البحث في المجالس موضوعات تعليقات في
البحث المتقدم البحث في لسان العرب إرشادات البحث

مجلس : رسائل جامعية

 موضوع النقاش : إنجيل بارنبا: أهو حقاً الإنجيل الصحيح؟    قيّم
التقييم :
( من قبل 18 أعضاء )

رأي الوراق :

 أحمد 
2 - نوفمبر - 2007
إنجيل بارْنَبا: أهو حقاً الإنجيل الصحيح؟
 
الإنجيل برواية
بارْنَبا الليوي القبرصي
 
 
ترجمة مقارنة جديدة
تتضمن معطيات غير معروفة من قبل
بالاعتماد على
مخطوطة المكتبة الوطنيّة بڨيينا
ومخطوطة مكتبة فيشر بجامعة سيدني
 
د. أحمد إيبش
 
 
ما هو إنجيل بارْنَبا؟
كثيرون جداً سمعوا بهذا الإنجيل (مغلوطاً باسم: إنجيل برنابا).. وما أكثر الأبحاث التي جزمت تلقائياً بأنه إنجيل مزوّر لا يمتّ إلى الحقيقة بصلة، وأنه من وضع بعض اليهود أو المسلمين الذين ارتدّوا عن الدين المسيحي.. فأين تكمن حقيقته؟
وما حقيقة ذكر هذا الإنجيل (على لسان المسيح عليه السلام) لسيدنا محمد بالاسم صراحة، على أنه خاتم الأنبياء المنتظر؟
مئة عام مضت على ظهور أول ترجمة إنكليزية لهذا الإنجيل الهام المثير للجدل، على يد القس الإنكليزي لونسديل راگ وزوجته لورا Lonsdale & Laura Ragg.  ولكن، هل كانت تلك الترجمة على المستوى العلمي المطلوب؟ هل نجحت ومثلها الترجمة العربية المنقولة عنها (بقلم د. خليل سعادة) – دون الرجوع إلى المخطوط – في فك رموز إنجيل بارْنَبا؟!
في هذه الترجمة العربيّة الجديدة المقارنة التي نقوم بها حالياً، يتمّ الكشف للمرّة الأولى عن الأصول القديمة لهذا الإنجيل، وإثبات الدليل النصّي الدّامغ على أن أصلاً أوّليّاً له باليونانيّة قد تمّت ترجمته إلى اللاتينيّة، وبعدها إلى الإيطاليّة والإسپانيّة، وأن ذلك كان ضمن سلسلة تاريخيّة مطوّلة من الإخفاء والتّحريم التّام.
هذه الترجمة اليوم تسلّط الأضواء على معطيات بالغة الأهميّة في المخطوطتين، سواء من الناحية النصيّة أو العقائديّة. ففيها يتجلّى الجوهر الأقرب إلى حقيقة المسيح عليه السلام، وبعثته وإنكاره الشديد لدعوة تأليهه، وأنه رُفع لم يُصلب.. والجديد الآن حسب المخطوطة الإسپانيّة التي ظهرت قبل 30 عاماً: ما الذي كان يعرفه بطرُس؟
كذلك من أهمّ محاور إنجيل بارْنَبا حول سيرة المسيح (عليه السّلام)، حربه الضارية على اليهوديّة الهيكليّة الفريسيّة المنحرفة عن شريعة موسى (عليه السّلام)، والتي تمخض عنها التلمود فيما بعد.
أمّا ما يتوّج هذه الوثيقة المسيحيّة القديمة النقيّة، فهو بشارة المسيح (عليه السّلام) بنبوّة سيّد البشر نبيّنا محمّد عليه الصّلاة والسّلام.  وأن الدّين الحق كما أنزله الله تعالى على سيّدنا موسى ثم عيسى ثم محمّد (عليهم الصلاة والسّلام) إنما كان سلسلة مستمرّة متوافقة متوائمة لا انقطاع فيها، كان جوهرها ولُحمتها وسُداها: التوحيد!
في هذا المجلس، سأقوم بنشر المقدمة النقدية الكاملة، التي صدّرت بها ترجمتي المقارنة الجديدة لإنجيل بارْنَبا، حسب المخطوطتين المذكورتين، بالإيطاليّة و الإسپانيّة. وأرجو من قرّاء الورّاق الكرام إبداء آرائهم التي سأتلقاها بكل اهتمام وتقدير.
 
 
 11  12  13  14  15 
تعليقاتالكاتبتاريخ النشر
الفصل الثالث والعشرون - تتمة 2    كن أول من يقيّم
 
وبعدَ أن قال ذلكَ، }83{ أضافَ يَسوع: »إنَّ الرُّوحَ لدى كثيرين تَوّاقَةٌ لعِبادَةِ اللهِ، أمّا الجَسَدُ فكَليلٌ([1]).  فلِذا ينبغي لِمَن يَتَّقي اللهَ أن يتأمَّلَ ما هو الجَسَدُ، وأينَ كانَ أصلُهُ الأوّل، وإلى أينَ يؤولُ مصيرُه.  مِن طينِ الأرضِ خَلَقَ اللهُ الجَسَدَ([2])، وفيهِ نفَخَ نَسمةَ الحياةِ([3]) بنَفخَةٍ فيه.  فمتى أحجَمَ الجَسَدُ عن طاعَةِ اللهِ وَجَبَ أن يُمتَهَنَ كالطّينِ وأن يُداسَ.  لأنَّ مَن يُنكِرُ نَفسَهُ في هذه الدُّنيا يجِدُها في الحياةِ الأبَديّة([4]). 
»أمّا كُنهُ الجَسَدِ الآنَ، فإنَّ رَغائِبَهُ تُنبِئُ أنَّهُ العَدُوُّ الألَدُّ لكلِّ صَلاحٍ، فإنَّهُ وحدَهُ يَتوقُ إلى الخَطيئة.  أفيَنبَغي إذن للإنسانِ بُغيَةَ مَرضاةِ بعضِ أعدائِهِ أن يترُكَ مَرضاةَ اللهِ خالِقِه([5])؟  تأمَّلوا في هذا.  إنَّ جميعَ القِدّيسين والأنبياء كانوا أعداءَ جَسَدِهم في سَبيلِ طاعَةِ الله، ولذلكَ فقد سارَعوا بطيبِ خاطِرٍ إلى حَتفِهم، دون أن يكونوا آثِمين في حَقِّ شَريعَةِ اللهِ المُعطاةِ لعَبدِه مُوسَى، ويعبُدوا الآلِهةَ الباطِلة الكَذّابة.
»اذكُروا إيلياه([6])، الذي }84{ هَرَبَ عبرَ جُرودِ الجِبالِ، مُقتاتاً بالعُشبِ فحَسب، ومُئتَزِراً بجِلدِ المَعزِ.  أوّاهُ، كَم من يومٍ لم يُصِب طعاماً!  أوّاهُ، ما أشَدَّ ما احتَمَلَ من قَرٍّ!  أوّاهُ، كم وابِلاً ]من مَطَرٍ[ طَفَحَ بِه، وكَم أنَّهُ عانى خلالَ سبعِ سِنين من شَظَفِ اضطهادِ تلكَ المرأة النَّجِسة إيزابِل!


([1]) قابل على إنجيل متّى - 26: 41.
([2]) في هامش المخطوط بالعربيّة: »خلق الله آدم من الطين - منه«.
([3]) سفر التكوين - 2: 7.
([4]) قابل على إنجيل يوحنّا - 12: 25.
([5]) في هامش المخطوط بالعربيّة: »الله خَالِقُ«.
([6]) انظر ما يلي عنه وعن تلميذه إلْيَشَع بن شافاط، وانظر كذلك حول صحيفته التي ينفرد بارْنَبا بنقلها، في الفصل 145.
*أحمد
16 - نوفمبر - 2007
الفصل الثالث والعشرون تتمة 3    كن أول من يقيّم
 

 
»اذكُروا إلْيَشَع([1])، الذي اقتاتَ بخُبزِ الشَّعير([2])، واتَّشَحَ بأخشَنِ دِلقٍ.  الحَقَّ أقولُ لكُم، إنَّهُم حينَما لم يخشَوا امتِهانَ أجسادِهم، فقد خشيَهُم وارتاعَ منهم المُلوكُ والرُّؤساءَ([3]).  فكفى بهذا امتِهاناً للجَسَدِ أيُّها القَومُ.  وإذا أنتُم نظَرتُم إلى القُبورِ علِمتُم حقيقةَ الجَسَد«.
*  *  *


([1]) إلْيَشَع بن شافاط هو تلميذ النّبي إيلياه وخَلَفه في النّبوّة على بني إسرائيل، مسحه إيلياه نبيّاً وكان ذلك بحسب بعض المرويّات العُرفيّة في برّ دمشق بأرض قرية جوبر، حيث لا يزال يوجد كنيس أثري عتيق (له ذكر في التّلمود (في مسّيخيت بِراخوت من سِدِر زراعيم): כנישתא דבי גובאר. 
     راجع أخباره في سفر الملوك الثاني، الأصحاح 4.  وهو أحد الأنبياء المذكورين في القرآن الكريم: {وإسمَعيلَ واليَسَعَ ويونُسَ ولُوطاً وكُلاً فَضَّلنا على العالَمين} الأنعام - 86؛ وكذلك: {واذكُرْ إسمَعيلَ واليَسَعَ وذا الكِفلِ وكُلٌّ من الأخيار} ص - 48.
     أمّا ورود الاسم في القرآن الكريم بالسّين فهو جرياً على القاعدة اللغوية التي تقضي بإقلاب السين والشين بين اللغات السامية الشرقيّة والغربيّة.  أمّا معنى اسمه في العبريّة: אלישע فهو: اللهُ خَلاصٌ.  ومعنى اسم إيلياه: אליה: الله هو الرّبّ.
     أمّا سلفه إيلياه أو إلياهو التَّشبي فمن أنبياء بني إسرائيل، عارض عبادة البعل التي اتّبعها الملك أخاب بن عُمري في السّامرة.  ترد سيرته في سفر الملوك الأول - أصحاح 17-22؛ وسفر الملوك الثاني - أصحاح 1-2، وفيه أنه رُفع حيّاً ولم يمُت.  يتكرّر ظهوره العجائبي في التّلمود ليُنجد الحاخامات ويعلّمهم (بحسب ما يدّعون).  يُدعى في التّوراة المعرّبة: »إيليّا«، ويُعرف في تُراثنا الإسلامي باسم »نبي الله إلياس «عليه السلام إذ يرد في القرآن الكريم: {وإنّ إلياسَ لَمِنَ المُرسَلين * إذْ قالَ لقومه ألا تتَّقُون * أتَدْعُون بَعْلاً وتَذَرون أحسنَ الخالقين} (الصّافّات: 122-124).  أمّا اسمه في التّراث الإسلامي: »إلياس« عليه السلام فهو بالصّيغة اليونانيّة: EliaV.  ونذكّر دوماً أن مردّ ذلك أن التّوراة الشائعة في عصر تنزيل القرآن الكريم كانت باليونانية حصراً، نعني التّرجمة السبعينية السّكندريّة. 
([2]) سفر الملوك الثاني - 4: 42.
([3]) هذه العبارة (التي قد تُترجم في بعض الأناجيل: العُظماء) عبارة قياسيّة، تقابل المُفردة التّوراتيّة: הנשיא »هنَّاسي« أي: أمير أو رئيس.  حتى أنّ الكيان الصّهيوني يستعملها اليوم للإشارة إلى رئيس الدّولة.  لذلك لا يفترض بنا استخدام أيّة عبارة جُزافاً، مهما كانت الدّواعي الأدبيّة أو البلاغيّة، في ترجمة هذا الإنجيل.
     لكننا لم نُترجم العبارة في نصّنا هذا بمُفرَدة حُكّام مثلاً، لأنّها ترد هنا بشكل اصطلاحي للحاكم الرّوماني لليَهوديّة أو الجليل (Procurator).  ومن الواجب تذكير القارئ أنَّ البحث في النَّقد النّصّي للأصول الدّينيّة القديمة يستلزم قدراً هائلاً من الدّقة في انتقاء كلّ عبارة من حيث دلالاتها المعياريّة: الاصطلاحيّة والعُرفيّة.
*أحمد
16 - نوفمبر - 2007
الفصل الرابع والعشرون    كن أول من يقيّم
 
الفصل الرّابع والعُشرون([1])
مثال مهمّ حول كيف أنّ على الإنسان
أن يتجنّب الولائم والحفلات
تابعَ يَسوعُ يقول وهو يبكي: »وَيلٌ لمَن هم عبيدٌ لأجسادِهِم([2])، لأنَّهم حَقّاً لا ينالونَ البِرَّ في الحَياةِ الآخِرة، بَل عَذاباً لِذُنوبِهم«.
*  *  *
 
]الغني وإلْعازَر[
»أقولُ لكم إنَّهُ كانَ([3]) ثَمّةَ نَهِمٌ غنيٌّ لم يكُ يكتَرِثُ لشيءٍ إلاّ لنَهَمِه، فكانَ يُولِمُ وَليمَةً عظيمَةً في كلِّ يَوم([4]).  وكانَ واقِفاً على بابِه رَجُلٌ فَقيرٌ يُدعى إلْعازَر، وكانَ كثيرَ }85{ القُروحِ، وكانَ يشتهي لو يُصيبَ شِبَعاً من الفُتاتِ المُتساقِطِ من مائِدةِ النَّهِم. ولكنَّ لم يُعطِهِ أحد من ذلكَ شيئاً، بَل كانَ يسخَرُ منه الجميعُ.  وحدَها الكِلابُ كانتْ تتحَنَّنُ عليه، فتَلعَق قُروحَه.  وحَدَثَ أن ماتَ الفقيرُ، فاحتَمَلَتهُ الملائِكةُ إلى ذِراعيْ إبراهيمَ أبينا.  وماتَ الغنيُّ أيضاً، فاحتَمَلَتهُ الشَّياطينُ إلى ذِراعيّ الشَّيطان، فلمّا راحَ يتقلَّبُ في أشدِّ تَباريحِ العَذابِ، رفعَ عينيه فرأى عن بُعدٍ إلعازَرَ على ذِراعيّ إبراهيم.  فصَرَخَ الغنيّ: »يا أبَتاهُ إبراهيمَ، ارحَمني، وابعَثْ إلْعازَر لعلَّهُ يحملُ لي على بَنانِه قَطرَةَ ماءٍ تُبَرِّدُ لِساني، الذي يتَلَظّى في هذا السَّعير«.
»فأجابَ إبراهيمُ: »يا بُنَيّ، تذَكَّرْ أنَّكَ نِلتَ في الحياةِ الدُّنيا الطيِّباتِ، على حين كانتِ البَلايا من نَصيبِ إلْعازَر.  لذلكَ فنَصيبُكَ الآنَ الشَّقاءُ، وأمّا إلْعازَرُ فلَهُ حُسنُ العَزاء«. 


([1]) في هامش المخطوط بالعربيّة: »سورة الغني والخسس«.
([2]) في هامش المخطوط بالعربيّة: »أحسن القصص وه عبد البدن«.  وه = ve بالتركيّة.
([3]) في إنجيل بارْنَبا هذا مادّة أخلاقيّة وأدبيّة لا شك في قيمتها الدّينيّة الرّفيعة، ولكن نريد أيضاً أن ننبّه إلى قيمتها الكبرى أيضاً، على صعيد دراستها كنماذج للأدب العرفاني والنهج التربوي الأخلاقي كجزء من تُراث ينتمي إلى مدرسة راسخة كبيرة: هي مدرسة هَجَداه المِدراش، التي وَعت وجمعت ضمير دارسي »التّوراة«، كمصدر وحيد للتشريع الدّيني ومنبع كبير للتُّراث الوجداني.  فمثل هذه الدّراسة كفيلة بتأصيل إنجيل بارْنَبا من القرن الأول، لا سبيل لأوروبي من القرون الوسطى أن يُضاهيه أبداً.
([4]) قابل على إنجيل لوقا - 16: 19-31.
*أحمد
16 - نوفمبر - 2007
الفصل الرابع والعشرون - تتمة    كن أول من يقيّم
 
»فصاحَ الغَنيُّ مُجدَّداً قائِلاً: »يا أبَتاهُ إبراهيم، إنَّ لي في بيتي ثلاثةَ إخوةٍ، فأرسِلْ إذن إلْعازَر ليُنبِئَهُم كم أُعاني التَّباريحَ، لكي يتوبوا ولا يكونُ مآلُهم إلى هُنا«.  فقالَ إبراهيمُ: }86{ »عندهم مُوسى والأنبياءُ، فليَستَمعوا إليهِم«.  فأجابَ الغنيُّ: »كلاّ يا أبتاه إبراهيم، بَل إذا كانَ لأحَدِ الأمواتِ أن يَقومَ فهُم يُصَدِّقون«.  فأجابَ إبراهيمُ: »إنَّ مَن لا يُصَدِّقُ مُوسَى والأنبياءَ فهو لا يُصَدِّقُ الأمواتَ ولو قاموا«([1]).
قالَ يسوعُ: »فانظُروا، أليسَ يُبارَكُ الفُقراءُ الصّابِرونَ، الذينَ لا يطلُبونَ سِوى ما يَسُدُّ الرَّمَقَ، الكارِهونَ للجَسَد؟  ما أشقى الذينَ يحمِلونَ الآخرينَ للدَّفنِ فيُقدِّمونَ أجسادَ هؤلاءِ طُعمَةً للدُّودِ ولا يُدرِكونَ الحَقَّ.  بَل هُم بَعيدون عن ذلكَ تماماً ويَعيشونَ هُنا كأنَّهُم مُخَلَّدون، لأنَّهُم يَبنونَ بُيوتاً كبيرةً ويَشتَرونَ أملاكاً كثيرةً، ويَعيشونَ في الخُيَلاء«.
*  *  *


([1]) في هامش المخطوط بالعربيّة: »قال ابرهيم من لم يعتقد كتاب موسى وكتاب سائر الأنبياء لم يعتقد لمن يحيي الموتى من بني آدم - منه«.
*أحمد
16 - نوفمبر - 2007
الفصل الخامس والعشرون    كن أول من يقيّم
 
الفصل الخامس والعُشرون([1])
كيف ينبغي للإنسان احتقار الجَسَد والعيش في الدّنيا
عندها قالَ الذي يكتُبُ: »يا مُعلِّم، إنَّ كلامَكَ لَحَقٌّ، ولِذلكَ قد تَرَكنا كلَّ شيءٍ في سَبيلِ أن نتبَعَكَ.  فقُلْ لنا إذن، كيفَ يتوجَّبُ علينا أن نَبغُضَ جَسَدَنا، طالَما أنَّ قتلَ الإنسانِ نَفسَهُ غيرُ جائِزٍ، وما دُمنا على قَيدِ الحياةِ فينبَغي لنا أن نَقومَ بأوَدِ ]هذا الجَسَد«[.
أجابَ يَسوعُ: »أبقِ جَسَدَكَ كفَرَسٍ، تَعِشْ في أمان.  لأنَّ القُوتَ يُطرَحُ للفَرَسِ بالمِكيالِ، وأمّا ما يترَتَّبُ عليه من الشُّغلِ فلا يُحَدُّ ولا يُحصى ويوضَعُ اللِّجامُ في خِطمِهِ ليَسيرَ على هَواكَ، }87{ ويُربَطُ ]لكي[ لا يُؤذي أحَداً، ويُترَكُ في مكانٍ حَقيرٍ، ويُضرَبُ إذا عَصى.  فهكذا افعَلْ إذن أنتَ، يا بارْنَبا، تَعِشْ دَوماً معَ الله.  ولا يتَولَّيَنَّكَ الغَيظُ من كلامي، لأنَّ داودَ النَّبيَّ فعلَ الشيءَ ذاتَهُ، كما يُقِرُّ هو نفسُهُ قائلاً([2]): »إنّي كفَرَسٍ عندَكَ، وإنّي دائماً مَعَكَ«.
»ألا قُلْ لي: أيُّهُما أفقَرُ؟  مَن يَقنَعُ بالقَليل، أم مَن يَشتَهي الكثيرَ؟  الحَقَّ أقولُ لكم، لو كانَ للدُّنيا عقلٌ سَليمٌ لَما جَمَعَ أحَدٌ شيئاً لنَفسِه، بَل كانَ كلُّ شيءٍ مَشاعاً بينَ النّاس.  ولكن بهذا ]يُستَدَلُّ على ما فيهِ من[ جُنون بأنَّهُ كلّما جَمَعَ ازدادَ رَغبَةً.  وأنَّ كلَّ ما يجمعُهُ فإنَّما هو جامِعُهُ لراحَةِ الآخَرين الجَسَديّة.  فيكفيكُم([3]) إذن ثَوبٌ واحِدٌ، واطّرِحوا كيسَ نُقودِكُم، لا تَحمِلوا مِزوَداً، ولا أحذيةً في أقدامِكُم، ولا تتفكّروا قائلين: »ماذا يحُلُّ بنا؟«، بَل ]حَسبُكُم[ تفكيراً في طاعَةِ مشيئَةِ اللهِ، وهو يُقدِّم لكم حاجاتِكم حتّى لا ينقُصَكم شيءٌ.
}88{ »الحَقَّ أقولُ لكم، إنَّ الإفراطَ في الجَمعِ في هذه الحياةِ الدُّنيا يكونُ شهادَةً أكيدةً على انعدامِ النَّصيبِ في الحياةِ الآخِرَة([4]).  لأنَّ مَن كانت أُورشَليم وَطَناً لهُ لا يَبني بُيوتاً في السّامِرة، لمّا كانت هُناكَ عَداوةٌ بين هاتَين المَدينَتين.  أتَفقَهون؟«.
أجابَ التَّلاميذُ: »أجَل«.
*  *  *


([1]) في هامش المخطوط بالعربيّة: »سورة الزبطل النفس«، أي: ضبط النّفس.
([2]) سفر المزامير - 73: 22-23.
([3]) قابل على إنجيل متّى - 10: 9-10.
([4]) في هامش المخطوط بالعربيّة: »أقول لك الحق من جمع مالاً كثيراً في الدنيا هذا شاهد لا نصيبله في الجنّة - منه«.
*أحمد
16 - نوفمبر - 2007
الفصل السادس والعشرون    كن أول من يقيّم
 
الفصل السّادس والعُشرون([1])
كيف ينبغي للإنسان محبّة الله
كما يتضمّن هذا الفصل النّزاع العجيب بين إبراهيم وأبيه
ثُمَّ قالَ يَسوعُ: »كانَ ثَمَّةَ رجُلٌ على سَفَر، وبينَما كانَ سائِراً عَثَرَ على كَنزٍ في حَقلٍ([2])ٍ مَعروضٍ للبَيع بخَمسِ قِطَعٍ من النُّقود.  فلمّا درى الرَّجُلُ بذلكَ، مضى من فوره فباعَ رِداءَهُ ليَشتَريَ ذلكَ الحَقلَ.  فهَل يُعقَلُ شيءٌ كذلكَ ويُصَدَّقُ؟«.
أجابَ التَّلاميذُ: »إنَّ مَن لا يُصَدِّقُ ذلكَ هو مُختَبِلٌ«.
فقالَ يَسوعُ عندَئِذٍ: »فإنَّكُم تكونونَ مُختَبِلينَ إذا كُنتُم لا تُعطونَ حَواسَّكُم للهِ لِتَشتَروا أنفسَكُم حيثُ يُستَودَعُ كَنزُ المَحَبَّةِ، لأنَّ المَحَبَّةَ كَنزٌ لا نَظيرَ لهُ.  لأنَّ مَن يُحِبُّ اللهَ كانَ اللهُ لهُ، ومَن كانَ اللهُ لهُ كانَ لهُ إذن كلُّ شيءٍ« ([3]).
أجابَ بطرُس([4]): »يا مُعلِّم، كيفَ يُمكنُ للإنسانِ أن يُحبَّ اللهَ مَحَبَّةً خالِصَة؟  أنبِئْنا«.
فأجابَ يَسوعُ: »الحَقَّ أقولُ لكُم، إنَّ مَن }89{ لا يُبغِضُ أباهُ وأمَّهُ وجيرانَهُ وحياتَهُ وأولادَهُ وامرأتَهُ لأجلِ مَحَبَّةِ اللهِ([5])، فمِثلُ هذا ليسَ جَديراً بأن يُحِبَّهُ اللهُ«([6]).

([1]) في هامش المخطوط بالعربيّة: »سورة ابراهيم وأبوك ]أبوه[ القصص«.
([2]) قابل على إنجيل متّى - 12: 44.
([3]) في هامش المخطوط بالعربيّة: »من أحبّ الله كان له الله ومن كان له الله كان كل شيء له - منه«.
([4]) اسمه: سمعان بن يوحنّان، أما لقبه بطرُس (يُرقم في الأناجيل اليونانيّة: PetroV) فمن العبارة: petra: صخرة، ولم يُطلق على أحد من قبله.  وبالطبع فهو يوناني وليس ذا قالب سامي، دخل الآراميّة بلفظ: פטרא، أو: פטרוס.
([5]) قابل على إنجيل لوقا - 14: 26.
([6]) في هامش المخطوط بالعربيّة: »الله محب«.
*أحمد
16 - نوفمبر - 2007
الفصل السادس والعشرون تتمة    كن أول من يقيّم
 
أجاب بطرُس: »يا مُعلِّم، مَكتوبٌ في شَريعَةِ اللهِ في كِتابِ مُوسَى: »أكرِمْ أباكَ لكي تَعيشَ طويلاً على الأرض«([1]).  وهو فوقَ ذلكَ يقولُ: »ليكُن مَلعوناً الابنُ الذي لا يُطيعُ أباهُ وأمَّه«([2])، فأمَرَ اللهُ بأنَّ مثلَ هذا الابنِ العاقِّ ينبَغي أن يُرجَمَ بغَضَبِ الشَّعبِ([3]) أمامَ بابِ المدينة.  ]فكيفَ[ تأمُرنا أن نُبغِضَ أبانا وأمَّنا؟«.
رَدَّ يَسوعُ: »كلُّ كَلِمةٍ من كَلِماتي صادِقَةٌ، لأنَّها ليسَت منّي، بَل هي للهِ الذي أرسَلَني([4]) إلى بَيتِ إسرائيل.  لذلكَ أقولُ لكم إنَّ كلَّ ما تملكون فإنَّما قد أنعَمَ اللهُ بِهِ عليكم([5])، ولِذا فأيُّ الأمرين أعظمُ قيمةً، العَطيّة أم المعطي؟  فإن كانَ أبوكَ وأمُّكَ أو أيُّ شيءٍ آخرَ عَثرةً لكَ في عِبادَةِ الله، فاجتَنِبْهُم كأنَّهم أخصام.  ألم يقُلِ اللهُ لإبراهيم([6]): »اخرُجْ من بيتِ أبيكَ وأهلِكَ، وتعالَ اسكُن في الأرضِ التي }90{ أعطيها لكَ ولنَسلِكَ؟«.
»فلماذا قالَ اللهُ ذلكَ؟  أليسَ لأنَّ أبا إبراهيمَ كانَ صانِعَ أصنامٍ، وكانَ يصنَعُ ويعبُدُ آلهَةً كاذِبَة؟  ]لهذا السّبب[ استَحَرَت بينَهما العَداوة، لِدَرجَة أنَّ الأبَ وَدَّ أن يحرقَ ابنَهُ«. 
أجابَ بطرُس: »إنَّ كلامَكَ صادِقٌ.  وإنّي لأرجوكَ أن تَقُصَّ علينا كيفَ سَخِرَ إبراهيمُ من أبيهِ«([7]).
*  *  *


([1]) سفر الخروج - 20: 12.
([2]) سفر التثنية - 27: 16.
([3]) سفر التثنية - 21: 18-21.
([4]) قابل على إنجيل يوحنّا - 14: 24.
([5]) في هامش المخطوط بالعربيّة: »الله مرسل الله وهّاب«.
([6]) سفر التكوين - 12: 1.
([7]) قصّة سيّدنا إبراهيم (عليه السلام) مهمّة جداً، وفيها مثال نمطي قياسي على كيفيّة نموّ تُراث  هَجَداه »المدراش« على التّوراة، حتى فاقتها حجماً.  وكنا قد ناقشنا هذه المسألة باستفاضة في كتابنا: »التّلمود كتاب اليهود المقدّس«، فليُراجع.
*أحمد
16 - نوفمبر - 2007
الفصل السادس والعشرون - تتمة 2    كن أول من يقيّم
 
]قصّة إبراهيم[([1])
أجابَ يَسوع: »كان إبراهيمُ ابنَ سَبعِ سنين لمّا ابتَدأ يلتَمِسُ اللهَ.  فقالَ يوماً لأبيهِ: »يا أبَتاه، مَن صَنَعَ الإنسانَ؟«.
فأجابَ الأبُ الجاهِلُ: »الإنسانُ ]صَنَعَ الإنسانَ[، لأنّي أنا صَنَعتُكَ، وأبي صَنَعَني«. 
أجابَ إبراهيم: »يا أبي، ليسَ الأمرُ كذلكَ، لأنّي سمِعتُ شيخاً مُسِنّاً يَنتَحِبُ ويقولُ: »يا إلَهي، لماذا لم تُعطِني أولاداً؟« «.  أجابَ أبوهُ: »حَقّاً يا بُنَيَّ إنَّ اللهَ يُساعِدُ الإنسانَ ليصنَعَ إنساناً، ولكنَّهُ لا يَضَعُ يَدَهُ ]في الأمرِ[، ولا يَلزَمُ الإنسانَ إلاّ أن يتقَدَّمَ ويبتَهِلَ إلى إلهِهِ ويُقَدِّمَ له حِملاناً وخِرافاً، فيُساعِدُهُ إلَهُه«.  أجابَ إبراهيمُ: »فكم إلَهاً يوجَدُ يا أبَتي؟«، أجابَ العَجوز: »لا عَدَدَ يُحصى لهُم يا بُنَيّ«.
فحينَئِذٍ قالَ إبراهيمُ: »يا أبَتاه، فماذا أفعَلُ إن أنا عَبدتُ إلَهاً }91{ فأرادَ بي ]إلَهٌ[ آخَرُ شَرّاً لعَدَمِ عِبادَتي إيّاهُ؟  فعلى أيِّ حالٍ لا بُدَّ أن يقَعَ بينَهُما شِقاقٌ، فيشتَجرُ النِّزاعُ ما بينَ الآلِهة.  وأيضاً لعلَّ الإلَه الذي يُريدُ بي شَرّاً يقتُلُ إلهي، فماذا أفعَلُ؟  لا رَيبَ أنَّهُ يقتُلُني أنا أيضاً«.  أجابَ العَجوزُ ضاحِكاً: »لا تَخَفْ يا بُنَيَّ، لأنَّهُ ما مِن إلَهٍ يختَصِمُ مع إلَهٍ آخَرَ، كلاّ، فإنَّ في الهَيكَلِ الكبيرِ أُلوفاً من الآلِهة مع الإلَه الكبيرِ بَعْل، وها أنا ذا الآنَ بلَغتُ نحوَ السَّبعينَ سَنَةً من العُمرِ، ومعَ ذلكَ لم أرَ قَطّ إلَهاً ضَرَبَ إلَهاً آخَرَ.  وحَتماً ليسَ كلُّ النّاسِ يعبُدونَ إلهاً واحِداً، بَل يعبُدُ واحدٌ إلَهاً، وسِواهُ إلَهاً آخَر«.


([1]) قصّة إبراهيم (عليه السلام) هذه هنا لها أهميّة نصّيّة كبرى، ونلاحظ فيها تفاصيل تتوافق مع هَجَداه »المدراش« (شرح لنصوص تاريخية وأخلاقية وردت في التُّوراه وفسّرها فقهاء اليهود).  وفي المِدراش رواية كاملة لحكاية إبراهيم: מעשה אברהם »مَعَسِّيه أبرَهـام«.  وفقرتا تحطيمه أصنام أبيه وإلقائه في النّار ليستا في متن التُّوراه أصلاً.  انظر كتابنا: »التلمود«، ص 81-103، وسننقل منه أدناه فقرات ترجمناها من قصّة إبراهيم للمقارنة.
*أحمد
16 - نوفمبر - 2007
الفصل السادس والعشرون- تتمة 3    كن أول من يقيّم
 
أجابَ إبراهيمُ: »فإذاً ثَمَّةَ وِفاقٌ فيما بينَهُم؟«، قالَ الأبُ: »نَعَم يوجَد«.  فقالَ إبراهيم: »يا أبي، أيَّ شيءٍ تُشبِهُ الآلِهة؟«، أجابَ الشّيخُ: »يا جاهِل، في كلِّ يومٍ أصنَعُ إلَهاً، أبيعُهُ للآخَرين لأشتريَ خُبزاً، وأنتَ لا تعرِفُ كيفَ تكونُ الآلِهة!«.  وكانَ في تلكَ الأثناء يصنَعُ صَنَماً، فقالَ: »وهذا من خَشَب النَّخلِ، وذاكَ من خَشَبِ الزَّيتون، وذاكَ الصَّغيرُ من العاج انظُرْ ما أروَعَهُ!  ألا يَبدو وكأنَّهُ حَيٌّ؟  حقّاً إنَّهُ لا يعوزُهُ إلا الأنفاس!«.
أجابَ إبراهيم: »إذاً يا أبي ليسَ للآلِهة أنفاسٌ؟ }92{ فكيفَ يَهَبونَ الأنفاسَ إذاً؟  وطالَما أنَّهُم بغَيرِ حَياةٍ كيفَ يَمنَحونَ الحياة؟  من المؤكَّد يا أبي أنَّ هؤلاءِ ليسُوا هُمُ الله«.  فحَنِقَ الشَّيخُ لهذا الكلام، قائِلاً: »لو كانَ لكَ من العُمرِ ما يَكفيكَ للإدراك، لَشَدَختُ رأسَكَ بهذِه الفأس، ولكن فلتَصمُتْ إذْ لا إدراكَ لكَ!«.  أجابَ إبراهيم: »يا أبي، إذا كانَتِ الآلِهةُ تُساعِدُ على صُنعِ الإنسان، فكيفَ يقدِرُ الإنسانُ إذاً على صُنعِ الآلِهة؟  وإنْ كانتِ الآلِهةُ مَصنوعةً من خَشَبٍ، فإنَّ إحراقَ الخَشَبِ لَهو خطيئةٌ كُبرى.  ولكن قُلْ لي يا أبَتِ، طالَما أنَّكَ قد صَنَعتَ هذا العَدَدَ الكبيرَ من الآلِهَة، كيفَ لم تُساعِدْكَ الآلِهةُ على صُنعِ أولادٍ كثيرينَ آخَرين فتصيرَ أقوى رَجُلٍ في العالَم؟«.
فاحتَدَمَ غَيظُ الأبِ لمّا سَمِعَ ابنَهُ يتكَلَّمُ هكذا.  وتابَعَ الابنُ قائِلاً: »يا أبَتِ، هَلْ أتى على الدُّنيا حِينٌ لم يكُنْ ثَمَّةَ بَشَرٌ فيها؟«، أجابَ الشَّيخُ: »نَعَم، ولِماذا؟«.  قالَ إبراهيم: »لأنّي أودُّ أن أعرفَ مَن صَنَعَ الإلَهَ الأوّل«.  قالَ الشَّيخُ: »أغرُبْ الآنَ عن بَيتي!  ودَعْني لأصنَعَ هذا الإلَهَ بسُرعة، ولا تُكلِّمَني بشيءٍ، فمتى كُنتَ جائعاً فإنَّكَ تَشتَهي خُبزاً وليسَ كلاماً«.  فقالَ إبراهيم: »إنَّهُ لإلَهٌ عَظيمٌ حَقّاً هو هذا الذي تقصُبُه كيفَ تَشاء وهو لا يملِكُ لنَفسِهِ مُدافَعَةً!«. 
*أحمد
16 - نوفمبر - 2007
الفصل السادس والعشرون - تتمة 4    كن أول من يقيّم
 
فغَضِبَ الشَّيخُ عندَئِذٍ، وقالَ: »إنَّ العالَمَ بأسرِهِ يقولُ إنَّهُ إلَه، وأنتَ أيُّها الجاهِلُ تقولُ لا.  فوَآلِهَتي، لو كنتَ رَجُلاً لكُنتُ قتَلتُكَ!«.
}93{ وبعدَ أن قالَ ذلكَ، كالَ لإبراهيمَ اللَّطمَ والرَّفسَ وطَرَدَهُ من البيت«([1]).
*  *  *


([1]) نصّ الهَجَداه كما ترجمناه عن العبريّة (راجع كتابنا: التلمود كتاب اليهود المقدّس): عندما بلغ أبرام الخمسين من العمر أبصر الاثني عشر صنماً المتوسّدة مكان الشّرف في دار أبيه، استطار الغيظ في نفسه وآلى على نفسه: »بالله الحَيّ، لئن لبثتْ هذه الصّور ها هنا ثلاثة أيام أُخَر، فليجعلني ربّي الذي خلقني واحداً منها«. 
     خفّ أبرام إلى أبيه الذي كان مُحاطاً ببطانته، فسأله قائلاً: »أخبرني يا أبتي، أنّى لي أن أجد الله الذي خلق السّموات والأرض، وخلقكَ وخلقني وخلق البَريّة أجمعين في هذا العالم؟«.  فأجاب تارَح: »يا بنيّ، خالق الكائنات موجود معنا هنا في الدّار«.  قال أبرام: »فأرنيه إذاً يا أبتاه«.  فاصطحب تارَح أبرام إلى حجرة داخلية، وأشار إلى الأصنام الاثني عشر وأخرى عديدة أصغر منها حولها، قائلاً: »هذه هي الآلهة التي خلقت السّموات والأرض، وخلقتكَ وخلقتني والعالمين أجمع«.
     فقصد أبرام أمّه قائلاً: »يا أمّاه، قد أطلعني أبتي على الآلهة التي خلقت الأرض وكلّ ما عليها، فأرجو منك أن تهيّئي لي جَدياً لأقدّمه قُرباناً لآلهة أبي، كيما تأكله وتتلقّاه بعين الرّضا«.  ففعلت أم أبرام كما طلب، وقدّم أبرام الطعام أمام الأصنام، لكن أيّاً منها لم يمدّ يده ليأكل.  فقال أبرام ساخراً: »ربما لم يلاقِ مذاقُها مزاج الآلهة، أو لعلّ كميّة الطعام هزيلة.  سأقدّم قرباناً أكبر، وأجتهدُ أن يكون أشهى«.
     في اليوم التالي طلب أبرام من أمّه أن تهيّئ جَديين، بخير إتقان، فلمّا قدّم ذلك أمام الأصنام وجد النتيجة ذاتها التي رآها في اليوم الفائت.  تعجّب قائلاً: »ويلٌ لأبي ولهذا الجيل الضالّ، ويلٌ لمَن تميل قلوبهم إلى الزّيغ والباطل فيعبدون صوراً بكماء لا تحسّ، فلا هي تشمّ ولا تأكل ولا تنظر ولا تسمع.  لها أفواه ولا تتكلّم، لها أعين ولا تُبصر، لها آذان ولا تسمع، لها أيدٍ ولا تتحرّك، لها أرجل ولا تمشي«.  فاستلّ حديدةً وراح يكسّر بها الأصنام جميعها ما خلا واحداً، وضع بيده الحديدة.
     تناهت ضجّة الفعل إلى أذني تارَح، فهرع إلى الحجرة حيث ألفى الأصنام المحطّمة والطعام تقدمة أبرام مُزجىً أمامها.  فصرخ بغضب ونقمة في وجه ابنه: »ما هذا الذي فعلته بآلهتي؟«.  فأجاب أبرام: »قد جلبتُ لها طعاماً شهيّاً، وإذا بها تمدّ أيديها إليه بشراهة دفعةً واحدة، كلّها ما عدا كبيرها، أزعجه جشعها، فلم يُمسك نفسه أن استلّ تلك الحديدة التي بيده وراح يحطّمها جميعاً«.
     أجاب تارَح بغضب: »كذبٌ ما تقول، ألهذه الصّور نسمة حياة لكي تتحرّك وتفعل كما تدّعي؟  ألم أصنعها بيدي هاتين؟  فكيف يمكن لكبيرها أن يحطّم الأصغر منه؟«.  فردّ أبرام: »إذاً فيمَ عبادتُك آلهةً لا تحسّ ولا تقوى على شيء؟  آلهةٌ لا تقدر على معونتك فيما تحتاج، ولا تسمع دعاءك؟  ألا ساءَ ما تفعل وما يفعل أمثالك من عبادة صُوَر حجر وخشب، ناسين الله ربّنا خالق السّموات والأرض وكلّ ما بينهما.  إنكم لَتجرّون على أنفسكم الخطايا ذاتها التي جُوزي بها أجدادكم بمياه الطّوفان.  فلتكفّ يا أبتاه عن عبادة هذه الآلهة، قبل أن يحلّ السّخط بروحك وأرواح أهل بيتك! «.
*أحمد
16 - نوفمبر - 2007
 11  12  13  14  15