البحث في المجالس موضوعات تعليقات في
البحث المتقدم البحث في لسان العرب إرشادات البحث

مجلس : اللغة العربية

 موضوع النقاش : المدونات مخل لعصر ثقافى جديد?!    كن أول من يقيّم
 عمرو 
4 - نوفمبر - 2006
المدونون والمدونات
عمرو على بركات
ظهر فى عالم الانترنت ما يعرف باللغة الإنجليزية باسمBLOG وهى كلمة مشتقة من كلمتين هماWEB+LOG وقد اعتمدها قاموسا"ويبستر" الامريكى، و"أكسفورد" البريطانى، بينما تعرف فى اللغة العربية باسم"مدونة" فى غيبة مجامع اللغة العربية.
والمدونات عبارة عن وسيلة نشر الكترونية يستطيع استخدامها كل مشترك فى الانترنت، دون مقابل، وذلك بأن ينشىء له موقعاً خاصاً، ويمنحه اسمه الحقيقى، أو المستعار، أو اى اسم يريده،و قد يكون هناك موقع واحد يجتمع فيه أكثر من صاحب مدونة، مثل موقع"أوكساب" السعودى، ويصل عدد زوار موقع مدونة واحدة فقط الى ما يزيد عن ألفين زائر خلال الأسبوع الواحد، مثل ما يحدث مع مدونة"بودعيج" الكويتية،وموقع"بهية" المصرى الذى يصدر باللغة الانجليزية، وقد كانت المدونات فى نسختها الأولى تعرف باسم المذكرات الالكترونية، حيث ظهرت للوجود عام 1994، أما مصطلح "بلوجرز" فقد ابتكره المدون الامريكى"جورن بارغر" عام 1997.
المدونات هى الرسالة والوسيلة
تغيب عن المدونات منظومة العمل المؤسسى بما يقدمه من تنظيم ورقابة، فكثير من المدونات تكتب لأسباب شخصية، معتمدة على معلومات تم تقديدها بقدر غرض الإثارة المنشودة، ولذا فالمدونات لا تخاطب أصحابها فقط، وإنما لها جمهور خاص من القراء، وبلغة خاصة أيضاً،فهى تحتوى على الكلمة، والصورة، ومقاطع فيديو، وبحسب أرقام الإحصاء فى أحد محركات البحث العالمية، فان11% من مستخدمى الانترنت حول العالم هم قراء لمدونات، أى يبلغ عددهم 50 مليون شخصاً، كما ينطلق 75 ألف مدونة يومياً، هذا بخلاف ما يحدث من عمليات التحديث لتلك المدونات القائمة فعلاً، والتى تبلغ 1,2 مليون عملية تحديث يومياً، أى بمعدل 50ألف عملية للمدونات فقط فى الساعة الواحدة!!
لم يكن يتوقع المفكر الكندي الكبير "مارشال مكلوهان"( 1911م:1980م)، أبرز فلاسفة الميديا، أن تصل عبارته الشهيرة" الرسالة هى الوسيلة" الى سدرة منتهى معانيها فى عصر المدونات، فالمدونات هى أعلى درجات تأويل مقولته الأخرى "إن العالم أصبح قرية صغيرة"، من حيث سرعة وسائل الاتصال، و نوعية الرسائل التى تحملها تلك الوسائل فى شكل مواقع المدونون و المدونات. لقد تميزت المدونات ـ وان اعتمدت على الكلمة المكتوبةـ عن الكلمة المطبوعة فى الكتب والصحف، فمتلقى الصحيفة يعد فى عصر المدونات، متلقياً سلبياً، حتى لو أراد أن ينفعل مع ما يقرأه، فانه سوف ينفعل مع نفسه، وعلى نفسه، بينما المدونات تمنح قارئيها الحق فى الانفعال المرئى الفورى، فيملك كل قراء المدونات أن ينفعلوا على لوحة المفاتيح أمام حواسبهم الآلية فى لحظة القراءة ذاتها، ويكتبون رأيهم، ويظهر بعد الانتهاء من كتابته مختوما بكلمة"أرسل" ليظهر على الفور بجوار المدونة التى أثارت رأيه، ورؤيته، بينما بريد القراء فى الصحف المطبوعة يفتقد الى هذا الانفعال الحر السريع، ناهيك عن التواصل المنعدم بين مؤلف الكتاب، وقرائه، إن المدونات هى الخطر القادم الذى يهدد عرش الصحافة، فلم نعد فى حاجة الى رؤساء تحرير أمثال "عادل حمودة" أو "صلاح عيسى" فكل قارىء سيكون قارئاً ورئيس تحرير "منه فيه"، ويتحول رؤساء التحرير الأوائل أمثال "هيكل" الى حفريات لوظائف انقرضت، وستصبح نقابة الصحفيون، نقابة المدونون.
مدونات العصر الجاهلى
توفى"أونج" سنة 2001 ولم يشهد عصر المدونات ليرصده مع ما رصده فى كتابه"الشفاهية والكتابية" من تاريخ التحول الثقافى الانسانى، من شفاهية خالصة، لم يكن يعرف الإنسان فيها أن لكلامه الذى يخرج من فمه له شكل مكتوب يوضع فيه، وهم ما يعرفون بالشفاهيين الخلّص، ثم تطورت الثقافة بفضل الكتابة، و هو ما يعرف بالعصر الكتابى، وفى العصر الحديث عرف الإنسان الوسائط السمعبصرية، فقال عنه "أونج" انه عصر الشفهية الثانية، ولكن مع ظهور المدونات فى عصر الشفاهية الثانية بتلك الصورة المميزة لها، وبإنزال منهج"أونج" فان المدونات تعد دخولاً فى عصر الثقافة الكتابية الثانية، أى ثقافة الكتابة الالكترونية، ذات الشاشة، وليس الورق، فهى تنتمى لعصرين ثقافيين مختلفين، فعندما وقف "قس بن ساعدة الآيادى" فى العصر الشغاهى، المعروف بالعصر الجاهلى، متكئاً على عصاه قائلاً:"أما بعد"، فقد كان "قس" ينشىء وقتها مدونته التى يعبر فيها عن رأيه فى أحداث عصره، بل ورأيه فى قضايا الوجود مثل الحياة والموت، فكانت مدونات العصر الجاهلى هى البذرة الأولى التى صنعت الخطابة، والشعر، و النثر، لقد كان شعراء العصر الجاهلى بمفهوم عصر المدونات، هم أصحاب مدونات، ولكن بدون مواقع على الانترنت، وإنما كانت مواقعهم على الهواء مباشرة فى أسواق الحجاز، و عكاظ، لاشك ان المدونات سوف تقدم أنواعاً مختلفة من فنون الأدب، الذى تمتزج فيها الكلمة، والصورة، والصوت، والفيديو. وكانت هناك عمليات تحديث لتلك المدونات الشعرية الجاهلية، ولكن يقوم بها الرواة، المتلقون، فالرواة هم الذين ينفعلون مع المدونات، ولذا بإنزال مفاهيم العصر على قضايا قديمة، يعد الرواة محدثين مدونات الشعر، وليس منتحلين، كما وصفهم بذلك"طه حسين" فى كتابه"الشعر الجاهلى" فقد استحضرت لنا مدونات الانترنت روح عصر الثقافة الشفاهية الغائب عنا، فمنحتنا الفرصة لكى نعيد مناقشة قضايانا الثقافية عبر سياقها الواقعى فى زمانها، فنحقق بذلك الوعى المفقود بهويتنا الغائبة.
المدونات ليه?
إن تنامى المدونات بتلك السرعة الكبيرة خلال تلك الفترة الزمنية القصيرة، لاشك يشير الى أنها تملك شيئاً خاصاً، أشبه بالقدرة على الانقسام الخلوى الذاتى، فهى صفحات تتحرك فى فضاء شبكة معلومات الأصل فيها هو العشوائية، تلك العشوائية هى القانون الذى منح المدونات الحق فى الوجود،فهى تعيد تاريخ ظهور الطباعة أول مرة، وخاصة فى عصر الصحافة، فكتب الصحفيون، واسموا ما كتبوا"مقال" والمقال من القول، والقول، ينتمى الى الثقافة القولية الشفاهية، فكانت ذاكرتهم تحمل أطلال المفاهيم الشفهية من كون الكلام فى حد ذاته تفكير ، أما المدونون فقد أطلقوا على نشاطهم فى الثقافة العربية، فعل التدوين، وهو من عصر الثقافة الكتابية، ولكنهم يقدمون كتابة الكترونية، بينما الغرب عندما قدم مصطلحاً للمدونات، استخدم مفردات الانترنت،من تركيب كلمة شبكة، ودخول إليها، هذا لأنهم أكثر استيعاباً من زملائهم المدونون العرب لثقافة عصر الانترنت، إن المدونون العرب يمارسون نفس الفعل الذى يمارسه المدونون الغرب، ولكن لكل منهما رؤيته التى أسس عليها مدوناته،ولكنهم فى النهاية يلتقون فى أن المدونات تعلى من شأن الخطاب الغير الرسمى، بعيداً عن مؤسسات الدولة، كما أن جميع المدونات تحقق روح المشاركة والتضامن، الذين غابا بفعل ثقافة الميديا، وتعزز لأول مرة فكرة العقل الجمعى الايجابى، فلم يعد العقل الجمعى كما صوره "شكسبير" مجرد دهماء، يستطيع "بروتس"، أن يلعب فى عقولهم، إن دهماء العصر الحديث لديهم مدونات على شبكة الانترنت، كما أن المدونات نجحت فى الجمع بين المتلقى والمرسل من ناحية، وبين المتلقين وبعضهم البعض من ناحية أخرى، ولن يعد هناك مجال للتفاخر بمعدلات التوزيع ، التى هى من مقاييس عصر الصحف المراقبة، لتفتح المدونات عصر لا يعتنى بالعدد بل بالإحساس العالى بالمجموع ككل، وقيمة الجمهور كجمهور، وليس كأفراد تصنع فى مجملها الجمهور.
المدونات وتحول السلطة
فى عصر المدونات سوف تتغير مفاهيم كثيرة، أهمها مفهوم المعلومة نفسها فالمصدقاية لن تصبح من شروط المعلومة الجيدة، ولكن قدرة المعلومة أن تحقق وظيفة فى مدونة هى التى تمنحها فرصة الانتخاب دون معلومة أخرى، أياً كانت تلك الوظيفة، طالما جميع الدهماء يملكون مدونات وقتها، فلن تكون هناك قيم تحمل معانى الفضيلة، كالاختيار بين الصدق والكذب، سوف تخلق المدونات عبر تراكمها المتنامى المستقبلى عالماً افتراضياً خاصاً بها، هذا العالم من صنع المتلقى، القارىء، المستهلك، ولا وجود فيه لسلطة المرسل، أو سلطة الرقيب على وسيلة الاتصال.فكما أوضح"ألفن توفلر" الكاتب الأمريكى، فى كتابه"تحول السلطة" إن عناصر القوة تكمن فى المال، والقوة، والمعلومة، ولكن عندما يستوى صدق، وكذب المعلومة، فى عصر المدونات، فلا شك أن معادلة القوة سوف تختزل فى المعلومة فقط، حيث أن المعلومة عبر المدونات، سوف تمنح صاحبها المجهول القوة، بل وقد تؤثر فى أسعار أسواق البورصة، وانتخابات الحكومات، ولن تكون هناك فرصة لدى أحد ليطعن بكذب معلومة، ففى عصر المدونات تحدث المعلومة أثرها أولاً، ثم تعالى نتناقش، هل كنت مصيباً أم مخطئاً ? فى مدونتى التى ربما تلاشت، كما فعلت مدونة "بروتس"، فقد مات القيصر، أما هل كان القتلة على حق أم لا? فقد صدرت المدونة ، وتم تحديثها، وانتهى الأمر، وعندما تواجه الحكومات المدونات بنظام تعقب المواقع وحجبها عبر الأجهزة الخادمة المركزية ، فان ذلك سوف يكثف من قيمة المدونات ويتحول المدونون الى أبطال، فى مواجهة سلطان الدول،ولكن على الحكومات أن تتخلى عن جزء من سلطانها المعلوماتى، وتصدر قوانين حرية تداول المعلومات، بل وتمارس فعل المدونات هى الأخرى، فالمدونات لا تكافح إلا بالمدونات، وليس بأسلوب "الهاكرز" الحكومى.
الأساطير الديجيتال
لا شك أن المدونات تمثل تهديداً لأصحاب السلطة حالياً فى كل بقاع الدنيا العنكبوتية، ولو كان"صلاح نصر" على قيد الحياة حتى عصر المدونات، لغير موقفه فى كتابه"معركة الكلمة والمعتقد" ـ الذى لم يؤلفه! ـ فيما يختص بأمن المعلومات، فعصر المدونات، أصبح مشكلة أمام أجهزة تأمين المعلومات الحكومية، فكما لم يعد لصدق المعلومة قيمة، أصبح رصد المعلومة الكاذبة على صفحات المدونات ضرباً من العبث الذى لا طائل منه، لقد جاءت المدونات، لتطيح بكل سبل "صلاح نصر" وأقرانه فى مكافحة الشائعات، فالأصل فى المدونات هو الإشاعة، وقد تكون مدعومة الصوت والصورة، وتقدم المدونات أخباراً عديمة المصدر، تصبح فيما بعد مُمصدرة، بأول مدونة كاذبة ذكرت الخبر، ففى عصر المدونات سوف يختلف شكل الخبر، فلن تصبح هدف محطات الأخبار الإعلام عن الأخبار التى لا يستطيع المتلقى معرفتها، وإنما إعادة صياغة الأخبار التى يعرفها من المدونات، وتوظيفها لتحقيق أهداف موجهة أخرى، وهو ما يعرف بفن إعادة صناعة المعرفة، وإعادة تفسير الأنباء فى حدود تعزيز التوجه الاعلامى بعيداً عن قضية الإعلام الصادق، ليصبح الإعلام هادفاً فقط، وكما يعرف "لابيير" الأسطورة فى كونها إشاعة أصبحت جزءاً من تراث الشعب الشفهى، فان المدونات سوف تكون مصنعاً لأساطير تترجم تراث الشعوب الديجيتال، لاشك أن المدونات يجب أن تستغرق من المعنيين دراسات أكثر، وأعمق، فهى تحمل ملامح العصر القادم بكل مفرداته الثقافية والسياسية، والاقتصادية، والاجتماعية.
تعليقاتالكاتبتاريخ النشر
لا يوجد تعليقات جدبدة