البحث في المجالس موضوعات تعليقات في
البحث المتقدم البحث في لسان العرب إرشادات البحث

مجلس : الأدب العربي

 موضوع النقاش : نون النسوة فى مسيرة الإبداع الفنى والفكرى والأدبى0    قيّم
التقييم :
( من قبل 10 أعضاء )

رأي الوراق :

 عبدالرؤوف النويهى 
30 - أبريل - 2007
عبر سنوات طويلة ،شاركت المرأة العربية المثقفة  بإبداعاتها المتميزة الرصينة الراقية  فى مسيرةالفن والأدب والفكر العربى ،ولم تقف مكتوفة الأيدى ، بل كانت شاعرة وناقدة وقاصة وباحثة فى مجالات العلوم المتنوعة ومناضلة فى المعترك  السياسى وناشطة فى الميدان الإجتماعى ، وبرعن براعة، تأخذ بالألباب وتسكر العقول 0فى أحضانهن ترعرعنا ،وعلى أيديهن تعلمنا ،وإليهن كل التقدير والإحترام 0
لن أنسى مارى زيادة وبنت الشاطىء ونازك الملائكة وفدوى طوقان وجميلة بوحريد ولطيفة الزيات وأم كلثوم وفيروز ومئات الأسماء المشرقات فى سماء وطننا العربى الكبير 0
 فليكن هذا الملف تذكارا  لإبداعهن ، وتقديرا  لدورهن ، وعرفانا بفضلهن على مدى الأجيال0
 6  7  8  9 
تعليقاتالكاتبتاريخ النشر
رواية "البنت التى تبلبلت " ضياء العلى . (11)    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم
 
الفصل الثامن
مذكرات  8
في الطريق إلى الجحيم
 
 
 
  " شخص واحد هو من تفتقده ، ويصبح العالم خواء .........."             
                                                                      لامارتين  
   
                                       الرسالة الثامنة   
                                          رأسي الصغيرة 
     عزيزتي صفاء :
 
  عدت إليك لنستكمل ما انقطع بيننا من حديث ، ربما أكون قد تأخرت بعض الشيء ، فقد شغلتني عنك هموم الحياة اليومية ، التي نستلهك عمرنا في تصريفها . ما أشقانا بها !
 " نعم ! " ، عزيزتي ، قال " نعم ! " بكل بساطة ، وأناقة ، وفتور ..........
    ولم أعد أسمع شيئاً ! تلك الكلمة ، قطعت حبل الكلام ! قطعت حبل الشوق ، وحبل الوداد ،  وحبل الرغبة ، وكل الحبال التي كانت موصولة بيننا حتى تلك اللحظة ........  للتو ، شعرت بأنني ذبحت من الوريد إلى الوريد ! كما قربان المعبد ، ذبحت ! وراحت روحي تنتفض داخل  جسدي ، الهامد هو كلية ، كأنه ميت ..............  كان من الصعب علي احتباسها في داخلي ، روحي القتيلة ، لأنها كانت تنوح وتتلطم في حنايا صدري . روحي التي نزعت حجابها ، وشعثت شعرها ، وشقت قميصها، وصارت تنتفض كالملسوعة ، تركض وتتدافع  بداخل صدري ، تريد أن تخرج منه  ........ كرهتها ! كرهتها واحتقرتها ، وتمنيت لم أجهز عليها فأرتاح .......  ثم ، لا أدري كيف ، عقلتها ! كالفرس الجموح كانت تصهل وتتطاوح ، وعقلتها ! وذلك بأن أهرقت عليها أسيداً حامضاً من أحقاد نفسي الغاضبة ....... قلت لها :  " موتي ! "  أو " اهمدي ! " ، فهمدت ...  كأنني كنت أنا جدتي لما كانت تنهرني من بعيد ، بينما أحاول بأن أتسلق الشجرة ، ترمقني  بعينيها الصغيرتين الثاقبتين وتلوح لي بإصبعها وهي تقول : " اهمدي ! " فأهبط  للتو . أنصاع خوفاً ورهبة ، وأهمد ......... هي ارتدت إلى دهاليز نفسي ، روحي الذبيحة ، واختبأت فيها كما الفأرة الصغيرة الخائفة ، وكانت ترتجف ...........
 بالكاد استطعت السيطرة على ذلك الارتجاج العنيف ، وحبست نفسي داخل نفسي ، حتى أخذت أشعر بدوار كبير، كأن العالم من حولي ، بدأ يتفتت وينهار ...  كأن جبلاً في داخلي ،  قد قض قضيضاً ........... فجأة ، بت لا أشعر بما يحيط بي من موجودات ، وسط  هذا الدمار العارم . صار الدمار لي وحدي . وصرت وحدي ،  داخل عالمي المتفتت من حولي ، المتفجر في نفسي ، وكان لا بد أن أبتعد عن هذا الجحيم ، وبسرعة  ..........
 لم أنتظر لكي نصل لقرب البيت ، نزلت في أول المدينة ، عند ساحة التل ، ومن هناك ،  استقليت سيارة أجرة لتوصلني ، مع أن بيتنا ليس بعيداً كما تعرفين ، إلا أن رجليَّ لم تكونا لتحملاني إليه ، ثم إنني خشيت أن يفجأني انفعالي وأنا في منتصف الطريق ..........
  بالفعل ، ما أن أغلقت على نفسي باب السيارة ، حتى انفجرت بالدموع . سيلاً جارفاً منها كان يتصبب من رأسي ومن عيوني ومن خياشيمي وربما من أذني أيضاً ......... صرت أمطر بالبكاء !
 كيف السبيل لإيقاف هذا الطوفان ? كيف أعود إلى البيت وأنا على هذه الحال ? سائق السيارة احتار في أمره وأضناه الفضول ، إلا أنه لم يتجرأ بالسؤال أبداً ، كأنه شعر بخطورة الموقف ، فتهيب عن السؤال . فتحت محفظتي لأدفع له أجرته وأنا أرتعد . فجأة ، رأيت أميري المزعوم داخل المحفظة : أطل علي منها في صورة له على بطاقته الجامعية التي كان قد أعطانيها ، منذ مدة ، لأسجله للامتحانات القادمة . كان يبتسم ! لم أطق ساعتها أن أراه يبتسم داخل محفظتي ، وتولد عندي شعور غامض وكأنه يسخر مني ........... كل الناس تبتسم في الصور، لكنني كنت بحاجة لعذر وقتذاك  أبرر به فعلتي ..... وبتصميم عجيب ، تناولت البطاقة والهوية وطلب التسجيل وحتى الطوابع الأميرية التي كانت معها ، كلها بقبضة واحدة ، ثم ، فتحت شباك السيارة ، وألقيت بها إلى الطريق .......... سائق السيارة الذي كان يراقبني اندهش لدرجة جعلته يلتفت عدة مرات إلى الوراء ، ليتأكد بأن ما كان يراقبه في المرآة حاصل فعلاً .........
 أغلقت محفظتي بهدوء ، بعد أن دفعت له أجرته ، ثم ، ألقيت برأسي إلى الوراء على المقعد ، كأنني أرتاح من المهمة التي فرغت للتو من إنجازها ......... دموعي ، نشفت تماماً ، أنفاسي هدأت ، وصار بإمكاني العودة إلى البيت دون أن يلحظني أحد . بالطبع عزيزتي ، هذا الانتقام الساذج ، من رأسي الصغيرة ، لن يغير بطبيعة الحال شيئاً . هو ردة فعل آنية لإخفاء الشعور بالعجز ، يمنحك شعوراً خادعاً بالقوة ، وبأنك لا زلت قادرة على الفعل  والتأثير ،  وبأنك لا زلت تمسكين زمام الأمور ......... المشكلة  للأسف ، هي أعمق من هذا وأكثر تعقيداً .
  سنعود إليها في رسالتي القادمة فانتظريني ............
 
 
 
*عبدالرؤوف النويهى
11 - أكتوبر - 2007
رواية "البنت التى تبلبلت " ضياء العلى . (12)    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم
 
الفصل التاسع
مذكرات 9
إلى الأمير المزعوم
 
 
  لا أنام ! الساعة الآن الواحدة بعد منتصف الليل .
 منذ رجعت إلى البيت وأنا في غرفتي لا أخرج منها .
  كتبت أوراقاً كثيرة عدت ومزقتها ، وبكيت كثيراً .
  ثم قررت بأن أكتب إليك ، أميري ، قاتلي :
  كم تمنيت لو أكتب إليك في يوم آخر ، غير هذا ، قبل هذا . لكنت قلت فيك شعراً ، ولست بشاعرة . لكنت قلت فيك شيئاً ، لم تسمعه مني أبداً ، لأنني لم أجد بيننا يوماً ، وقتاً ، لقول الحقائق .......... لا زلت أذكرهذا بأسف .
  منذ قليل ، سطرت فيك كلاماً جارحاً ، عدت ومزقته ، فهو انفعال وردة فعل . أكره بأن أكون تحت وطأة هذا الانفعال ، لكني أعانيه . مع هذا قررت بأن أتحدى نفسي ، وأفكر .....
  لن يكون من السهل علي ارتجال ما أريد قوله ، لذلك اخترت أن أكتبه ، لتوضيح ما يمكن أن يكون واضحاً لكنه غير معتبر .
  أحاول أن أستعيد كلامك حول الصداقة التي تجمعنا ? وحول كونك ترتاح لي ? وأن أستعيد عبارتك المشهورة التي لم تكف عن ترديدها دوماً بين المزاح والجد : " لا تحبيني ، لا تتعلقي بي ! " . فهل هذا فعلاً هو ما أردته ?
  الغريب هو أنك فعلت كل ما بوسعك لكي أحبك وأتعلق بك ، هذا طبيعي ، فهل تعرف رجلاً واحداً في هذا العالم ، يرغب بإمرأة ولا يتمنى أن تحبه وأن تتعلق به  . ألا ترى معي أن في ما تقوله تناقضا فاضحا ? وكيف يمكن أن تنشأ بيننا علاقة فيها كل هذه الحميمية ، دون أن تحبني وأحبك ? لو صدقتك أنا ، وهو ما حاولته فعلاً ، فهل ستصدق أنت نفسك ? وكيف سنسمي هذه العلاقة الغريبة برأيك ? صداقة ? أية صداقة سوف تصمد أمام كذبة كبيرة كهذه ?
عيشتني في خوف كبير ، وشككتني في أن يكون لي الحق في أن أحب ، كبقية الناس ........ وكان يشقيني أن أراك متألماً ومنزعجاً . رغبت بصدق في أن أشاركك همومك وأخفف عنك أتعابك ، لكنك وضعت حاجزاً كثيفاً بيننا . طريقتك الغريبة والملتوية لعزلي عن عالمك الخاص ،  حالت بيننا . تريد أن تتقرب مني بمشاكلي أنا ، وتخترق حصوني كلها ، ثم تخاف على ما يخصك ? رغم كل الصدق الذي جئتك به وتخاف ? بأي منطق تعيش ?
 لماذا تقربت مني ? ثم ابتعدت عني ? ثم ترددت ذهاباً وإياباً حتى أعيتني أفكاري بالسؤال عن أحوالك ? ما الذي اكتشفته بعد فوات الأوان ? عندي ? عندك ? وما الذي أخافك فعلاً مني ? أن تحبني أم أن أحبك ? وسؤال أخير لا يحتاج إلى عميق تفكير : هل تعتقد أنه يوجد ما هو أغبى ، وأعقد ، وأشد إيلاماً من هذا النفاق الذي عشنا فيه  ?
لو كنت واضحاً وصريحاً منذ البداية ، لكنا وجدنا ألف طريقة لكي نلتقي ، أو نفترق بسلام ، واحترام ....... لكن خوفك ، أو ربما ، تعاليك على الحقيقة ، أو ربما هو ترددك الذي يخفي طمع   الذئاب ، ما أفضى بنا إلى هنا . أحدثت في قلبي جرحاً لن يندمل ! آلمتني بقوة النمور ، وتخليت عني بغدر القطط .
 
 
                                                   الرسالة التاسعة     
                                                 الحقيقة " عارية "
 عزيزتي صفاء :
 سلام جميل لك بهذه الصبيحة أقضيها معك ، ومع ذكريات موجعة ، ظننت أحياناً بأنني تخلصت من تأثيرها ، إلا أنني أستنتج بأنها حفرت في أعماقي شقوقاً ، ظلت ناتئة إلى اليوم ........
 تلك الصدمة ، تلقيتها بألم شديد دفعني للانعزال مدة في البيت . ومع أن الاكتئاب كان بادياً على وجهي ، ومع أنني بقيت غالب الوقت معتكفة في غرفتي ، إلا أن أحداً لم يسألني عما بي . كانوا قد اعتادوا مني على هذا . وكنت كلما تسليت قليلاً ، وقررت التركيز على دروسي ، كان يأتي جرس الهاتف ليعيدني إلى حالتي الأولى :  كنت أنتفض لرنينه بشدة ، ويعود قلبي إلى الخفقان ، ويعاودني الاضطراب من جديد . كنت أتوقع في كل مرة بأن يتصل بي ، لكنه لم يفعل ........ 
 
  بعد حوالي أسبوع ، اتصلت بي صديقتي " زاهية " لتستعلم عن أخباري ، ولتسألني لماذا تغيبت عن اجتماع الخلية ? استنتجت منذ اللحظة الأولى أنه كان بقربها ، وأنه كان يلقنها السؤال . اعتذرت بأنني مشغولة بالتحضير للامتحانات ، ووعدت بالحضور في الأسبوع القادم ، خصوصاً وأنهم كانوا بحاجة لأوراق كانت بحوزتي ، ولدفتر المحاضر .
 وجاءت هذه الصديقة لزيارتي بعد يومين ، وكانت قد استغربت أحوالي  وأحواله هو أيضاً ، فهي تعرفه جيداً ، بسبب أنهم يسكنون في نفس الحي . ووجدتني ولأول مرة أتحدث فيها بالموضوع . كنت بحاجة لأن أبوح بسري لأحد . لم أدخل في التفاصيل ، لكنني أخبرتها فقط بأنه يوجد بيننا رابط هو أكثر من صداقة ، وأقل من علاقة دون أن يكون واضحاً ............ دهشتها كانت كبيرة ، لم تكن تتوقع أبداً شيئاً كهذا . ثم بدأت الأمور تتوضح لها بالتدريج وأخبرتني بأنهم في بيتهم يظنون بأنه مريض ، لأنه يصاب بين الحين والآخر بحالة إغماء فجائية ، يستفيق منها بعد دقائق ، دون أن يذكر ما حصل معه . 
كنت أريد أن أعرف أكثر . سألتها عن خطيبته وسبب اختفائها ، فأكدت بأن أحداً لم يرها منذ شهور طويلة ، وأنها مقيمة عند أختها المتزوجة في صيدا . طلبت إليها بأن تستفسر عن السبب ، ولم يطل بي الانتظار سوى أيام لتخبرني بأنها علمت بأنهما قد عقدا قرانهما بالسر ،  وأنها حامل منذ عدة شهور .
 لم يكن بإمكاني تخيل سيناريو أكثر سواداً من هذا . شعوري بالذنب تضاعف حيال تلك التي يجب بأن تكون غريمتي ، وأنا في الحقيقة  كنت دائماً أستلطفها وأكن لها الاحترام . تضاعف عندي الشعور بالمهانة والغضب الشديد ، وتملكتني كراهية واحتقار لنفسي عذبني طويلاً .
عادت الوساوس تنهش صدري والندم يأخذني بعيداً ، ولم أعد أجد مبرراً لفعلتي إلا تلك الرغبة الجامحة التي دفعتني دفعاً نحو هذا الوضع  المشين . كرهت نفسي ، كرهتها وتهاوت أمامي كل الصورة البراقة عن تلك البنت الرقيقة المثالية التي كنت أعرفها ............ كنت شريكة في جريمة خيانة ليس لها أي مبرر إلا الضعف والتردد . لو أن واحدة من صديقاتي حكت لي  مثل هذا الكلام فماذا اقول لها ? وكيف أحكم عليها ?
داخلي كان يفور بألف سؤال كلها ملامة . داخلي صار ملعباً للأفكار العقيمة التي تحاول أن تفسر وتبرر ما هو واضح وصريح . قصاصي كان رهيباً وموجعاً لدرجة أنني لم أعد قادرة على ترتيب الأمور في  داخلي المهزوز . اختل الميزان ، لم يعد هناك تطابق بين ما أعتقده وأقوله في الواقع ، وما أفعله بالحقيقة . شرخ كبير تسلل إلى قناعاتي التي كانت مطلقة ، حتى ذلك الحين ، وعن مدى جديتها . اهتزت ثقتي بنفسي ، ولم أعد أعرف من أنا . تبلبلت !
حالة مزرية هذه لا أعرف إذا كنت نجحت ، في وصفها لك .
سأتركك الآن لأن موعد انصرافي قد حان وأعود إليك غداً بحسب تقديري ، فإلى الغد .
 
 
 
*عبدالرؤوف النويهى
11 - أكتوبر - 2007
رواية "البنت التى تبلبلت " ضياء العلى . (13)    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم
 
 
                                            الفصل العاشر
                                             مذكرات (10)
                                              أختار غداً ! .....
 بالأمس ، رأيته بالصدفة ........ كنت قد مررت إلى المركز ، لأستعيد بعض المراجع التي تلزمني في التحضير للامتحانات ، كنت قد نسيتها هناك . كأنه ليس هو ! صوته جاف ، قاس ، متوحش ........ لم أكلمه إطلاقاً ، كان يتحدث مع الآخرين .
حس بالهزيمة ، بالكراهية ، بالرغبة في الهروب ........  الساعة الآن الثانية بعد الظهر ، سأراه عند الثالثة ، لدينا اجتماع دوري سوف أحضره للمرة الأخيرة . حسمت أمري هذه المرة ولن أتراجع . يجب أن أوقف هذه المهزلة بأي ثمن . يجب أن يتوقف كل هذا العبث ولن يكون ذلك إلا على حسابي .
 لا أريد الاستسلام لهذا الشعور المدمر ، لكن كيف أقاوم ? أنا خلقت هكذا ، كومة من الانفعالات ، فكيف أغير نفسي ?
 قبل أيام اتصل بي البديل ، فرحت به كثيراً ! كانت هدنة وسعادة حقيقية بأن نلتقي على التلفون لبعض الوقت . تحدثنا مطولاً في كل الأخبار ، وضحكنا ....  كنا سعيدين كما طفلان يلعبان لعبة مسلية . فرحت به فعلاً لكن ، ما إن أغلقت سماعة الهاتف حتى عدت إلى حالتي الأصلية . أرتاح لوجودي معه ، ولا أستطيع أن أحبه كما الآخر . أشعر بالذنب نحوه أيضاً .  طلب أن يراني من جديد مع أنني لمحت له عن سبب ابتعادي عنه . كيف أوقف هذه المهزلة ? هل سأجد القوة لهذا ? هل سأستطيع ?
 تحضرني  كلمات أحبها للشاعر عبد العزيز المقالح :
" طال مخاض الأيام
  ماذا يخفي البطن المنفوخ ?
  جبلاً ? فأراً ?
  ما بين الفأر الواعد والجبل الموعود
  ما بين الأمس القاتل
  واليوم المقتول
  ماذا تختار ?
  أختارغداً ! "
 
 
                                                  الرسالة العاشرة    
                                                       الطريدة
 عزيزتي صفاء :
 عدت إليك عزيزتي ، وسأحكي لك ما جرى في ذلك اليوم الأخير الذي رأيته فيه ، رغم شعوري بأنني قد خيبتك بما فيه الكفاية . أكيد ، بدون شك خيبتك ، كما خيبت نفسي أيضاً ، لكن اصبري واسمعي المزيد ، لعلك  تفسري لي ما عجزت عن تفسيره .
عندما وصلت إلى مقر الاجتماع ، ورأيته ، شعرت كأنه كان بانتظاري . حالته  كانت مزرية تماماً ، بادي القلق والوجوم ، رث الثياب والهيئة ، طويل الذقن ، كأنه لم يستحم منذ أسبوع . جربت أن أتحاشى النظر إليه ، لكي لا أبدي تأثري بمنظره الحزين .......... هي أول مرة أراه فيها على هذا الهندام  ....... كنت أراه يختلس النظر إلي من بعيد ، وكنت ألمح في عينيه ،  شيئاً من الانكسار ......... 
  في تلك الجلسة ، اختصرت الكلام قدر استطاعتي ، كي لا أقول أكثر مما ينبغي ، وكي لا تفضحني نبرة صوتي المترددة . لساني لم ينطق بالكثير ، لكن عيوني لا بد كانت تتكلم ، ........ هيهات لمن كان مثلي أن يعرف كيف يخفي عواطفه . هذا تعرفينه عني ولا داعي لأن أشرحه له لأنك تعرفين أيضاً بأن لا سلطة لي عليه .
 بعد انتهاء الاجتماع ، لملمت أوراقي ، وكنت قد حزمت أمري .  سلمتهم دفتر محاضر الخلية ، ودفاتر الحلقات التي كنت أشرف عليها ، وأعداد المجلة المتبقية عندي ، وكنت قد أعلنت خلال الاجتماع عن تعليق عضويتي لفترة لم أحددها . لم يناقشني أحد . كان ذلك متوقعاً منذ وقت طويل، وقد دار حوله بعض النقاش سابقاً وكان منتظراً . توجهت بعدها إلى الباب الخارجي أريد الانصراف . كنت قد فهمت بمجرد أن وقع نظري عليه ،  أن أية مواجهة بيننا لن تكون مجدية بعد اليوم ، فهو يبدو مقراً بذنبه ومستسلما سلفاً . ووجدته يلحق بي ويستوقفني عند الباب الخارجي ،  ليسألني عن أوراق الجامعة ، وإذا كانت لا تزال معي ?
  ـ " رميتها ! "  قلت بقسوة ، و بدون أن ألتفت .
انتظرت الجواب خلف ظهري . لا شيء ، لا جواب .
 كنت قد تخيلت هذا الموقف ، مرات كثيرة في رأسي الصغيرة ، وتخيلت ردات  فعله بكل الوجوه : توقعت أن يزعل ، أو أن يثور، أو أن يتعجب ، أو حتى أن يسألني " لماذا رميتها ? " . لكن لا  شيء ، لا ردة فعل ......... ضاعت منه امتحانات هذه السنة ، وسيتكلف الكثير من المشقة لاستبدال الأوراق المفقودة ، ومع هذا لا يبدو أن الموضوع يهمه من قريب ولا من بعيد . سيان !
 كنت أهم بالانصراف من جديد عندما سمعته يقول باستسلام :
 ـ " منشوف شو منعمل !"
انصرفت ، بدون التفات ، وبدون تعليق ، فأنا أيضاً نسيت كل هذا ، أنا أيضاً الأمر عندي سيان ،  ولم يعد يهمني شعوره أو ردة فعله حيال الموضوع . نسيت انتقامي الصغير ، ونسيت كل التفاصيل الأخرى ... رؤيتي له على هذه الهيئة أنستني حقدي كله ، بل .... يبدو أن شعوري بدأ يميل إلى الصفح والرحمة ! كدت أنسى عذابي كله لما رأيته متألماً ............  استعجلت بالهروب قبل أن تفضحني عيوني لأنني في عمقي ، صرت أتمنى لو كان باستطاعتي أن أحضن رأسه بين ضلوعي وأن أمسح بيدي عليها لعلي أخفف عنه بعض آلامه ............. ستقولين " مجنونة ! " . بلى ! هو كذلك ، عزيزتي ، لكنها الحقيقة !
 عندما صرت أهبط الدرج ، شعرت به من ورائي يتبعني ، لكنني تجاهلته ولم ألتفت . صرت أمشي في الطريق نحو البيت  دون أن أستدير خلفي ، وظل ورائي يتبعني . قطعت ساحة الكورة نحو ساحة التل ، ثم توجهت نزولاً  نحو مبنى البلدية ، وأنا لا أزال أشعر بخطواته خلف ظهري ........... صرت أحث السير أريد أن أبتعد وكأنني فعلاً ملاحقة ......... كأنني أهرب ???  قلبي صار يخفق بشدة ، فهل أنا فعلاً مطاردة ? ............. هذا الشعور الغريزي بالخوف يبدو لي اليوم غريباً ولا أجد له مبرراً إلا في كونه شعور الطريدة الذي يستيقظ فينا لمجرد توفر الشرط المنبه له ........ انفعالي كان شديداً وبالكاد كنت أحبس دموعاً تريد أن تطفر من عيوني . كان كلما اقترب بخطواته نحوي ، كلما ازدادت نبضات قلبي خفقاناً ، والخوف مني تملكاً ، حتى كاد يشلني . خطواته ، كانت تغير علي كما غزو المغول ، وفي داخلي ريح صرصر تبلبلني ، وتحيلني إلى بعثرتي الأولى .
إرادتي ، صارت موزعة بما يشبه الانشطار : رغبتان عرفتهما بالفطرة الأولى، ودون أن أضيف إليهما شيئاً من تجارب التاريخ الطويل ....... غريزتان متضادتان تتصارعان في داخلي بما يشبه ارتطام النو بالموج الهائج ...... في لحظة اقتتال الأضداد الطاحنة هذه ، يغيب العقل تماماً ، ونعود إلى خطوات وجودنا الأولى وكأننا لا زلنا حيوانا يسكن في العراء ..........  رغبتان لا زالتا تتقدان في نفسي منذ عصر ما قبل التاريخ وتؤججان  فيها حمى الإنشطار ، واحدة للحياة وأخرى للموت . ذاكرة الوجع الأولى   استيقظت ، وأعادت غرس بذور الدمار السحيق .......................
 شيء ما كان يدفعني للتمرد ، للانقضاض ، للمواجهة . كأن أقف في وسط الطريق ، دون خوف ، دون حياء ، أن أنتصب أمامه بقوة وعزم ، أن أصرخ في وجهه بكل ما أوتيت من شراسة :
" ماذا تريد مني بعد الآن ? ألا يكفيك كل ما حدث ? ابتعد عن طريقي فأنا لا أريد أن أرى لك وجهاً بعد اليوم . " أن أصب جام حقدي وغضبي كله فوق رأسه . أن أحرق كل أمل عنده في أن يراني أو أن يقترب مني بعد الآن . أن أفرغ شحنتي العصبية المدمرة كلها عليه لتصعقه كالصاعقة ، وربما بالمرة أردته قتيلاً ، فأرتاح ...........
لكن رغبة أخرى كانت توازيها ارتفاعاً كانت تدفع بي نحو الاستسلام . كنت أتمنى لو ألتفت إليه ، أن أراه أمامي صامداً كالجبل الكبير ، ملجأي ومثواي ......... أن أرتمي بين ذراعيه مرة أولى وأخيرة .... سأبكي كثيراً وأتضرع وربما أذوب من البكاء ، وأختفي كلية ، فلا يعود يبقى مني أثر ليحلم ، أو يتألم ، أو لتسكنه الهواجس ......... لا يعود بي أثر للحياة ، أو جسد مهترئ أعود به إلى البيت . في هذه اللحظة التي كنت فيها الطريدة ، كنت أتمنى بأن أختفي عن العالم !
 كنا قد أصبحنا بقرب الإطفائية وبجانب مدرستي التي تربيت فيها ... ولحظتها ، شعرت بيد الصياد تطبق بقوة على معصمي ، وتشد عليه بتوسل :
 ـ " اسمعيني  "سيرة " ، يجب أن أقول لك شيئاً ، أعطيني خمس دقائق ... "
 كان الصوت متضرعاً ، متهدجاً وعلى حافة البكاء أيضاً . أين ذهب  الصياد ? سألت نفسي . هذه نبرة آدمي قلت في روحي وأنا أنتزع يدي من يده بعنف وأقول :
 ـ " لا أريد أن أعرف شيئاً ، لم يعد هناك أي لزوم لذلك . "
 ـ " تعالي معي لعند " كميل " ، سنتكلم هناك . أعطيني عشر دقائق  
فقط ، أريدك أن تعرفي شيئاً مهماً ، عشر دقائق فقط ولن تتأخري أكثر ... "
 أعتقد بأنني أعرف كل ما سوف يقوله ! ما هم ما سوف يقوله بلحظتها ? البيت خال ، وصديقه مسافر ........  سيقول أشياء تريحني ، تمسح الدمع من عيني لحظة . مجرد أن أقبل بالذهاب معه معناه أنني أعطيه فرصة جديدة . معناه أن أقبل كل الوضع الذي أعرفه والذي سأكون فيه الضحية .  بلحظتها سوف أنسى كل شيء : كل الإهانات والحماقات وكرامتي الجريحة  وحتى المستقبل الكالح الذي سوف ينتظرني سوف أنساه ، ولن أتذكر إلا أنني أحبه وبحاجة إليه ، وأنني تعبت من كل هذا وأريد أن أرتاح من عنادي بأي ثمن ........ أية قوة في العالم ستمنعني عنه ، وتمنعه عني لو التقينا بلحظتها ? سيكون انتصار الطبيعة فينا أقوى وأبلغ من أي كلام . أية إرادة سوف تقاوم بلحظتها كل هذا الجوع الذي راكمناه ، واحدنا للآخر ، حتى صار يعوي فينا كما الذئاب الجارحة ?
ستكون بدون شك ، دقائق إلهية ! أحلق فيها بين النجوم وأرتقي السماء السابعة بومضة عين . ثم ، أهوي بعدها إلى قعر الهاوية ........... هي لحظة واحدة ، كانت كافية لإرسالي إلى الحضيض . كان يجب أن أذعن مرة واحدة وأخيرة ، لتكون السعادة ملك يدي ، لحين ...,...  ثم يكون الشقاء من نصيبي ، وللعمر كله . لو قلت : " نعم " ، وقتها لعبرت نهائياً إلى الضفة الأخرى وبلغت نقطة اللا رجوع .
 
  لكنني لم أفعل . لا أعرف كيف أوتيت كل هذا العناد والإصرار . لا أعرف كيف فكرت بكل هذا ، ودفعة واحدة . هل أنا فكرت فعلاً ? هل أنا قررت فعلاً ? لا ، لا أعتقد ، عزيزتي ، بل أظنه الخوف هو من فكر عني ، وقرر عني . الخوف الذي لم تزعزعه الأفكار ولا النظريات ولا تغيرات الظروف . الخوف الذي دجنا به غريزتنا ، تماماً ، كما دجنا الجمال ........
أذكر بأنني انتزعت يدي من يده ، ومشيت نحو بيتنا !
لم ألتفت ورائي أبداً . صرت أبتعد عن مكان موتي ، والخطوات على دربي تتعثر ، وتتطاوح ...... القلب كسير ، والعين حبلى بالدموع ، كأنني كنت أسير في جنازتي . في ذلك اليوم ، كنت أنا الشهيد الذي لم يمت ! لم يحملوني على الأكتاف ، ولم يزغرد لي أحد ، إلا أنه في ذلك الوقت الذي كادت تغيب عنه الشمس ، جريمة ما كانت قد وقعت ، وكنت فيها القاتل ، وكنت المقتول ..........
أستمحيك عذراً ، صفاء ، إلا أنني سأذهب . سأرتاح طويلاً لكي أستعيد هدوئي ، لكنني سوف أعود . لا بد أن أعود لأكمل لك ما بدأناه ، فانتظريني . إلى اللقاء .
 
*عبدالرؤوف النويهى
11 - أكتوبر - 2007
رواية "البنت التى تبلبلت " ضياء العلى . (14)    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم
 
 
                                 الفصل الحادى عشر
                                      مذكرات(11)   
                                   في انتظار الموت ! 
 
 تعبت ، ........ مضت حوالي النصف ساعة ولم يحصل أي شيء ، ...... لا أشعر بأي تغيير . حتى الموت يجب أن أجهد في انتظاره ?
ضجرت ، ثم تعبت .......... سأكتب قليلاً حتى لا أضجر كثيراً ! إخوتي يتحدثون في الخارج ... أنا أحبهم ! نتعارك أحياناً لكني أحبهم . يضايقونني كثيراً لأنني أرغب بالعزلة فلا أجدها في بيتنا . يغيرون على عزلتي ، وعلى أشيائي الخاصة ، فلا تنجو منهم ثيابي ولا أدراجي ولا أقلامي ، وأحياناً لا أجد مكاناً أجلس فيه لأتفرج على التلفزيون  ........ لكنني أحبهم   وأجدهم رائعين ! كنت سأكون شيئاً حلواً مثلهم ، ربما ، لو كنت حييت ،  لكنني تعبت ! لم أعد أقوى على احتمال الألم ، وليس لي أمل بأية حياة طبيعية بعد اليوم .
 
  فكرت بالاتصال بصديقتي " أمال " لقتل الوقت . أحبها كثيراً وهي أول إنسان أشعر بصداقته فعلاً . لكني لن أفعل ! تأخر الوقت  .... أحب أمي كثيراً ، أمي امرأة شجاعة ! ........ هل تذكر يا أبي كيف  تتهكم عليها دائماً وتتهمها بالجهل والبساطة ? هي التي كانت معجبة بذكائك أيما إعجاب ، وهي من كانت تردد بتفاخر أنك : " تلمحها على الطاير !" ..... هل لمحت شجاعتها يا أبي ?  مسكين أنت فأنت لم تعد تلمح شيئاً ، حملك ثقيل وأنت مثلي لم تعد تحتمل ......... ما أشقانا  ! ما أشقى هذه الحياة التي نعيشها ! أنا حزينة يا أبي ، حزينة ولا أجرؤ على البوح بحزني لأحد ......... حزينة مثلك ولا أتكلم ، فأنا أحزن بصمت ، مثلك .......... لا أرغب بأن أسبب لكم الأذية لكنني عاجزة عن الاستمرار ....... عاجزة ، عاجزة مثلك تماماً على تغيير هذا القدر الملعون ..... ألهذا أنت حزين يا أبي ? ألهذا اخترت بأن تنتحر قليلاً في كل يوم ? ستموت بطيئاً بطيئاً ، وأنا أحسدك على صبرك هذا ! لن ينتبه إليك أحد ، ولن يعرفوا أنك قررت أن تغادر بطيئاً ! ليس لي صبرك يا أبي ......... كلنا مساكين ونداري ضعفنا ، ........ أكثر الناس مساكين ، حتى هؤلاء الذين يتحايلون على الحياة بخبث وشطارة ، حتى هؤلاء الذين يصبرون عليها  وينتظرون منها أن تنصفهم  يوماً ....... لن يحصل ، لن يحصل أبداً فهي " بنت كلب !" ...... لن يحصل وليس من عدل على الأرض ،  أكره هذا ولم أعد أحتمله ! أكره  كل ما أنا فيه وأريد أن اختفي عن هذا العالم ........
 
                                                 الرسالة الحادية عشرة    
                                                  طقوس الاغتسال الأخير
عزيزتي صفاء :
عندما رجعت إلى البيت من ذلك اللقاء الأخير ، كنت في حالة يرثى لها . تعمدت أن لا يراني أحد ، وتوجهت مباشرة إلى الحمام ، لأنه الملجأ الوحيد  " الآمن " في بيتنا .  أول ما فعلته ، بعد أن أحكمت إغلاق الباب على نفسي ، هو أنني نظرت إلى وجهي في المرآة .......... رأيتني مرعبة ! لم يكن شكلاً آدمياً ما رأيته ، بل شيئاً أقرب إلى التوحش والبدائية .... شيء يشبه اختلاط الأضداد في مزيج متنافر . يا إلهي ، لم كل هذا ? ما الذي أنا فاعلته بنفسي ? أأدمر ذاتي وأغير معالمها ? من أين أتيت بكل هذا العناد يا ربي !???  ولماذا أصر على الاعتقاد بأن العالم هو أنا وما أبتغيه ? ....... 
صرت أحدق بذلك المشهد الذي راعني : عيناي الحمراوان المنفوختان ، ووجهي المخضب كحقل تم حرثه حديثاً ، ولم تعد تستوي فيه أية معالم ... عيناي ، كانتا مهدودتين ، ولا قرار لهما ! ولما حاولت أن احدق فيهما ، ظلتا تراوغان وتتهربان من محاولاتي . لم تشاءا أن تنظرا إلي أبداً ، عيناي ،  كأنهما تتمنعان على النظر في وجهي ، كأنهما تخجلان من أن أرى فيهما قرارتي السحيقة .
نزعت عني ثيابي لأغسلها . قلت في نفسي : " سأشغل روحي بهذا ، لعلني أستطيع ! " . ثم رحت أكومها أمامي في الوعاء الكبير ، قطعة فقطعة ، مددتها فوق بعضها ، كأنها أشلاء ميتة ، حتى صارت بارتفاع القبر . رششت فوقها مسحوق الغسيل بكثرة ، ولما فتحت حنفية الماء فوقها ، صارت الرغوة ترتفع ، ثم تتدفق وتفيض من حول الوعاء .......... رحت أنظر بنهم شديد إلى تلك الرغوة الكثيفة اللامعة . شيء ما تحرك داخل صدري ، وتذكرت بركان الألعاب النارية الذي كنا نشعله في عيد المولد النبوي ، عندما كنا صغاراً . كان الضوء المنبعث منه  يبهرني ، والحرارة المثيرة التي كانت تتولد من ذلك الضوء ، كانت تحرك في داخلي فيضاً من الانفعالات التي طفقت تعاودني بإلحاح ، بينما كنت أحدق في تلك الرغوة التي كانت تفيض أمامي . صرت أقول في نفسي :
 
  " غريب الإنسان ، كيف يمكن لي أن أنسى همي بسرعة، هكذا بمجرد أن ألتهي بهذه الأشياء الصغيرة ? " .
 
  عبثاً اقتنعت بهذا الهراء ، لأنني وفي الوقت الذي كنت أردد فيه هذه المقولة الساذجة ، كنت أشعر بما يشبه الفيضان الآخذ بالاقتراب ......  أمواه البحر الهادرة صارت تحرث في صدري .... زبد مالح ، كما أكمة الموج المتصاعد راح يندفع بقوة وإلحاح ، نحو رقبتي  وبلعومي ، ولما لامست رغوته الكثيفة ، حلقي الناشفة ، صرت أختنق .... تقلصات وإرتجاجات تشبه التعرض للصدمة الكهربائية ، أخذت تجتاحني بعنف مخيف ، كنت أرتجف له بكليتي . هذا الاهتزاز الجائر ، كان مدمراً ! ذلك الارتجاج الجائر ، كان يتحرك داخل نفسي فيدفع بالألم الكامن من جوفي ، نحو خلايا جسمي  كلها، بما يشبه المد والجزر ، بما يشبه حركة البحر في تقدمه وارتداده  ............. خيبة بعمق المحيط كانت تتقلص  في داخلي ، ثم تنجبل بذلك الشيء الذي نسميه : القهر القاتل ، لتثير من حولها رياحا لها قوة عاتية ، رغبة مستبدة تسعى لتدمير وتفتيت كل ما عداها . شيئاً فشيئاً ، تمكن مني ذلك الشعور بالقهر ، واستحال في تفجراً ، ثم عويلاً يشبه النباح ...... بكاء وعويل ، تخالطه سوائل مقرفة صارت تخرج من حلقي بما يشبه التقيؤ .... ذلك التفجر صار يستطيل ويتواصل حتى استملك بي تماماً ، فاستسلمت له طائعة ، ووجدتني ألوذ به ، وأنا منطوية فوق ذلك الوعاء الذي كان يفور أمامي  كالبركان ، أجعر كالممسوسة ... 
 " يا الله ، يا الله ، لم كل هذا يا ربي ? لما كل هذه الخيبة ، لم كل هذا القهر ? لماذا أشعر بهذا الذل كله ? شعور من داسوا على رأسه بالجزم ? شعور من سحقوه ذلاً وعاراً ? متى أرتاح من هذا الألم  ? متى سيتوقف هذا العذاب ? ما أهون الموت !  ما أهون الموت ! ما أهون الموت ....... "
 في تلك اللحظة القصوى من الألم ، لم أعد أريد أن أوقف الانحدار نحو الهاوية . أحببت التوغل فيه حتى النهاية ، وصرت أدفعه دفعاً نحو قراره الأقصى .... كنت أريد التخلص من شحنات الألم الضاغطة فوق ضلوعي ، وذلك بتفجيرها كلها دفعة واحدة ، تماماً كما نحب أن نضغط على الضرس المؤلم ليتضاعف وجعنا لحظتها ، ثم يستكين لبرهة وكأننا نطارد بهذه الحركة تلك الشحنات الخبيثة الضاغطة على أعصابنا .
 
  بت لا أرى إلا الرغوة ، وصرت أشعر بالقرف من حالتي إلا أن هذا القرف كان شافياً ،  ذلك القرف كان محرراً ? ........
 
   تلك الأحاسيس ، كانت قد بدأت بالتسلل إلى منطقة الوعي في رأسي التي كانت هي ، لا زالت منطوية فوق بركان الدمار ... رأسي المقطوعة فوق سماء الجحيم والمعزولة عن العالم ، إلا عن عالمها  هي ، المتزلزل في داخلها ...........  رأسي المقطوعة ، بدأت تتحرك وبدأت تعقل بمجرد أن خف عنها بخار الحموضة القاتل ، المنبعث من جيشان صدري الذبيحة .... رأسي الخبيثة بدأت توسوس لي بأن الآتي أعظم ، وبأن ما أنا فيه من عويل لن يريحني إلا إلى حين ....  هذه الفكرة المرعبة ، بدأت تحفر لها مكاناً في قعر الهاوية ، في موطن اليأس المسيطر ،  لتؤسس فيه بؤرة للخوف ، أكبر وأعمق وأكثر ديمومة ، من هذا الارتجاج الهستيري المتفجر .... شيئاً فشيئاً ، بدأت أفهم مرارة ما كان ينتظرني من عذاب ، وبدت لي تلك المسؤولية مرعبة وفوق طاقتي على الاحتمال .........
 
  عدت لا أرى إلا تلك الفقاقيع المثيرة  تمتزج بما كان يسيل من رأسي المنحنية فوقها بيأس واستسلام .......
 
  بحقد شديد ، صرت أدلق تلك الرغوة الفائضة من فوق الوعاء الكبير . وبنزق كبير صرت أعيد وأزيد من فوقها الماء .... الماء ، كان عزيزاً جداً تلك الأيام، إلا أنني بددته برعونة ! كل ما كان يخرج مني  ويسيل على وجهي  كان يدخل في دورة المياه الجارية ويختلط معها  وكنت أعود لأدلقه بشراسة في أرض المغطس . عشرات المرات كررت فيها ذلك الطقس المطهر . عشرات المرات دلقت عنها الماء العقوق حتى عاد بنظري إلى المياه لونها الطاهر الرقراق ، لون البراءة ........
 
  ثم أنهيت حمامي بماء يجلو ماء ......  ثلاث مرات غسلت رأسي ، ثلاث مرات غسلت جسمي ...... كل ما كان من حولي كان يعبق بالسخونة واحتقان عيوني كان يمنع عني الرؤية . كنت أتلمس الأشياء بأحشائي ونبضي وأنجبل معها بكياني كله .
 
  عندما خرجت إلى الغرفة ، كنت لا زلت أشعر بالبلل الكثيف وبالحاجة  إلى التنفس . لبست يومها بيجاما كحلية اللون لم ألبسها من سنين ، ونظرت إلى نفسي في المرآة ووجدت أنني أشبه ختم الحكومة .
 
  على الشرفة ، صرت ألقي بقطع الثياب التي كنت ألبسها على الحبال ، ثم أشبكها بالملاقط ...... أرقبها تتدلى وهي تنزف ماء ....  ولما ابتعدت لأنظر إليها وأنا أهم بالدخول ، تهيأ لي بأنني قد نشرت نفسي على حبل الغسيل .
 
  أصوات مواء هرة  ينبعث من معمل البلاط خلف المبنى . الحارس المراهق يستعين على الوقت ، بتعذيب قطة صغيرة ساقتها إليه الأقدار ، لتسلي ليله الضجر . شاءت هي بأن تتسلل إلى الجرن الكبير الذي يتوسط الباحة ، وشاء هو أن يحبسها فيه بأن يلقي عليها بحصوات صغيرة صائبة ، كلما حاولت الاقتراب من الحافة للخروج من الدائرة . كانت تئن وتجعر بألم ،  كلما مسها منها حجر ..... هو ، كان يستدير من حولها بخفة ومهارة ، ويصوب حصواته بمتعة وبراعة ، أذهلتني ! إلا أن ما أثار عجبي يومها ، هو صوتها المؤثر والمروع ...... كان صوتها ينطق بإشارات غريبة ، وينم عن سطوة جائرة ، تتجاوز حجمها وقوتها بكثير ، حتى خيل إلي بوقتها ، بأنه قد عاد إليها ، تحت وطأة الخوف ، خصال من ذاكرة النمر البعيدة التي لا تزال كامنة فيها  .
 تعبت من النظر إليهما ، وتعبت من وجعي ، وتعبت من انتظار أي أمل جديد يمكنه أن يغير ما أنا فيه ........ علبة الدواء المهدئ لآلام العادة الشهرية كانت في الخزانة الصغيرة التي بجانب السرير ....... أخذتها كلها ، بلعتها على دفعات  ، ثم جلست في السرير ، أنتظر الموت ............
سأتركك الآن عزيزتي ، وسأعود لأحكي لك الفصل الأخير في رسالتي القادمة فإلى اللقاء .
 
*عبدالرؤوف النويهى
11 - أكتوبر - 2007
رواية "البنت التى تبلبلت " ضياء العلى . (15)    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم
 
                                 الفصل الثانى عشر
                                  مذكرات  (12)
 
                             تهيؤات في لحظة اكتمال الدور
 
 أمشي في ذلك الليل الطويل .. أمشي يكتنفني ذلك الألم الكبير أحس به في داخلي ومن  حولي وأمشي .... أهرب إلى تلة خضراء فسيحة كأنها صحراء ذات عشب ! ليل أحمر يغطي المكان ، موسيقى حزينة تشبه أجراس النجوم ، أسمعها من البعيد .. حفيف اهتزازات شفيفة يشق المدى .. في الأفق ، ألمح حصاناً طائراً بجناحات بيضاء يتهلل في قبة السماء : الحصان الطائر يحوم فوق التلة فارداً ريشه الوثير مظللاً به عتمة الليل ... قلبي يخفق بشدة ! قلبي يرتعد ويرفرف في صدري الذي يكاد أن ينشق عنه ، يريد أن يطير إليه . أمد كلتا يدي نحوه وبكل الرجاء الذي يعتريني تجاهه أستطيل ... أحاول أن أتشبث بجناحيه وأستطيل .. لا أصل إليه .. أراه يبتعد وحده . يضم جناحيه بانكسار وهو يحني رأسه بحزن ظاهر ، ويبتعد .... قلبي ينخلع من مكانه ثم يهوي ..
 أسقط من الخيبة ، أتدحرج عن التلة لأتهاوى في الفضاء السحيق ولا شيء من حولي إلا العدم ....... لا نبي من حولي ، ولا أرض ، ولا سماء .......... النبي الذي كنت أعرفه وأحفظ كلماته ، مر من قربي ولم نلتق ! كنت أريد أن أسمعه يردد تلك الكلمات التي كنت أعرفها ،  لأعرف بأنه هو ! كنت تمنيت لو كان أخذ بيدي وسار بي ..... لكنه مر بقربي دون أن    يراني ، ورأيته يمشي متجهاً إلى عكس المكان .......  أسمع صوت الله يناديني قائلاً :
 
   " لقد ظلمت نفسك ! "  ......
 
  " ما أغناني عنه ما قلته يا ربي !  وسأدفع الثمن ! " ، أقول في نفسي ......... 
 
  أهوي وأهوي في عراء ذلك الفضاء اللامتناهي والخاوي إلا من خوفي القاتل .
 
   في لحظة ما ، أرتطم بذكرى ......... يوم قذفني أبي إلى العالم وصرت أتساقط في ذلك الفضاء  السحيق ، قبل ان أغرق في الملوحة !
 
  ووجدتني أسبح ، ثم أسبح ، بكل ما أوتيت من قوة نحو رغبة عمياء تدفعني إليها بصيرة لا أعرف لها قراراً ........... وحدي ، ولا ألوي .......... كيف وصلت إلى هنا ?
 
  أمشي أجر قدمي العاريتين ....... لغط كبير في سوق الخضار ، باعة ومشترون وسط أكوام من الزبالة والليمون المتعفن . مسلحون في لاند عسكري ، عليه مدفع "دكتاريوف" ، يجمعون التبرعات   للمقاتلين ، ويتخاطبون مع تجار السوق بصوت عال ........  رائحة التفاح تختلط برائحة النعناع والبصل الأخضر في تلك الصناديق المكدسة رتلاً طويلاً ومنفرجة عن ممرات ضيقة تمر فيها قدماي العاريتان .......... نسيم شجيرات الآس القادمة من المقابر المجاورة تملأ المكان ...... أشعر ببيت جدتي يقترب مني وأنا أقترب منه . أسمع أزيز المنشرة يصم الآذان ، كلما اقتربت أكثر ، ونشارة الخشب الناعمة بدأت تدفأ لي قدميَّ ........
 
  أمام باب الدار القديمة ، أجدني مبطوحة على بطني ، لأبدأ بصعود الدرج المظلم ، مستندة  إلى  أكواعي المرتجفة ! برودة درجاته الإسمنتية الناعمة صارت تمدني بخدر خفيف  . في البهو الكبير ، أمام البيت ، اجتمع الجيران من حولي :
 
 " الحمد لله على السلامة ! " ، سمعتهم يقولون . أبتسم ، أهز لهم برأسي ، " الحمد لله على السلامة ! " ، يزحفون نحوي بالعيون .......
 
  عيونهم تتفرس بفضول ، أسمع غوغاءهم وهم ينكبون فوقي ، ماذا يريدون أن يعرفوا ? أتساءل !
 
  أرفع إليهم ببصري وللمرة الأخيرة ، ينصرفون عني بصمت .......
 
  أمام العتبة التي تفصلني عن بيت جدتي ، أستجمع قواي الأخيرة لأدفع بنفسي إلى الداخل ........ كان صوت إغلاق الباب هو آخر ما سمعته ، ولم أعد أرى شيئاً ...........
 
 
                                  الرسالة الثانية عشرة والأخيرة     
 
 
                                                دائماً أبــي ....
 
 
عزيزتي الغالية :
 
  هي آخر رسالة أكتبها إليك ، صفاء ، حول هذا الفصل من حياتي ، الذي انتهى على هذا الشكل المؤلم . فالباقي تعرفينه ، وتعرفين أنني لم أمت رغم أن الدواء أتلف أحشائي ، وأنني عانيت من المرض وآثاره لمدة طويلة . إلا أن أسوأ ما خرجت به من هذه التجربة ، كان ما تركه علي الانهيار العصبي من ندوب في نفسي ، لم أشف منها أبداً .
 
  بقيت حوالي الشهرين في عزلة تامة ، كانت أمي خلالها تعتني بي بصبرها المعهود ، وصمتها المضني ، دون أن تسألني شيئاً ......... تغير لي الشراشف ، وتعطيني الدواء ، وتشتري لي عصير الخرنوب ، وتسألني إذا كان باستطاعتي أن آكل لتصنع لي بعض الحساء ........ تغطيني عند اللزوم ثم تذهب إلى أمورها الأخرى ........ تترك لي بقرب المخدة ، عينيها الباردتين ، بكل ما فيهما من ملامة وقسوة ، وكرمها الزائد في العناية بي ، بكل ما فيه من عزاء ورحمة ........ تعيدني إلى  طفولتي التي عشت فيها دائماً معها في هذا الحد الفاصل ، بين تلك الأمومة الباردة ، وطقوس الواجب المقدس .........
 
  أبي ، كان يصل به ما تبقى لديه من علائق بأمورنا وحياتنا ، ما تبقى لديه من حنان الأبوة ، إلى باب الغرفة ، دون أن يجتازه يوماً . فيقف هناك ، عند العتبة ، ليلقي علي نظرة من عينيه السوداوين الكبيرتين ، وأنا متكورة في فراشي ، دون أن يدفعه فضوله ، أو يتجرأ أن يكلمني أو يسألني شيئاً . نظرته كانت تعذبني وتعيدني إلى حزني القاتل ، حزني المسجى في فراش مريح ، كان قد تمطى وأصبح طويلاً تحت تأثير الدواء ............ حزني صار هو حزنه ، وخيبتي هي  خيبته ، وانهزامي هو انهزامه السحيق المزمن ......... ثم يعود لينسحب ببطء من حيث أتى ، إلى عالمه هو المنهار أيضاً والمطبق عليه ......... هو لا يعرف كيف حدث كل هذا ، هو لا يعرف كيف وصلنا إلى هنا ، هو كان يظن أنه أسد وأننا جراؤه . وكان يظن أنه قادر على أية حال على إطعامنا وحمايتنا .........  حوله ، كنا نجلس على الطاولة ، في غرفة الطعام الكبيرة ، فنأكل ونشرب ثم نتبارى بالشعر :
 
   ـ " اشرحي لي هذا البيت " :
 
  ـ " صنت نفسي عما يدنس نفسي ........ " ، أسمعه يقول .
 
  اليوم ، وأنا أنظر إليه أتذكر :
 
  " لا أنت أنت ولا الديار ديار ..... "
 
........................................................................................
 
 
  هكذا عزيزتي ، بدأت رحلتي الجديدة مع الغربة الثانية ، ومع ما خرجت به من تجربتي الأولى من استنتاجات . كانت تلك أول مواجهة فعلية لي مع الحياة ، وخسرتها بالضربة القاضية . بمرور الأيام ، شفيت ولم أشف .... انكسر الحلم في داخلي ، ماتت الأسطورة ! لم يعد عندي مسكن لذاتي الحائرة بين ذلك الوهم المتسربل بالبراءة ، والواقع المخيب ... لم أنجح بتبديل أسطورتي بما يماثلها ،  لأستعيد معها الحلم وأستعير منها شهوة الحياة . نأيت بنفسي عن الأحداث  لأحميها ، بقيت خارج اللعبة ، أرقبها من بعيد ، دون ان أجرؤ على الانضمام إلى هذا المهرجان . صرت أحسد أولئك الذين لا يزالون ، بدون كلل ، يستبدلون الأبطال بالأبطال ، والقرابين بالقرابين ، في زمن يدور ، وفي احتفالات صاخبة ، تموت فيها الذاكرة في كل يوم ، مرات ، إلى ما شاء الله ، تمجيداً لدورة الحياة السرمدية ............  في هذا الزمن المتحول أبداً ، المنتج أبدأ لعناصر ديمومته ، صرت أشعر وكأنني ، بت خارج التاريخ .
 
  في رحلة الحياة والموت هذه ، لحظات من النداوة تتبدى لي أحياناً في تخيلات ألقيها على الواقع لأخفف عني  من عبء وطأته . أخلق منها الحلم ....... ومن الحلم ،  وجودات متعددة أخترعها لأسلي بها وحدتي ، ثم تستعصي على فهمي أحياناً ! أتتبعها طويلاً  في خيالي وفي ذاكرتي المنتقصة لأستعيد منها رغبة الوجود ......... في العمق ، لا تزال شعلة ضئيلة تنتج في داخلي ذلك الشوق إلى الوجود الذي يستعصي ويتمرد على الذاكرة ........
 
  أتعبتك معي ، لا شك ، أتعبتك وأنا أعلم بأنك لا تشاركينني مواقفي وأفكاري ، وأعلم بأنك أكثر مني  حذراً وتعقلاً واعتدالاً وربما " واقعية " ?  لكنني أردت أن أشرح لك ، بكلام لم أخترعه أبداً ، شيئاً تعرفينه ، لكنك تنسينه . أردتك أن تعرفي مني ، بكلمات تأتي  من القلب ، الذي ظننت يوماً أنني فقدته إلى الأبد ، أو أنه قد أصيب بالصمم والبكم والعمى والكساح ........ حتى إنني ظننت يومها أنه قد مات ! ويومها  فقط ، عرفت أن السمع مركزه القلب ، والنظر ، مركزه القلب ، والحلم مركزه القلب ، وأن الكلام يأتي من القلب أو لا يأتي أبداً .
 
سلامي لك كبير صفاء ، وعلى أمل بأن نلتقي قريباً ، لك مني كل المودة .
إلى اللقاء .
 
 
 
*عبدالرؤوف النويهى
11 - أكتوبر - 2007
كل عيد وأنتم بخير    كن أول من يقيّم
 
 
كل الشكر لك أستاذ عبد الرؤوف مجهودك في جمع أقصوصتي ونشرها في هذا الملف الخاص جداً ، وكلامك الجميل المجبول بالمودة ، وتحليلك الشيق الذي تتبعت كل حروفه بشغف وإفادة .
 
وبمناسبة حلول عيد الفطر ، أتوجه إليك وإلى جميع عائلتك الكريمة بأفضل التمنيات وبأن يعيده الله عليكم باليمن والبركة .
 
وأستغل المناسبة لكي أتقدم من جميع أصدقاء الوراق ، فرداً فرداً بأصدق التمنيات بعيد سعيد ، وأخص بالذكر الأستاذ يحي مصري السباق إلى الخير دائماً ، وأضم صوتي إلى صوتك في تمني عودة الأستاذ زهير وأقول له كل عام وأنت بخير .
 
تحياتي للجميع خالصه في هذا الأمسية المباركة . 
*ضياء
12 - أكتوبر - 2007
عيد مبارك سعيد..    كن أول من يقيّم
 
يسعدني بدوري أن أبارك لكم طلعة العيد السعيد ، الأستاذة ضـياء والأساتذة الكرام :
زهير ، النويهي ، أ. يحيى ، هشام ، ، وكل الحاضرين.... دون أن أنسى الغائبين
الأستاذ بنلفقيه والسعدي وغيرهما..
" تعيدوا و تعاود وا " إن شاء الله ، وكل عام وأنتم بخير .
 
* وأختم بهذه الهدية المتواضعة " للبنت التي تبلبلـت "
 - يارا للا بويا  + شويه الميجانا..

Saida charaf chante ga3_ga3_a_zoubida

*
 
*abdelhafid
13 - أكتوبر - 2007
إميـلي نصرالله    كن أول من يقيّم
 
 
«ما حدث في جزر تامايا» ([) لإميلي نصر الله
اقتـران الفاخـر بالفاجـع
علي شلق

 
مدخل لا بد منه:
أن تكتب ما تعي، ويكتبك وعي آخر، له زمن فوق المدار لامرين: الأول انك حبّرت قلمك ليسجل انطباعك عن مقروء ادبي في زمن مألوف فهذا له زمنه وأسلوبه، والثاني ان يأخذك الأثر الفني من أفق الجمال الى رفرف الجلال فأنت حملت العبارة من قبل وأنت الآن تحـــملك رياح الرهبة الى زمن آخر، يجتاز المرموز، الى الملـــغوز، فتجد جناحي الموهـــبة يحملانك الى رفرف فردوسي يعسر على زخمك ان تتخلى عن عجائبه. للسيدة اميلي نصر الله ما يزيد على الستة والثلاثين مؤلفا في آفاق مختلفة حديثها الراهن عن أسرة لبنانية معروفة، شأنها شأن الكثيرين من أبناء هذا الوطن المحدود، ينفتح على عالم الازمنة في مطافات غير محدودة. من هؤلاء أسرة ابو مراد، ربانها الشيخ ابراهيم منطلقا بذويه من «حورة السنديان» قريته، تحيط به الاسرة من الجنسين وخاصة يوسف ومايــك. والمميز فيهم سعد الصهر الماكر، أحبه عمه وزوجه ابنته، وأشركه في ثروته بالمساواة.
ربان السفين اللــــبناني يتوطن جزيرة تامايا، ويصادق ملكها، ويغنم الكثير. فيمــــجد المال، والســياسة، وصداقة الحكام، ومد المدى الفسيح في الاجتماع، والدهاء في نيل المراتب العليا لدى الحكام.

اما الشعب الملون، الكادح فهو يدرج في دروب الكدح والتعب في سبيل لقمة العيش، والذل يهبط عليهم مريرا، والمنال صعبا عسيرا.

هذه الحوادث والأحداث تجري في الاميركتين، وأفريقيا ومعظم مدن العالم، يصنعها البشري منه، وترتد اليه. من لبنان، من قرية «جورة السنديان» عبر البحار مصحوبا بعائلته ابراهيم ابو مراد «واستقر في جزيرة تامايا» فزرع جذوره، وطاقته في تلك الجزيرة، ومد براعته في الألفة والألاف الى حكامها، منهمرا بالهــــدايا، والمؤانسة حتــــى ان الملـــكة في هــذه الجزيرة رغبت في سكن قصرها الفخم جارة لآل مراد.
 
انهمرت الثروة، وامتدت مسافات الأطيان والاملاك، الى درجة عالية. ذات مدى فسيح. وتكاتف الرصيد في المصارف راسما غنى متمادي الاخضرار، والازدهار، واصبح للسيد «أبو مراد» جاه سلطان طويل عريض. وفي مدى النصر الجمهوري. من أفراد العائلة شاب حاد الذكاء واسع الحيلة اسمه «سعد» دخل جوانية قلب عمه فعشقه العم وأشركه في تجارته وماله. فلعب سعد دور الذكي الداهية، فأخذ يكيد للخلصاء الأوفياء لعمه أبي زوجته، وشريكه، فاستبد، «والعاجز من لا يستبد». وبدلا من ان يسود العائلة اللبنانية المهاجرة سلام، وتوافق وطيب رخاء خيم عليها القلق والرعب. وظفر سعد بكل ما جمع عمه من الاموال، الباذخة. وهرب بها سرا الى لبنان، فتملك جاها عريضا بالمال، والسطوة، والرخاء، تاركا وراءه عمه المفجوع، وولدي عمه «مايك ويوسف» في حالة من يسقط في هوة الموت بالتدريج وذلك بسبب السم الذي بثه لهما سعد في منزلهما. ولم يكتف بذلك بل بعث من اغتال سند ابراهيم «شون( الخادم الحارس الوفي الامين لعمه. هذه الحوادث الاحداث بلبلت أمر العائلة فقضى ربها ابراهيم صريعا، وتمزق شمل العائلة، ولعب القدر لعبة المفاجأة والحدث. وكما يقول الملاحون: «ينبت عصف الريح من تحت المجذاف» فإن السياسة تبدلت في الجزيرة، وانهار الثوار، وتمكنت الملكية في كرسيها فنجت العائلة اللبنانية تلك من الاندثار والهلاك وألقى الانتربول يده على المجرم الخائن «سعد» الصهر الوفي، والقريب الابعد...!

أسلوب الرواية
ـ براعة عرض للحوادث والاحداث، بأسلوب كلاسي واضح، وبراعة قلم فنان صناع تجريه اديبة ساطعة في العرض ورسم الهيكل الروائي ببراعة:
ـ بتوالي المفاجآت
ـ باقتران الفاخر بالفاجع
ـ باضافة جدار لماع براق، متين الحبكة، مشرق الاناقات يغري بقراءة الرواية بنهم، وشوق، وحبور مقرون باشمئزاز من نهايتها، ذات العقدة الجهنمية. وإن كان لها قدر حلها بعد فوات الأوان.
ـ ما أضافته الاديبة الساطعة السيرة اميلي الى مؤلفاتها التي ترجم معظمها الى لغات عدة من لغات العالم المعاصر، بزيادة توافرها على الترجمة، وسطوع كوكبها في العصر لبنانيا وعربيا، وعالميا.
ـ اقتـــران الدعابة بالرصــانة، كما في الغـيث على المحل الذابـــل!

ختاما أرسم صدى عبد القاهر الجرجاني: «أشعر الناس من انت في مناخه حتى يتبدل الأفق». ورواية السيدة نصر الله قريبة من الشعر الملحمي لما فيها من صراع، ومن المسرحي لما ضجت به من حوار وتراكم حوادث وأحداث الى مفاجآت عدة يصير فيها قدر الانسان لعبة المصير الفاجع!

([) عنوان رواية جديدة للسيدة الساطعة. اميلي نصر الله. بعد امتداد ابداعها الأدبي متجاوزا العادي الى الخارق، بدءا بطيور ايلول، الى «جزر مايا» ابداعا، وترجمة، ودراسات وقصصا للاطفال .
 
* عن السفير اللبنانية هذا الصباح 24/10/2007
 
 
*ضياء
24 - أكتوبر - 2007
مريم الحكايا : علوية صبح    كن أول من يقيّم
 
 
الفقرة الأخيرة من رواية علوية صبح : " مريم الحكايا " الصادرة عن دار الآداب ببيروت 2002
 
 
تفتح درج مكتبها وتسحب تلك الأوراق فلا تعرف كيف تقرأ الخط . تقرأ بصعوبة أشياء لا تتذكر أنها كتبتها ، بل لا تذكر أن هذا الخط خطها ، هل تغير خطها أيضاً ؟
 
كأنها تذكرت أنه خط زهير ، أو يشبهه . كيف تسلل إلى أوراقها وغيَّر ما كتبته ؟
 
سألت هذا السؤال ، بعدما قرأت أوراقها ، أن زهير شاهد صورتها يوماً ، معلقة بين ملصقات صور الشهداء ، وأنه شاهدها بعينيه وهي واقفة تتطلع إلى صورتها وتتأملها ، قبل أن يختفي ويغيب . وكتب انه شاهدها ترتجف ، وهي تتطلع إليها ، وتموت غيظاً ، لأنها تكره صور الشهداء عللى الجدران وتخاف منها ، ولو عرفت ان صورتها ستعلق بين صورهم لقتلت كل من ألصقها على الجدار . بل كتب ، في مكان آخر ، انها كانت تتأمل الصورة التي ضاعت ملامحها ، آنذاك ، من المطر والغبار ، لتتبين ما إذا كانت الصورة صورتها ، ام صورته ، أم صورة أي من أبطال الرواية .
 
لكنه لا يذكر التاريخ ، ولا كيف ومتى اختفت ، هي او صاحب أو صاحبة الصورة ، وصارت في عداد المفقودين ؟
 
من الذي كتب ذلك ، هي أم زهير ؟
 
لم يكن الخط الذي تقرأه في صفحات الرواية امامها واضحاً ... صارت تقرأ الرواية من أولها إلى آخرها . كانت الحكاية تتداخل ، واسماء ابتسام ومريم وياسمين وزهير و" أبو طلال " وكريم ومضطفى و" أبو يوسف " وأمي وأمها ، وكل أبطال الرواية ، ليست مجرد أسماء اخرى في تتابع الحكاية ، بعدها تنسى الأسماء ، بل نصي كلنا أحياناً ، مريمات وعلويات وياسمينات وفاطمات وسميَّات ، ويصير زهير وكريم وأبو يوسف وأبو طلال والدكتور كامل ، بل والكل ، كأنهم أسماء كثيرة لبطل واحد .
 
يصير لكل اسم أسماء كثيرة ، وحكايات كثيرة ، تصير الأزمنة البعيدة كأنها كلها الزمن الآن . الأمس في اليوم ، والغد في الأمس . تصير الأمكنة امكنة كثيرة ، لمكان واحد . ويصير من يحيا كانه ميت ، الميت كانه يذهب إلى عمله ، يدخن ويسمع الطقش والفقش ، يرقص وينجب بناتاً وصبياناً .
 
شردت بذهنها لتتذكر ، من الذي كتب ؟  وشردت بذهنها لتتذكر إذا كانت الذكريات ذكرياتها ، أم ذكريات الأبطال . من مريم بينهن ؟ من انا بينهن ؟ من ابتسام وأبو يوسف ، ومن جلال زمن كريم وغيرهم ؟
 
شردت لتتاكد من وجهها بين الوجوه التي تقرأها ، لتعرف ما إذا كان كانت من بين المفقودين ، أو الأموات أو الأحياء منهم .
 
وقبل أن تتابع ما تقرأه ، تركت الآوراق على المكتب ، ودخلت الحمام ، أغلقت الباب ، ونظرت إلى وجهها في المرآة . بدات تتذكر وجهها تحت ضوئه الخفيف . لمسته لتشعر بحرارته ، بعدما توهج احمراراً وخوفاً ، وشاهدت جفن عينيها يرتجف ويهتز ، قبل أن تعود إلى أوراقها ، لتعيد كتابة ما تقرأه ، وتغير النقاط والحروف والفواصل والواوات ، لتعثر على ذكرياتها ووجهها بين الوجوه والذكريات ، ليصير لها اسم ووجه وذكريات ، بين الآسماء الكثيرة اسماً واحداً ، ولتعثر ، وهي تعيد الكتابة من جديد ، على أسمائنا وذكرياتنا ، وكذلك على ذكرياتها ... لتجد ما يؤكد أنها على قيد الحياة ، أو بين المفقودين في الحرب ، أو بعدها .
 
لم تتأكد من شيء .
 
تأكدت فقط من أن يدها تؤلمها ، وهي تعيد كتابة ما تقرأ ، لتعثر على جواب . لمست يدها اليسرى ، التي تكتب بها ، فأحست بحرارتها ، ولكنها لم تتأكد من شيء .
 
لم تتأكد من شيء .
 
 
*ضياء
22 - نوفمبر - 2007
من سيمون دي بوفوار إلى حرّودة..    كن أول من يقيّم
 

                       عبد الفتاح الحجمري

 
 
    1 . لن أتحدّث في هذه الورقة عن تاريخ الكتابة النسائية أو مواضيعها المحببة أو خصائصها الأسلوبية والمضمونية . أودّ ، فقط ، أن أقترح عليكم بعض الأفكار للمناقشة ، قد تكون بعيدة عن الموضوع ولكنني أراها في الصميم . اخترت لذلك صوت سيمون دي بوفوار وصوت حرّودة – بطلة الرواية الأولى للطاهر بن جلون- .
    
    2 . اطلعت مؤخرا ، على محاضرة ألقتها سيمون دي بوفوار باليابان سنة 1966 تناولت فيها بالتحليل والمناقشة العديد من الأفكار المتعلقة بعلاقة المرأة بالإبداع . سأعرض عليكم بعض هذه الأفكار مختزلة بغاية توسيع أفق المناقشة بيننا :
    من الواضح – وتاريخ الإنسانية شاهد على ذلك – أن الإنجازات النسائية في الميادين السياسية والفنية والفلسفية كانت محدودة بالقياس إلى إنجازات الرجل . أ لأن وضعية المرأة في المجتمع تحدّ من إمكاناتها الإبداعية ؟
   
    حاولت فيرجينيا وولف أن تقدّم بعض عناصر الإجابة على هذا السؤال . فقد سبق لها أن تساءلت لماذا – على المستوى الأدبي – أعمال الكاتبات الإنجليزيات قليلة وفي مرتبة دنيا عن مرتبة أعمال الرجل .
   
    قدّمت فيرجينيا وولف تعليلا لذلك في كتاب لها بعنوان: غرفة خاصة     Une chambre à soi  : الشرط الأول للكتابة يكمن في أن تكون لديك غرفة خاصة أو مكان يمكن الانزواء إليه لعدّة ساعات للتفكير والكتابة وإعادة القراءة وانتقاد الذات من غير أن يزعجك أحد.
   
    الغرفة الخاصة تعني أن يكون المرء وحيدا مع ذاته .
    هذه الغرفة – بعبارة أخرى – هي واقع ورمز في الآن ذاته .
   
    لتتمكن من الكتابة ، من تحقيق شيء ما ينبغي ، أولا ، الاستقلال بالنفس s’appartenir  . والحال أن المرأة تقليديا لا تستقل بذاتها ، إنها تنتسب إما لزوجها أو لأطفالها وفي أي لحظة يمكن للزوج أن يطلب أو للأطفال أن يطلبوا منها خدمة أو إعانة ، وتكون هي مضطرة لتلبية رغباتهما. المرأة تنتمي للجماعة وللأسرة ولا تنتمي لذاتها.  وفي هذه الحالة ، فإن الكتابة بالنسبة إليها ممارسة إن لم تكن مستحيلة فهي صعبة للغاية . والنتيجة : أن الظروف الاجتماعية لها دور مهم في تطوير وتنمية الموهبة التي تظهر مبكرة في طفولة الإنسان ، وهذا ما عبر عنه ستاندال ذات يوم بكلمات مثيرة :
    
           Tout génie qui nait femme est predu  pour l'humanité                                           
 
    هذه الغرفة الخاصة هي رمز لوضعية المرأة المبدعة في سياق الخصوصيات التاريخية للمجتمعات والثقافات ؛ وهي كذلك رمز للنضال الثقافي للمرأة المبدعة والكاتبة .
    يعني هذا الرمز – في نهاية الأمر – أنه ليس هناك أدب نسائي ، والمرأة حين تكتب عن الأمومة والحب والأطفال ، فإن ذلك ليس مختلفا عن الكتابات الرجالية . وحين تهتم المرأة بالعلوم فإنها تصل إلى نفس المستوى وتتفوّق أحيانا أخرى . ليس هناك فرق بين الرجل والمرأة في هذه المجالات ، إلا أن لكل واحد طريقته الخاصة في التعبير : لكل واحد منهما غرفته الخاصة .
 
3        . في نهاية رواية حرودة للطاهر بن جلون يعترف السارد بأن حواره مع أمه لم يكن حوارا خياليا، ولكنه نصّ معيش أي قراءة بوشرت في فضاء العين والأذن مع ما يفترضه ذلك من عنف وألم .
  
    يستهل الطاهر بن جلون الفصل الثاني من روايته حرودة والمعنون ب حوار مع أمي بهذه العبارات :
  
 J’ai lu les détours d'un silence dans l'abime d’une mère que la fatalité avait habitée. au lieu de nous parler , elle nous portait sur son dos et murmurait l'amour de dieu .                                  
 
المهمّ في هذا الحوار أن الأم تتكلم ، تحكي عن زوجها الأول الذي كان بمثابة أبيها ولا تفوته صلاة من الصلوات الخمس . كان يريد ولدا فيما يشعر بدنو ساعة موته . لم يكن الموت يخيفه بقدر ما يخيفه رحيله عن الدنيا دون أن يترك ذرية من ورائه . كان نادرا ما يكلمها : كل شيء يتمّ بواسطة الحركة والنظرة .
    الأم تتكلم .
    الأم تكتب .
    لكن المجتمع يأبى سماعها .
    ساردة الطاهر بن جلون امرأة جريئة .
    وكلامها ليس خياليا .
   
    ليس المهمّ ، في هذا النص ، ما تقوله الأم ، بل المهمّ أنها تكلّمت .
   
    الكلام ، داخل مجتمع يأباه على المرأة ، هو موقف في حدّ ذاته .
*abdelhafid
24 - نوفمبر - 2007
 6  7  8  9