 | يا رحمة الله للميداني كن أول من يقيّم الهدية التي أفتخر بها: أسد وشبلان يارحمة الله للميداني... يا رحمة الله للميداني ما كنت أحب أن أطرق هذا الباب من الأحزان, وأقلب على قلوب الأحباب مواجد يطوي النسيان- بنعمة الله- أطرافها, ويجر الدهر أذيالها إلى ما وراء الشفق, فلا يبقي منها إلا تذكارا رقيقا, وحنينا لطيفا, وصورة جميلة منشرة بين أيدي الزمن . لكنني ما استطعت...وهذا عذري إليك..وكفى به عندك ~~~~~ أردت أن أعزي بكلمة أخي زهيرا, ونفسي, والدنيا, والشام, وطلول الشام, وسفر البشام, في فقد الشريف بن الشريف- وما علمت قبل اليوم- فلم أجد إلا غصصاً تأخذ بخناقي, كتمتها بين جوانحي, و أدمعاً صادقات محرقات ملتاعات... لكن ماء العين لا يحسن يتكلم... وفي مخبوء الصدر معاني لا يقايسها لفظ, ولا يناسبها ثوب, فهي في القلب أبدا, وفي الروح دائما, لا تزايل مهدها, ولا تبدل لحدها . فهذه الكلمات هي: خيال تلك, أو ظلال خيالها... أوه يا أخي..أوه, أقولها كمِداً وجِعاً, وأحس الآن بقلبي يتقمص صدر عصفور مصفد بِغُله, على رأس جبل, يطل على العالم من خارج العالم, ومن وراء سجل الزمن, فيرى سهام المنايا تُفَوق فَوق هامِ العظماء والأدنياء, والأخلاء والخصماء, والسعداء والبؤساء, فتقطفها بلا هوادة, ولا تبقي منها أحدا.. ~~~~~ وتقف نفسي حزينة, تتأمل وتتألم من بعيد, وتستقطر الدمع لحنا كئيبا, ونشيدا غريبا.. كنا ذرات متناثرة على صفحة الوجود, فتداعت وتحزبت, ثم بِسِر (كُنْ) صارت أمشاجا وأخلاطا, ثم بسر القدرة تسلسلت إلى عالم المواليد.. وبسر الرحمة توشحنا بالعواطف والمشاعر, وبسر الحكمة تطورنا طفلا..فشيخا..ثم إلى عالم الذرات مرة أخرى, ثم إلى الله مرجعنا وذلك قوله:(وكنتم أمواتا فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم ثم إليه ترجعون) ~~~~~ ...يظهر الموت في دقائق, ليقطع عنا أعمالنا, ويخرم آمالنا, وييتم أيامنا..يجمعنا ليفرقنا..ويضحك السِن لِيُرمِد العين...ثم ينتفض فيختفي تاركاً في نفوسنا صدى ضحكاته وسخريته... ألا كلما حَضرَ الأجلُ نفائس النفوس, وخوالد الأرواح, حضرتني حرقةُ أحزاني وآلامي, وتداعت من الأطراف تشق لها طريقاً إلى القلب, فتحيك له براقعََ اللوعة, وتقيم فيه للأحزان الخالدة, مآتمَ بنوائحها, وجنائزَ بمشيعيها.. ~~~~~ ذهب ساكن الميدان, ولم يبرح ساكنا في الأبدان, وانقضى سببه, وبقي أدبه... انصرف ضاحكاً من ميادين الخادعة إلى معاهد الريحان, وخرج من ضيق العاجلة إلى سعة الغيب, حيث لا حدود للنفس سارحة, و لا قيود على الروح سائحة, ولا عهود على الجسد ثاويا راقدا .. ذهب.. وإني لأجد له من اللاعة ما يجده المرء لأهله, وإن من النفوس الطيبة من يسكن الثرى جثمانها وهي على وجه الأرض تَهِف: تحملها قلوب الأحبة, وتطير بها أجنحة السعادة في الروابي والحقول, وبين المروج المطرزة بالأزاهر والرياحين...ويصعد بها الملأ راضية مرضية, إلى مسارح القدس, ومرابع الأنس.. ~~~~~ هنا.. في القلب أجد ريح البشام, وهنا..في القلب تمشت أقدامك لا حول قبور الشام, و هنا.. في القلب نقش على شاهداته: يا زمان الحب, قد ولى الشــباب وتوارى العمر كالظل الضــئيل وامحى الماضي, كسطر من كتاب خطه الوهم على الطرس البلـيل فإنا لله وإنا إليه راجعون, وإنا إلى ربنا لمنقلبون, اللهم اكتبه في المحسنين, واجعل كتابه في عليين, واخلفه في عقبه في الغابرين, اللهم لا تحرمنا أجره, ولا تفتنا بعده, واغفر لنا وله.آمين, آمين. عظم الله أجرك أيها الحبيب. | *طه أحمد | 3 - أبريل - 2007 |