البحث في المجالس موضوعات تعليقات في
البحث المتقدم البحث في لسان العرب إرشادات البحث

مجلس : علوم القرآن

 موضوع النقاش : تفاسير القرآن وإعراب أشباه الجمل.    قيّم
التقييم :
( من قبل 18 أعضاء )
 د يحيى 
23 - ديسمبر - 2007
الفرق بين تفسير الصوفية ، وتفسير الباطنية
الصوفية لا يمنعون إرادة الظاهر ، بل يحضون عليه، ويقولون لا بد منه أولاً ؛ إذ مَن ادّعى فهم أسرار القرآن ولم يحكّم الظاهر كمن ادّعى بلوغ سطح البيت قبل أن يجاوز الباب . وأما الباطنية فإنهم يقولون : إن الظاهر غير مراد أصلاً ، وإنما المراد الباطن . وقصدهم : نفي الشريعة . هذا، وأهم كتب التفسير الإشاري ( الصوفي) أربعة : تفسير النيسابوري ،وتفسير الألوسي ، وتفسير التستري ، وتفسير محيي الدين بن العربي.
* سئل أبو محمد سهل بن عبد الله التستري ( متوفَّى عام283هجري ، كما في ترجمته في تاريخ ابن خلكان):  عن معنى : بسم الله ...فقال :( الباء) بهاء الله عز وجل ، و  (السين) سناء الله عز وجل ، و ( الميم) مجد الله  عز وجل. و( الله) :هو الاسم الأعظم الذي حوى الأسماء كلها...وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه : الرحمن الرحيم : اسمان رفيقان ، أحدهما أرق من الآخَر، فنفى الله تعالى بهما القنوط عن المؤمنين من عباده.
 
أحسن طرق التفسير
1- تفسير القرآن بالقرآن : " إن الله يأمر بالعدل والإحسان " : العدل : " فَمَن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمِثْل ما اعتدى عليكم " . الإحسان : " فَمَن عفا وأصلح فأجرُهُ على الله " . إذن : الإحسان أعلى رتبة من العدل، وأنعِمْ نظرك في قوله تعالى : " وبالوالدَيْنِ إحساناً " : مفعول مطلق مؤكد للفعل المضمر، ولاتنس ظاهرة العفووالصفح، فضلاً عن دوام المصاحبة : " وصاحِبْهما في الدنيا معروفاً" : يفترض أن يعيشا معك، وتقبّل أقدامهما " رضا الله في رضى الوالدين، وسخط الله في سخط الوالدين"(حديث شريف)، لا أن تضعهما في دار العجزة ، ثم تضجَر (أف): اسم فعل مضارع ، بمعنى : أتضجّرُ. وتنهرهما " فلا تقل لهما أفٍ ولا تنهرهما"، ومَن الذي ينهر ؟ ، والله عز وجل كرّم الإنسان أياً كانت ديانته : " ولقد كرّمنا بني آدم"[ الاشتغال بفهم القرآن ، ص7، د/ يحيى مصري].
2- تفسير السُّنّة ؛ فإنها شارحة للقرآن وموضّحة له ؛وكل ما حكم به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فهو بما فيه من القرآن : " إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله"، " وأنزلنا إليك الذكر لتبيّن للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون". ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : "إلا إني أوتيت القرآن ومثله معه"؛ يعني : السنّة. والسنّة أيضاً تنزل عليه بالوحي كما ينزل عليه القرآن ؛ لأنها تتلى كما يتلى.
3- إذا لم نجد التفسير في القرآن ، ولا في السنة ، رَجَعنا في ذلك إلى أقوال أهل البيت ، فأقوال الصحابة المجتبين الأخيار؛ فإنهم أدرى بذلك لما شاهدوه من القرآن والأحوال التي اختصوا بها، ولما لهم من الفهم التام والعلم الصحيح ، ولا سيما الخلفاء الراشدين ، والأئمة المهديين؛ من مثل : ترجمان القرآن ابن عباس، وابن مسعود، رضوان الله عليهم أجمعين.
4- تفسير التابعين ، وعلى رأسهم مجاهد ، وسعيدبن جبير، وعكرمة مولى ابن عباس، وعطاء بن أبي رباح، والحسن البصري، ومسروق بن الأجدع ،وسعيد بن المسيّب،وأبي العالية ، والربيع بن أنس، وقتادة ، والضحاك بن مزاحم، وغيرهم من التابعين وتابعيهم ومَن بعدَهم.
فأما تفسير القرآن بمجرّد الرأي فحرام ، فعن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" مَن قال في القرآن بغير علم فليتبوأ مقعده من النار". فأما مَن تكلم بما يعلم من ذلك لغة وشرعاً فلا حرج عليه. ولهذا روي عن هؤلاء وغيرهم أقوال في التفسير ولا منافاة ؛ لأنهم تكلموا فيما علموه، وسكتوا عما جهلوه. وهذا هو الواجب على كل أحد.
 
 
 10  11  12  13  14 
تعليقاتالكاتبتاريخ النشر
فن الفكاهة والمرح(4)    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم
 
وقد وصفه أصحابه بأنه كان من أفكه الناس.
وقد رأيناه في بيته - صلى الله عليه وسلم - يمازح زوجاته ويداعبهن، ويستمع إلى أقاصيصهن ، كما في حديث أم زرع الشهير في صحيح البخاري .
وكما رأينا في تسابقه مع عائشة رضي الله عنها، حيث سبقته مرة، وبعد مدة تسابقا فسبقها، فقال لها: هذه بتلك!
وقد روى أنه وطأ ظهره لِسِبطَيه الحسن والحسين، في طفولتهما ليركبا، ويستمتعا دون تزمت ولا حرج، وقد دخل عليه أحدُ الصحابة ورأى هذا المشهد فقال: نِعم المركبُ ركبتما، فقال عليه الصلاة والسلام: [ ونِعم الفارسان هما ] !.
ورأيناه يمزح مع تلك المرأة العجوز التي جاءت تقول له: اُدْعُ الله أن يدخلني الجنة، فقال لها: [يا أم فلان ، إنّ الجنة لا يدخلها عجوز ] ! فبكت المرأة ، حيث أخذت الكلام على ظاهره، فأفهمها : أنها حين تدخل الجنة لن تدخلها عجوزاً ، بل شابة حسناء ، وتلا عليها قول الله تعالى في نساء الجنة: (إنا أنشأناهن إنشاءً* فجعلناهن أبكاراً* عُرباً أتراباً) . [ الواقعة 35-37، والحديث أخرجه الترمذي]
وجاء رجل يسأله أن يحمله على بعير، فقال له عليه الصلاة والسلام: [لا أحملك إلا على ولد الناقة] ! فقال: يا رسول الله، وماذا أصنع بولد الناقة؟! - انصرف ذهنه إلى الحُوار الصغير - فقال:
 [ وهل تلد الإبل إلا النوق ؟ ] . [رواه الترمذي] .
وقال زيد بن أسلم: إن امرأة يقال لها أم أيمن جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: إن زوجي يدعوك، قال: [ومن هو؟ أهو الذي بعينه بياض] ؟ قالت: والله ما بعينه بياض! فقال: [بلى إنّ بعينه بياضاً] فقالت: لا والله، فقال صلى الله عليه وسلم: [ ما من أحد إلا بعينه بياض ] [رواه ابن أبي الدنيا] ، وأراد به البياض المحيط بالحدقة.
وقال أنس: كان لأبي طلحة
ابن يقال له أبو عمير، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتيهم ويقول: [يا أبا عمير ما فعل النُّغَير ؟ ] [متفق عليه] لنغير كان يلعب به وهو فرخ العصفور.
وقالت عائشة رضي الله عنها؛ كان عندي رسول الله صلى الله عليه وسلم وسودة بنت زمعة فصنعت حريرة - دقيق يطبخ بلبن أو دسم - وجئت به ، فقلت لسودة : كلي ، فقالت : لا أحبه ، فقلت : والله لتأكلن أو لألطخن به وجهك، فقالت: ما أنا بذائقته ، فأخذت بيدي من الصحفة شيئاً منه فلطخت به وجهها، ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس بيني وبينها، فخفض لها رسول الله صلى الله عليه وسلم ركبتيه لتستقيد مني، فتناولت من الصفحة شيئاً فمسحت به وجهي! وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يضحك. [ رواه أبو يعلى ].
وروي أن الضحاك بن سفيان الكلابي كان رجلاً دميماً قبيحاً، فلما بايعه النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن عندي امرأتين أحسن من هذه الحميراء - وذلك قبل أن تنزل آية الحجاب - أفلا أنزل لك عن إحداهما فتتزوجها ! وعائشة جالسة تسمع ، فقالت: أهي أحسن أم أنت ؟ فقال: بل أنا أحسن منها وأكرم، فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم من سؤالها إياه؛ لأنه كان دميماً.
وكان صلى الله عليه وسلم يحب إشاعة السرور والبهجة في حياة الناس ، وخصوصاً في المناسبات مثل الأعياد والأعراس .
ولما أنكر الصديق أبو بكر رضي الله عنه غناء الجاريتين يوم العيد في بيته وانتهرهما، قال له: [ دعهما يا أبا بكر ، فإنها أيام عيد ] !
وفي بعض الروايات: [حتى يعلم يهود أنّ في ديننا فُسحة].
وقد أذن للحبشة أن يلعبوا بحرابهم في مسجده عليه الصلاة والسلام في أحد أيام الأعياد، وكان يحرضهم ويقول : [ دونكم يا بني أرفدة]
وأتاح لعائشة أن تنظر إليهم من خلفه، وهم يلعبون ويرقصون، ولم ير في ذلك بأساً ولا حرجاً.
واستنكر يوماً أن تُزف فتاة إلى زوجها زفافاً صامتاً، لم يصحبه لهو ولا غناء، وقال: [هلاّ كان معها لهو؟ فإن الأنصار يعجبهم اللهو، أو الغزل] .
وفي بعض الروايات : [ هلاّ بعثتم معها من تغني وتقول : أتيناكم أتيناكم … فحيونا نحييكم ] .
*د يحيى
22 - أكتوبر - 2008
فن الفكاهة والمرح(5)    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم
 
وكان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومن تبعهم بإحسان في خير قرون الأمة يضحكون ويمزحون ، اقتداءً بنبيهم صلى الله عليه وسلم واهتداءً بهديه ، حتى إن رجلاً مثل عمر بن الخطاب - على ما عُرف عنه من الصرامة والشدة - يُروى عنه أنه مازح جارية له، فقال لها: خلقني خالق الكرام ، وخلقك خالق اللئام! فلما رآها ابتأست من هذا القول ، قال لها مبيناً: وهل خالق الكرام واللئام إلا الله عز وجل ؟!
وقد عُرف بعضهم بذلك في حياته صلى الله عليه وسلم، وأقره عليه، واستمر على ذلك من بعده ، وقبله الصحابة ، ولم يجدوا فيه ما ينكر ، برغم أن بعض الوقائع المروية في ذلك لو حدثت اليوم لأنكرها معظم المتدينين أشد الإنكار ، وعدوا فاعلها من الفاسقين أو المنحرفين !
من هؤلاء المعروفين بروح المرح والفكاهة والميل إلى الضحك والمزاح : النعيمان بن عمر الأنصاري رضي الله عنه ، الذي رويت عنه في ذلك نوادر عجيبة وغريبة .
وقد ذكروا أنه كان ممن شهد العقبة الأخيرة ، وشهد بدراً وأحداً ، والخندق ، والمشاهد كلها.
روى عنه الزبير بن بكار عدداً من النوادر الطريفة في كتابه "الفكاهة والمرح" نذكر بعضاً منها…
قال : وكان لا يدخل المدينة طُرفة إلا اشترى منها، ثم جاء بها إلى النبي صلى الله عليه وسلم فيقول : هذا أهديته لك ، فإذا جاء صاحبها يطلب نعيمان بثمنها ، أحضره إلى النبي صلى الله عليه وسلم قائلا ً: أعط هذا ثمن متاعه، فيقول :
" أو لم تهده لي " ؟ فيقول : إنه والله لم يكن عندي ثمنه، ولقد أحببت أن تأكله! فيضحك، ويأمر لصاحبه بثمنه.
وأخرج الزبير قصة أخرى من طريق ربيعة بن عثمان قال: دخل أعرابي على النبي صلى الله عليه وسلم، وأناخ ناقته بفنائه، فقال بعض الصحابة للنعيمان الأنصاري: لو عقرتها فأكلناها، فإنّا قد قرمنا إلى اللحم ؟ ففعل ، فخرج الأعرابي وصاح : واعقراه يا محمد! فخرج النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "من فعل هذا"؟ فقالوا: النعيمان ، فأتبعه يسأل عنه حتى وجده قد دخل دار ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب، واستخفى تحت سرب لها فوقه جريد، فأشار رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم حيث هو فأخرجه فقال له : " ما حملك على ما صنعت ؟ قال: الذين دلوك عليّ يا رسول الله هم الذين أمروني بذلك قال: فجعل يمسح التراب عن وجهه ويضحك ، ثم غرمها للأعرابي.
وقال الزبير أيضاً: حدثني عمي عن جدي قال: كان مخرمة بن نوفل قد بلغ مائة وخمس عشرة سنة ، فقام في المسجد يريد أن يبول ، فصاح به الناس : المسجدَ المسجدَ ، فأخذه نعيمان بن عمرو بيده، وتنحى به، ثم أجلسه في ناحية أخرى من المسجد فقال له : بل هنا . قال : فصاح به الناس فقال : ويحكم ، فمن أتى بي إلى هذا الموضع ؟! قالوا : نعيمان ،قال: أما إن لله عليّ إن ظفرتُ به أن أضربه بعصاي هذه ضربة تبلغ منه ما بلغت! فبلغ ذلك نعيمان، فمكث ما شاء الله، ثم أتاه يوماً، وعثمان قائم يصلي في ناحية المسجد، فقال لمخرمة: هل لك في نعيمان؟ قال: نعم، قال: فأخذه بيده حتى أوقفه على عثمان ، وكان إذا صلى لا يلتفت فقال: دونك هذا نعيمان ، فجمع يده بعصاه، فضرب عثمان فشجه، فصاحوا به: ضربت أمير المؤمنين ! فذكر بقية القصة.
ومن الطرائف أن صحابياً آخر من أهل الفكاهة والمزاح، استطاع أن يوقع نعيمان في بعض ما أوقع فيه غيره من " المقالب " كما في قصة سويبط بين حرملة معه ، وكان ممن شهد بدراً أيضاً ، قال ابن عبد البر في " الاستيعاب" في ترجمة سويبط رضي الله عنه، وكان مزاحاً يفرط في الدعابة، وله قصة ظريفة مع نعيمان وأبي بكر الصديق رضي الله عنهم ، نذكرها لما فيها من الظرف ، وحسن الخُلق .
وروي عن أم سلمة قالت : خرج أبو بكر الصديق رضي الله عنه في تجارة إلى بصرى قبل موت النبي صلى الله عليه وسلم بعام ، ومعه نعيمان وسويبط بن حرملة ، وكانا قد شهدا بدراً، وكان نعيمان على الزاد، فقال له سويبط - وكان رجلاً مزّاحاً - : " أطعمني فقال : لا ، حتى يجيء أبو بكر رضي الله عنه، فقال: أما والله لأغيظنك، فمروا بقوم فقال لهم سويبط، تشترون مني عبداً ؟ قالوا : نعم، قال: إنه عبد له كلام، وهو قائل لكم: إني حر، فإن كنتم إذا قال لكم هذه المقالة تركتموه، فلا تفسدوا عليّ عبدي ، قالوا : بل نشتريه منك ، قال : فاشتروه منه بعشر قلائص ، قال : فجاؤوا فوضعوا في عنقه عمامة أو حبلاً، فقال نعيمان :
إن هذا يستهزىء بكم، وإني حر ، لست بعبد ، قالوا : قد أخبرنا خبرك، فانطلقوا به، فجاء أبو بكر رضي الله عنه ، فأخبره سويبط فأتبعهم ، فرد عليهم القلائص وأخذه، فلما قدموا على النبي صلى الله عليه وسلم أخبروه قال : فضحك النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه منها حولاً .
*د يحيى
22 - أكتوبر - 2008
فن الفكاهة والمرح(6)    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم
 

ولا ريب أن هناك من الحكماء والأدباء والشعراء من ذم المزاح، وحذّر من سوء عاقبته، ونظر إلى جانب الخطر والضرر فيه، وأغفل الجوانب الأخرى.
ولكن ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه أحق أن يُتبع، وهو يمثل التوازن والاعتدال.
وقد قال لحنظلة حين فزع من تغير حاله في بيته عن حاله مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، واتهم نفسه بالنفاق: [يا حنظلة؛ لو دمتم على الحال التي تكونون عليها عندي لصافحتكم الملائكة في الطرقات، ولكن يا حنظلة ساعة وساعة ، وهذه هي الفطرة، وهذا هو العدل].
روى ابن أبي شيبة عن أبي سلمة بن عبد الرحمن قال: لم يكن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم متحزقين ولا متماوتين، كانوا يتناشدون الأشعار، ويذكرون أمر جاهليتهم، فإذا أريد أحدهم على شيء من أمر دينه دارت حماليق عينيه كأنه مجنون .
والتحزق _ كما يقول الإمام الخطابي _ : التجمع وشدة التقبض .
وفي النهاية لابن الأثير: متحزقين: أي منقبضين ومجتمعين.
وسئل ابن سيرين عن الصحابة : هل كانوا يتمازحون؟ فقال: ما كانوا إلا كالناس. كان ابن عمر يمزح وينشد الشعر.
وبهذا يكون موقف أولئك النفر من المتدينين أو المتحمسين للدين، وعبوسهم وتجهمهم الذي ظنه البعض من صميم الدين، لا يمثل حقيقة الدين في شيء، ولا يتفق مع هدي الرسول الكريم وأصحابه.
إنما يرجع إلى سوء فهمهم للإسلام، أو لطبيعتهم الشخصية، أو لظروف نشأتهم وتربيتهم.
وعلى كل حال، لا يجهل مسلم أن الإسلام لا يؤخذ من سلوك فرد أو مجموعة من الناس، يخطئون ويصيبون، والإسلام حُجة عليهم، وليسوا هم حُجة على الإسلام، إنما يؤخذ الإسلام من القرآن والسنة الثابتة.
 حدود المشروعية في الضحك والمزاح:
إن الضحك والمرح والمزاح أمر مشروع في الإسلام كما دلت على ذلك النصوص القولية، والمواقف العملية للرسول الكريم وأصحابه صلى الله عليه وسلم .
وما ذلك إلا لحاجة الفطرة الإنسانية إلى شيء من الترويح يخفف عنها لأواء الحياة وقسوتها، وتشعب همومها وأعبائها.
كما أن هذا الضرب من اللهو والترفيه يقوم بمهمة التنشيط للنفس، حتى تستطيع مواصلة السير والمضي في طريق العمل الطويل، كما يريح الإنسان دابته في السفر، حتى لا تنقطع به.
فمشروعية الضحك والمرح والمزاح لا شك فيها في الأصل، ولكنها مقيدة بقيود وشروط لا بد أن تُراعى.
أولها : ألا يكون الكذب والاختلاق أداة الإضحاك للناس، كما يفعل بعض الناس في أول إبريل - نيسان - فيما يسمونه "كذبة إبريل".
ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: [ويل للذي يُحدث فيكذب، ليُضحك القوم، ويل له، ويل له، ويل له ] . [رواه أبو داود والترمذي].
وقد كان صلى الله عليه وسلم يمزح ولا يقول إلا حقاً.
ثانياً: ألا يشتمل على تحقير لإنسان آخر، أو استهزاء به وسخرية منه، إلا إذا أذن بذلك ورضي.
قال تعالى: (يأيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيراً منهم ولا نساءً من نساءٍ عسى أن يكنّ خيراً منهن ولا تلمِزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب، بئس الاسم الفُسوق بعد الإيمان) . (الحجرات 11) .
وجاء في صحيح مسلم : [ بحسْب امرئ من الشر أن يحقِر أخاه المسلم ]
وذكرت عائشة أمام النبي صلى الله عليه وسلم إحدى ضرائرها، فوصفتها بالقصر تعيبها به، فقال: [ يا عائشة ، لقد قلت كلمة لو مُزجت بماء البحر لمزجته] قالت: وحكيت له إنساناً - أي قلدته في حركته أو صوته أو نحو ذلك - فقال :
[ ما أحب أني حكيت إنساناً وأن لي كذا وكذا ] . [رواه أبو داود والترمذي] .
ثالثاً: ألا يترتب عليه تفزيع وترويع لمسلم.
فقد روى أبو داود عن عبد الرحمن ابن أبي ليلى قال : حدثنا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ، أنهم كانوا يسيرون مع النبي صلى الله عليه وسلم فنام رجل منهم ، فانطلق بعضهم إلى حبل معه فأخذه ، ففزع فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [ لا يحل لرجل أن يروِّع مسلماً ] .
وعن النعمان بن بشير قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسير، فخفق رجل على راحلته - أي نعس - فأخذ رجل سهماً من كنانته فانتبه الرجل، ففزع، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [لا يحل لرجل أن يروع مسلماً] (رواه الطبراني في الكبير ورواته ثقات) . والسياق يدل على أن الذي فعل ذلك كان يمازحه.
وقد جاء في الحديث الآخر: [لا يأخذ أحدكم متاع أخيه لاعباً ولا جاداً] . (رواه الترمذي وحسّنه) .
رابعاً : ألا يهزل في موضع الجِد، ولا يضحك في مجال يستوجب البكاء، فلكل شيء أوانه، ولكل أمر مكانه، ولكل مقام مقال، والحكمة وضع الشيء في موضعه المناسب.
ومن ممادح الشعراء:
إذا جدّ عند الجِد أرضاك جِده         وذو باطل إن شئت ألهاك باطلُه!
والباطل هنا يقصد به اللهو والمرح.
وقال آخر:
أهازلُ حيث الهزلُ يَحسُنُ بالفتى         وإني إذا جدّ الرجال لَذو جِدّ!
وروى الأصمعي أنه رأى امرأة بالبادية تصلي على سجادتها خاشعة ضارعة فلما فرغت، وقفت أمام المرآة تتجمل وتتزين، فقال لها: أين هذه من تلك! فأنشدت تقول:
ولله مني جانب لا أضيعه         وللهو مني والبطالة جانب!
قال : فعرفت أنها امرأة عابدة لها زوج تتجمل له.
وقد عاب الله تعالى على المشركين أنهم كانون يضحكون عند سماع القرآن وكان أولى بهم أن يبكوا ، فقال تعالى : ( أفمن هذا الحديث تعجبون* وتضحكون ولا تبكون* وأنتم سامدون ) .
 (النجم 59-61) .
خامساً : أن يكون ذلك بقدر معقول، وفي حدود الاعتدال والتوازن، الذي تقبله الفطرة السليمة ، ويرضاه العقل الرشيد ، ويلائم المجتمع الإيجابي العامل .
والإسلام يكره الغلو والإسراف في كل شيء، ولو في العبادة ، فكيف باللهو والمرح ؟!
ولهذا كان التوجيه النبوي : " ولا تكثر من الضحك فإن كثرة الضحك تميت القلب " فالمنهي عنه هو الإكثار والمبالغة .
وقد ورد عن علي رضي الله عنه قوله : " أعط الكلام من المزح بمقدار ما تعطي الطعام من الملح " وهو قول حكيم، يدل على عدم الاستغناء عن المزح كمايدل على ضرر الإفراط فيه وخير الأمور هو الوسط دائماً ، وهو نهج الإسلام وخَصيصته الكبرى ، ومناط فضل أمته على غيرها.
 
جزى الله خيراً العالم يوسف القرضاوي خير الجزاء.
*د يحيى
22 - أكتوبر - 2008
"واتقوا الله ويعلّمكم الله"    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم
 
·    يستدل بعض المتأخرين بخاتمة آيةالدَّين" واتقوا الله ويعلمكم الله" (2/282) على أن العلم مرتّب على التقوى. وهذا الاستدلال خطأ.وممن نبه على هذا؛ابن تيمية،وقال(أكثرالفضلاء يطعنون في هذه الدلالة)،الزركشي[البرهان4/143]،وفيه(المحققون على منع ذلك)،الشاطبي[الموافقات4/262]وأشار لمخالفته ما(قرره الأئمةفي صناعةالنحو)،أبوحيان،وقال إنه (ضعيف جداً)2/57ومن الردود على ذلك:
1- لو أريدالجزاء؛لأتى بها مجزومةمجردةعن الواو،فكان يقول:فاتقوا الله يعلمكم الله[بسكون الميم الأولى])-
2- أن جعل الواوحالية ليصح ترتب الثاني على الأول خطأ،لأن(المضارع الواقع حالاً،لايدخل عليه واوالحال إلافيما شذ...ولاينبغي أن يحمل القرآن على الشذوذ)-البحرالمحيط،ونحوه في[الدرالمصون2/677].
3- ليس من العطف مايقتضي أن الأول سبب الثاني(فتاوى ابن تيمية).
4- أن العطف يقتضي المغايرة[تفسيرالمنار3/130]
  5_ لأن تعليم الله لنا حاصل مع التقوى وعدمها)-تفسيرالعثيمين3/41،ولذلك قال الشاطبي: إن معنى الآية؛(إن الله يعلمكم على كل حال فاتقوه)(الموافقات).
6- أن الصواب عكس ماقالوه(فكأن الثاني سبب في الأول) راجعه في الموافقات4/ 262فإنه دقيق
7- إن أكثر المفسرين لم يشيروا إلى هذا الاستدلال،بل قال ابن جرير في تفسيره-بعد أن حمل الآية على ظاهرها اللغوي والمعنوي: (وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل؛أي المفسرون(5/120) ، بل إنك لاتكاد تجد مفسري السلف يتعرضون لتفسير هاتين الجملتين،لوضوح معناهما،ومن فسرهما حملهما على ظاهرهما الواضح دون الإشارة إلى استدلال المتأخرين هذا
 
*د يحيى
14 - فبراير - 2009
إفصاح    ( من قبل 6 أعضاء )    قيّم
 
إعراب
" وما أدراك ما الحُطَمةُ * نارُ اللهِ المُوقَدةُ " ( الهُمَزة104/5و6).
الشاهد في قوله : نار ؛ أي : هي نارُ اللهِ... ، ويجوز أن تعرَبَ ( نار) بدلاً من ( الحطمة).
و( الحطمة) : من أسماء النار ؛ أي التي تَحطِم كلَّ ما ألقِيَ فيها.
* " مَن عمِل صالحاً فلنفسه ومَن أساء فعليها وما ربك بظلامٍ للعبيد" ( فُصّلتْ41/46).
( مَن) : اسم شرط جازم ، مبني على السكون في محل رفع مبتدأ.
( فلنفسه + فعليها) : يتعلق الجاران بخبر محذوف لمبتدأ محذوف ، والتقدير : فعملُه لنفسه، وإساءتُه عليها.
الواو في ( وما ربك...) : حالية . ( بظلامٍ ) : الباء حرف جر زائد . و( ظلّام) : اسم مجرور لفظاً ، منصوب محلاً على أنه خبر ( ما) النافية الحجازية العاملة عمل ليس.
* إنّ مَحَلّاً ، وإنّ مُرتحَلاً ** وإنّ في السَّفْرِ إذْ مضَوا مَهَلا
( محلاً ومرتحلاً): مصدران ميميان بمعنى الحلول والارتحال. و( السَّفْر) : جماعة المسافرين ، جمع (سافِر) ، مِثل(صاحِب) و (صَحْب). و ( مَضَوا) : ماتوا. و ( مَهَلا) : اسم مصدر ؛ لأن المصدر : إمهال ، من أهمَلَ.
البيت للأعشى ، من بحر المنسرِح. التقدير في البيت : إنّ لنا حلولاً؛ أي في الدنيا ، وإنّ لنا ارتحالاً؛ أي من الدنيا إلى الآخرة ، وإنّ في المسافرين ( أي الذين ماتوا قبلنا) إمهالاً لنا ؛ لأنهم ماتوا قبلنا وبقِينا بَعدَهم .
* " قالوا يا موسى إما أن تلقيَ وإما أن نكونَ نحن المُلْقين" (الأعراف7/115).
المصدر المؤول : ( أن تُلقيَ) : خبر لمبتدأ محذوف ،والتقدير: إما أمرُنا الإلقاءُ ، أو ...مبتدأ محذوف الخبر ، والتقدير : إما إلقاؤك مبدوءٌ به.
( إمّا ) : حرف شرط تضمن معنى التخيير.
 
*د يحيى
23 - فبراير - 2009
" ... ولا تُلقُوا بأيديكم إلى التهلكة".    ( من قبل 5 أعضاء )    قيّم
 
                         ( البقرة2 / 195).
تفسير الجامع لأحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ):
" ... روى البخاريّ عن حذيفة: { وَأَنْفِقُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى ٱلتَّهْلُكَةِ } قال: نزلت في النفقة. وروى يزيد بن أبي حبيب عن أسلم أبي عمران قال: غَزَوْنَا القُسْطَنْطِينيّة، وعلى الجماعة عبد الرحمن بن الوليد، والرّوم مُلْصِقُو ظهورهم بحائط المدينة، فحمل رجل على العدوّ، فقال الناس: مَهٍ مَهٍ لا إلٰه إلا الله، يلقي بيديه إلى التهلكة! فقال أبو أيوب: سبحان الله! أنزلت هذه الآية فينا معاشر الأنصار لما نصر الله نبيّه وأظهر دينه؛ قلنا: هَلُمّ نقيم في أموالنا ونُصلحها؛ فأنزل الله عز وجل: { وَأَنْفِقُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ } الآية. والإلقاء بالْيَد إلى التَّهْلُكة أن نقيمَ في أموالنا ونُصلحها؛ وندع الجهاد. فلم يزل أبو أيوب مجاهداً في سبيل الله حتى دُفن بالقسطنطينية؛ فقبره هناك. فأخبرنا أبو أيوب أن الإلقاء باليد إلى التهلكة هو ترك الجهاد في سبيل الله، وأن الآية نزلت في ذلك. ورُوي مثلُه عن حذيفة والحسن وقتادة ومجاهد والضحاك.
ّ
*د يحيى
24 - فبراير - 2009
هل القرآن الكريم يُغني عن السنة المطهرة ؟ (1)    ( من قبل 9 أعضاء )    قيّم
 
هل القرآن يغني عن السنة ؟
بقلم الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي
هناك من يقول في هذا العصر، بل في هذه السنوات الأخيرة بالذات: إن القرآن يغني عن السنة. فينبغي أن نطرح الثانية ونكتفي بالقرآن وحده.
وقبل أن نتهم هذه المقولة وأصحابها بالشرود عن الحقيقة وعن ميزان المنطق، ينبغي أن نتبين وجهة نظرهم والمعنى الذي يقصدون إليه من وراء هذه الأطروحة.

إنهم يقصدون أن يؤكدوا لنا أن القرآن حوى كل شيء، وأن يذكرونا بقوله عز وجل :
( ما فرطنا في الكتاب من شيء) [الأنعام: 38]، وإذا كان القرآن قد حوى فعلاً كل شيء، وكان تبياناً لكل شيء، فما الحاجة إذن إلى إضافة شيء مّا إليه؟ .. ما الحاجة إلى السنة مادام الانضباط بكتاب الله سبحانه وتعالى يبصرنا بكل شيء؟ .. هذا بالإضافة إلى أن القرآن كله منزل من عند الله يقيناً، ولا مجال للريب في شيء منه. أما السنة فقد اختلط فيها الصحيح بالموضوع بالضعيف بالمنكر، وأصبح تمييز الصحيح فيها عن غيره أمراً عسيراً.
ولذلك فخير لنا أن نريح وأن نستريح، وأن نعتمد على القرآن وحده، لاسيما وإن القرآن فيه كل ما نتطلبه، وفيه كل ما نبحث عنه.
هذه باختصار هي وجهة نظر أرباب هذه المقولة، فما موقفنا منها؟ وما هي النقاط التي نأخذها على هذه الأطروحة؟
سنضع هذه الأطروحة الأخرى في ميزان المنطق العلمي ذاته الذي وضعنا فيه المقولات أو الأطروحات السابقة، فإن وجدنا أن هذا الميزان قد أثبت صحتها، أخذنا بها، ودافعنا عنها، وإلا فلابد أن نكشف عن عوارها وأن نحذر منها، وأن نبين الخلفيات الكامنة وراءها.
بادئ ذي بدء، أقول إننا إذا تأملنا في كتاب الله سبحانه وتعالى الذي ندعى إلى الأخذ به وحده، سنجد أن الأخذ بهذه الأطروحة، أو بهذه المقولة، يستلزم الإعراض عن القرآن ذاته، بل أقول لكم: إنه يستلزم تخطئة القرآن.
و فاتني أن أبين لكم أولاً المعنى الشرعي للسنة، وهو: كل ما أُثر عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) من قول أو فعل أو تقرير، على أن يصل ذلك إلينا بطريقة صحيحة، طبق المنهج المرسوم عند علماء مصطلح الحديث، تلك هي السنة.
إذن أعود فأقول بادئ ذي بدء، إننا إن أخذنا بهذه الأطروحة القائلة: القرآن يغني عن السنة، فلسوف نجد أنفسنا نعرض عن القرآن ذاته، الذي نزعم أننا نريد أن نتمسك به ولا نتمسك بغيره، بل لسوف نجد أنفسنا نخطئ القرآن فيما يقول.
وآية ذلك أننا عندما نصغي إلى كتاب الله عز وجل لا نجده يقول: اكتفوا في فهم دينكم وإسلامكم بهذا الكتاب، بكلامي وحده، بل هو يقول لنا: اجعلوا من سنة محمد (صلى الله عليه وسلم) بياناً لكل ما استغلق عليكم من كلامي، اجعلوا من سنة محمد (صلى الله عليه وسلم) المقتدى الثاني بعد هذا الكتاب.
لو رأينا القرآن يقول لنا لا تتمسكوا إلا بهذا الكتاب، إذن فذلك يكفي دليلاً على صحة هذه الأطروحة، ولكنا نظرنا فرأيناه يأمرنا أمراً جازماً باتباع السنة إلى جانب القرآن، وبتحكيم كلام رسول الله (صلى الله عليه وسلم) إلى جانب القرآن، أليس الإلحاح على اطّراح السنة بعد هذا إعراضاً بيِّناً صريحاً عن القرآن ذاته.
*د يحيى
12 - أبريل - 2009
هل القرآن الكريم يغني عن السنة المطهرة ؟ (2)    ( من قبل 5 أعضاء )    قيّم
 
وماذا يقول القرآن، في هذا، بصريح العبارة والنص؟
إنه يقول : ( وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله )[النساء : 64].
ويقول : ( من يطع الرسول فقد أطاع الله ) [النساء : 80]، ويقول ( وما ءاتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا )[الحشر: 7]، ويقول: ( أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم )[النساء : 59]، ويقول ( وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم )[النحل: 44].
هل أزيدكم فأضعكم أمام آيات أجلى و اصرح مقرونة بالتحذير والتهديد. حسناً، يقول جل جلاله: (فلا وربك لا يؤمنون حتى يُحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً )[النساء : 65].
فهذه آيات صريحة واضحة قاطعة في الأمر باتباع رسول الله فيما يقول ويفعل من أمور الدين وفيما يشرح ويبين به نصوص القرآن، وبأن نطيع الرسول كما نطيع القرآن وبأن نجعل من كلام محمد (صلى الله عليه وسلم) بياناً لما استغلق علينا من كلام الله.
وأحب أن أنبه إلى أن قول الله سبحانه وتعالى : ( فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً )[النساء: 65] إنما نزل في خصومة وقعت بين رجلين من المسلمين، وجاءا إلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ليقضي بينهما، وقضى رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، بعد أن سمع وحقق، لأحدهما، فقال له الآخر: ألأجل أنه ابن عمتك، أو لأنه قريبك، فأنزل الله سبحانه وتعالى قوله: ( فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً)[النساء: 65].
ومعلوم أن هذا الذي قضى به رسول الله (صلى الله عليه وسلم) لم يكن تنفيذاً لآية موجودة في القرآن، وإنما كان بحكم من عنده، ومع ذلك فقد أعلن القرآن أن الإنسان لا يعدّ، أياً كان، مؤمناً بالله إلا إن قبل حكم رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وخضع له، ثم لم يجد في نفسه أي حرج تجاهه. فها هو القرآن ينفي سمة الإيمان عمن لم يُحكم رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فيما يقوله ويقضي به من أمور، حتى ولو كان القرآن ساكتاً عنه.
فإذا جاء بعد هذا من يقول: لا، بل القرآن يغني عن السنة، ولا داعي إلى تحكيم السنة، أليس موقفه هذا معارضة صريحة للقرآن ذاته؟؟
بل أليس هذا الموقف ينطوي على تخطئة للقرآن ذاته؟
وكيف يكون هذا الموقف تحكيماً للقرآن، إذا كان صاحبه يخطئ القرآن، ويعرض عن أوامره، أو عن كثير من أوامره(صلى الله عليه وسلم)؟
ويبدو أن رسول الله أُخبر من قبل ربه عز وجل أن في الناس من سيعمدون إلى سنة رسول الله فيمزقونها ويبعدونها عن مجال الأخذ بها والاعتماد عليها في فهم القرآن، بسلاح بهلواني كاذب من القرآن ذاته فنبه صلى الله عليه وسلم إلى ذلك وحذر منه.
من ذلك قوله (صلى الله عليه وسلم)، فيما رواه العرباص بن سارية أن النبي (صلى الله عليه وسلم) وعظ أصحابه موعظة وجلت منها القلوب وذرفت منها العيون، فقال له أحد الصحابة : يا رسول الله كأنها موعظة مودع فأوصنا، قال: ” أوصيكم بتقوى الله، والسمع والطاعة وإن تأمر عليكم عبد حبشي، وإنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً. فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، عضّوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل بدعة ضلالة ” والحديث حسن صحيح، رواه أبو داود، الترمذي وابن ماجة وأحمد.
كذلك يقول رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فيما رواه أبو داود والترمذي ” يوشك رجل متكئاًَ على أريكته يحدث بحديث عني فيقول بيننا وبينكم كتاب الله فما وجدنا فيه من حلال حلّلناه وما وجدنا فيه من حرام حرّمناه. ألا وإن الذي حرّمه رسول الله مثل الذي حرّمه الله سبحانه وتعالى ”
وإن في تصوير رسول الله لحال هؤلاء الناس، ما يكشف عن استكبارهم على السنة وصاحبها تحت غطاء التحاكم إلى القرآن. ولعمري إن في من كانت هذه هي حاله لا يمكن أن يكون وفياً للقرآن الذي لم يصلنا إلا عن طريق رسول الله، ولا أن يكون صادقاً في الالتزام به!..
قد يقول هؤلاء: عذرنا الذي يدفعنا إلى إبعاد السنة لا يتمثل في أننا نكذّب كلام محمد (صلى الله عليه وسلم)، أو في أننا نستهين بسنته، بل إننا بدافع من الغير عليها والحماية لها نطالب في هذا العصر بالإعراض عنها، إذ قد اختلط الصحيح منها في هذا العصر بالضعيف والمنكر والموضوع، والتبس على الباحث هذا بهذا بذاك، وإنما سبيل الحفظ لكرامة رسول الله وسنته في هذه الحال أن نبعدها عن التحكيم خوفاً من أن نقع في الزيف، ومن أن ننسب إلى رسول الله ما هو منه بريء.. هذا ما قد يقوله بعض منهم، فما هو جوابنا عن هذه المعذرة؟
*د يحيى
12 - أبريل - 2009
هل القرآن الكريم يغني عن السنة المطهرة ؟ (3)    ( من قبل 5 أعضاء )    قيّم
 
جوابنا أن هذا الكلام فيه ما يدل على أن هؤلاء الناس أعرف بما قد آلت إليه السنة من الله سبحانه وتعالى!! إنهم يتهمون الله بالجهل، ويتهمونه بأنه لا يعلم مآل هذه السنة النبوية، في حين أنهم هم الذين عرفوا وتبينوا هذا المآل.
لقد قال الله عز وجل خطاباً للناس في سائر العصور والأحقاب ( من يطع الرسول فقد أطاع الله )[النساء : 80].
وقال ( وما آتاكم الرسول فخذوه )[الحشر: 8] وقال: ( وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم )[النحل: 44] دون أن يعلم أن الأوامر الصحيحة التي نطق بها رسول الله ستمتزج بالمزيفة والموضوعة والضعيفة، ومن ثم فلن يتأتى للناس الطاعة المطلوبة منهم لرسول الله، في حين أن هؤلاء الناس هم الذين عرفوا ذلك من دون الله عز وجل!!!
أفهذا هو كلام من يؤمن بالله ؟؟؟
أم هل هذا كلام من يؤمن بأن القرآن كلام الله سبحانه وتعالى ويصرّ على تحكيمه والأخذ به ؟
وكيف يحكّم القرآن ويأخذ به من يخطّئه في قراراته وتعليماته؟ !
على أننا نقول: من هذا الذي قال لكم إن سنة الرسول (صلى الله عليه وسلم) امتزج فيها الصحيح بالباطل بالزيف بالضعيف، ولم يعد يستبين للباحث هذا من ذالك ؟ من قال هذا الكلام؟
السنة النبوية المطهرة أول كتاب، أو أول موضوع ومصدر من مصادر الشريعة الإسلامية بعد القرآن وُقي من الزيف، وإليكم بيان ذلك:
كلنا نعلم أن هنالك وضاعين، وضعوا أحاديث مكذوبة على لسان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وهنالك أحاديث ضعيفة وهنالك أحاديث منكرة، لاشك في هذا ولا ريب، ولكن مَن مِن المثقفين لا يعلم أن الله عز وجل قيض لهذه السنة علماً من أعجب العلوم التي تكاد ترقى إلى درجة الإعجاز، قيضه الله لحماية الحديث الصحيح من الدخيل ومن الزيف ومن الموضوع ونحوه.
أما سمع أصحاب هذه الأطروحة بعلم يسمى علم مصطلح الحديث؟
أما سمعوا بعلم يسمى علم الجرح والتعديل؟ أو ما بلغهم السبب الذي من أجله ظهر علم الجرح والتعديل وعلم مصطلح الحديث؟
من المعلوم أن الذي دفع العلماء، في أواخر القرن الأول وأوائل القرن الثاني، إلى إيجاد هذين العلمين إنما هو حماية حديث رسول الله (صلى الله عليه وسلم).
فعلم مصطلح الحديث صنف الأحاديث وقسمها إلى أحاديث آحاد وأحاديث متواترة، وقسم حديث الآحاد إلى أحاديث صحيحة وحسنة وضعيفة وموضوعة، والضعيفة قسمت أيضاً إلى أقسام، ووضعت ضوابط محددة لكل من هذه الأقسام. ولسنا الآن بصدد الحديث عن تفصيلات قواعد هذا العلم، ولقد وجدت مؤلفات كثيرة تحوي الأحاديث الموضوعة، ولكن وجودها أكبر شاهد ودليل على نقيضها أي على أن الأحاديث الموضوعة، إنما هو الوجه الآخر لاهتمامهم بتصفية الأحاديث الصحيحة من الزغل ومن الزيف.
وإذا أردنا أن نتساءل عن العهد الذي كاد أن يختلط فيه الحديث الصحيح بالضعيف بالموضوع فإنه على كل حال ليس هذا العهد، وإنما هو القرن الأول والثاني من عصر الهجرة النبوية المشرفة، في ذلك الوقت حاول الدساسون، وحاول الوضاعون أن يسربوا الأحاديث الباطلة إلى كلام رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، وسرعان ما قام علماء الحديث فتداركوا .. وفرزوا .. وصنفوا.. وميزوا الأحاديث الصحيحة عن الأحاديث الباطلة والموضوعة.
أما اليوم فالأمر لا يحتاج إلى جهد، ولا يحتاج إلى فرز، لأن أولئك العلماء أتعبوا أنفسكم و بذلوا الجهد الذي بذلوه، ثم صنفوا المصنفات المختلفة وأوضحوا لنا قائمة الأحاديث الآحاد، والأحاديث المتواترة، الأحاديث الآحاد الصحيحة والضعيفة وغيرها، وبوسع أي باحث إذا أراد أن يستدل بحديث ذكره رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أن يرجع إلى المراجع الخاصة بهذا العلم، فيتبين الحديث الصحيح من الحديث الضعيف.
فيا عجباً لمن يأتي في هذا العصر، تماماً كما قال رسول الله، في مظهر من الكسل المستكبر الذي يأتي سمجاً ثقيلاً على النفس والعقل معاً، متكئاً على أريكته ليقول لنا: نحن لا نستطيع أن نستبين الأحاديث الصحيحة من الأحاديث الضعيفة، لنعمل بالأولى ونتجنب الثانية، فلنستعض عن السنة كلها بالقرآن.
*د يحيى
12 - أبريل - 2009
هل القرآن الكريم يغني عن السنة المطهرة ؟ (4)    ( من قبل 5 أعضاء )    قيّم
 
ونقول له: تلك هي مصنفات الأحاديث المختلفة مفروزة منسقة مبينة أمامك، وما عليك إلا أن تمد يدك ثم تفتح عينيك وعقلك لتقرأ ! ولكن ماذا كنت تقول يا ترى لو أنك كنت تعيش في القرن الأول أو الثاني من الهجرة ؟ إذن لمزقت السنة النبوية كلها، و لخنقت الإسلام كله في ضباب كسلك!!!
هذا ما نقوله في الرد على من يتثاءب تثاؤب الكسول الثقيل، ثم المستكبر فوق ذلك كله على كتاب الله وسنة رسوله، ليتأفف قائلاً: إنه لمن الصعوبة بمكان أن نلتقط الأحاديث الصحيحة المميزة عن الأحاديث الضعيفة والموضوعة.
تلك هي المعذرة الأولى التي تصطنع اليوم لإبعاد السنة النبوية عن مجال الاحتجاج بها، وللتفريق الذي حذر القرآن منه بين الله ورسوله.
فما المعذرة الأخرى؟
المعذرة الأخرى هي دعوى أن في أحاديث رسول الله ما لا يتفق مع أعراف العصر، أو لا ينسجم مع مقتضى الحضارة والمدينة الحديثة.
وربما ساقوا مثالاً على ذلك حديث رسول الله الذي رواه البخاري في صحيحه وابن ماجة في سننه أنه (ص) قال: ( إذا وقع الذباب في شراب أحدكم فليغمسه ثم ليلقه فإن في أحد جناحيه داء وفي الآخر شفاء، وإنه يتقي بجناحه الذي فيه داء )وربما استشهد على ذلك أيضاً بحديث جابر الذي يرويه مسلم في صحيحه أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أمر بلعق الأصابع والصحفة، أي وعاء الطعام. وقال: ( إنكم لا تدرون في أي طعامكم البركة )وربما أضافوا إلى هذين الحديثين أمثالهما.
فأصحاب هذه الأطروحة يقولون: كيف يمكن أن ينسجم مع المدينة الحديثة حديث يأمر إذا وقع الذباب في شراب أحدنا أن يغمسه كاملاً ثم يلقيه، مع ما يبعث ذلك في التقزز في النفس!!
أم كيف يتفق مع المدينة الحديثة أن نأخذ أنفسنا بهذه الوصية الثانية: إذا أكل أحدنا ثم قام من طعامه أن يلعق أصابعه التي أكل بها، وأن يمسح الوعاء الذي كان فيه الطعام حتى لا يبقى في قعره شيء.
تلك هي الحجة الأخرى، فما موقفنا من هذا الكلام.؟
أقول قبل كل شيء: ما هو مقياس المدنية التي ينبغي أن نأخذ أنفسنا بها، وأن نخضع لإيحاءاتها؟
الجواب المنطقي هو أن مقياس المدينة الحديثة: كل ما يتفق مع المنطق والعلم، وكل ما يتفق مع الفطرة الإنسانية والحاجات الأصلية لبني الإنسان.. لا شك أن مدينة تستوحي قوانينها من المنطق والعقل ومن الحاجات الأساسية لبني الإنسان يجب أن نتبعها.
أما المدنية الشاردة وراء هذين الضابطين فلا أعتقد أن الإنسان العاقل ملزم باتباعها، بل هو ملزم بالتحرر منها، بل على المسلمين أن يقفوا في وجه هذه المدنية، وأن يبذلوا ما يملكون لتصحيحها وتقويم عوجها. إذ إنهم أصحاب رسالة، وأمّة تخطيط وإبداع، وليست مهمتهم أن يكونوا ذيولاً إمّعات، يسيرون وراء تقليد الناس، إذا أحسنوا يحسنون، وإذا أساؤوا يسيئون.
هذا هو موقفنا من المدنيات والحضارات كلها.
على ضوء هذا الميزان، أقول: ما مشكلة حديث الذبابة الذي يقوم ويقعد به طائفة من الناس انتقاصاً لسنة رسول الله وتكريهاً للناس بها؟!
تعالوا نفهم معنى الحديث أولاً: يقول النبي (صلى الله عليه وسلم) ” إذا وقع الذباب في شراب أحدكم ” أي إذا وقع فعلاً ولم تُجد الوقاية ” فليغمسه ثم ليلقه “أي لا يلقين الذباب خارج الشراب حتى يغمسه كله فيه. وهو حرّ بعد ذلك في أن يتلف الشراب أو أن يستبقيه. وهذا الأمر سببه أن ” في أحد جناحي الذبابة داء وفي الآخر شفاء وأنها تتقي بجناحها الذي فيه داء ” فاقتضت الحيطة أن يلاحق الداء بالدواء، خوفاً من أن يبقى من ذلك الشراب شيء فيشربه من لا يعلم شيئاً عن هذا الذي وقع فيه، فيؤذيه الداء المتسبب عن ذلك.
*د يحيى
12 - أبريل - 2009
 10  11  12  13  14