البحث في المجالس موضوعات تعليقات في
البحث المتقدم البحث في لسان العرب إرشادات البحث

مجلس : الفلسفة و علم النفس

 موضوع النقاش : ذكريات أيام المدرسة    قيّم
التقييم :
( من قبل 2 أعضاء )
 محمد هشام 
22 - أبريل - 2007
لطالما تذكرت أيام المدرسة الجميلة والمتعبة , وتأثيراتها في أيامي التالية , ولطالما تذكرت أصدقاء كانوا معي ثم فقدتهم في دروب الحياة الطويلة , كل يوم مر في المدرسة كان يحمل مع العلم تكوين شخصياتنا , وتكوين اختياراتنا ومسيرتنا , أيام المرحلة الإبتدائية وما تحمله من بهجة , وأيام المرحلة الإعدادية والثانوية وما فيها من نضوج الشخصية والخيارات
تعالوا معي نتذكر , ونكتب عن تأثير تلك الأيام بحلوها , ومرها .. بآمالها وإحباطاتها
تعليقاتالكاتبتاريخ النشر
مرحبا يا صباح    كن أول من يقيّم
 
كانت البداية عندما أخذتني الوالدة إلى المدرسة القريبة من بيتنا مدرسة أسامة بن زيد لتسجلني في الصف الأول , كان هذا في عام  1966, وكان أخي جمال الذي يكبرني بعامين في نفس المدرسة وقد نجح إلى الصف الثالث , وكان مشهوراً بالمدرسة بتفوقه , فكان الأول في صفه وعلى المدرسة ,..... وحين سألتني المديرة : كم سيكون ترتيبك في الصف الأول ? أجبتها : الثاني ! , وتعجبت المديرة من ردي وسألتني : لماذا الثاني يا شاطر ? أجبتها : لأن أخي جمال الأول .. فقامت المديرة نحوي وقبلتني وحملتني إلى غرفة المدرسات لتخبرهم عن الحوار بيننا , وكنتُ غير راضٍ عن حملي فأنا لستُ طفلاً لتحملني إنني في عامي السادس  أي أني أصبحتُ رجلاً !! , وهكذا في حينا ( حي الميدان ) يغرسون في الطفل منذ نعومة أظافره أنه رجل فلا يستمتع بطفولته ولا يعيشها , وعندما فتحت المدرسة أبوابها كنتُ في صف المدرسة ملك , وهذه المدرسة لها نصيبٌ من اسمها , فكانت معلمة وأم .. وحبيبة أيضاً !! وكان زميلي في المقعد جاري وصديقي محمد الخن , فكنا نذهب معاً إلى المدرسة ونعود معاً , فعندما أستيقظ صباحاً تكون والدتنا ( وكنا كثر في مرحلة المدرسة ) قد حضرت الفطور , وكان أهم شيء في الفطور الشاي الساخن , الذي تصنعه أمي بحبها وحنانها , وكنا صباحاً نستمع للمذياع لمعرفة الوقت , وكان برنامج ( مرحباً ياصباح ) هو البرنامج الذي يبدأ ونحن على مائدة الإفطار , وحينما ينتهي في السابعة والربع نتحرك باتجاه المدرسة , وكان توقيت البرنامج من 6,45 وحتى 7,15 مناسباً ليسمعه معظم الناس العمال والموظفون والطلاب وربات البيوت .....وكان البرنامج جميلاً جداً , وتقدمه مذيعة ناجحة ( نجاة الجم ) ويتكون البرنامج أساساً من أغاني فيروز الرائعة , فكنا نستمع إلى فيروز فنمتلئ بالحب والسكينة , ونغادر المنزل على شارة البرنامج وهي أغنية فيروز : ( بقطفلك بس  , هالمرة  , هالمرة بس , ع بكرة , ع بكرة بس , شي زهرة , شي زهرة حمرا , وبس .....بحلم وبضل شهر , بالي مشغول , بيطلعلي قول شعر , وما بعرف قول ....)   
*محمد هشام
23 - أبريل - 2007
من الحرب    كن أول من يقيّم
 
إنَّه العام 1989، داخل غرفة الصفِّ، في مدرسة الحكمة، في إحدى ضواحي بيروت. دخلت المسؤولة عن القسم الابتدائيِّ وانفردت بالمعلِّمة خارج الصفِّ لدقيقة أو أقلَّ، لتعود المعلِّمة بعدها، وتطلب منَّا أن نوضِّبَ كتبنا، ونحملَ الحقائب.
خرجنا من الصفِّ، طُلِبَ ممَّن لديه أخوة أكبر منه في المدرسة أن ينتحيَ، فلم أفعل، لأنَّ أخوتي لا يدرسون معي، أنا وحيد في هذه المدرسة، لا جيران لي ولا أقاربَ فيها.
وبعد أن ذهب من لديه أخوة أكبر منه، عادت المسؤولة، وعلامات القلق تبدو على وجهها، لا أعرف لماذا، ولكنَّها تبدو قلقة، وكان الصمتُ، على غير عادة، سائدًا في الرواق، حيث ننتظر. همست المسؤولة للمعلِّمة شيئًا لم أفهمه، فطلت الآنسة ممَّن يسكن في الجوار أن ينزل إلى مدخل المدرسة، فلم أنزل، بيتنا بعيد، هذا ما قلتُه للمعلِّمة بعد أن بقيتُ مع ثلاثة من رفاقي في الرواق، ننتظر.
اللحظات تمرُّ، لا أعرف ما يحصل، لمَ المعلِّمة قلقة هكذا? لمَ غادر رفاقي? لمَ نسكن في مكان بعيد? أريد الذهاب! وأتت المسؤولة. أين تسكن? قالت لي مع تربيتة صغيرة على كتفي. هناك، في جسر الباشا، قلتُ. وجسر الباشا تبعد أكثر من ثلاثة كيلومترات عن المدرسة.
- هل لديكم هاتف في المنزل أم إنَّه معطَّل?
- لقد حفَّظني البابا رقم هاتف عمِّي الَّذي يسكن في البناية نفسها.
- تعالَ معي.
ونزلنا... نحن الخمسة، رفاقي الثلاثة، والمسؤولة، وأنا. فيما المعلِّمة لم أعرف ماذا فعلت، لم أرَها. وتحت، كان أهالي رفاقي الثلاثة في انتظارهم، وكانت المدرسة شبهَ فارغة إلاَّ من بضعة تلاميذ، وعمُّو جمال البوَّاب صديق البابا، والآنسة جيزال، عاملة الهاتف، والمسؤولة. وأعطيتُها رقم الهاتف الَّذي كنتُ سعيدًا جدًّا بحفظه. وبدأت المحاولات، ومن وقت إلى آخر يأتي والد ليصطحبَ ابنه، أو ابنته، أو تأتي والدة، لقد أتت الآن والدة هذا التلميذ الَّذي يبكي، وقالت له إنَّ والده ينتظر في السيَّارة، وغادرا. وبقيتُ وحدي...
لن أبكيَ، أنا أعرف أنَّ البابا لن يتركني، سوف يأتي لاصطحابي، وإذا تأخَّر، أبقى عند عمُّو جمال، كما علَّمني هو... ولكنَّ عمُّو جمال قلق، والآنسة جيزال أيضًا، والآنسة سعاد المسؤولة! لماذا تتهامسان? لماذا تنظر إلى الآنسة جيزال بقلق، ثمَّ تبتسم بحزن? عادت إلى الهاتف، حاولت مجدَّدًا، هذه المرَّة قالتها بصوتٍ عالٍ، لا أستطيع الاتِّصال، رقمه يبدأ بالأربعة، ولا نستطيع التقاط هذا الرقم من عين الرمَّانة. وعين الرمَّانة من صواحي بيروت، حيثُ تقع مدرستي، وهي آخر نقطة نستطيع الوصول إليها، وما بعدها قصف، وقنَّاصون، وبيننا وبينهم مقطورات عتيقة مدمَّرة تسدُّ الطريق، وتحمينا من عيون القنَّاصين. كم من طفل مات برصاصهم، كان الأطفال يلعبون داخل المقطورات، وأحيانًا تبقى جثثهم في الداخل أيَّامًا. هناك، على حائط الملعب، لوحة رخاميَّة، عليها اسم فتاة، ماتت برصاص قنَّاص، داخل ملعب مدرستنا هذه المرَّة، لم يكن أبي قد سجَّلني في هذ المدرسة يومها، ماتت منذ أربعة أعوام، في العام 1985. كنتُ يومها في مدرسة أخرى، قريبة من البيت، ولكنَّ والدي قال إنِّي تلميذ مجتهد، وهذه المدرسة الصغيرة جدًّا قرب البيت ليست جيِّدة، فنقلني إلى الحكمة. لستُ حزينًا لأنَّ المدرسة بعيدة، فهي أفضل من المدرسة الأخرى، وأكبر، والمعلِّمات لطيفات، والملعب واسع، ولكنَّ الركض فيها ممنوع، لا بأس، فإذا ركضتُ كثيرًا قد أقع وأحطِّم أسناني.
ولكنِّي أريد أبي، أريد أن يأخذني أبي إلى أمِّي، لماذا ذهب الجميع وما زلتُ وحدي هنا?
الآنسة جيزال ما زالت تحاول، سألتني مرَّة أخرى عن الرقم، فقلتُها لها، أذكر أنَّ أبي حفَّظني إيَّاه، وكتبه لي على ورقة، في السيَّارة، وكانت أختي في المقعد الأماميّ. حفظتُ الرقم جيِّدًا يومها، وقرأته مئات المرَّات، وكتبه لي أبي مجدَّدًا على المفكِّرة. أعطيتُ المفكِّرة إلى الآنسة جيزال لتتأكَّد من الرقم، إنَّه صحيح!
لماذا كثرت أصوات القذائف? كنَّا نسمعها دومًا، ولكنَّها الآن ازدادت! تعجَّبتُ حين سمعتُ الماما تقول يومًا: متى ستنتهي هذه الحرب?
وهل الحرب تنتهي? قلتُ في نفسي.
ومرَّ الوقت، والقلق يزداد على وجه الآنسة جيزال. ها هو ماريو، ابن عمُّو صبحي، صديقِ والدي. ما زال هنا، لم يغادر، كان يساعد الأولاد في المدخل الآخر، هذا ما أجابني به حين سألتُه. قال لي إنَّ الجميع قد غادر، وإنَّه كان قلقًا لأنَّ والدي لم يأتِ، ولكنَّه أتى الآن، بسيَّارته التكسي، إنَّه ينتظرني على المدخل الآخر، فركضتُ، وركض ماريو خلفي... ماريو كبير، لا يرتدي مريولاً، ويصعد مع الكبار إلى الطوابق العليا كلَّ صباح.
ركضتُ، وجدتُ والدي، كان متَّجهًا نحو المدخل الَّذي أنا فيه. قلتُ له إنَّ الآنسة جيزال لم تستطع الاتِّصال ببيت عمِّي، قال لا بأس، وذهب ليكلِّمها، وعدنا إلى سيَّارته التكسي.
لمحتُ دماءً على قميص أبيضَ كان على المقعد الخلفيِّ للسيَّارة، وسألتُ والدي: لمن هذا القميص? هل جرحتَ نفسكَ? لم يجب بدايةً، ثمَّ أخبرني أنَّه كان في الجديدة، ونقل جريحًا إلى المستشفى، وهذا قميصه. والجديدة من الصواحي الشماليَّة لبيروت، أو الشرقيَّة لا فرق، تبعد نحو خمسة كيلومترات أو ستَّة عن المدرسة.
الماما في البيت قلقة، حملتني بين ذراعيها، أبي لم يكن يحملني، فأنا كبير، وأمشي وحدي، عمري الآن ثماني سنوات، وأجيد الجمع والطرح والقواعد والإملاء، وأتكلَّم الفرنسيَّة أيضًا، أنا كبير، وأستطيع المشي وحدي، وقريبًا أستطيع العودة إلى البيت بالتكسي!
إنَّه صوتُ الراديو، موجز سريع للأخبار، تمَّ إعلان حرب التحرير ضدَّ السوريِّين.
متى سنعود إلى المدرسة? سألتُ أبي بعد يومين.
لا أعرف، ربَّما بعد يومين أو ثلاثة. وأعجبتني الفكرة، عطلة لثلاثة أيَّام جديدة.
وبعد سبعة أشهر، لم تكن العطلة قد انتهت بعد.
*جوزف
23 - أبريل - 2007
أجمل إنسانة في العالم    كن أول من يقيّم
 
كانت المعلمة ملك تجيد التعامل مع الأطفال , فكان الجميع يحبها , وكانت تغني لنا في درس النشيد , وكنتُ أضحك لإعتقادي أن الغناء للأطفال فقط ونحن أصبحنا كباراً في الصف الأول الإبتدائي فكانت تخجل , واعتادت بعد ذلك إخراجي من الصف قبل بدء الغناء وإعادتي عند الإنتهاء منه , وكنتُ كلما عدتُ للبيت كلمتُ أخواتي عن هذه المعلمة , وعن لطفها , وسألتني أختي : هل هي جميلة ? فأجبتها : أجمل إنسانة في العالم , ودارت الأيام وصادفت أن رأت أُختي المعلمة ملك فسألتني باستغراب : هذه جميلة أم أنتَ أحول ? وأخبرتْ أخواتي فكن يضحكن لذوقي , ولكن هذا لم يغير من رأيي , وبقيت المعلمة ملك في نظري أجمل إنسانة في العالم , ومازلت أحمل نفس الرأي !
*محمد هشام
23 - أبريل - 2007
أبو حسن البواب    ( من قبل 2 أعضاء )    قيّم
 
عندما كتبت عن مدرستي الأولى ( الهروب من مدرسة ) ، في ملف الوطن والزمن المتحول ، أتيت بشكل عابر على ذكر " أبو حسن " البواب الذي كان بالحقيقة أهم شخصية في تلك المدرسة ، فعدا أنه كان حارساً للبوابة ، قابضاً على حركة الدخول والخروج منها بيد من حديد ، وعدا أننا كنا جميعاً نخشاه أكثر مما كنا نخشى المعلمة أو الناظرة أو المدير ، وعدا أننا كنا نأكل بفضله المناقيش على الفرصة ، والتي كانت صفائحها تتطاير من فوق رؤوسنا فتمسح عليها بطيوب الزيت والزعتر ، وذلك بسبب التدافع والزحام من حولها ، خشية أن تنفذ دون أن ينالنا منها النصيب ..........  بهذه المناسبة ، سوف أعلن دهشتي هنا والآن : دهشتي التي شعرتها عندما قرأت منذ سنة ، لأول مرة في عقد نيسان ، قول شاعرنا الكبير الأستاذ زهير ظاظا :
 
هل عرفتِ الآن سري ولـمـاذ كـنتُ iiأزأر
ولـمـاذا مـنذ iiكانت غـرتي  زيتاً iiوزعتر
لـم أحـب iiالـمتنبي مـثـلما أحببت عنتر
وشعوري بيومها بأن هناك من دخل إلى مخيلتي واستخرج منها هذه الصورة التي أعادت إلى أنفي رائحة ذلك المكان بقسوته وضجيجه وإحساسي الأول بصعوبة الحياة خلال ذلك التدافع ، لا يوازيه سوى فرحتي باصطياد منقوشة ساخنة أسد بها جوعي ........... !!!!!!!!!! المهم : 
 كان أبو حسن يبيعنا أيضاً " الكازوز " ، والعلكة والمصاص ، وكان يعلق أكياس " غزل البنات " الملونة ، بكل غواية ، على الحائط ، فوق بسطته المسقوفة بصفيحة من التنك ، تحسباً للشتاء ، والتي كانت مجاورة تماماً لبوابة المدرسة ، لكي لا تغيب هذه الأخيرة عن عينه لحظة . 
كان لأبي حسن حضور مهيمن في تلك المدرسة كنت أجهل سره ، صحيح بأنه شكله كان مهيباً ، فهو في متوسط العمر ، شديد السمرة ، قوي البنية ، يرتدي اللباس البلدي ويضع على رأسه طاقية ، يشبه والد الأستاذ زهير كما نراه في إحدى صوره ، أو أي رجل من أقربائنا ، أو أي عابر نراه في السوق . يشبه آبائنا حتى ولو لم يلبسوا مثله ، فهو يتحرك مثلهم تماماً ، ويتكلم معنا بنفس النبرة وذات اللحن ، وينظر إلينا بريبة يشوبها شيء من التهديد ، وكان هو المعبر إلى ذلك المكان والسد الذي لا نستطيع اجتيازه إلا بأذن منه ، وهو على عكس مدير المدرسة الذي كان يلبس البدلة ، ويضع برنيطة سوداء فوق رأسه ، و ينظر إلينا بعيون مسطحة لا يبرق فيها ذلك الاهتمام الدؤوب ، ويتكلم بلكنة غريبة لأنه كان قد سافر إلى البرازيل أو إلى فنزويلا ، لم أعد أذكر ، وأخذ شيئاً من لهجتها . 
والأغرب في أبي حسن من بين البوابين الذين عرفتهم ، أنه كان مخولاً الدخول إلى الصفوف ، وأن يحل محل المعلمة لو استدعت الحاجة غيابها لسبب طارىء ، فكانت تنادي عليه ، فيأتي ومعه الخيزرانة ، ومع أنني لم أره يضرب بها أحداً  ، لكن مجرد حضوره ، كان يصيبنا برهبة السكوت ، فلا يعود يصدرعنا حس ولا حسيس ... 
وذات مرة غابت إحدى المعلمات آخر ساعة في الدوام ، وكان الطقس ماطراً ومملاً ، ولم يسمح لنا بالخروج إلى الملعب ، فجاء أبو حسن إلى الصف ليقف علينا ناطوراً لمدة ساعة كاملة من الزمن ، وكانت هذه المناسبة سبباً لهذه الذكرى معه ، لأنني رأيت فيه يومها وجهه الآخر الذي لم أكن أعرفه . 
كان " الأمن مستتباً " في الصف لمجرد وجوده فيه ، لكنه شعر بأن عليه أن يشغلنا خلال هذا الوقت الطويل ، فرأيناه يتحول بيومها ، بعد شيئ من التردد ، إلى ما يشبه الأستاذ ، أو المعلمة الحنونة . ووجدنا بأنه كان يعرف أسرار المهنة ، وعرفنا بأنه كان يحفظ كل القصائد والاستظهارات التي كنا نتعلمها في المدرسة في صفنا وفي بقية الصفوف ، لأنه أخذ يسألنا : هل تعرفون الاستظهار الفلاني ? ...... وما عرفناه منها ، رددناه معه  : 
أنا الديك من iiالهند جميل الشكل والقد
وأنشدنا :
أنا عصفور صغير كـيفما شئت أطير
وأيضاً :
سقف بيتي حديد ركن بيتي iiحجر
 ثم لما فرغنا من القصائد التي كنا نعرفها ، انتقل بنا إلى الغناء ، فصار يعلمنا أغنية : " شتي يا دنية شتي " ، لأن السماء كانت تمطر بساعتها وكأنه الطوفان ، ولم أكن قد سمعت هذه الأغنية في مسرح الرحباني بعد ، ولا سمعتها من أحد غيره من قبل ، وكان يغنيها  بالطريقة التي يعرفها بها أولاد الحارات فيقول : 
شتي  يا دنية iiشتي شتي ع قرعة ستي
سـتـي iiبالمغارة عم تشرب سيكارة
 مما أضحكنا كثيراً وذهب عنا برهبة الجو والطقس العاطل . ثم لما فرغت جعبته من القصائد " المدرسية " وأغاني " المناسبات " وكان الوقت أمامنا لا زال طويلاً ، خطر له أن يردد معنا أهازيج العيد والمراجيح فصار يقول :
يا ولاد شرشوبة 
 فنرد عليه  : يو يو
عيشة مخطوبة 
 يويو ........
 
ثم أتبعها ب :
 
جينا من الشركة البركة
فنقول نحن : يا خالي
لقينا حوالى البركة
يا خالي
لقينا بابور الأخضر
يا خالي
بيمشي بيمشي بيتمختر
يا خالي
يا بحرية
هيه وهيه
ردوا عليي
هيه وهيه
قلبي واوا
هيه وهيه
ع البقلاوة ............
 كنت أحكي هذا لأمي منذ مدة قليلة وذلك عندما جاءت لزيارتنا في فترة الأعياد الماضية ، ولما حدثتها عن إحساسي واستغرابي بأن هذا الرجل لم يكن مجرد بواب ، بل كان أهم من المدير في المدرسة ، فاجأتني بقولها : " طبيعي: لأنهم أخوة وهو أكبر منه ! "  فزادتني هذه المعلومة التي كنت أجهلها حتى ذلك الوقت حيرة ، ولا أدري إذا كانت قد فسرت شيئاً أو أنها قد زادت في غرابة هذه العلاقة الملتبسة ?
*ضياء
24 - أبريل - 2007
يا شوفير دوس دوس... الله يبعتلك عروس    كن أول من يقيّم
 
كانت الرحلة التي تنظمها المدرسة أحياناً في أوائل فصل الربيع , هي أجمل مافي المدرسة لولا أنها برسم , فكل خدمات المدرسة مجانية للجميع , والكتب والصدرية والدفاتر ....إلا الرحلة , وكان رسمها ليرة سورية , وكانت الليرة تساوي أكثر من نصف كيلو لحمة , وهنا تكمن المشكلة فكنتُ أخجل من إخبار أمي عن الرحلة , لكنها كانت تعلم من جارتنا أم غسان , وهكذا أخرج غالباً مع الرحلة , كانت المدرسات يحضرن التبولة , ويُحضر لهم الآذن أبو ياسين اللحمة المناسبة للشوي , أما نحن فكنا نحمل سندويشاتنا , وبعض الفواكه ومأكولات التسلية مثل الموالح والملبس والسكاكر , وكنتُ أشترك في الأكل مع صديقي مروان الخن ( أخو محمد ) , نصعد باكراً جداً إلى الباص الذي يتجه إلى غوطة دمشق أو دمر والهامة أو وادي بردى أو الزبداني ,  أجمل أماكن خلقها الله لأهل دمشق , وكنا نبدأ الغناء فور تحرك الباص , وأحياناً نغني للسائق : ( يا شوفير على مهلك الله يخليلك أهلك ) , ( يا شوفير دوس بانزين عالميه وتسعه وتسعين ) وفي إحدى المرات طاب للبعض التحرش بالسائق فغنوا  له بطرب ( شوفيرينا راكب حمارة عرجه .. ) فغضب السائق وأوقف الباص وكاد ينغص علينا المشوار لولا توسلات المدرسات , فتحرك بعد أن غنينا له :
( يا شوفير دوس دوس ... الله يبعتلك عروس... بيضا شقرا من طرطوس... ما بتاكل إلا مكدوس... )
وكنا في كل رحلة نزور منطقة ميسلون حيث دارت المعركة البطولية بين أهل الشام بقيادة الشهيد البطل يوسف العظمة وجيش الإحتلال الفرنسي بقيادة الجنرال غورو , وكنا أطفالاً لكننا كنا نمتلك شعوراً وطنياً , فكان شعورنا غريباً ونحن نغني الأغاني الوطنية وكنا ننشد ( طيارة طارت بالليل ... فيها عسكر فيها خيل ... فيها ابراهيم هنانو ... راكب على حصانو ... يا فرنسا يا بنت الكلب ... مين قلك تجي عالحرب ... لما شفتي سوريا ... صرتي تعوي متل الكلب ......)
وكنا بعد ذلك ننزل في بستان جميل وما أكثر البساتين الجميلة قرب دمشق وكلها مفتوحة للجميع بكل اتساعها وشجرها المثمر وكرم أصحابها , وكانت المدرّسات سعيدات مثلنا , وكان زميلنا قدورة يرقص لهم رقصته المشهورة المضحكه , فيقعن على الأرض من شدة الضحك , وكنا في الرحلة كأننا أسرة واحدة , وكل منا يضيّف الآخر مما أحضره معه من بيته
وحينما نعود في المساء كنا نتشارك مع المدرسات في الغناء بالباص ( ياطيرة طيري ياحمامة , وانزلي بدمر والهامة , خديلي من حبي علامه , هالأسمر أبو الخال ....)
*محمد هشام
25 - أبريل - 2007
مأساة الأنسة فطمة , والوزير    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم
 
عندما انتقلنا إلى الصف الرابع حذرنا الطلاب الذين سبقونا من الآنسة فطمة , وكنتُ متوجساً منها منذ البداية , وفعلاً حصل ما توقعته , فوجدتُ هذه المدرسة المصابة بمرض نفسي واضح , وجدتها تقع فريسة عواطفها تجاه صديقي بسام , وهذا كان واضحاً لكل الطلاب ! , وأرادت أن تجعله الأول على الصف , وكنتُ العقبة فأنا أتفوق عليه بكل المواد , مما أدى إلى تركيز قوتها الجبارة على هذه الصخرة الصغيرة التي تعوق مشروعها تجاه بسام , فكرهتني , وبادلتها الشعور نفسه , وكانت كثيراً ما تكلم نفسها في الصف وتمدح جمالها فقد كانت تعيش بالخيال لا الواقع  , وحينما تصحو من هذه النوبات تجدني أنظر إليها ضاحكاً بسخرية , مما يزيد من كرهها لي وأضطرها لاستخدام قدراتها في التحكم بي , فوضعت لي تقدير ضعيف في مادة الرياضة , مع أن هذه المادة لم تكن موجودة في الجدول الإسبوعي للحصص الدراسية , ولكن هذا من أجل عيون بسام ! , وقد أثرت تصرفاتها في نفسيتي كثيراً , وأظن أن تأثيرها باقٍ للآن , فقد دمرتْ في نفسيتي شيئاً , وبنفس الوقت هيأتني لمواجهة الظلم , ورفض التحكم بي مستقبلاً , وتمر الأيام وبعد ربع قرن من خروجي من الصف الرابع تعرفتُ على إبنة أخيها وكانت زميلة زوجتي في العمل , وأخبرتني عن مأساة الأنسة فطمة , التي توفيت بعد تخرجي من الصف الرابع بفترة صغيرة , فقد كانت رحمها الله وهي صغيرة جميلة , وحصل أن طلب يدها وزير التربية , ولسبب ما رفضته , وبعده لم يكن أي رجل بمستوى هذا الوزير فرفضت جميع من تقدم لها , وأصابها مرضٌ نفسي فلم يعد يتقدم لها أي عريس , وكنا الضحية , وحين علمتُ بهذه القصة ترحمتُ عليها وسامحتها , 
 وتذكرتُ وجه صديقي بسام .... كم كان يشبه وجه ذلك الوزير !!!!
*محمد هشام
28 - أبريل - 2007
درس الــحب..    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم
 
 
مخمورا دخل الطفل إلى الفصل. حدق جيدا في المعلمة وقال:
- أحبك.
ضحك الصغار وظلت حنان تتأمله.
كانت المعلمة قد هرعت إلى مكتب المدير. وكان المدير قد هتف إلى الشرطة. سرى الخبر في المدينة:
- طفل مخمور قال لمعلمته أحبك...
عندما حضر مسؤول الشرطة كان التلميذ قد كبر، وقبل أن يقتربوا
منه قال:
- لم أعد أحبها.
كانت رائحة الخمر لا تزال فواحة من فمه،وكان يبدو أطول منهم جميعا. بينما كان الوزير قد قرر أن يعدل المنهاج المدرسي وألا يدرس الأطفال شيئا غير درس الحب.
وفي أذن الطفل همست حنان:
- أنا صرت أحب الوزير
 
* قصة قصبرة لـ    جمال بوطيب،  من منشورات اتحاد كتاب المغرب
*abdelhafid
11 - مايو - 2007