| أمسيتُ أشكو الضيقَ والأينا |
مستغرقاً في الفكرٍِ والسأمِ |
| فمضيتُ لا أدري إلى أينا |
ومشيت حيث تجرّني قدمي |
| فرأيتُ فيما أبصَرَتْ عيني |
مَلهيً أعِدَّ ليبهجَ الناسا |
| يجلون فيه فرائدَ الحسنِ |
ويباع فيه اللهو أجناسا |
| بغرائب الألوان مزدهر |
وتراه بالأضواء مغموراً |
| فقصدته عَجِلاً ولي بصرٌ |
شبه الفراشة يعشق النورَا! |
| ودخلتهُ أجتازُ مزدحماً |
بالخَلق أفواجاً وأفواجا |
| وأخوضُ بحراً بات ملتطماً |
بالناس أمواجاً وأمواجا |
| فقدوا حجاهم حينما طربوا |
ودووا دويَّ البحرِ صخّابا |
| فإذا استقرّوا لحظةً صخبوا |
لا يملكون النفسَ إعجابا |
| متوثبين يميلُ صفُهم |
متطلعَ الأعناق يتقدُ |
| ومصفقين عَلَتْ أكفُهم |
فوّارةً فكأنها الزبدُ! |
| لِمَ لا أثورُ اليومَ ثورتهم? |
لِمَ لا أجرّبُ ما يحبونا? |
| لِمَ لا تذوق كؤوسَهم شفتي? |
إنَّ الحجا سُمّي وتدميري |
| في ذمةِ الشيطانِ فلسفتي |
ورزانتي ووقار تفكيري! |
| يا قلبُ! ضقتَ وها هنا سعةٌ |
ومجالٌ مصفودٍ بأغلال |
| أتقول أعمارٌ مضيعة?! |
ماذا صنعت بعمرك الغالي?! |
| أنظر ترَ السيقان عاريةً |
وترَ الخصورَ ضوامراً تغري |
| وتجدْ عيون اللهو جارية |
فهنا الحياة! وأنت لا تدري |
| مَنْ هذه الحسناءُ يا عيني? |
السحرُ كلَّلها وظلَّلها |
| كالطيرِ من غصنٍ إلى غصنِ |
وثّابةَ، وثب الفؤاد لها! |
| تراه حسناً غيرَ كذابِ |
لا ما يزيفه لك الضوء |
| ويزيد فتنتَها باغرابِ |
حزنٌ وراءَ الحسن مخبوءُ! |
| ثم اختفتْ والجمعُ يرقبها |
ويلحُّ: عودي! ليس يرحمها |
| هي متعةٌ للحسِّ يطلبها |
وأنا بروحي بتُّ أفهمُها! |
| ورأيتُها في آخر الليلِ |
في فتيةٍ نصبوا لها شركا |
| يعلو سناها الحزنُ كالظل |
مسكينة تتكلّفُ الضحكا |
| فمضيتُ توّاً، قلت: سيدتي! |
زنتِ المراقص أيّما زين! |
| هل تأذنين الآن ساحرتي |
تأكيدَ إعجابي بكأسين? |
| فتمنّعت وأنا ألحّ سدىً |
بالقول أغريها وأعتذر |
| فاستدركتْ قالت: أراك غداً |
ان شئتَ. إني اليوم أَعتذر |
| وتحوَّلت عني لرفقتها |
ما بين منتظرٍ ومرتقبِ |
| فتَّانة تغري ببسمتِها |
وتحدّدُ الميعادَ في أدبِ |
| حان اللقاءُ بغادتي وأنا |
أخشى سراباً خادعاً منها |
| متلهفاً أستبطىءُ الزمنا |
وأظل أسأل ساعتي عنها |
| وأجيل عينَ الريب ملتفتاً |
متطلعاً للباب حيرانا |
| وأقول: ما يدريك أي فتى |
هي في ذراعيْ حبه الآنا! |
| مَنْ ذا يُصدّقُ وعدَ فاتنة |
لا ترحمُ الأرواحَ إتلافا |
| أنثى تلاقي كل آونةٍ |
رجلاً وترمي الوعدَ آلافا |
| وهممتُ بعد اليأسِ أن أمضي |
فإذا بها تختالُ عن بُعدِ |
| ميّزتها بشبابها الغضِّ |
وبقدِّها، أُفديه من قدِّ! |
| يا للقلوب لملتقى اثنين |
لا يعلمان لأيما سَبَبِ |
| جمعتهما الدنيا غريبين |
فتآلفا في خلوةٍ عَجَبِ |
| عجباً لقلب كان مطمعه |
طَرَباً فجاء الأمرُ بالعكس |
| وأشدّ ما في الكون أجمعه |
بين القلوب أواصرُ البؤس |
| مَن أنت يا مَن روحُها اقتربت |
مني وخاطب دمعُها روحي |
| صبّته في كأسي! وما سكبتْ |
فيه سوى أنَّاث مذبوحِ |
| عجباً لنا! في لحظة صرنا |
متفاهمين بغير ما أمدِ! |
| يا مَن لقيتُك أمس! هل كنا |
روحين ممتزجين في الأبد?! |
| هاتي حديثَ السقمِ والوصبِ |
وصِفي حقارةَ هذه الدنيا |
| اني رأيتُ أساكِ عن كثبِ |
ولمستُ كَربَكِ نابضاً حيَّا |
| لا تكتمي في الصدرِ أسرارا |
وتحدثي كيف الأسى شاءَ |
| أنا لا أرى إثماً ولا عارا |
لكن أرى امرأةً وبأساء |
| تجدين فكرَك جدّ مبتعد |
والناس نحو سناك دانونا |
| وتريْن حالك حالَ منفرد |
والقومُ كثرٌ لا يُعدّونا! |
| وترين إنكِ حيثما كنتِ |
ترضين خوّانين أنذالا! |
| يبغونه جسداً فإن بعتِ |
بذلوا النضار وأجزلوا المالا! |
| يا حرَّها من عبرةٍ سالتْ |
مِن فاتكِ العينين مكحولِ |
| وعذابها من وحشة طالتْ |
وحنين مجهولٍ لمجهولِ |
| أفنيتِ عمرَك في تطلبه |
ويكادُ يأكلُ روحَكِ المللُ |
| فإِذا بدا مَنْ تعجبين به |
وتقول روحُك: ها هو الأملُ! |
| أدميتِ قلبَك في تقرّبهِ |
والقلبُ إن يخلص يَهُنْ دمُهُ |
| فإِذا حسبتِ بأن ظفرتِ بهِ |
فازت به من ليس تفهمُهُ |
| سكتت وقد عجبت لخلوتنا |
طالتْ كأنَّا جدّ عشاقِ |
| وأقول: يا طرباً لنشوتِنا |
صرعى المدامة والجوى الساقى! |
| أفديكِ باكيةً وجازعةً |
قد لفّها في ثوبهِ الغسقُ |
| ودعتُها شمساً مودّعة |
ذهبت وعندي الجرحُ والشفقُ |
| تمضي، وتجهلُ كيف أكبرها |
إذ تختفي في حالك الظلم |
| روحاً إذا أثمت يطهرها |
ناران: نارُ الصبرِ والألَمِ! |