والمدية عبر عصور التاريخ متداولا بينهما ، وكثيرا ما كانت الأحداث تجمع بينهما وتقربهما إلى بعضهما ، فهذا ابن خلدون يذكرهما في كتاب العبر إذ يقول عن ابن يحيى بن زيان، مؤسس دولة الزيانيين بتلمسان مع مغراوة وبنو توجين وهم زناتة منتقلون ، دفعهم تيار الهلاليين نحو المغرب وأصبحوافي القرن السابع الهجري والثالث عشر الميلادي ما بين الونشريس والسرسو والمدية .
وفي عهد خلافة الموحدين سنة 646هـ/1248م ، حيث عمت الثورة هذه الجهات فدخل بنو عبد الواد ، وأغاروا على نواحي تلمسان، كما تغلب بنو توجين على منطقة الصحراء والمدية، إلى جبال الونشريس، وبادر ملوك تلمسان بالإستيلاء على المدية لموقعها الاستراتيجي الهام، إذ هي تقع في طريق الجنوب وطريق الشرق الجزائري، وقد تم الاستقلال لبني عبد الواد على عامة أوطان بني توجين، وكان موقفهم مع هؤلاء يتداول ما بين السلم والحرب، وهكذا نجد المدية دائما بين مد وجزر وحرب وسلم، فهي مهد الثورات وملجأ كل ثائر أو لاجئ.
 
نقل الحضارة إلى المدية:
إذا كانت تلمسان قد حضيت بالحضارة والفتح أولا ونالت شهرتها بسبب اعتناء الحكام والأمراء المتعاقبين عليها ، فإن المدية قد نالت نصيبا من هذا الاعتناء، وذلك عندما استولى عليها محمد بن عبد القوي على المدية وضواحيها وأنزل بها أولاد عزيز بن يعقوب وجعلها لهم موطنا وأعلن ولايتها المستقلة فقد جاء في خبر أبي سعيد عثمان 681 إلى 703هـ مع مغراوة وبني توجين ما يلي:
((لما عقد عثمان يغمراسن السلم مع يعقوب بن عبد الحق المريني ولى وجهه إلى الأعمال الشرقية من بلد مغراوة الزناتيين، وأصبحت بنو توجين كلها تابعة له ثم تابع السير إلى المدية سنة 688هـ فقام بدعوته فيها قبائل يعرفون بالمدية)) كما ذكرنا في صدر الحديث.
وقد أشار ابن خلدون أن اللمدانيين غدروا بأولاد عزيز ومكنوا الزيانيين من البلد، فقام رجل يدعى "عطية من توغرين" ومال إلى السلطان المريني المحارب لبني زيان، ثم تابع يوسف بن عبد الحق ورغب في ملك الونشريس، ثم عاد إلى بني توجين وحاربهم وانتهى إلى المدية ففتحها، وعادت لمدينة إلى طاعة السلطان عثمان فتقبلها منهم، وبدأ بتخطيط قصبتها القديمة ، عن ابن خلدون بالتصرف.
 
محاولة المرينيين مرة أخرى:
يتبين لنا من مراجع التاريخ وأحداثه أن المدية كانت مسرحا بين الوافدين ، يتلقفها فريق ثم يأخذها آخر ، فترات تقصر وتطول حسب استعداد الوافد وتفاعل أهل البلاد معه، فحينما نجد أن الزيانيين قد ملكوا ثم حوربوا من قبل بني مرين نجد محاولة أخرى لبني مرين لاسترجاع ولاية لتيطري ، فعندما رجع السلطان المريني "أبو الحسن" من تونس ونزل بالجزائر ، عزم أن يحارب بني زيان بمساعدة الثعالبة، ونصر بن عمر بن عثمان وسويد وزناتة، وانظم أبو ثابت الزياني لمغراوة، وفشلت كل المحاولات أمام الزيانيين ، فحينما دب الضعف في دولة تلمسان وأصبح ملوكها لا يستطيعون دفع مهاجمة الأعراب ، أعلنت المدية الاستقلال التام عنها.
كما أن المدية عرفت نوعا من الاستقلال قبل ذلك عندما كانت تحت قيادة إمارة الثعالبة وكانت تشتمل على مقاطعة التيطري ومتيجة سنة 548هـ/1152م
*لمياء
27 - ديسمبر - 2007
تتمة المحاضرة 3...    كن أول من يقيّم
 
شخصيات تاريخية شرفت منطقة المدية:
 
في عهد الدولة الموحدية نبغ في هذه الناحية شخصية لها وزنها وقيمتها في الحقل الثقافي، والعلمي، وكان لها شأن عظيم بين كبار العلماء وهو أبو محمد عبد الله الأشيري نسبة إلى بلدة أشير بالجنوب الشرقي من مدينة البراوقية (التابعة لولاية المدية) في سفح جبل التيطري والتي كانت عاصمة قبل تأسيس المدية.
كان رحمه الله أمام أهل عصره في الفقه والحديث والأدب ، انتقل إلى الشام وسكن حلب الشهباء ففاق بها جميع علمائها كما قال ياقوت : كان إمام أهل الحديث والفقه والأدب بحلب خاصة وبالشام عامة، يتسابق إليه الناس إلى الأخذ عنه والتشرف بالانتساب إليه، ويتفاخر الوزراء والملوك بمجالسته والاسترشاد بعلمه وآرائه.
استدعاء الوزير "أبو الظفر عون الدين يحيى بن هبيرة" وزير المقتفي والمستنجد إلى بغداد وطلبه من الملك العادل"نور الدين محمود بن زنكي " لإقراء الحديث وتدريس علومه بدار السلام، (بغداد) فسيره الملك إليه محفوفا بالإجلال والإكرام، فأقرأ هناك كتاب(الإفصاح عن شرح معاني الصحاح) بمحضر الوزير مؤلف الكتاب نفسه ، وهو شرح يحتوي على تسعة عشر كتابا شرح بها الوزير أحاديث الصحيحين.
وقد جرت للشيخ مع الوزير منافرة فتقاطعا ثم ندم الوزير على موقفه هذا اتجاه الشيخ فاعتذر إليه وأغدق عليه بره وإحسانه، ثم سار الشيخ من بغداد إلى مكة ثم عاد إلى الشام فمات رحمه الله ببقاع بعلبك سنة 561هـ/1165م.
 
وهناك انطفأ السراج الوهاج وخبأ ذلك النجم الذي طلع من المغرب العربي وخاصة من بلدة أشير ليأخذ عنه المشرق العربي سراجه ونجمه ونوره ولا غرابة في ذلك فليس للعلم والمعرفة حدود بين المشرق والمغرب.
 
وهناك شخصية أخرى كان لها مجالها في ميدان العلم والثقافة ، وكان لها وزنها في بلاد الأندلس حيث مثلت عاصمة المدية أشير في تلك الربوع ، وهذه الشخصية هي الراوية الإمام الحافظ موسى بن الحجاج بن أبي بكر الأشيري ، وقد ولد في أشير ، وسكن مدينة تدلس (دلّس) من اعمال الجزائر ، ومنها خرج في طلب العلم إلى الأندلس فدخل إشبيلية سنة 535هـ/1140م ، فلقي بها الإمام ابن عربي وأبا الحسن شريح بن محمد وأبا بكر بن ابي طاهر ، ودخل قرطبة ، فأخذ بها عن أبي عبد الله بن أصبغ، وأبي مروان بن مسيرة ...وسمع مشكل بن قتيبة عن أبي عبد الله بن وضاح بالمرية سنة 537هـ /1142م وأخذ عن أبي محمد عبد الحق بن عطية ولازم ابن أبي الخصال وأبا محمد النفزي المرسي وأبا الحاج بن يمشد العكيسي وأبا الوليد بن الدباغ وأبا الحجاج بن يسعون ، وبعد أن استكمل معلوماته هناك عاد إلى وطنه ، فنزل مدينة الجزائر وأصبح إماما واعظا وخطيبا ، ونشر بها علمه الغزير وأحدث دويا في وقته ، ثم انتقل من العاصمة إلى مدينة دلّس حيث الراحة والسكون ظن حتى وافاه الأجل في صفر سنة 589 هـ/1193م .
*لمياء
27 - ديسمبر - 2007
تتمة المحاضرة 4    كن أول من يقيّم
 
زائر في المدية:
 وهنا نقف قليلا لنستريح من وعثاء السفر ، وطول السير في دروب التاريخ، ويقال أن أهل المدية يكرمون الضيف ويقدرون اهل العلم و...وهذه الميزة لا زالت فيهم حتى الآن .
ولندع المجال لسائح ورحالة مشهور وهو "الحسن بن محمد الوزاني الفاسي" والمعروف عند الغربيين بالأسد الإفريقي فوصف المدية أحسن الوصف ، حيث قال :
((فالمدية مبنية في سهل جميل، خصب تسقيه أنهار كثيرة ، وأهلها أغنياء، يسكنون دورا جميلة، وقد استقبلوني بحفاوة وإكرام كأني أمير المدينة ))
ومن هذه الإشارة لمؤرخ مشهور ومعروف لدى الغربيين يتبين ما يلي:
1-الموقع الجغرافي الممتاز
2-انتعاش الحياة الإقتصادية.
3-رقي العمارة على ممر العصور وحتى للزمن الحاضر ، وكان أصحاب المدية من البنائين يختصون ويشتهرون بفن البناء، وخاصة في الناحيتين الروحية والاجتماعية.
أما الروحية فبناء المساجد ، والاجتماعية كبناء الحمامات ، وكفى بمسجد النور مفخرة وجلالا وجمالا
4-إكرام الضيف والحفاوة به ، مما جعل الضيف صاحب الدار وصاحب الدار هو الضيف، وهذا هو منتهى الكرم.
 
*هنا أحب أن أنشر بعض الصور لمسجد النور :
صور قديمة:
 
وأخرى حديثة :
 
 
وهذه كانت أيام الشتاء ، وقد أهدانيها مدير متوسطتي حينها -حفظه الله-
 
*لمياء
27 - ديسمبر - 2007
تتمة المحاضرة 5    كن أول من يقيّم
 
المدية تقدر العلم ، وتحترم العلماء:
إن الروح الدينية التي ورثتها هذه البلدة منذ الفتح الإسلامي المبين ، جعلهم يحترمون كل ذي قيمة علمية، وخصوصا إذا كان تلبس لباس الإسلام ، وتدين بالكتاب والسنة، وقد صرح بذلك الرحالة المشهور الحسن بن محمد الوزاني الفاسي ، فقال : ((وإذا زارهم أجنبي ذو علم ومعرفة فإنهم يعظمونه ويبجلونه ويبقونه عندهم ليفصل في قضاياهم ، ويعملون برأيه ، ويصوبون رأيه )) ومن هذه الملاحظة الوجيزة ، فإن احترامهم للأجنبي ليس احتراما لذات الأجنبي ، ولكن احتراما للعلم في ذلته وللصواب في نطقه وللحق في عدله، لذلك نجدهم يولونه منصب القضاء وإن كان ضيفا ، والحق ليس ضيفا في أرض الله ، فقد خلق الله السماوات والأرض بالحق ، فهذا التعظيم للحق في ذاته وهذا المنطق المشاهد على مسرح الحياة حتى يومنا هذا وإلى ساعتنا هذه .
 
المدية في كتابة عالم ألماني "ه. ومال سان "، ترجمة د.أبو العيد دودو ، تحت عنوان ((أضواء على مدينة المدية))
حيث وصفها بقوله :
((تقع المدية ، وهي مدينة جبلية ، على بعد 45 كلم من البليدة ، ويبلغ ارتفاعها 3300 قدم ، أي 920 م ، وكانت في السابق عاصمة التيطري، ولها نفس المكانة والأهمية السياسية التي كانت لمدينة وهران وقسنطينة .
أما الطريق الذي يؤدي إليها من البليدة ، فهو من المناظر الخلابة التي يقدمها الريف الجزائري لعشاق المناظر الطبيعية الساحرة.))
 
*وهنا أيضا أحببت أن أغتنم الفرصة لأنشر صورا كنت التقطتها منذ أيام في طريقنا إلى العاصمة ، وقد انطلقنا مع شروق الشمس ولم نعد إلا والغروب :(والصور ملتقطة في نفس الطريق التي تحدث عنها المؤرخ)
 
 
 
 
 
 
 
*لمياء
27 - ديسمبر - 2007
بعض الصور    كن أول من يقيّم
 
 
 
 
أما هذه الصور فقد وجدتها على النت ، وهي لنفس الطريق :
 
 
 
 
 
 
 
----------------------------------------------------------------------------
شكرا جزيلا لك أستاذتي الحبيبة ، سأكون إن شاء الله في حسن ظنكم ، وأهديك هذه الباقة من الصور متمنية أن تزورينا في المدية قريبا
*لمياء
27 - ديسمبر - 2007
 1  2  3