البحث في المجالس موضوعات تعليقات في
البحث المتقدم البحث في لسان العرب إرشادات البحث

مجلس : الفلسفة و علم النفس

 موضوع النقاش : يقول المستشرقون ان الفلسفة الاسلامية تمت و ماتت بموت ابن رشد. ما رأيكم في هذا القول، أصحيح ام لا?    قيّم
التقييم :
( من قبل 2 أعضاء )

رأي الوراق :

 محمد 
16 - ديسمبر - 2006
يقول المستشرقون ان الفلسفة الاسلامية تمت و ماتت بموت ابن رشد. ما رأيكم في هذا القول، أصحيح ام لا? في رأيي هذا غير صحيح و عندنا كثير من الفلاسفة بعد ابن رشد و عندهم كتب كثيرة و ممتعة و لكن احب ان اري آرائكم و لي مزيد.
 1  2  3 
تعليقاتالكاتبتاريخ النشر
احترس..    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم
 
أحرى بنا ألا نلتفت لكلام المستشرقين إلا بعين حذرة , إذ أن كلامهم في الغالب لا يوصف بالصواب أو الخطأ ولكن يوصف بالخبث والدهاء , ففلسفة ابن رشد ليست إسلامية على الإطلاق , والمستشرقين يعلمون ذلك , وإنما يشيرون إلى الفلاسفة المتأرسطين (أتباع أرسطو) على أنهم فلاسفة الإسلام , وعلى محمل المدح أحيانا حتى يلقى كلامهم قبولا لدى العامة , فيترسب لدى المسلمين بعد فترة أن فلاسفتهم إنما هم عالة على اليونان , ويقبلون ذلك طمعا في أن يقال "للعرب أيضا فلاسفة" , ويكون من نتيجة ذلك , وبعد استقرار تلك الفكرة الخبيثة , أن يتلقف الكرة شخص عربي لا يقل عنهم خبثا وكراهية للحضارة الإسلامية مثل "ذكي نجيب محمود" ويعلن , مستندا إلى استقرار فكرة أن الفلسفة الإسلامية هي فلسفة المتأرسطين , يعلن أنه لا يوجد ما يسمى بفلسفة إسلامية أو تراث إسلامي , ولا يستطيع أحد أن يرد عليه عندئذ لغياب الفلسفة الإسلامية الأصيلة عن الوعي العام , وهي الفلسفة التي كانت على خط المواجهة مع فلسفة ابن رشد وأمثاله.
من رواد ومروجي فكرة أن الفلسفة الإسلامية هي فلسفة المتأرسطين العرب , المعروفين بالمشائين : "جب" في كتابه "تاريخ الإسلام" , و"برنارد لويس". و"صمويل هنتنجتون"
*يحيي رفاعي سرور
20 - ديسمبر - 2006
غياب الفلسفة الإسلامية الأصيلةعن الوعى العام0    كن أول من يقيّم
 
 
((((غياب الفلسفة الإسلامية الأصيلة عن الوعي العام , وهي الفلسفة التي كانت على خط المواجهة مع فلسفة ابن رشد وأمثاله. ))))
أستاذنا /يحيى رفاعى
فى ملف (لماذا لايوجد لدينا فلاسفة?)قلت ((( وما أنا إلا مراهق فى حقل الفلسفة الشاسع ،لاأمتلك أدوات البحث المتعمق والمثابرة الجادة والمتابعة المتلاحقة والدرا سة المتأنية 0وإنما قارئ يحاول أن يفهم مايدور حوله بإمكانياته وقدراته البسيطة المتوفرة لديه 0وطرحت تساؤلى عن الفلسفة العربية والفيلسوف العربى المنتظر و قلت أننى لن أفقد الأمل فيما أصبو إليه ،من وجود فلسفة عربية وفيلسوف عربى يأخذ بيدى ويجيب على كل أ سئلتى ))10/2/2006
ومن وجهة نظرى ،حان الوقت كى تتكلم فيه عن الفلسفة الإسلامية الأصيلة 000
علَك تستجيب لرجائى وتشبع رغبتى 000
*عبدالرؤوف النويهى
21 - ديسمبر - 2006
الفلسفة الإسلامية    كن أول من يقيّم
 
الأستاذ يحيى رفاعي رغم قناعتي الأكيدة بضآلة معلوماتي الفلسفية فإنني ، أظن أن المفكر عباس محمود العقاد هو من فلاسفة الإسلام ،كذلك كما أن المفكر سعيد رمضان البوطي فيلسوف إسلامي وهنالك بالتأكيد كثيرين غيرهم ،.....إلا إذا اختلفنا على تعريف الفلسفة وتعريف الفيلسوف الإسلامي ....   إلخ
*محمد هشام
9 - يناير - 2007
بين الفكر والنجومية    كن أول من يقيّم
 
الأخ محمد هشام..
أعتذر عن تأخري في الرد على تعليقك ..
لا أعتقد أنه لكي تكون معلوماتك الفلسفية غير ضئيلة أن هذا الأمر بعيد المنال, لكن هذا الأمر, وإن كان لا يتطلب المستحيل إلا أنه أيضا, وفي المقابل, قفزة رُوحيَّة تحلِّق بها فوق الأشخاص, وتعبر بها عن نفسك كمسلم فرد, حر, مسؤول.
لا يشار إلى الفكر الإسلامي عن طريق الإشارة إلى الأشخاص, وهناك أكثر من سبب لذلك:
فمن الناحية الأخلاقية: لا يليق بالرجل أن يكون تابعا لرجل مثله, مهما على شأنه, فشأنه أمر يخصه, أما أفكارك فهي تخصك أنت, وأنت مسؤول عنها وحدك.
أما من الناحية الدينية: فالإسلام, كما عرفه علماؤنا, هو "إفراد الله بالعبودية, وإفراد الرسول بالاتباع". ومن المفارقات: أن الإسلاميين الذين يكرهون "شخصنة الفكر" أيما كراهية, هم أنفسهم أكثر من توجه إليهم تلك التهمة غير الأخلاقية.
أما من الناحية العملية: فالفكر الإسلامي يعمَّى, ويشوَّش عليه عمدا على مدار تاريخ صراعه مع الجاهلية, وفي كل عصر, ومن الوسائل القديمة المتجددة لهذه التَّعمية: تسليط الأضواء على أقرب الأباطيل "شَبَهاً" بالفكر الإسلامي, وذلك, كما لا يخفى عليك, بهدف التضليل؛ وأقرب الأمثلة على ذلك هو السؤال الذي طرحه الأخ الكريم (محمد) الذي يعبر بصورة واضحة عن النجاح الذي حققته الدعاية "المضادة للحق", فأحد المسلمين الآن يتسائل عن مصير "الفكر الإسلامي" بعد غياب "ابن رشد"!. ما زال بعضنا, بحسن نية غالبا, يقول: للمسلمين أيضا فلاسفة, فعندنا ابن رشد, وعندنا ابن سينا, وعندنا الفارابي, وعندنا الكندي, وعندنا أبو حيان التوحيدي, وعندنا إخوان الصفا؛ وعندنا ابن عربي, وعندنا الحلاج, رغم أن كل هؤلاء كانوا موصوفين عند أهل السنة "بالزندقة", وكثيرا ما كان هذا الوصف موضع سخرية من الـ....بسطاء, إلاَّ أن التاريخ قد سخر من هؤلاء الساخرين أنفسهم, و أنصف أهل السنة في تقييمهم للأسماء المشار إليها, ففي القرن الرابع عشر كان هناك تيار مناهض للدين, وينكر العناية الإلهية, وخلود النفس, وعدم قابلية الحقائق الدينية للتعقل,كان تيارا إلحاديا بالمعنى المختصر, وكالعادة: أشبعتهم الكنيسة حرقا ومطاردة, ولم تكن هي خير منهم بأي حال, المهم.. أتدري ما هو اسم ذلك التيار الإلحادي? اسمه: "الرشديون الجدد", لكن قليلا ما يسمع الناس صوت التاريخ.
 
لكن تحديد الأشخاص المعبرين عن الفكر الإسلامي له مهمة أخرى, إنها المهمة المتعلقة بمخاطبة أولئك الذين اختفت فيهم النزعة الفردية, وقرروا أن يظلوا "جمهورا" يتطلع لتقليد أشخاص أو "نجوم", ولا يقدر على غير هذا. فيجوز لنا أن نخاطبهم قائلين أن أهل السنة هم : فلان وفلان وفلان. وهذا أمر لا نحبه, إلا أن هذا الجمهور نفسه هو من فرضه علينا, أما المعاصرين فيستحسن عدم الإشارة إليهم بهدف تقييمهم إسلاميا إلا في إطار قضايا معينة, خوفا من اختلاط ما هم عليه من حق بما هم عليه من باطل أمام الجمهور الذي لا يستطيع التمييز.
أيضا فهناك معيار آخر أكثر أهمية لتقييم الأشخاص. إنه موقف الشخص نفسه من فكره. أعتقد أنه لو كانت هناك ضرورة تحتم علينا الإشارة إلى الأشخاص, فلا يجب الإشارة إلا إلى أولئك الذي عبروا في حياتهم عن أولى خصائص الفكر الإسلامي, وهو أنه فكر حيوي, لا ينفصل عن مجرى حياة الإنسان, وهذه الخاصية لاحظها الغرب وأولعوا بها, وجعلتهم يتمَلمَلون, ويتضجَّرون, من مفهوم :"المعرفة لمجرد المعرفة" , كما كان الأمر عند أسلافهم اليونان, يقول الأستاذ سيد قطب:
"إن أفكارنا وكلماتنا تظل جثثا هامدة, حتى إذا متنا.. وغذيناها بدمائنا.. انتفضت وعاشت بين الأحياء"
ويحذر علماؤنا السابقين من أخذ العلم عن عالِم اعتاد الجلوس مع السلطان. وهذا التحذير هو تقليد لم تعرفه حضارة أخرى.
من أجل ذلك.. فهي إهانة بليغة للفكر الإسلامي أن يشار إليه بشارب خمر كالعقاد
أما "سعيد رمضان البوطي فلا علم لي بشخصه الكريم , وليس هناك ضرورة, بل هناك خطورة, كما قلت لك, من الولوج إلى الفكر عبر الأشخاص.
الأخ المشرف: لقد اتضح أن "زكي" ليس "ذكي"..فأرجوا التصويب.
*يحيي رفاعي سرور
16 - يناير - 2007
( وهذه مشكلاتنا ) للبوطي ! ...ضرورة دون خطورة !    ( من قبل 3 أعضاء )    قيّم
 
الأستاذ يحيى رفاعي
أريد في البداية أن أصحح الإسم فهو( محمد سعيد رمضان البوطي ) وهو مفكر إسلامي معاصر ومهم حتى ولو جالس السلاطين ، الأهم ياأستاذي الكريم أن المجالسة تهدف لنفع عامة المسلمين ولإيصال الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وهل الأصوب أن نعتزل بفكرنا حتى لا يقال أننا من مسامري السلاطين ...، لا أرغب في تناول الأسماء ولا في محاكمة السلوكيات ، الأمر أبسط من ذلك بكثير ، فأما عن العقاد فقد حاربه السلاطين ومازالوا ، إذا سنجد من يتهمه بشرب الخمر أو بأي شيء آخر لينال من شخصه وبالتالي من فكره الثائر ، أخي الكريم أود أن أدعوك لقراءة كتاب ( وهذه مشكلاتنا ) للأستاذ البوطي ، وستجد معي أن معرفة هذا المفكر الإسلامي الكبير هي ضرورة ، ...دون خطورة ! 
*محمد هشام
16 - يناير - 2007
تحديد    كن أول من يقيّم
 
أَستخدم كلمة فكر إسلامي بمعنى ضيق جدا, أو بمعنى شديد التخصص, وأخشى أن هذه الكلمة تستخدم بمعنى عام جدا, أو بمعنى فاقدا للخصوصية, وهذا المعنى بالطبع ليس ملزما لمن أخاطبه, فقد يستخدم أحدهم كلمة فكرا بمعنى واسع فضفاض, ولا ملامة عليه, المهم أنه عندما يتخاطب اثنان, فلا بد أن يتفقا على مفهوم واحد, فمن أجل ذلك لزم التنبيه .
ليس الفكر الإسلامي هو أي "قول" يصب في مصلحة المسلمين, (وإن حَسُنَ هذا القول), "فالوعظ" مثلا ليس فكرا إسلاميا, وإن كان يفوق الفكر أهمية, لأن مدار أي سلوك إسلامي هو توجيه القلوب إلى الله, و"الوعظ" هو أقرب إلى القلب من الفكر, وما الفكر إلا وسيلة يستخدمها الوعظ؛ رغم أن الوعظ لا بد أن يتأسس على فكر (=عقيدة),
والفقه أيضا ليس فكرا إسلاميا, وإن كان يفوق الفكر أهمية, لأن الله لا ينظر إلى التصورات الذهنية, بل ينظر إلى القلب, و"الفعل" هو الكيفية التي يُعَبِّر فيها القلب عن نفسه كسلوك, وموضوع الفقه ليس هو موضوع الفكر, فموضوع الفقه هو: ["فعل" المكلَّف من حيث ما يَثبُت له من أَحكام شرعيَّة], إلا أن الفقه يفتقر على الدوام, في صياغته, إلى التفكير بالمعنى العام, أي إلى مطلق العمليات الذهنية, كما يفتقر إلى "الفكر" بالمعنى الضيق في أحيان كثيرة, فإذا كان موضوع الفكر هو الوجود العام, وموضوع الفقه هو "فعل المكلف", إلا أن كلاهما حكم إلهي, الوجود هو أحكام إلهية نافذة بالفعل, والفقه هو أحكام إلهية واجبة النفاذ, والعلاقة بينهما تعود إلى ذلك الأصل المشترك, وسنتحدث عن هذا الأمر بالتفصيل لاحقا. لكن وإن ثبتت العلاقة, فقد ثبت معها الاختلاف.
أيضا الجهاد ليس فكرا, إنه سلوك, أو موقف, وإن كان يفوق الفكر أهمية, فهو ذِرْوَة سَنَام الإسلام, كما أخبر رسول الله, صلى الله عليه وسلم, وشرط "العزة" كما أخبر هو أيضا؛
أيضا الفكر الإسلامي ليس هو "الإصلاح الاجتماعي", فالإصلاح الاجتماعي يتأرجح بين أن يكون وعظا تَغَيَّر موضوعه الأصلي الذي هو الفرد, وأصبح موضوعه هو المجتمع, وبين أن يكون نوعا من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, وسواء كان الإصلاح الاجتماعي نوعا من الوعظ, من حيث هو تذكرة للجمهور, أو كان نوعا من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, من حيث هو مغالَبةً للباطل, إلا أنه في النهاية "تغيير" , والفكر الإسلامي ليس "تغييرا" بل هو "وصفا" للوجود, ولا يمنع ذلك من أن أي "تغيير" لا بد أن يرتكز على "وصف".
إن كان الفكر ليس الوعظ وليس الفقه وليس الجهاد, فما هو? الفكر موضوعه واضح, وهو: "خلق السماوات والأرض",(الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) (آل عمران:191) , و"خلق السماوات والأرض" الصيغة القرآنية "للعالم", أو "للوجود"؛ هذا بالنسبة لموضوع الفكر الإسلامي, أما بالنسبة للغاية منه, فهي الوصول إلى: "رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً", أي إلى: (وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ) (الحجر:85), أي الوصول إلىـ أيضا ـ: (وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاعِبِينَ) (الدخان:38), أو بمعنى آخر: غاية الفكر الإسلامي هي: التعرف على الحق في الخلق, لكن الحق إذا كان مجاله هو الفعل الإنساني فهو الشريعة, أما إذا كان مجاله هو الوجود فهو "سنن الله الثابتة في الخلق". إذا كان الخلق معنى عام, والحق معنى عام, فوظيفة الفكر هي التحديد والتعيين, أي استنباط كل ظاهرة معينة, هي موضوع الفكر, من خلال مفهوم الحق, أي اختزال ظواهر الخلق المعينة والكثيرة إلى الحق الواحد, مما يتطلب منا إدراك وتأويل معنى الظاهرة, أولا, ثم اختزالها وتجريدها, ثانيا. أما الغاية النهائية للفكر الإسلامي فهو ليس مجرد المعرفة, وليس مجرد إشباع الرغبة في تصور العالم ذهنيا, بل هي تحقيق الإيمان: (رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)
أعتقد أننا بهذا التمييز والتحديد, في مأمن من الخلط بين الفكر الإسلامي وغيره من الأقوال الإسلامية عموما, وعلى ذلك, فعرض "العقاد" لسيرة أبو بكر الصديق وعمر ابن الخطاب ـ رضي الله عنهما ـ ليست فكراً إسلاميا بالمعنى الخاص, وكذلك عرضه لمفهوم "الله" عبر العصور أو عبر الديانات أو الفلسفات, ليست فكرا إسلاميا كذلك, فعرض كاتب ما لأفكار الآخرين لا يعتبر فكرا إسلاميا لمجرد أن هذا الكاتب يرجح في النهاية وجهة النظر الإسلامية (المعروفة), وينطبق الأمر على مفهوم "إبليس" (في كتاب آخر له). أما بخصوص كونه "ثائرا", فأنا لا أعلم على أي شيء قد ثار صاحبنا, بل قد علمنا أنه لم يُؤذَ في سبيل الله قط, وهذه سنة "الثورة" إذا كان موضوعها الباطل, أما ثَورَتُه مثلا على "أحمد شوقي", ومحاربته لمدرسة "الإحياء والبعث", وانتصاره لمدرسة "أبوللو",فلا يُعدُّ بهذا من المجاهدين.
 
*يحيي رفاعي سرور
17 - يناير - 2007
توضيح    كن أول من يقيّم
 
تعرضت للمعنى الأكثر دقة لمفهوم الفكر إسلامي..فموضوعه هو الخلق, والغاية الفكرية منه هي: الكشف عن سنن الله الثابتة في الخلق, أما الغاية الإنسانية له فهي: تحقيق الإيمان. وبقي أن نتحدث عن شخص المفكر الإسلامي..
ذكرنا أن تحديد مواصفات المفكر الإسلامي هي ضرورة أملتها علينا طبيعة "الجمهور" أو "الجماعة", وأن الأصل هو أن كل شخص يتحمل مسؤوليته تجاه أفكاره, إلا أن طبيعة "الجمهور" ـ أيّ جمهورـ هي طبيعة غير متحمِّلة للمسؤولية, وأن المجتمع بطبيعته يميل إلى أن يسلم قياده لأكثر الأفراد قوة وتأثيرا, وأكثر الأفراد قوة وتأثيرا في المجتمع المسلم هم "أهل الحل والعقد", أي العلماء, هؤلاء العلماء يحتم عليهم واجب رعاية الجمهور: عدم تركه لطبيعته, من أجل ذلك وضعت معايير هي في الأساس "غير فكرية", لأنه, كما ذكرنا, المجتمع لا يميل ولا يستطيع ولا يرغب, في تقييمه الأمور تقييما فكريا, استندت هذه المعايير "غير الفكرية" إلى طبيعة الفكر الإسلامي نفسه, تحديدا: طبيعته "الاحتوائية" للحياة, وبالتالي تأبِّيهِ على فكرة عَزلِه عن المجتمع المسلم أو عن الحياة الشخصية للمفكر المسلم, ومن هنا, وبالضرورة, فالفكر الإسلامي لا يستقر إلا في بيئة الإنسان المسلم, لما لهما من علاقة حميمية. من ناحية أخرى, فانحراف السلوك, لا بد في النهاية أن يعكس ـ أو يؤدي إلى ـ انحرافا في المفاهيم, حتى ولو لم نلحظ ذلك الانحراف لأول وهلة, إلا أنه انحراف متوقَّع وكامِن نظرا لوحدة الإنسان, أي للوحدة بين الفكر والسلوك. هذه الخاصية هي التي اعتمد عليها العلماء في إرشاد الجمهور إلى الفكر الإسلامي, كحل اضطراري لطبيعة الجمهور غير الفكرية كما ذكرنا. 
المثال الذي طرحناه, كعلامة (غير فكرية) على الفكر, كان تحذير العلماء من تلقي العلم عن "مُجالسي الحاكم", لكن يبدو أنه ليس هناك اتفاق على اعتبار "مخالطة الحكام" علامة (غير فكرية) على الانحراف, وذلك أن البعض يعتبرها ليست انحرافاً من الأصل, بل هي ضرورة! لنعالج تلك المشكلة إذا..
هب أن المفكر أو العالم ذا الحظوة, أو ذا العلاقات "الأخطبوطية", أو ذا "الكعب العالي", كان صديقا مقربا من أولي الأمر, (لو اتفقنا جدلا على أنهم أولوا الأمر), وهب أنه, بعلاقاته "الأخطبوطية" تلك, استطاع "تليين" قلب الحاكم على رعيته, ورده عن انحراف أضر بالرعية أو بالدين, وهب أيضا أن هذا الحاكم كان, لحسن الحظ, رقيق المشاعر, وجنتلماناً, وأنه على الفور أصدر قرارا يعيد به الأمور إلى نصابها, اتقاءً لعتاب الصديق المقرب, وأنه بالفعل أصبح كل شيء على ما يرام, السؤال الآن: هل انتهت المشكلة??
الحقيقة أن المشكلة لم تنته بل على العكس, لقد بدأت؛ لازلنا ننظر للأمور من ناحية ضيقة, ولازلنا نعتبر أنه: بما أن المشكلة تم حلها فالوسيلة شرعية, لكن ترى.. أين مفهوم"الحق" في الموضوع? لقد ذكرنا أن إضفاء الشرعية على انحراف "سلوكي" لا بد وأن يخفي ـ أو يؤدي إلى ـ انحراف "فكري" يمس "التصورات", فأي "تصور" ذلك الذي أصيب بالضرر من جراء ذلك الفعل "الناجح" عمليا, والذي هو: استخدام العلاقة الشخصية للتأثير على القرار السياسي? الحقيقة أنه في اللحظة التي نجح فيها هذا السلوك, في نفس لحظة "النجاح" تعطل فيها "مفهومنا" عن الحاكم كمكلَّف من الأمة, وملزَم برعايتها, ومسؤول أمامها, وحل محلها "مفهوما" آخر عن الحاكم كمانح عطايا, ووليّ نعمة. ولا يمت هذا "المفهوم" أو "التصور" عن الحاكم إلى "الفكر" الإسلامي, وإذاً "فمحاكمة السلوكيات" واجبة.
إحدى معالم الفكر الإسلامي, ذلك الفكر الذي طالما تسائل البعض: أين هو?, وكان هذا "البعض", بسؤاله هذا, أشبه بمن يسير في الغابة وهو يتلفت حوله قائلا: أين هذه الأشجار التي يتحدثون عنها? .. إحدى معالم ذلك الفكر, هو أن وظيفة الدولة التي هي حفظ الدين, وأن آلية الرقابة على تلك الوظيفة ليست ضمير الدولة بل الأمة, ممثلة في "أهل الحل والعقد", وليس في مجموع أفراد الأمة, ولقد كان التشريع الإسلامي متسقا مع الفكر الإسلامي, في هذه النقطة, ولقد سبق أن ذكرنا أن اتساق الفقه مع الفلسفة الإسلامية, أو مع الفكر الإسلامي, هي خاصية تنفرد بها حضارتنا, لقد كان مفهوم الحاكم في الفكر, متسقا مع التشريع الخاص به إذ لا يجوز أن يخلع نفسه, لأنه مكلفاً, وليس متطوعاً, ولذا كان رأي الإمام الشافعي أنه: "إذا انعقدت الإمامة لرجل.. كان العقد لازما، فإن أراد أن يخلع نفسه.. لم يكن له ذلك" , وكما نرى, "فالفقه" مستندا إلى "الفكر", وله دلالة عليه.
لقد أظهر علماؤنا بارعة منقطة النظير في قيادة الأمة, ولقد أدوا واجبهم كما ينبغي, ونحن على ذلك من الشاهدين, وذلك عندما حافظوا على علاقتهم بالحاكم كرقباء ومُسائلين, وليسوا شافعين للأمة لدى حاكمها, إذا فاستقلال المفكر, بصفته الشخصية, عن السلطة, ليس "عزلة" و"انقطاعا"بين الفكر والسلطة, ـ ومفهوم العزلة هذا من المفاهيم الشعبية, عديمة المعنى التي تتردد دون فهم, في سياق نقد الإسلاميين عادة ـ  بل هي, على العكس, إنها علاقة وطيدة ـ أي الانقطاع الشخصي ـ لكن من نوع آخر, نوع يكرِّس قوامة الفكر على السلطة, ورقابته عليها. بل إن تهمة "العزلة بين الفكر والسلطة" هذه, لو تدبرنا الأمر, لوجدنا أنها ترتد إلى أصحابها "المسامرين", فالعالِم عندما يقيم علاقة شخصية بأولي الأمر, أنما يقيم تلك العلاقة بوصفه "صديق", أو بوصفه "قيادة شعبية", وليس بوصفه عالما. أي أنه "يعزل" نفسه عن علمه في اللحظة التي يجالس فيها الحاكم. وهنا, وليس في موضع آخر, تنقطع العلاقة بين الفكر والسلطة.
تعتزلون السلطان "حتى لا يقال" : من مسامري السلاطين.
لا... نحن أبعد الناس عن : "حتى لا يقال". واسأل "الحيطان" التي نضرب بعرضها كلام الناس دوما.
ملاحظة..
لقد أسيئ فهمي.. عندما كنت أحدد علامة إرشادية (غير فكرية) للفكر الإسلامي, والتي هي علاقة الفكر بالحياة الشخصية للمفكر, كنت أضرب مثلا بعلاقة "عدم المجالسة" بين العالم والحاكم "قديما", وكان هذا مجرد مثال, وكنت أقصد به: أولئك الحكام الذين كان أحدهم يحج عاما ويجاهد عاما, لكن هذا المثال فهم منه أنني أقصد الحكام في العصر الحاضر, ...لا...
المفكر المسلم في العصر الحاضر يُستدَل على كونه "ثقة", وفيما يخص الحكام, ليس بعلاقة "عدم المجالسة", بل بعلاقة أخرى تختلف "بعض الشيء" عن "عدم المجالسة", بين المفكر المسلم وبين الحاكم ... في ضوء معطيات العصر الحاضر, ... كل خير طبعا...ومن الخير ما قتل. 
 
 
*يحيي رفاعي سرور
19 - يناير - 2007
صناعة الفكر وتصنيع المفكرين    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم
 
(لقد أظهر علماؤنا بارعة منقطة النظير في قيادة الأمة, ولقد أدوا واجبهم كما ينبغي, ونحن على ذلك من الشاهدين, وذلك عندما حافظوا على علاقتهم بالحاكم كرقباء ومُسائلين, وليسوا شافعين للأمة لدى حاكمها,000)
 
أستاذنا الكريم   /يحيى رفاعى
كم سعدت وسررت بردكم على طلبى المتواضع 00
لكن من هم هؤلاء العلماء ???
علمى المتواضع يزعم لى أن صناعة الفكر وتصنيع المفكرين من مقومات السلطنة ،وعبر تاريخنا لم نشاهد سوى شذرات مقاومة لاتصمد أمام طغيان السلاطين!!!!
 
*عبدالرؤوف النويهى
21 - يناير - 2007
ليس دفاعا عن بعض العلماء    كن أول من يقيّم
 
أعود وأقول ليس دفاعا عن بعض العلماء أو السلاطين ولكن هل المطلوب أن نحمل فكرا ثابتا لا يتحرك ولا يقبل النقاش ? هل غاية العلم تكفبر السلاطين ومعاداتهم ?  لا يوجد علماء رقباء ومسائلين في هذا الزمن , فما الضرر أن يكونوا ناصحين وحتى لو أردت شافعين ?  
لقد أراد البعض أن يكون الفكر الإسلامي جامدا والجمود أقرب إلى الموت , وأما الفكر النير المتجدد فهناك خطورة في الإنصات إليه 
*محمد هشام
28 - يناير - 2007
محمد عبده رائد الإصلاح فى العصر الحديث    كن أول من يقيّم
 
محمد عبده رائد الإصلاح في العصر الحديث
( ذكرى وفاته في 8 من جمادى الأولى 1323هـ)
 سمير حلبي
الشيخ محمد عبده
يُعدّ "الإمام محمد عبده" واحدًا من أبرز المجددين في الفقه الإسلامي في العصر الحديث، وأحد دعاة الإصلاح وأعلام النهضة العربية الإسلامية الحديثة؛ فقد ساهم بعلمه ووعيه واجتهاده في تحرير العقل العربي من الجمود الذي أصابه لعدة قرون، كما شارك في إيقاظ وعي الأمة نحو التحرر، وبعث الوطنية، وإحياء الاجتهاد الفقهي لمواكبة التطورات السريعة في العلم، ومسايرة حركة المجتمع وتطوره في مختلف النواحي السياسية والاقتصادية والثقافية.
في الجامع الأحمدي
وُلد الإمام "محمد عبده" في عام (1266هـ = 1849م) لأب تركماني الأصل، وأم مصرية تنتمي إلى قبيلة "بني عدي" العربية، ونشأ في قرية صغيرة من ريف مصر هي قرية "محلة نصر" بمحافظة البحيرة.
أرسله أبوه- كسائر أبناء قريته- إلى الكُتّاب، حيث تلقى دروسه الأولى على يد شيخ القرية، وعندما شبَّ الابن أرسله أبوه إلى "الجامع الأحمدي"- جامع السيد البدوي- بطنطا، لقربه من بلدته؛ ليجوّد القرآن بعد أن حفظه، ويدرس شيئًا من علوم الفقه واللغة العربية.
وكان محمد عبده في نحو الخامسة عشرة من عمره، وقد استمر يتردد على "الجامع الأحمدي" قريبًا من العام ونصف العام، إلا أنه لم يستطع أن يتجاوب مع المقررات الدراسية أو نظم الدراسة العقيمة التي كانت تعتمد على المتون والشروح التي تخلو من التقنين البسيط للعلوم، وتفتقد الوضوح في العرض، فقرر أن يترك الدراسة ويتجه إلى الزراعة.. ولكن أباه أصر على تعليمه، فلما وجد من أبيه العزم على ما أراد وعدم التحول عما رسمه له، هرب إلى بلدة قريبة فيها بعض أخوال أبيه.
مع الشيخ درويش خضر
وهناك التقى بالشيخ الصوفي "درويش خضر"- خال أبيه- الذي كان له أكبر الأثر في تغيير مجرى حياته.
وكان الشيخ درويش متأثرًا بتعاليم السنوسية التي تتفق مع الوهابية في الدعوة إلى الرجوع إلى الإسلام الخالص في بساطته الأولى، وتنقيته مما شابه من بدع وخرافات.
واستطاع الشيخ "درويش" أن يعيد الثقة إلى محمد عبده، بعد أن شرح له بأسلوب لطيف ما استعصى عليه من تلك المتون المغلقة، فأزال طلاسم وتعقيدات تلك المتون القديمة، وقرّبها إلى عقله بسهولة ويسر.
وعاد محمد عبده إلى الجامع الأحمدي، وقد أصبح أكثر ثقة بنفسه، وأكثر فهمًا للدروس التي يتلقاها هناك، بل لقد صار "محمد عبده" شيخًا ومعلمًا لزملائه يشرح لهم ما غمض عليهم قبل موعد شرح الأستاذ.
وهكذا تهيأ له أن يسير بخطى ثابتة على طريق العلم والمعرفة بعد أن عادت إليه ثقته بنفسه.
في الأزهر
انتقل محمد عبده من الجامع الأحمدي إلى الجامع الأزهر عام (1282 هـ = 1865م)، وقد كان الأزهر غاية كل متعلم وهدف كل دارس، فدرس الفقه والحديث والتفسير واللغة والنحو والبلاغة، وغير ذلك من العلوم الشرعية واللغوية.
وكانت الدراسة في الأزهر- في ذلك الوقت- لا تخرج عن هذه العلوم في شيء، فلا تاريخ ولا جغرافيا ولا طبيعة ولا كيمياء ولا رياضيات وغير ذلك من العلوم التي كانت توصف- آنذاك- بعلوم أهل الدنيا.
ولذلك فَقَدْ شَابَ الدراسة في الأزهر- في ذلك الوقت- كثير من التخلف والجمود، وتوقفت العلوم عند ظواهر الأشياء دون النفاذ إلى الجوهر، ومن ثم كانت الدراسة تنصبّ على المتون والحواشي والشروح بالدرجة الأولى.
واستمر "محمد عبده" يدرس في "الأزهر" اثني عشر عامًا، حتى نال شهادة العالمية سنة (1294هـ = 1877م).
رجال في حياة الإمام
تأثر الشيخ "محمد عبده" بعدد من الرجال الذين أثروا حياته وأثّروا فيها، وكان من أولهم الشيخ "درويش خضر" الذي كان يلتقي به في إجازته من كل عام، فيتعهده بالرعاية الروحية والتربية الوجدانية، فيصب في روحه من صوفيته النقية، ويشحذ عزيمته ونفسه بالإرادة الواعية، ويحركه للاتصال بالناس، والتفاعل مع المجتمع، ويدعوه إلى التحدث إلى الناس ونصحهم ووعظهم.
وهو الذي ساعده على تجاوز حدود العلوم التي درسها بالأزهر، ونبهه إلى ضرورة الأخذ من كل العلوم، بما فيها تلك العلوم التي رفضها الأزهر وضرب حولها سياجًا من المنع والتحريم.
ومن ثم فقد اتصل "محمد عبده" بالرجل الثاني الذي كان له أثر كبير في توجيهه إلى العلوم العصرية، وهو الشيخ "حسن الطويل" الذي كانت له معرفة بالرياضيات والفلسفة، وكان له اتصال بالسياسة، وعُرف بالشجاعة في القول بما يعتقد دون رياء أو مواربة.
وقد حركت دروس الشيخ "حسن الطويل" كوامن نفس محمد عبده، ودفعته إلى البحث عن المزيد، وقد وجد ضالته أخيرًا عند السيد "جمال الدين الأفغاني".
كان الأفغاني يفيض ذكاء وحيوية ونشاطا، فهو دائم الحركة، دائم التفكير، دائم النقد، دائم العطاء، وكان محركًا للعديد من ثورات الطلاب ومظاهراتهم؛ فقد وهب نفسه لهدف أسمى وغاية نبيلة هي إيقاظ الدولة الإسلامية من سُباتها، والنهوض بها من كبوتها وضعفها، فعمل على تبصرة الشعوب بحقوقها من خلال تنوير عقول أبنائها.
ووجد "الأفغاني" في "محمد عبده" الذكاء وحسن الاستعداد، وعلو الهمة، فضلا عن الحماسة في الدعوة إلى الإصلاح، ورأى "محمد عبده" من خلال "الأفغاني" الدنيا التي حجبتها عنه طبيعة الدراسة في الأزهر.. وتلازم الشيخان، ونشأت بينهما صداقة صافية، وساد بينهما نوع من الوئام والتوافق والانسجام على أساس من الحب المتبادل والاحترام والتقدير.
الإمام معلمًا
بعد أن نال "محمد عبده" شهادة العالمية من الأزهر، انطلق ليبدأ رحلة كفاحه من أجل العلم والتنوير، فلم يكتف بالتدريس في الأزهر، وإنما درّس في "دار العلوم" وفي "مدرسة الألسن"، كما اتصل بالحياة العامة.
وكانت دروسه في الأزهر في المنطق والفلسفة والتوحيد، وكان يُدرّس في دار العلوم مقدمة ابن خلدون، كما ألّف كتابًا في علم الاجتماع والعمران.
واتصل بعدد من الجرائد، فكان يكتب في "الأهرام" مقالات في الإصلاح الخلقي والاجتماعي، فكتب مقالا في "الكتابة والقلم"، وآخر في "المدبر الإنساني والمدبر العقلي والروحاني"، وثالثا في "العلوم العقلية والدعوة إلى العلوم العصرية".
المنهج الإصلاحي للإمام
وحينما تولّى الخديوي "توفيق" العرش، تقلد "رياض باشا" رئاسة النظار، فاتجه إلى إصلاح "الوقائع المصرية"، واختار الشيخ محمد عبده ليقوم بهذه المهمة، فضم "محمد عبده" إليه "سعد زغلول"، و"إبراهيم الهلباوي"، والشيخ "محمد خليل"، وغيرهم، وأنشأ في الوقائع قسمًا غير رسمي إلى جانب الأخبار الرسمية، فكانت تحرر فيه مقالات إصلاحية أدبية واجتماعية، وكان الشيخ "محمد عبده" هو محررها الأول. وظل الشيخ "محمد عبده" في هذا العمل نحو سنة ونصف السنة، استطاع خلالها أن يجعل "الوقائع" منبرًا للدعوة إلى الإصلاح.
وكان في مصر تياران قويان يتنازعان حركة الإصلاح:
الأول: يمثله فريق المحافظين الذين يرون أن الإصلاح الحقيقي للأمة إنما يكون من خلال نشر التعليم الصحيح بين أفراد الشعب، والتدرج في الحكم النيابي، وكان الإمام "محمد عبده" والزعيم "سعد زغلول" ممن يمثلون هذا التيار.
والثاني: يدعو إلى الحرية الشخصية والسياسية تأسيًا بدول أوروبا، وكانت نواته جماعة من المثقفين الذين تعلموا في أوروبا، وتأثروا بجو الحرية فيها، وأعجبوا بنظمها، ومنهم "أديب إسحاق".
وكان هؤلاء ينظرون إلى محمد عبده ورفاقه على أنهم رجعيون، ولا يوافقونهم فيما ذهبوا إليه من أن الإصلاح ينبغي أن يأتي بالتدريج ليستقر، وليس طفرة فيزول.
وعندما اشتغلت الثورة العرابية سنة (1299هـ = 1882م) التفّ حولها كثير من الوطنيين، وانضم إليهم الكثير من الأعيان وعلماء الأزهر، واجتمعت حولها جموع الشعب وطوائفه المختلفة، وامتزجت مطالب جنود الجيش بمطالب جموع الشعب والأعيان والعلماء، وانطلقت الصحف تشعل لهيب الثورة، وتثير الجموع، وكان "عبد الله النديم" من أكثر الخطباء تحريضًا على الثورة.
وبالرغم من أن "محمد عبده" لم يكن من المتحمسين للتغيير الثوري السريع فإنه انضم إلى المؤيدين للثورة، وأصبح واحدًا من قادتها وزعمائها، فتم القبض عليه، وأودع السجن ثلاثة أشهر، ثم حُكم عليه بالنفي لمدة ثلاث سنوات.
بين بيروت وباريس
انتقل "محمد عبده" إلى "بيروت" سنة (1300هـ = 1883م)؛ حيث أقام بها نحو عام، ثم ما لبث أن دعاه أستاذه الأفغاني للسفر إليه في باريس حيث منفاه، واستجاب "محمد عبده" لدعوة أستاذه حيث اشتركا معًا في إصدار مجلة "العروة الوثقى" التي صدرت من غرفة صغيرة متواضعة فوق سطح أحد منازل باريس؛ حيث كانت تلك الغرفة هي مقر التحرير وملتقى الأتباع والمؤيدين.
لقد أزعجت تلك المجلة الإنجليز، وأثارت مخاوفهم كما أثارت هواجس الفرنسيين، وكان الإمام محمد عبده وأستاذه وعدد قليل من معاونيهم يحملون عبء تحرير المجلة وتمهيد السبل لها للوصول إلى أرجاء العالم الإسلامي، وكانت مقالات الإمام تتسم في هذه الفترة بالقوة، والدعوة إلى مناهضة الاستعمار، والتحرر من الاحتلال الأجنبي بكل صوره وأشكاله. واستطاع الإنجليز إخماد صوت "العروة الوثقى" الذي أضجّ مضاجعهم وأقلق مسامعهم، فاحتجبت بعد أن صدر منها ثمانية عشر عددا في ثمانية أشهر، وعاد الشيخ "محمد عبده" إلى بيروت سنة (1302هـ = 1885م) بعد أن تهاوى كل شيء من حوله، فقد فشلت الثورة العرابية، وأغلقت جريدة "العروة الوثقى"، وابتعد عن أستاذه الذي رحل بدوره إلى "فارس".
وكان على "محمد عبده" أن يشغل وقته بالتأليف والتعليم، فشرح "نهج البلاغة" ومقامات "بديع الزمان الهمذاني"، وأخذ يدرّس تفسير القرآن في بعض مساجد "بيروت"، ثم دُعي للتدريس في "المدرسة السلطانية" ببيروت، فعمل على النهوض بها، وأصلح برامجها، فكان يدرّس التوحيد والمنطق والبلاغة والتاريخ والفقه، كما كتب في جريدة "ثمرات الفنون" عددًا من المقالات تشبه مقالاته في "الوقائع".
وبالرغم من أن مدة نفيه التي حكم عليه بها كانت ثلاث سنوات فإنه ظل في منفاه نحو ست سنين، فلم يكن يستطيع العودة إلى مصر بعد مشاركته في الثورة على الخديوي "توفيق"، واتهامه له بالخيانة والعمالة، ولكن بعد محاولات كثيرة لعدد من الساسة والزعماء، منهم: "سعد زغلول"، والأميرة "نازلي"، و"مختار باشا"، صدر العفو عن "محمد عبده" سنة (1306هـ = 1889م)، وآن له أن يعود إلى أرض الكنانة.
العودة إلى مصر
كان كل شيء قد أصبح في يد الإنجليز، وكان أهم أهداف الشيخ "محمد عبده" إصلاح العقيدة، والعمل على إصلاح المؤسسات الإسلامية كالأزهر والأوقاف والمحاكم الشرعية.. واتخذ "محمد عبده" قراره بمسالمة الخديوي، وذلك حتى يتمكن من تنفيذ برنامجه الإصلاحي الذي يطمح إلى تحقيقه، والاستعانة بالإنجليز أنفسهم إذا اقتضى الأمر، فوضع تقريرًا بعد عودته حول الإصلاحات التي يراها ضرورية للنهوض بالتعليم، ورفعه إلى "اللورد كرومر" نفسه، فحقيقية الأمر التي لا جدال فيها أنه كان القوة الفاعلة والحاكم الحقيقي لمصر.
وكان الشيخ "محمد عبده" يأمل أن يكون ناظرًا لدار العلوم أو أستاذًا فيها بعد عودته إلى مصر، ولكن الخديوي والإنجليز كان لهما رأي آخر؛ ولذلك فقد تم تعيينه قاضيًا أهليًا في محكمة بنها، ثم الزقازيق، ثم عابدين، ثم عين مستشارًا في محكمة الاستئناف سنة (1313هـ = 1895م).
بدأ يتعلم اللغة الفرنسية وهو قاضٍ في "عابدين"- وكانت سنه حينئذ قد شارفت على الأربعين- حتى تمكّن منها، فاطلع على القوانين الفرنسية وشروحها، وترجم كتابًا في التربية من الفرنسية إلى العربية.
الإمام مفتيًا
وعندما تُوفي الخديوي "توفيق" سنة (1310هـ = 1892م)، وتولي الخديوي عباس، الذي كان متحمسًا على مناهضة الاحتلال، سعى الشيخ "محمد عبده" إلى توثيق صلته به، واستطاع إقناعه بخطته الإصلاحية التي تقوم على إصلاح الأزهر والأوقاف والمحاكم الشرعية، وصدر قرار بتشكيل مجلس إدارة الأزهر برئاسة الشيخ "حسونة النواوي"، وكان الشيخ محمد عبده عضوا فيه، وهكذا أتيحت الفرصة للشيخ محمد عبده لتحقيق حلمه بإصلاح الأزهر، وهو الحلم الذي تمناه منذ أن وطئت قدماه ساحته لأول مرة.
وفي عام (1317هـ = 1899م) تم تعيينه مفتيًا للبلاد، ولكن علاقته بالخديوي عباس كان يشوبها شيء من الفتور، الذي ظل يزداد على مر الأيام، خاصة بعدما اعترض على ما أراده الخديوي من استبدال أرض من الأوقاف بأخرى له إلا إذا دفع الخديوي للوقف عشرين ألف فرقًا بين الصفقتين.
الحملة الشرسة ضد الإمام
وتحول الموقف إلى عداء سافر من الخديوي، فبدأت المؤامرات والدسائس تُحاك ضد الإمام الشيخ، وبدأت الصحف تشن هجومًا قاسيًا عليه لتحقيره والنيل منه، ولجأ خصومه إلى العديد من الطرق الرخيصة والأساليب المبتذلة لتجريحه وتشويه صورته أمام العامة؛ حتى اضطر إلى الاستقالة من الأزهر في سنة (1323هـ = 1905م)، وإثر ذلك أحس الشيخ بالمرض، واشتدت عليه وطأة المرض، الذي تبيّن أنه السرطان، وما لبث أن تُوفي بالإسكندرية في (8 من جمادى الأولى 1323 هـ = 11 من يوليو 1905م) عن عمر بلغ ستة وخمسين عامًا.
أهم مصادر البحث:
  • زعماء الإصلاح في العصر الحديث: أحمد أمين- مكتبة النهضة المصرية-القاهرة (1368هـ = 1948م).
  • محمد عبده: عباس محمود العقاد- المؤسسة المصرية العامة للتأليف والنشر- القاهرة (1962).
  • مفكرون من مصر: سامي خشبة- الهيئة المصرية العامة للكتاب- القاهرة (1421هـ = 2000م).
  • رائد الفكر المصري الإمام محمد عبده: عثمان أمين- مكتبة النهضة المصرية- القاهرة (1955م).
                                               موقع إسلام أون لاين
*عبدالرؤوف النويهى
29 - يناير - 2007
 1  2  3