رئيس مجمع اللغة العربية يتذكر على شاطىء بورسعيد عمرو على بركات على شاطىء بورسعيد حيث اقتحمت اللغة العربية كلمات إفرنجية عديدة مثل " اسرح" اى اضىء النور، و"خيرمس" اى ظلام دامس، و"تراسينة" اى شرفة المنزل، و"كلفتى" أى حرامى، فكانت ميناء التعريب والتغريب، جلس الدكتور "محمود حافظ" (م:1911م) رئيس مجمع اللغة العربية فى مصر، وهو الرئيس السادس له، والذى صدر قرار إنشائه عام 1932م وبدأ العمل به عام 1934م، ليخلف حسب ترتيب الرئاسة كلاً من" توفيق رفعت" و"أحمد لطفى السيد" و"طه حسين" و" إبراهيم مدكور"و"شوقى ضيف"، وبتواضع جم يتذكر كيف اجمع عليه أعضاء المجمع اللغوى ليكون وكيلاً، ثم رئيساً خلفاً للدكتور"شوقى ضيف"(1910م:م2005)قائلاً:"اجمعوا علىّ وأنا لست بأهل لإجماعهم، وفيهم الدراعمة، أما أنا فرجل "بتاع" حشرات، هكذا تكلم معى رائد علم الحشرات فى مصر والعالم الذى شغف به منذ نعومة أظفاره، حيث كان يترك بلدته فارسكور بمحافظة دمياط، الى غيطان قرية الطرحة ليجمع الفراشات الزاهية الألوان، ومازال يتذكر الأستاذ"محمد إبراهيم" مدرس الإشيا ــ الأحياء ــ بمدرسة فارسكور الابتدائية، وكيف علمه طريقة تحنيطها، ينتقل بعدها الى المعهد الدينى بدمياط ليمضى سنتين من عام 1920م الى عام 1922م حفظ خلالهما أجزاءأً من القرآن الكريم، ثم يميل علىّ بجسده قائلاً:" فانعدل لسانى"، إلا أن والدته رحمها الله أصرت على أن ينخرط فى سلك التعليم العام بمدرسة فارسكور الابتدائية، وفى فارسكور أتم حفظ القرآن الكريم بمسجد الحديدى المجاور لمنزل عائلته. بطل حكايات جدتى داهمتنى ذاكرتى بتجميع خيوط فارسكور، والمنزل المجاور لمسجد الحديدى، و جمع الفراشات، بما كانت ترويه جدتى لأمى "فائقة" رحمها الله، وأنا طفل عن "حافظ" ابن عمها الذى كان يحفظ معها القرآن فى كتاب مسجد الحديدى، ويجمع الفراشات من الغيطان، حتى صار عالماً للحشرات، وأنها سليلة العلماء والمشايخ والملوك، ولم أكن أدرى بماذا تقصد بأنها سليلة الملوك، كنت احسبها تقصد الفراعنة، استأذنته قائلاً: هل انتم "د.محمود حافظ دنيا?" أجاب :"نعم أنا والدى هو الشيخ دنيا الذى استقل بفارسكور إبان ثورة 1919م،واحتل مركز الشرطة، ونصب نفسه ملكاً لشمال الدلتا، وكانوا يعرفوننى بالأمير"، استطردت متسائلاً على استحياء:" هل لكم ابنة عم تدعى فائقة دنيا?" أجاب:"نعم ومن اين عرفت?" قلت:"إنها جدتى" وتعانقنا عناقاً، وفاجأنى بأنه منذ التقينا شعر كأنه يعرفنى من قبل، لم أكن أتوقع أن التقى مع بطل حكايات جدتى يوماً ما، وتواعدنا على لقاء صباح باكر على شاطىء البحر. شيخ المدرسة السعدية على باب الغرفة وقف الرجل ذو الخمسة والتسعون عاماً ينتظرنى، وقد اعد مقعدين يطلان على الشاطىء مرحباً مهللاً:"أهلاً بحفيد فائقة"، لم أجد نفسى إلا اقبل يده، واتصل الحديث فبعد أن أتم التعليم الابتدائي بمدرسة فارسكور الابتدائية انتقل لتفوقه الى المدرسة السعدية بالقاهرة، وقت أن كان ناظرها"عبد الحميد باشا الشربينى"، ويلتقى فيها بأستاذه" أمين راجى عبد الشافى" الذى أصر على عقاب"حسام الدين عطا حسن"ابن الأميرة "عين الحياة" شقيقة السلطان"حسين كامل" لأنه دخل الفصل بدون الطربوش، ولما وصل الأمر الى وزير المعارف"على الشمسى باشا" انصف الأستاذ"أمين" فى حضور الأميرة، ونفذ ما قاله المدرس بفصل التلميذ أسبوعاً لتأديبه، وفى المدرسة السعدية يتذكر الدكتور "محمود حافظ دنيا" أن ناظر المدرسة اختاره قارئاً للقرآن الكريم فى طابور الصباح، وفى احتفالات المدرسة، حتى انه عينه خطيباً لمسجد المدرسة وهى داخلية، يوم الجمعة، وتم الاستغناء عن شيخ المدرسة، حتى أصبح يعرف بالشيخ"محمود حافظ" شيخ المدرسة السعدية. استاكوزا للملك إن حبه للحشرات جعله يترك كلية الطب ويلتحق بكلية العلوم بعد أن استشار بلدياته الدكتور"على مشرفة"رئيس قسم الرياضيات بكلية العلوم وقتها، حيث حمسه للالتحاق بها فأمامه فرصة أن يكون من الرعيل الأول لفرع علم الحيوان بكلية العلوم، وقد كان، فأصبح صاحب أول مدرسة فى علم الحشرات فى الشرق الأوسط، ومؤسس أول متحف علمى لها، يضم سبعون ألف عينة، منها خمسة وخمسون نوعاً من اكتشافه، ثم يعين معيداً بكلية العلوم، حيث حصل على درجة الدكتوراه عام 1940م بعد إعداد الرسالة فى لندن، ليصبح أول رئيس قسم للحشرات بكلية العلوم، ويتعرف على صديقه الدكتور "جوهر"عالم البحار الشهير، ويرافقه فى أبحاثه بمدينة الغردقة، حيث يفاجئهما يوماً سكرتير الملك "فاروق" طالباً منهما كتعليمات الملك صيد الاستاكوزا ذات الأحجام الفاخرة لزوم مأدبة الملك، ويشير الدكتور"حافظ" على الدكتور"جوهر" بضرورة الانتظار حتى يكون القمر محاقاً فتشتد الظلمة فى البحر، عندئذ يخرجان بمركب الدكتور"جوهر" الزجاجية لصيد الاستاكوزا حيث ستظهر بوضوح فى المياه الضحلة بفعل الفسفور الذى يغطيها، ولا يضيء إلا فى الظلام الدامس، وبالفعل نجح العالمان فى جمع كميات كبيرة من الاتستاكوزا على حد وصف الدكتور"حافظ" اقلها طولاً يزيد عن المتر، وكان الدكتور"جوهر" قد اعد أحواضاً لنقلها حية فى ماء البحر حتى الملك فى القاهرة. القذافى ينقذ اللغة العربية ومن الإنتاج العلمي للدكتور "حافظ" أكثر من مائة وستين بحثاً منشوراً في مجال الحشرات ومكافحة الآفات بالمجلات العلمية المتخصصة في مصر و الدول الأوروبية، كما أنه ألف وترجم وراجع عشرات الكتب في علوم الحشرات؛ كما أسهم في ?معجم علم الأحياء? و?معجم الكيمياء والصيدلة? الصادرين عن مجمع اللغة العربية بالقاهرة، وكتب الجزء الخاص بالحشرات فى الموسوعة الميسرة"فرانكلين" وقد حاز د."حافظ" العديد من الجوائز والأوسمة؛ منها: جائزة الدولة التقديرية في العلوم، وجائزة مبارك، والميدالية الذهبية لجهوده العلمية البارزة مع شهادة تقدير من أكاديمية البحث العلمي، وشهادة تقدير من هيئة البحوث الدولية بوزارة الزراعة الأمريكية، إلا أن اللغة العربية همه الأول فعندما سألته عن ملاحظة"برجشترسر" استاذ اللغات السامية بجامعة ميونخ عام 1929م، أن اللغة العربية هى اللغة الوحيدة فى العالم التى ليس لها معجم لغوى تاريخى، يمكن عبره رصد تتبع تطور مدلول ألفاظها، أجاب على الفور أن المجمع اللغوى حالياً بصدد الانتهاء من إعداد هذا المعجم التاريخى، الذى بدأه "فيشر" وان الدكتور" على فهمى خشيم" ــ شفاه الله ــ قدم للمجمع مبلغ عشرين ألف دولاراً منحة من الرئيس الليبى "معمر القذافى" من تبرع يبلغ اجماليه مائة ألف دولار، تبرع بها الرئيس الليبى عندما عرف بمشروع المجمع اللغوى المصرى. على أمل اللقاء سألت العالم الدكتور"محمود حافظ دنيا" كيف يقضى أسبوعه وهو العضو فى الأربعة وأربعين هيئة مصرية وعالمية حتى انه يعد خليفة"نابليون بونابرت" فهو رئيس المجمع العلمى المصرى الذى أنشأه "نابليون" إبان حملته الفرنسية على مصر? قال الرجل وهو يبتسم:" أنا رجل بره ورجل جوه، السبت والاثنين فى الكلية، والأحد والثلاثاء و الأربعاء فى مجمع اللغة العربية، والخميس فى المجمع العلمى، أو تلبية لدعوة فى اى مجمع للغة العربية فى العالم العربى حيث اننى رئيسها أيضاً، وأحياناً أزوغ من الكلية واذهب للمجمع اللغوى، أما أجمل ايامى فهو الجمعة حيث أستطيع أن اقرأ فيه قراءة حرة"، و بعد أن أعطيته ملفاً ضخماً يحتوى ما استطعت أن اصل إليه من معلومات عنه عبر صفحات الانترنت بالغات العربية والإنجليزية والفرنسية، ودعته بأمل اللقاء على شاطىء بورسعيد العام القادم، صحبة السيدة حرمه التى تقول عنه أنه"الأخلاق النبيلة عندما تمشى على قدمين". عمرو على بركات
الدكتور محمود حافظ دنيا على شاطىء بورسعيد | 
