البحث في المجالس موضوعات تعليقات في
البحث المتقدم البحث في لسان العرب إرشادات البحث

مجلس : علوم القرآن

 موضوع النقاش : تفاسير القرآن وإعراب أشباه الجمل.    قيّم
التقييم :
( من قبل 18 أعضاء )
 د يحيى 
23 - ديسمبر - 2007
الفرق بين تفسير الصوفية ، وتفسير الباطنية
الصوفية لا يمنعون إرادة الظاهر ، بل يحضون عليه، ويقولون لا بد منه أولاً ؛ إذ مَن ادّعى فهم أسرار القرآن ولم يحكّم الظاهر كمن ادّعى بلوغ سطح البيت قبل أن يجاوز الباب . وأما الباطنية فإنهم يقولون : إن الظاهر غير مراد أصلاً ، وإنما المراد الباطن . وقصدهم : نفي الشريعة . هذا، وأهم كتب التفسير الإشاري ( الصوفي) أربعة : تفسير النيسابوري ،وتفسير الألوسي ، وتفسير التستري ، وتفسير محيي الدين بن العربي.
* سئل أبو محمد سهل بن عبد الله التستري ( متوفَّى عام283هجري ، كما في ترجمته في تاريخ ابن خلكان):  عن معنى : بسم الله ...فقال :( الباء) بهاء الله عز وجل ، و  (السين) سناء الله عز وجل ، و ( الميم) مجد الله  عز وجل. و( الله) :هو الاسم الأعظم الذي حوى الأسماء كلها...وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه : الرحمن الرحيم : اسمان رفيقان ، أحدهما أرق من الآخَر، فنفى الله تعالى بهما القنوط عن المؤمنين من عباده.
 
أحسن طرق التفسير
1- تفسير القرآن بالقرآن : " إن الله يأمر بالعدل والإحسان " : العدل : " فَمَن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمِثْل ما اعتدى عليكم " . الإحسان : " فَمَن عفا وأصلح فأجرُهُ على الله " . إذن : الإحسان أعلى رتبة من العدل، وأنعِمْ نظرك في قوله تعالى : " وبالوالدَيْنِ إحساناً " : مفعول مطلق مؤكد للفعل المضمر، ولاتنس ظاهرة العفووالصفح، فضلاً عن دوام المصاحبة : " وصاحِبْهما في الدنيا معروفاً" : يفترض أن يعيشا معك، وتقبّل أقدامهما " رضا الله في رضى الوالدين، وسخط الله في سخط الوالدين"(حديث شريف)، لا أن تضعهما في دار العجزة ، ثم تضجَر (أف): اسم فعل مضارع ، بمعنى : أتضجّرُ. وتنهرهما " فلا تقل لهما أفٍ ولا تنهرهما"، ومَن الذي ينهر ؟ ، والله عز وجل كرّم الإنسان أياً كانت ديانته : " ولقد كرّمنا بني آدم"[ الاشتغال بفهم القرآن ، ص7، د/ يحيى مصري].
2- تفسير السُّنّة ؛ فإنها شارحة للقرآن وموضّحة له ؛وكل ما حكم به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فهو بما فيه من القرآن : " إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله"، " وأنزلنا إليك الذكر لتبيّن للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون". ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : "إلا إني أوتيت القرآن ومثله معه"؛ يعني : السنّة. والسنّة أيضاً تنزل عليه بالوحي كما ينزل عليه القرآن ؛ لأنها تتلى كما يتلى.
3- إذا لم نجد التفسير في القرآن ، ولا في السنة ، رَجَعنا في ذلك إلى أقوال أهل البيت ، فأقوال الصحابة المجتبين الأخيار؛ فإنهم أدرى بذلك لما شاهدوه من القرآن والأحوال التي اختصوا بها، ولما لهم من الفهم التام والعلم الصحيح ، ولا سيما الخلفاء الراشدين ، والأئمة المهديين؛ من مثل : ترجمان القرآن ابن عباس، وابن مسعود، رضوان الله عليهم أجمعين.
4- تفسير التابعين ، وعلى رأسهم مجاهد ، وسعيدبن جبير، وعكرمة مولى ابن عباس، وعطاء بن أبي رباح، والحسن البصري، ومسروق بن الأجدع ،وسعيد بن المسيّب،وأبي العالية ، والربيع بن أنس، وقتادة ، والضحاك بن مزاحم، وغيرهم من التابعين وتابعيهم ومَن بعدَهم.
فأما تفسير القرآن بمجرّد الرأي فحرام ، فعن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" مَن قال في القرآن بغير علم فليتبوأ مقعده من النار". فأما مَن تكلم بما يعلم من ذلك لغة وشرعاً فلا حرج عليه. ولهذا روي عن هؤلاء وغيرهم أقوال في التفسير ولا منافاة ؛ لأنهم تكلموا فيما علموه، وسكتوا عما جهلوه. وهذا هو الواجب على كل أحد.
 
 
 11  12  13  14  15 
تعليقاتالكاتبتاريخ النشر
هل يغني القرآن الكريم عن السنة المطهرة ؟ (5)    ( من قبل 5 أعضاء )    قيّم
 
ومعنى قوله ” وإنه يتقي بجناحيه الذي فيه داء ” أن الذباب إذا اتجه ساقطاً، اتجه إلى حيث يسقط، مائلاً بجناحه الذي فيه أذى وداء، تماماً كأي حيوان يلدغ، من شأنه أن يتجه إلى الجهة التي يسقط نحوها بالإبرة التي يدافع بها عن نفسه. ومعنى كلام رسول الله أن في الطرف الآخر من الذباب نقيض الداء الذي يتقي به عند السقوط، فليقض على الداء بنقيضه بغمس الذباب كلياً ثم طرحها في الخارج.
فهذا هو أولاً معنى الحديث!!
نقول بعد هذا: أفنتهم محمداً صلى الله عليه وسلم بأنه مخطئ جاهل؟ إذن فلماذا لا نتهمه بالجهل والخطأ ذاته عندما أخبرنا بالوحي الذي يأتيه من الله عن أمور الغيب.؟ أليس حديثه وحياً عن أحداث ما بعد الموت أغرب وأعجب من حديثه عن الذبابة وكيفية تخليص الشراب منها؟!
وأنا أشهد أن الذي يرتاب في كلام رسول الله عن الذبابة أن في أحد جناحيه داء وفي الآخر شفاء، لابّد أن يرتاب في كلامه إذ يتحدث عن عذاب القبر، أو عن سؤال الملكين، أو عن قيام الناس لرب العالمين، لكنه قد يغص باستنكار تلك الإخبارات الأخرى خوفاً من أن يتهم بالكفر، في حين أنه لا يغص بهذا الكلام محتجاً بأنه لا يتفق مع معطيات المدينة الحديثة، بل ربما قال لا يتفق مع العلم!!
والآن تعالوا نعرض كلام رسول الله (صلى الله عليه وسلم) هذا على موازين العلم وحقائقه: أولاً أنا أعلن أنني لست مختصاً بشيء مما يتعلق بالجراثيم ونقائضها، ولست طبيباً، ولست ممن يحلل خصائص الحيوانات، ويستبين ما فيها من أضرار وما فيها من منافع، ولكني بدون أن أطلع على شيء من هذا، وبدون أن أصغي السمع إلى أصحاب هذا الاختصاص، يكفيني لقبول هذا الكلام واليقين به أن أعلم بأن محمداً (صلى الله عليه وسلم) قد قاله، وأتبّين أنه قد وصلني بسند متصل صحيح ليس فيه شذوذ ولا علة.
إنني قد وثقت به في كلام أعجب وأخطر من هذا، أفلا أثق به عندما يحدثني عن الضرر الكامن في أحد جناحي الذبابة وعن المصل الواقي لهذا الضرر في الجناح الثاني؟ وكيف لا أصدقه وقد صدقت أنه رسول من عند الله، وأن الله سبحانه وتعالى أوحى إليه، وأن الله عصمه من الخطأ، وإن أخطأ فيما بينه الله فإن الله سبحانه وتعالى يصحح له علمه وإدراكه.
ولكن أقول للإخوة الذين لم تتكامل الثقة برسول الله في نفوسهم، تعالوا نتساءل ماذا يقول العلم الحديث عن هذا الذي قاله رسول الله ،صلى الله عليه وسلم، عن الذبابة؟
أجل: العلم الحديث.. وإني لأتمنى أن لا يستعجل الذين يشمئزون من كلام رسول الله، ممن لم تتشبع عقولهم بنبوته وبالوحي الذي كان يتلقاه من الله عز وجل، فيسيئوا إلى العلم من حيث يتبجحون باحترامه والأخذ به.
تعالوا نضع ما قاله علماء هذا العصر عن الذبابة وما تحمله في داخلها:
تنقل جريدة تشرين الدمشقية في العدد الصادر يوم 16/6/1987 خبراً عن جريدة شنغهاي الصادرة عام 1987، يقول: ( اكتشف علماء صينيون مؤخراً أنه يوجد في جسم حشرة الذبابة نوع من البروتينات النشطة التي تملك قدرة كبيرة على إبادة الجراثيم الكامنة فيها والمسببة للأمراض.
ونقلت (شينخوا) عن صحيفة ( شينمين ) الصينية قولها : إن هذه الحشرة المقززة للنفس تملك بروتينات قوية قادرة على إبادة الفيروسات والجراثيم بشكل قاطع، إذا بلغت كثافتها حداً معيناً، وأضافت الصحيفة أنه يؤكد أن في جسم الذباب أيضا ً مادة الدهن، وخاصة في اليرقات التي تحتوي على نسبة كبيرة من المغنيزيوم والكاليسوم والفوسفور. ويفكر العلماء باستخراج هذه المواد من جسم الذبابة، ليكون مصدراً جديداً لمركبات قاتلة للجراثيم ).
ثم نشرت الصحيفة ذاتها، صحيفة تشرين الدمشقية في تاريخ 20/6/1987 الخبر التالي عن ” شنغهاي “: ( اكتشف العلماء أنه توجد في جسم الذبابة بروتينات نشطة تقاوم الجراثيم، والمعروف أن هذا النوع من البروتينات النشطة له قدرة كبيرة على إبادة الجراثيم المسببة للأمراض .
و ذكرت جريدة الشعب الصينية الصادرة في (( شنغهاي )) التي نشرت هذا النبأ أن البروتينات النشطة التي يمتلكها الذباب تقدر على إبادة جميع الجراثيم و الفيروسات التي تحملها الذبابة إبادة تامة، إذا بلغت كثافتها واحداً في العشرة ألاف، و قال النبأ: إنه سوف يصبح للبشر مضاد جديد للجراثيم له قدرة جبارة لا مثيل لها، إذا تم استخراج هذه البروتينات الغريبة من جسم الذبابة ).
أليس هذا الكلام الذي تقوله صحيفة صينية بل صحف صينية، نقلاً عن علماء و أطباء لا علاقة لهم بالدين، و لم يسمعوا شيئاً عن حديث الذبابة، و لم يقفوا وقفة تساؤل، لا إيمان و لا استنكار عن شخص محمد عليه الصلاة و السلام، أليس هذا الكلام يسجد لنبوة رسول الله (صلى الله عليه وسلم)؟
من ذا الذي يتلجج في الجواب عن هذا السؤال؟.
أليس موقفاً مقززاً أكثر من تقززنا من الذبابة، أن يقف أحدنا من كلام سينا محمد رسول الله (صلى الله عليه وسلم) هذا الموقف العاجل، قبل أن يتبين العلم، و قبل أن يصغي إلى كلام العلماء والأطباء، وأصحاب الاختصاص.
أليس مما يبعث على الاشمئزاز أن أتخذ هذا الموقف المستعجل من كلام رسول الله، و أن أتباهى بالعلم، و أنا بأمس الحاجة إلى شيء من العلم؟ أعتقد أن هذا الموقف يبعث على الاشمئزاز أكثر من الاشمئزاز الذي تنبعث به نفوسنا عندما نجد ذبابة وقعت في شراب.
و في هذه المناسبة أذكر لكم حواراً، جرى بيني و بين العالم و الطبيب الفرنسي المرحوم “موريس بوكاي” لنتبين الفرق بين موقف بعض المسلمين التقليديين الذين جمعوا بين مشكلتين اثنتين: مشكلة عدم الثقة برسولهم محمد عليه الصلاة و السلام، و مشكلة عدم استيعاب العلوم الحديثة و سبل التعامل معها، فوقفوا مستكبرين بين جهالتين سمجتين، و بين عالم أوروبي غير مسلم في الظاهر (( لم يعلن موريس بوكاي إسلامه، و لكنه أخبرني أنه مسلم يمارس الإسلام و يلتزم بأحكامه في منزله و حياته الشخصية، و هو شأن كثير من الأوروبيين المشهورين أو ذوي الوظائف الحساسة اليوم)).
أعطاني كتابه الذي كان قد أصدره ذلك العام و عنوانه : ” القرآن و الكتب السماوية و العلم الحديث” ، قلبته فوجدته يستشهد فيه على أن القرآن كلام الله عز و جل بالفرق الذي يتصوره بين القرآن و الحديث، و يقول: لا يمكن أن نعثر في شيء من القرآن على كلام يتعارض مع العلم، و هو دليل على أن القرآن كلام الله، في حين أن محمداً إذا نطق من عنده ربما قال كلاماً لا يؤيده العلم، و رأيته يستشهد في هذا بحديث الذبابة، قلت له إنك طبيب، فهل درست كل ما يوجد في جسم الذبابة من خصائص ضارة و مفيدة، و هل انتهيت إلى أن كلام رسول الله يناقض العلم، أم إنك جاهل بخصائص الذبابة و ما فيها، لأنه ليس من اختصاصك، فكان الرجل منصفاً في الجواب، و قال: بل أنا جاهل، إنني طبيب، و لكني لست أعلم عن خصائص الذباب شيئاً، و هذا يحتاج إلى دراسة مستوعبة.
*د يحيى
12 - أبريل - 2009
هل القرآن الكريم يغني عن السنة المطهرة ؟ (6)    ( من قبل 6 أعضاء )    قيّم
 
قلت له: فأعتقد أن العلماء الذين لهم اختصاص دقيق في هذا الجانب، اكتشفوا هذا الذي يقوله رسول الله و أكدوا أن في الذبابة آفات خطيرة جداً جداً، لا يقضي عليها إلا نقيض لها في داخل جسم الذبابة.
ثم قلت له: أرجو أن لا تنسى الفرق بين عدم اكتشاف العلم لما قاله رسول الله و اكتشاف العلم لنقيض ما قاله رسول الله، و أعتقد أن حالنا اليوم يتخذ الموقف الأول، لا الثاني.
فأصغى باهتمام بالغ و قال لي: سأعدك أن أزيل الاستشهاد بهذا الحديث من كتابي هذا في الطبعات التالية.
دعوني أضعكم من هذا المثال أمام أناس هم في الظاهر غير مسلمين، لكنهم يحترمون العلم، و البحث العلمي، و في وقفة سريعة من أحدهم، و تنبيه بسيط من إنسان مثلي، يتخلى عن رأيه معتقداً أن تصحيح الخطأ من أقدس الواجبات.
بينما ننظر إلى أناس من أبناء جلدتنا مسلمين، لم يصلوا إلى شيء من العلوم التي وصل إليها أمثال (موريس بوكاي) الطبيب المشهور في فرنسا، و لكنهم في الوقت ذاته لم يتشبعوا بالإيمان و أركانه و لا هم تشبعوا بالعلوم الحديثة و حقائقها. و إنما أصروا على أن يقفوا – كما قلت لكم – بين جهالتين، مستكبرين بهذا الموقف الذي اتخذوه !!..
فهذا هو جوابنا عن المستنكرين لحديث الذبابة، و هنالك وثائق أخرى تتضمن كلمات لأطباء و علماء آخرين من الغرب تؤكد هذا الذي نقلته صحيفة تشرين، و لربما أجمعها و أنشرها في كتيب خاص إن شاء الله.
أما حديث رسول الله فيما يرويه جابر عن النبي (صلى الله عليه وسلم) أنه كان يأمر بلعق الأصابع بعد الانتهاء من الطعام، و لعق الصحفة، أي الوعاء الذي فيه الطعام، فأنا أسأل: ماذا ترون في هذا الأمر النبوي مما يتناقض مع الإنسانية السامية، و مع الوفاء مع نعم الله عز و جل و عطائه؟ أما أنا فلا أجد في ذلك إلا صورة للوفاء السامي للنعمة و الشكر الواجب للمنعم!..
كان العرب يأكلون بأصابعهم، و لم تكن هذه الأشواك و الملاعق موجودة، فماذا تريد أن يقول رسول الله لمن قام عن الطعام و أصابعه مغموسة ببقايا منه؟..
هل تريد أن يقول: لا عليه أن يغسل يده من بقايا هذا الطعام، و أن يجعلها تذهب إلى المصارف، فتمتزج مع القاذورات ؟!..
هل هذا هو المتفق مع مدنيتك التي تعتز بها؟ و هل هذا هو الذي يتفق مع مقتضى الشكر على نعمة أسداها الله عز و جل إليك؟ أم هل تريد من رسول الله أن يقول لك: إذا رأيت أنك قد تركت بقايا طعام في أطراف الإناء فما عليك إلا أن تقوم مشمئزاً منها معرضاً عنها، و لا عليك، و قد أشعرك الشبع بالقرف منها، أن تلقي فوقها من رماد دخينتك، و ما قد مسحت به فمك و أنفك من قطع المحارم الورقية!!.. أغلب الظن أن رسول الله لو علمك أن تفعل هذا لهللت و استبشرت و كبرت، و انتشيت لهذه التعليمات التي تتفق مع مدنيتك.
و لكن تعالوا نضع هذه المدنية الحديثة في الميزان، ميزان الذوق الإنساني الرفيع، ميزان الوفاء للمنعم عز و جل، أي عاقل يقول: إن هذا الميزان يقضي بأن يترك الإنسان بقايا الطعام بهذا الشكل بعد أن يشبع، بل يقضي بأن يتعمد ترك شيء منه في الطبق و أن يقوم عنه قيام المشمئز منه و المترفع فوقه ؟!..
إن الذي يفعل هذا إنسان لئيم بغير شك!..
و لكي تعلم صدق ما أقول قارن بين حالتك و أنت جائع شديد الجوع حتى لكدت أن تقع في مسبغة مهلكة، ( و كلنا معرضون لهذا ) و بين حالتك و أنت تتقلب في النعم التي أنت فيها، ماذا كنت تصنع لو ألمت بك الحالة الأولى ( و مرة أخرى أقول: كلنا معرضون لها ) و رأيت هذه البقايا من الطعام في قعر إناء.
ستقبل إليها و تلتهمها بالملعقة ثم بأصابعك، بل بلسانك أيضاً، ستلعق كل ما يوجد من آثار لهذا الطعام في الإناء، لأنك جائع، و لا أحد يعتب على الجائع فيما يصنع، لأننا كلنا هذا الرجل عندما ينتابنا الجوع..
ترى هل علي أن أمثل من نفسي حالة المستغني عن الله و عطائه، عندما يعطيني فأشبع، ناسياً ما أنا معرّض له في كل ساعة، فأترفع عن بقايا الطعام المتفرق في أطراف الطبق، و أجعل من ترفعي هذا لسان استغناء و كبرياء أمام الآخرين، ثم لا أبالي أن تذهب هذه البقايا في المجاري مع القاذورات، و أنا أعلم أن الله لو زجني في حرمان مطبق مجيع، فلسوف أبحث عن هذه البقايا و أمثالها بين القمامة و على ” المزابل ” و لربما أزاحم في ذلك الحيوانات؟!..
أما منطق اللؤم فيقول نعم، لك أن تسكر بالعطاء و تنسى المعطي. و لا تشغل بالك باحتمالات الحرمان، فلكل حادث حديث!!..
و أما منطق الشكر و الوفاء فيقول: يجب أن يكون لسان الناطق بحمد الله في الشبع، هو ذاته لسانك الناطق بحمده في الجوع. إذ أنت عبده الضعيف في كلا الحالين، و أنت المحتاج إليه عند إقبال النعمة كما أنت محتاج إليه عند إدبارها..
و يقول منطق الوفاء: إن جوهر الشكر لله لا يستبين لدى التهامك الطعام و التقاطك لنثراته وأنت جائع، إذ أنت إنما تتعامل في هذه الحال، مع مشاعر جوعك و حاجتك .. و إنما يستبين جوهر الشكر عندما يشبعني الله و يغنيني، ثم أقبل إلى الطعام بالطريقة ذاتها، ألتقط نثاره، و أتعقب بقاياه، أينما كانت على أصابعي أو داخل طبقي أو ما تساقط منه حولي.. أحفل بذلك كله و أنا أتمتع بنعيم العطاء، كما كنت أحفل به أيام الجوع و البأساء..
و يقول منطق الشكر و الوفاء: من حمد الله على نعمته في السراء وقاه الله بذلك من الضراء.
إذن فحديث مسلم عن جابر الذي يأمر فيه رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بلعق الأصابع ومسح الطبق من بقايا الطعام، دعوة إلى الشكر و الوفاء و تحذير من اللؤم و الاستكبار.
و أشهد أنه لا يشمئز من هذا الحديث و يتسامى على إتباعه، إلا من يشمئز من الشكر والوفاء، و يجنح إلى اللؤم و الكبرياء.
تلك هي المعذرة الثانية التي تُصطنع اليوم لإبعاد السنة عن مجال الحجية بها، و للتفريق الذي حذر القرآن منه بين الله و رسوله.. فهل هناك من معذرة أخرى؟
ربما كانت معذرتهم الأخرى، أن في أحاديث رسول الله و تصرفاته، ما يبدو لكل متأمل و ناظر أنه لا ينطلق إليها من قرار ديني بعث به، و لكنه يمارسها كأي منا بحكم بشريته و إنسانيته، و بحكم تعامله مع الدنيا كسائر الناس الآخرين.
و نقول في الجواب عن هذا: مع يقيننا بأن سنة المصطفى (صلى الله عليه وسلم) مصدر من مصادر الشريعة الإسلامية فعلاً، بنص من كلام الله سبحانه و تعالى، و بقرار من القرآن الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه، نقول: هل كل تصرفات رسول الله (صلى الله عليه وسلم) تعد سنة نافذة، و من ثم فهي مصدر ثان من مصادر الشريعة الإسلامية؟
لا .. هناك تصرفات داخلة في الأعمال الجبلية، التي تصدر من المصطفى (صلى الله عليه وسلم) بوصف كونه بشراً من الناس، يأكل كما يأكلون، يشرب كما يشربون، ينعس فينام، يتعب فيستريح، يتصرف التصرفات الجبلية التي يتعرض لها الناس بحكم بشريتهم، يناقش في أمر الأطعمة و تحضيرها مثلاً، أو الآبار وحفرها، أو التكتيكات العسكرية و اختيار أجداها.
هذه الأمور لا تدخل في نطاق السنة، التي هي مصدر من مصادر التشريع، أي الحرام و الواجب و الحلال و المكروه و نحو ذلك.
*د يحيى
12 - أبريل - 2009
هل القرآن الكريم يغني عن السنة المطهرة ؟ (7)    ( من قبل 7 أعضاء )    قيّم
 
من المعلوم أن أمّات الكتب التي تعنى بأصول الفقه تحفل ببيان هذا الأمر و تفصيل القول فيه. و من خير من كتب فيه الإمام الشاطبي في كتابه “الموافقات”.
حتى الأقوال و الأفعال التي تدخل في معنى السنة، التي هي المصدر الثاني للتشريع، إنما تأخذ حجيتها من إقرار القرآن لرسول الله عليها ببيان مؤكد، أو بسكوت ينبئ عن الإقرار بها و عدم المعارضة لها. فمصدر انقيادنا لهذه السنة يقيننا بأنه رسول من عند الله، فهو لا يأمرنا أو ينهانا إلا بالذي يأمرنا به أو ينهانا عنه الله.. و عندما يخطّئ الله رسوله في أمر ما، فإننا في كل الأحوال إنما نتلقى تعاليمنا من عند رسول الله.. و كل ما يخبرنا به أو يجتهد فيه من أمور الدين، فهو بالنسبة إلينا حق يجب الانقياد له و الأخذ به، و عندما يأتيه تصحيح من عند الله، فإنما نأخذه نحن من عند رسول الله لأنه هو واسطتنا في الانقياد لأوامر الله.. و هذا هو معنى قول الله تعالى ( و ما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله )[النساء : 64].
إذن فحيثما أقر القرآن تصرف المصطفى (صلى الله عليه وسلم) بسكوت أو بتأكيد فقد ترسخت حجية السنة التي نطق بها أو فعلها رسول الله و تأكد وجوب انقيادنا له. و حيثما استدرك القرآن على شيء قاله المصطفى (صلى الله عليه وسلم)،أو على أمر اجتهادي اجتهده النبي فالحجة تستقر بما قد نطق به كتاب الله سبحانه و تعالى، و لكن عن طريق خبر رسول الله و بيانه. و لعل هؤلاء الذين يقولون: القرآن يغني عن السنة، لم يدرسوا هذه القواعد و الأحكام العلمية عن السنة و لو يدركوا حقيقتها و أبعادها.
و إذن فنحن في كلا الاحتمالين المتوقعين لنتيجة اجتهاده مكلفون بأتباعه وطاعته.
فمثلاً، جاءت زوجة أوس بن الصامت إلى رسول الله تشكو إليه أن زوجها قال لها: أنت مني كظهر أمي، و أخذت تسأله عن معنى هذا الكلام، فقال لها: ما أراك إلا قد حرمت عليه، قاله اجتهاداً من عنده.. أي الذي أراه أن هذا كناية طلاق، لذا فينبغي أن تكوني قد حرمت عليه.. و يبدو أنها أدركت أنه قال ذلك اجتهاداً لا عن وحي، فناقشته قائلة: لعله لم يرد طلاقاً، و لكنه (صلى الله عليه وسلم) عاد فقال لها: ما أراك إلا حرمت عليه، فقالت له يا رسول الله: إن لي منه صبية إن ضممتهم إلي جاعوا، و إن تركتهم إليه ضاعوا، و لكنه عاد فقال لها: ما أراك إلا قد حرمت عليه!.. فقامت تقول: أشكو إلى الله أمري!..
و سرعان ما نزل على رسول الله قوله تعالى: ( قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها و تشتكي إلى الله و الله يسمع تحاوركما ) [المجادلة : 1]. إلى أن قال تعالى : ( و الذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا ) [المجادلة : 3] إلى آخر الآيات . فأوضحت الآيات أن كلام أوس ليس طلاقاً، كما قد اجتهد رسول الله، و إنما هو ظهار، و من ثم فبوسعه أن يعود إلى زوجته بعد الكفارة التي يجب عليه أن ينفذها. فأرسل النبي وراء زوجة أوس بن الصامت، و تلا عليها الآيات التي أنزلها الله سبحانه و تعالى عليه، وبين لها الحكم الذي أوحى به إليه الله عز و جل..
والمهم أن نعلم بأن امرأة أوس إنما تلقت الحكم الذي يجب عليها أن تأخذ نفسها به ، في كلا الحالتين من رسول الله (ص). فعندما اجتهد في الحالة الأولى و أنبأها بأنها قد حرمت عليه، كان واجباً عليها الانقياد لبيانه و طاعته في حكمه لأن الله قد أمرها و المسلمين جميعاً بطاعة رسول الله. و عندما تنزل عليه التصحيح و أنبأها به، وجب عليها أن تطيعه (صلى الله عليه وسلم) وتنقاد لبيانه الثاني هذا. و هذا هو معنى قولنا: إن الله يملك أن يصحح اجتهاد رسول الله و أن يدله على ما هو الحق في علمه، و لكن أحداً من غير الله لا يملك أن يخطئه في اجتهاده و يعصيه في ذلك بهذه الحجة.
و بعد فتلك هي حجج هؤلاء الذين يطرحون هذه المقولة و ينشرونها و يذيعونها، و ربما ألفوا فيها الكتب، و كتبوا فيها المقالات، و نشروا الدوريات، و عادوا و كرروا بإلحاح أن القرآن يغني، في هذا العصر، عن السنة. و قد تبين لنا أنها أعذار وهمية، لا ظل لها من الدلالة العلمية و البرهان المنطقي.
إذن، فلا بد أن نصنفها في قائمة الأغلوطات.
و قد آن لنا الآن، و قد تبين لنا بطلانها في ميزان الدراية العلمية و المنطقية أن نلفت النظر إلى بعض الخطط الخارجية المرسومة لإقصاء هذه الأمة عن إسلامها من حيث لا تشعر، و إلى أن الدعوة إلى نبذ السنة ليست إلا استجابة لأوامر صادرة من أصحاب تلك الخطط.
وليم كليفورد مدير معهد علم الإجرام في استراليا، أوفدته هيئة الأمم المتحدة ممثلاً لها لحضور سلسلة مؤتمرات “المنظمة العربية للدفاع الاجتماعي ضد الجريمة” و المنبثقة عن جامعة الدول العربية، بصفة مراقب، كان ذلك في أواخر السبعينات.
عاد كليفورد هذا بانطباعات و اقتراحات ضمنها تقريراً مطولاً، أودعه بعض أروقة الأمم المتحدة، ثم قدمه إلى دوائر أميركية خاصة تعنى بأحوال الشرق الأوسط.
و قد شاء الله أن يصل هذا التقرير المطول إلي.. و قد كتبت عنه دراسة مفصلة في كتابي “على طريق العودة إلى الإسلام” و ها أنا ألفت النظر هنا إلى أهم النقاط التي فيه.
أولاً: يقرن الكاتب بين ما يسميه “حركة انبعاث إسلامية قوية تغذيها ولية مضادة للاستعمار و بين ما يراه انهياراً بصورة ملحوظة لتلك الهيبة التي كانت تنبع سابقاً من اقتباس النماذج المثلي من المجتمعات الحضارية الغربية التي هي أكثر تفوقاً من الناحية الفنية و الأكثر تقدماً و غنى”.
ثانياً: يحمل الكاتب الغرب من خلال هذه المقارنة مسؤولية النتائج التي قد تنجم من ذلك الانبعاث الإسلامي الحثيث الذي بات ينذر بتجاوز الحدود التقليدية للممارسات الإسلامية، حيث يبرز على أنه نوع من السعي الحثيث إلى استعادة تحقيق الذات.
ثالثاً: يتوقع كاتب التقرير، بقدر كبير من الخوف و القلق أن يحقق هذا الانبعاث النجاح المطلوب في المرافق الاجتماعية و السياسية، بحيث يتسبب عن هذا النجاح ما يضاعف حماس الشعوب الإسلامية في دعم انبعاثها الإسلامي و استعادة نظمه و أحكامه.. لذا فالمتوقع من النجاح الدنيوي و الحماس الديني أن ينفخ أحدهما القوة في الآخر، على حد تعبيره.
رابعاً: يربط الكاتب مخاوفه هذه بالقوة المادية الأولى التي يتمتع بها الشرق العربي، ألا و هي النفط.. و يكرر بشدة أن حركة انبعاث إسلامية جادة، تدعمها الطاقة المادية التي يتمتع بها أصحاب ينابيع النفط، كفيلة بقلب موازين الحضارة كلها، و القضاء على ما تبقى للغرب من هيبة و نفوذ، على حد تعبيره.
خامساً: يؤكد الكاتب أهمية القضاء على هاتين القوتين: المادية و الدينية، و يوصي باتباع السبل الكفيلة بوضع الغرب يده على ينابيع النفط!..
و فيما يتعلق بالخوف من الرجوع إلى ينابيع الشريعة الإسلامية يوصي بالعمل على ما يلي:
أولاً: فصل القرآن عن السنة و إقناع المسلمين بأن ما يسمى سنة ليس إلا اجتهادات شخصية من النبي عليه الصلاة و السلام.
ثانياً: إخضاع القرآن للاجتهادات و التأويلات المفتوحة و الكفيلة بمسايرة الإسلام للحضارة الغربية و اندماجها في سياسة الغرب.
*د يحيى
12 - أبريل - 2009
هل القرآن الكريم يغني عن السنة المطهرة ؟ (8)    ( من قبل 6 أعضاء )    قيّم
 
هذا تلخيص لتقرير مطول يبلغ 30 صفحة، و أعتقد أن بوسع كل مثقف أن يلاحظ كيف طبق الشطر الأول من توصية ” كليفورد ” ذلك الشطر الداعي إلى بسط الغرب سلطانه على ينابيع النفط، كأدق ما يكون التطبيق. كما أن بوسع أي مثقف أن يلاحظ أنشطة الجنود المكلفين بتنفيذ الشطر الثاني منها، و الداعي إلى فصل القرآن عن السنة و تسليط الاجتهادات الكيفية على القرآن..
فالدعوة إلى نبذ السنة و الاكتفاء بالقرآن ناشطة في كل البلاد العربية، و ما وراءها من الأقطار الإسلامية، الأسلوب واحد و المبررات واحدة..
و القصد من هذه الخطة إخراج القرآن من حصنه الذي يحرسه و يحميه ألا و هو السنة، حتى إذا تهاوت من حوله رقابة السنة و ضوابطها، و ظهر القرآن أمام جمهرة العابثين به في العراء، سهل عليهم أن يفرغوه مما لا يريدون و أن يملؤوه بعد ذلك بما يريدون، و أن يجعلوا أخيراً من القرآن مخلاة لما توحي به الدوائر الغربية من الأفكار و الفلسفات التي تضمن بقاء هيمنة الغرب على هذا الشرق الإسلامي، و تقضي على الأخطار التي يحذر منها ( بهلع شديد) وليم كليفورد.
و انظروا كيف تسير الدعوة المهتاجة إلى نبذ السنة جنباً إلى جنب مع الدعوة إلى ما يسمى ب “القراءة المعاصرة” ..
أجل، القراءة المعاصرة هي البديل الذي ينبغي أن تحل محل السنة!.. أن يشرح رسول الله القرآن الذي تنزل عليه، لا، ليس هذا من حقه!.. أما أن يحل محله من يصرون اليوم على أن يخضعوه من خلال القراءة المعاصرة، لما يشتهون و يهوون و لما يمليه عليهم منفذو توصيات وليم كليفورد، فذلك حق ثابت لهم!!..
و “القراءة المعاصرة” ماهي؟
هي البديل المقترح عن قواعد تفسير النصوص التي تخضع لها اللغة العربية منذ عمر هذه اللغة إلى يومنا هذا، و التي يتم التخاطب على أساسها بين المتحاورين، مثل قاعدة: الأصل في الكلام الحقيقة، و لا يصار إلى المجاز إلا عند تعذر الحقيقة، و قاعدة اللفظ العام يجري على عمومه، و قاعدة العام يجري على عمومه، و قاعدة اللفظ المطلق يحمل على الفرد الكامل، يحمل المطلق على المقيد و ليس العكس، العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.. الخ.
و العجيب الذي يفضح هذه الخطة من مصدرها المرسوم إلى عملائها المنفذين، أن هذه “القراءة المعاصرة” لا تستدعى لتسلط على النصوص القانونية، و لا على النصوص الفلسفية، ولا على نصوص التاريخ، و لا على الأدب الجاهلي و لا القصة القديمة.. و إنما يلاحق بها القرآن حصراً.. فمن هو ذاك الغبي الذي يجهل معنى هذه الدعوة و ما وراءها؟..
وبوسعك أن تجد هذه الشنشنة بالطابع ذاته أينما حللت و اتجهت من البلادالإسلامية العربية و غيرها.
في تركيا دعوة ملحة إلى إخضاع القرآن للقراءة المعاصرة.
في مصر.. في الباكستان، في البلاد الإسلامية من جنوب شرق أسيا، و إنك لتنظر فتجد المعزوفة هي هي، و اللحن هنا وهناك هو هو ..
ولا بد أن نستجيب للعقل فنلاحق دعاة القراءة المعاصرة بالسؤال التالي: إن كان مبدأ القراءة المعاصرة هو الحق في دراسة القرآن و فهمه، و القواعد العربية التي كان التخاطب يتم بها مع العرب الذين تنزل القرآن بينهم و في عصرهم، باطلة و غير صحيحة، فلماذا لا تطبق القراءة المعاصرة هذه على كل الكلام العربي الذي وجد في عصر نزول القرآن أو من قبله أو من بعده؟ و لماذا لا يتم تحريره هو الآخر من ربقة تلك القواعد العربية المعتمدة في أصول التخاطب؟!.. لماذا لا يخضعون مراجع الفلسفة القديمة للقراءة المعاصرة.؟ لماذا لا يخضعون الأدب الجاهلي و المعلقات العشر، كمعلقة امرئ القيس و غيرها للقراءة المعاصرة؟!..
لماذا القرآن وحده، دون غيره من هذه الكتب القديمة كلها، هو الذي يراد بإلحاح إخضاعها للقراءة المعاصرة؟!..
الجواب الواضح هو أنه لا مصلحة لدى أصحاب هذه الدعوة و ملقنيهم بالتلاعب بشعر امرئ القيس أو النابغة الذبياني أو التاريخ أو الأدب أو غيرها.. إذ الهدف المطلوب هو تغيير الإسلام و تبديد مبادئه و أحكامه و بتر صلة ما بينه و بين المسلمين الذين يأبون إلا انقياداً لأوامره و أحكامه، كما ألح على ذلك وليم كليفورد في نهاية تقريره.. و إنما يتم هذا الهدف بتسليط القراءة المعاصرة على القرآن ، لا على كتب التاريخ و الأدب و نحوها.
غير أن سلطان القراءة المعاصرة لا يمكن أن يهيمن على القرآن، ما دامت السنة النبوية تحرسه و تحمي معانيه و أحكامه. لذا فقد كان لا بد من إقصاء السنة و القضاء عليها أولاً.
أخيراً أذكركم بالوصية التي أوصى بها الزعيم الشيوعي الإيطالي ( تولياني ) قبل موته عام 1963 فلقد كان من وصيته أن لا يحارب الإسلام من خارج سلطانه و دائرته، لأن ذلك يثير ردود فعل كثيرة عند المسلمين، و إنما النهج الأمثل هو التسرب إلى داخل الإسلام، و القضاء عليه من داخله، باسم الاهتمام به و تجديده و الغيرة عليه.
غبي جداً من يتصور– بعد هذا – أن هؤلاء الذين يسعون اليوم إلى القضاء على الإسلام من داخله، أنصار و جنود له.. و لكن الأغبى منه من يسعى هذا السعي للعبث بالإسلام و القضاء عليه، و هو يظن أن في المسلمين الصادقين في إسلامهم من ينطلي عليه خداعه و يؤخذ بألاعيبه و دجله..
 
*د يحيى
12 - أبريل - 2009
هل القرآن الكريم يغني عن السنة ؟ (9)    ( من قبل 11 أعضاء )    قيّم
 
الأدلة الواردة في القرآن على وجوب اتباع السنة
الدليل الأول :
قال تعالى { وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نُزل إليهم }.
ففي هذه الآية الكريمة نص صريح أن النبي صلى الله عليه وسلم انزل عليه القرآن وكلف بوظيفة البيان لهذا القرآن،
يقول الشيخ الألباني :
وقد يستغرب البعض حين نقول: إنه لا يستطيع أحد أن ينفرد أو أن يستقل بفهم القرآن، ولو كان أعرب العرب، وأفهمهم، وألسنهم، وأكثرهم بيانا، ومن يكون أعرب وأفهم للغة العربية من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، الذين أنزل القرآن بلغتهم؟
ومع ذلك فقد أشكلت عليهم بعض الآيات فتوجهوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم يسألونه عنها.
من ذلك ما أخرجه الإمام البخاري في ” صحيحه ” والإمام أحمد في ” مسنده ” عن عبدا لله بن مسعود رضي الله عنه؟ أن النبي صلى الله عليه وسلم لما تلا على أصحابه قوله تبارك وتعالى { الذين آمنوا ولم يلبِسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون }( الأنعام/82). شقت هذه الآية على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله! وأينا لم يظلم؟
وأينا لم يظلم: يعنون بذلك، أنهم فهموا الظلم في هذه الآية الكريمة أنها تعني أي ظلم كان، سواء أكان ظلم العبد لنفسه، أم كان ظلم العبد لصاحبه، أو لأهله أو نحو ذلك، فبين لهم صلى الله عليه وسلم أن الأمر ليس كما تبادر لأذهانهم، وأن الظلم هنا: إنما هو الظلم الأكبر، وهو الإشراك بالله عز وجل. وذكرهم بقول العبد الصالح لقمان:
(وإذ قال لابنه وهو يعظه يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم ).
فهؤلاء أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وهم العرب الأقحاح أشكل عليهم هذا اللفظ من هذه الآية الكريمة، ولم يزل الإشكال عنهم إلا ببيان النبي صلى الله عليه وسلم .
وهذا هو الذي أشار إليه الله عز وجل في الآية السابقة (وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ) ولذلك فيجب أن يستقر في أذهاننا، وأن نعتقد في عقيدتنا أنه لا مجال لأحد أن يستقل بفهم القرآن دون الاستعانة بحديث الرسول عليه الصلاة والسلام.
فلا جرم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( تركت فيكم أمرين أو شيئين، لن تضلوا ما إن تمسكتم بهما: كتاب الله، وسنتي ” وفي رواية ” وعترتي، ولن يتفرقا حتى يردا على الحوض )[سلسلة الاحاديت الصحيحة (4/ 330)] تركت فيكم أمرين[ ليس أمراً واحداً، وحْيين ليس وحياً واحداً]، لن تضلوا ما إن تمسكتم بهما كتاب الله وسنتي.
ومفهوم هذا الحديث: أن كل طائفة تمسكت بأحد الأمرين، فإنما هي ضالة، خارجة عن الكتاب والسنة معاً، فالذي يتمسك بالقرآن فقط دون السنة شأنه شأن من يتمسك بالسنة فقط دون القرآن، كلاهما على ضلال مبين، والهدى والنور أن يتمسك بالنورَين، بكتاب الله تبارك وتعالى، وبسنة النبي صلى الله عليه وسلم ، فقد بشرنا عليه الصلاة والسلام في هذا الحديث الصحيح، أننا لن نضِل أبداً ما تمسكنا بكتاب ربنا، وبسنة نبينا وسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم .
الدليل الثاني :
(يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ) النساء: 59
أمر الله سبحانه بطاعة : ( الله تعالى / ورسوله / و أولي الأمر من المسلمين )
على حين أمر برد النزاع إلى ( الله تعالى / و رسوله ) فقط
و في ذلك دليل قاطع على أن أوامر الرسول ليست إلا شرعاً ملزماً يجب الرجوع إليها عند التنازع ، و أنها تستوي مع أوامر الله في الحكم ، بعكس أوامر ولاة الأمر التي لا يؤخذ منها حكمٌ شرعي يحكم التنازع .
الدليل الثالث :
قوله تعالى (( من يطع الرسول فقد أطاع الله )) النساء: 80 ،
فدل ذلك أن أوامر الرسول ليست إلا وحياً من الله ؛ لأن طاعة الرسول تعني طاعة الله .
الدليل الرابع :
( وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا واتقوا الله إن الله شديد العقاب ) الحشر: 7
و الأمر صريح بالانتهاء عما نهى الرسول،صلى الله عليه وسلم، عنه .
الدليل الخامس :
( وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وأطيعوا الرسول لعلكم ترحمون ) النور: 56
فالآية أوضحت أن الأمر بطاعة الرسول يستوي مع الأمر بالصلاة والزكاة و هو سبيل نيل رحمة الله.
الدليل السادس :
(فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجَر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلّموا تسليماً ) النساء: 75
و الخطاب في الآية موجَّه للرسول ،صلى الله عليه وسلم. و في الآية نفى الله الإيمان عمن يرفض التحاكم إلى الرسول ،عليه صلوات ربي وسلامه عليه.
الدليل السابع :
وقوله سبحانه : ( وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخِيرة من أمرهم ومَن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالاً مبيناً ) الأحزاب: 86 و هنا أوضحت الآية أن ما يقضيه الرسول من أمور هي ملزمة لأي مؤمن أومؤمنة .
الدليل الثامن :
( فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم ) [النور]
و هذا تحذير مباشر من مخالفة أمر الرسول ، صلى الله عليه وآله وسلم.
هذه أبرز الأدلة من القرآن على وجوب اتباع السنة
اقتباس من مقال للشيخ العلامةعبدالله بن بيه
القرآن والسنة من مِشكاة واحدة هي مشكاة النبوّة ، مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ .
اختلفتْ أنظارُ العلماءِ في التعامل مع خبر الآحاد إذا خالفَ القواعدَ أوِ القياسَ أو عملَ أهل المدينة إلى آخر ما يعلمه فضيلتكم في المباحث الأصولية. وعندما دوَّن الشافعي أصولَ الفقه ووضعَ اللبناتِ الأولى لقواعد الاستنباط وترتيبِ الأدلة ؛ جعلَ القرآنَ والسنَّةَ في مرتبةٍ واحدةٍ ؛ مستدلاً بالآيات التي جعلتْ طاعةَ رسولِ اللهِ
طاعةً للهِ، إلا أنَّه أشارَ إلى أن السنة مبيِّنةٌ للقرآن،
وفي رأيي أنَّ نصوصَ القرآنِ والسُّنة تتضامنُ وتتكاملُ، وأنَّ كلياتِ القرآنِ هي نفسُها الكلياتُ التي أكدَّتْ عليها السُّنة وزادتها بياناً، ( ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً).
فكلُّ ذلك مِن عندِ الله، إلاَّ أنَّ بعضَ الكلياتِ يعتريهِ التخصيصُ، وأحياناً تظهر فروعٌ تتجاذبها كلياتُ فتترجَّح بينها وبعض الكليات الأخرى لا يعتريه تخصيصٌ . وقد أشار الشاطبي إلى ذلك في العام حيث يقول: :”المسألة السابعة”: العمومات إذا اتَّحد معناها، وانتشرت في أبواب الشريعة، أو تكرَّرت في مواطن بحسب الحاجة من غير تخصيص؛ فهي مُجراة على عمومها على كل حال، وإن قلنا بجواز التخصيص بالمنفصل.
والدليل على ذلك الاستقراءُ؛ فإنَّ الشريعةَ قرَّرتْ أنْ لا حرجَ علينا في الدين في مواضعَ كثيرة، ولم تستثنِ منهُ موضعاً ولا حالاً، فعدَّه علماءُ الملَّة أصلاً مطِّرداً وعموماً مرجوعاً إليه ؛ من غير استثناء، ولا طلبِ مخصِّص، ولا احتشام من إلزام الحكم به، ولا توقف في مقتضاه، وليس ذلك إلا لما فهموا بالتكرار والتأكيد من القصد إلى التعميم التام.
*د يحيى
12 - أبريل - 2009
غيري جنى....    ( من قبل 2 أعضاء )    قيّم
 
تفسير زاد المسير في علم التفسير/ ابن الجَوزي (ت 597 هـ) .
قوله تعالى: { من اهتدى فإنما يهتدي لنفسه } أي: له ثواب اهتدائه، وعليه عقاب ضلاله.
قوله تعالى: { ولا تزرُ وازرةٌ } أي: نفس وازرة { وزر أخرى }
قال ابن عباس: إِن الوليد بن المغيرة قال: اتبَّعوني وأنا أحمل أوزاركم، فقال الله تعالى: { ولا تزر وازرة وزر أخرى } ،
قال أبو عبيدة: والمعنى: ولا تَأثَمْ آثمة إِثم أخرى. قال الزجاج: يقال: وزَر، يَزِرُ، فهو وازِر، وَزراً، ووِزراً، ووِزْرةً، ومعناه: أثِم إِثماً.
وفي تأويل هذه الآية وجهان.
أحدهما: أن الآثم لا يؤخذ بذنب غيره.
والثاني: أنه لا ينبغي أن يعمل الإِنسان بالإِثم، لأن غيرَه عَمِلَه كما قال الكفار:

إِنّا وجدنا آباءنا على أمة }[الزخرف: 22].
 ومعنى { حتى نبعثَ رسولاً } أي: حتى نُبيّنَ ما به نعذِّب، وما من أجله نُدخلُ الجنة.

فصل:
قال القاضي أبو يعلى: في هذا دليل على أن معرفة الله لا تجب عقلا، وإِنما تجب بالشرع، وهو بعثة الرسل، وأنه لو مات الإِنسان قبل ذلك، لم يقطع عليه بالنار. قال: وقيل معناه: أنه لا يعذِّب في ما طريقه السمع إِلاَّ بقيام حجة السمع من جهة الرسول، ولهذا قالوا: لو أسلم بعض أهل الحرب في دار الحرب ولم يسمع بالصلاة والزكاة ونحوها، لم يلزمه قضاء شيء منها، لأنها لم تلزمه إِلاَّ بعد قيام حجة السمع، والأصل فيه قصة أهل قُباء حين استداروا إِلى الكعبة ولم يستأنفوا، ولو أسلم في دار الإِسلام ولم يعلم بفرض الصلاة، فالواجب عليه القضاء، لأنه قد رأى الناس يصلُّون في المساجد بأذان وإِقامة، وذلك دعاء إِليها.
 
الحمد لله الذي هدانا لهذا الدِين  ، الذي ليس فيه :
غيري جنى وأنا المعذَّب فيكمُ ** فكأنني سبّابة المتندّمِ
*د يحيى
24 - أبريل - 2009
في رحاب الآية 29 من سورة الشورى (42)    ( من قبل 8 أعضاء )    قيّم
 
* تفسير مقاتل بن سليمان/ مقاتل بن سليمان (ت 150 هـ).
 
{ وَمِنْ آيَاتِهِ } ، أن تعرفوا توحيد الرب وصنعه، وإن لم تروه، { خَلْقُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِن دَآبَّةٍ } ، يعنى الملائكة في السموات والخلائق في الأرض، { وَهُوَ عَلَىٰ جَمْعِهِمْ } فى الآخرة،{ إِذَا يَشَآءُ قَدِيرٌ } [آية: 29].
 
* تفسير تفسير مجاهد / مجاهد بن جبر المخزومي (ت 104 هـ)
 
أَنبا عبد الرحمن، قال: نا إِبراهيم، قال: نا آدم، قال: نا ورقاءُ عن ابن أَبي نجيح، عن مجاهد في قوله:
 { وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِن دَآبَّةٍ } [الآية: 29]. يعني: من الناس والملائكة.
 
  • تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) .
{ وَمِنْ ءايَـٰتِهِ خَلْقُ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضِ } على ما هما عليه من تعاجيب الصنائع فإنها بذاتها وصفاتها تدل على شؤونه تعالى العظيمة، ومن له أدنى إنصاف وشعور يجزم باستحالة صدورها من الطبيعة العديمة الشعور. { وَمَا بَثَّ فِيهِمَا } عطف على { ٱلسَّمَـٰوَاتِ } أي ومن آياته خلق ما بث أو عطف على { خُلِقَ } أي ومن آياته ما بث. و { مَا } تحتمل الموصولية والمصدرية والموصولية أظهر ولا حاجة عليه إلى تقدير مضاف أي خلق الذي بث خلافاً لأبـي حيان { مِن دَابَّةٍ } أي حيوان له دبيب وحركة.
وظاهر الآية وجود ذلك في السمٰوات وفي الأرض وبه قال مجاهد وفسر الدابة بالناس والملائكة، ويجوز أن يكون للملائكة مشي مع الطيران، واعترض ذلك ابن المنير بأن إطلاق الدابة على الأناسي بعيد في عرف اللغة فكيف بالملائكة؟ وادعى أن الأصح كون الدواب في الأرض لا غير. وما في أحد الشيئين يصدق أنه فيهما في الجملة، فالآية على أسلوب{ يَخْرُجُ مِنْهُمَا الُّلؤْلُؤُ وَالمَرْجَانُ }
[الرحمن: 22] وذلك لقوله تعالى في
[البقرة: 164]:{ وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلّ دَابَّةٍ } فإنه يدل على اختصاص الدواب بالأرض لأن مقام الإطناب يقتضي ذكره لو كان لا للعمل بمفهوم اللقب الذي لا يقول به الجمهور.
والجواب أن التي في البقرة لما كانت كلاماً مع الغبـي والفهم والمسترشد والمعاند جىء فيه بما هو معروف عند الكل وهو بث الدواب في الأرض وأما هٰهنا فجىء به مدمجاً مختصراً لما تكرر في القرآن ولا سيما في هذه السورة من كمال قدرته على كل ممكن فقيل: { وَمِنْ ءايَـٰتِهِ خَلْقُ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضَ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا } مؤثراً على لفظ الخلق ليدل على التكثير الدال على كمال القدرة وبين بقوله تعالى: { مِن دَابَّةٍ } تعميماً وتغليباً لغير ذوي العلم في السماوي والأرضي تحقيقاً للمخلوقية فقد ثبت في صحاح الأحاديث ما يدل على وجود الدواب في السماء من مراكب أهل الجنة وغيرها، وكذلك ما يدل على وجود ملائكة كالأوعال بل لا يبعد أن يكون في كل سماء حيوانات ومخلوقات على صور شتى وأحوال مختلفة لا نعلمها ولم يذكر في الأخبار شيء منها فقد قال تعالى:
{ وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ }[النحل: 8]
وأهل الأرصاد اليوم يتراءى لهم بواسطة نظاراتهم مخلوقات في جرم القمر لكنهم لم يحققوا أمرها لنقص ما في الآلات على ما يدعون، ويحتمل أن يكون فيما عدا القمر ونفي ذلك ليس من المعلوم من الدين بالضرورة ليضر القول به.
وقيل: المراد بالسمٰوات جهات العلو المسامتة للأقاليم مثلاً وفي جو كل إقليم بل كل بلدة بل كل قطعة من الأرض حيوانات لا يحصي كثرتها إلا الله تعالى بعضها يحس بها بلا واسطة آلة وبعضها بواسطتها، وقيل: المراد بها السحب وفيها من الحيوانات ما فيها وكل ذلك على ما فيه لا يحتاج إليه، وكذا لا يحتاج إلى ما ذهب إليه كثير من أن المراد بالدابة الحي مجازاً إما من استعمال المقيد في المطلق أو إطلاق الشيء على لازمه أو المسبب على سببه لأن الحياة سبب للدبيب وإن لم تكن الدابة سبباً للحي فيكون مجازاً مرسلاً تبعياً لأن الاحتياج إلى ذلك عدول عن الظاهر ولا يعدل عنه إلا إذا دل دليل على خلافه وأين ذلك الدليل؟ بل هو قائم على وجود الدواب في السماء كما هي موجودة في الأرض.
 وَهُوَ عَلَىٰ جَمْعِهِمْ } أي حشرهم بعد البعث للمحاسبة { إِذَا يَشَآء } ذلك { قَدِيرٌ } تام القدرة كاملها، و{ إِذَا } متعلقة بما قبلها لا بقدير لأن المقيد بالمشيئة جمعه تعالى لا قدرته سبحانه وهي كما تدخل على الماضي تدخل على المضارع، ومنه قوله:
 
وإذا ما أشاء أبعث منها
   
آخر الليل ناشطاً مذعوراً
وقول صاحب «الكشف»: لقائل أن يفرق بين إذا وإذا ما الظاهر أنه ليس في محله وقد نص الخفاجي على عدم الفرق وجعل القول به توهماً، وكذا نص على أنها تدخل على الفعلين ظرفية كانت أو شرطية، وقيد ذلك الطيبـي بما إذا كانت بمعنى الوقت كما هنا. وضمير { جَمْعِهِمْ } قيل للسمٰوات والأرض وما فيهما على التغليب وهو كما ترى، وقيل: للدواب المفهوم مما تقدم وضمير العقلاء للتغليب المناسب لكون الجمع للمحاسبة، وقيل: للناس المعلوم من ذلك ولعله الأولى.
 
*تفسير في ظلال القرآن/ سيد قطب (ت 1387 هـ).
 
{ ومن آياته خلق السماوات والأرض، وما بث فيهما من دابة. وهو على جمعهم إذا يشاء قدير. وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم، ويعفو عن كثير. وما أنتم بمعجزين في الأرض، وما لكم من دون الله من ولي ولا نصير }..
وهذه الآية الكونية معروضة على الأنظار، قائمة تشهد بذاتها على ما جاء الوحي ليشهد به، فارتابوا فيه واختلفوا في تأويله. وآية السماوات والأرض لا تحتمل جدلا ولا ريبة. فهي قاطعة في دلالتها، تخاطب الفطرة بلغتها، وما يجادل فيها مجادل وهو جاد. إنها تشهد بأن الذي أنشأها ودبرها ليس هو الإنسان، ولا غيره من خلق الله. ولا مفر من الاعتراف بمنشئ مدبر. فإن ضخامتها الهائلة، وتناسقها الدقيق، ونظامها الدائب، ووحدة نواميسها الثابتة.. كل أولئك لا يمكن تفسيره عقلاً إلا على أساس أن هناك إلها أنشأها ويدبرها. أما الفطرة فهي تتلقى منطق الكون تلقياً مباشراً، وتدركه وتطمئن إليه، قبل أن تسمع عنه كلمة واحدة من خارجها!
وتنطوي آية السماوات والأرض على آية أخرى في ثناياها: { وما بث فيهما من دابة }..
والحياة في هذه الأرض وحدها ـ ودع عنك ما في السماوات من حيوات أخرى لا ندركها ـ آية أخرى. وهي سر لم ينفذ إلى طبيعته أحد، فضلاً على التطلع إلى إنشائه. سر غامض لا يدري أحد من أين جاء، ولا كيف جاء، ولا كيف يتلبس بالأحياء! وكل المحاولات التي بذلت للبحث عن مصدره أو طبيعته أغلقت دونها الستر والأبواب؛ وانحصرت البحوث كلها في تطور الأحياء ـ بعد وجود الحياة ـ وتنوعها ووظائفها؛ وفي هذا الحيز الضيق المنظور اختلفت الآراء والنظريات.
 فأما ما وراء الستر فبقي سراً خافياً لا تمتد إليه عين، ولا يصل إليه إدراك.. إنه من أمر الله. الذي لا يدركه سواه.
هذه الأحياء المبثوثة في كل مكان. فوق سطح الأرض وفي ثناياها. وفي أعماق البحر وفي أجواز الفضاء ـ ودع عنك تصور الأحياء الأخرى في السماء ـ هذه الأحياء المبثوثة التي لا يعلم الإنسان منها إلا النزر اليسير، ولا يدرك منها بوسائله المحدودة إلا القليل المشهور. هذه الأحياء التي تدب في السماوات والأرض يجمعها الله حين يشاء، لا يضل منها فرد واحد ولا يغيب!
وبنو الإنسان يعجزهم أن يجمعوا سربا من الطير الأليف ينفلت من أقفاصهم، أو سرباً من النحل يطير من خلية لهم!
وأسراب من الطير لا يعلم عددها إلا الله. وأسراب من النحل والنمل وأخواتها لا يحصيها إلا الله. وأسراب من الحشرات والهوام والجراثيم لا يعلم مواطنها إلا الله. وأسراب من الأسماك وحيوان البحر لا يطلع عليها إلا الله. وقطعان من الأنعام والوحش سائمة وشاردة في كل مكان، وقطعان من البشر مبثوثة في الأرض في كل مكان.. ومعها خلائق أربى عدداً وأخفى مكاناً في السماوات من خلق الله.. كلها.. كلها.. يجمعها الله حين يشاء..
وليس بين بثها في السماوات والأرض وجمعها إلا كلمة تصدر. والتعبير يقابل بين مشهد البث ومشهد الجمع في لمحة على طريقة القرآن؛ فيشهد القلب هذين المشهدين الهائلين قبل أن ينتهي اللسان من آية واحدة قصيرة من القرآن!
 
 
نصيحة : إخوتي الكرام ! السلام عليكم . حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسَبوا [ نحن أمة اقرأ ، فأرجوكم أن تقرؤوا ماتيسر لكم من كتاب الله ولو ربع ساعة] ، ثم اختاروا آية واحدة من الآيات التي قرأتموها ، وادخلوا (غوغل)، واكتبوا تفاسير القرآن الكريم، واختاروا ثلاثة تفاسير متنوعة على الأقل واقرؤوها، واحفظوها في ملف خاص.( وهذا لن يأخذ أكثر من ربع ساعة) . واسألوا أنفسكم بعد أيام ....! شتان بين سَوق النظرية ، وبين التطبيق العملي لها!
 إن قراءة القرآن : ثوابية ، وتدبرية ، وتطبيقية . قال تعالى :
 " وذكّر فإنّ الذكرى تنفع المؤمنين".صدق الله العظيم.
 
 
 
 
 
 
*د يحيى
25 - أبريل - 2009
في رحاب الآية 30 من سورة الشورى (42)    ( من قبل 8 أعضاء )    قيّم
 
* تفسير النكت والعيون/ الماوردي (ت 450 هـ)
 فيه قولان:
أحدهما: أنه الحدود على المعاصي، قاله الحسن[ رضي الله عنه].
الآخَر: أنها البلوى في النفوس والأموال عقوبة على المعاصي والذنوب.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: " مَا يُصِيبُ ابنَ آدَمَ خَدْشُ عُوْدٍ وَلاَ عَثْرَةُ قَدَمٍ وَلاَ اخْتِلاَجُ عِرْقٍ إِلاَّ بِذَنبٍ وَمَا يَعْفُو عَنهُ أَكْثَرَ "
وقال ثابت البناني:
 كان يقال ساعات الأذى يذهبن ساعات الخطايا.
ثم فيها قولان:
أحدهما: أنها خاصة في البالغين أن تكون عقوبة لهم؛ وفي الأطفال أن تكون مثوبة لهم.
الثاني: عقوبة عامة للبالغين في أنفسهم وللأطفال في غيرهم من والدٍ أو والدة، قاله العلاء بن زيد.
{ وَيَعْفُواْ عَن كَثِيرٍ } فيه وجهان:
أحدهما: عن كثير من المعاصي أن لا يكون عليها حدود، وهو مقتضى قول الحسن.
الثاني: عن كثير من العصاة وأن لا يعجل عليهم بالعقوبة.
قال [ أمير المؤمنين ]علي بن أبي طالب، رضي الله عنه:
 " ما عاقب الله به في الدنيا فالله أحلمُ مِن أن يُثنيَ عليه العقوبة يوم القيامة، وما عفا الله عنه في الدنيا فالله أكرمُ من أن يعودَ في عفوه يوم القيامة".
 
* تفسير زاد المسير في علم التفسير/ ابن الجوزي (ت 597 هـ).
 قوله تعالى: { وما أصابكم من مصيبة } وهو ما يلحق المؤمن من مكروهٍ
{ فبما كسَبَتْ أيديكم } من المعاصي. وقرأ نافع، وابن عامر: " بما كسَبَتْ أيديكم " بغير فاء وكذلك [هي] في مصاحف أهل المدينة والشام { ويعفوا عن كثير } من السَّيّئات فلا يُعاقِبُ بها. وقيل لأبي سليمان الداراني: ما بال العقلاء أزالوا اللَّوم عمَّن أساء إليهم؟ قال: إنهم علموا أن الله تعالى إنما ابتلاهم بذنوبهم، وقرأ هذه الآية.
قوله تعالى: { وما أنتم بُمْعِجِزين في الأرض } إن أراد الله عقوبتكم، وهذا يدخل فيه الكفار والعصاة كلُّهم.
*د يحيى
25 - أبريل - 2009
في رحاب الآيات 6-9 من سورة الانشقاق(84)    ( من قبل 8 أعضاء )    قيّم
 
* تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ).
 
قال تعالى :
 
يقول تعالى ذكره: يا أيها الإنسان إنك عامل إلى ربك عملاً فملاقيه به: خيراً كان عملُك ذلك أو شرًّا يقول: فليكن عملُك مما يُنجيك من سُخْطه، ويوجب لك رضاه، ولا يكن مما يُسخطه عليك فتهلك. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس { يا أيُّها الإنْسانُ إنَّكَ كادحٌ إلى رَبِّك كَدْحاً فَمُلاقِيهِ } يقول: تعمل عملاً تلقى الله به خيراً كان أو شرًّا.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: { يا أيُّها الإنْسانُ إنَّكَ كادحٌ إلى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ } إن كدحك يا ابن آدم لضعيف، فمن استطاع أن يكون كدحه في طاعة الله فليفعل، ولا قوّة إلا بالله.
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله: { إنَّكَ كادحٌ إلى رَبِّكَ كَدْحاً } قال: عامل له عملاً.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد: وسمعته يقول في ذلك { إنَّكَ كادحُ إلى رَبِّكَ كَدْحاً } قال: عامل إلى ربك عملاً، قال: كدحاً: العمل.
وقوله: { فَأمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ } يقول تعالى ذكره: فأما من أُعطي كتاب أعماله بيمينه،
 { فَسَوْفَ يُحاسَبُ حِساباً يَسِيراً } بأن ينظر في أعماله، فيغفر له سيئها، وَيجازَى على حَسنها. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل، وجاء الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا جرير، عن محمد بن إسحاق، عن عبد الواحد بن حمزة، عن عباد بن عبد الله بن الزُّبير، عن عائشة، قالت: سمعت النبيّ صلى الله
عليه وسلم يقول: " اللَّهُمَّ حاسِبْني حِساباً يَسِيراً " قلت: يا رسول الله ما الحساب اليسير؟ قال:
" أنْ يَنْظُرَ فِي سَيِّئاتِهِ فَيَتجاوَزُ عَنْهُ، إنَّهُ مَنْ نُوقِشَ الْحِسابَ يَوْمَئِذٍ هَلَكَ "

حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن عُلَية، عن محمد بن إسحاق، قال: ثني عبد الواحد بن حمزة بن عبد الله بن الزبير، عن عباد بن عبد الله بن الزُّبير، عن عائشة، قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في بعض صلاته:
" اللَّهُمَّ حاسِبْنِي حِساباً يَسِيراً " ، فلما انصرف قلت: يا رسول الله، ما الحساب اليسير؟ قال: " يَنْظُرُ فِي كِتابِهِ، وَيَتَجاوَزُ عَنْهُ، إنَّهُ مَنْ نُوقِشَ الْحِسابَ يَوْمَئِذٍ يا عائِشَةُ هَلَكَ "
حدثنا نصر بن عليّ الجَهْضَميّ، قال: ثنا مسلم، عن الحريش بن الخرّيت أخي الزبير، عن ابن أبي مليكة،
 عن عائشة، قالت: من نُوقش الحساب، أو من حوسب عذّب، قال: ثم قالت: إنما الحساب اليسير: عَرْض على الله وهو يراهم. حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الوهاب، قال: ثنا أيوب، وحدثني يعقوب، قال: ثنا ابن عُلَية، قال: أخبرنا أيوب، عن ابن أبي مليكة، عن عائشة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: " مَنْ حُوسِبَ يَوْمَ الْقِيامَةِ عُذّبَ " ، فقلت: أليس الله يقول: { فَسَوْفَ يُحاسَبُ حِساباً يَسِيراً } قال: " لَيْسَ ذلكِ الْحِسابُ، إنَّمَا ذلكِ العَرْضُ، وَلَكِنْ مَنْ نُوقِشَ الْحِسابَ يَوْمَ الْقِيامَةُ عُذّبَ "
حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا روح بن عبادة، قال: ثنا أبو عامر الخزاز، عن ابن أبي مليكة، عن عائشة، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" إنَّهُ لَيْسَ أحَدٌ يُحاسَبُ يَوْمَ الْقِيامَةِ إلاَّ مُعَذَّباً " ، فقلت: أليس يقول الله: { فَسَوْفَ يُحاسَبُ حِساباً يَسِيراً } قال: " ذَلِكَ الْعَرْضُ، إنَّهُ مَنْ نُوقِشَ الْحِسابَ عُذّبَ " ، وقال بيده على أصبعه كأنه ينكته.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: { فَسَوْفَ يُحاسَبُ حساباً يَسيراً } قال: الحساب اليسير: الذي يغفر ذنوبه، ويتقبَّل حسناته، ويسيرُ الحسابِ: الذي يعفى عنه، وقرأ:

وَيخافُونَ سُوءَ الْحِسابِ }، وقرأ:{ أُولَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أحْسَنَ ما عَمِلُوا وَنَتَجاوَزُ عَنْ سَيِّئاتِهِمْ فِي أصحَابِ الجَنَّةِ }...".
 
*   تفسير تفسير القرآن الكريم/ ابن كثير (ت 774 هـ).
 
قوله: { يٰأَيُّهَا ٱلإِنسَـٰنُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَىٰ رَبِّكَ كَدْحاً } أي: إنك ساع إلى ربك سعياً، وعامل عملاً
{ فَمُلَـٰقِيهِ } ثم إنك ستلقى ما عملت من خير أوشر. ويشهد لذلك ما رواه أبو داود الطيالسي عن الحسن بن أبي جعفر عن أبي الزبير عن جابر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " قال جبريل: يا محمد عش ما شئت فإنك ميت، وأحبب ما شئت فإنك مفارقه، واعمل ما شئت فإنك ملاقيه " ومن الناس من يعيد الضمير على قوله: ربك، أي: فملاق ربك، ومعناه: فيجازيك بعملك، ويكافئك على سعيك، وعلى هذا، فكلا القولين متلازم، قال العوفي عن ابن عباس:
{ يٰأَيُّهَا ٱلإِنسَـٰنُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَىٰ رَبِّكَ كَدْحاً } يقول: تعمل عملاً تلقى الله به، خيراً كان أو شراً.
وقال قتادة: { يٰأَيُّهَا ٱلإِنسَـٰنُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَىٰ رَبِّكَ كَدْحاً } إن كدحك يابن آدم لضعيف، فمن استطاع أن يكون كدحه في طاعة الله، فليفعل، ولا قوة إلا بالله. ثم قال تعالى: { فَأَمَّا مَنْ أُوتِىَ كِتَـٰبَهُ بِيَمِينِهِ فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَاباً يَسِيراً } أي: سهلاً بلا تعسير، أي: لا يحقق عليه جميع دقائق أعماله، فإن من حوسب كذلك، هلك لا محالة. وقال الإمام أحمد: حدثنا إسماعيل، أخبرنا أيوب عن عبد الله بن أبي مليكة عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" من نوقش الحساب، عذب "
 قالت: فقلت: أفليس قال الله تعالى: { فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَاباً يَسِيراً }؟ قال:
 " ليس ذاك بالحساب، ولكن ذلك العرض، من نوقش الحساب يوم القيامة، عذب "
 وهكذا رواه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن جرير من حديث أيوب السختياني به.
وقال ابن جرير: حدثنا ابن وكيع، حدثنا روح بن عبادة، حدثنا أبو عامر الخزاز عن ابن أبي مليكة عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" إنه ليس أحد يحاسب يوم القيامة إلا معذباً " فقلت: أليس الله يقول: { فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَاباً يَسِيراً }؟ قال: " ذاك العرض، إنه من نوقش الحساب، عذب " وقال بيده على إصبعه كأن ينكت، وقد رواه أيضاً عن عمرو بن علي عن ابن أبي عدي عن أبي يونس القشيري، عن ابن أبي مليكة عن القاسم عن عائشة، فذكر الحديث، أخرجاه من طريق أبي يونس القشيري، واسمه حاتم بن أبي صغيرة، به. قال ابن جرير: حدثنا نصر بن علي الجهضمي، حدثنا مسلم عن الحريش بن الخريت أخي الزبير، عن ابن أبي مليكة عن عائشة، قالت: من نوقش الحساب ــــ أو: من حوسب ــــ عذب. قال: ثم قالت: إنما الحساب اليسير عرض على الله تعالى، وهو يراهم. وقال أحمد: حدثنا إسماعيل، حدثنا محمد بن إسحاق، حدثني عبد الواحد بن حمزة بن عبد الله بن الزبير عن عباد بن عبد الله بن الزبير، عن عائشة، قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في بعض صلاته:
 " اللهم حاسبني حساباً يسيراً " فلما انصرف، قلت: يا رسول الله ما الحساب اليسير؟ قال:
 " أن ينظر في كتابه، فيتجاوز له عنه، إنه من نوقش الحساب يا عائشة يومئذ، هلك ".
 صحيح على شرط مسلم.
وقوله تعالى: { وَيَنقَلِبُ إِلَىٰ أَهْلِهِ مَسْرُوراً }؛ أي: ويرجع إلى أهله في الجنة، قاله قتادة والضحاك: مسروراً، أي: فرحاً مغتبطاً بما أعطاه الله عز وجل. وقد روى الطبراني عن ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:
" إنكم تعملون أعمالاً لا تعرف، ويوشك الغائب أن يثوب إلى أهله، فمسرور أو مكظوم " وقوله تعالى: { وَأَمَّا مَنْ أُوتِىَ كِتَـٰبَهُ وَرَآءَ ظَهْرِهِ } أي: بشماله من وراء ظهره، تثنى يده إلى ورائه، ويعطى كتابه بها كذلك، { فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُوراً } أي: خساراً وهلاكاً { وَيَصْلَىٰ سَعِيراً إِنَّهُ كَانَ فِىۤ أَهْلِهِ مَسْرُوراً } أي: فرحاً لا يفكر في العواقب، ولا يخاف مما أمامه، فأعقبه ذلك الفرح اليسير الحزن الطويل، { إِنَّهُ ظَنَّ أَن لَّن يَحُورَ } أي: كان يعتقد أنه لا يرجع إلى الله، ولا يعيده بعد موته، قاله ابن عباس وقتادة وغيرهما، والحور: هو الرجوع، قال الله:
 { بَلَىٰ إِنَّ رَبَّهُ كَانَ بِهِ بَصِيراً } يعني: بلى سيعيده الله كما بدأه، ويجازيه على أعماله خيرها وشرها؛ فإنه كان به بصيراً؛ أي: عليماً خبيراً.
 
 
 
*د يحيى
25 - أبريل - 2009
صفات حروف العربية ، وتجويد كلام الله ، سبحانه وتعالى ،    ( من قبل 6 أعضاء )    قيّم
 
 
 
أحبتي سراة الوراق : سلام الله عليكم ورحمته وبركاته .....
 هلا تفضلتم وتكرمتم بالدخول إلى هذا الموقع ..... أرجو التعليق ، وشكراً .
*د يحيى
14 - مايو - 2009
 11  12  13  14  15