البحث في المجالس موضوعات تعليقات في
البحث المتقدم البحث في لسان العرب إرشادات البحث

مجلس : الأدب العربي

 موضوع النقاش : نون النسوة فى مسيرة الإبداع الفنى والفكرى والأدبى0    قيّم
التقييم :
( من قبل 10 أعضاء )

رأي الوراق :

 عبدالرؤوف النويهى 
30 - أبريل - 2007
عبر سنوات طويلة ،شاركت المرأة العربية المثقفة  بإبداعاتها المتميزة الرصينة الراقية  فى مسيرةالفن والأدب والفكر العربى ،ولم تقف مكتوفة الأيدى ، بل كانت شاعرة وناقدة وقاصة وباحثة فى مجالات العلوم المتنوعة ومناضلة فى المعترك  السياسى وناشطة فى الميدان الإجتماعى ، وبرعن براعة، تأخذ بالألباب وتسكر العقول 0فى أحضانهن ترعرعنا ،وعلى أيديهن تعلمنا ،وإليهن كل التقدير والإحترام 0
لن أنسى مارى زيادة وبنت الشاطىء ونازك الملائكة وفدوى طوقان وجميلة بوحريد ولطيفة الزيات وأم كلثوم وفيروز ومئات الأسماء المشرقات فى سماء وطننا العربى الكبير 0
 فليكن هذا الملف تذكارا  لإبداعهن ، وتقديرا  لدورهن ، وعرفانا بفضلهن على مدى الأجيال0
 3  4  5  6  7 
تعليقاتالكاتبتاريخ النشر
مي زيادة ظاهرة أدبية أم اجتماعية ?    كن أول من يقيّم
 
تحياتي إلى الأستاذ عبد الرؤوف وبصراحة إنني لأفخر بوجود رجال من هذا النموذج في مجتمعنا .
وأتمنى أن ننظر إالى بعضنا جميعاً بمنظور إنساني بعيد عن التحييز و التمييز بشتى أشكاله مع التأكيد على الحق في الاختلاف مهما كان مصدره ، وتعقيباً على موضوع الأديبة مي زيادة أحب أن أضيف بعض الآراء التي قيلت فيها من قبل العديد من الأدباء من معاصريها وغيرهم ، والتي تبين في معظمها عدم إنصافهم لمي وانشغالهم بها كإمرأة شكلت ظاهرة اجتماعية في زمنها أكثر مما قدمت كأديبة وصحفية ، وتجدر الإشارة إن كل ما كتبته وسأكتبه في هذا المقام أستند فيه إلى كتاب نوال مصطفى المعنون ب ( مي زيادة ، أسطورة الحب والنبوغ ) الصادرعن الهيئة المصرية للكتاب عام 2003.
    أكدت الكثير من المؤلفات أن عباس محمود العقاد أحب مي زيادة وقد لمح لحبه هذا في روايته سارة وأعطى مي اسماً مستعاراً هو هند ، وبالرغم من إعجابه بأدبها فقد كان كغيره من رواد صالونها الذين عبروا عن إعجاب ملتبس بشخصها الناعم قبل إبداعها ، وهو إعجاب متنصل منه إبداعياً ، ويتجلى ذلك التنصل في لحظات الصدق النقدية المكتوبة  ، فعندما يتحدث العقاد عن مي يقول : ( صيرت الدنيا كلها غرفة استقبال لا يصادف  فيها الحسن ما يصدمه ويزعجه ، أو هي صورتها متحفاً جميلاً منضوداً لا تخلو زاوية من زواياه من لباقة الفن وجودة الصنعة .).
  وحين يسأل حول أدب مي يجيب :
(اقرأ كتابة الآنسة مي لا تجد فيها ما يغضبك . ! ليكن لك رأيك في أسلوب الكتابة ، أو نمط التفكير أو صيغة التعبير،  فما من كاتب إلا وللناس في أسلوبه وتفكيره  وصيغ تعبيره آراء لا تتفق ، أما الإنسان في مي ذلك الكائن الشاعر الكامن وراء الكاتب منها والمفكر والمعبر فلا يسع الآراء المتفرقة إلا أن تتفق فيه وتصافحه مصافحة السلام  والكرامة .).
وهكذا يهرب العقاد من إبداء نقد صريح ورأي واضح في مي الأديبة والكاتبة ويخفي ذلك وراء امتداح لطفها  وإنسايتها !!
 وفي معظم مدائح بعض رواد صالونها يتجلى التخلي عن مي كفنان ند تحت ستار تمجيد أنوثتها وجمالها وحضورها الآسر.
       انشغل رجال عصر مي بها كظاهرة نسائية فريدة لم يكن في ذلك العصر مثيلاً لها أو حتى شبيهاً لها ، فكل الذين كتبوا عنها  لم ينسوا إنها امرأة ، فحللوها من هذا المنطلق دون حرج ناظرين إلى أنوثتها على حساب فكرها ، فيصفها صديقها أسعد حسني قائلاً : (  وكانت مي رغم سعة اطلاعها وعظيم استنارتها أبعد النساء عن الاسترجال وأشدهن استمساكاً بالخصائص النسوية...
بقامتها الربعة ووجهها المستدير ، وهي زجّاء الحاجبين ، دعجاء العينين ، يتألق الذكاء في بريقهما ، وشعرها الطويل يجلل جبينها .).
ويقر سلامة موسى أن مي لم تكن جميلة لكنها حلوة !
 ويصف فتحي رضوان لقاءه الأول بمي عندما ذهب لزيارتها في بيتها فيقول :
حينما  دققت الجرس فتحت لى الآنسة مي بنفسها ، فلاحظت لأول وهلة أنّ لها عينين ضيقتين تبدوان للنظار كأن بهما أثر من رق قديم ، فليس فيهما شيء من الجمال ، أما مي نفسها فممتلئة غير مترهلة ، وأظنها أقرب إلى القصر منها إلى الطول ، ولم يقف فتحي رضوان عند وصف شكل مي فقط  ، بل وصف صوتها أيضاً إذ يقول :
وصوت مي تشوبه رنة حزن لا أدري إذا كانت طبيعية أم مصطنعة ، وهي تقطع عباراتها ، وكأنها تلحنها وتوقعها كأغنية !!!
وهنا نتساءل : لماذا لم يصف أحد كاتباً رجلاً مثل هذه الأوصاف الجسدية والصوتية .. ولماذا وضعت هي تحت الميكروسكوب الرجالي والنسائي أيضاً ?!
  الإجابة هذا جاءت على لسان الكاتب فتحي رضوان عندما قال:
مي كانت ظاهرة اجتماعية أكثر منها ظاهرة أدبية ، فقد كانت مي آنسة لبنانية ، تكتب العربية والفرنسية ، وتقابل الرجال ، وتتحدث إلى الأدباء وأهل الفكر ، ويتحدثون إليها ، وفيهم أكثر من أعزب عاش حياته بلا زوجة ، وهم جميعاً بين متوزج وأعزب يضطربون في مجتمع لا تبدو فيه
المرأة إلا كالطيف ، وإذا أسفرت  واحدة من النساء كانت كالمحجبة تماماً ، لأنها لا تحسن حديثاً يشوق الرجل المثقف أو يمنعه ، أو يثير خياله ، أو يوحي إليه أو يلهمه بفكرة أو عاطفة أو خاطرة.
 
إلى هذا الحد ظلم الرجال عقل مي وفكرها وإبداعها ... وتجاهلوا إنتاجها الثري والفريد ... واكتفوا
بمدحها كمتحدثة جيدة .. ومثقفة ملهمة .. وشخصية محبوبة !!
 
*خولة
14 - مايو - 2007
من لغة المرأة إلى خطاب المرأة    كن أول من يقيّم
 

د. رضوان قضماني / مقال منشور على شبكة الانترنت

اللغة والخطاب اصطلاحان راحا يتكرران كثيراً في كتابات الدارسين والمهتمين بقضايا المرأة، منذ أن كتب الدكتور عبد الله الغذامي كتابه ?المرأة واللغة? ونشر الدكتور نصر حامد أبو زيد كتابه ?دوائر الخوف? و?قراءة في خطاب المرأة? لاتخلو دراسة أو مقالة من ترداد تركيبين هما: ?لغة المرأة? و?خطاب المرأة? ليستخدما كأنهما مترادفين أفرزهما التقابل بين الذكورة والأنوثة، إذ يؤكد الغذامي وجود لغة ذكورية لابد أن تقابلها لغة أنوثية، لأن سلطة الرجل الفحل جعلت اللغة ذكورية، ويشير إلى التذكير في اللغة أصل وهو الأكثر ويستشهد على ذلك بقول ابن جني في خصائصه ( تذكير المؤنث واسع جداً، لأنه ردّ إلى الأصل) ويضيف قائلاً ( ولن يكون التذكير أصلاً إلا إذا صار التأنيث فرعاً )[1] ويشير إلى أن الفصاحة ترتبط بالتذكير، إذ يجب عليك كي تكون فصيحاً أن تقول عن المرأة أنها زوج فلان، وليس من الفصاحة أن تؤنث فتقول إنها زوجة فلان، وإذا وجدنا جمع إناث بينهن ذكر واحد فالفصاحة تقتضي مخاطبتهن بصيغة المذكر الموجود بينهن لأنه وحده أصل وهنّ جميعاً فرع ... ويرى د. أبو زيد، أن اللغة أيديولوجيا تمارس نوعاً من التمييز العنصري بين الرجل والمرأة، فهي تجعل من الاسم العربي المؤنث مساوياً للاسم الأعجمي من حيث القيمة التصنيفية. فبالإضافة إلى تاء التأنيث التي تميز بين المذكر والمؤنث على مستوى البنية الصرفية يمنع التنوين عن اسم العلم المؤنث كما يمنع عن اسم العلم الأعجمي سواء بسواء[2]. وفي هذا ـ حسبما يرى د.أبو زيد ـ نوع من الطائفية العنصرية حيث تعامل المرأة معاملة الأقليات من حيث الإصرار على حاجتها للدخول تحت حماية أو نفوذ الرجل[3].

إن رأي د. الغذامي بأن التذكير في اللغة قام على استلاب التأنيث فيها بررها إلى أصل مفترض، مما جعل خطاب اللغة ذكورياً رأي غير متين لأن اللغة شيء والكلام شيء آخر، كما أشار فرديناند دي سوسير إلى ذلك. وإذا كان الكلام الذي يجسد اللغة ويتحقق في خطاب للرجل مذكراً، فإن بنية اللغة ليست مذكرة، أو ذكورية، بدءاً من التسمية الشائعة ?لغة، مؤنث بتاء التأنيث على خلاف لسان
Langage المذكر) إذ يمكننا أن نستخدم بنى تركيبية تحتوي على المذكر وأخرى على المؤنث على نحو متساو يضمن للمرأة حضوراً مساوياً للرجل. والمشكلة كلها تكمن في الخطاب، لأن اللغة ليست إلا مجموعة من الوحدات والقواعد الكامنة في العقل الجمعي يستعملها الرجل والمرأة على حد سواء بعد أن يحققوها في كلام يكتسب خواصاً أسلوبية ليصبح خطاباً يتسرب الوعي من خلاله، وإذا كان فلوبير يقول (كل شيء يوجد في الأسلوب)، فإننا نقول (كل شيء يوجد في الخطاب) ففيه تنحت الذات هويتها وتعددها وهو الذي يؤطر وجود هذه الذات في كليتها، ويتشكل هذا الخطاب من وحدات كبرى هي التشكيلات الخطابية بينما تتشكل اللغة من وحدات ذرية صوتية وصرفية ومعجمية ونحوية، ولذلك فإن تحليل الخطاب منهجياً يختلف عن تحليل اللغة، فالأول يقوم على تحليل ملفوظات وأقوال وأحاديث ونصوص، والثانية تقوم على تحليل الجملة والبنى الصرفية الصوتية إذ تقوم اللغة على قيام المتكلم بتركيب عناصرها ليشكل منها الأفعال والأسماء والجمل، كما تتصف بنظام إعرابي يحدد بنية الجمل وتتساوى في هذا جميع اللغات ، شرقية، وغربية، عربية وأعجمية، ولاتختلف إلا في طريقة التنظيم التي تنقلها إلى مستوى جديد هو مستوى الكلام الذي يتجسد في خطاب له نظامه ووظائفه.

إذا كان د. حامد أبو زيد قد عدّ اللغة إيديولوجيا فإنه يختلف في ذلك عن ميخائيل باختين في نظرته إلى إيديولوجيا اللغة، فقد انطلق باختين من أن اللغة منظومة علامات والعلامة هي التي تعرض، والعرض يأخذ صورتين: صورة الدال وصورة المدلول وعندما يتوحدّان يصبحان صورة إيديولوجية (إيديوم)، ولذا فقد ميز اللسانيون بين الكفاءة السردية للعلامة والكفاءة الخطابية فيها كما فعل غريماس، إلا أن الكلمة، التي عدّها باختين وحدة إيديولوجية تشكل نقطة فصل بين ميدانين للغة هما : النظام الشكلي القائم على العلامة والوحدة، والنظام التواصلي، أو الخطاب القائم بين الوحدة (الإيديولوجية) والخطاب، وهما معاً يشكلان نظام الدلالة في اللغة. إذن، يختلف الخطاب عن اللغة، فاللغة علامات، والخطاب ـ كما يقول ميشيل فوكو في (الكلمات والأشياء)[4] ممارسة اللغة لها قواعدها، وهي ممارسة تدل دلالة وصف على عدد معين من اللغوطات وتشير إليها، وليست اللغة إلا منظومة لبناء وحدات الخطاب : الملفوظات ولكنها ـ من جانب آخر ـ ليست إلا وصفاً لتشكيلة خطابية تخلقها الممارسة الخطابية .. فالتشكيلة الخطابية منظومة ملفوظات تنتظم على مستوى الكلام . وهي تشكيلة لأنها تتكون من منطوقات فردية، بل مجموعة منطوقات تستطيع تحديد شروط وجودها عبر تحديد علاقتها التاريخية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية واللغوية ( وعندما نقف على شكل من أشكال الانتظام بين الموضوعات وأنواع التعبير والتصورات والاختيارات الفكرية سوف نقول من باب الاصطلاح أننا أمام تشكيلة خطابية).[5]

إن خطاب المرأة بالأساس مشروع إيديولوجي، وليس مشروعاً لغوياً. أو جمالياً، لأنه يسعى إلى إعادة تفكيك النصوص والأفكار والقوانين التي قام عليها تمييز المرأة اجتماعياً وثقافياً ثم لغوياً لإماطة اللثام عن سياسة التمييز التي مورست ضدها في المجتمعات الذكورية وهذا لايتطلب إعادة النظر باللغة وقوانينها، بل بالتشكيلات الخطابية والممارسات الخطابية ـ حسب فهم فوكو لهذين المصطلحين ـ اللذين شكلا خطاباً ذكورياً دأب على إلحاق المرأة به وعلى (تعريف المرأة بإسنادها إلى الرجل). أي إن خطاب المرأة مشروع إيديولوجي، تحريري، يحرر المرأة من صورتها النمطية في الثقافة والمجتمع والأدب والفن، ويحررها أيضاً من سلطة المجتمعات الذكورية، ويخلصها من الميراث الجمالي الذي تكوّن في معزل عنها، إنه مشروع تحريري يهدف إلى أن يحقق لها الاستقلالية الإنسانية اقتصادياً واجتماعياً وثقافياً لتقوم بقراءة جديدة لذاتها وتجربتها منطلقة في ذلك من ذاكرتها هي، إنه مشروع تحريري لأنه خطاب نقيض لخطاب الرجل، أي نقيض للخطاب الذي يجعل منها النقيض المطلق لكل صفات الرجل، إن هذه النظرة التحررية إلى الخطاب ونقيض الخطاب تقوم على محاولة لاكتشاف الهوية الحائزة للأنا المضمرة في كتابة المرأة وهي ـ كما يقول د. جابر عصفورـ ( هوية لا تتجلى إلا بما يصلها للآخر على المستويات العلائقية المتعددة للاتفاق والاختلاف، والمشابهة والمناقصة، والاتصال والانفصال، في
الفعل المعرفي الذي لايكمل للأنا تعرفها بنفسها إلا بتعرفها بالآخر، نظيرها في العلاقة التي هي فاعلة فيها بقدر ما هي منفعلة بها)[6].

ويرتبط تحديد خطاب المرأة بتحديد الخطاب النقدي المرتبط بخطابها، والغرض منه تحديد مكانة المرأة ضمن المنظومة الثقافية ـ منظومة الخطاب ـ عموماً. إنه خطاب نقدي يعيدنا إلى التساؤل الذي طرحه د. الغذامي في كتابه (المرأة واللغة) هل استطاعت المرأة أن تجعل من إبداعها معادلاً يوازي إبداع الذكورة ولا يقل عنه، ولايقبل أن يكون ملحقاً به أو تابعاً له ?، بمعنى أنه خطاب يتساءل : هل استطاعت المرأة في مسيرتها الإبداعية أن تحقق نقلة نوعية جعلتها تتمكن من الإفصاح عن الأنوثة إبداعياً لتكون معادلاً إبداعياً للإيضاح عن الذكورة في أدب الرجل? إن تحقيق مثل هذه النقلة النوعية في خطاب المرأة المعاصرة ـ كاتبة وأديبة ومفكرة وحاضنة اجتماعية وثقافية ـ لايمكن أن تتحقق إلا في ظلّ مجتمع مدني يحق فيه للإنسان، ذكراً كان أم أنثى، أن يصوغ ما يشاء من مواقف وأفكار وأحاسيس في نطاق الحقوق والواجبات التي يتيحها هذا المجتمع بمؤسساته المدنية، إذ إن أنظمة ما بعد الاستعمار أنظمة برهنت حكوماتها على أن موقفها من المرأة يقتصر على علاقات بيروقراطية بعيدة عن أفكار روّاد عصر النهضة العربي مثل رفاعة الطهطاوي وقاسم أمين... وقد اكتفت هذه الأنظمة بتحسين موقع المرأة بأن ضمنت لها حق التعليم وحق الاقتراع، ثم صارت هذه الأنظمة تتباهى بما طرحته من دكتورات وبعدد النساء اللواتي يعملن سكرتيرات أو مدرسات أو يحظين بمناصب محترمة في المؤسسات العامة، وأسست هذه الأنظمة اتحادات نسائية تتفرع من الحزب الحاكم ... أما الحقوق المدنية فقد ضمنتها هذه الأنظمة للمرأة كلامياً لتبقى في الممارسة كلاماً ميتاً ولايزال برنامج الرواد العرب الأوائل حيال قضية المرأة برنامجاً بعيد المنال على الرغم من محدوديته وقصوره، أما الانعطاف الكبير الذي بدأه هؤلاء الرواد في الخمسينات من القرن الماضي فقد انتهى في ثمانيناته بردة فعل عنيفة وتائهة في مستويات عدة وتحت مسميات شتى، لينتهي بردة فعل ضد المرأة وضد الإنسان وضد المجتمع.

لكن ما الذي يريده الخطاب النقدي من خطاب المرأة? لابد هنا أن نلاحظ عدم تجاوز المرأة للخطاب الذي كرّسه لها النظام الأبوي السائد ، فما زال هذا الخطاب يقوم على تشكيلات خطابية تدور في إطار المفهومات والاصطلاحات التقليدية ، ولم يتمكن خطاب المرأة ـ إلاباستثناءات قليلة ـ من التوصل إلى تحليل موضوعي يستجيب لما تريد المرأة قوله انطلاقاً من حاجتها وعلاقتها بالمجتمع ودورها فيه، كما أن الخطاب النقدي الذي تناول خطاب المرأة ما يزال غير متجانس يتشكله المحافظون والإصلاحيون والمتنورون ودعاة المجتمع المدني ودعاة تحرير المرأة، مما جعل هذا الخطاب النقدي توفيقياً وتلفيقياً يفتقر إلى الجذرية والموضوعية.

إن دراسة خطاب المرأة تأخذ اليوم منحى المنهج الوصفي، فهو خطاب يتشكل من نصوص كتبتها المرأة، وتنامت هذه النصوص إلى درجة تدفع بالباحثين إلى دراستها وتحليلها عيانياً لتحديد ماهية هذا الخطاب انطلاقاً من أنه مستقل قائم بذاته، ترسله أنثى ـ تحديداً ـ ليستقبله قارئ ـ ذكراً كان أم أنثى ـ لأن المرسل هنا ـ وهو المرأة ـ يركّز على رسالته لا على قاريء الرسالة. إنه رسالة تواصلية تبثها امرأة تحولت إلى ذات فاعلة كتابياً بعد أن وقفت طويلاً خارج فاعلية الكتابة،
(نصاً) إلى قاريء لتفعل بع إبداعياً. لقد تحول خطاب المرأة إلى نص تواصلي يحمل وظيفة تعبيرية انفعالية Emative ـ حسب تعريف رومان ياكبسون لها [7]ـ وهو نص تبرز دلالته علاقة مرسله الأنثى برسالته محققاً عملية تواصلية بين مرسل / امرأة، ومتلق / إنسان (ذكراً كان أم أنثى، سيان) تحمل بشكل واضح علاقة جلية بين الرسالة / النص ومرسلها / المرأة، وهي وظيفة تواصلية لايمكن فصل المرأة ، المرسل عنها أبداً، لأن هذا الفصل يقضي على جانب أساسي من جوانب الدلالة التي تهدف هذه الوظيفة التوالية إلى تحقيقها، إذ أن هذا المرسل/ المرأة في هذه الوظيفة التعبيرية Emative، عندما يقوم بإرسال رسالته، يعبر عن مواقف إزاء موضوع يحسه ويعيشه. إنها وظيفة تشير إلى موقف ذاتي للمرسل من الأفكار التي ينقلها نصه، بما لهذا الخطاب من بنية نصية تتجلى فيها عناصر تعبيرية تظهر في هذه الرسالة لتجعل منها نصاً أنثوياً. وانطلاقاً من هذه الوظيفة التواصلية التي برزت في خطاب المرأة في المرحلة الأخيرة راح هذا النص يعكس تناول المرأة المميز لذاتها ولغيرها وللعالم وموقفها من هذا كله، ولهذا صار من الضروري تحديد مكانة هذا الخطاب في منظومة الخطاب الثقافي والإبداعي العربي عموماً. إنه خطاب كان غائباً وقد بدأ حضوره الآن، ومن هذا الحضور الذي حلّ محل الغياب تظهر أهمية هذا الخطاب.

[1] - د . عبد الله الغذامي المرأة واللغة ، المركز الثقافي العربي بيروت 1996 ص10

[2] -د . نصر حامد أبو زيد . دوائر الخوف : قراءة في خطاب المرأة، المركز الثقافي العربي ، بيروت 1999 ص30

[3] - المصدر نفسه.

[4] - فوكو ـ ميشيل، الكلمات والأشياء ، ترجمة مطاع الصفدي وآخرين، مركز الانماء القومي بيروت 1990، ص115

[5] - فوكو _ ميشيل ، حفريات المعرفة، ترجمة سالم يفوت، المركز الثقافي العربي ، الدار البيضاء ـ المغرب 1986، ص37



[6] - د . جابر عصفور، مقدمة المجموعة القصصية (زينة الحياة) الصادرة ضمن سلسلة روايات الهلال ، العدد 576 ديسمبر 1996
.
*خولة
14 - مايو - 2007
لبنان الأخضر لبنان 00مىّ زيادة (8)    كن أول من يقيّم
 
الأستاذة الفاضلة  /خولة
 حديثُك الرائع عن( مىّ )،جعلنى أغزو مكتبتى غزواًً وأنا الضيق بها ذرعاً ،وبسمة ويوسف يتوهان إذا طلبتُ من أىٍ منهما البحث عن كتاب ،لكن من أجل عيون( مىّ)،بحثتُ طويلاً ووجدتُ كتاباً طريفاً ،(الرافعى ومىّ)تأليف /عبدالسلام هاشم حافظ ،أصدرته وزارة الثقافة والإرشاد القومى ،المؤسسة المصرية العامة للتأليف والترجمة والطباعة والنشر ،الطبعة الأولى سنة 1964، ولم يُطبع ثانيةً0
هذا الكتاب أعجبنى حين قرأته أول مرةٍ،ولم أُفرط فيه رغم تفريطى فى بعض الكتب والدوريات ،تخفيفاً للأحمال عن المكتبة 0
سأذكر منه  سطوراً مُضيئة  ،كتبها الدكاترة  /زكى مبارك لعل هذه السطور تُثلج صدر أستاذتنا /خولة ،وتُزيح ما آلمها 0
يقول )))ثم تجىء عروس الأدب النسائى فى هذا الجيل 000وهى فتاة أعرفها جيداً ،فقد كانت رفيقتى فى الدروس وزميلتى فى طلب الفلسفة والأدب بالجامعة المصرية – وهى المدموازيل صهباء 00
أعرفتم من هى?
إن لم تعرفوا فاسمعوا : كان لى بالجامعة المصرية زميلة تنافسنى منافسة عنيفة وكنت أُضمر لها ظلاً من البغضاء ،ولحظ ذلك المرحوم اسماعيل بك رأفت  فدعانى إلى مكتبه  ثم قال:
"أتعرف ما معنى "مية" التى تغنى بها الشعراء ?
فقلت :لا0
فقال: مية هى الخمر بالفارسية ? وأهل فارس يسمون الخمارة (مى خانة)،فعرفت منه يومئذ أن الآنسة مىّ  معناها المدموازيل صهباء 0
والآنسة مىّ هذه شخصية صحيحة النسب إلى حواء 0
هى شخصية نسائية فى كل شىء 0
قلبها قلب إمرأة وعواطفها عواطف إمرأة ،وأسلوبها فى الكتابة والخطابة والحديث أسلوب فتاة خلوب تعرف كيف تغزو الصدور والقلوب ،هى فتاة مخضرمة جمعت بين الشمائل المصرية والسورية ?واطلعت على آداب كثيرة لأمم مختلفة ،وعرفت كيف يفكر العرب وكيف يفكر المصريون والفرنسيون والأنكليز والألمان000من المؤكد عندى أن هذه الفتاة متينة الثقافة إلى حد ٍبعيدٍ،   وهى أنموذج الفتاة المثقفة التى ينشدها أهل هذا الجيل ، ومعرفتها بالأدب معرفة صحيحة وهى من أجل ذلك تُعدُمن نوادرالمثقفات) ص129،128
*عبدالرؤوف النويهى
17 - مايو - 2007
العراق فى القلب 00نازك الملائكة (7)عاشقة الليل تستأذن بالرحيل0    ( من قبل 4 أعضاء )    قيّم
 

           عاشقة الليل تستأذن بالرحيل
                                              محمود الباتع 

 
أكاد أزعم أن كثيراً من الشعراء العرب والمعنيين بالشأن الشعري والأدبي والنقدي الحديث يدينون لنازك الملائكة بالكثير من العرفان وما هو أكثر منه من الأسف والاعتذار إلى هذه الشاعرة الرائدة المجددة، العرفان لريادتها وتأسيسها مدرسة الشعر الحر الحديث الذي أصبح لازمة أدبية لمعظم من يريد ولوج هذا البحر من شعراء ومبدعين أما الاعتذار فذلك لأن كثيراً من هؤلاء الشعراء والأدباء ناهيك عن أعداد غفيرة من غيرهم يسودهم الظن بأن هذه الشاعرة قد غادرت هذه الدنيا منذ زمن وأنها قد التحقت برفاقها السياب والبياتي وبلند الحيدري إلى الدار الآخرة بل وربما قد سبقتهم إليها، بينما هي لاتزال في الواقع بين ظهرانينا حية ترزق وترقد حاليا في مدينة القاهرة أسيرة العزلة والوحدة وقعيدة لمرض قد يكون محطتها الأخيرة في مشوار الحياة. 
نازك الملائكة نخلة بغدادية عريقة وقامة عربية أخرى من القامات الأدبية الرفيعة وقد ولدت في العام 1923 لأبوين أديبين شاعرين وونشأت في بيت مفعم بالفن والشعر والثقافة ولم يكن اسمها التركي لينفي كونها قد تتلمذت وقرأت على يد والدها الشاعر صادق جعفر الملائكة ومنذ نعومة أظفارها كثبراً من كتب التراث العربي القديم من طراز "فقه اللغة" للثعالبي و"خزانة الأدب" للبغدادي كما اتهمت على حد ما قالت بنفسها كتب "البيان والتبيين" في ثمانية أيام كادت فيها تؤذي عينيها إيذاًْ شديداً ولم تكن تدري أي جنونٍ كان يدفعها إلى ذلك كما تساءلت عن ذلك لاحقاً واصفةً تلك التجربة بالمحنة الفظيعة والتي لم ينتشلها من براثنها إلا مرض التهاب عينيها والذي كان شراً لا بد منه للتوقف بعدها عن المطالعة إلى حين الشفاء، لتواصل رحلتها التعليمية في كنف والدها الشاعر ووالدتها الأديبة الشاعرة التي كانت تنشر بعض أعمالها تحت اسم "أم نزار الملائكة" لتحفظ عن ظهر قلب درراً من الشعر الجاهلي القديم من نوعية أخبار حرب البسوس وقصائد النابغة الذبياني والتغلبي والمرقش وأمثالهم وصولا إلى أشعار العصر الوسيط للبحتري وابن زيدون وابن خفاجة وانتهاءٍ بكتب الشعر والنقد المعاصرة مثل "مع أبي العلاء في سجنه" لطه حسين و"عبقرية الشريف الرضي" لطه حسين و"تاريخ حياة معدة" لتوفيق الحكيم و"بلوغ الإرب" للألوسي وكثير غيرها من الكتب المشابهة الأمر الذي أسهم في تنمية وصقل ثقافتها الأدبية والشعرية أيما إسهام.

مبكراً وفي بدايات سني شبابها أصدرت نازك الملائكة باكورة إنتاجها في ثلاثينات القرن العشرين وكانت عبارة عن ديوان "أنشودة المجد" وأخذت في مواصلة تحصيلها العلمي لتصبح نموذجا للمبدع العربي الشامل الثقافة المدعوم بالدراسة الأكاديمية المتخصصة فقد درست الموسيقى وتخصصت في آلة العود وتخرجت من معهد الفنون عام 1949 وأصدرت في أثناء دراستها ديوانها الشعري الأول "عاشقة الليل" عام 1947 وجاءت دراستها للموسيقى بعد أن كانت قد درست وتخرجت قبلاً من دار المعلمين عام 1944 إلى أن ابتعثت إلى الولايات المتحدة الأميركية وتحديداً إلى جامعة ويسكنسون لتنال درجة الدكتوراه منها عن دراسة في الأدب المقارن الأمر الذي أتاح لها الاطلاع على عيون الأدب الإيطالي والألماني والروسي والهندي والصيني بعد أن أتمت دراسة اللغة اللاتينية في جامعة برستن الأميركية فضلاً عن إلمامها المسبق بكل من الأدب الانجليزي والفرنسي الذين كانت قد تمرست فيهما سابقاً بمجهود ذاتي كما كان الأمر مع الأدب العربي، وهكذا حتى عادت إلى العراق لتعمل أستاذة للأداب العربية في جامعة البصرة عام 1957.
كانت قصيدتها "الكوليرا" عام 1947 تأسيساً لمدرسة جديدة في الشعر العربي وهي التي باتت تعرف لاحقاً بمدرسة الشعر الحر التي تتنازع الريادة فيها مع مواطنها ومعاصرها الشاعر بدر شاكر السياب إلا أن كثيراً من النقاد يرون لنازك الملائكة فضل السبق في هذه المدرسة وأيا كان الأمر فالمسألة لا تنقص أو تزيد من فضل نازك الملائكة في شيء فقد تميزت هذه الشاعرة بالنبوغ والتميز في مجال النقد الأدبي والشعري بقدر تميزها في مضمار الشعر وكانت من أوائل من مارس نقد النقاد إضافة إلى نقد الشعراء و-ذلك في دراساتها المنشورة في "قضايا الشعر المعاصر" عام 1962 و "الصومعة والشرفة الحمراء" عام 1965 وحتى سيكولوجية الشعر عام 1993. كما كل الشعراء كانت نازك عاشقة لليل وكان هذا هو عنوان ديوانها الذي أصدرته عام 1947 وذلك لأن الليل كما شرحت ذات مرة يحرر النفوس من رقابة الشعور الذاتي ومن رقابة الآخرية ويدخل الإنسان في مغامرته الخاصة التي لا يد لأحد عليه فيها عندما يتطابق سكون الليل مع سكونه وصفائه الداخلي ويتشابه صمت الليل مع صمت الشاعر الذي كانت تشبهه الشاعرة بأنه القصيدة النائمة في سوداوية تعللها الشاعرة بضيقها بفكرة الموت الذي يأتي على البشر وكرهها لالاستعمار البريطاني والحكومة العميلة وكذلك اشمئزازها من التخلف والجهل الذي يعتري المجتمع.

كانت شأنها شأن كل مثقفي الأمة العربية مسكونة بالشأن العربي العام الذي كانت قضية فلسطين هي أبرز ملامحه في تلك الحقبة التي قد تبدو لنا سحيقة المدى نظراً لما اعترى واقعنا من تغيرات وتحولات جعلتنا نشعر بأن رومانسية الوطنية النقية من أحلام الماضي البعيد، ولم تكن نازك الملائكة إلا تلك الشاعرة المرهفة المترعة بأنانية الحب، فعلى الرغم من أن العراق في ذلك الوقت كان يغلي في اتجاه التحرر من الاحتلال البريطاني والانفتاح والتقدم في كل مجالات الفكر ويعج بقضايا محلية كبرى تحت وطأة الفقر والتخلف، لم يمنع كل ذلك نازك الملائكة أن تنشغل بقضية كبرى كانت وليدة وقتها هي القضية الفلسطينية عندما أعلنت في قصيدتها "مرايا الشمس" بكل النزعة الرومانسية الأدبية وأنانية المحبين التي تتمتع بها الشاعرات عن تفردها في حب فلسطين والانتماء إليها حيث قالت "وتعود خارطتي الحبيبة ملك قلبي .. تحت هدبي، لا يجوب سفوحها غيري أنا .." لتطوف نازك بالمستمع في مدنها مدينة تلو أخرى دون أن تهمل واحدةً منها، تسميها بأسمائها ومعالمها ورائحة أشجارها وبياراتها ورموزها بما يبرز حس المكان العميق الحزن في واحدة كل منها حتى تصل بنا إلى مساحة الغضب الحتمي عندما تدعو الشاعرة عينها بعد أن خذلتها الدموع إلى الثورة بقولها " إني سأكسر قيد خارطتي بأسلحتي جميعاً، وردي ودمعي والسكاكين الحداد !" .آمنت نازك بأن الفن الحقيقي هو ذلك الآتي من رحم الحرية وأن الشعر عبارة عن معاناة متصلة للشاعر تستمر معه طالما استمرت به الحياة التي تسير وفق تصورها على قاعدة اللاقاعدة حيث لا أساس منطقي تسير عليه أحداثها التي كلما أفرزت معاناة ما أفرز الشاعر في مقابلها قصيدة في إيمان شديد بقيمة الحلم المجرد الذي كانت ترى فيه ما هو أكثر جمالاً من تحقيقه.
كما آمنت الشاعرة وتبنت قضية المرأة العربية والعراقية وتصدت بعنف من موقعها كشاعرة وأكاديمية لظاهرة جرائم الشرف المزعوم عندما أدانت في إحدى قصائدها ذلك الرجل الذي يقدم على ذبح فتاة متهمة وما إن يمسح دماءها عن سكينه حتى يذهب ليجالس الساقطات من فتيات الحانات وكأن العار قصر على المرأة وحدها دون الساقطين من الرجال.

في ظل هذه الأجواء وبهذه العقلية والملكات عاشت نازك الملائكة حياتها وعبرت عن نفسها وأدت رسالتها بما هو أكثر من المطلوب منها وقامت على تدريس وتخريج أجيال من الشباب وكانت مثالا للمرأة العربية المتعلمة الواعية بما تريد لنفسها ولبلدها ولأمتها، مارست فنها وإبداعها برقي وتفرد وأمسكت بزمام العلم والثقافة وعلمت الآخرين ما تعلمته واعتنت بقضايا أمتها كما يليق بإنسانة مثقفة وشاعرة مبدعة، تزوجت وأنجبت ونبغت وتفوقت دون أن تستجدي عون أحد ودون أن تمن على الدنيا بوجودها إلى أن ذاع صيتها كشاعرة لا يشق لها غبار ذات وجه حقيقي دون حاجة إلى تزييفه بمساحيق العلاقات العامة وسطع بريق نجوميتها في سماء الشعر والأدب والثقافة بغير حاجة إلى تلميع من شركات الدعاية والإعلان في احترام شديد لنفسها ولجمهورها، وهاهي تتهيأ لمغادرة هذه الدنيا دون أن يدري بها أحد !
ولكم مودتي

*عبدالرؤوف النويهى
12 - يونيو - 2007
العراق فى القلب00نازك الملائكة (8) عاشقة الليل    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم
 
                      
 
يا ظلامَ الليــلِ يا طــاويَ  أحزانِ  القلوبِ
أُنْظُرِ الآنَ فهذا  شَبَحٌ  بادي  الشُحـــوبِ
جاء يَسْعَى ، تحتَ أستاركَ ، كالطيفِ  الغريبِ
حاملاً في كفِّه العــودَ  يُغنّـــي للغُيوبِ
ليس يَعْنيهِ سُكونُ الليـلِ  في  الوادي  الكئيبِ
* * *
هو ، يا ليلُ ، فتاةٌ شهد  الوادي  سُـــرَاها
أقبلَ  الليلُ  عليهــا فأفاقتْ   مُقْلتاهـــا
ومَضتْ تستقبلُ الوادي بألحــانِ  أساهــا
ليتَ آفاقَكَ تــدري ما تُغنّـي  شَفَتاهــا
آهِ يا ليلُ ويا ليتَــكَ تـدري  ما  مُنَاهــا
* * *
جَنَّها الليلُ فأغرتها الدَيَاجــي والسكــونُ
وتَصَبَّاها جمالُ  الصَمْــتِ ، والصَمْتُ  فُتُونُ
فنَضتْ بُرْدَ نَهارٍ لفّ مَسْــراهُ  الحنيـــنُ
وسَرَتْ طيفاً حزيناً فإِذا الكــونُ  حزيــنُ
فمن العودِ نشيجٌ ومن الليـــلِ  أنيـــنُ
* * *
إِيهِ يا  عاشقةَ  الليلِ  وواديـــهِ  الأَغــنِّ
هوَ ذا  الليلُ صَدَى وحيٍ  ورؤيـــا  مُتَمنِّ
تَضْحكُ الدُنْيا وما  أنتِ سوى  آهةِ  حُــزْنِ
فخُذي  العودَ  عن  العُشْبِ  وضُمّيهِ   وغنّـي
وصِفي  ما  في  المساءِ  الحُلْوِ  من  سِحْر وفنِّ
* * *
ما الذي ، شاعرةَ  الحَيْرةِ ،  يُغْري  بالسمـاءِ ?
أهي أحلامُ الصَبايا  أم  خيالُ  الشعـــراء ?
أم هو  الإغرامُ  بالمجهولِ  أم  ليلُ  الشقــاءِ ?
أم ترى الآفاقُ  تَستهويكِ  أم سِحْرُ  الضيـاءِ ?
عجباً  شاعرةَ  الصمْتِ  وقيثارَ   المســـاء
* * *
طيفُكِ الساري شحـوبٌ وجلالٌ  وغمـوضُ
لم يَزَلْ  يَسْري  خيالاً  لَفَّـه  الليلُ  العـريضُ
فهو  يا  عاشقةَ  الظُلْمة  أســـرارٌ   تَفيضُ
آه  يا  شاعرتي  لن  يُرْحَمَ   القلبُ   المَهِيـضُ
فارجِعي لا تَسْألي  البَرْقَ  فما  يدري  الوميضُ
* * *
عَجَباً ، شاعرةَ   الحيْرةِ ، ما  سـرُّ  الذُهُـولِ ?
ما الذي  ساقكِ  طيفاً  حالِماً  تحتَ  النخيـلِ ?
مُسْنَدَ  الرأسِ  إلى  الكفَينِ  في  الظلِّ  الظليـلِ
مُغْرَقاً  في  الفكر  والأحزانِ  والصمتِ  الطويلِ
ذاهلاً عن  فتنةِ  الظُلْمة  في   الحقلِ   الجميـلِ
* * *
أَنْصتي  هذا  صُراخُ  الرعْدِ ، هذي  العاصفاتُ
فارجِعي لن تُدْركي  سرّاً  طوتْهُ  الكائنــاتُ
قد جَهِلْناهُ وضنَــتْ بخفايــاهُ  الحيــاةُ
ليس  يَدْري  العاصـفُ  المجنونُ  شيئاً  يا  فتاةُ
فارحمي قلبَكِ ، لــن تَنْطِقُ  هذي  الظُلُماتُ
4-4-1945
----------------------
الأعمال الكاملة ، المجلد الأول ، ص 546 ، دار العودة - بيروت ، 1986
 
 
 
 
 
*عبدالرؤوف النويهى
12 - يونيو - 2007
نعي الملائكة    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم
 
قرأت الساعة على موقع الجزيرة نعي الأديبة العراقية نازك الملائكة رحمها الله وهذا نصه
 
 
رائدة الشعر الحر نازك الملائكة في ذمة الله
قصائد نازك الملائكة فتحت باب
الشعر الحر على مصراعيه (الجزيرة نت)
توفيت رائدة الشعر الحر الشاعرة العراقية نازك الملائكة في القاهرة عن عمر ناهز 85 عاما بعد صراع طويل مع مرض السرطان. وأعلنت عائلة الشاعرة الراحلة وفاتها مساء الأربعاء.
وقال المصدر في اتحاد الكتاب المصريين إن الشاعرة العراقية توفيت في منزلها بالعاصمة المصرية، وإن موعد الجنازة سيعلن لاحقاً.
ودشنت الشاعرة العراقية عام 1947 بقصيدتها "الكوليرا" ما عرف بالشعر الحر في الأدب العربي، ولكن في الطبعة الخامسة من كتابها قضايا الشعر المعاصر أقرت بأن قصيدتها لم تكن قصيدة الشعر الحر الأولى بل سبقتها قصائد نشرت منذ عام 1932.
ويرجح بعض مؤرخي الأدب العربي أن تكون هي الرائدة الأولى لهذا النوع من الشعر العربي بعدما كتبت قصيدتها الشهيرة "اللاجئ" عن اللاجئين الفلسطينيين عام 1948، بينما يرجح البعض الأخر أن يكون مواطنها العراقي بدر شاكر السياب الذي رحل في الستينيات من القرن الماضي أول من كتب هذا النوع من الشعر.
وولدت نازك الملائكة ببغداد في بيئة ثقافية وتخرجت في دار المعلمين العالية عام 1942، والتحقت بمعهد الفنون الجميلة وتخرجت في قسم الموسيقى عام 1949، وفي عام 1959 حصلت على شهادة الماجستير في الأدب المقارن من جامعة وسكونسن بالولايات المتحدة، وعينت أستاذة في جامعة بغداد وجامعة البصرة ثم جامعة الكويت. وذهبت الملائكة لتعيش في عزلة اختيارية في القاهرة منذ عام 1990.
أهم مجموعاتها الشعرية، عاشقة الليل 1947، قرار الموجة 1957، شجرة القمر 1968، يغير ألوانه البحر1977، للصلاة والثورة 1978.
 
ومن مؤلفاتها: قضايا الشعر المعاصر، والتجزيئية في المجتمع العربي، والصومعة والشرفة الحمراء، وسيكولوجية الشعر.
ويبقى لنازك الملائكة ريادتها على صعيد المرأة العراقية بشكل خاص والعربية عموما، حيث كانت أحد المؤثرين في الثقافة والحركة الشعرية العربية.
 
 
*طه أحمد
21 - يونيو - 2007
البقاء لله 000ورحلت عاشقة الليل0    كن أول من يقيّم
 
       نازك الملائكة ولقيطها :قصيدة النثر                                                             عبدالقادر الجنابى
 
 
إذن رحلت نازك الملائكة إلى العالم الآخر... تاركة الأحياء محدقين في ما مضى، في شيء من سيرتنا الشعرية. رغم كل ما تم من تشكيك في أنها ليست أول من كتب قصيدة وفق معايير الشعر الحر، وأن هناك الكثير من التجارب الفردية قبلها، تبقى نازك الملائكة هي المؤسس الأول للشعر الحر، لأنها أول من نقل التجارب لإيجاد شكل شعري متحرر من بعض القيود التي لم يعد لها معنى، من حيز التجريب غير الواعي إلى فضاء التجريب الواعي والمقصود، وتسميته وباتالي فتح مواجهة طويلة مع المعطيات. وهذا عين ما حصل عند ظهور الشعر الحر في فرنسا. فرغم أن رامبو كان أول من كتب قصيدتين حرتين بسنوات قبل ظهور الاسم، وأن لافورغ نشر قصائد حرة بنفس الفترة التي نشر غوستاف كان، فإن غوستاف كان هو الذي يعتبر في نظر الجميع مؤسس الشعر الحر ومنظره: فالقصدية هي الأساس في كل شيء. ولواضع التسمية دوره المؤسس وبالتالي المنظر. فالمسألة إذن ليست هنا.  فمكانها الريادي هذا سيبقى في صلب الشمس، وسوف لن تُناقش أعمالها إلا من خلال هذه الأشعة التي سلطتها نازك الملائكة في عز شبابها... فما كتبت من شعر فيما بعد بقي في إطار الكلاسيكية لا يصمد أمام تجاربها الأولى.
لكنها كشاعرة تربت في بيت محافظ، وكامرأة في وسط أدبي ذكوري، لم يسمح لها الانفتاح التجريبي المهدد للتراث الذي فرضته أوضاع خمسينات القرن الماضي، إلا أن ترتد، أن تتقوقع في ما أجترحته من تجديد وأن تتوقف عند الأسس الأولى (عدم الالتزام بعدد ثابت من التفعيلات، تحويل البيت من شطرين إلى سطر، مزج تفعيلات بحر بتفعيلات بحر آخر، الوقفة حيث يريد الشاعر حتى نهاية المعنى، نسف نظام الروي وجعل الصوت متنقلا، عدم خضوع الموسيقى للوزن وإنما لحالة الشاعر النفسية، التدفق)، جاعلة من  هذه الأسس الأولى  قيودا خليلية جديدة، وليس نقاط انطلاق نحو حرية أكبر، بل أصبحت خائفة حتى مما قامت به من كسر لبعض القيود، إذ كتبت في "قضايا معاصرة" قائلة: ... يهمنا أن نشير إلى أن حركة الشعر الحر، بصورتها الحقة الصافية، ليست دعوة لنبذ الأبحر الشطرية نبذا تاما، ولا هي تهدف إلى أن تقضي على أوزان الخليل وتحل محلها". إن رواد الشعر الحر باللغة الانجليزية كانوا لا يختلفون عن مقاربة نازك الملائكة، فهم أيضا كوليم كارلوس وليامز وباوند واليوت، وقفوا ضد ما أخذ ينتشر باسم "الشعر الحر" في اللغة الانجليزية، بينما هو في نظرهم شعر نثري. 
لكن هذا ما حصل. ذلك أن "كل ميل"، كما وضحت هي في نفس الفصل، "إلى تحكيم الشكل في المعنى يغيظ الشاعر المعاصر ويتحداه". وبالفعل شَعر الشعراء الجدد وعلى رأسهم توفيق صايغ، ثم محمد الماغوط وأنسي الحاج، بضرورة التوسع في إمكانيات الشعر الحر وكسر كل قيد سواء كان عروضيا بالمعنى الكلاسيكي للكلمة أو بقياسات شعر التفعيلة حتى طفقوا  "ينبذون الأوزان القديمة نبذا تاما"... وهكذا وضعت الملائكة من خلال تحرير الأوزان وتليينها، بذرة لقيط سيكون له اسم مستعار: "قصيدة نثر".
لم تنتبه نازك الملائكة إلى أن الشعر الحر الذي أرادت تعميمه يميل أكثر إلى ما سمي بالفرنسية "الشعر المُحرَّر" Vers libérés (أو المتحلل من بعض قيود وزنية دون أن يمس العروض الفرنسي)، منه إلى "الشعر الحر" Vers libre الداعي إلى عدم الالتزام بعدد ثابت من المقاطع (وبالتالي التفاعيل) في البيت... وربما فقط في هذه النقطة، يقترب منظور تحرير الوزن لدى الملائكة من مفهوم "الشعر الحر" بمعناه الفرنسي... 
لم تستطع نازك الملائكة تجاوز ذهنيتها المحافظة والارتدادية، وكأنها ستخسر شيئا لو حاولت ان تقف إلى جانب هذا اللقيط، وأن تعتبره أبنها الشرعي. وها هو وليد تمردها هذا ابن ضال، لا يريد حتى الاعتراف بأمه التي أنجبته. ورُحب به دون أن يتابع أحد شجرة أصله، نسبه وفصله..  وهكذا سادت الفوضى التي كانت تخشاها نازك الملائكة، ووضعت كتابا كاملا تحذر فيه منها، ولم يُجد نفعا! فللتاريخ دوما مقلبٌ: إن ما كانت تخشى وقوعه، أنتج تاريخا عريضا، بل شبحا ظل يطاردها حتى أمس.
موقع إيلاف 21/6/2007
 
 
*عبدالرؤوف النويهى
21 - يونيو - 2007
جائزة نازك الملائكة 0    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم
 

جائزة نازك الملائكة?!?


بقلم : أحمد عبدالمعطي حجازي

 
أشعر بالحزن والألم لأننا لم نحتفل بنازك الملائكة يوم دخلت مصر منذ أكثر من عشرة أعوام في غفلة عنالتقضي فيها بقية أيامها?,? ولأننا لم نودع نازك الملائكة حين رحلت قبل أيام عن دنيانا?,? لأنها آثرت أن تعيش أيامها الأخيرة في عزلة عن العالم لا يصلها به إلا ولدها البار الذي لم نكن نراه إلا حين يصدر لها كتاب يحمل لنا نسخة منه ثم يغيب فلا نستطيع أن نتصل بها أو نتابع أخبارها?.?

ولقد كانت مصر لنازك الملائكة وطنا روحيا ارتبطت به منذ فتحت عينيها علي الدنيا?,? فرأت بلدا عربيا يضج بحياة جديدة كانت بالنسبة للبلاد الأخري حلما من الأحلام?.?

ومع أن الشعر كان دائما فنا حيا في العراق?,? فقد وجدت نازك الملائكة نفسها أكثر في شعر الرومانتيكيين المصريين?,? الذين عاصرت بداياتهم كقارئة?,? إذ ولدت في أوائل العشرينيات من القرن الماضي في عائلة بغدادية مثقفة?,? ومعني هذا أنها كانت قادرة علي قراءة الشعر وتذوقه في أواسط الثلاثينيات?,? أي في السنوات التي تشكلت فيها جماعة أبوللو في مصر?,? وظهرت مجلتها التي استطاعت في عمرها القصير أن تمنح الشعر العربي حياة جديدة بما قدمته علي صفحاتها من أشعار وأفكار جديدة?,? وبقدرتها علي تحقيق التواصل بين الشعراء العرب بعضهم وبعض?,? وبين هؤلاء وقرائهم?,? كانت تنشر لمطران وأبي شادي وناجي والهمشري ومحمود حسن إسماعيل وسواهم من المصريين?,? كما تنشر لإيليا أبي ماضي وأبي القاسم الشابي ومحمد مهدي الجواهري والتيجاني يوسف بشير وسواهم من شعراء الأقطار الأخري?,? وفي شعر نازك أثر قوي من شعر المهجريين اللبنانيين والرومانتيكيين المصريين?,? خاصة علي محمود طه الذي ظهر ديوانه الأول الملاح التائه ونازك في نحو الثانية عشرة من عمرها?.?

من الطبيعي إذن أن تكون القصيدة الأولي التي قدمت بها نازك نفسها لقراء الشعر وللحركة الشعرية العربية عامة?,? هي قصيدتها الكوليرا التي عبرت فيها عن حزنها العميق لما أصاب مصر من شرور هذا الوباء الذي داهمها عام?1947,? فراح ضحيته آلاف المصريين?:?

يا شبح الهيضة ما أبقيت
لا شئ سوي أحزان الموت
الموت?!? الموت?!? الموت?!?
يا مصر شعوري مزقه ما فعل الموت?!?
لو كانت لدينا حركة نقدية يقظة مسئولة مؤهلة لجعلت هذا العام ـ الذي تحل فيه الذكري الستون لظهور قصيدة الكوليرا وهي القصيدة التي تعتبرها نازك الملائكة بداية لحركة الشعر الحر ـ عام مراجعة وتقويم وتأصيل لما قدمه رواد التجديد من العراقيين وغير العراقيين وخاصة نازك الملائكة وبدر شاكر السياب?,? الذي صدر ديوانه الأول كذلك أزهار ذابلة في العام الذي ظهرت فيه قصيدة نازك?,? لكن معظم المتهمين اليوم بالنقد ليسوا نقادا?,? خاصة حين يكون عليهم أن يقفوا أمام الشعر وقفة صادقة ينفذون فيه الي داخله?,? ويفسرون أبنيته المعنوية والايقاعية?,? ويكشفون عن الروابط الظاهرة والخفية التي تشد هذه الأبنية بعضها الي بعض في قصيدة واحدة?.?

النقاد الحقيقيون لا مكان لهم في حياتنا الأدبية?,? والمتهمون بالنقد مشغولون بغير النقد?,? وغير الأدب?!?

وعواطف نازك تجاه مصر ليست عواطفها وحدها?,? بل هي عواطف بغداد كلها كما تقول في قصيدتها عن الوحدة العربية?:?

واستفاقت بغداد نشوي تغني
وهي تسقي ورود أجمل فجر
خفقت في سمائها راية الوحدة?,?
يا للحلم الجميل النضر
قلبها?,? قلبها المشوق إلي مصر طويلا?,?
قد ضم تربة مصر

لكن مصر في شعر نازك ليست مجرد موضوع?,? وليست مجرد مناسبة?,? وإنما هي وطن روحي كما قلت?,? أو بالأحري ثقافة ولغة?,? لغة تتواصل بها نازك مع واقع تحلم به ولا تدرك منه شيئا?,? واقع يفلت من يدها ويفر لأنها هي التي تصنعه بأحلامها التي لا تتحقق?,? انه يوتوبيا الضائعة كما تقول في قصيدتها التي تحمل هذا الاسم?,? أو هو الغد الذي تبحث عنه في قصيدة أخري?.?
يداك للمس النجوم
ونسج الغيوم
يداك لجمع الظلال
وتشييد يوتوبيا في الرمال?!?
ونحن نقرأ أشعار نازك الأولي?,? التي نظمتها في أواسط الأربعينيات ونشرتها متأخرة في أوائل الستينيات?,? ومنها المطولة التي سمتها مأساة الحياة والمطولة الأخري التي سمتها أغنية للإنسان?,? نجد فيها من لغة الشعراء الرومانتيكيين المصريين أكثر بكثير مما نجد من لغة الشعراء العراقيين?,? الذين لم يشاركوا إلا قليلا في الحركة الرومانتيكية?.? المعجم?,? والأوزان والموضوعات مستلهمة كلها من شعراء أبوللو?.? والمساحة لا تتسع لمقارنات في المفردات المستعملة?,? لكن الموضوع الذي تدور حوله قصائد نازك الأولي هو الموضوع الذي تدور حوله بصورة أو بأخري قصائد المصريين?,? خاصة علي محمود طه ومحمد عبدالمعطي الهمشري?,? وهو أن الحياة التي نعيشها مأساة نهرب منها الي الحلم?,? أو الي الطبيعة?,? أو الي النشوة الحسية أو الروحية?,? والوزن الذي استخدمته نازك في قصائدها الأولي وظلت تحن إليه في قصائدها التالية هو وزن الخفيف الذي نظم فيه شاعر الجندول عددا كبيرا من قصائده?,? ونظم فيه الهمشري ملحمته شاطئ الأعراف?,? ويكفي أن نقارن بين قصيدة علي محمود طه غرفة الشاعر وقصيدة نازك مأساة الشاعر?,? لنري أثر الأولي في هذه الأخيرة?.?

غير أن نازك التي قرأت الرومانتيكيين المصريين والمهجريين?,? قرأت الرومانتيكيين الانجليز وخرجت من هؤلاء جميعا بلغة جديدة هي لغة نازك الملائكة?,? التي نظمت بها معظم قصائدها ولعبت بها دورها الرائد في حركة التجديد?.?
فماذا صنعنا نحن لنازك?

لقد تصرفنا معها كأننا لا نعرفها?,? وفي مؤتمر الشعر الذي عقدناه في فبراير الماضي تمنيت أن تكون نازك أول من يفوز بجائزة المؤتمر?,? وعبرت عن هذا الرأي بالقدر الذي كان متاحا?,? لكن الذين انفردوا بتشكيل لجنة التحكيم وجهوا اللجنة ووجهوا الجائزة وجهة أخري?.?

ومع هذا فقد حصلت نازك علي جائزتها الكبري?,? حصلت عليها يوم كتبت أول قصيدة?,? ويوم كتبت آخر قصيدة?,? ويوم دعت الي الشعر الجديد?,? فاستجاب الناس للدعوة?,? وظهر جيل جديد من الشعراء?,? وحل الشعر الجديد محل الشعر القديم?!?
 
جريدة الأهرام القاهرية 27/6/2007
*عبدالرؤوف النويهى
27 - يونيو - 2007
الكوليرا فى مصر المحروسة سنة 1948م    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم
 
الكوليرا
سكَنَ الليلُ
أصغِ إلي وَقْع صَدَي الأنَّاتْ
في عُمْق الظلمةِ، تحتَ الصمتِ، علي الأمواتْ
صَرخَاتٌ تعلو، تضطربُ
حزنٌ يتدفقُ، يلتهبُ
يتعثَّر فيه صَدي الآهاتْ
في كلِّ فؤادٍ غليانُ
في الكوخِ الساكنِ أحزانُ
في كل مكانٍ روحٌ تصرخُ في الظُلُماتْ
في كلِّ مكانٍ يبكي صوتْ
هذا ما قد مَزَّقَـهُ الموت
الموتُ الموتُ الموتْ
يا حُزْنَ النيلِ الصارخِ مما فعلَ الموتْ
طَلَع الفجرُ
أصغِ إلي وَقْع خُطَي الماشينْ
في صمتِ الفجْر، أصِخْ، انظُرْ ركبَ الباكين
عشرةُ أمواتٍ، عشرونا
لا تُحْصِ أصِخْ للباكينا
اسمعْ صوتَ الطِّفْل المسكين
مَوْتَي، مَوْتَي، ضاعَ العددُ
مَوْتَي ، موتَي ، لم يَبْقَ غَدُ
في كلِّ مكانٍ جَسَدٌ يندُبُه محزونْ
لا لحظَةَ إخلادٍ لا صَمْتْ
هذا ما فعلتْ كفُّ الموتْ
الموتُ الموتُ الموتْ
تشكو البشريّةُ تشكو ما يرتكبُ الموتْ
الكوليرا
في كَهْفِ الرُّعْب مع الأشلاءْ
في صمْت الأبدِ القاسي حيثُ الموتُ دواءْ
استيقظَ داءُ الكوليرا
حقْدًا يتدفّقُ موْتورا
هبطَ الوادي المرِحَ الوضّاءْ
يصرخُ مضطربًا مجنونا
لا يسمَعُ صوتَ الباكينا
في كلِّ مكانٍ خلَّفَ مخلبُهُ أصداء
في كوخ الفلاّحة في البيتْ
لا شيءَ سوي صرَخات الموتْ
الموتُ الموتُ الموتْ
في شخص الكوليرا القاسي ينتقمُ الموتْ
الصمتُ مريرْ
لا شيءَ سوي رجْعِ التكبيرْ
حتّي حَفّارُ القبر ثَوَي لم يبقَ نَصِيرْ
الجامعُ ماتَ مؤذّنُهُ
الميّتُ من سيؤبّنُهُ
لم يبقَ سوي نوْحٍ وزفيرْ
الطفلُ بلا أمٍّ وأبِ
يبكي من قلبٍ ملتهِبِ
وغدًا لا شكَّ سيلقفُهُ الداءُ الشرّيرْ
يا شبَحَ الهيْضة ما أبقيتْ
لا شيءَ سوي أحزانِ الموتْ
الموتُ، الموتُ، الموتْ
يا مصرُ شعوري مَزَّقَـهُ ما فعلَ الموتْ.
**********************
لم تكن مصا دفة  أن تتمزق نازك  حزناً على ما أصاب شعب مصر من شوطة الكوليرا ،كما أطلقت عليها جدتى أم أبى يرحمهماالله ويشملهما بعفوه وغفرانه ، وأن تكتب هذه القصيدة سنة 1948 ،لكى تفتح باباً جديداً فى مسيرة الشعر العربى 0ولم تكن مصادفةً أن تموت نازك الملائكة  على أرض مصر المحروسة  ،ويحتضنها ثرى مصر المحروسة 0
كنت أقرأ لها دواوين  أشعارها  ،وحفظت فى سابق أيامى هذه القصيدة (الكوليرا ) وأردد السطر الأخير (يامصر شعورى مزقه  ما فعل الموت )0
فليرحمنا الله وإياها ،إنه سميع مجيب الدعاء 0
                                                 عبدالرؤوف النويهى
 
*عبدالرؤوف النويهى
27 - يونيو - 2007
استدراك 00وتصحيح0    كن أول من يقيّم
 
يبدو أن الذاكرة الخؤون لا ترغب فى البعد عنى ،فكان الخطأ الذى أوقعتنى فيه ، ولابد من استدراكه وتصحيحه 0
 
شوطة الكوليرا التى اجتاحت مصر المحروسة فى أكتوبر سنة 1947م وحصدت الآلاف من شعب مصر 0
 
كتبت نازك هذه القصيدة (الكوليرا )فى نفس العام 1947م ونشرتها فى ديوانها شظايا ورماد 0
وقد رجعتُ  فوراً  إلى أعمالها الكاملة (المجلد الثانى )طبعة دار العودة ببيروت – لبنان الطبعة الثانية سنة 1979م ،لعدم تيقنى مما أثبته (الكوليرا فى مصر المحروسة سنة 1948م ) وتحقق شكى فيما كتبته خطأًً،والقصيدة  ص 138حتى ص142،  
 
 وجلّ من لايسهو، ومعذرةً0
*عبدالرؤوف النويهى
27 - يونيو - 2007
 3  4  5  6  7