البحث في المجالس موضوعات تعليقات في
البحث المتقدم البحث في لسان العرب إرشادات البحث

مجلس : الأدب العربي

 موضوع النقاش : مسئولية الرواد عن غياب المشروع النهضوى العربى اولهم "طه حسين"    كن أول من يقيّم
 عمرو 
10 - نوفمبر - 2006
على هامش سيرة... طه حسين
عمرو على بركات
أطلت علينا جريدتنا القاهرة بذكريات المعارك الفكرية لعميد الأدب العربى الدكتور "طه حسين"، ومما لاشك فيه أن "طه حسين"(14 نوفمبر1889ـ 28 أكتوبر1973) يثير قضية العبقرية المصرية فى شقها القلق المتعلق بموقفها من التراث والمعاصرة، فهو عقل يعكس إشكالية الرعيل الأول الذى اقتحم الماضى التراثى من ناحية، وتعاطى أحدث المناهج الفلسفية السائدة فى عصره من ناحية أخرى، ذلك الاقتحام، وهذا التعاطى يضعه وأقرانه موضع المسؤولية عن واقعنا المعاصر، وما نتج عن هذا الاقتحام من الدخول إلى مناطق محظورة، وهذا أول ما حدث حدث مع "طه حسين" حين أنزل منهج الشك الديكارتى على التراث العربى الجاهلى، وخاصة عندما جلب تطبيقه لهذا المنهج نتائج لم تتفق مع التراث نفسه، فعرضته للصدام مع حراس الدين . ولكن هناك ملمحاً غائباً هو تركيب تلك العقلية الطاهة حُسينية، وهو ما يعرف بشخصية الباحث على المستوى الانسانى، وما لهذه الشخصية من سمات قد تضيء ، وتكشف عن آليات عمل عقله، وتفكيره الابداعى، وتدبيره للحلول العقلية للمشاكل البحثية التى يتعرض لها، وشخصية "طه حسين" من الثراء بحيث انه يصعب الوقوف عليها من خلال كتابته لسيرته الذاتية، ولكن يمكن العثور على مبتغانا فى كتابات الآخرين لسيرتهم الذاتية، وذكرهم لأحداث كان السيد العميد طرفاً فيها.
ظالم..!!
يذكر الأستاذ"حسين أحمد أمين" فى كتابه عن بيت والده المفكر"أحمد أمين"(11 أكتوبر1886 ـ 30 مايو 1954م) الخصومة الشديدة التى كانت بين والده، وبين "طه حسين" وأرجع تلك الخصومة إلى أن "طه حسين" رجل متسلط يحب فرض إرادته الشخصية على كل من يشتغل معه، فإذا ما حدث خلاف فى الرأى معه ناصبه العداء، بينما نجد شعار "أحمد أمين" هو فى قوله:"أريد أن أعمل لا أن أسيطر" فكانت الشخصيتان متناقضتين فى طريقة الإدارة و أسلوب العمل، ومن تلك الأمثلة التسلطية التى يذكرها الابن "حسين أمين " فى منزل والده، عندما قام "طه حسين" بنقل المؤرخ المصرى" محمد شفيق غربال"(4 يناير 1894 – 19 أكتوبر 1961) من منصبه كعميد لكلية الآداب بالجامعة المصرية، إلى وزارة المعارف، وكيلاً مساعداً للوزارة، لا لأن وزارة المعارف تحتاج لأستاذ للتاريخ الحديث بها، و أن يكون درس التاريخ فى انجلترا على يد المؤرخ الريطانى الشهير "أرنولد توينبى"، ولكن "طه حسين" نقل العلامة"شفيق غربال" لأنه رفض قبول طالب بلديات "طه حسين" بالمجان فى الجامعة حسب توصية "طه حسين" وزير المعارف وقتها، ما هو المبرر العقلى الموضوعى لمثل هذا التصرف? الذى تم على المستوى الشخصى، أيهما يعتمد على أمانته العلمية، وأيهما حر الإرادة?هل هو"شفيق غربال" الذى تمسك بالقواعد والقانون الحاكم للانتظام فى الجامعة المصرية? أم"طه حسين" الذى أعمل مبدأ المحسوبية، وتوفيق المصالح? تحت شعار التعليم كالماء والهواء! وما قيمة هذا الطالب المجهول، وما حدث لمستقبل الثقافة فى مصر بعد التحاقه بالمجان بالجامعة! أمام نقل عميد كلية الآداب فى مقابل ثمن مصاريف هذا الطالب المحسوب على بلد "طه حسين"! ومدى الألم النفسى الذى أصاب "شفيق غربال" ومعاناته! ثم تأثير هذا القرار على المحيطين ب"طه حسين" فقد أصبح مصير رجل مثل"شفيق غربال" أمام أعين كل من يتعامل مع "طه حسين" ويقع تحت سلطانه الادارى،فلا شك انه عندما يعرض عليهم أمراً للمشورة سوف يلتمسون رأيه فيما يطرحونه من مشورة، تجنباً للصدام مع الديكتاتور، وطلباً للنجاة.
 مدلل!!
لقد وسم"أحمد أمين" صديقه اللدود"طه حسين"، بأنه"فى حاجة إلى التدليل الدائم، وكان يرحب بمن ينقل إليه الكلام، وكان يريد الشىء ويتظاهر بأنه لايريده" حتى ضاق صدر "أحمد أمين" من هذه التصرفات لعدم قدرته على مجاراتها، فلا يعقل أن رجل همه الفكر والبحث العقلى يكون "ماسح جوخ" ل "طه حسين" أو "مطيباتى"!! هذا العقل الذى يريد صاحبه الشىء ويتظاهر بأنه لا يريده على المستوى الشخصى، نراه ملمحاً طاغياً خافياً فى كل أعمال "طه حسين" الأدبية ذات المناحى الفكرية البحثية، فإذا أعدنا قراءة كل أعمالة ونحن نضع هذه الخصلة نصب أعيننا سوف نعيد تقيم العميد، فنراه قد أخفى ما أراده وصرح بما لم يرده، وهو بصدد البحث مثلاً عن الظروف التى أحاطت ظهور الإسلام، ففى كتابه"مرآة الإسلام" نراه اعتمد على وقائع تراثية أعلن انه يبحث فيها عن نواحى عظمة الإسلام،بينما قراءتها بصياغته ذات الأسلوب الضبابى، و مع الإحاطة بذلك الملمح فى شخصيته، ينقطع اللبس باليقين، انه هدف إلى تمييع فكرة الدين الاسلامى كدين جديد صدح فى الجزيرة العربية، وانه ليس إلا التطور الطبيعى الحضارى للفكر الجاهلى، وانه كان قادماً قادماً سواء بالنبى محمد(ص) أو بغيره من أبناء عشيرته، تلك هى مرآة "طه حسين" التى رأى فيها الإسلام، مصرحاً بما لم يرده مضمراً ما أراده. وفى كتابه "على هامش السيرة" نراه يتحدث عن قداسة الكعبة فى العصر الجاهلى بصياغة يغلب عليها تهميش قدسية البيت العتيق عند أهل مكة إلا بيت "عبد المطلب"، مما يجعل القارئ بعد أن عرف عن"طه حسين" انه يصرح بما لا يريده، يزول اللبس فى فهم الحوار الذى صاغه "طه حسين" بين جد النبى(ص) وزوجته، وسبب رحيلها إلى الطائف لسخريتها من تقديس قريش لهذا البيت!! إن"طه حسين" يحتاج إلى إعادة قراءته قراءة عكسية لبلوغ مراميه الفكرية.
يصطنع العدل
فى النسخة التى بين أيدينا لكتاب "النثر الفنى" تأليف "زكى مبارك"(1891 ـ 1952م) ، إهدائه الكتاب بخط يده إلى"حضرة المحترم الأستاذ المطّلع النابغة عبده حسن الزيات من المخلص زكى مبارك" بتاريخ 14/11/1935م ،تكمن المفارقة أن الدكاترة"زكى مبارك" يهدى كتابه  هذا إلى من سيصبح فيما بعد نسيب "طه حسين" ويذكر فى المقدمة عن العميد" أما هذا الرجل تربطنى به ألوف من الذكريات، يرجع بعضها إلى العهد الذى كنت فيه طالباً بالجامعة المصرية القديمة، يوم كان يصطنع العدل الذى يلبس ثوب الظلم فى امتحان الطلاب، فقد ساعد مرة على اسقاطى فى امتحان الجغرافيا ووصف الشعوب، وأسقطنى مرة ثانية فى امتحان تاريخ الشرق القديم، والسقوط فى الامتحان مما يحفظه الطالب المخلص لأستاذه المنصف". وينعكس هذا المنحى عند "طه حسين" فى آليات عمل عقله المناوئ التوفيقى، التلفيقى، الذى يملك ناصية مغالطة العدل بالظلم، فقد رصد "زكى مبارك" كيف ينكر "طه حسين" على العرب معرفتهم بالنثر، لأنهم كانوا أوليّ الثقافة، بينما يرى "زكى مبارك" أن القرآن الكريم يعد شاهداً من شواهد النثر الجاهلى يصح الاعتماد عليه، لأنه كنص جاء كخطاب بناءاً على تصورات مماثلة للصورة النثرية  عند غير النبى من الكتاب والخطباء، ولولا ذلك ما استطاعوا أن يدركوا تفرد صفاته الأدبية، إلا أن "طه حسين" قد اهتدى إلى حل توفيقى ظاهره العدل باطنه الظلم عندما أعلن أن كلام العرب ينقسم إلى ثلاثة أقسام:شعر ،ونثر، وقرآن، فهو إن ميز القرآن فى تقسيمه لكلام العرب إلا انه عن وعى عمد إلى ذلك التقسيم التوفيقى حتى يحافظ على نتائج بحثه فى الشعر الجاهلى، فقد طبق منهج الشك الديكارتى على الشعر الجاهلى ليصل إلى انتحال الرواة له، بينما كان يطبق منهجه الديكارتى على القرآن نفسه، وجعل الشعر مصدراً له،حتى منهجه فى هذا المجال لا يعد جديداً على الأدب العربى، وإنما قام"طه حسين" بتطعيم منهج "المبرد" فى كتابه" الكامل" بمفردات لغة الأدب الحديثة، فقد كان عصر"المبرد"يذخر بالاستدلال الشعرى على تفسير آيات القرآن الكريم حتى مثل ذلك ظاهرة دفعت الكثير من الفقهاء إلى التوقف عنها حتى لا يسطو الشعر الجاهلى على القرآن الكريم. وعليه تكون المناوأة من سمات عقل "طه حسين" الذى يفترض نتائج البحث قبل الشروع فيه، ويرفض أن يتحول عنها حتى لو باملاءات منهجه الذى اتبعه، وقد كانت هناك خلافات شديدة بينه وبين الدكتور"شوقى ضيف" ألمح إليها الدكاترة "زكى مبارك" أملاً أن يكشف عنها الدكتور"ضيف" إلا انه رحل عن عالمنا دون ذكرها.
غريب وأعمى
يذكر الأستاذ"أحمد الطماوى" فى كتابه نقلاً عن المفكر المصرى الكبير"صبرى السربونى"(1894ـ 1978) ، والذى كان معاصراً لوجود "طه حسين" فى باريس عام1918، بل كان زميلاً له مع "جلال شعيب"، انه يوم إعلان نتيجة امتحان الليسانس ذهب "السربونى" إلى الجامعة فلم يجد اسمه، ولا اسم "طه حسين" فى كشف الناجحين، وفى اليوم التالى وجد اسم"طه حسين" محشوراً بين سطور الناجحين، وهذا ما أثار الكثير من الدارسين المصريين، حتى كشف "جلال شعيب" عن سر "حشر" اسم "طه حسين"، فقد ذهب إلى الأساتذة الفرنسيين فى السيربون مصطحباً معه "صديقته سوزان" الفرنسية، واستدر  عطفهم بأنه غريب وأعمى، وعلى أبواب الزواج من فرنسية، وقد توسطت له"سوزان" لإقناعهم، حتى انه اتكأ على موضوع كونه غريب و أعمى مرة أخرى مستخدماً هذا المدخل العاطفى عند البدء فى مناقشة رسالة الدكتوراه، حيث يذكر"على أدهم" فى رواية شفهية عن الفنان" أحمد صبرى" جاءت فى كتاب"سامى الكيال"يذكر فيها أن "طه حسين" افتتح مناقشة رسالته للدكتوراه قائلاً:" ولُسمح لىّ بأن أعتذر عن اسلوبى الفرنسى إذ بلا ريب فى كثير من المواضع ركيكاً، أو خاطئاً، وكذلك عن الأغلاط المطبعية، فما كنت إلا غريباً وأعمى".
ينسب إلى نفسه ما يستحيل تحقيقه!!
فى حوار بين "طه حسين" والأستاذ "كامل الزهيرى" فى جريدة الجمهورية بتاريخ 14/11/1974 يذكر "طه حسين" أنه درس تاريخ اليونان على"جلونز"، ودرس تاريخ الرومان على "بلوك"، و الأدب الفرنسى على"لانسبون"، والفلسفة والاجتماع على"دوركايم"، ومنهج ديكارت على"ليفى برول"، والثورة الفرنسية وتاريخها على"أولار"، والتاريخ البيزنطى على"شارل ديل"، والتاريخ الحديث على"سيتوس"، والجغرافيا على"ديمانجون"،ويعلق "صبرى السيربونى" على هذا الحديث قائلاً:" هذا كلام لا يسكت عليه، إن طه حسين نسب إلى نفسه ما يستحيل تحقيقه ، حيث أن جميع هؤلاء من كبار العلماء والأعلام، الذين لم يجتمعوا فى تاريخ واحد معاصر للتدريس فى السوربون، كما أن " طه حسين" لم يدرس على يد كل هؤلاء،لأن دارس التاريخ لابد أن يتخصص إما فى التاريخ القديم ، أو العصور الوسطى، أو التاريخ الحديث، وقد تخصص طه حسين فى التاريخ القديم، فكيف درس تاريخ الثورة الفرنسية إذن?كما أنه كان قليل التردد على السوربون لعاهته، ولا أذكر أبداً أنى رأيته يستمع لأولار، ولا لديمانجون مثلاً، وكون انه استمع لمحاضرة أو محاضرتين لأستاذ من الأساتذة لا يعنى هذا انه درس عليه، ومن ثم لا يعقل انه تتلمذ على كل هؤلاء الأساتذة الكبار... إن ما درسه طه حسين هو اللغة اللاتينية لتعينه على فهم التاريخ القديم".
لقد اجتمعت لدى "طه حسين" فرص مواتية، منها العدل الاجتماعى لهذا القادم من أعماق قرية الكيلو بمركز مغاغة فى صعيد مصر، فتهيأت له الظروف ليدرس فى أعلى الجامعات العلمية على مستوى العالم فى مطلع القرن العشرين، كما تهيأت له ظروف أن يصبح مالكاً لناصية القرار فى مصر كلها كوزير للمعارف، إلا انه أضاع تلك الفرص منه بغلبة الجينات الوراثية المصرية على سلوكه، فانشغل بالحروب الشخصية السلطوية، وأفكار الديكتاتور الكامنه فى شخصية كل مصرى، ولكنه رجل رحل عن عالمنا وترك ثراءً فى الإنتاج، ولكنه ترك خواءً فى المشروع الفكرى النهضوى يمكن أن يحسب له، أو نختلف معه فيه فيحسب عليه، فهو كان طلّاعة عصره الذى انفتح على الغرب، وقد حباه الله بأفكار جريئة، ولكنه لخصلة قومه، والبحث عن السلطة عاد فدفن رؤسنا فى رمال النصوص، فكانت النتيجة أن أصبح مساهماً أصيلاً فى أسباب غياب المشروع النهضوى ، الذى دفعنا ثمناً لهذا الغياب من واقعنا الذى نحيا فيه الآن بين مرهباتية ومكفراتية، وكتبت علينا المواجهة، لأن رعيل "طه حسين" كان غريباً وأعمى، ومناوراً.
عمرو على بركات
     
أحمد أمين                    شفيق غربال          زكى مبارك                  طه حسين
 
 
 
تعليقاتالكاتبتاريخ النشر
لا يوجد تعليقات جدبدة